سلسلة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

    • آيات الله في الذبــاب



      آيات الله في الذبــاب



      قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (الحج:73) .

      لقد كشف العلم الحديث العديد من الخصائص التي يتمتع بها الذباب عن غيره من الحشرات فمثلاً يمكن أن تسير الذبابة بسهولة على الأسطح المائلة أو تقف ثابتة على السقف لمدة ساعات . فأقدامها مجهزة للوقوف على الزجاج والجدران والسقوف، وإذا لم تكن كلاباتها كافية، فإن الوسائد الماصة الموجودة على أقدامها تؤمن وقوفاً مناسباً على السطح، وتزداد قوة هذه الوسائد بإفراز سائل خاص .تستخدم ذبابة المنزل " الشفة " من الجزء الفموي لتذوق الطعام قبل تناوله .

      و الذباب دون الكثير من المخلوقات يهضم خارج جسمه، ويكون ذلك بإفراز سائل هاضم على الطعام، يفكك هذا السائل الطعام ويحوله إلى سائل تستطيع الحشرة امتصاصه، ثم تنتقل الشفة الغذاء الموجود على السائل على جسمها بواسطة الشفة أيضاً التي تحول السائل إلى الخرطوم المتصل بها .

      تعتبر ذبابة المنزل ظاهرة على درجة كبيرة من التعقيد في البداية تقوم الذبابة بمعاينة الأعضاء التي ستستخدمها في الطيران، ثم تأخذ وضعية التأهب للطيران وذلك بتعديل وضع أعضاء التوازن في الجهة الأمامية، وأخيراً تقوم بحساب زاوية الإقلاع معتمدة على اتجاه الريح وسرعة الضوء التي تحددها بواسطة حساسات موجودة على قرون الاستشعار ثم تطير . إلا أن هذه العمليات مجتمعة لا تستغرق أكثر من 1/100من الثانية، فهذه الذبابة قادرة على زيادة سرعتها حتى تصل إلى 10كم /سا .

      لهذا السبب يطلق على الذبابة "سيدة الطيران البهلواني " كاسم محبب، فيه تسلك أثناء طيرانها مساراً متعرجاً في الهواء بطريقة خارقة، كما يمكنها الإقلاع عمودياً من المكان الذي تقف فيه، وأن تحط بنجاح على أي سطح بغض النظر عن انحداره أو عدم ملائمته . ومن الخصائص الأخرى التي تتمتع بها هذه الحشرة السحرية وقوفها على الأسقف . فحسب قانون الجاذبية يجب أن تقع إلى الأسفل، إلا أنها خلقت بنظام خاص يقلب المستحيل معقولاً .

      يوجد على رؤوس أقدامها وسادات شافطة تفرز هذه الوسادات سائلاً لزجاً عندما تلامس السقف . تقوم الحشرة بمد سيقانها باتجاه السقف عندما تقترب منه، وما إن تشعر بملامسته حتى تستدير وتمسك بسطحه، تحمل ذبابة المنزل جناحين يخرج نصف كل منهما من الجسم ويحملان غشاءً رقيقاً جداً يندمج مع الجناح . يمكن أن يعمل كل من هذين الجناحين بشكل منفصل عن الآخر . مع ذلك فهما يتحركان عند الطيران إلى الأمام والخلف على محور واحد . كما هي الحال في الطائرات ذات الجناح الأوحد . تتقلص العضلات المسؤولة عن حركة الأجنحة .

      تتكون عين ذبابة المنزل من 6000بنية عينية سداسية يطلق عليها اسم " العوينات "، تأخذ كل من هذه العوينات منحى مختلفاً: إلى الأمام أو الخلف، في الوسط ،فوق وعلى جميع الجوانب، يمكن أن ترى الذبابة كل ما حولها من جميع الجهات، بتغير آخر، يمكن أن تشعر بكل شيء في حقل رؤيا زاويته 360 درجة، تتصل ثمانية أعصاب مستقبلية للضوء بكل واحدة من هذه العوينات، وبهذا يكون مجموع الخلايا الحساسة في العين حوالي 48000 خلية يمكنها أن تعالج 100صورة في الثانية .

      تستمد الذبابة مهارتها الفائقة في الطيران من التصميم المثالي للأجنحة . تغطي النهايات السطحية والأوردة الموجودة على الأجنحة شعيرات حساسة جداً مما يسهل على الحشرة تحديد اتجاه الهواء والضغوط الميكانيكية عند القلاع وتنبسط عند الهبوط، وعلى الرغم من أنها تقع تحت تحكم الأعصاب في بداية الطيران، إلا أن حركات هذه العضلات مع الجناح تصبح أوتوماتيكية بعد فترة وجيزة .

      تقوم الحساسات الموجودة تحت الأجنحة والرأس بنقل معلومات الطيران إلى الدماغ، فإذا صادفت الحشرة تياراً هوائياً جديداً أثناء طيرانها، تقوم هذه الحساسات بنقل المعلومات الجديدة في الحال إلى الدماغ، وعلى أساسها تبدأ العضلات بتوجيه الأجنحة بالاتجاه الجديد، بهذه الطريقة تتمكن الذبابة من الكشف عن وجود أي حشرة جديدة بتوليد تيار هوائي إضافي . والهرب إلى مكان آمن في الوقت المناسب . تحرك الذبابة جناحيها مئات المرات في الثانية، وتكون الطاقة المستهلكة في الطيران أكثر مئة مرة من الطاقة المستهلكة أثناء الراحة . من هنا يمكننا أن نعرف أنها مخلوق قوي جداً، لأن الإنسان يمكنه أن يستهلك طاقته القصوى في الأوقات الصعبة ( الطوارئ ) والتي تصل إلى عشرة أضعاف طاقته المستهلكة في أعمال الحياة العادية فقط . أضف إلى ذلك أن الإنسان يمكنه أن يستمر في صرف هذه الطاقة لبضع دقائق فقط كحد أعلى، على عكس الذبابة التي يمكنها أن تستمر على هذه الوتيرة لمدة نصف ساعة، كما يمكنها أن تسافر بهذه الطاقة مسافة ميل وبالسرعة نفسها .


      المصدر : كتاب التصميم في الطبيعة تأليف الكاتب التركي هارون يحيى
    • آيات الله في تيسير الحياة للأحياء و حمايتها


      آيات الله في تيسير الحياة للأحياء و حمايتها



      قال الله تعالى : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ) (لقمان:20).

      ظلت الحياة تدب على الأرض منذ ملايين السنين ، متغلبة على ما يقابلها من صعاب متحررة إلى كل ما يلائم البيئة والتي تعيش فيها ، وبذلك تعددت الأحياء ودامت الحياة .. وهناك ملابسات وظروف يسرت حياة الأحياء لا يمكن للعقل أن يحيط بها إلا أن يسلم بقدرة الخالق وعظمته .. علاوة على وجوده ... فالدراسات العميقة التي تولتها كافة الهيئات العلمية ، لا تستطيع الا أن تعترف بأن مقومات الحياة في الأحياء ، إنما هي أدلة ناطقة تشهد على وجود الله .



      لغة الكائن الحي

      الإنسان

      قال تعال (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:31)

      ترى لو لم يلهم الله الأحياء بأن يتخاطبوا، وأن يلهم كل صنف لغة يتفاهمون، بها كيف تكون الحياة .. ؟ لغة الإنسان ، عبارة عن ألفاظ وجمل ينادي بها على الأسماء ويشرح بها الأفعال ، وأصوات تعبر عن الاستحسان والاستهجان ، قهقهة للفرح ، وآهة للألم والحزن وأنين ونداء للاستغاثة ، وبهذه أصبح الإنسان يستطيع أن يطلب الغذاء إذا جاع ، وأن يستغيث إذا ألم به مكروه ... وتمكن من أن يتفاهم مع غيره بما حفظ عليه حياته... ومن أعجب ما يسرت به الحياة على الأحياء .. تفاهم الذين أصابهم العي في ألسنتهم ، أو حرموا الكلام أصلا ً .. فهم يتفاهمون بإشارات أسرع من الألفاظ ، وإذا تخاطب اثنان منهم قل من يستطيع أن يتسامعهما ، بل لا يمكن لغيرهما أن يفهم كلامهما السريع الطويل .. ولم يتعلموا هذه اللغة إطلاقاً..إنما يسرت لهم كما يسرت لغيرهم الكلام من لدن حكيم خبير .

      الحـيـــوان :

      قال تعالى : (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (النمل:18)

      أثبت العلم أن للحيوان لغته الخاصة ، فلكل نوع من أنواع الحيوانات لغة خاصة به ، يتفاهم بها ، ويتعارف مع غيره على أحوال ما حوله .. فهذه هي الدجاجة التي تصدر أصواتاً مميزة ، فنرى صغارها أقبلت في سرعة تلتقط معها الحب .. وتصدر أصواتاً مخافة ، فإذا بالصغار تهرول إلى العش في لحظة .

      ويقول " ألن ديفو "أحد علماء الحيوان أنه وقف يوماً يراقب ثلاثة من صغار الثعلب تلعب حول أمها ، وإذا بصغير منها يدخل في الغابة، ويبتعد عنها بعدا بحيث غاب عن النظر ، فاستوت الأم قائمة ومدت أنفها إلى الناحية التي ذهب منها ،، وبقيت على حالها هذه برهة عاد بعدها الصغير في اتجاه أمه لا يلتفت يمنة أو يسرة ، كأنما كانت تجذبه بخيط لا تراه العين . ومن الدراسات المماثلة أمكن لعلماء الحيوان تعلم لغة الحيوانات .

      و النحلة إذا عثرت على حقل مزهر عادت إلى الخلية وما إن تتوسطها حتى ترقص رقصاً خاصاً ، فإذا بالنحل يندفع إليها ، ويسير خلفها إلى حيث تهديه النحلة إلى الزهور .

      و يقول اللورد " أفبري " أنه طالما أراد أن يمتحن عقل النمل ، والوقوف على طريقة التفاهم بين أفراد ، فمما فعله في هذا السبيل ، أنه وجد يوماً نملة خارجة وحدها من جحرها ، فأخذ ذبابة ولصقها على فلينة بدبوس ، وألقاها في طريق النملة ، فما أن عثرت عليها، حتى أخذت تعالجها بفمها وأرجلها مدة تزيد على العشرين دقيقة، تيقنت بعدها، فعادت أدراجها إلى جحرها ، وبعد ثوان معدودة، خرجت النملة تتقدم نحوها و معها اثنتي عشرة نملة من أخواتها ، انتهت بها إلى الذبابة ثم وقع عليها النمل ، يمزقها تمزيقاً، وعاد النمل إلى جحره وكل منها تحمل جزءاً من الذبابة .. فالنملة الأولى قد رجعت إلى زميلتها ولم يكن معها شيء قط .. فكيف تم لها أن تخبر باقي النمل بأنها وجدت طعاماً سائغاً ، وفريسة شهية ما لم يكن تم ذل بلغة خاصة ...!!!

      و يتكلم نمل الشجر في المناطق الاستوائية بلغة عجيبة ، إذ يصعد إلى الشجرة ويدق دقات غير منتظمة ، تقارب إشارات مورس التلغرافية ، ويبلغ من قوتها أن تسمع من بعيد ....!! وما صرير صرصار الغيط، الذي كثيراً ما يسمع في الليل الدافئة في الحدائق والمزارع ، إلا دعوة منه لأنثاه إذا بعدت عنه . وكذلك نقيق الضفادع الذي لا يحدث إلا ليلاً.

      و قد لوحظ أن أسراب الفيلة ، لا تكف لحظة عن غمغمة ، طالما هي تسير في رهط ، فإذا تفرقت الجماعة ، وسار كل فيل على حدة انقطع الصوت تماماً .. ومن أعجب ما يؤيد لغة الفيلة ، تلك الأصوات المزعجة التي تلاحظ عندما تجتمع الفيلة المحكوم عليه ليعيش وحيدا ويسير منفرداً ... فقد حكمت عليه الفيلة بالعزلة والوحدة ...!!!

      و أصوات الغراب مميزة تميزاً واضحاً .. فنعيبه أكبر على الخطر . وهو يصدره ليحذر به أبناء جنسه ، بينما يصدر في مرحه ولعبه أصواتاً أخرى تقرب من القهقهة و مما يثبت تفاهم جماعات الغربان ما تأتيه في حياتها من أمور تكاد تكون عجيبة ، إذ المتداول أن الغراب من الطيور الحقيرة التي يمر عليها الإنسان دون انتباه، ويقول " اكلاند " إن الغراب يفوق الطيور الأخرى منه حجماً ،و الأقوى منه ، بسبب مكره الممتاز ، وبالرغم من أن الغراب لص ، وفيه عيوب أخرى من سفاهة ودناءة وخسة ،فهو طائر مسل عندما تراقبه .. راقب جماعة من الغربان وقت نومها ، تجد أنه بعد محادثة طويلة ذات ضوضاء مع جيرانها ، وانتقالها من مكان إلى آخر ، يستقر العجوز على فرع شجرة ، ويبدأ في التأهب للنوم مبكراً ، وما يكاد يفعل حتى تأتي بعض الغربان الأشقياء ، تدور حوله مرة أو مرتين ، ثم تحط بجواره حتى يوشك أن يفقد توازنه أو تصطدم به عمداً لزحزحته من مكانه ... فيعلوا صراخه لانتهاك حرمته ، وإقلاق راحته ، بصوت مميز . وتتكرر هذه المحاولات وتصيح صغار الغربان بأصوات ضاحكة تعلن عن فرحها .. وليس هناك أدنى شك في أن الأغربة مغرمة بالهزل ، وتنظم الألعاب لنفسها . فقد قرر العلماء أنها تلعب المساكة والاستغماء ...!!

      و مما لوحظ في دراسة حياة الغربان أنها تحب كل الأشياء التي تبرق في الشمس . ولكل غراب مخزنه السري الخاص به الذي قد يكون ثغرة في شجرة ، أو تحت سقف برج قديم ، أو خلف حجر في كوبري ، وقد وجد أن بأحد المخازن التي أمكن اكتشافها ، من دراسي حياة الغربان قطعة من مرآة مكسورة ويد فنجان ، وقطعة من صفيح وأخرى من معدن ، وأشياء تافهة متنوعة كلها تتفق في أنها تتألق في الشمس .

      و يفهم الحيوان لغة الإنسان ويستجيب لها ، كما يدعو الإنسان الدجاج إلى الغذاء بصوت معروف ، ويدعوا الإوز والبط بصوت مغاير ويدعو الدواب إلى الشراب بالصفير كما يستطيع الأولاد في الريف عند صيد السمك من جذبه قريباً منهم بأصوات خاصة . وكلنا نعلم أن الكلب في المنزل أن الكلب في المنزل يعرف بل ينفذ أوامر سيده ، وفي أمريكا رجل أسمه "جاك ماينز " تخصص في دراسة الإوز البري ، وبلغ من علمه بلغتها ، أنه يستطيع أن يدعو سرباً طائراً إلى النزول ، حيث يختفي وذلك بأن يخاطب الإوز بلغتها ويخبرها بوجود بركة صالحة وطعام كثير .

      و قد يستطيع الإنسان أن يبادل الحيوان لغته ويتفاهم معه ، فقد كتب "مورتون طمسون " في "مجلة " ذي أمريكانميركيوري أن أخاه لويس الطالب بمدرسة الطيران كان يسمى " لويس الحصان " إذ أنه كان يكلم الخيل ويحادثها، وبدأ بذلك وهو طالب في مدرسة قرية في " سان دييجو " وكان بها خيول غير مروضة ، كثيراً ما قضى معها لويس الأوقات الطويلة، يلاعبها ويروضها، ولم يقضي إجازته ، بل ولا فسحته إلا إما راكباً أو مصاحباً حصاناً . وكان يراهن التلاميذ على أي حصان يفوز في سباقها .. ولم يحدث أن أخطأ مرة ، ولما حاول أخوه أن يهتدي إلى سر ذلك ، أجابه أن الخيل تخبرني عن حالتها في الجري ، ورأيها في راكبها ، وفي المضمار ،و كثيراً ما وضع ذلك موضع الاختبار والامتحان ، فكان يذهب إلى حلبة الخيل في أي مكان وكلما مر به حصان نظر إليه لويس نظرة متسائلة بصوت معين، فيلتفت الحصان ويلوي عنقه بهزات معينة، وهمهمة خاصة . ثم أخيراً ينطق لويس برقم الحصان الذي سيفوز . قال لأخيه يوماص : الجواد 1 يتمنى أن يربح ، ولكنه لا يحب راكبه . أما الجواد 2 فحالته اليوم سيئة ،و لن يفوز . أما رقم 3 فهو يتحدى إذ أنه صمم على الفوز .

      النــــوم

      قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (الروم:23) .

      إن من أهم ما أنعم الله به على الكائن الحي النوم ، وهو في الواقع دليل لا يقاربه شك على وجود الله . فالنوم عملية تتم دون أن يكون للإنسان دخل بها . ولا سيطرة له عليها . فهو في وقت معين تبدأ قواه في التناقص ، وتعتريه حالة من الاستعداد للنوم ، ثم لابد بعد ذلك من أن ينام . وأهمية النوم يمكن إدراكها بالتجارب التي أجريت على الحيوان ، وأتضح منها أن النوم أهم للحياة من الطعام والشراب . وقد قرر علماء الروس أن التجارب التي أجريت على صغار الكلاب أثبتت أنها لم تستطع الحياة لأكثر من خمسة أيام بلا نوم ، بينما عاشت مثيلاتها التي تنام عشرين يوماً بلا أكل .

      و لم يمكن للعلماء أن يقرروا ماذا في الجسد أثناء النوم أكثر من أن النائم يتخلص من إجهاده الجسدي وإرهاقه الفكري، وإن استرخاء عضلا ت الإنسان بنومه ، تساعد على تنشيط وتنظيم الدورة الدموية ، التي تطرد من الجسم ما قد يكون سببه الإجهاد من مواد ضارة . ومن دلائل وجود الله أن تشترك الكائنات الحية في النوم ، فالحيوانات تنام وتصحوا كالإنسان ، وقد ثبت أن الحيوانات تحلم كذلك في منامها . وأن بعض الكلاب تنهض من نومها فزعة تتلفت في كل الاتجاهات مما يدل على أنها كانت فريسة حلم مخيف . وتنام أيضاً الحيوانات الدنيا والأسماك والحشرات ولو أنه من الصعب تمييز حالتها بين اليقظة والنوم .

