(( مرايـا ))
@ يرتفع صوت هاتفي النقـال ،، الموضوع فوق التلفاز >> تقفز شقيقتي - بفضول - لتنظر (( مَن المتصل )) ؟؟ وتنظر إلي نظرةً ،، أعرفهـا جيداً >> إذ أنه لا بد وأن تكون تلك البغيضة هي صاحبة الإتصال !!
أبعث لشقيقتي بإشارات >> توحي بإلقاء الهاتف جانباً !!
خمس دقائق مرت ...
لترتفع نغمة الهاتف من جديد !!
هذه المرة ،، التقطهُ الصغير وضغط فوراً على (( زر )) قبول الإتصال !!
يا للمصيبة إنها نفس تلك الفتاة ثقيلة الظل !!!
أبادرها التحية لإنقاذ الموقف : أهلييييييييييييييييييييييين ... يالشينة وربي لك وحشة !!!
= أكره نفسي من الداخل >> لكني لا زلت أمنيها بغد مشرق ،، أكثر صدقاً وأقل نفاقاً !!
@@ تتصل على صديقتها لتخبرها بأن فلان قد تقدم لخطبتها ،، وهي بدورها مترددة بين القبول والرفض لأنه لم يرتقي الى مستوى تطلعاتها في الوقت الذي يحتفظ فيه ببعض إيجابيات تؤهله بأن يتحصّل على شهـادة بتقدير (( عريس مقبول )) !!
تحضها تلك الصديقة على الرفض القطعي لذلك العريس - لا زلتِ صغيرة ،، لا زال طلابكِ كثيرون ،، أنتِ تستحقين أفضل منه ..... الخ -
تختمر الفكرة في رأس الأولى >> لتصدر قراراً بالرفض >>> في الوقت الذي تهاتف فيه الأخرى صديقة ثالثة : شفتي ما أغبى ((فلانة )) تقدم لها (( فلان )) ورفضته .. الله من البطر هي وين بتحصّل واحد مثله هاليومين ؟؟
= أحس بالغثيان >> فهل تشاركونني ذلك ؟؟
(( قهر الرجـال ))
@ تطرق الباب بتثاقل ،،، يرتفع بصري >>> أرى إمرأة مسنة - أو لعله شبح لامرأة مسنة - >> وهي تقف عند باب المكتب وتستأذنني للدخول
- تفضلي يا خالة
تتقدم بخطوات واهنة ،، كأنهــا تمشي وهي تجرجر معها كل ما حوتهُ هذه الدنيا من جبال لهموم راسيات !!
- أبي أسجل عندكم في الجمعية
- انتِ أرملة أو مطلقة .....
- رملا يا بنيتي - أي أرملة -
- طيب من متى وانتي أرملة
- سنين الله المستعان
- لك أولاد ؟
- لي ويا ليتني ما جبت أحد !!
- ليه ؟؟ .. طيب هم موظفين ؟؟
يبدأ سيل جارف من الدموع ،، يكاد يحرق وجنتيها الواهنتين ،، لتقول في النهاية : والله ما يعرفوني .. ولا بريال واحد ،، خليها على ربك يا بنيتي !!
- ييسرها الله يا خالة ،،، ييسرها الله !!
@@ أخرى في بداية الثلاثينات من عمرها ،، أخال أن خمارها يحتاج إلى تجفيف من آثار الدموع !!
تكشف وجهها لأصعق من رؤية تلك العينين المتورمتين ،، وخرائط الدمع هذه التي ملأت وجهها !!
أحس أنني أقرأ مذكراتها كاملة من خلال أسطر الظلم والقهر البادية على محياها الفتي
- إيش الأوراق المطلوبة حتى أسجل عندكم في الجمعية
- عفواً مين الأخت
- عزيزة ،، أو بالأحرى >> كنت عزيزة لما كنت عند أبوي !!
لحظة صمت تسود المكان !!
ثم استرجاع لوضعية : إيش وضعك الإجتماعي ؟
- مطلقة
- من متى ؟
- سنة تقريباً
- طيب لك عيال
- إيه لكنــ
(( هنا بدأ صوتها يتهدج إذ يبدو أن صور أبنائها آخذة في التوهج في مخيلتها ،، لينقطع التهدج ببكاء مرير !! ))
* عزيزة ،، مطلقة ،، اغتصب منها أبناؤها الأربعة ،، سافر بهم ذلك المجرم الى مكان لم تحدده بعد ،، والسنة بعد طلاقها آخذة في الإنقضاء ولم تسمع لهم صوتاً أو حتى خبر من بعيد يطمئنها على حالهم !!
@@@ ثالثة تأتي ،، ويتبعها أبناؤها السبعة ،، أكبرهم لعله في العاشرة من العمر
غيوم الهم تكسو وجهها الذي أخاله (( كان جميلاً )) ،، تحاول أن تداري ذلك الشقاء بابتسامة باهتة ترسلها الى أبنائها الذين يتشبثون بعباءتها - ربما بحثا عن أمان مفقود .. لا أدري لكن هذا هو ما خيّل إلي - خاصة بأن نظراتهم توحي للناظر إليهم بشدة إحساسهم بالغربة ،، بالغربة من كل شيء
- نبي نسجل إذا سمحتِ
والسؤال المعتاد : علميني إيش وضعك ؟ مطلقة ،، أرملة ،، متزوجة .... إلخ ؟
- لا متزوجة ،، ولا مطلقة
- يعني معلقة
- إي نعم ،، تركنا من سبع شهور ولا حس ولا خبر
-ولا حتى يرسل أي نفقة للعيال ؟؟
- والله ياختي ماني متأكدة ،، إذا يذكر إن له عيال من أصل والا لا !! تتوقعين وش اللي جابني عندكم هنا الا العيال ؟؟
تحاول أن تخرج أبنائها من المكتب >> لإفراغ شحنات متضاربة من العبرات والحسرات ،، لكأني بقلبها سينفجر ،، لكنها عبثاً كانت تحاول ذلك >> فتشبثهم بعباءتها يزداد تباعاً لإزدياد محاولاتها لإبعادهم !!!
ألم أقل لكم إنهم يبحثون عن الأمان المفقود الا بالقدر الذي تحيطهم به عباءة أمهم ؟؟
= عند انصراف تلكم النسوة ،، لا يملك الإنسان الا أن يشيعهن بنظرات ملؤها الأسى على حالهن ولسان يستعيذ بالله من الفقر والعوز وغلبة الدين وقهر الرجال !!!
(( متى يا رب ألقـــاهُ ))
مهمــا تباعد مثواي
ومثواهُ
مهمــا تعالى صدى
روحي بـ : أواهُ
مهما تقاطر من دمع
يبث حنين لقيــاه
سيرفع قلبي دعواه :
متى يا رب ألقاهُ ؟
أضــاع الحبر معناه
لما تمازج مع يم
أضعتُ ،، أضعتُ مرسـاهُ
طفقتُ أجوب في كمد
وفي شوق لمرآهُ
وعدتُ أدور في تيهٍ
فلا درب لسلواهُ
ويرفع قلبي دعواه :
متى يا رب ألقاه ؟
أيا رجلاً ،،، لك اللهُ
لكم أنهكت قلباً
أنت سكناهُ
وكم أحييتَ موتاً
في حنـــاياهُ
فبات النبض ينعاكَ
وصار النعي ،، ينعاهُ
ويرفع قلبي دعواه :
متى يارب ألقاه ؟
متى يا رب ألقاه ؟
(( منقوووووول ))