تتنوع المواهب الشبابيَّة في مجتمعنا العُماني بتنوع ثقافته الثرية، ومن بين أبرز هذه المواهب المتألقة منير بن مسعود السليمي، الذي يهوى الرسم والشعر وكذلك البرمجة.. فالسليمي المولود في ولاية إزكي في أكتوبر 1983، يؤكد أن التنوع الفني ظاهرة صحية؛ حيث إن الفن يتكامل مع بعضه البعض، ويشير في هذا السياق إلى أهمية الخروج عن المألوف لتحقيق الإبداع.
الرؤية - مالك الهدابي
وبدأت اهتمامات السليمي بالرسم في وقت مبكر، في ظل ظروف صعبة أجبرته على خوض غمار الفن بأنواعه خاصة بعد وفاة والده؛ فكان الرسم بالنسبة له قصة نثرت حروفها على امتداد مشوار حياته؛ فعانقت نفسه لتصبح جزءاً من ذاته، وصاحبها اهتمام بمجالات أخرى كالخط العربي والشعر والموسيقى.
وقال السليمي: إن المعارف التي تلقاها دفعته إلى النظر للفن.. معتبرًا إياه ليس مجرد طاقة لتفريغها على الورق، بل إنه أعظم من ذلك؛ حيث يعكس الفن في الأساس فكرة رئيسية لدى الفنان؛ باعتباره خلاصة تجارب وانعكاس ثقافة. وأضاف بأن موضع العناصر في العمل له دلالات تساهم مجتمعة في سرد حكايته؛ لذلك فإن معرفة الفنان واتساع مداركه يؤثران بشكل كلي على العمل الفني، موضحا أن الفن ثقافة تعكس فكر صاحبها.
الأنشطة الطلابية
وأشار إلى أن من بين الأمور الأخرى التي أضافت له الكثير، انضمامه للجماعات الطلابية في الجامعة ومشاركته في الكثير من الأنشطة؛ وأهمها مجموعة الجوالة، والتي تعلم الكثير منها، من خلال التعامل مع زملائه من مختلف التخصصات. وتابع بأنه بعد انتهاء المرحلة الجامعية التحق بالعمل في نفس الجامعة مباشرة، وكان العمل تطبيقا لما تعلمه، وفرصة لتجربة مهارات جديدة، خاصة عند إنتاج المشروعات التربوية والتعليمية. وساعده في ذلك التحاقه ببعض الدورات الخارجية لتغطية جوانب النقص في بعض المهارات، منذ أن كان مصمم وسائط متعددة حتى أصبح رئيسا لقسم الإنتاج الفني والتصميم.
وبالحديث عن المواهب الأخرى، يقول السليمي إنه يمتلك مواهب في الخط والشعر والموسيقى، ويؤكد أن كل الفنون مرتبطة ببعضها البعض، ويجمعها الذوق الفني والرؤية الإبداعية والإحساس المرهف. ويوضح أن اللوحة الفنية هي أفكار تترجم إلى صورة، والشعر إحساس يتحول إلى كلمات والموسيقى مشاعر تعزف على هيئة لحن.
وأشار إلى أن اهتماماته بالمجالات الأخرى، فهي متنوعة لغرض تجربة مسارات مختلفة لاستشعار الجمال في كل منها؛ فالخط كان ملازما له طوال الفترات السابقة من عمره؛ حيث كان يخط لوحات المدرسة، ويستخدم الخطوط في كثير من الرسومات، وتعلم بعض قواعد الخط، وكان تركيزه على الخط الديواني والثلث. وزاد السليمي: "مازلت مواظبًا على الكتابة عندما تتاح لي الفرصة. أما بالنسبة للشعر فقد أوْليتُه اهتمامي منذ كنت طالبًا في المرحلة الإعدادية، ثم تطوَّر اهتمامي به بعد دخولي للقسم الأدبي في المرحلة الثانوية؛ فدراسة تاريخ الأدب أضافت لي الكثير، واهتمامي بجمع القصائد وتصنيفها ومحاولة تقليدها، ومن ثم دراسة علم العروض والتفعيلات الشعرية والأوزان، وكلها أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر في اهتمامي وتوجهي للشعر". ويستدرك قائلا: "لكن اهتمامي بالرسم يجعلني غير مواظب على كتابة الشعر، ولا أكتب إلا في أحيان قليلة". وأضاف السليمي بأنه تعلم الموسيقى على يد الأستاذ العراقي البارع جميل جوزي الكوران، الذي تعلَّم منه علم المقامات والعزف، على مدار خمس سنوات؛ حيث يصف هذه السنوات بأنها مليئة بالتدريب والممارسة للعزف وتمارين الصوت (صولفيج) والتوزيع الموسيقي، وكان اهتمامه لدراسة الموسيقى بسبب توجهه لمجال إنتاج الأفلام المتحركة والذي تعد الموسيقى جزءًا مهمًّا منه، فتعلمها يساعد على اختيار المقطع المناسب للمشهد المناسب.