      و قد أجريت تجارب بأن وضع بقرب الحشرات أو الحيوانات ليلاً ما يثيرها ويفزعها، فلم تتحرك حتى الفجر، بينما ظهر عليها بعض الاختلاف في المظهر بعد الفجر، إذ تصرفت الخائفة الفزعة .

      و من أرحم آيات الله أن الطير ينام على غصنه، لا يقع بالرغم من أن قبضة الطائر لابد أن تسترخي كباقي عضلاته حين يغلبه النعاس ، إذ أن الأوتار التي تحدث البسط والقبض في المخلب الطائر تلتف حول مفصل ساقه ، فحين ينام ويثني ثقل جسمه هذا المفصل . تشد الأوتار مخلبه فيزيد تشبث قبضة الطائر على غصنه ، ويتم ذلك دون تفكير ، بل دون أن يعيها أو يحسها الطائر ...!!!.

      وقد قرر علماء النبات ، أنهم بدراسة الأزهار والتطورات التي تشملها في كل وقت ، أتضح لهم أن النبات ينام كما ينام كل كائن حي، مشاهد النوم تظهر واضحة جلية في الأزهار ومما يثبت أن تفتح الأزهار لا دخل له بالشمس والضوء ما نراه في الأزهار التي يختص بها فراشات الليل إذ تتفتح أزهارها، في الليل ، وتكون في تمام تفتحها عند منتصف الليل سواء أكانت الليلة قمرية أم مظلمة .. وهناك أزهار تقفل أوراقها . وتستسلم للنوم العميق ظهراً، حتى أولاد الفلاحين في الجهات التي تنمو فيها هذه الأزهار يعرفون غذائهم من نومها .

      ومن الأدلة الدالة التي تثبت حساسية النبات ، ويقظته ، نشاطه وكسله ، ما نشر أخيراً من أن " البروفسور سنج ط ريئس قسم النباتات بإحدى جامعات الهند، وضع نظرية تقول : أن نمو النبات يزداد عند سماعه الأصوات الموسيقية ، وأن للنبات آذناً حساسة للموسيقى . وقد شرح الأستاذ المذكور لمندوب وكالة الأنباء العربية في أوائل فبراير 1956 تاريخ اكتشافه لهذه المشاهدات وأن أول نجاح حصل عليه كان في 10 ديسمبر 1952 م ، إذ بينما كان ينظر في تلك الليلة بأنفاس مبهورة في نتائج تجاربه في غرفته بالجامعة، كان مساعده يراقب حركة الكلوروبلازم في داخل البروتوبلازم مستعيناً بمجهر وساعة . ولم يلبث أن دخل على أستاذه مسرعاً يقول أنه لاحظ سرعة في حركة الكلوروبلازم ، راجعة إلى الموسيقى الصوتية التي كانت مسلطة على البروتوبلازم !!.


      المصدر : كتاب " الله والعلم الحديث " بقلم عبد الرزاق نوفل.
    • آيات الله في حماية الكائن الحي لنفسه



      آيات الله في حماية الكائن الحي لنفسه



      قال تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) (يوسف:105)

      إن ما يتخذه الجسم داخلياً من طرق الحماية لمما يؤكد على وجود الله سبحانه وتعالى ، يقول الدكتور " والتركانن " العالم الفسيولوجي : أنه لو أنك عرفت كثيراً من أسرار الجسم البشري، لعجبت كيف يمرض أحد من الناس : ففي داخل الجسم دنيا قائمة تتصرف بإلهام واضح في دفع المرض، بل المحافظة على صحة الكائن بما يعجز عنه أي طبيب . ويقرر الأطباء أنهم في علاجهم، إنما يحاولون تقليد ما يجري داخل الإنسان نفسه، وأن العقاقير التي يصفونها إنما لمساعدة داخل فيما يقوم به ... دون أن يكون للإنسان أي فضل فيه بل حتى معرفته !!!

      و إذا كان الإنسان يعتبر لذلك أوضح الأمثلة، على ما يقوم به لحماية نفسه خارجياً، بالحرب والسعي والفكر والكر، والعمل والراحة ، وأخذ الدواء ـ وداخلياً حيث لا دخل له ـ بارتفاع الحرارة، وتكوين الأجسام المضادة، وهجوم كريات الدم، فإن الحيوان ليعبر أيضا من أروع الامثلة التي تظهر لنا بوضوح قوة ما تتخذه الحياة في حماية الحيوان ؟

      يقول الدكتور " ارشبيولد تلدج " انه بينما كان يمر ومعه أحد الحيوانات الوحشية التي استأنسها، جرح سلك شائك ذلك الحيوان في جنبه جراحاً غائرة، فسارع الدكتور إلى غسل الجرح بمطهر وربطه بالضمادات، وما هي إلا برهة، حتى وجد الحيوان قد نزع الضمادات وألقاها، وجعل يلعق الجرح برفق حتى يبعد الشعر الذي يغطي الجرح، وتركه معرضاً للهواء والشمس . وظل الحيوان يتعهد جرحه، حتى برىء

      و يقول هذا الدكتور أيضاً، أن قدماء الهنود الحمر وأسلافنا قد اهتدوا إلى معرفة أصول الطب، بمراقبة الحيوانات وهي تسعى إلى النبات الذي تتداوى به من جرح، أو حمى أو سوء هضم، وبملاحظتهم الدب الذي أصابه المرض وهو ينبش الأرض باحثاً عن جذور نبات السرخس، وبرؤيتهم الذئب الذي لدغته الحية وهو يسرع إلى مضغ جذور اللوف العطري، مضغ الواثق من الشفاء به .

      و عرف عن الحيوانات والطيور، أنها تأخذ مكانا ظليلا باردا طلق الهواء قريبا من الماء، إذا أصابته الحمى، بينما تأخذ لها مكانا شرقيا دافئا تسطع فيه الشمس إذا ما أصابتها الحمى، بينما تأخذ لها مكانا شرقيا دافئا تسطع فيه الشمس إذا ما أصابها البرد . كما لوحظ عنها أيضا أنها إذا أصابها شعور بفساد ما أكلته أو إذا أقتضى أمر شفائها إخراج ما بجسدها عمدت إلى نباتات مسهلة تعرفها أو تمكنت من القيء بنفسها

      وكثيراً ما شوهد أن الطيور والحيوانات، إذا ما أصاب أحد قوائمها خلع أو كسر، بترت هذا العضو المكسور بنفسها فورا ًفتشفي حالا .هذا ويعرف أهل الغابات أن دجاج الأرض إذا انكسرت بنفسها ساقه، يتخذ له جبيرة من الطين، وقد يقويها ببعض ما يجده من ألياف .

      و كلنا نرى الطيور وهي تنظف منقارها في الحائط أو الأغصان وإذا صادفك نسر بعد أن يكون قد تناول غذاءه، لتعجب حينما تراه يكرر تنقية منقاره وتنظيفه أكثر من مرة .

      و تستحم الطيور والحيوانات في مواقيت معينة لا تحيد عنها أبدا، وقد عرف أنها تستحم لا لتنظيف أبدانها فقط، بل لتجدد نشاطها .

      و إذا كان هذا هو ما يحاوله الكائن الحي للمحافظة على نفسه، فإن هناك العديد من الأدلة، على أن النوع نفسه يتخذ من ضروب الحيطة والحذر للمحافظة على أفراده، ما يجعل الإنسان يؤمن بوجود قوة علوية ترعى كافة الكائنات على اختلاف أنواعها .

      فكل الحيوانات والطيور التي تسير في هيئة جماعات، تتخذ من بعض أفرادها خفراء يحرسونها، وأدلة يكفون الطريق لها . وليس ذلك عن مصادفة بل عن قصد وتدبير، فإن الفيلة في الغابات، لا تسير فرادى إطلاقا إلا الأفراد الذين حكم عليهم بالشرود وجماعة الفيلة يتقدمها دليلها إلى الماء أو الغذاء . وأسراب الطيور في سيرها، يحرسها أكبر ذكورها، ويسير في مؤخرتها ضعافها، بينما الظباء تسير حراسها في الخلف لأن الذئب وهو أخطر الحيوانات عليها لا يهاجم القطيع إلا من خلفه .

      و تظهر قافلة الاكتشاف واضحة في الجراد، فإن المقدمة التي تسير لتكتشف الطريق لا تزيد على بضعة أفراد وهذه تكون إنذارا بسرب الجراد الذي قد يغطي مساحة ألفي ميل مربع .


      المصدر : كتاب " الله والعلم الحديث " بقلم عبد الرزاق نوفل ط: دارالناشر العربي الطبعة الثالثة 1393هـ 1973 م .
    • آيات عظمة الله في الإلهام

      آيات عظمة الله في الإلهام



      قال الله تعالى (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) (الجاثـية:6)

      الإلهام هو أبلغ دليل على وجود الملهم فلو رأيت طفلاً يسير في طريقه، من منزله إلى مكان يبعد كثيراً عنه، وهو يلتزم جانب الطريق الصحيح، وإذا حاول عبور الطريق التفت يمنه ويسره فلم يخطئ .. عجبت من حسن استعداده، وأثنيت على من أرشده !!.

      وإذا وجدت طفلاً قد حسن هندامه، ونُظفت ملابسه، وتناسقت ألوانها، أعجبت بنظافتها، وأثنيت على راعيه !! وإذا رأيت أُماً تُرضع أبنها في حنان، انتشرت الغبطة إذا ما رأيت ما يدعو إلى الغبطة .. أو ألهمك الغضب، إذا ما رأيت ما يثيرك أو يحرك استياءك .. أننا نسر ونحزن وننشرح وننقبض ونثور ونهدأ، وتمتلىء صدورنا بالمشاعر والأحاسيس التي لا سلطان لنا عليها، إنما هي إلهام من الخالق الأعظم .

      و إن كافة الكائنات الحية، لتأتي بأعمال لا إرادية لها فيها، إنما تقوم بما نسميه إلهاماً فلابد من وجود الملهم إذن، وفيما يلي بعض عجائب الإلهام في الأحياء .



      تناسل الأحياء

      ينشأ الطفل ولا تربطه بغيره من أفراد الجنس الآخر أية رابطة، سوى رابطة الطفولة فلا يرى الولد في البنت إلا رفيقة لهوه ولعبه، لا فرق بينها وبين زميلها .. فإذا ما شب عن طوقه، وبدأ يقرب من طور الشباب، يرى فيها شيئاً مخالفا عما كان يراه . لم تعد زميلته في لعبه ولهو . وإنما هي دنيا جميلة، ينجذب إليها ولا سلطان له على ذلك، وإذا به يرى فيها أشياء لم يكن يراها رغم وجودها، أصبحت في نظره الجديد جميلة الطلعة، حسنة المنظر .. يديم النظر إليها، فيرتاح لوجودها، حتى إذا اكتملت رجولته، ونضجت أنوثة الفتاة، إذ بإرادة الله تناديهما، أن حي على الزواج السبيل الوحيد للتناسل للإبقاء على حياة الإنسان .. ويتم كل ذلك خضوعاً لقوة قهرية لا يستطيع الرجل أو المرأة لها قهراً.

      و لم ختلف هذه الحالة في الإنسان عن آخر، بل لم تختلف في الإنسان منذ كان يعيش في عصر الحجر بل منذ بدء الخليقة حتى الآن، لا فرق بين رجل ورجل . وأنثى وأنثى، مهما اختلفت الفواصل الاجتماعية التي يعشون فيها .

      و للرجل وسائل لا حصر لها لإبداء الرغبة في التزاوج .. وتختلف هذه الوسائل في شبابه عنها في طفولته وفي شيخوخته .. فهو دائم العناية بمظهره وهندامه في شبابه ورجولته، يحاول أن يلفت نظر أنثاه بأناقته، وهي كذلك تتخذ كل ما يمكن من سبل لإظهار محاسنها وفتنته، اجتذاباً للرجل نزولاً على رغبة خالق السموات والأرض .

      و قد هيئت الأجهزة التناسلية للذكر والأنثى، تهيئة متلائمة لحفظ النوع، حفظاً تاماً بل أحيطت عملية التزاوج بكل ما يضمن الحياة ويحافظ عليها .

      فالحيوان المنوي، الذي يحاط بكمية من سائل يحفظ عليه درجة حرارته ويمنع عنه الهواء، هيئ بذيل يتحرك به الحيوان . والبويضة التي تهبط إلى مكانها في الرحم لملاقاة الحيوان المنوي، ثم تتحد نواة الحيوان بنواة البويضة ثم تنقسم إلى اثنتين، فأربع، فثمان، لتكون الكائن الحي، الذي ينموا ليكون طفلاً يخرج إلى الحياة، فتستقبله عاطفة الأبوة، وحنان الأمومة وتبذل الأم من رعايتها، والأب من كده وعنايته، لا فرق بين إنسان وآخر، ولا بين جيل وجيل، وإذ بالطفل يشب ليتخذ دورته، لا فرق في الحياة، ويعيد الدورة التي مر بها من قبل أبوه لا دخل للإنسان في شيء إلا التسليم بأن هناك قوة علمت فقدرت، وكتبت فألهمت !

      قال تعالى:(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) (الشمس:8)

      الحيوانات

      لا يختلف معظم الحيوان عن الإنسان في التزاوج، فهو دائب البحث عن أليفه، وإلفات نظره إليه . وهو دائم الرعاية لصغاره بعد التزاوج .. ولعل أدلة الإلهام في تناسل الحيوان أبلغ من أدلتها في الإنسان، لطرافتها وكثرتها مما حوت مجلدات عديدة في دراستها .

      فطائر البطريق له أسلوبه في الغزل لا يحيد عنه، فإن أراد التودد إلى أنثاه، اختار حصاة تقدم بها في زهو وحنان، ووضعها تحت قدميها، فإذا التقطتها ،كان ذلك دليل قبولها له زوجاً لها، فيتزوجان . وإذا لم يمس وتراً في فوادها، تركت الحصاة ولم تمسها، وعندئذ يعود فيلتقط حصاه وينصرف بها إلى أخرى ...!!

      و مما يؤكد أن هذه العملية التي يقوم بها البطريق عن إدراك، ما رواه " تشايمان آندروز " في أحد كتبه العلمية، من أنه قد حدث ذات يوم أن جاء بطريق عجوز إلى الدكتور "روبرت مورفي " أحد علماء متحف التاريخ الطبيعي في أمريكا، وألقى تحت أقدامه في حديقته حصاة كبيرة، فلما التقطها الدكتور، صار البطريق والعالم صديقين حميمين ولم يغادر البطريق حديقة العالم حياً.

      و يعتبر طائر الروبين، من أوضح الأمثلة على ما تتخذه الطيور من خطوات طويلة للزواج . ففي صيف السنة السابقة لبناء العش، يستولي الذكر على قطعة من الأرض كبيرة المساحة في حقل أو غابة، وحين يحط عليها يأخذ في الدفاع عنها، ومهاجمة أي طائر أو حيوان يحاول أن يستولي عليها أو يحط عليها فيها، وحين يأمن وتثبت ملكيته لها، يقبع على شجرة قريبة، ويأخذ في الصياح إعلاناً وإشعاراً لباقي الطيور بامتلاكه الأرض . ويظل على هذا الإعلان ستة أشهر كاملة . وفي منتصف الشتاء ينقلب صياحه إلى تغريد عذب، فتنجذب إليه الأنثى التي تعيش معه إلى الربيع بعدئذ يتعاونان في بناء عشيهما، ثم يتلاقحان وتضع الأنثى البيض الذي يفقس بعد ذلك . فالتزاوج قد سبقته مقدمات منتظمة مقصودة الغرض، دامت ما يقرب من العام . وكافة أفراد هذا النوع من الطير تتفق في دون شذوذ أو تغيير . إن هذه الحيوانات تتلقى كل ذلك في مدرسة واحدة هي مدرسة الإلهام !.

      و قد لوحظ أن الطيور المهاجرة، ترجع إلى موطنها في مواعيد تكاد تكون محددة مهما كانت المسافات التي تفصل بين الطير ووطنه ليتم التزاوج والتناسل .



      الأسماك

      و من أعجب أدلة الإلهام، تلك التي نراها في تنافس بعض أصناف السمك التي تعيش في الأعماق الغائرة، واهتداء ذكور كل صنف إلى أنثاه في هذا الخضم الهائل، ووسط الظلام الدامس !!

      و كانت هذه إحدى دراسات العلماء ، التي أتضح منها أن الأسماك التي تعيش في الأعماق السحيقة تنبعث من أجسامها أشعة لامعة قوية، تشابه أشعة النجوم في شدة تألقها، وجمال بريقها . وقد عرفوا أن هذه الأشعة بمثابة إشارات ضوئية ، وتتشابه في نظامها، وطريقة إشعاعها، وذلك في كل من الأنواع الواحدة، فبعضها يحمل صفاة واحدة من بقع مضيئة ممتدة على طول أجسامها، وفي البعض الآخر نجد صفوفاً متراصة فوق بعضها، وفي غيرها تشع أنواع زاهية كأنها الألعاب النارية، وهكذا يعرف كل نوع أليفه ويتم التناسل .!!

      و قد أثبت العلماء أن توليد الحيوانات للضوء ظاهرة شائعة في ما لا يقل عن ست وثلاثين رتبة من رتب الحيوان . وهذه الظاهرة واضحة في الحيوان المسمى ( ضوء الليل ) وهو الذي يجعل البحار تتألق بالضوء ليلاً في الصيف، وكذلك في (قلم البحر )، و( نجمة البحر ) .

      و يستطيع الإنسان أن يقرأ ويكتب ليلاً على ضوء حيوان (الاسيكيدا ) . وفي أمريكا حشرات تشع ضوءً أبيض براق، جعل الأهالي هناك يتخذون منها مصابيح في الليل، وهذه الأضواء الحيوانية تفوق الأضواء الصناعية . وقد ثبت أن الحيوان لا يبذل في إحداث الضوء أي مجهود يذكر، ولذا يسميه العلماء الضوء البارد، لأنه يحدث دون ارتفاع في الحرارة . .

