لا تكسر ابداً كل الجسور مع من تحب فربما شاءت الأقدار لكما يوماً لقاء آخر يعيد ما مضى ويصل ما انقطع... فإذا كان العمر الجميل قد رحل فمن يدري ربما انتظرك عمر أجمل.
يهبُّ الحنينُ من كلِّ الجهاتْ، تتعطلُّ بوصلةُ القلبِ، حينَ تهبطُ وجوهُ الأحباءِ، كطيوفٍ شفافةٍ على عيني، تتحولُ النافذةُ إلى منفى بكلِّ أبعاده الرمادية، ويتجسدُ الغيابُ تمثالاً من الشمعِ الأسود، وكلما انزلقتْ دمعة حارة يذوبُ قليلا منه على روحي، فتزدادُ قتامةً وعتمة، يملؤني البعدُ تماماً كما تملأُ مياهُ البحر قارورة ملاقاة على الأرضِ، واشعر كمْ أنهُ ثقيل الوزن، وكم أنَّ القارورة ضيقة، ولا أجدُّ قشَّةً من ذكرى لأتشبثً بها في غَرَقِي اللانهائي، وفي غيبوبتي الضبابية، ولا تمتدُّ يدٌ ما لتنتشلني من طينِ الإشتياقِ واللّوعة، وبلا مرساةِ أمل يضيقُ البحر ليُغرقني
تراودني كلُّ صفحةٍ بيضاء ظلَّ فيها سطرٌ لم أكتب به لكْ، وتسألني كلّ دواةٍ عن الحبر الذي ظلَّ ساكناً ولم تحركه ريشتي لتبللَّ به الصفحةَ البيضاء، وبهذا السكون تجتاحني أساطيلُ الوجع والشوق، وأجدُ نفسي أواجهها أعزلا من كل سلاحٍ إلاَّ من القلمِ والورقة.والكتابة !كلُّ تلكَ الرسائلِ التي كتبتها أرشفتها ذاكرتي بالدموع والملح، ونقشتها على جدران الصمتْ، وكلما حاولت إستدعائها نبشت جروحي فأشعلها الملحُ أكثر فأكثر، وعضتْ مُهجتي وتركتني، وقد كتبتُ سطراً آخراً وحركتُ دواةً أخرى وتركتُ أرشيفاً آخراً من الدموعْ.
هذا الحنينُ الذي يرفرفُ في فؤادي كطيرٍ في النزعِ الأخير، يغلِّفني بالأحزان، واللوعة، هل أصبحَ الغيابُ خطيئة المحبين، وهل أصبحَ الشوقُ قاضي القضاة الذي يجلدنا بأحكامه، ولا يخرجنا من هذا العزل الإنفرادي ؟ من هذهِ السجنْ الأبدي الذي يطوِّقُ روحي، ويدفنها في غياهب الألم والدمع، ويتركُ قصائدي اليتميةَ ملقاةً على قارعةِ المنفى، وهل يحقُّ لهذا القاضي أن يحكمُ علينا بعامٍ آخر من الإختناق شوقاً وحباً.. في ممراتِ هذهِ المحكمةِ الظالمة ووراءِ هذهِ القضبانِ الباردة، أسمعُ صوتَ المطرقة.. حكمت المحكمة حضورياً على المتهم بالبراءة..عُدْ إلى وطنك يا غريب
كُن نفسك .. أنت لست العنوان الذي أعطيته لنفسك . . أو أعطاه لك الآخرون . . أنت لست إكتئاب أو قلق أو إحباط . . أو توتر أو فشل . . أنت لست سنك أو وزنك أو شكلك . . أو حجمك أو لونك . . أنت لست الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل . . أنت أفضل مخلوق خلقه الله عز وجل.