هذه إحدى مواضيع التنمية المهنية .. ألقيت في قسم الاجتماعيات ونوقشت مع الزملاء المعلمون .. أتمنى أن تكون مفيدة ... وحقوق الاستخدام متاحة للجميع
محاضرات التنمية المهنية
النظام داخل الفصل !
يختلف المعلمون في نظرتهم وفهمهم لمفهوم " النظام " داخل الفصل الدراسي ، فمنهم من يرى بأنه يعني امتثال التلاميذ لجميع الأوامر والتعليمات التي تحدد مسار العملية التعليمية ، سواء من إدارة المدرسة أو من المعلم ذاته ؛ والنظام بهذا المعني يفترض حالة من السكون التام داخل الفصل ، وعدم إمكانية التحدث أو حتى الالتفات إلا بإذن مسبق من المعلم ، وأن على التلاميذ تنفيذ كل ما يطلب منهم بصورة تلقائية وفورية وبدون مناقشة . وهذا الشكل من النظام في حقيقة الأمر ليس سوى مظهر من مظاهر التربية الكلاسيكية التي يرى أصحابها أن السكون والصمت داخل الفصل من قبل التلاميذ له وظيفة أساسية بحيث يساعد المعلم على القيام بدوره التعليمي بصورة متصلة ومستمرة . من الواضح أن هذا الفهم الكلاسيكي مرتبط أساساً بالفهم التقليدي للتعليم ، والذي يقوم على أساس " التلقين والحفظ والاسترجاع " .
ثمة فريق آخر يرى أن للنظام داخل الفصل مفهوم تربوي أعمق وأبعد من مجرد تحقيق حالة من السكون التي تمكن المعلم من الحديث بمفرده دون مقاطعة ! فالنظام داخل الفصل ينبغي أن يكون له بعد تربوي متصل بالعملية التربوية ككل ، فهو غاية وقيمة تربوية ينبغي أن تغرس في نفوس التلاميذ لتصبح جزءاً من شخصيتهم وبالتالي من سلوكهم . يفترض هذا المعنى العميق للنظام أن يتم التعامل مع التلاميذ بصورة حذرة ولبقة في نفس الوقت ، فليس كل ما يقوم به التلميذ " خطأ " ، كما أن خرق أحد التلاميذ لحالة السكون المطلوبة في الفصل أثناء إلقاء المعلم ينبغي أن يستثمر بصورة تربوية بحيث يتم توضيح الأثر السلبي على ذلك الخرق ، والتأكيد من جهة أخرى على أهمية الالتزام بالهدوء والاستماع للمعلم بوصفه قيمة أخلاقية ( آداب الحوار ) .
غير أن الأمر لا يفترض هذا الفصل الحاد بين هذين المفهومين للنظام داخل الفصل ، ولا يعني أبداً أن المعنى الأول غير مرغوب فيه ، فهو في الحقيقة يعد ضرورة في كثير من المواقف ، بل إنه يعتبر من الأساليب الأساسية في مراحل التعليم المبكر ، على أن يتم بطريقة تربوية يكتسب الطفل من خلالها قيمة سلوكية جديدة اسمها " النظام " .
إن مفهوم النظام داخل الفصل يستدعي إلى الذهن فكرة " العقاب " ، على اعتبار أنه الوسيلة الأساسية التي يتم بها تحقيق أو فرض النظام داخل الفصل ؛ وهنا ندخل في مجال آخر من مجالات التربية ، وفيه نجد كذلك خلافاً حول مفهوم العقاب ومعناه والوسائل المثلى لتحقيقه . غير أنه من الواضح ملاحظة الارتباط المنطقي بين مفهوم " النظام " وبين مفهوم " العقاب " ، فإذا كان الاعتقاد بأن مفهوم النظام بالمعنى الوظيفي ( المعنى الأول هنا ) فإنه من
المنطقي أن يكون العقاب كذلك ذو معنى وظيفي كذلك بحيث يصبح وسيلة لفرض حالة السكون والهدوء المرغوبة . أما إذا كان مفهوم النظام متخذاً شكل الغاية التربوية والسلوكية ، فإنه يكون من المنطقي أن يأخذ مفهوم العقاب معنى أوسع من المعنى السابق .
