يوسف الشريف - سكاي نيوز عربية

    • يوسف الشريف - سكاي نيوز عربية

      يوسف الشريف

      [h=4]زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان[/h]
      الأربعاء * 20 مارس, 2013

      تعيش تركيا أجواء من الأمل بوضع نقطة نهاية لصراع دموي استمر نحو 4 عقود منذ إعلان زعيم حزب العمال الكردستاني المسلح عبدالله أوجلان خطته لنزع سلاح الحزب، والعمل على حل القضية الكردية في تركيا بالطرق السلمية.
      اختار أوجلان، الذي يقضي عقوبة السجن المؤبد في جزيرة إمرلي، أن يوجه رسالة لبني جلدته والجناح العسكري لحزبه خلال عيد النوروز الكردي يعلن فيها نهاية فصل "الكفاح المسلح"، بعد أن اتفق مع المخابرات التركية على الإطار العام لحل القضية الكردية في نتاج سلسلة مفاوضات أجراها مباشرة في سجنه مع رئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان، الذي يعتبر أيضا الساعد الأيمن لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.
      ويقوم هذا الحل على نزع سلاح الحزب الكردستاني وانسحاب عناصره من تركيا الى شمال العراق، مقابل، وبالتوازي زمنيا مع، إيجاد حل سياسي للقضية الكردية يشمل تغيير تعريف المواطنة في الدستور، بحيث لا تشير الى أي تعريف عرقي أو طائفي، وإقرار قانون للحكم المحلي على غرار ما هو معمول به في دول الاتحاد الأوروبي.
      ورغم أن هذا الحل يبدو منطقيا لكثير من المواطنين في تركيا، إلا أنه يواجه تحديات جمة في الطريق إلى تنفيذه والاتفاق على تفاصيله مستقبلا.
      فبداية شعر السياسيون الأكراد بأن ما قبل به أوجلان كان بمثابة تنازل عن المطالب التقليدية القديمة للأكراد في تركيا وهو الحصول على حقوق دستورية مساوية تماما للأتراك، أي اعتراف الدستور بأن الجمهورية التركية تتكون من مكونين عرقيين اثنين هما الأكراد و الأتراك.
      والطلب التقليدي الاخر هو الفدرالية على غرار كردستان العراق، لكن أحدا من السياسيين الأكراد لم يستطع أن يزايد على أوجلان، واضطر جميعهم للخضوع لرغبة قائدهم التاريخي.
      كما أبدى الجناح العسكري للحزب تململا من طلب الانسحاب من تركيا، فجاء في رسالة الجناح العسكري الخطية التي رد بها على رسالة أوجلان له التي تضمنت خطته للحل، أنه من الممكن إعلان وقف لإطلاق النار لأجل غير مسمى، لكن سحب نحو 1500 عنصر مسلح مختبئين جيدا داخل تركيا لا يمكن أن يتم خلال 6 أشهر كما يطلب أوجلان.
      وأضافت الرسالة أنه من الأفضل مد هذه الفترة الى عامين للتأكد من التزام الحكومة التركية بالتزاماتها، وهي وجهة نظر تجعل عملية تنفيذ الخطة تحت تهديد التأويلات والتفسيرات، وتؤخر الحل النهائي الذي يأمل أردوغان أن يكون سريعا، لكي يتزامن مع الانتخابات الرئاسية العام المقبل التي يفكر جديا في الترشح لها، ولكي يكون حل القضية الكردية وقودا قويا لحملته الانتخابية القادمة.
      في المقابل فإن التزام الحكومة بالتعديلات الدستورية المطلوبة يتطلب دعم المعارضة القومية واليسارية في البرلمان، إذ إن أصوات نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب السلام والديمقراطية الكردي لا تشكل غالبية الثلثين المطلوبة لتعديل الدستور.
