(معجزات زِن: اكتشاف السّلام في عالمٍ مجنون)
(معجزات زِن: اكتشاف السّلام في عالمٍ مجنون)، كتابٌ للمعالِجة النفسيّة الدكتورة بريندا شوشانا، ترجمة سلام خير بِك، يُسلّط الضّوء على مقدرة "زِن" في انتشال الإنسان من محبطات الحياة المتسارِعة، وهو كما جاء في المقدِّمة: هذا الكتاب مكرّس لقدرتنا على وعي المعجزات، وعلى فهم وإزالة الحُجب التي تغشانا، والحواجز الدّاخلية والخارجيّة التي تُحوِّل الأصدقاء إلى أعداء، والفرح إلى معاناة والجنّة نفسها إلى جحيم.
في البِدء يقول د.ت. سوزوكي_ وسوزوكي أول مَن أدخل الزِنْ إلى الغرب، والذي جمع بين الخبرة الروحية والمنهج الأكاديمي_ في كتابه ( مدخل إلى بوذيّة زِن) موضِّحًا الغاية من زِن: إن زِنْ في جوهره هو فن تبصُّر المرء بطبيعة كينونته؛ وهو يشير إلى السبيل من العبودية إلى الحرية... ويمكن القول إن زِنْ يحرِّر كلَّ الطاقات المخزونة بصورة طبيعية في داخل كلٍّ منَّا، التي تكون، في الأحوال العادية، محبوسةً ومشوهة، فلا تجد قناةً كافية لنشاطها... وهكذا تكون غاية زِنْ هي أن ينقذنا من الجنون أو من العجز والقُعَاد. أما ما أعنيه بالحرية، فهو إفساح المجال أمام كلِّ الدوافع الخلاقة والخيِّرة، الكامنة أصلاً في قلوبنا، بحيث يمكن لها أن تتحرك حرَّة. فنحن، في صورة عامة، عُمْيٌ تجاه هذه الحقيقة، حقيقة أن في حوزتنا كلَّ المقدرات الضرورية لجعلنا سعداء، يحبُّ واحدنا الآخر.
وقد حيّرت ممارسة زن النّاس وفتنتهم على مرِّ الزّمان، إذ كيف يُمكن أن تُعطي وصفًا حقيقيًّا لما لا يُمكن للكلمات التّعبير عنه؟.. في زِن نقول أنّه حالما أنت تتحدّث، ستبتعد عن الموضوع قَطعًا، ووفقًا لقولٍ زنِّي قديم" اِغسل فمك حالما تتحدّث عن زِن"، إذ أنّ الكلمات تحدّ الفهم وتشوّهه، كما أنّ الصّمت لن يُجدي.. وهذا أيضًا أحد تحدّيات زِن وإعجازه!
يُرينا كتاب" مُعجزات زِن" كيف يُقارب زِن العقل المُضلِّل والمشكلات والعقبات والعلاقات التي نواجهها في حياتنا اليوميّة.. حيث أنّه مكتوبًا من قِبل طبيب نفسي وممارس طويل الأمد لزِن، يواجه هذا الكتاب حسب التّقديم طرقنا المعتادة لحلِّ مشكلاتنا بطريقة زِن، وبدلا من التماس تشخيص المرض، ووصف دواء يُسكِّن الألم، ثمّ تصحيح أوجه القصور، او النّظر لأنفسنا كضعفاء أو آثمين بدلا من ذلك يطرح زِن تكتيكًا آخر، فيُشير إلى جمالنا وقوّتنا الأساسيّة إلى حيث يختفي هذا الاكتئاب والصّراع والاضطراب من تلقاء ذاته.
ينقسم " مُعجزات زِن" في تصنيفه إلى خمسة أجزاء، ففي الجزء الأوّل (البِداية) تتطرّق الطبيبة لمواصفات زِن وكيفيّة تنفيذها وشروطها، من خلال خمسة عناوين: ( ما هو زِن؟، كيف تقوم بذلك، أهلا بِكم في عالم الكوانات، تقشير البصل يومًا إثر يوم، فعلُ اللاشئ)، وتضمّن هذا الجزء على خمس من معجزات زِن: معجزة زِن الأولى: يُمكنك أن تضحك عندما تضحك وأن تبكي عندما تبكي، معجزة زِن الثّانية: لا مزيد من الاتِّكال على الآخرين، يُمكنك الاعتماد على نفسك، معجزة زِن الثالثة: ستجِد كلّا من أسئلتك وأجوبتك هنا تمامًا حيث أنت!، معجزة زِن الرّابعة: يمكنك تقشير أيّة بصلة بالكامل!، معجزة زِن الخامسة: الرّبيع يأتي والورود تنمو من تلقاء ذاتها.
ويحوي الجزء الثّاني ( لهفاتٌ وإرغام) على نظرة إلى طبيعتنا النّفسيّة وِفقا لزِن، السّموم الثلاثة وآثار الكارما على حيواتنا، كل ما يحوي تعطُّشٌ وإكراه، وقد تناولت الطبيبة ذلك عبر عدّة محاور هي: (تهدئة العقل القرد، الوحدة والانفصال، إطعام القلب الجائِع، الطّموح: ترويض العقل العنيف)، وتضمّن هذا الفصل أربع من معجزات زِن وهي: معجزة زِن السّادسة: انحلال عقلنا القِرد، معجزة زِن السّابعة: وأخيرًا قابلنا الصّديق، معجزة زِن الثّامنة: نتوقّف عن رفض الآخرين وأنفسنا، معجزة زِن التّاسعة: إدماننا على الكراهية يخبو!