يترتب على ذلك أن يكون لدى المعلم رؤية واضحة لماهية " النظام " داخل الفصل ، وأن يطبق بالتالي ما يعتقده بصورة تربوية تقوم على أساس الانسجام المنطقي ما بين معنى النظام ومعنى العقاب ، وفي كل الأحوال ينبغي أن لا تخرج مسألة فرض النظام وتطبيق العقوبة عن الهدف الأساسي الذي جمع المعلم بالتلميذ ، ألا وهو " التربية " .
** نظام العمل وتأثيره على مفهوم " النظام " :
تفرض المؤسسة التربوية الرسمية ممثلة في وزارة التربية نظاماً عاماً يحدد العمل وآلياته وكيفية تطبيقه ، ومن بين تلك الآليات ما يتعلق بالتعليمات الخاصة بتعامل المعلم مع المشكلات التي تنشأ داخل الفصل ، سواء بين التلاميذ أنفسهم ، أو بينهم وبين المعلم . وتقوم آلية العمل في المدارس الثانوية مثلاً - وهو ما يهمنا هنا - على أن يقوم المعلم بكتابة تقرير عن المشكلة التي حدثت في الفصل ، ثم تحويل الأمر إلى رئيس القسم العلمي والذي يقوم بدوره بتحويل الأمر إلى الاختصاصي الاجتماعي ثم مدير المدرسة ! وواضح أن مثل هذا الإجراء يفتقد إلى أبسط مفاهيم التربية الحقيقية ، فهو يقول للتلاميذ بكل وضوح ، وعن طريق المعلم ذاته ، أن المعلم غير قادر على حل هذه المشكلة !!!
إن كان الالتزام بنظام العمل يمثل فضيلة يجب أن يحترمها المعلمون ، فإن ذلك الالتزام ينبغي أن لا يؤخذ بصورة حرفية ميتة وخالية من أي معنى تربوي ، إذ يمثل تدخل المعلم بداية لإحتواء المشكلة ومحاولة حلها ، عن طريق جمع أطرافها والاستماع إليهم وتوجيه النقاش وإشاعة الهدوء والتذكير بالعواقب ... الخ أفضل وسيلة للتقرب من التلاميذ ، واحتوائهم ، وكسب ثقتهم ومحبتهم ، وهي من أكثر الأمور المطلوبة ليحقق المعلم دوره ، فبدونها لن يكون المعلم قادراً على إعطاء التلميذ أي شيء .
إعداد / محمد هلال الخالدي
الكويت - سبتمبر 2004

محاضرات التنمية المهنية
النظام داخل الفصل !
يختلف المعلمون في نظرتهم وفهمهم لمفهوم " النظام " داخل الفصل الدراسي ، فمنهم من يرى بأنه يعني امتثال التلاميذ لجميع الأوامر والتعليمات التي تحدد مسار العملية التعليمية ، سواء من إدارة المدرسة أو من المعلم ذاته ؛ والنظام بهذا المعني يفترض حالة من السكون التام داخل الفصل ، وعدم إمكانية التحدث أو حتى الالتفات إلا بإذن مسبق من المعلم ، وأن على التلاميذ تنفيذ كل ما يطلب منهم بصورة تلقائية وفورية وبدون مناقشة . وهذا الشكل من النظام في حقيقة الأمر ليس سوى مظهر من مظاهر التربية الكلاسيكية التي يرى أصحابها أن السكون والصمت داخل الفصل من قبل التلاميذ له وظيفة أساسية بحيث يساعد المعلم على القيام بدوره التعليمي بصورة متصلة ومستمرة . من الواضح أن هذا الفهم الكلاسيكي مرتبط أساساً بالفهم التقليدي للتعليم ، والذي يقوم على أساس " التلقين والحفظ والاسترجاع " .
ثمة فريق آخر يرى أن للنظام داخل الفصل مفهوم تربوي أعمق وأبعد من مجرد تحقيق حالة من السكون التي تمكن المعلم من الحديث بمفرده دون مقاطعة ! فالنظام داخل الفصل ينبغي أن يكون له بعد تربوي متصل بالعملية التربوية ككل ، فهو غاية وقيمة تربوية ينبغي أن تغرس في نفوس التلاميذ لتصبح جزءاً من شخصيتهم وبالتالي من سلوكهم . يفترض هذا المعنى العميق للنظام أن يتم التعامل مع التلاميذ بصورة حذرة ولبقة في نفس الوقت ، فليس كل ما يقوم به التلميذ " خطأ " ، كما أن خرق أحد التلاميذ لحالة السكون المطلوبة في الفصل أثناء إلقاء المعلم ينبغي أن يستثمر بصورة تربوية بحيث يتم توضيح الأثر السلبي على ذلك الخرق ، والتأكيد من جهة أخرى على أهمية الالتزام بالهدوء والاستماع للمعلم بوصفه قيمة أخلاقية ( آداب الحوار ) .