      و دليل الإلهام في ذلك، أن صنف السمك لا يمكن ِأن يرى شكل الضوء الذي على ظهره حتى يمكن أن نقول أنه يبحث عن الضوء المماثل وينجذب إليه ..!! فهو إذاً يذهب إلى ضوء معين ...!! رغم تعدد الأضواء وتباين قوتها ..!! إنه الإلهام ...

      قال تعالى :(سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) (يّـس:36)

      النبــات

      أول من اكتشف أن الحشرات تنقل حبوب اللقاح من زهرة إلى أخرى، هو القس (كرستيان شبرنجل ) في عام 1793 بألمانيا . وقد اعترف أن هذا العمل من معجزات الله وقضى كثيراً من الوقت يدرس الزهر والحشرات حتى أشغله ذلك عن كنيسته التي يتولى الوعظ فيها فانصرفت عنه رعيته .

      و جاء " داروين" بعده بستين سنة يعلن أن النباتات لها وسائل معقدة، بعضها تمنع التزاوج بين أعضاء تذكير وتأنيث نفس الزهرة، وإذا لقحت صناعياً لا تنتج بذوراً . ففي بعض الأزهار نرى عضو التذكير يبلغ نضجه قبل عضو التأنيث، فلا يتم التلقيح إلا إذا جِيء بحبوب اللقاح من نبتة أخرى، قد تم نضج أعضاء التذكير فيها، في موعد يوافق تلقيح عضو التأنيث في تلك . وبعضها تلقح نفسها بنفسها، دون معونة لنقل حبوب اللقاح بالهواء أو الحشرات . وهذه قد توافقت تراكيبها كما في الذرة والقمح وغيرها، فأعضاء التذكير التي تحمل اللقاح، تميل إلى مواضع فتحات أعضاء التأنيث بتقدير وضبط لا يمكن استناده إلى شيء فتنعقد بذلك الحبوب .. فهل هذا مصادفة ؟ .

      أما أصناف النوع الأول فنرى أن للأزهار حِيلاً عجيبة، فبعضها ما إن يحس بالحشرة تطأ أعضائها، حتى يهوي عليها وعاء اللقاح، فيضربها ضرباً رقيقا ليغمرها باللقاح، وبعضها يقوم بما يدل على قوة الإلهام في وضوح ودون لبس، فزهرة القطرب لا يتم تلقيحها إلا بفراش الليل ، فلذلك تذبل بالنهار، فإذا غابت الشمس تفتحت أكمامها، وانتشرت رائحتها الجذابة، وبرزت أعضاؤها الداخلية بما عليها من حبوب اللقاح استعداداً لتلقي فراش الليل، فإذا ما أقبل الفجر عادت الزهرات إلى حالتها الأولى .

      فإذا كان هذا هو الشأن في الإنسان والحيوان والنبات، فسبحـان من لا شغله شـأن عن شأن ...!!!

      قال تعالى : (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11)

      الأمــومــة

      تسمو عاطفة الأمومة على أية عاطفة على وجه الأرض، وقد أودعت كافة الأحياء تلك العاطفة التي تتجلى فيها بوضوح، قدرة الخالق ورحمته عموماً .. فهل إذا نزعت هذه العاطفة من قلوب الأحياء يعمر الكون ؟!.

      تتحمل الأم في سبيل هذه العاطفة من الآلام ما لا طاقة عليها . وفي سبيلها تهون كل ما تجده من عذاب دونه من عذاب دونه أي عذاب في الدنيا ... ونحن نلمس في حياتنا كيف أن الأم تفيض سعادة، بقدر ما يفيض عليها حملها من نصب وتعب .... وكلما زاد حملها عليها وزنه، أشرقت العاطفة بنورها بين جنباتها .. ومن عجب أن الإنسان دائما يطلب تأخير كل ما يتصل تحياته من جراحة أو تمريض . فيما عدا الأم .. التي تستعجل ... وضع وليدها، بالرغم مما في هذا الوضع من آلام تتفق كافة الآراء على شدتها . والأمثلة على تضحية الأم بحياتها، في سبيل وليدها بسخاء وجود، كثيرة لا تقع تحت حصر ... وتعلق الأم بطفلها .. وسهرها عليه .. وحبها له لما هو مضرب الأمثال .

      و الإلهام في عاطفة الأمومة، يظهر أوضح في الحيوانات، فهي تأتي في سبيل وليدها من العجيب ما حير الباحثين ...فالقطط والكلاب التي تحمل أولادها بأنيابها الحادة المخيفة، وتعدوا بها المسافات الشاسعة، دون أن تخدش جلدها وطيران الخفاش وصغاره معلقة به، وهو ينوء بحملها ولا يضعها إلا حيث الأمان ،و لو اقتضى ذلك منه طيران الليالي بأكملها وحمل الكنجارو لوليدها في كيس بطنها، والقفز به من مناطق الخطر، كل هذه أمثلة توضح إلهاما من الله، سبب عاطفة، هي أرق واخلص عاطفة من كائن لكائن ..!!

      و من أروع الأمثلة على الإلهام، ما نراه في حيوان الاكسيلوكوب الذي يعيش منفرداً في فصل الربيع، ومتى باض مات فالأمهات لا ترى صغارها ولا تعيش لتساعدها في غذائها لمدة سنة كاملة، لذلك نرى الأم تعمد إلى قطعة من الخشب فتحفر فيها حفرة مستطيلة ثم تجلب طلع الأزهار وبعض الأوراق السكرية، وتحشوا بها ذلك السرداب، ، فمتى فقست البيضة وخرجت الدودة كفاها الطعام المدخر سنة . فانظر إلى ذلك التدبير الحكيم، وتلك الرحمة من حيوان على ولده، الذي سيرى العالم بعد فمن أودع فيه تلك الرحمة .. ومن ألهمه ذلك الحنان !!

      و حشرة الزنبور الحفار تحفر أنثاه نفقاً في الأرض تضع فيه بيضهاً، وبعد أن تحفر النفق لا تضع فيه البيض مباشرة . بل تبحث عن دودة تلسعها لسعة تخدرها ولا تميتها ثم تسحبها إلى داخل النفق، وتضع عليها البيض وتسد النفق . وتموت الأنثى عن بيض قد توافر لدوده عنده عند فقسه ما يكفيه من القوت .

      و لعل من أعجب ما أكتشفه العلم، أن كل إناث الطير من أي نوع كانت تضع من البيض عادة نفس العدد الذي تضعه في كل بطن، فبعضها يضع من ثلاث بيضات إلى خمس، وبعضها من خمس إلى ست وهكذا . غير أنه قد لوحظ أنه إذا رفع من تحتها بعض بيضها وضعت بدلاً منه لتساويه في العدد وهذه القدرة على إنتاج البيض تكاد تكون عجيبة لا يصدقها العقل !!.....

      وقد ذكرت مجلة " ذي اوك " أن بعض علماء الطير عمدوا إلى طائر النقار، فأخذوا من وكره بيضه ما عدا واحدة، وظلوا يكرر أخذ البيض ليروا إلى متى يظل يضع من البيض بدل ما سرق، فوضع الطائر الذي حيره الأمر 71 بيضة في 73 يوماً .

      و الجهد الي يعانيه الطير في جلب الطعام لصغاره وتغذيتهم لأمرٌ يعلمه كل من رأى الطير وصغارها .

      و يقول الدكتور " أرثر ألن " من جامعة "كورنل " أنه تحرى الدقة في عدد رحلات أنثى عصفور العصو، تطلب الطعام لتغذية صغرها، فوجد أطعمتها 1217 مرة، ما بين الفجر ومغرب الشمس .

      أما كيف تميز أم أفراخ الطير أياً من صغارها ينبغي أن يتغذى، فهو من دلائل ما أودعه الله من أسرار وإلهام . فإن النظام الدقيق الذي ركب في حلق كل فرخ . يقضي بأنه إذا أمتلأ أبطأ في ابتلاع ما يزق به، فما على الأم إلا أن تزق الذي يفتح لها منقارها، ثم تراقب العاقبة بدقة، فإذا رأت الطعام لا ينزلق في الحلقوم، امتصته ثانية وزقت به الذي يليه . أي أن الذي يبتلع الطعام من فوره، هو أفرغها من الطعام جوفاً ..!!

      و حزن الأم على فقد ولدها إذا كان مضرب الأمثال في الإنسان، فإن من الحيوان، يأتي من ضرب الحزن والألم، في هذا الحال، أكثر مما يشاهد في الإنسان .

      فحزن الناقة على صغيرها، أو الكلبة على جروها .. لما يتوارد في الأحاديث، على سبيل العظمة والعبرة، وقد ضرب الخيل أروع الأمثلة في هذا الشأن،، ومن يشاهد حياتها يعرف أن الفرس إذا مات صغيرها نهنهت بصوت مسموع يعرفه القاصي والداني، وكثيراً ما يفيض الحزن بالفرس فتأتي من الأعمال ما لا يصدقه العقل .. فهذه الفرس التي صاحت وبكت حتى نزلت من عينها الدموع لموت صغيرها وفاض بها الحزن حتى أنها توحشت ولم يستطع انسان أن يقترب من جسد صغيرها، وما إن هدأت وحمل جسد الصغير حتى سارت خلفه . ولما دفن لازمت قبره، وانقطعت عن الأكل والشرب، ولم تفد فيها أية محاولة، حتى قادها عذابها وحزنها إلى الموت .. تتكرر حالاتها بين الحين والآخر في مختلف أنحاء العالم .



      مـن عجـائـب الإلـهــام



      رضـاع الطفـل

      تنمو الغدد التي تصنع اللبن في مدة الحمل ويدفعها إلى هذا النمو مواد يفرزها المبيضان، وفي نهاية الحمل وبدء الوضع، تتلقى هذه الغدد من الغدة النخامية القائمة في قاعدة الجمجمة، امراً بالبدء في صنع اللبن .. وتعتبر عملية الرضاع أُولى عمليات الإلهام للكائن الحي، فإنها عملية شاقة، تتم للطفل عن طريق الإلهام فهي لذلك تشهد بقدرة الخالق، إذ أنها أنها تقضي انقباضات متوالية في عضلات وجه الرضيع، ولسانه وعنقه، وحركات متلاحقة في فكه الأسفل وتنفساً من انفه، ولا يمكن أن يتم ذلك مصادفة من أول رضعة لرضيع، إلى آخر رضعة لفطيم، بل قرر العلماء أكثر من ذلك، أنه لا يمكن للرجل أن يقوم بها بالنجاح الذي يقوم به الطفل الذي لا يتجاوز عمره ساعات، بل دقائق، ولم يحدث أن أخطأ طفل واحد من ملايين الأطفال الذين ولدوا من يوم أن قامت الدنيا، إلى الآن وإلى ما شاء الله في طريقة الرضاع .

      تزاوج ثعبان السمك والسلمون

      ما زال علماء الأحياء في حيرة ودهشة من قصة ثعبان السمك ورحلاته العجيبة، لا يجدون لها تعليلاً إذ أنها لا تنضوي إلا تحت أدلة الإلهام التي تثبت وجود الخالق .

      يعيش ثعبان السمك في الأنهار عندما يكتمل نموه بأن يبلغ العاشرة من عمره، يهاجر من البرك والأنهار في مختلف أنحاء العالم، فتلك التي تعيش في أنهار أوربا، تسبح حتى المحيط الأطلسي، وتلك التي تعيش في النيل وأنهار أفريقيا، تسبح إلى البحر المتوسط ثم تخترق مضيق جبل طارق إلى المحيط الأطلسي، ثم تستأنف جميعاً رحلة تقطع فيها آلاف الأميال قاصدة إلى الأعماق السحيقة في جزر الهند الغربية، جنوب برمودا، حيث تتزاوج وتضع البيض، فتكون مخلوقات صلبة شفافة، كأنها خيوط صغيرة لها عيون بارزة، وتتهيأ للعودة إلى مواطن آبائها، في رحلة تستغرق أكثر من ثلاثة سنوات في بعض الجهات لتصل إلى مصاب الأنهار التي عاش فيها آباؤها، سواء أكان أنهاراً في أوربا، أم ترعاً في أواسط أفريقيا، أم بحيرات في آسيا . ولم يحدث قط أن صيد ثعبان ماء أمريكي في المياه الأوربية، او ثعبان أوربي في المياه الأمريكية إطلاقا ..!!

      و سمك السالمون الذي يعيش في البحار، حين يبلغ طور النضج الجنسي، وتكون له القدرة على التناسل يرحل إلى الأنهار ذات المياه العذبة ، لتضع الإناث البيض، وتصب الذكور عليه حيواناتها المنوية .. وعندما تخرج الأجنة تمضي فترة من حياتها في ماء النهر حوالي سنتين، ترجع بعدها إلى البحر ... ومتى أصبحت قادرة على التناسل، تعود إلى النهر الذي فقست فيه، ولا يخطىء السالمون النهر الذي فقس فيه مهما تقاربت مصاب الأنهار بعضها من بعض !!.

      اهتداء الحيوان إلى موطنه

      كشف العلماء بعض أسباب هجرة الحيوان ظناً . غير أنهم وقفوا حيارى عند سر اهتداء الحيوان إلى موطنه، وقدموا بعض الفروض العلمية المختلفة اتفقت جميعها على أنها إلهام من الله .

      و يقول العلامة " منروفكسي " أستاذ علم الحيوان في جامعة برمنجهام في معرض الاستدلال على قوة الإلهام، أن رجالاً صحب كلابه الخمسة في رحلة صيد، في منطقة لم يزرها من قبل، لا هو ولا كلابه، وأثناء الرحلة وفي منتصف النار، هبت عاصفة شديدة وهطل الثلج وفُصل الرجل عن كلابه، واضطر إلى أن يرجع إلى منزله وحيداً وهو يظن أن الكلاب إن لم تهلك فهي بلا شك لن تهتدي إلى المنزل، ولكن من العجيب أن أربعة كلاب من الخمسة رجعت إلى المنزل بعد أسبوع قاطعة هذه المسافة الطويلة !!

      لا نستطيع أن نقول أن للخبرة السابقة دخلاً في رجوعها فهي لم تقطع هذا الطريق من قبل حتى يمكن القول أنها حفظت علامات استدلت بها في عودتها كما أنه لا يمكن القول أنها رجعت مسترشدة بحاسة شمها القوية، فالمسافة شاسعة والمدة التي تقضيها طويلة والثلج المنهمر أزال كل أثر لأية رائحة .. إنها حاسة لم يهتد بعد إلى كشفها، إنها إحدى الشواهد الناطقة بعظمة الخالق !!

      إن هجرة الحيوان لاسيما تلك التي تتم أول مرة فتهاجر الأبناء إلى حيث سبق أن هاجرت الآباء .. دون دليل أو مرشد .. ثم عودتها .. لمن الأسرار ولكنها تشير إلى وجود الواحد القهار ...

      تكوين ثمرة البلح

      يمتص جذور النخلة العناصر الغذائية من التربة بالشعيرات الجذرية، وتصعد العصارة بالضغط الاسموزي إلى أعلى، ويتغذى جذع النخلة بما أمتص من هذه العصارة ،أما العصارة فتصعد إلى حيث تغذي الأجزاء العلوية، ويأخذ كل جزء غذاءه ،و ترتفع العصارة الدقيقة، لتكون الثمرة فقمع البلحة هو مصفاتها، التي تسمح بمرور المواد الغذائية الذائبة تماماً إلى الداخل فقط . وهي التي تكون الحلو من البلحة وغير الحلو من النواة .. والتي منها ينشأ جسم البلحة الطري وهيكل النواة الصلب والطري غلاف رقيق شفاف يكاد لا يرى !!

      ولم يحدث إطلاقا أن أخطأت نخلة فكونت نواة البلحة في الخارج والبلحة من الداخل . أو كونت البلحة الصلبة، والنواة طرية، ولا يمكن أن يعزى ذلك غلى ميكانيكية النخلة، أو طبيعتها .. فهذا شيء لا يمكن إلا أن يقال إنه إلهام ..

      تقليب البيض للتفريخ

      خطر لعلم أمريكي، أن يستفرخ البيض دون حضانة الدجاج ، بأن يضع البيض في نفس الحرارة التي ينالها البيض من الدجاجة الحاضنة له، فلما جُمع البيض ووضع في جهاز التفريخ نصحه فلاح أن يقلب البيض إذ أنه رأى الدجاجة تفعل ذلك ... ! فسخر منه العالم، وأفهمه أن الدجاجة إنما تقلب البيض لتعطي الجزء الأسفل منه، حرارة جسمها الذي حرمته .. أما هو فقد أحاط البيض بجهاز يشع حرارة ثابتة لكل أجزاء البيضة .. واستمر العالم في عمله حتى جاء دور الفقس وفات ميعاده ولم تفقس بيضة واحدة !!و أعاد التجربة وقد استمع إلى نصيحة الفلاح، أو بالأحرى إلى تقليد الدجاجة، فصار يقلب البيض حتى إذا واتى ميعاد الفقس خرجت الفراريج ..؟!!

      و آخر تعليل علمي لتقليب البيض، أن الرخ حينما يخلق في البيضة، ترسب المواد الغذائية في الجزء الأسفل من جسمه، إذا بقي بدون تحريك ،فتتمزق أوعيته .. ولذل فإن الدجاجة لا تقلب البيض في اليوم الأول والأخير .. ! أفليس في هذا ما يدل على أن الدجاجة عند الحضانة بإلهام عجز عن معرفته الإنسان بالمحاكمة، بالرغم من كثرة ما يعلمه .. وأننا إذا سألناها كيف أنها فعلت ذلك لتقول : علمني الخبير العليم .

      حماية بيض الحشرات من غوائل الجو

      من قديم الزمان تصنع الحشرات لبيضها ما يشبه الزجاجة المفرغة، التي تحفظ فيها السوائل على درجتها من الحرارة، وتنتفع بها في حماية بيضها من عوادي الجو المتقلب، فهي تحيط البيض بكتلة هشة خفيفة من الفقاعات، وما تحوي هذه الفقاعات من هواء يقوم مقام الطبقة المفرغة حول الزجاج، فيقل تسرب الحرارة و البرودة إلى داخلها .. فمهما اشتدت حرارة الجو أو قرص البرد، نرى البيض داخل هذه الغلالة على درجة ثابتة وبمنجاة من تقلب الجو.

