عشر سنوات من التدوين - جديد عبدالله المهيري

    • عشر سنوات من التدوين - جديد عبدالله المهيري


      في 12 مايو 2003 الموافق للحادي عشر من ربيع الأول 1424هـ بدأت مدونة سردال، قبل أن أعرف التدوين كانت لدي فكرة صممت لها قالباً وهي صفحة أضع فيها الروابط والمواضيع والجديد منها يظهر في أعلى الصفحة والقديم ينزل إلى أسفل الصفحة، لم أكن أعرف بعد أن هناك من فعل ذلك ويسمي هذا النوع من المواقع weblog ولم أطبق الفكرة، لاحقاً بدأت زيارة مواقع شخصية لعرب يكتبون بالإنجليزية ولاحظت أن مواقعهم تتشابه من ناحية أسلوب النشر، عرفت لاحقاً أن هذه مواقع تسمى blog أو weblog وهناك العديد منها حول العالم وهناك خدمة بلوغر وإن كانت في ذلك الوقت غير معربة بعد.

      اجتمعت أمور دفعتني نحو التدوين، منها أنني سئمت حقاً من المنتديات وأردت أن أفتتح موقعي الخاص لأنشر فيه وأجمع أفكاري، لم يكن في نيتي أن أتخصص في مجال ما بل فقط أريد مساحة شخصية أنشر فيها أي شيء أريده، أخي أبو عيلان عرض علي أن يتكفل بتكاليف موقع وكنت وقتها قد قررت أن أفتتح مدونة أو بشكل أدق أن يكون موقعي على شكل blog لأن كلمة "مدونة" لم تظهر بعد.

      الموقع اسمه سردال وهو اللقب الذي اخترته لنفسي عند التسجيل لأول مرة في منتدى عربي وقد كان اختياري منتدى سوالف والمدونة يديرها برنامج اسمه b2 وهو البرنامج الذي على أساسه بدأ وورد بريس، لم نكن نسميها برامج بل "سكربت" وجمعها "سكربتات" وأذكر موقع HotScripts.com الذي كنت أستخدمه بحثاً عن برامج المواقع وأظن أنني من خلاله عرفت b2.

      لم يدم البرنامج طويلاً فقد غيرته بعد ساعات فقط وبدلاً من استخدام البرامج استخدمت محرراً نصياً لكي أكتب كل شيء بنفسي، ملفات HTML وCSS وحتى RSS ثم أرفع كل شيء إلى الموقع باستخدام برنامج FTP، بقيت على هذا الحال لأشهر وكانت فترة ممتعة تعلمت فيها الكثير.

      حاولت أن يكون تصميم الموقع متوافقاً مع المعايير القياسية للويب، موضوع جديد في ذلك الوقت ولا أظن أن أحداً كتب عنه بالعربية أو أن ما كتب حوله بالعربية قليل نادر، وقد كنت في ذلك الوقت أستخدم متصفح فينيكس (Phoenix) وهو ما تعرفونه اليوم بمتصفح فايرفوكس، كان في ذلك الوقت في إصداراته الأولى وكان بسيطاً حقاً وكنت أستخدمه كبديل لإكسبلورر.

      اجتمع اهتمامي بمتصفح فينكس مع اهتمام بالمعايير القياسية للويب وبدأت أكتب عنهما في منتدى سوالف سوفت ولا زلت أذكر النقاشات منذ تلك الأيام، كنت أرى انتشار المعايير القياسية مسألة وقت فقط وإن كنت في ذلك الوقت لا أعرف عنها الكثير وحتى موقعي لا يظهر بشكل جيد ويحوي بعض المشاكل إلا أنني كنت على يقين أن المعايير القياسية هي مستقبل تطوير المواقع ولذلك أستخدمها وأروج لها وأشجع على استخدام متصفحات بديلة مثل موزيلا وفينيكس ثم فايرفوكس لاحقاً.

      لم أكن ولا زلت غير متسوعب لمحاولة البعض مقاومة التغيير، كان البعض يهاجم فايرفوكس بشدة وكذلك المعايير القياسية، إن لم يظهر موقع عربي بشكل صحيح في فايرفوكس فهذه مشكلة المتصفح لا الموقع، في حين أن الموقع صمم ليتوافق فقط مع إكسبلورر المتصفح الأكثر انتشاراً عالمياً - في ذلك الوقت - وعربياً، كان من الصعب أو قل من المستحيل إقناع البعض أن هناك منظمة تسمى W3 تضع المعايير القياسية وهي منظمة غير ربحية أسسها مخترع الويب نفسه، كان من الصعب إقناع البعض أن المعايير القياسية هي المستقبل، من جانب آخر بدأ البعض يستوعب الفكرة ويقرأ عنها ويدعمها، تغيير مثل هذا سيجد مقاومة بلا شك وسيجد من يوافق عليه ويعمل من أجله.

      فكرة التدوين في ذلك الوقت كانت جديدة تماماً في ذلك الوقت وأعني بالتحديد التدوين بالعربية لأن هناك عرب كانوا يدونون بالإنجليزية، افتتح مجموعة من العرب مدوناتهم خلال مدة قصيرة وكان من حظي أنني كنت أولهم وسبقت بعضهم بأيام قليلة فقط، لو لم أفعل ذلك لكان شخص ما هو المدون العربي الأول، لا أقول ذلك فخراً بل أوضح أن مسألة أن أكون الأول كانت حظاً فقط لا أكثر، شيء يجب ألا نهتم به كثيراً.