وفي الجزء الثّالث المعنون بـ (التخلّي) سبرت الطبيبة جوهر التخلِّي والتّسامح وحلّ العقبات التي تعترِض مسير حياتنا من خلال المحاور: (التشبّث والتعلّق، أيدٍ فارغة، الحج)، وفي هذا الفصل استكمال لتضمين المعجزات من العاشرة وحتّى الثانية عشر: يمكننا إفراغ كوبنا!، نستطيع إفراغ أيدينا!، يمكنك المجيء والذّهاب متى شئت!
وفي جِزء (تذويب الذّات الزّائِفة) تطرّقت الطبيبة إلى تحليل النّفس الزّائفة من خلال نظرة مختلفة إلى حسِّ الهويّة والطرق التي بواسطتها تسبّب الأنا الزّائِفة وتشوّه وتركِّز الألم العظيم؛ وذلك من خلال المحاور: (التخلِّي عن الألعاب، عندما يتحوّل الدّواء إلى سُم، الرّجل الحقيقي الذي لا مرتبة له، الصّيّاد الزِّني).
وتضمّن الجزء الرّابع أربع من معجزات زِن الثمانية عشر وهي: معجزة زِن الثّالثة عشر: لم يعُد مللنا يُضجرنا!، معجزة زِن الرّابعة عشر: يمكننا معرفة الفرق بين السُّم والدّواء، معجزة زِن الخامسة عشر: يمكننا أن نصبح بوّابين، معجزة زِن السّادسة عشر: نعود إلى السُّوق بأيدٍ مفتوحة.
وفي الجزء الأخير (زِن، الله، والتّنوّر) وفي هذا الفصل ناقشت الطبيبة إدخال ممارسة زِن إلى العالم المسيحي اليهودي مع نظرة إلى الوصايا والأسباب وقيم الحياة التي ترافق الممارسة الصحيّة، عبر: ( العبور من البوابة التي لا باب لها، زِن والله، تحذيرات زِن، توصيات زِن)، وفيه معجزتي زِن الأخيرتين: معجزة زِن السّابعة عشر: البوّابة التي لا باب لها تفتح، نحنُ نمرُّ عبرها!، معجزة زِن الثّامنة عشر: امشِ بإخلاصٍ معي!
ولأنّ التأكيد في معجزات زن هو دومًا على إدخال الممارسة إلى العائلة والعمل والعلاقات والحياة اليوميّة، يتضمّن الكتاب تمارين يمكن تنفيذها في كلّ مكان، وتُساعد تخصيص مبادِئ زن بما يتناسب مع كلّ منّا، فقد ضمّنت الطبيبة العديد من التّمارين في كلِّ فصل؛ وذلك بهدف إدخال هذه الممارسة إلى كلِّ النشاطات التي نجد أنفسنا فيها.
إنّ " معجزات زِن" كتابٌ عملي ينصبّ اهتمامه على منح القارئ مدخلا إلى هذا العالم القديم، جاعلا إيّاه سهل المنال قدر ما أمكن، مع الحفاظ على أصالته وحيويّته في ذات الوقت، وضِمن التحذيرات التي ضمّنتها الطبيبة في نهاية الكِتاب أنّ زِن قبل كلّ شئ عملي، وهو يذكِّرنا باستمرار بالحضور المباشر دومًا مع ما يحدث أمام أعيننا، ويحذّرنا من استعمال الممارسة لنبذ ما لا نحب، فالإنكار يكمن عميقًا في الكائِن البشري، ويجري فيه، واستخدام الممارسة لخدمة الإنكار هو من الأخطار الكبيرة والأخطاء التي يرتكبها ممارسو زِن، كما تؤكّد الطبيبة أنّ ممارسة زِن موجّهة قبل كلّ شئ نحو التواضع والتخلّص من الأنا والغرور والسيطرة على الآخرين، إنّما هي مكرّسة لتبديد الأوهام والأكاذيب، ممارسة زِن صيحة ضِد عبادة المرجعيّة، وضِد التخلِّي عن عقل الفرد الصّافي، والاعتقاد بوجود الحقيقة لدى شخص ما دون غيره، مؤكِّدةً ضرورة الإيمان أنّ كل ما نحن عليه ونحتاج معرفته موجود فينا/داخلنا.
وضمن توصيات (مُعجزة زِن) التي ختمت بِها الطبيبة: لا تتكل على الآخرين.. لا تتكِل على أي شئ، حافِظ على استقامة ظهرك في كلِّ الأوقات..فعمودك الفقري يصِل بين الأرضِ والسّماء.. احترمه وبجّله، الوحدة هي عدم التّرحيب بالتّواصل بحريّة مع كلّ الخلق.. عالِج هذا، لا تنفخ نفسك، وتقلِّل من شان الآخرين.. فجميعنا نمشي على الأرض ذاتها، هذا النَّفَس لن يأتي مرّةً أُخرى.. انتبه له، لا يُمكننا إيقاف الضّجيج، لكن يُمكننا إيقاف أنفسنا.. يمكننا قبول الضّجيج، ما أنت هذه اللحظة يحتوي كامل رسالة ما كنت عليه من قبل، لا يُمكن أن ترى أبدًا ما هو أسوأ من نفسك، لا تضع رأسًا فوق رأسك.. ما المشكلة في رأسك أنت؟، الذّهاب إلى (مكانٍ ما) لا يأخذك إلى أي مكان، فعل (لاشئ) هو اكثر من كافٍ، والأزهار تنمو من تلقاء ذاتها، الرّبح والخسارة.. تخلّص منهما وإلى الأبد
المصدر : مدونة بدرية العامري