      حفظ اللحم حياً

      تستطيع طوائف من العناكب والزنابير أن تحفظ اللحم أسابيع فلا يفسد، دون الاستعانة بما تفتق به حيل الإنسان من تبريد أو ثلج . بل فهي لما كانت تحتاج إلى اللحم طرياً في طعامها ولا تضمن الظفر به كل يوم، لذلك تحفظ صيدها، من الحشرات التي تزيد على حاجتها، بطريقة لم يستطع الإنسان أن يصل إليها، فيه تفرز في أبدانها مادة تخدرها دون أن تميتها، فيبقى غذاؤها دائما طرياً طازجاً بل حياً لحين استهلاك، ولم يتمكن العلم حتى الآن من تخدير ذبيحة الإنسان، والإبقاء عليها بحيـاة كاملة دون موت لحين استهلاكهـا ..!!!

      تكييف حرارة وهواء خلية النحل

      لما كان يلزم ليرقات نحل العسل حفظ الهواء على درجة ثابتة من الحرارة والتهوية التامة، لتظفر بأسباب الحياة والنمو في الخلية فإن هناك طائفة من النحل، لا عمل لها في الخلية إلا إجهاد عضلاتها لتولد حرارة في أبدانها ، لتشع في أرجاء الخلية، بينما هناك طائفة أخرى تجثم على الأرض وتحرك أجنحتها بسرعة معينة محكمة لتوليد تياراً من الهواء يكفي الخلية فتكون بذلك مكيفة الجو هواء وحرارة !!

      أبقار النمل وزراعتها

      يقول العلامة "رويال ديكنسون " أحد علماء التاريخ الطبيعي، في كتابه شخصية الحشرات، لقد ظللت أدرس مدينة النمل حوالي عشرين عاماً في بقاع مختلفة من العالم فوجدت أن كل شيء يحدث في هذه المدينة بدقة بالغة، وتعاون عجيب، ونظام لا يمكن أن نراه في مدن البشر، علاوة على الهدوء والسكون .. لقد راقبته وهو يرعى أبقاره، وما هذه الأبقار إلا خنافس صغيرة، رباها النمل في جوف الأرض زمنا طويلاً حتى فقدت في الظلام بصرها .

      و لا يدري أحد في أي عصر بدأ النمل حرفة الرعي وتسخير الأبقار، بل كل ما نعلمه أن الإنسان، إن كان قد سخر نحو من عشرين حيوانا ً لمنافعه فإن النمل قد سخر مئات الأجناس من حيوانات أدنى منه جنساً . فإن بق النبات، حشرة من الحشرات التي يعسر استئصالها، وما ذلك إلا لأن أجناساً كثير من النمل ترعى الحشرات التي يعسر استئصالها، وما ذلك إلا أجناساً كثيرة من النمل ترعى الحشرات.... ففي الربيع الباكر، يرسل النمل الرسل ليجمع له بيض هذا البق، فإذا جيء به وضع في المستعمرة موضع البيض، ويعنى به حتى يفقس وتخرج صغار، ومتى كبرت تدر سائلاً حلوا يقوم على حلبه جماعة من النمل، لا عمل لها إلا حلب هذه الحشرات بمسها بقرونها وتنتج هذه الحشرات 48 قطرة من العسل كل يوم، أو بمقدار يزيد مائة ضعف عما تنتجه البقرة بالنسبة إلى حجم الحشرات من حجم البقرة .

      و يزرع النمل زراعات خاصة به، ويقول العالم المذكور أن النمل زرع مساحة بلغت خمسة عشرة متراً من الأرض، وأنه وجد جماعة من النمل تقوم بحرثها على أحسن ما يقضي به علم الزراعة، فبعضها زرع الأرز، وجماعة أزالت الأعشاب، وغيرها قامت لحراسة الزراعة من الديدان .

      و لما بلغت عيدان الأرز تمام نموها، كان يرى صفا من شغالة النمل لا ينقطع، يتجه إلى العيدان، فيتسلقها إلى حب الأرز، فتنزع كل شغالة من النمل حبة، وتنزل بها سريعة إلى مخازن تحت الأرض .. وقد طلى العالم أفراد النمل بالألوان، فوجد أن الفريق الواحد من النمل يذهب دائما إلى العود الواحد، حتى يفرغ ما عليه من الأرز .

      و لما فرغ من الحصاد، هطل المطر أياماً وما أن أنقطع حتى أسرع إلى مزرعة النمل ليتعرف أحواله فوجد البيوت تحت الأرض مزدحمة بالعمل والعمال والأعمال ووجد النمل تخرج من بيتها للشمس، وتضع حبتها لتجف من ماء المطر . وما إن ولى الظهر حتى جف الأرز وعاد الشغالة به إلى مخازن تحت الأرض ..!!!

      قال تعالى : (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الأنعام:102)

      المصدر : كتاب " الله والعلم الحديث " بقلم عبد الرزاق نوفل ط: دارالناشر العربي الطبعة الثالثة
    • آيات عظمة الله في الكبد



      آيات عظمة الله في الكبد



      لا يستطيع أحد أن يدعي أن وجود معمل مجهز كامل ذي تكنولوجيا عالية المستوى ما هو إلا نظام عفوي فطري ، و لكن المثير للسخرية أن أنصار الداروينية يدّعون بأن المعمل المتكامل الذي يوجد داخل الكبد خلق من نفسه ، و يدافعون عن ذلك الهراء بغير دليل ‍‍ و هذا من أوضح الأدلة على أن الداروينية دين باطل و سحر مبين تسيطر على عقول أتباعها .

      تحدث في الخلية الكبدية الواحدة ما يقرب من خمسمئة تفاعل كيميائي مختلف ، و إلى الآن من الصب تقليد كثير من هذه العلميات التي تتم بأسلوب رفيع المستوى خلال واحد من ألف من الثانية .

      ثم إن الخلايا داخل الكبد تحول كل الغذاء الذي تتناوله إلى جلوكوز حسب احتياج الخلايا إلى الطاقة ، و تخزن السكر الذي لا يستهلك في صورة دهون تحت الجلد ، فتتحول الدهون و البروتينات إلى سكر عندما يتعرض الحسم إلي نقص في السكر .

      الخلاصة : إن الكبد يحول الغذاء الذي تتناوله بشهية إلى مواد حسب احتياجات جسدنا و يخزن الباقي ، لذا فإن بلايين الخلايا الموجودة في الكبد تعمل بنفس الوعي و العلم دون الوقوع في أخطاء منذ بداية الخليقة إلى يومنا هذا . ‍‍


      المصدر :

      كتاب السلوك الذكي لدى الخلية تأليف هارون يحيى .
    • مخطوطات البحر الميت



      مخطوطات البحر الميت



      عثر أخيراً على مخطوطات قديمة في حفرة داخل أوان من الفخار في كهوف بجوار البحر الميت و تملك الأردن هذه المخطوطات التي قال عنها الدكتور ف. البراين و هو عمدة في علم آثار الإنجيل : " إنه لا يوجد أدني شكل في العالم حول صحة هذا المخطوط و سوف تعمل هذه الأوراق ثورة في فكرتنا عن المسيحية، و قال عنها القس ( أ. باول ديفنر ) رئيس كل القديسين في واشنطن في كتابه " مخطوطات البحر الميت ( إن مخطوطات البحر الميت و هي من أعظم الاكتشافات أهمية منذ قرون عديدة ، قد تغير الفهم التقليدي للإنجيل ) .

      و قد جاء في هذه المخطوطات : " إن عيسى كان مسيا المسحيين و إن هناك مسياً آخر "..


      المصدر : كتاب توحيد الخالق الشيخ عبد المجيد الزنداني.
    • آيات عظمة الله في غرائز الحيوان

      آيات عظمة الله في غرائز الحيوان



      إن تقدم الإنسان قد بلغ من الوجهة الطبيعية مبلغاً محموداً، ولا يبدو أن ثمة مجالات لنمو تكوين جسدي جديد . ولكن ينبغي أن تتقدم صحته، وأن يبلغ تقدمه الطبيعي درجة الكمال بفضل التغذية وعجائب الطب والجراحة، وتبعاً لذلك يجب أن ترقى الأذهان بوجه عام . فهناك ـ على الأقل ـ متسع للعقلية الصالحة لكي تعبر عن نفسها، وبذا تتحسن أحوال الإنسان المادية والخلقية والروحية، سواء من حيث الفرد أو المجتمع .

      إن المدنية وقبول المقاييس الخلقية تتحركان إلى الأمام وإلى الخلف، ولكن هناك كسباً دائماً، وقد كان تقدم الإنسان أمراً ملحوظاً بلا ريب، ولكن عليه أن يقطع مراحل عدة . ويبدو لحسن الحظ أنه ليس هناك حدّ لما يمكن أن يقع من تقدم جديد في الذهن البشري مع الوقت، أعني الوقت الكافي، بوصفه العامل الغالب . ..

      إن الطيور لها غريزة العودة إلى الموطن، فعصفور الهزاز الذي عشش ببابك يهاجر جنوباً في الخريف، ولكنه يعود إلى عشه القديم في الربيع التالي . وفي سبتمبر تطير أسراب معظم طيورنا إلى الجنوب نحو ألف ميل فوق عرض البحار، ولكنها لا تُضل طريقها . والحمام الزاجل إذا تحير من جراء أصوات جديدة عليه في رحلة طويلة داخل قفص يحوم برهة ثم يسير قُدماً إلى موطنه دون أن يضل ... والنحلة تجد خليتها مهما طَمست الريح في هبوبها على الأعشاب والأشجار، كل ذلك دليل يرى . وحاسة العودة إلى الوطن هذه هي ضعيفة في الإنسان، ولكنه يكمل عتاده القليل منها بأدوات الملاحة .

      و نحن في حاجة إلى هذه الغريزة، وعقولنا تسد هذه الحاجة ولابد أن للحشرات الدقيقة عيوناً ميكروسكوبية لا ندري مبلغها من الإحكام، وأن للصقور بصراً تلسكوبياً ! وهنا أيضاً يتفوق الإنسان بأدواته الميكانيكية . فهو بتلسكوبه يمكنه أن يبصر سديماًً يبلغ من الضعف أنه يحتاج إلى مضاعفة قوة إبصاره مليوني مرة ليراه، وهو بميكروسكوبه الكهربائي يستطيع أن يرى بكتريا كانت غير مرئية، ( بل كذلك الحشرات الصغيرة التي تعضها ) .

      و أنت إذا تركت حصانك العجوز وحده، فإنه يلزم الطرق مهما اشتدت ظلمة الليل . وهو يقدر أن يرى ولو في غير وضوح، ولكنه يلحظ اختلاف درجة الحرارة في الطريق وجانبيه، بعينين تتأثر قليلاً بالأشعة تحت الحمراء التي للطريق . والبومة تستطيع أن تبصر الفأر الدافئ اللطيف وهو يجري على العشب البارد مهما كانت ظلمة الليل . ونحن نقلب الليل نهاراً بإحداث إشعاع نسميه بالضوء .

      إن عدسات عينك تتلقى صورة على الشبكية، فتنظم العضلات العدسات بطريقة منفصلة آلية إلى بؤرة محكمة . وتتكون الشبكة من تسع طبقات منفصلة، هي في مجموعها ليست أسمك من ورقة رفيعة . والطبقة التي في أقصى الداخل تتكون من أعواد ومخروطات، ويقال إن عدد الأولى ثلاثون مليون عود، وعدد الثانية ثلاثة ملايين مخروط . وقد نظمت هذه كلها في تناسب محكم، بعضها بالنسبة إلى بعض، وبالنسبة إلى العدسات، فإنك ترى عدوك مقلوب الوضع والجانب الأيمن منه هو الأيسر . وهذا أمر يربكك إذا حاولت أن تدافع عن نفسك .. ولذا أجريت ذلك التصميم قبل أن تقدر العين على الإبصار، ورتبت إعادة تنظيم كاملة عن طريق ملايين من خيوط الأعصاب المؤدية إلى المخ . ثم رفعت مدى إدراكنا الحسي من الحرارة إلى الضوء، وبذا جعلت العين حساسة بالنسبة للضوء . وهكذا نرى صورة ملونة للعالم من الجانب الأيمن إلى فوق، وهو احتياط بصري سليم . وعدسة عينك تختلف في الكثافة، ولذلك تجمع كل الأشعة في بؤرة . ولا يحصل الإنسان على مثل ذلك في أية مادة من جنس واحد كالزجاج مثلاً . وكل هذه التنظيمات العجيبة للعدسات والعيدان والمخروطات والأعصاب وغيرها لابد أنها حدثت في وقت واحد، لأنه قبل أن تكمل كل واحد منها، كان الإبصار مستحيلاً . فكيف استطاع كل عامل أن يعرف احتياجات العوامل الأخرى ويوائم بين نفسه وبينها !!

      إن المحار العادي الذي تأكل عضله، له عيون عدة تشبه عيوننا كثيراً، وهي تلمع، لأن كل عين منها لها عاكسات صغيرة لا تحصى، ويقال إنها تساعدها على رؤية الأشياء من اليمين إلى فوق وهذه العاكسات غير موجودة في العين البشرية . فهل رتبت للمحار تلك العاكسات لأنه لا يملك كالإنسان قوة ذهنية ؟ ولما كان عدد العيون في الحيوانات يترواح بين انثنين وعدة آلاف، وكلها مختلفة، فلا ريب إن قوة حكيمة عالمة هي التي خلقت هذه العيون لهذه الحيوانات هي قدرة الله تعالى .

      إن نحلة العسل لا تجذبها الأزهار الزاهية كما نراها، ولكنها تراها بالضوء فوق البنفسجي الذي يجعلها أكثر جمالاً في نظرها . وفيما بين أشعة الاهتزازات البطيئة واللوحة الفوتوغرافية وما وراءها، عوالم من الجمال والبهجة والإلهام، بدأنا نقدرها ونسيطر عليها . فلنأمل أن يأتي علينا يوم نستطيع فيه أن نستمتع بعالم الضوء عن طريق النبوغ في الابتكار . وها نحن أولاء قد أصبحنا قادرين على أن نكشف اهتزازات الحرارة في كوكب بعيد، ونقيس طاقتها .

      إن العاملات من النحل تصنع حجرات مختلفة الأحجام في المشط الذي يستخدم في التربية . وتعد الحجرات الصغيرات للعمال، والأكبر منها لليعاسيب ( ذكر النحل) ، وتعد غرفة خاصة للملكات الحوامل . والنحلة الملكة تضع بيضاً غير مخصب في الخلايا المخصصة للذكور، وبيضاً مخصباً في الحجرات الصحية المعدة للعاملات الإناث والملكات المنتظرات . والعاملات اللائي هي إناث معدلات بعد أن انتظرن طويلاً مجيء الجيل الجديد، تهيأن أيضاً لإعداد الغذاء للنحل الصغير بمضغ العسل واللقح، ومقدمات هضمه، ثم من تطور الذكور والإناث، ولا يغذين سوى العسل واللقح . والإناث اللائي يعالجن على هذا الشكل يصبحن عاملات .

      أما الإناث اللائي في حجرات الملكة، فإن التغذية بالمضغ ومقدمات الهضم تستمر عندهن . وهؤلاء اللائي ينتجن بيضاً مخصباً . وعملية تكرار الإنتاج هذه تتضمن حجرات خاصة، وبيضاً خاصاً، كما تتضمن الأثر العجيب الذي لتغيير الغذاء . وهذا يتطلب الانتظار والتمييز وتطبيق اكتشاف أثر الغذاء . وهذه التغيرات تنطبق بوجه خاص على حياة الجماعة، وتبدو ضرورة لوجودها . ولابد أن المعرفة والمهارة اللازمتين لذلك قد تم اكتسابها بعد ابتداء هذه الحياة الجماعية، وليستا بالضرورة ملازمتين لتكوين النحل ولا لبقائه على الحياة . وعلى ذلك فيبدوا أن النحل قد فاق الإنسان في معرفة تأثير الغذاء تحت ظروف معينة .

      و الكلب بما أوتي من أنف حساس، يستطيع أن يحس الحيوان الذي مرَّ . وليس ثمة أداة من اختراع الإنسان لتقوي حاسة الشم الضعيفة لديه، ونحن لا نكاد ندري أين نبدأ لنفحص امتدادها .

      و مع هذا فإن حاسة الشم الخاصة بنا هي على ضعفها قد بلغت من الدقة أنها يمكنها أن تتبين الذرات الميكروسكوبية البالغة الدقة . وكيف نعرف أننا نتأثر جميعا نفس التأثير من رائحة بعينها ؟ الواقع أننا لا نتأثر تأثيراً واحداً . كذلك حاسة الذوق تعطي كلا منا شعور الآخر . والعجيب أن اختلافات الإحساس هذه هي وراثية !

      و كل الحيوانات تسمع الأصوات التي يكون كثير منها خارج دائرة الاهتزازات الخاصة بنا، وذلك بدقة تفوق كثيراً حاسة السمع المحدودة عندنا . وقد أصبح الإنسان يستطيع بفضل وسائله أن يسمع صوت ذبابة تطير على بعد أمتار كما لو كانت فوق ( طبلة ) أذنه، ويستطيع بمثل تلك الأدوات أن يسجل وقع شعاع شمس .

      إن جزءاً من أذن الإنسان هو سلسلة من نحو أربعة آلاف ( قوس ) دقيقة معقدة، متدرجة بنظام بالغ في الحجم والشكل . ويمكن القول بأن هذه الأقواس تشبه آلة موسيقية، ويبدوا أنها معقدة بحيث تلتقط، وتنقل إلى المخ، بشكل ما، كل وقع صوت أو ضجة، من قصف الرعد على خفيف الشجر فضلاً عن المزيج الرائع من أنغام كل أداة موسيقية في الاوركسترا، وحدتها المنسجمة .

