من يعرف ما أعنيه بالعنوان قد يسألني عبر الشاشة "ما حصلت شي تكتب عنه إلا هذا؟!" لكن دعوني أكتب عن شيء خفيف اليوم، ومن لا يعرفه سيظن أنني أعني حقاً محارة البحر، بينما ما أريد الحديث عنه هو سلسلة ما يسمى كافتيريا بدأت بداية بسيطة في منطقة البطين في أبوظبي وبالتحديد في سوق البطين الذي هدم ولم يعد.
أول ذكرياتي لهذا الكافتريا كانت مع أبي رحمه الله، أذكر أنه ذهب بي إلى هناك في صباح يوم ما ولعلي كنت في الخامسة أو السادسة من العمر وأذكر جيداً أنني طلبت عصير برتقال ولا زلت أذكر المكان بلونه الأزرق وأكوابه الطويلة وهدوئه في الصباح، بعد ذلك عدت له بنفسي لأشتري للأهل ما يطلبونه فقد كنت أمارس مع بعض إخواني ما يسمونه الآن التوصيل المنزلي، الفرق هنا أنني أخرج من المنزل وأعود ماشياً والآن توفر معظم المطاعم والكافتريات والمخابز خدمة التوصيل المنزلي مجاناً، كل أنوع الطعام يمكنها أن تصل إلى باب بيتك ولا شك لدي أن هذه السهولة جعلتنا مجتمعاً يعاني من البدانة.
في سنوات لاحقة أصبح محارة البحر هو المكان الذي نقضي فيه بعض الوقت بعد صلاة الجمعة في مسجد قريب، كنا نزور بيت أحد الزملاء في الصباح ونلعب بألعاب الفيديو على أنواعها حتى يقترب موعد الصلاة ونذهب وغالباً نصلي خارج المسجد مع الآخرين وفي الصيف يكون المكان حاراً لدرجة تجعلني أتسائل الآن عن سلامة عقولنا في ذلك الوقت، الأرض تلتهب تحتنا والشمس تحترق فوقنا، ما الذي يجعلنا نفعل ذلك؟ إن كان هناك شيء واحد أفتقده من أيام المراهقة فهي قوة الجسم وقابليته لتحمل مثل هذا العذاب وقدرته على توفير طاقة طوال اليوم لكل شيء.
بعد فترة أصبح محارة البحر مكان أذهب له بالسيارة وغالباً مع صديق ما وفي الغالب نمارس ما أكره فعله الآن، أن أبقى في السيارة ونضغط على منبه السيارة لكي يخرج لنا أحد عمال الكافتريا، شيء لن أفعله الآن وتوقفت عن فعله منذ سنوات، نجلس في السيارات، نجلس في البيوت وننتظر التوصيل المنزلي، في الأسواق والمؤسسات هناك السلالم المتحركة والمصاعد، بعد ذلك نعجب من البدانة ونشتكي منها، ثم إن أردت شيئاً يجب أن أذهب له لا أن أطلبه ليأتيني.
الكافتيريا هو نوع من مطاعم الوجبات السريعة كماكدونالدز لكن هذا ليس وصفاً دقيقاً فمطاعم الوجبات السريعة غالباً تعد أكلها وتغلفه قبل حتى أن يطلبه المرء لذلك عندما يطلب شيئاً سيصله بسرعة فمطعم الواجبات السريعة أشبه بمصنع وليس مطبخاً، الفعالية والسرعة أهم نقطتان في عالم الوجبات السريعة.
الكافتريا مختلف في كونه يعد بعض المكونات مسبقاً لكنه يصنع العصائر حسب الطلب، إن طلبت عصير موز مثلاً ستجد العامل يأخذ الموز من الرفوف أمامك ويقطعها لقطع صغيرة ويحولها مع مكونات أخرى لعصير، كثير من العصائر تحوي السكر والحليب المجفف وهما شيئان ينبغي تجنبهما.
محارة البحر بدأ بمكان واحد صغير في منطقة البطين تحول إلى مجموعة فروع كبيرة منتشرة حول الإمارات وبعضها يحوي مطبخاً بمعنى الكلمة أي أنهم يعدون كل شيء من الصفر تقريباً وينافسون المطاعم اللبنانية، ثم وصل بهم الأمر إلى افتتاح فروع في الهند! وقد تغير وتطور ما يقدمه محارة البحر من وجبات بسيطة إلى شيء متنوع عجيب، الآن يقدمون وجبات الحمية مع أنها أبعد ما تكون عن الحمية والرابط الوحيد بالحمية هنا هو الخبز الأسمر أما المكونات الأخرى فلا زالت غير صحية كالمايونيز والبطاطا المقلية وصلصة الطماطم، أما العصائر فقد ابتكروا العشرات منها وبعضها بأسماء غريبة مثل: دوت كوم، عوار قلب! تيتانك، برج العرب، اتصالات، كمبيوتر!