      في ذلك الوقت كانت اهتماماتي تدور حول الحواسيب والتقنية وتطوير المواقع ولذلك كان البعض يصنف مدونة سردال بأنها مدونة تقنية وهو أمر كان يضايقني قليلاً لأنني أعتبرها شخصية مفتوحة لأي موضوع يهمني سواء كان تقنياً أم لم يكن، لكن الصورة العامة للمدونة أنها تقنية ويكتبها شخص يسمى سردال، كنت أتضايق عندما يكلمني أحدهم ويستخدم "سردال" بدلاً من اسمي.

      بعد أشهر من كتابة ملفات المدونة يدوياً انتقلت إلى وورد بريس ولم يكن معرباً في ذلك الوقت إلا أنني عربت أحد قوالبه وغيرته ليناسب مدونتي، وفي نفس الوقت بدأ التفاعل مع المدونة من خلال التعليقات ومنها عرفت مدونين عرب آخرين وكانت المدونات العربية في ذلك الوقت قليلة جداً ويمكن زيارتها وقراءة جديدها في ساعة أو أقل، ظهور مزيد من المدونات العربية أدى إلى أن يزداد عدد الراغبين في افتتاح مدوناتهم وهذا كان يعني تعريب وورد بريس.

      أول من أنجز تعريب وورد بريس هو أخر كريم لم أعرفه إلا باسم سوار ولم أدري هل هو اسمه أم لقبه لكن عرفت لاحقاً أن اسمه هو محمد، كان يعمل على تعريب البرنامج وطلب مني أن أساعده بتعريب القوالب وقد فعلت ذلك، بعض من كتب عن التدوين العربي يخلطون الأمر هنا فيظنون أنني من أنجز التعريب والأخ سوار ساعدني والحقيقة هي العكس تماماً.

      مع تعريب ووردبريس ازداد عدد المدونات العربية وانتشرت ولم يعد من الممكن متابعتها كلها وكانت هناك مدونات عديدة تستخدم الاسم الإنجليزي blog للتعبير عن هذا النوع من المواقع وفي نوفمبر من 2004 لاحظت أن هناك مدونات عربية تستخدم كلمة "مدونة" كاسم لهذه المواقع ورأيت أنها كلمة مناسبة جداً لذلك كتبت عنها ملاحظة صغيرة في موضوع وبعدها انتشرت الكلمة وأصبحت تستخدم في الإعلام وكانت مفاجأة أن أسمعها تستخدم في قناة الجزيرة، لا أدعي أنني اخترت هذه الكلمة بل فقط ساهمت في الترويج لها.

      هناك العديد من المدونين ساهموا في نشر التدوين العربي إما بكتابة دروس تقنية أو بالكتابة عن التدوين والتعريف به أو بتنظيم لقاءات مع مدونين آخرين وتشجيع غير المدونين على المشاركة ولا شك أن تعريب ووردبريس كان نقطة تحول مهمة لأنه أتاح للكثيرين افتتاح مدوناتهم بسهولة، المساهمات كانت مختلفة ولا يمكنني أن أحصيها خصوصاً أنني بالكاد أتذكر شيئاً هنا وللأسف لم أدون مثل هذه التفاصيل، لذلك أتمنى من الأخوة المدونين أن يكتبوا عن تفاصيل بداياتهم في التدوين ومساهماتهم في نشره.

      التدوين العربي ساهم بأشكال مختلفة في تغيير المواقع العربية من ناحية إضافة محتويات مفيدة، شكوى فقر المحتوى العربي تكررت بأشكال مختلفة وحتى في مؤتمرات وقد كانت صحيحة ولا زالت حتى اليوم لكن لا يمكن أن ننكر أن هناك محتويات عربية أكثر بكثير من الماضي ولا زلنا بحاجة للمزيد وللمدونين دور أساسي هنا في إضافة هذا المحتوى.

      الآن يمكن ملاحظة هجرة المدونين إلى المواقع الاجتماعية فايسبوك وتويتر وهذا أمر مؤسف لأن الشبكات الاجتماعية لن تغني أبداً عن الحاجة لمدونات ومواقع تكتب وتنشر المحتويات في صفحاتها، ما يكتب في الشبكات الاجتماعية يخضع لقواعد وقوانين هذه الشبكات وهذا لوحده سبب كافي في أن يهتم أحدنا بما ينتجه ويضعه في مدونة خاصة به بدلاً من أن يكتفي بنشر المحتويات في مواقع اجتماعية.

      عندما فكرت بهذا الموضوع قبل أشهر كنت أتخيل أنني سأكتب أفضل موضوع لي وسأتحدث فيه عن تفاصيل كثيرة لكن كالعادة الواقع دائماً أقل جاذبية من الخيال، ليس لدي المزيد لأقوله، 10 سنوات من التدوين مناسبة تستحق أن أتوقف قليلاً عندها، هذا كل شيء، في موضوع لاحق سأكتب عن مدونات ومدونين عرب وربما تفاصيل أخرى.



      المصدر : مدونة عبدالله المهيري