      لو كان المراد عند تكوين الأذن أن تحسن خلاياها الأداء، كي يعيش الإنسان، فلماذا لم يمتد مداها حتى تصل إلى إرهاف السمع ؟ لعل " القوة " التي وراء نشاط هذه الخلايا قد توقعت حاجة الإنسان في المستقبل إلى الاستماع الذهني أم أن المصادفة قد شاءت تكوين الأذن خيراً من المقصود؟...

      عن إحدى العناكب ( جمع عنكبوت ) المائية تصنع لنفسها عشاً على شكل منطاد ( بالون ) من خيوط بيت العنكبوت وتعلقه بشيء ما تحت الماء . ثم تمسك ببراعة فقاعة هواء في شعر تحت جسمها، وتحملها إلى الماء ثم تطلقها تحت العش ثم تكرر هذه العملية حتى ينتفخ العش، وعندئذ تلد صغارها وتربها، آمنة عليها من هبوب الهواء . فهما هنا نجد طريقة النسج ،بما يشمله من هندية و تركيب وملاحة جوية .

      ربما كان ذلك كله مصادفة .. ولكن ذلك لا يفسر لنا عمل العنكبوت ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍.


      المصدر : كتاب العلم يدعو للإيمان أ. كريسي مورسون
    • الإضطجاع على الشق الأيمن



      الإضطجاع على الشق الأيمن



      عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ ثُمَّ قُلْ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ قَالَ فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا بَلَغْتُ اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ قُلْتُ وَرَسُولِكَ قَالَ لَا وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَإن (رواه البخاري : 239).

      إن الاستلقاء أو الاضطجاع على الفراش يمكن أن يكون على البطن أو على الظهر أو على أحد الشقين الأيمن أو الأيسر فما هي الوضعية الأمثل من أجل عمل الأعضاء ؟

      فحين ينام الشخص على بطنه كما يقول د.ظافر العطار يشعر بعد مدة بضيق في التنفس لأن ثقل كتلة الظهر العظمية تمنع الصدر من التمدد و التقلص عند الشهيق و الزفير كما أن هذه الوضعية تؤدي إلى انثناء اضطراري في الفقرات الرقبية و إلى احتكاك الأعضاء التناسلية بالفراش مما يدفع إلى ممارسة العادة السرية . كما أن الأزمة التنفسية الناجمة تتعب القلب و الدماغ .

      و لاحظ باحث أسترالي* ارتفاع نسبة موت الأطفال المفاجئ إلى ثلاثة أضعاف عندما ينامون على بطونهم نسبة إلى الأطفال الذين ينامون على أحد الجانبين .كما نشرت مجلة التايم دراسة بريطانية مشابهة تؤكد ارتفاع نسبة الموت المفاجئ عند الأطفال الذين ينامون على بطونهم . ومن المعجز حقاً توافق هذه الدراسات الحديثة مع ما نهى عنه معلم الخير سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال :" رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلاً مضطجعاً على بطنه فقال إن هذه ضجعة يبغضها الله و رسوله ". رواه الترمذي بسنده .

      و ما رواه أبو أمامه رضي الله عنه قال :" مر النبي صلى الله عليه و سلم على رجل نائم في المسجد منبطح على وجهه فضربه برجله و قال : قم واقعد فإنها نومة جهنمية " رواه بن ماجة .

      أما النوم على الظهر فانه يسبب كما يرى الدكتور العطار التنفس الفموي لأن الفم ينفتح عند الاستلقاء على الظهر لاسترخاء الفك السفلي .

      لكن الأنف هو المهيأ للتنفس لما فيه من أشعر و مخاط لتنقية الهواء الداخل ، و لغزارة أوعيته الدموية المهيأة لتسخين الهواء .

      و هكذا فالتنفس من الفم يعرض صاحبه لكثرة الإصابة بنزلات البرد و الزكام في الشتاء ، كما يسبب جفاف اللثة و من ثم إلى التهابها الجفافي ، كما أنه يثير حالات كامنة من فرط التصنع أو الضخامة اللثوية . و في هذه الوضعية أيضاً فإن شراع الحنك و اللهاة يعارضان فرجان الخيشوم و يعيقان مجرى التنفس فيكثر الغطيط و الشخير ... كما يستيقظ المتنفس من فمه و لسانه مغطى بطبقة بيضاء غير اعتيادية إلى جانب رائحة فم كريهة . كما أنها تضغط على ما دونها عند الإناث فتكون مزعجة كذلك و هذه الوضعية غير مناسبة للعمود الفقري لأنه ليس مستقيماً و إما يحوي على انثناءين رقبي و قطني كما تؤدي عند الأطفال إلى تفلطح الرأس إذا اعتادها لفترة طويلة .

      أما النوم على الشق الأيسر فهو غير مقبول أيضاً لأن القلب حينئذ يقع تحت ضغط الرئة اليمنى ، و التي هي أكبر من اليسرى مما يؤثر في وظيفته و يقلل نشاطه و خاصة عند المسنين .كما تضغط المعدة الممتلئة عليه فتزيد الضغط على القلب و الكبد الذي هو أثقل الأحشاء لا يمكن ثابتاً بل معلقاً بأربطة و هو موجود على الجانب الأيمن فيضغط على القلب و على المعدة مما يؤخر إفراغها .

      فقد أثبتت التجارب التي أجراها غالتيه و بوتسيه * إن مرور الطعام من المعدة إلى الأمعاء يتم في فترة تتراوح بين 2,5 ـ4,5 ساعة إذا كان النائم على الجانب الأيمن و لا يتم ذلك إلا في 5 ـ 8 ساعات إذا كان على جنبه الأيسر .

      فالنوم على الشق الأيمن هو الوضع الصحيح لأن الرئة اليسرى أصغر من اليمنى فيكون القلب أخف حملاً و تكون الكبد مستقرة لا معلقة و المعدة جاثمة فوقها بكل راحتها و هذا كما رأينا أسهل لإفراغ ما بداخلها من طعام بعد هضمه ... كما يعتبر النوم على الجانب الأيمن من أروع الإجراءات الطبية التي تسهل وظيفة القصبات الرئوية اليسرى في سرعة طرحها لإفرازاتها المخاطية هكذا ينقل الدكتور الراوي و يضيف قائلاً : إن سبب حصول توسع القصبات للرئة اليسرى دون اليمنى هو لأن قصبات الرئة اليمنى تتدرج في الارتفاع إلى الأعلى حيث أنها مائلة قليلاً مما يسهل طرحها لمفرزاتها بواسطة الأهداب القصبية أما قصبات الرئة اليسرى فإنها عمودية مما يصعب معه طرح المفرزات إلى الأعلى فتتراكم تلك المفرزات في الفص السفلي مؤدية إلى توسع القصبات فيه و الذي من أعراضها كثرة طرح البلغم صباحاً هذا المرض قد يترقى مؤدياً إلى نتائج وخيمة كالإصابة بخراج الرئة و الداء الكلوي و إن من أحدث علاجات هؤلاء المرضى هو النوم على الشق الأيمن .


      المراجع :

      روائع الطب الإسلامي ج 4 الدكتور محمد نزار الدقر

      د. ظافر العطار : "اضطجع على شقك الأيمن" مجلة طبيبك ك 1 1968

      المجلة الطبية العربية : أوضاع النوم الخاطئة العدد 196 لعام 1993

      فن الصحة و الطب الوقائي تأليف د . أحمد حمدي الخياط جامعة دمشق
    • الانسجام المعجز بين الضوء وبين الشمس



      الانسجام المعجز بين الضوء وبين الشمس



      إن الضوء الممكن رؤيته باستخدام حاسة البصر بـ "الضوء المرئي " ويتألف من عدة أطوال موجية معينة، وجزء كبير من الطيف الشمسي يقع ضمن هذه الأطوال الموجية . ولو دققنا في هذا الأمر لوجدنا أن أساس حدوث الرؤية هو قدرة خلايا الشبكية على تمييز الفوتونات . وهنا ينبغي على الفوتون أن يكون ضمن الأطوال الموجية المذكورة سابقاً، وإلا فسوف يكون هذا الفوتون إما ضعيفاً جداً أو شديداً جداً وفي كل الحالتين لا يستطيع إحداث تأثير ما على خلايا الشبكية، أما حجم العين أو صغره فلا يفيد شيئاً في هذا المجال، والمهم هو مدى ملاءمة طول موجة الفوتون لحجم الخلية .

      و من المعلوم أن مواد البناء الأساسية للخلايا الحية هي الجزيئات العضوية، وتتكون الجزيئات، وتتكون الجزيئات العضوية من مختلف المركبات الكيماوية للكربون ومشتقاته، وهذا المركبات والخلايا الحساسة للضوء والتي تتألف من هذه الجزيئات العضوية لا يمكن أن تميز أطوال موجية مختلفة عن الأطول الموجية للضوء المرئي . وبإيجاز لا يمكن أن توجد عين مختلفة التصميم تعمل بكفاءة وفق الظروف الموجودة على كوكبنا ولا يمكن لها أن تستقبل الضوء غير المرئي أبداً .
      و نتيجة لذلك تستيطع العين أن ترى أو تميز حدوداً معينة من الأطوال الموجية وتتمثل في الضوء المرئي للشمس . ولا يمكن إيراد تفسير وجود هذين العاملين ( صدور ضوء معين من الشمس ووجود عين ملائمة لتمييزه ) بكلمة المصادفة بل يمكن تفسيره بكلمة الخلق بقدرة الله عز وجل .

      و يتناول البروفيسور مايكل دينتون هذا الموضوع بالتفصيل في كتابه " مصير الطبيعة " مؤكداً أن العين المتكونة من الجزيئات العضوية لا تستطيع أن تميز سوى الضوء المرئي، ولا يمكن نظرياً لعين لها خصائص أخرى مفروضة جدلاً أن تميز الضوء غير المرئي أبداً ويقول في هذا الصدد :

      إن الأشعة فوق البنفسجية السينية وأشعة غاما ليست إلا إشاعات تحمل طاقة هائلة وذات قدرة تدميرة متميزة، أما الأشعة تحت الحمراء وباقي موجات الميكرويف فلها ضرر بالغ على الحياة، وأما الأشعة القريبة من تحت الحمراء والموجات الراديوية فلها طاقة ضعيفة جداً ولا يمكن تمييزها .. ويتضح مما تقدم أن الجزء المرئي من الطيف الكهرومغناطيسية هو الملائم تماماً لحاسة البصر وخصوصاً لعين الإنسان وشبيهاتها من عيون الأحياء الفقرية والتي تعمل عيونها مثل كاميرا عالية الحساسية ولا يوجد أي طول موجي آخر مناسب لهذه العيون أبداً ([1]).

      و لو تأملنا في هذه الأمور مجتمعة لتوصنا إلى النتيجة التالية : وهي أن الشمس مخلوقة بعناية تامة كي تشع هذا الضوء وبهذه الأطوال الموجية التي تشكل جزء واحداً من 10 قوة 25 جزء من الأطول الموجية الموجودة في الكون ويكفي هذا الجزء للتوازن الحراري لكوكب الأرض، ويكفي أيضاً لأداء الأحياء المعقدة التركيب فعالياتها الحيوية ويكفي أيضاً لأداء النباتات عملية التركيب الضوئي ويكفي أيضاً لتحريك حاسة البصر لدى الأحياء، ومن الضروري أن لا يكون كل ذلك نشأ مصادفة، ذلك التعبير كل البعد عن العقل والمنطق، بل هو الخلق بقدرة الله تعالى فاطر السماوات والأرض وما بينهما، وإن كل شيء مخلوق يعتبر حلقة في سلسلة المعجزات الإلهية والتي يتبرز أمامنا في كل لحظة مذكرة إيانا بقدرة الله التي لا حدّ لها .


      المرجع :

      كتاب سلسلة المعجزات تأليف هارون يحيى


      --------------------------------------------------------------------------------
      [1] Michael Denton, Nature's Destiny, p. 62, 69.

    • البكاء من خشية الله الصحية



      البكاء من خشية الله الصحية



      البكاء هو مظهر من مظاهر انفعال النفس الإنسانية كما إنه أي البكاءُ فطرةٌ بشريّةٌ؛ كما ذكر أهل التفسير، فقد قال القرطبي في تفسير قول الله تعالى:(وأنّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى)[النجم 43]:" أي قضى أسباب الضحك والبكاء. وقال عطاء بن أبي مسلم: يعني أفرح وأحزن؛ لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء...

      و لقد ذكر القرآن البكاء في عدة مواضع فمدح البكائيين من معرفة الله و خشيته كقوله تعالى:(وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ)[الإسراء 109]:" هذه مبالغةٌ في صفتهم ومدحٌ لهم؛ وحُقَّ لكلّ من توسّم بالعلم وحصّل منه، بل إن القرآن لام من يسمعون القرآن و يبكون مقرين بذنوبهم ، و كذلك قوله تعالى :(وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ):" قال تعالى:(أَفَمِنْ هَـذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ)[النجم 59-61]: قال شيخ المفسِّرين أبو جعفر الطبري فـي تأويـل "لا تبكون مما فيه من الوعيد لأهل معاصي الله؛ وأنتم من أهل معاصيه، (وأنْتُمْ سامِدُونَ) يقول: وأنتم لاهون عما فيه من العِبَر والذِّكْر، مُعْرِضُون عن آياته!"

      كما روى البخاري في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(سبعةٌ يظلّهم الله في ظلّه...)، وفيه (ورجلٌ ذكر الله ففاضتْ عيناه)، وفي أبواب المساجد (ذكر الله خاليا).

      قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"وقد ورد في البكاء من خشية الله على وفق لفظ الترجمة حديث أبي ريحانة رفعه (حرّمتُ النار على عينٍ بكتْ من خشية الله) الحديث أخرجه أحمد والنسائي وصحّحه الحاكم، وللترمذي نحوه عن ابن عباس ولفظه (لا تمسّها النار) وقال: حسن غريب، وعن أنس نحوه عند أبي يعلى، وعن أبي هريرة بلفظ (لا يلج النارَ رجلٌ بكى من خشية الله) الحديث وصحّحه الترمذي والحاكم".

      و قال تعالى:(وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ):" هذه أحوال العلماء...كما قال تعالى:(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) [الزمر 23]. وقال:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)[الأنفال 2]

      و قوله تعالـى:(وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) [الإسراء 109]:"يقول تعالـى ذكره: ويخرّ هؤلاء الذين أوتوا العلـم ـ من مؤمنـي أهل الكتابـين من قبل نزول الفرقان ـ إذا يُتْلَـى علـيهم القرآن لأذقانهم يبكون؛ ويزيدهم ما فـي القرآن من الـمواعظ والعِبَرِ خُشوعا؛ يعنـي خُضوعاً لأمر الله وطاعته، واستكانةً له.

      وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى:(ويخرّون للأذقان يبكون)[الإسراء 109]:"أي خضوعاً لله عز وجل، وإيماناً وتصديقاً بكتابه ورسوله"

      وأورد حديث أسامة بن زيد الذي رواه الشيخان (أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رُفِع إليه ابنُ ابنتِه وهو في الموت؛ ففاضتْ عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذه رحمةٌ جعلها الله تعالى في قلوب عباده؛ وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)!

      وذكر حديث أنس عند البخاري ـ وشاركه مسلم في بعضه ـ (أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم رضي الله عنه، وهو يجود بنفسه؛ فجعلتْ عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان؛ فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنتَ يا رسولَ الله؟! فقال: يا ابنَ عوف إنها رحمةٌ، ثم أتبعها بأخرى فقال: إنّ العين تدمع، والقلب يحزن؛ ولا نقول إلا ما يُرضي ربَّنا، وإنّا لفراقِك يا إبراهيم لمحزونون)!

      وقد قال ابن كثير في تفسير:(وإذا تُتْلى عليهم آياتُ الرحمن خرُّوا سُجَّداً وبُكِيّاً)[مريم 58]:"سجدوا لربّهم؛ خضوعاً واستكانةً وحمداً وشكراً على ما هم فيه من النّعم العظيمة...فلهذا أجمع العلماء على شرعيّة السجود ها هنا؛ إقتداء بهم، وإتباعا لمنوالهم!

      من تلك الآيات و الأحاديث يتبين لنا أن الإسلام قد رغب في البكاء من خشية الله تعالى و حبب فيه كتعبير عن مظهر من مظاهر الخوف و الخشية لله عز و جل .





      فـوائـد البكـاء الصحيـة :



      فوائد البكاء ، وعملها في الإنسان من الناحية الفيزيولوجية فهي محط نقاش واكتشاف، وأما من الناحية النفسية فهي جلاء للهموم والتماس للراحة ورقة للقلب ونقاوة للنفس وهي بالنهاية ملجأ كل مصاب يسلو إليها ويرى عزاءه فيها.

      يقول الدكتور عادل الشافعي: البكاء هو نعمة من الله. لأنه اصدق تعبير عن المشاعر الإنسانية فالطفل الصغير يبكي فنلبي حاجته وهنا البكاء أداة تعبير وحيدة تعوضه عن الكلام والحركة حتى يتمكن من التواصل مع الآخرين. أما بالنسبة للكبار فالأمر يختلف. عندما نحزن نبكي. وعندما نفرح نبكي.. فما هو البكاء؟ من الناحية الطبية هو خروج ما تفرزه الغدد الدمعية لوسط العين ويصاحبه سيلان مائي بالأنف والبلعوم وتقلص للعضلات العينية مع قبض عضلات الوجه والبطن وارتفاع بالحجاب الحاجز.

      وأحيانا يرافقه سعال خفيف. هذا ما يحدث للجسم فهل له فائدة طبية.. نعم ـ البكاء كالمطر ـ لان البكاء يحدث نتيجة شحن العواطف بالانفعالات النفسية فتعمل على حث المراكز السمباثوية بالجهاز العصبي فترسل إشارات للغدد الدمعية بالتحضير والانقباض وارتخاء القنوات الدمعية فتندفع الدموع خارج الغدة للعين فتغسلها وتنقيها تماماً من اي ميكروبات أو افرازات أخرى وبعض من هذه الدموع يصل للأنف عن طريق قناة توصل بينهم مما يساعد على تطهير الأنف ونزول السائل منها فالسائل الدمعي يحتوي على سائل نقي به بعض الأملاح والمواد التي تفرز من الغدد الدمعية لذا فهو ذو طعم مالح قليلاً مما يساعده على تعقيم العين والملتحمة.