مؤخراً أخبروني أنهم أضافوا عصائر صحية خالية من السكر والحليب المجفف واضافوا كذلك سلطة الفواكه وأكواب حب الرمان وقطع الأناناس، ثم أعطاني أحدهم قائمة جديدة تحوي العصائر الصحية وقد وصلوا إلى مستوى آخر من الأسماء الغريبة فهناك مثلاً Liver Cure وترجم إلى العربية "علاج الكبد" ويحوي التفاح والليمون والشمندر، هناك Anti Oxidant ويحوي المانجو والجزر والتفاح والكمثرى، هناك عصير Eye opener والحمدلله لم يترجم هذا الاسم إلى العربية وهناك sugar controller وغير ذلك.
للأسف كثير من الناس يستهينون بالهنود لكنني أجد قابليتهم للتغيير مثيرة للإعجاب، هذه سلسلة كافتيريا يدرك من يديرها أن التوجه إلى الطعام الصحي أصبح أمراً مهماً لكثير من الناس وليس من الحكمة خسارتهم لذلك قدموا هذه العصائر الجديدة مع الإبقاء على كل الخيارات القديمة غير الصحية لمن لم يهتم بعد بصحته وهؤلاء ما أكثرهم.
لأضيف شيئاً من الفائدة والجدية هنا لا بد أن أتحدث عن أمنيتي أن يدرس شخص ما أثر المطاعم والتوصيل المنزلي على المجتمع من ناحية اجتماعية وصحية وعلاقة كل هذا بعاداتنا الاجتماعية الحديثة في ما يتعلق بالسيارات والتسوق والطبخ، بمعنى آخر دراسة اجتماعية، وهذا أمر لا يقتصر على الإمارات بل كثير من الدول العربية تعاني من الأمر على اختلاف مستويات الدخل، في الماضي القريب كان طبخ المنزل هو الأساس لكنه أصبح عبئاً في نظر كثير من الناس وأصبحت الوجبات السريعة بديلاً.
كيف هو الوضع في بلدك؟ شاركني بتعليق الآن ... لو سمحت :-)
أول ذكرياتي لهذا الكافتريا كانت مع أبي رحمه الله، أذكر أنه ذهب بي إلى هناك في صباح يوم ما ولعلي كنت في الخامسة أو السادسة من العمر وأذكر جيداً أنني طلبت عصير برتقال ولا زلت أذكر المكان بلونه الأزرق وأكوابه الطويلة وهدوئه في الصباح، بعد ذلك عدت له بنفسي لأشتري للأهل ما يطلبونه فقد كنت أمارس مع بعض إخواني ما يسمونه الآن التوصيل المنزلي، الفرق هنا أنني أخرج من المنزل وأعود ماشياً والآن توفر معظم المطاعم والكافتريات والمخابز خدمة التوصيل المنزلي مجاناً، كل أنوع الطعام يمكنها أن تصل إلى باب بيتك ولا شك لدي أن هذه السهولة جعلتنا مجتمعاً يعاني من البدانة.
في سنوات لاحقة أصبح محارة البحر هو المكان الذي نقضي فيه بعض الوقت بعد صلاة الجمعة في مسجد قريب، كنا نزور بيت أحد الزملاء في الصباح ونلعب بألعاب الفيديو على أنواعها حتى يقترب موعد الصلاة ونذهب وغالباً نصلي خارج المسجد مع الآخرين وفي الصيف يكون المكان حاراً لدرجة تجعلني أتسائل الآن عن سلامة عقولنا في ذلك الوقت، الأرض تلتهب تحتنا والشمس تحترق فوقنا، ما الذي يجعلنا نفعل ذلك؟ إن كان هناك شيء واحد أفتقده من أيام المراهقة فهي قوة الجسم وقابليته لتحمل مثل هذا العذاب وقدرته على توفير طاقة طوال اليوم لكل شيء.
