أبوظبي، دبي- رويترز
على مدار عشر سنوات بزغت دبي كأكبر مركز مالي في الشرق الأوسط يتعامل مع عشرات المليارات من الدولارات من أموال النفط. لكن هذه الهيمنة مهددة الآن إذ تسعى جارتها أبوظبي للحصول على نصيب من الكعكة.
وفي الأسبوع الماضي أعلنت أبوظبي عن خطط لإقامة منطقة مالية كاملة الخدمات في جزيرة تقع بالقرب من وسط المدينة سيكون لها إدارتها الخاصة ونظامها القضائي وحوافزها الضريبية بهدف جذب البنوك والشركات الأخرى من سائر أنحاء العالم. وسبب الإعلان ذعراً بين الآلاف من المصرفيين ومديري الصناديق وغيرهم من الخبراء الماليين في دبي الذين قد يضطر بعضهم في المستقبل لأن يقطع طريقا سريعا طوله 130 كيلومترا يربط بين المدينتين الصحراويتين أو قد ينتقلون بشكل دائم إلى أبوظبي. وتتمتع دبي بمزايا تنافسية هائلة بينها وضعها الراسخ وثقافة تجارية خلاقة وأسلوب حياة عالمي وهو ما أغرى الكثير من المديرين الأجانب بالعيش فيها. لكن أبوظبي كانت تعكف على تضييق الفجوة في كثير من هذه المجالات وهي أغنى من دبي التي حصلت على عشرة مليارات دولار في صورة قروض طارئة من جارتها لإنقاذها خلال أزمة الائتمان العالمية عام 2009. وإذا ما استثمرت أبوظبي أموالها بشدة لن تملك الشركات المالية القدرة على المقاومة. ويقول جيم كرين محلل اقتصاد الخليج في مدرسة جادج بيزنس بجامعة كمبريدج ببريطانيا ومؤلف كتاب (دبي: قصة أسرع مدينة في العالم) إن " أبوظبي تخلق منافساً شرساً لدبي". وبشكل صريح أو ضمني يمكن أن تستخدم أبوظبي مؤسساتها المالية كوسيلة لإقناع الشركات المالية بالانتقال إليها. ويضيف كرين "إذا ما نافست أبوظبي بشدة ومنحت البنوك مهلة... لن يستطيع المقاومة سوى عدد قليل منهم في ضوء حجم الاقتصاد الأكبر والسيولة الأوفر عبر الحدود". وعلى مدار عقود من الزمن زعمت عدة مدن أنها أكبر مركز مالي في الشرق الأوسط من بينها الإسكندرية في الخمسينيات ثم بيروت حتى أتاح اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينات للبحرين فرصة للبزوغ. وانتزعت دبي اللقب بعد افتتاح مركز دبي المالي العالمي عام 2004 الذي منح المستثمرين الأجانب لوائح تنظيمية محكمة وبنية تحتية تتسم بالكفاءة. وواصل مركز دبي النمو خلال الأزمة العالمية وحافظ حتى الآن على تفوقه على قطر التي تروج أيضا لنفسها كمركز مالي. وارتفع عدد الشركات المسجلة في مركز دبي سبعة في المئة العام الماضي إلى 912، بينما قفزت أعداد العاملين في هذه الشركات 16 في المئة إلى 1400. لكن أبوظبي قد تمثل تحديًا أكبر. ويبلغ عدد سكان الإمارة نفس عدد سكان دبي الذي يزيد قليلاً عن مليونين، لكنها تمتلك ثروة نفطية هائلة تفتقر إليها دبي وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لأبوظبي في 2011 نحو 220 مليار دولار وهو ما يزيد عن ضعفي الناتج في دبي. وتمتلك أبو ظبي واحداً من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم وهو جهاز أبوظبي للاستثمار الذي تقدر أصوله بين 400 و600 مليار دولار. وتستضيف الإمارة أكبر بنكين في الإمارات من حيث القيمة السوقية وهما بنك أبوظبي الوطني وبنك الخليج الأول. وخلال إعلان الأسبوع الماضي لم تثر حكومة أبوظبي شكا في أنها مستعدة لمنافسة دبي في كافة المجالات. وذكرت أنها ستستضيف أشكالاً مختلفة من البنوك وشركات النقد الأجنبي والتجارة في السلع الأولية وشركات السمسرة وصناديق المعاشات والاستثمار وشركات التمويل الإسلامي وغيرها. كما قالت إن منطقتها الجديدة- التي ستبدأ عملياتها في الربع الأخير من 2013- ستسد الثغرة الزمنية في يوم التداول العالمي بين إغلاق طوكيو وبدء التداول في لندن وهو دور تزعم دبي أنها تلعبه.
وذكر نيال أوتول المدير الشريك في مكتب شركة كلايد أند كو للمحاماة في أبوظبي أن التصريحات حتى الآن تشير إلى أن المركز المالي سيكون له نظام مالي يستند إلى القانون العام الإنجليزي على غرار المراكز العالمية مثل لندن وهونج كونج. وأضاف "سيستغرق تنفيذ الترتيبات الكاملة سنوات لكنهم جادون في الأمر تماما. هذه مبادرة ضخمة للغاية من جانب أبوظبي". وانفقت أبوظبي بالفعل مليارات الدولارات لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط في مجالات مثل السياحة والصناعات الخفيفة. ومن خلال إعادة تدوير بعض الثروة في الإمارة يمكن للمنطقة المالية أن تعطي دفعة كبيرة للاقتصاد. وقال غورجيت سينغ رئيس العمليات التشغيلية في صروح العقارية ثاني أكبر شركة للتطوير العقاري في أبوظبي "الميزة الخاصة بموقع مثل هذه المنطقة الجديدة مهمة للغاية بالنسبة لأبوظبي... سيكون لها تأثير مضاعف على القطاع العقاري في أبوظبي". ولعدة أسباب بينها وجود جهاز أبو ظبي للاستثمار ربما تكون إدارة الثروة أحد المجالات التي اقتنصت فيها أبوظبي بسرعة بعض الأنشطة من دبي.
وقال ديفيد ساينامون المدير الشريك لدى شركة بيلزبيري وينثروب شو بيتمان للمحاماة "المؤسسات المالية وشركات المحاماة التي تخدم صناعة النفط والغاز على سبيل المثال ستفتح على الأرجح في المنطقة المالية الحرة في أبوظبي سواء كانت تعمل في مركز دبي المالي أو لا". وقال مصرفيون ومحللون إنه ليس بالضرورة أن يكون مكسب واحدة من الإمارتين خسارة للأخرى. فهناك صلات بين الأسرتين الحاكمتين في الإمارتين وبينهما تعاون وتنافس أيضًا منذ استقلال دولة الإمارات العربية المتحدة عن بريطانيا عام 1971. وأسست أبوظبي شركة الاتحاد للطيران -التي تحقق نمواً سريعًا- عام 2003 لكنها لم تقض على النمو الهائل الذي تحققه طيران الإمارات التابعة لحكومة دبي. وتمضي الإمارتان قدما في خطط هائلة لتوسيع موانيهما دون أي علامة واضحة على أن أيا منهما تؤثر سلبًا على حظوظ الأخرى. وذكر كرين "ستكون هناك فوائد مشتركة لما يبدو أنه "تكتل" للمراكز المالية...حتى إذا ما خسرت دبي بعضاً من البنوك الكبرى التي تتخذ منها مقرًا فسيحقق قطاعها للخدمات الأكثر نموًا مكاسب من وراء تقديم خدمات متخصصة".