      وهذا ما يحدث للمطر حين تحتقن السماء بالغيوم والسحاب فتأتي الرياح فتحركها ليسقط المطر الذي يغسل الأشجار والطرق وكل ما على الأرض فترى الأماكن كأنها غسلت من جديد.. هذا ما يحدث للإنسان بعد البكاء يستلقي ويهدأ ويبدأ من جديد.

      ويضيف أما من الناحية النفسية؛ فالبكاء المخرج الأفضل لكل التوترات النفسية والانفعالات لأنه لو أخفى الإنسان هذه التغيرات النفسية والعصبية بداعي الرجولة والخوف من الضعف أمام الآخرين أو الشعور بالانهزامية. فهنا تكمن الخطورة. حيث سيعاني من العقد والمشكلات التي يزخر بها الطب النفسي، أو الطبية حيث سيؤدي ذلك لارتفاع ضغط الدم المنتشر كثيراً هذه الأيام وربما لإظهار داء السكري إذا كانت عنده ميول أو تاريخ اسري للسكري. كذلك حبس البكاء والمشاعر كثيراً ما يؤدي إلى تقرح بالمعدة وأمراض القولون العصبي ولهذا نجد أن النساء وهن أكثر قدرة على البكاء بسبب الاختلاف الفسيولوجي والهرموني عن الرجال ولأن البكاء ربما يكون مظهراً مقبولاً من السيدة كتعبير عن الرقة أو الضعف أو الشفافية لهذا نجد أنهن اقل عرضة لكثير من الأمراض التي تنجم عن عدم البكاء. لذلك علينا إلا نحرم أنفسنا رجالاً ونساءً من البكاء إن طاب لنا ترطيباً للنفس وحرصاً على الصحة حتى ولو من وراء حجاب.



      حمـايـة القرنيـة

      ومن جهته يقول الدكتور سمير جمال (طبيب عيون): لا يشكل البكاء غسولا للعين فقط وإنما للنفس أيضا ولفهم فوائد البكاء بتفصيل أكبر لابد من التحدث قليلا عن ماهية الدمع ووظائفه حيث انه يشكل المادة الأساسية للبكاء وهو سائل كالبلازما الدموية (المصورة) دون وجود كريات دم وهو غني بالبوتاسيوم (أربعة أضعاف تركيزه في الدم) ويحتوي على عناصر مناعية دفاعية وهي الجلوبولينات المناعية وخاصة IGA (200 ملغ/ل) وكذلك IGM وIGE ودورها معروف في الدفاع عن الجسم ضد الأخطار الخارجية كالجراثيم والفيروسات وكذلك على خميرة انزيم الليزوزيم (15 جرام/لتر) وهي خميرة ذات قدرة كبيرة مضادة للبكتيريا وذلك بحلها للغلاف الخلوي لبعض الجراثيم «موجبة الجرام» لاحتوائها على مورامينيدايز.

      وكذلك يحتوي الدمع على اللاكتوفيرين وهي مادة بروتينية ذات خاصية جذب عالية لعنصر الحديد الضروري لنمو البكتيريا، وبالتالي تلعب دورا أساسيا في مقاومة البكتيريا وكذلك دورا في تعديل الجذور الحرة وخاصة جذر الهيدروكسي الضار لخلايا الجسم وأيضا تلعب دورا مثبطا للمتممة وهذا يمنح الدمع دورا مضادا للالتهابات أيضا.

      وكذلك الشوارد المغذية الأخرى والأوكسجين والجلوكوز. والإفراز الدمعي نوعان أساسيان يمثلهما الشريط الدمعي (بسمك 8 ميكرونات) المؤلف من ثلاث طبقات من الخارج الى الداخل، دهنية.. مائية.. مخاطية ويلعب رفيف الأجفان دورا أساسيا في تكوينه ويفرز من قبل غدد الدمع الملحقة بالأجفان وهو ثابت وموجود دائما لحماية القرنية والملتحمة.

      والنوع الثاني للإفراز الدمعي هو الانعكاسي وهو ناجم عن إفراز مائي غزير للغدة الدمعية الأساسية الموجودة في أعلى وخارج جوف الحجاج أو مركزي وذلك بتنبيه العصب الدمعي المفرز للغدة الوارد عن طريق العصب السابع، ويجري الدمع من الزاوية أعلى وخارج العين (اللحاظ) الى الزاوية الداخلية (الموق) حيث يزول ثلاثة أرباعه عن طريق نقطتين صغيرتين في الأجفان نحو قنينتين دمعيتين فكيس الدمع ثم القناة الدمعية الأنفية نحو تجويف الأنف بآلية فاعلة لوجود مضخة ماصة للدمع.

      ويواصل: أما ربع الدمع فيطرح عن طريق التبخر وفي الحالة الطبيعية تستوعب العين الرتوج الملتحمة وسطح القرنية الملتحمة والطرق المفرغة بحدود (30 ميكرولترات) من الدمع وكل ما يزيد على ذلك يفيض ويسيل خارج الأجفان وهو ما نسميه بالدماغ، وهذا ما يخلص العين من الأجسام العالقة كالغبار في حال تخريشها، إذن نستطيع أن نلخص فوائد الدمع بأشكال الحماية المختلفة التي يؤمنها للعين كالحماية الميكانيكية والبصرية وهو يشكل حاجزا مقاوما وسطحا انزلاقيا ممتازة أو مرطبا دائما للعين وحافظا للحرارة السطحية يحميها من الجفاف ويؤمن سطحا بصريا منتظما.

      وبوجود المخاطية في الشريط الدمعي يلتقط الجزيئات الغريبة والبكتيريا العالقة حيث يؤمن رفيف الاجفان طرحها خارجا، ومن الحمايات ايضا حماية مضادة للبكتيريا وحماية فيزيائية بتغيير درجة حمض الدمع مما يجعلها وسطا غير ملائم لنمو الجراثيم الممرضة وحماية كيميائية كوجود عناصر ليزوزيم والاكتوفيرين معدلة الديفانات المفرزة من قبل بعض الجراثيم، وحماية مناعية دفاعية وحماية علاجية، حيث يشكل الشريط الدمعي وسطا ممتازا لاستقبال الادوية الموضعية وحماية غذائية حيث يغذي القرنية والملتحمة باستمرار فهو وسط تبادلي فعال للاوكسجين والجولوكوز والشوارد وبقية العناصر.

      ونجد مما سبق أن للدمع فوائد جمة بشكليه الأساسي والانعكاسي كحال البكاء والضحك أو أية شدة نفسية وما فائض الدمع لأي سبب كان إلا عاملا مهما يخلّص العين ليس فقط من السموم ولكنه يساعد البدن أيضا على طرح سمومه وبالتالي راحة النفس ويبقىالضحك خير من البكاء.



      بكـاء الأحشـاء

      ويقول الدكتور عدنان فضلي استشاري الطب النفسي: نعم، نحن ننصح المريض أو أي فرد يتعرض لمواقف محزنة أو مؤلمة إن يعبر عن شعوره بالبكاء، فمن خلال البكاء يشعر الإنسان بالارتياح من ثقل يتعب كاهله، وان الكبت قد يؤدي إلى نتائج وخيمة والمصابون بالاكتئاب هم أكثر الناس عرضة للبكاء حيث يجد المريض متنفسا لهمومه، غير انه في حالات الاكتئاب الشديدة تستعصي الدموع حيث يتمنى المريض لو انه يستطيع البكاء.. حتماً إن البكاء يخفف من حدة التوتر والضغوط النفسية والنساء هن أسرع في البكاء من الرجال بحكم تكوينهن البيولوجي، فكثير من الرجال «يبكون بصمت»! فطالما سألت رجالا يعانون من الاكتئاب، هل تنتابهم نوبات بكاء فيجيبوا بإباء وشمم كما يقولون «عيب على الرجل ان يبكي»! عندما فجعت شاعرتنا العربية الخنساء بأخيها صخر ملأت الدنيا صراخا وبكاء، وهي التي قالت لولا هذا البكاء سواء منفردة أو مع الآخرين لحاولت الانتحار!! ومن الناس ممن يتألمون أو يحزنون يلجأون لتناول المهدئات أو الخمر للتغلب على مظاهر الأسى والحزن وهذا نوع من الكبت، والذي قد يظهر فيما بعد على شكل اضطراب نفسي شديد ولو بعد حين، ان كبت مشاعر الحزن وعدم التعبير عنها قد يؤدي إلى ظهور مجموعة من الأمراض العضوية كتقرح الأمعاء أو قرحة المعدة، وذلك بسبب التوترات والضغوط المتواصلة ويمكن تلخيصها بمقولة أحد الأطباء النفسانيين: أن الدموع التي لا تجد لها منفذاً من العيون تجعل الأحشاء تبكي!! ويقول الدكتور يوسف عبدالفتاح طبيب نفسي: بكاء الأطفال أحد مظاهر الطفولة النمائية فقد ارتبط البكاء بالطفولة، حيث شاع القول لمن يبكي من الكبار انه يبكي مثل الأطفال.

      ويؤدي البكاء وظيفة سيكولوجية مهمة بالنسبة للطفل فهو بمثابة التنفيس الانفعالي والتعبير السلوكي عن مشاعر الغضب أو الحزن أو الرفض لما يتعرض له ويشعر به وهذا أمر لازم وضروري لإخراج هذه الطاقة الانفعالية المكبوتة، ويرى علماء النفس أن البكاء شأنه شأن سلوكيات أخرى تستخدم للتنفيس الانفعالي أو تفريغ الشحنة الانفعالية الكامنة في الشخصية فالبكاء والصياح والصوت الحاد المرتفع وتخريب الألعاب أو الممتلكات والتململ كلها وسائل تعبيرية عن حالة انفعالية مرتبطة بالغضب أو الحزن، ولما كان الإحباط الذي يتعرض له الطفل يولد شحنة نفسية عدوانية فإن البكاء يعد بمثابة التعبير عن هذه الشحنة والتخلص منها، وكف البكاء أو عدم البكاء قد يكون مؤشراً لكبت هذه الشحنة الانفعالية في النفس، وقد تنتقل إلى اللاشعور حيث ينساها الطفل لكنها لا تختفي تماما وتبقى لتعبر عن نفسها في الكبر بأساليب رمزية أو مرضية كالقلق والعدوان المدمر الظاهر كلما اتيحت الفرصة للطفل

      وقد وجد حديثاً أن هناك علاقة وثيقة بين الوظائف الفسيولوجية والسيكولوجية للانفعالات عموماً، ووسائل التعبير عنها، سواء بالبكاء أو غيره من الأساليب، فقد تبين مثلاً ان البكاء ينشط الغدد الدمعية ويغسل مقلة العين ويطهرها ويقلل من الضغط الذي نتعرض له، كما تبين انه يؤثر على الأجهزة الفسيولوجية الأخرى مثل الشرايين والأعصاب التي تصبح متوترة في حالة الانفعال، كما تزداد ضربات القلب ومعدل النبض والتعرق ويزيد إفراز الأدرينالين من الكليتين، وهي من المؤشرات الفسيولوجية للقلق والاضطراب الانفعالي لدى الطفل الذي لا تلبث أن تخف حدتها بعد نوبة البكاء وتفريغ الطاقة والشحنة الانفعالية التي لدى الطفل، لذلك يجب ألا ينزعج الآباء والأمهات من بكاء أطفالهم باعتباره أحد وسائل التنفيس كما ذكرنا وبالتعلم الاجتماعي تقل نوبات البكاء لدى الطفل حين يعرف أن البكاء وحده ليس كافياً لتحقيق ما يريد وتغيير العالم المحيط به.


      المصـدر

      مقالة محمد زاهر نقلاً عن جريدة البيان تاريخ الثلاثاء 21 ذو الحجة 1422 هـ الموافق 5 مارس 2002
    • التداوي بالكي....


      التداوي بالكي



      قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " الشفاء في ثلاثة : شربة عسل ، و شرطة محجمٍ ، و كيةٍ بنار ، و أنا أنهى أمتي عن الكي " و في رواية " و ما أحب أن أكتوي " .

      ثبت في الصحيحين : " أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث إلى أبي بن كعب طبيباً ، فقطع له عرقاً ، و كواه عليه " .

      رواه البخاري (5683) كتاب الطب .

      كان يستعمل الكي بالنار في القديم لمداواة كثيرٍ من الحالات المرضية ، أما الآن فقد اقتصرت استعمالاته على حالة مرضية معينة . تختلف تأثيرات الكي بحسب نوع المكواة ، و درجة حرارتها ، فالمكواة التي تكون بلون أحمر مبيض يكون فعلها سريعاً ، و عميقاً ، و لا تلتصق بالنسيج التي تكويها ،و لا تقطع النزف ، أما المكواة التي تكون بلون أحمر قاتم ، ففعلها أقل عمقاً ، و أقل سرعة ، و تلتصق بالنسج التي تكويها ، و تقطع النزف .

      و يستعمل الكي الكهربائي ، أو الناري في الحالات التالية :

      1 ـ فتح المجاميع القيحية كالغلغمونات ، و الدمامل ، و الجمرة الحميدة . و ميزة الكي هنا عن الشق بآلة حادة هي أن الكي يشق المجاميع و يخثر الأوعية الكائنة على مسير الشق فيسدها و يمنع نزفها ، كما يمنع دخول القيح و الجراثيم إلى الدورة الدموية .

      2 ـ قطع النسيج ، و كي النقاط النازفة أثناء العمل الجراحي بنفس الوقت عوضاً عن ربطها ، و في هذا توفير للوقت .

      4 ـ استئصال و تخريب بعض الأورام الجلدية ،و بعض الأورام المثانية .

      5 ـ يستعمل الكي في حالات الآلام المعندة التي ليس لها أسباب عضوية ، كالآلام النفسية ،و كذلك الآلام المعندة التي لها أسباب عضوية ،و لكن لا يمكن إزالة هذه الأسباب العضوية مثل الآلام السرطان .

      إن آلية الاستفادة من الكي في حالة الآلام المعندة هي إحداث تنبيه شديد للجملة العصبية التي تخضع أساساً لتنبيه المرض ،و في هذه الحالة تستجيب الجملة العصبية للتنبيه الأشد ،و تنسى التنبيه الأضعف ، أي : تستجيب لتنبيه الكي و تنسى تنبيه المرض و عندما يزول تنبيه الكي ، قد لا يعود تنبيه المرض لنسيانه من قبل الجملة العصبية .


      المصدر :

      الإعجاز الطبي في السنة النبوية الدكتور كمال المويل دار ابن كثير دمشق ـ بيروت .
    • التصميم الشكلي للخلايا



      التصميم الشكلي للخلايا



      يوجد في جسم الإنسان حوالي مئتي نوع من الخلايا تقريباً مختلفة الأشكال ، و من أهم و أبرز هذه الاختلافات هي التي توجد بين خلايا الأعصاب و خلايا العضلات و خلايا الدم في الشكل ، فإن كل هذه الخلايا على الرغم من أنظمتها تتفق في الأساس ، إلا أن تصميمها البارع يجعها تقوم بوظائفها على أكمل وجه و بكفاءة عالية كل ٌفي موقع عمله .

      فأمامنا نموذجان لخلايا مختلفة في الشكل و هما خلايا الأعصاب و خلايا الدم ، فخلايا الأعصاب يمتد طولها إلى المتر تقريباً ، و تبدأ من العمود الفقري و تنتهي عند القدم ، و بذلك تصل الأوامر و الإنذارات من المخ إلى مواقعها المطلوبة مارة بالخلايا على خط واحد مستقيم في أقصر وقت ممكن أي : بسرعة فائقة جداً.

      أما خلايا الدم فيصل طولها إلى 7 ميكرومتر على عكس ما كان عليه شكل خلايا الأعضاء .

      هذه الحجم المتناهي في الصغر يجعلها تمر بسهولة من خلال الشعيرات الدموية حيث أصبح وجهها الخلايا على هيئة أسطوانة صغيرة جداً مجوفة من الداخل ، مما يجعل الخلية ذات مساحة واسعة من الداخل يسمح لها بعلمية استنشاق الأوكسجين (O ) و طرد ثاني أوكسيد الكربون (CO2) بصورة عالية جداً ، و لو تخليتم وجود ملايين الخلايا في كل متر مكعب منالدم فسوف لا يصل تصوركم إلى حجم المساحة التي تتم فيها عملية أخذ الأوكسجين .

      و كذلك فإن الخلايا الموجودة في أعيننا و آذاننا تتميز على حسب أشكالها الكوكليو( OKLEOK) الذي يوجد في الأذن الداخلية هو عبارة عن خلايا تتكون من شعيرات صغيرة جداً ، تتذبذب هذه الشعيرات بتأثير الموجات الصوتية و تعمل بتحويل الموجات الصوتية و تعمل بتحويل ضغط الموجات إلى السائل الذي يوجد في الأذن إلي إنذار عصبي ، و الخلايا الموجودة في شبكية العين مخلوقة لتؤدي وظيفتها بأحسن صورة ممكنة ، فخلايا الشبكية ذات الشكل المخروطي تحتوي على العديد من الأغشية لتسهيل الاتصال العصبي و تحتوي كذلك على صبغات عديدة حساسة تجاه الضوء ، إن هذا التركيب يكسب خلية الشبكية حساسية عالية تجاه الضوء . و هذا النظام يكسب كل خلية من الخلايا مستوى عالي الكفاءة لكي تصبح حساسة جداً .

      و هناك أيضاً خلايا ماصة للأغذية داخل الأمعاء الرفيعة صممت هيئتها على حسب وظيفتها لتكون مناسبة للقيام بهذه الوظيفة .

      فيوجد فوق كل خلية غطاء من الشعيرات المجهرية المسمات بالمكرووفيللي و الجزيئات الناقلة التي تقوى على هذه الشعيرات التي تأخذ ما تحتاج إليه من غذاء و تطرد الفائض عن حاجتها ، و بذلك يتم طور هام من أطوار هضم الغذاء .

      ويجب ألا ننسى أن جميع الخلايا في جسم الإنسان تكونت عن طريق الانقسام و التكاثر داخل الخلية الواحدة .