غير أن الأمر لا يفترض هذا الفصل الحاد بين هذين المفهومين للنظام داخل الفصل ، ولا يعني أبداً أن المعنى الأول غير مرغوب فيه ، فهو في الحقيقة يعد ضرورة في كثير من المواقف ، بل إنه يعتبر من الأساليب الأساسية في مراحل التعليم المبكر ، على أن يتم بطريقة تربوية يكتسب الطفل من خلالها قيمة سلوكية جديدة اسمها " النظام " .
إن مفهوم النظام داخل الفصل يستدعي إلى الذهن فكرة " العقاب " ، على اعتبار أنه الوسيلة الأساسية التي يتم بها تحقيق أو فرض النظام داخل الفصل ؛ وهنا ندخل في مجال آخر من مجالات التربية ، وفيه نجد كذلك خلافاً حول مفهوم العقاب ومعناه والوسائل المثلى لتحقيقه . غير أنه من الواضح ملاحظة الارتباط المنطقي بين مفهوم " النظام " وبين مفهوم " العقاب " ، فإذا كان الاعتقاد بأن مفهوم النظام بالمعنى الوظيفي ( المعنى الأول هنا ) فإنه من
المنطقي أن يكون العقاب كذلك ذو معنى وظيفي كذلك بحيث يصبح وسيلة لفرض حالة السكون والهدوء المرغوبة . أما إذا كان مفهوم النظام متخذاً شكل الغاية التربوية والسلوكية ، فإنه يكون من المنطقي أن يأخذ مفهوم العقاب معنى أوسع من المعنى السابق .
يترتب على ذلك أن يكون لدى المعلم رؤية واضحة لماهية " النظام " داخل الفصل ، وأن يطبق بالتالي ما يعتقده بصورة تربوية تقوم على أساس الانسجام المنطقي ما بين معنى النظام ومعنى العقاب ، وفي كل الأحوال ينبغي أن لا تخرج مسألة فرض النظام وتطبيق العقوبة عن الهدف الأساسي الذي جمع المعلم بالتلميذ ، ألا وهو " التربية " .
** نظام العمل وتأثيره على مفهوم " النظام " :
تفرض المؤسسة التربوية الرسمية ممثلة في وزارة التربية نظاماً عاماً يحدد العمل وآلياته وكيفية تطبيقه ، ومن بين تلك الآليات ما يتعلق بالتعليمات الخاصة بتعامل المعلم مع المشكلات التي تنشأ داخل الفصل ، سواء بين التلاميذ أنفسهم ، أو بينهم وبين المعلم . وتقوم آلية العمل في المدارس الثانوية مثلاً - وهو ما يهمنا هنا - على أن يقوم المعلم بكتابة تقرير عن المشكلة التي حدثت في الفصل ، ثم تحويل الأمر إلى رئيس القسم العلمي والذي يقوم بدوره بتحويل الأمر إلى الاختصاصي الاجتماعي ثم مدير المدرسة ! وواضح أن مثل هذا الإجراء يفتقد إلى أبسط مفاهيم التربية الحقيقية ، فهو يقول للتلاميذ بكل وضوح ، وعن طريق المعلم ذاته ، أن المعلم غير قادر على حل هذه المشكلة !!!
إن كان الالتزام بنظام العمل يمثل فضيلة يجب أن يحترمها المعلمون ، فإن ذلك الالتزام ينبغي أن لا يؤخذ بصورة حرفية ميتة وخالية من أي معنى تربوي ، إذ يمثل تدخل المعلم بداية لإحتواء المشكلة ومحاولة حلها ، عن طريق جمع أطرافها والاستماع إليهم وتوجيه النقاش وإشاعة الهدوء والتذكير بالعواقب ... الخ أفضل وسيلة للتقرب من التلاميذ ، واحتوائهم ، وكسب ثقتهم ومحبتهم ، وهي من أكثر الأمور المطلوبة ليحقق المعلم دوره ، فبدونها لن يكون المعلم قادراً على إعطاء التلميذ أي شيء .
إعداد / محمد هلال الخالدي
الكويت - سبتمبر 2004