بعد فترة أصبح محارة البحر مكان أذهب له بالسيارة وغالباً مع صديق ما وفي الغالب نمارس ما أكره فعله الآن، أن أبقى في السيارة ونضغط على منبه السيارة لكي يخرج لنا أحد عمال الكافتريا، شيء لن أفعله الآن وتوقفت عن فعله منذ سنوات، نجلس في السيارات، نجلس في البيوت وننتظر التوصيل المنزلي، في الأسواق والمؤسسات هناك السلالم المتحركة والمصاعد، بعد ذلك نعجب من البدانة ونشتكي منها، ثم إن أردت شيئاً يجب أن أذهب له لا أن أطلبه ليأتيني.
الكافتيريا هو نوع من مطاعم الوجبات السريعة كماكدونالدز لكن هذا ليس وصفاً دقيقاً فمطاعم الوجبات السريعة غالباً تعد أكلها وتغلفه قبل حتى أن يطلبه المرء لذلك عندما يطلب شيئاً سيصله بسرعة فمطعم الواجبات السريعة أشبه بمصنع وليس مطبخاً، الفعالية والسرعة أهم نقطتان في عالم الوجبات السريعة.
الكافتريا مختلف في كونه يعد بعض المكونات مسبقاً لكنه يصنع العصائر حسب الطلب، إن طلبت عصير موز مثلاً ستجد العامل يأخذ الموز من الرفوف أمامك ويقطعها لقطع صغيرة ويحولها مع مكونات أخرى لعصير، كثير من العصائر تحوي السكر والحليب المجفف وهما شيئان ينبغي تجنبهما.
محارة البحر بدأ بمكان واحد صغير في منطقة البطين تحول إلى مجموعة فروع كبيرة منتشرة حول الإمارات وبعضها يحوي مطبخاً بمعنى الكلمة أي أنهم يعدون كل شيء من الصفر تقريباً وينافسون المطاعم اللبنانية، ثم وصل بهم الأمر إلى افتتاح فروع في الهند! وقد تغير وتطور ما يقدمه محارة البحر من وجبات بسيطة إلى شيء متنوع عجيب، الآن يقدمون وجبات الحمية مع أنها أبعد ما تكون عن الحمية والرابط الوحيد بالحمية هنا هو الخبز الأسمر أما المكونات الأخرى فلا زالت غير صحية كالمايونيز والبطاطا المقلية وصلصة الطماطم، أما العصائر فقد ابتكروا العشرات منها وبعضها بأسماء غريبة مثل: دوت كوم، عوار قلب! تيتانك، برج العرب، اتصالات، كمبيوتر!
مؤخراً أخبروني أنهم أضافوا عصائر صحية خالية من السكر والحليب المجفف واضافوا كذلك سلطة الفواكه وأكواب حب الرمان وقطع الأناناس، ثم أعطاني أحدهم قائمة جديدة تحوي العصائر الصحية وقد وصلوا إلى مستوى آخر من الأسماء الغريبة فهناك مثلاً Liver Cure وترجم إلى العربية "علاج الكبد" ويحوي التفاح والليمون والشمندر، هناك Anti Oxidant ويحوي المانجو والجزر والتفاح والكمثرى، هناك عصير Eye opener والحمدلله لم يترجم هذا الاسم إلى العربية وهناك sugar controller وغير ذلك.
للأسف كثير من الناس يستهينون بالهنود لكنني أجد قابليتهم للتغيير مثيرة للإعجاب، هذه سلسلة كافتيريا يدرك من يديرها أن التوجه إلى الطعام الصحي أصبح أمراً مهماً لكثير من الناس وليس من الحكمة خسارتهم لذلك قدموا هذه العصائر الجديدة مع الإبقاء على كل الخيارات القديمة غير الصحية لمن لم يهتم بعد بصحته وهؤلاء ما أكثرهم.
لأضيف شيئاً من الفائدة والجدية هنا لا بد أن أتحدث عن أمنيتي أن يدرس شخص ما أثر المطاعم والتوصيل المنزلي على المجتمع من ناحية اجتماعية وصحية وعلاقة كل هذا بعاداتنا الاجتماعية الحديثة في ما يتعلق بالسيارات والتسوق والطبخ، بمعنى آخر دراسة اجتماعية، وهذا أمر لا يقتصر على الإمارات بل كثير من الدول العربية تعاني من الأمر على اختلاف مستويات الدخل، في الماضي القريب كان طبخ المنزل هو الأساس لكنه أصبح عبئاً في نظر كثير من الناس وأصبحت الوجبات السريعة بديلاً.
كيف هو الوضع في بلدك؟ شاركني بتعليق الآن ... لو سمحت :-)
المصدر : مدونة عبدالله المهيري