      و لهذا فهل يعقل أن الخلايا هي التي اختارت الأشكال المناسبة لتأدية الوظيفة المطلوبة بكفاءة عند بناء الجسم .

      فلا أدلّ من هذا على أن الله وحده سبحانه و تعالى هو الذي خلق الأشكال اللازمة و المناسبة لتؤدي وظيفتها بكفاءة عالية .


      المصدر :

      كتاب السلوك الذكي لدى الخلية تأليف هارون يحيى .
    • التصميم المعجز في طيران الحشرات



      التصميم المعجز في طيران الحشرات


      عندما نأتي على ذكر الطيران تقفز صورة الطائر إلى مخيلتنا على الفور . إلا أن الطيور ليست هي الكائنات الوحيدة القادرة على الطيران . يمتلك العديد من أنواع الحشرات مقدرات طيرانية تتفوق على تلك التي تمتلكها الطيور . إذ يمكن أن تقطع الفراشة الكبيرة المسافة بين أمريكا الشمالية وأواسط القارة الأمريكية، كما يمكن أن يبقى الذباب واليعسوب معلقاً في الهواء مدة من الزمن .

      يدعي التطوريون أن الحشرات بدأت تطير منذ 300 مليون سنة، ولكن هذا لم يحدث مصادفة كما يضيفون، فالتصميم المتقن لأجنحة الحشرات لم يدع أي مجال للمصادفة . كتب البيولوجي الإنجليزي روبين ووتون في موضوع تحت عنوان : " التصميم الميكانيكي لأجنحة الحشرات "

      كلما كان فهمنا أدق لعمل أجنحة الحشرات، كلما بدا لنا تصميمها أروع .. لقد صممت بنية الأجنحة بإتقان، وصممت الآليات لتحريك أجزاء العضو بطرق تضمن سهولة التنقل . تجمع أجنحة بإتقان وصممت الآليات لتحريك أجزاء العضو بطرق تضمن سهولة التنقل . تجمع أجنحة الحشرة بين هذين الأمرين : استخدام أجزاء الجسم بمرونة فائقة، وتجمعها بشكل أنيق في تشكيل يتجاوب مع القوى المناسبة من أجل استخدام امثل للبقاء في الهواء .

      من جهة أخرى، لم يعثر على دليل واحد من المتحجرات للتطور المتخيل عن الحشرات، وهذا ما أشار إليه عالم الحيوان الفرنسي بيير بول غراسية بقوله : " نحن الآن في الظلام فيما يخص أصل الحشرات " . لنقم الآن بدراسة بعض الخصائص المثيرة لهذه الخلوقات والتي ستبقي التطوريين في ظلامهم الدامس .



      إلهام الهليكوبتر : اليعسوب
      لا يمكن أن يطوي اليعسوب أجنحته إلى داخل جسمه، إضافة إلى أن الطريقة التي تستخدم فيها عضلات الجسم في حركة الأجنحة تختلف عن تلك الموجودة في غيره من الحشرات، وبسبب هذه الخاصية يعتقد التطوريون أن هذه الحشرة هي من " الحشرات البدائية " .

      إلا أن الحقيقة هي عكس ذلك، إن نظام الطيران عند هذه الحشرات التي يطلق علهيا " الحشرات البدائية "، ليس إلا معجزة من معجزات التصميم . لقد أنجزت الشركة الرائدة في صناعة طائرات الهيليكوبتر "سيكوريسكي " إحدى طائراتها متخذة اليعسوب نموذجاً لها . كما بدأت شركة IBM التي ساعدت "سيكورسكي" في مشروعها بوضع نموذج اليعسوب على الحاسب (IBM 3081) .

      تم تنفيذ ألفي طريقة أداء على الكمبيوتر على ضوء المناورات التي يقوم بها اليعسوب في الهواء . وبذلك تم بناء نموذج سيكورسكي للطائرات الحربية ولطائرات النقل على غرار نموذج اليعسوب .

      قام جيلز مارتن مصور الظواهر الطبيعية، بإجراء دراسات على اليعسوب استغرقت سنتين ويقول بأن هذه المخلوقات لها آلية طيران غاية في التعقيد .

      يشبه جسم اليعسوب البنية الحلزونية المغلفة بالمعدن حيث، يتصلب جناحاه مع جسمه ويبدوا لونهما متدرجاً من اللون الأزرق الثلجي إلى الأحمر الداكن . وبسبب هذه البنية يتميز هذا المخلوق بقدرة عجيبة على المناورات وبغض النظر عن السرعة أو الاتجاه الذي يتحرك وفقه، يمكن لهذه الحشرة أن تتوقف فجأة ثم تشرع بالطيران في الاتجاه المعاكس، كما يمكنها فضلاً عن ذلك أن تبقى معلقة في الهواء بغرض الصيد في هذا الوضع تستطيع أن تتحرك بمرونة نحو فريستها، كذلك يمكنها أن تزيد من سرعتها التي تعتبر غير عادية بالنسبة لحشرة : 40كم /سا وهي تعادل سرعة الرياضي في سباق 100 متر أولمبي بسرعة 39كم /ساعة يصطدم اليعسوب مع هذه الفريسة، وتكون الصدمة المفاجأة شديدة الوقع، وبسبب أسلحة اليعسوب التي تتميز بمرونة فائقة ومقاومة شديدة فإن البنية المرنة لجسمه تمتص صدمة الارتطام، وهذا بالطبع ما لا يحدث للفريسة التي ما تلبث أن تقع مغمى عليها أو حتى ميتة من شدة الصدمة . بعد الاصطدام تأخذ ساقا اليعسوب دورها كأكثر الأسلحته فتكاً : تمتد الساقان إلى الأمام للإمساك بالفريسة المصدومة التي لا تلبث أن تصبح رهينة الفكين القويين ليتوليا تمزيقها .

      يبدو منظر اليعسوب مؤثراً كما هو حال قدرته على القيام بمناوراته المفاجئة بتلك السرعة العالية، أما عيناه فعتبران أفضل نموذج ليعون الحشرات . يحمل اليعسوب عينين تحتوي كل منها على ثلاثين ألف عدسة مختلفة . تزود هاتان العينان الشبه كرويتين ـ والتي يبلغ حجم كل منهما نصف حجم الرأس تقريباً ـ الحشرة بمجال رؤيا واسع جداً . وبفضلهما يمكن أن يبقى اليعسوب على إطلاع بما يجري وراء ظهره .

      و هكذا يبدو اليعسوب مجموعة من الأنظمة، كل منها يحتوي على بنية فريدة ومثالية، إلا أن أي تشوه قد يطرأ على أي من هذه الأنظمة يعطل عمل النظام الآخر . ومع ذلك فقد خلقت كل هذه الأنظمة دون أي صدع أو شرخ، وهكذا أمكن لهذه الحشرة أن تستمر في دورتها الحيوية .

      أجنحة اليعسوب :
      تعتبر أجنحة اليعسوب أكثر أقسام جسمه أهمية ولا يمكن بأي حال شرح آلية الطيران لدى اليعسوب، والتي يستخدم فيها جناحيه على ضوء نظرية التطور خطوة خطوة، فمن حيث المبدأ تفتقد نظرية التطور إلى المادة التي تبحث في منشأ الأجنحة التي لا تؤدي عملها على الموجه الأكمل إلا إذا تطورت كوحدة متكاملة .

      لنفترض للحظة أن جينات الحشرات قد تعرضت إلى طفرة، وبدا على بعض أجزاء الخلايا الجلدية التي تغطي الجسم تغير غير واضح المعالم . من غير المعقول مطلقاً افتراض حصول طفرة أخرى بطريق المصادفة على هذه الطفرة الحاصلة على الجناح، لأن هذه الطفرات لن تضيف إلى جسم الحشرة جناحاً كاملاً، كما أنها لن تضيف أي ميزة جديدة، بل ستنقص من قدرته على الحركة .

      ستضطر الحشرة إلى تحمل حمل زائد، وهو ما ليس في صالحها، لأنه سيضعف موقفها أمام المنافسين، علاوة على ذلك، وحسب المبدأ الرئيسي لنظرية التطور، فإن الاصطفاء الطبيعي سيؤدي إلى انقراض هذه الحشرة العاجزة .

      و مع كل هذه الافتراضات تبقى الطفرة أمراً نادراً الحدوث . وعندما تحدث تتسبب في الإضرار بالحشرة وتؤدي في أغلب الحالات، إلى إمراضها مرضاً مميتاً . لهذا السبب من المستحيل أن تؤدي الطفرات البسيطة إلى بعض التشكلات في جسم اليعسوب لتتطور مع الزمن إلى الآلية الطيرانية . ولكن لو سلمنا جدلاً أن الادعاء الذي يقول به التطوريون صحيحاً، فلماذا لم يعثر على المتحجرة التي تصور الشكل "البدائي لليعسوب" في الحقيقة . لم يعثر العلماء على اختلاف واحد بين متحجرات أقدم يعسوب طار في سماء العالم وبين يعسوب اليوم، بمعنى آخر : لم يعثر على بقايا لـ "نصف يعسوب " أو " يعسوب بأجنحة بدائية " يسبق هذه المستحاثات المغرقة في القدم .

      لقد خُلق اليعسوب كُلاً متكاملاً . مثله مثل كل الكائنات الحية ولم يتغير حتى يومنا هذا، أي إنه خُلق خلقاً ولم يتطور .

      إذا انتقلنا إلى التكورين الهيكلي للحشرات، نجد أن الكيتين هي المادة الأساسية التي تتكون منها هياكل الحشرات، وهي مادة قوية ومرنة بما يكفي لضمان حركة العضلات . عند الطيران يمكن أن تتحرك الأجنحة إلى الأعلى والأسفل والأمام والخلف، وتسهل البنية المفصلية المعقدة هذه الحركة، يمتلك اليعسوب زوجين من الأجنحة أحدها متقدم على الآخر . تعمل الأجنحة بشكل غير متزامن، أي : إنه عندما يرتفع الجناحان الأماميان ينخفض الجناحان الخلفيان . تقوم مجموعات من العضلات المتعاكسة بتحريك الأجنحة، وتتصل هذه العضلات برافعات موجودة داخل الجسم، وفي حين تتقلص مجموعة من العضلات لتعطل عمل زوج الأجنحة، تتمدد مجموعة أخرى لتسمح للزوج الآخر بالانتشار، وعلى المبدأ نفسه ترتفع طائرات الهيليكوبتر وتنخفض، وهذا ما يمكن اليعسوب من المناورة والتقدم والتراجع أو تغيير الاتجاه بسرعة .

      طور التحول ( الانسلاخ) في اليعسوب :
      لا تتزاوج أنثى اليعسوب مرة أخرى بعد الإخصلاب . إلا أن هذا لا يشكل مشكلة بالنسبة للذكر من نوع كالوبتريكس فيرغوCaloteryx Virgo يمسك الذكر بالأنثى بواسطة الكلابات الموجودة في ذيله من رقبتها . وتلف الأنثى ساقيها حول ذنب الذكر . يقوم الذكر بتنظيف الأنثى من بقايا أي نطف من غيره من الذكور بواسطة امتداد من ذيله يدخله في التجويف التناسلي لدى الأنثى وبما أن هذه العملية تستغرق عدة ساعات . فإنهما يطيران في بعض الأحيان وهما في هذه الوضعية الملتصقة . يضع اليعسوب بيوضه في مياه البحيرات أو البرك الضحلة . وعندما تفقس اليرقات من البيوض تعيش في الماء من ثلاث إلى أربع سنوات . وخلال هذه السنوات تتغذى في الماء . لهذا السبب يكون جسمها في هذا الطور قادراً على السباحة بسرعة تؤهله للإمساك بسمكة، وفكاه قويان بما يكفي لتمزيق الفريسة .

      عندما تنمو اليرقة يقسوا الغلاف الذي يحيط بجسمها، فتطرحه في أربعة أوقات متغايرة . وعندما يحين وقت الطرح الأخير تترك الماء وتتسلق نباتاً طويلاً أو صخرة . تستمر في الصعود إلى أن تكل أقدامها . بعد ذلك تؤمن نفسها بوضعية ثابتة بمساعدة الكلابات الموجودة في نهايات أقدامها، لأن زلة واحدة تعني الموت في هذه المرحلة .

      يختلف هذا الطور عن الأطوار الأربعة السابقة في أن الله عز وجل يحول هذا المخلوق إلى مخلوق طائر من خلال عملية تحول رائعة .

      يتكسر ظهر اليرقة أولاً، ثم يتسع الشق ليصبح شرخاً واسعاً يخرج منه مخلوق جديد مختلف كلياً عن المخلوق الأول . يخرج هذا الجسم الرقيق مؤمناً بأربطة ممتدة من المخلوق السابق .

      خُلقت هذه الأربطة ببنية شفافة ومرنة مثالية، ولو لم تكن كذلك لانكسرت ولم تقدر على حملها، مما يعني سقوط اليرقة في الماء وتلاشيها .

      علاوة على ذلك، هناك آليات خاصة تساعد اليعسوب في طرح جلده . يتقلص جسم اليعسوب ويصبح ملتفاً داخل الغلاف القديم . ولكي " يفتح " هذا الغلاف يتكون سائل خاص بالجسم ومضخة خاصة تستخدم في إنجاز العملية تنبسط الأجزاء الملتفة من الجسم بعد الخروج من الشق بفضل ضخ السائل الخاص . في هذه الأثناء يتم إفراز مادة كيميائية تتكفل بكسر الأربطة التي تصل السيقان الجديدة بالقديمة دون التسبب بأي أذى .

      هنا تكون الأجنحة قد تطورت بشكل تام إلا أنها تبقى في وضع الطي أما السائل الخاص فيتم صخه من الجسم عبر تقلصات شديدة إلى خلايا الأجنحة . تترك الأجنحة لتجف بعد نشرها .

      بعد أن يغادر اليعسوب جسمه القديم ويجف تماماً، يقوم بتجربة سيقانه وأجنحته، فيطوي وبمد سيقانه واحدة واحدة ويرفع ويخفض أجنحته في اختيار مدهش .

      تنتهي الحشرة أخيراً إلى التصميم الطيراني، من الصعب على المرء أن يصدق أن هذه الحشرة الطائرة هي نفسها ذلك المخلوق الذي كان يُسروعاً يعيش في الماء .يقوم اليعسوب بطرح السائل الزائد للحفاظ على توازن النظام، وهنا تكون مراحل التحول قد انتهت وأصبحت الحشرة قادرة على الطيران .

      مرة أخرى نواجه استحالة ادعاءات نظرية التطور عندما نحاول التفكير بعقلانية بأصل أو منشأ هذا التحول المعجز . تقول تلك النظرية : "إن المخلوقات أتت إلى الحياة من خلال تغيرات عشوائية، إلا أن عملية التحول عملية معقدة لا تحتمل أيي خطأ، مهما بلغت ضآلته في طور من الأطوار، فحدوث أي عائق ولو كان يسيطاً في أي طور من الأطولر سيتسبب في أيذاء هذه الحشرة أو هلاكها . التحول " عملية معقدة لا يمكن تجزئتها " وبالتالي برهان واضح على التصميم المعجز .

      باختصار : يعتبر التحول في اليعسوب احد الدلائل التي لا حصر لها على خلق الله المعجز والمتقن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . فعظمة الخالق تتجلى حتى في الحشرات تلك المخلوقات الضئيلة ............


      المصدر : كتاب التصميم في الطبيعة تأليف الكاتب التركي هارون يحيى .
    • التصميم المعجز لبلورات الثلج



      التصميم المعجز لبلورات الثلج



      عندما يتفحص المرء بلورات الثلج يرى أشكالاً متعددة و مختلفة فيما بينها . ويعتقد الباحثون أن متراً مكعباً من الثلج يحتوي على 350 مليون بلورة ، و هذه البلورات جميعها تتخذ شكل مضلع سداسي ، بيد أن هذه المضلعات السداسية تختلف فيما بينها من ناحية الشكل الذي تتخذه . و لكن كيف ظهرت هذه الأشكال ؟

      كيف اختلفت فيما بينها ؟ كيف حدث هذا التناسق فيما بينها ؟ ما زالت الأبحاث جارية من قبل العلماء للتوصل إلى أجوبة عن هذه الأسئلة .

      و كل شيء جديد يكتشف يضاف إلى رصيد الإعجاز الموجود في تصميم هذه البلورات الثلجية ، إن الشكل المضلع السداسي للبلورة الثلجية ، و التي لها أنواع مختلفة من ناحية التناسق و التماثل فيما بينها ، يعد دليلاً على الإبداع الإلهي في الخلق ، و لا شك فهو البديع ( أي الخالق دون وجود أنموذج سابق لخلقه ) جل جلاله ، و هو الله الذي خلق الأشياء في أحسن صورة .

      و عندما نتفحص البلورة الثلجية سنجد أمامنا جانبياًَ آخر من الإعجاز الإلهي .

      إن هذه البلورات الثلجية التي تتجمع لتأخذ أشكالاً عديدة مثل الصحون الصغيرة و الكبيرة ، أو الشكل النجمي أو حتى الشكل الدقيق جداً الذي يشبه رأس إبرة تحقق هذا الاختلاف في التشكل بوسيلة مثيرة للحيرة في العقول.[1]

      ولا شكل في أن هذا التركيب البلوري لحبات الثلج قد جلب انتباه الباحثين منذ سنوات عديدة ، فقد أجريت الأبحاث و مازالت مستمرة منذ سنة 1945 لاكتشاف العوامل التي تشكل هذه البلورات بهذه الأشكال المختلفة ، فحبة الثلج تتألف من أكثر من مئتي بلورة ثلجية ، والبلورات الثلجية هي عبارة عن مجموعة من جزيئات من الماء مرتبة و منظمة بتناسق باهر فيما يبنها ، و توصف هذه البلورات الثلجية بأنها بناء معماري بارع جداً ، و هي تشكل عندما يمر بخار الماء خلال السحاب متعرضاَ للبرودة ، و يحدث هذا الأمر كالآتي :

      يحتوي بخار الماء على جزيئات الماء التي تكون منتشرة بصورة عشوائية ، و عندما تمر بين السحاب تتعرض للبرودة و بالتالي يقل نشاطها ، و هذه الجزيئات التي أصبحت حركتها بطيئة تميل إلى التجمع فيما بينها ثم تتحول إلى جسم صلب ، و لكن هذا التجمع لا يكون عشوائيا أبداًَ ، بل على العكس إنه دائماَ يكون باتحاد جزيئات الماء لتكوين مضلعات سداسية مجهرية منتظمة الشكل .