      وفي هذا الإطار، أعلن حزب الحركة القومية أنه يرفض تماما صيغة الحل هذه، بينما تقدم حزب الشعب الجمهوري اليساري الاتاتوركي بشروط عدة لتقديم الدعم، على رأسها إطلاعه على كل المفاوضات التي جرت وتجري سرا مع أوجلان واعطاؤه حق الاعتراض على سيرها، وعدم استخدام هذه الخطة في الدعاية الانتخابية للانتخابات الرئاسية.
      علاوة على ذلك فإن شريحة لا يستهان بها من الشارع التركي تشعر بالانزعاج، لاعتقادها بأن خريطة السلام هذه جاءت بناء على صفقة بين الحكومة وأوجلان غير معروفة التفاصيل وأن الحكومة قد تكون تعهدت سرا بتقديم "مكافآت" لأوجلان مثل الإفراج عنه في ختام المسيرة، خصوصا وأن أردوغان كان قد تعهد سابقا بأن حكومته لن تتفاوض مع أوجلان بأي شكل من الاشكال، وتبين لاحقا أن المخابرات قد بدأت مفاوضاتها معه فعلا.
      وحتى لو وجد توافق كاف في البرلمان، فإن كثيرا من الحقوقيين يشير إلى صعوبة إيجاد تعريف للمواطنة في تركيا لا يشير إلى عرق أو مذهب.
      في المقابل ما يزال موقف أكراد العراق وسوريا من هذه المسيرة غير واضح، فثلث مسلحي حزب العمال الكردستاني هم من أكراد سوريا، ولا فائدة ستشملهم إن تم حل القضية الكردية في تركيا.
      ويبدي رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني تململا ملحوظا من عودة أوجلان إلى الساحة السياسية في لباس المخلص والمنقذ، فلطالما لعب أوجلان على وتر القائد الاقليمي للكرد الموزعين جغرافيا بين إيران وتركيا والعراق، وبدا ذلك واضحا في تردد البرزاني في لقاء الوفد الكردي الذي جاء إلى كردستان العراق، حاملا من اسطنبول رسالة أوجلان إلى قيادات الجناح العسكري هناك.
      سياسيا أيضا، يرى معارضون لرئيس الوزراء التركي أنه يسعى لربط مسيرة الحل السلمي بضمان تحويل تركيا إلى نظام رئاسي بصلاحيات مطلقة تجعل من أردوغان، في حال انتخب رئيسا، سلطانا بكل ما في الكلمة من معنى.
      وكان أردوغان قد أعرب مرارا عن رغبته في تغيير الدستور ليشمل نظاما رئاسيا، وقال إن حزبه سيقترح هذا الأمر خلال مناقشات إعداد دستور جديد مدني للبلاد يحل محل الدستور الذي وضعه الانقلابيون العسكر عام 1983.
      بل وهدد أردوغان بطرح مسودة حزبه الخاصة للدستور الجديد على استفتاء شعبي إن لم يجر اتفاق سياسي على مسودة مشتركة بين الأحزاب البرلمانية، وهنا يعتبر كثيرون أن أردوغان قد يسعى لطرح مسودة دستور تشمل المطالب الكردية مربوطة بتحول تركيا إلى نظام رئاسي، ليصبح المواطن أمام استفتاء مركب، التصويت فيه على رفض النظام الرئاسي يعني في نفس الوقت التصويت ضد حل المسألة الكردية سياسيا وما لذلك من تبعات أمنية خطيرة.
      ورغم كل هذه التحديات يبقى للتفاؤل مكان بنجاح هذه المسيرة، ولو اتخذت منحنيات ومنعطفات كثيرة وطال عمرها، طالما أن إعلان وقف إطلاق النار سيحسر الدماء ولو إلى حين، فبعد 40 عاما من الدم والقتل يبدو الطرفان الكردي والتركي متلهفان أكثر من أي وقت مضى لوضع نهاية لهذا الصراع، الذي استنزف تركيا سياسيا وعسكريا واقتصاديا.