مواهب متعددة
وأكد السليمي أن التصميم يختلف عن الرسم، لاحتوائه على عناصر لا تتوافر في الرسم، مثل النصوص والصور واستخدامها لأغراض الإعلان أو المجلات والصحف والكتب أو مواقع الإنترنت. موضحًا أنه يميل للرسم كثيرًا وإنتاجه في مجال التصميم يعد ضئيلًا جدًّا. وأضاف بأن التصميم ثلاثي الأبعاد، فقد جاء نتيجة لدخوله لعالم التحريك، قائلا: رأيت أن أفضل الحلول لتحريك الشخصيات هو التجسيم ثلاثي الأبعاد، بحيث يتم فيه تصميم الشخصية لمرة واحدة، وبعدها يمكن تحريكها بأية وضعية دون تغيُّر الملامح الأصلية، ومع ذلك فإن من الضروري الإلمام بالبرامج الخاصة بالتصميم الثلاثي والثنائي الأبعاد لإنتاج عمل متكامل. وزاد بأن العبرة ليست بالبرامج المستخدمة، بل بمهارة الفنان وخياله وأفكاره؛ فالبرامج ما هي إلا أدوات تساعد الفنان على إنجاز عمله ليس إلا. وتابع بأن فكرة التصميم ثلاثي الأبعاد قائمة على التجسيم أو النحت، بحيث يتم إنشاء المجسمات بأبعادها الثلاثية (الطول والعرض والارتفاع)؛ حيث يمكن رؤية المجسمات من جميع النواحي، وهذا يتيح إمكانية لإنتاج أفكار جديدة والنظر للعمل من زوايا رؤية مختلفة.. مضافًا إلى ذلك سهولة إضافة الإضاءة والظلال والملامس والألوان وتغييرها في أية لحظة.
وفيما يتعلق بالبرمجة، قال السليمي: "إن بداية تعلمي البرمجة جاءت عن طريق الخطأ، حيث إنه عندما تعلمت برنامج (Flash) في سنة 2002 تقريبًا، كنت أظن أنه يجب عليَّ أن أتعلم كل شيء فيه، فتعلمت كل وظائف البرنامج حتى لغة الأوامر الموجودة به، ثم تشعبت إلى لغات برمجة أخرى كلغة الـ(VB) والـ(C++)، وبعد تعمقي فيها اكتشفت أنه ليس مهمًّا عليّ كفنان تعلمها، لكنني أحببت البرمجة لما فيها من مغامرة واستخدام للعقل في التركيز، كذك استخدام العمليات الرياضية، لكنَّ تعلمي لهذه اللغات لم يذهب أدراج الرياح، فقد قمت بتوظيفها التوظيف السليم وأقوم الآن بصناعة برامجي وملحقاتي (Plugins) بنفسي لتساعدني في إنتاج أعمالي بشكل أسرع وأكثر إتقانا، دون الحاجة إلى فريق كبير خصوصًا لإنجاز الوظائف الروتينية والآلية.
وبسؤاله عن المشاركات الجماعية، أكد السليمي أنه يؤمن بأهمية العمل الجماعي، وينادي به ويدعو له، موضحا أن الفكرة تزداد عظمتها كلما كانت مشتركة، فلكل فرد نظرته الخاصة نابعة من ثقافته وخبراته، فتنوع التجارب يضيف مزيجًا من الأفكار الفذة التي يكمل بعضها الآخر، ولدي بعض المشاركات الجماعية ولي عضوية ببعض المشروعات الشبابية الطموحة، كمشروع جماعة المصممين العُمانيين ومشروع واجبنا، ولدي مشاركة بالنادي العلمي العُماني، وربما ضيق وقتي يحول بيني وبين الكثير من المشاركات.
وأشار السليمي إلى أنه لا يعتقد بوجود ما يميزه عن غيره من الفنانين، لكنه قال إن لكل فنان أسلوبه ومهاراته، وكل منا يُكمل الآخر، وكل فنان له مشاربه ومصادر ثقافته وله اهتماماته ورؤاه، وما يتمايز به الفرد من الآخر هو المراس والتدريب والاطلاع والتجديد، كما أن معايير تقييم أي عمل فني تختلف من شخص لآخر، فما قد ينال إعجاب شخص قد لا ينال إعجاب آخر؛ لذلك فالتنوع ظاهرة صحية تدعونا إلى محاولة الخروج عن المألوف وابتكار طرق فنية حديثة.
وفيما يتعلق بالدعم، قال: "لا أعوَّل عليه ولا أنتظره، فلو بقيت في انتظار أن يمولني أحدهم فقد بقيت اتكاليًّا ولم أطور شيئا من مهاراتي؛ لأنني أُصبحُ حينها في انتظار أن يأتيني كل شيء جاهزًا، لذلك وعلى العكس، استطعت أن أجد لنفسي حلولا جيدة وبتكاليف بسيطة لتغطية احتياجي من بعض البرامج والأجهزة، وفجَّر لدي ذلك طاقة المجازفة والمحاولة، وعليه فأنا لا أهتم لمسألة الدعم كثيرا ولا تشغل تفكيري مطلقا".