      و كل قطعة ثلج تتكون من مرحلة أولى من مضلع سداسي و يتبلور من جزيئات الماء ، و من ثم تأتي باقي المضلعات السداسية المتبلورة لتلتحم بالبلورة الأولى ، و العامل الرئيسي في طريقة تشكيل هذه البلورة الثلجية ـ و كما شرح ذلك العلماء ـ هو الالتصاق المتسلسل لهذه المضلعات السداسية بعضها ببعض تماماًَ مثلما تتحد حلقات السلسلة الواحدة .

      و المفترض في هذه البلورات هو أن تتخذ الشكل نفسه مهما اختلفت الحرارة و الرطوبة ، و لكن الذي يحصل هو أن شكلها يختلف باختلافهما ، لماذا توجد هذه البلورات المتناسقة ذات الشكل المضلع السداسي في كل قطعة ثلج ؟ و لماذا تأخذ شكلاً مختلفاً إحداها عن الأخرى ؟ لماذا تكون حواف هذه الأشكال ذات زوايا بدلاً من أن تكون مستقيمة ؟ و لا زال العلماء مستمرين في أبحاثهم سعياً وراء العثور عن الأجوبة [2].

      و لكن الحقيقة الواضحة أن الله فاطر السماوات و الأرض هو الذي خلق كل شيء و سواه لا شريك له و هو الأحد الصمد .
      المصدر : كتاب العظمة في كل مكان تأليف هارون يحيى .

    • من شر حاسد إذا حسد



      من شر حاسد إذا حسد



      قال الله تعالى : (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:68)

      و عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا( رواه مسلم : 4058).

      و قال صلى الله عليه وسلم : (العين تدخل الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر) ورد في الجامع الصحيح للسيوطي و قد صححه السيوطي .


      و لقد كشف العلم الحديث أن للعين قوى خارقة :

      تقول الكاتبة والباحثة الإنجليزية والصحفية التي جمعت أخطر دراسات في مجال الطاقة(لين ماكتاجارات ) في كتابها البحث عن سر قوة الكون[1] :

      لقد كانت هناك دراسات مذهلة تمت في منتصف القرن الماضي في الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وروسيا، تفوّق فيها الأمريكان لاحقاً وأخذوا القيادة في موضوع الطاقة الكونية! وتقول الكاتبة أن هذه الدراسات قفزت قفزات خطيرة في عام 1973م عندما قاد الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز – رحمه الله – حملة منع نفط العرب عن الغرب.

      تقول أن الإدارة الأمريكية آنذاك جمعت كبار علماء الطاقة والفيزياء ودعمت جهودهم في إيجاد حل استراتيجي لوقود الآلات والمركبات سوى النفط. وتقول أنه باغتيال الملك فيصل ومن ثم وجود البدائل النفطية في تكساس وأمريكا الجنوبية وتعدل العلاقات مع العرب عادت الأوضاع إلى طبيعتها وتوقف دعم هذه البحوث والدراسات إلا أن العلماء أصابهم الذهول مما اكتشفوه من معلومات في غاية الغرابة عن طاقة الكون، الأمر الذي جعلهم يستمرون وحتى اليوم في استنتاجات مذهلة!!

      وبسبب هذه الاستنتاجات عادت مؤسسات الإدارة الأمريكية وعلى رأسها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ومؤسسة الفضاء (NASA) في بحث تفاصيل الموضوع الأمر الذي أكدت الكثير منه.

      إن هذه الاستنتاجات تتحدث عن أن الكون مزود بطاقة ومتصل ببعضه البعض، ويؤثر كل جزء فيه بالآخر، ويبنى على ما توصلت إليه دراسات الـ (Quantum Physics) التي خرجت بعد نيوتن، ونظريات ألبرت آينشتاين في الطاقة والزمان.

      إن إحدى هذه الدراسات، على سبيل المثال، درست الذرة، وما داخلها (نواة والكترون). ويسمى هذا العلم الفيزياء الذرية، ثم درسوا النواة في الداخل والإلكترون، ويسمى هذا العلم الفيزياء النووية، ثم درسوا جزيئات النواة ويسمى هذا العلم فيزياء الأشياء أو الجزيئات (Particle Physics).

      ومعلوم أن الإلكترون يلف حول النواة بعكس مدار الساعة ولما نظروا في دوران وحركة الجزيئات الصغيرة في النواة توصلوا إلى حقيقة مذهلة حيث أنها تتحرك يميناً أو شمالاً أو بدوران بحسب فكرة الباحث!!! حيثما توقع تسير. ولذلك توصلوا إلى أن الفكرة تؤثر في حركة الجزيئيات الداخلية في النواة، وبالتالي فإن الفكرة بقوتها قد تؤثر في النواة، وإذا كانت أقوى أثرت بالذرة، وإذا كانت أقوى أثرت بالبيئة المليئة بالذرات، كما يحصل للنفس الحاسدة (العين) أو التخاطر أو الكشف أو السحر أو الإلهام أو غيرها من أمور، وكل هذه الأمور ناقشتها في الكتاب وأكثر، ولذا تدخلت فيها الاستخبارات ووكالات الفضاء حتى اشتهر من عملاء الـCIA جريل فلايم (الاسم الحركي)، وكان بتعلم هذه الطرق يكشف مواقع الروس النووية عن بعد! ..

      ثم أن الدراسات كشفت أن القدرات هذه ليست حكراً على أحد أو خاصية يتمتع بها أناس متميزون عن غيرهم، بل هي موجودة في معظم البشر، وأقل البشر، شريطة أن يدرك قدراته ويعرف الطرق لاستخدامها.و لعل أعجب القدرات على اختراق المادة بالنفس امتلكها الشاب (( ماثيومانينغ ))(( Matthew Manning )) من قرية لينتون Linton قرب مدينة كامبردج فقد كان باستطاعته طوي الملاعق و السكاكين و تغيير شكلها بمجرد النظر , و كان ينظر الى عقارب الساعة فيوقفها.عن الحركة , و يستطيع إيقاف التيار الكهربائي .., و ثبتت لديه القدرة على التأثير في سريان الدم في الأوعية و الشرايين و كذلك التأثير على مرض السرطان

      ويعرف عن نابليون بونابرتانه كان ذو نظرة (( حسد ثاقبة )) فقد عرف عنه انه إذا ثبت نظره على خصمه سبب له متاعب كبيرة, و إذا نظر بنظرته الحاسدة إلى شيء ما حطم ذلك الشيء, و لم يكن بياض عينيه ابيضاً بل كان لونه صفراويا .

      أما أكثر هذه الحالات غرابة ، وأكثرها مصداقية ، وذات توثيق علمي ، هي التجربة التي أجريت على ((نيليا ميخايلوفا )) التي كان باستطاعتها و بمجرد النظر من على بعد ستة أقدام أن تفصل بياض البيضة عن صفارها مستخدمة في ذلك مقدرتها الخاصة جداً في تحريك الأجسام المادية عن بعد, ودون أن تقربها .

      وقد أجريت هذه التجربة وسط حشد من العلماء بجامعة ليننجراد ، و باستخدام آلات التصوير لتسجيل الحدث لحظة بلحظة و باستعمال العديد من الأجهزة التي تقيس الضغط و النبض وأنواع الإشعاعات التي تسود المخ أثناء التجربة و قد نجحت السيدة نيليا في فصل صفار البيضة عن بياضها خلال نصف ساعة , و قد كشفت الملاحظة و أجهزة القياس على جسد السيدة نيليا عن آلاتي :

      نشاط غير منتظم في القلب مع زيادة النبض (240)
      ارتفاع شديد في نسبة السكر
      فقدت رطلين من وزنها
      خرجت من التجربة تعاني من الضعف بشكل عام
      أصيبت بما يشبه فقدان البصر المؤقت
      تعانى من آلام شديدة في الأطراف
      و ظلت لعدة أيام بعد التجربة غير قادرة على النوم
      فقدت قدرتها على التذوق
      ولقد كان اكتشاف حالة السيدة نيليا كان بفضل العالم البيولوجي إدوارد فاموف, الأستاذ بجامعة موسكو والذي اعد دراسات على قدراتها و ذلك باستخدام عيدان الثقاب التي تستطيع نيليا تحريكها بتمرير يدها عليها وهي مبعثرة على طاولة ثم باستخدام لوح زجاجي بين يديها و بين عيدان الثقاب .

      فمن أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم قبل ألف وأربعمائة سنة عن الطاقة التي تولدها العين .. إن خالق الكون الله رب العالمين .


      المصدر :

      كتاب : The Field: The Quest for Secret Force of the Universe


      --------------------------------------------------------------------------------

      [1] The Field: The Quest for Secret Force of the Universe



    • الحمــى



      قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء ) رواه البخاري وقوله عندما ذكرت الحمى فسبها رجل : ( لا تسبها فإنها تنقى الذنوب كما تنقى النار خبث الحديد ) رواه مسلم
      لقد تبين أنه عند الإصابة بالحمى ذات الحرارة الشديدة التي قد تصل إلى 41 درجة مئوية والتي وصفها عليه الصلاة والسلام بأنها من فيح جهنم وقد يؤدي ذلك إلى هياج شديد ثم هبوط عام وغيبوبة تكون سببا في الوفاة ... ولذا كان لزاما تخفيض هذه الحرارة المشتعلة بالجسم فورا حتى ينتظم مركز تنظيم الحرارة بالمخ وليس لذلك وسيلة إلا وضع المريض في ماء أو عمل كمادات من الماء البارد والثلج حيث إنه إذا انخفضت شدة هذه الحرارة عاد الجسم كحالته الطبيعية بعد أن ينتظم مركز تنظيم الحرارة بالمخ ويقلل هذه الحرارة بوسائله المختلفة من تبخير وإشعاع وغيرهما ولذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حم دعا بقربة من ماء فأفرغها على رأس فاغتسل ولما كانت الحمى يستلزمها حمية عن الأغذية الردئية وتناول الأغذية والأدوية النافعة وفي ذلك إعانة على تنقية البدن وتصفيته من مواده الردئية التي تفعل فيه كما تفعل النار في الحديد في نفي خبثه وتصفية جوهره كانت أشبه الأشياء بنار الكير التي تصفى جوهر الحديد وقد ثبت علميا أنه عند الإصابة بالحمى تزيد نسبة مادة( الأنترفيرون ) لدرجة كبيرة كما ثبت أن هذه المادة التي تفرزها خلايا الدم البيضاء تستطيع القضاء على الفيروسات التي هاجمت الجسم وتكون أكثر قدرة على تكوين الأجسام المضادة الواقية ... فضلا عن ذلك فقد ثبت أن مادة ( الأنترفيرون ) التي تفرز بغزارة أثناء الإصابة بالحمى لا تخلص الجسم من الفيروسات والبكتريا فحسب ولكنها تزيد مقاومة الجسم ضد الأمراض وقدرتها على القضاء على الخلايا السرطانية منذ بدء تكوينها وبالتالي حماية الجسم من ظهور أي خلايا سرطانية يمكن أن تؤدى إلى إصابة الجسم بمرض السرطان ولذا قال بعض الأطباء إن كثيرا من الأمراض نستبشر فيها بالحمى كما يستبشر المريض بالعافية فتكون الحمى فيها أنفع من شرب الدواء بكثير مثل مرض الرماتيزم المفصلى الذي تتصلب فيه المفاصل وتصبح غير قادرة على التحرك ولذلك من ضمن طرق العلاج الطبي في مثل هذه الحالات الحمى الصناعية أي إيجاد حالة حمى في المريض يحقنه بمواد معينة ومن هنا ندرك حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رفض سب الحمى بل والإشادة بها بوصفها تنقى الذنوب كما تنقى النار خبث الحديد كما أشار الحديث الشريف الذي نحن بصدده .

      المصدر :" الإعجاز العلمي في الإسلام والسنة النبوية " لمحمد كامل عبد الصمد
    • الخلايا التي تنتحر كي لا تصيب الجسم بأي ضرر



      الخلايا التي تنتحر كي لا تصيب الجسم بأي ضرر



      هناك بضع الخلايا في جسم الإنسان لمي يعد إليها حاجة أو تكون مريضة أو مصابة ، فهذه الخلايا تتلف نفسها بنفسها ، و معظم الخلايا تقوم بتوليد البروتينات الكافية لقتلها ، و لكن هذه البروتينات لا تكون مؤثرة طالما كانت الخلية مفيدة للجسم و تمارس وظيفتها بشكل إيجابي إلا أن هذه البروتينات القاتلة أو ما نستطيع تسميتها بـ : آلة الموت داخل الخلية ـ تبدأ في العمل فقط عندما تصبح الخلية مريضة أو في حالة إبدائها سلوكاً غريباً أو في حالة كون و جود الخلية يعرض جسم الكائن الحي إلى خطر أكيد .

      و من ألأهمية بمكان أن تقرر الخلية الانتحار في الوقت المناسب تماماً ، و إلا فإن بدء البروتينات القاتلة في التأثير سيسبب موت الخلية السليمة حتماً ، و هذا يعني استمرار موت الخلايا السليمة في الجسم و بالتالي هلاك الكائن الحي .

      و كذلك استمرار الخلايا المصابة في الحياة يؤدي إلى أضرار تستفحل باستمرار و تقوم في النهاية إلى الموت ، و هذه الخلية التي يقرر الانتحار ، و تسمح لبروتيناتها القاتلة في العمل ، تبدأ أولاً بالانكماش كي تعزل نفسها عن الوسط الموجدة فيه ، و من ثم تظهر فقاعات على سطح الخلية فتبدو كأنها تغلي . و بعدها تبدأ النواة ثم سائر أجزاء الخلية في الانقسام إلى أجزاء متعددة . و تتلف الفضلات الناتجة عن الانتحار في الحال بواسطة الخلايا السليمة الأخرى و الموجودة في منطقة الخلية المنتحرة ، و الغريب هنا أن الخلايا المنتحرة و الميتة لا تتلف كلها بل يتم الإبقاء على بعضها ، لأن في ذلك فائدة لجسم الكائن الحي ، و على سبيل المثال فإن عدسة العين و الجلد و الأظافر ، كل هذه تراكيب تتألف من أنسجة ميتة و لكن وجودها مهم لجسم الكائن الحي ، لذلك لا يتم إتلافها من الخلايا الميتة التي لا تزال ذات فائدة .

      ما الذي جعل الخلية السليمة تستطيع أن تميز بهذا الشكل العجيب ؟ من الذي أوحى للخلية السليمة بأن ثمة خلية قد تلفت و أصبحت تشكل خطراً على الجسم ؟ من خلال ما تقدم يتضح لنا أن الخلايا الحية مبرمجة على أداء وظائفها الحياتية على أحسن صورة و هو ما يسمح باستمرار حياة الكائن الحي . ولكن من صاحب هذا النظام الخارق .

      إن دعاة نظرية التطور لابد و أنهم مصابون بالعمى المزمن لأنهم لم يكفوا عن التأكيد بأن المصادفة العمياء هي التي أودعت هذا النظام الخارق في الخلايا . و لكن الذي لا شك فيه أن الله تعالى بقدرته التي لا مثيل لها ، و بعلمه الذي لا حد له يتجلى بكل وضوح عند النظر في مخلوقات .


      المصدر :

      كتاب السلوك الذكي لدى الخلية تأليف هارون يحيى .
    • الخلايا الحية تؤدي رسالتها



      الخلايا الحية تؤدي رسالتها





      تهيئ دراسة الخلايا الحية لنا خبرة عجيبة ، فإذا فحصت طرف وريقة صغيرة من وريقات العشب المائي الذي يسمى " الإيلوديا" تحت العدسة الكبرى للمجهر ، فسوف تلاحظ مظهراً من أكثر مظاهر الحياة انتظاماً و أروعها جمالاً .

      فلكل خلية من خلاياها تركيب رائع ، و يبلغ سمك الورقة عند طرفها طبقتين من الخلايا . و تستطيع أن تحرك قصبة المجهر رافعاً و خفضاً حتى نرى كل خلية من خلايا هاتين الطبقتين على حدة ، و تدرك أنها وحدة قائمة بذاتها ، كما يلوح أن كل خلية من هذه الخلايا الطبقيتين على حدة ، و تدرك أنها وحدة قائمة بذاتها ، كما يلوح أن كل خلية من هذه الخلايا تستطيع أن تؤدي جميع وظائف الحياة مستقلة عن غيرها من الخلايا الأخرى المشابهة لها . و يفصل الخلايا بعضها عن بعض جداران ثابتة متماسكة . و تتكون الورقة من آلاف من هذه الخلايا المتراكمة التي تبدوا كأنها بنيان مرصوص .

      أما النواة فترى بصعوبة على صورة جسم رمادي باهت تبرز فيه الفجوة العصارية التي تشغل مركز الخلية . و يحيط بالنواة شريط من الحشوة ( السيتوبلازم ) الذي يحيط بالفجوة . و يفصل الحشوة ( السيتوبلازم ) عن الجدار الخارجي للخلية غشاء رقيق ، لا نستطيع أن نراه تحت الظروف المعتادة بسبب ضغط الفجوة العصارية عليه و التصاقه بالجدار. أما فحصت الخلايا بعد أن تغمر الورقة فترة من الزمن في محلول مركز من ملح الطعام ، فإنه يسهل مشاهدة هذا الغشاء ، لأن انغمار الورقة في محلول الملح بسبب فقدانها لعض الماء الذي بفجوتها العصارية ، مما يترتب عليه انكماش محتويات الخلية وابتعاد الغشاء عن الجدار . و عندئذ يقال للخلية إنها تبلزمت .

      و في الخلية حركة وهي حركة لا يمكن أن ينبىء عنها ما يبدوا على ظاهر الورقة من السكون . ففي داخل شريط الحشوة ( السيتوبلازم ) الرقيق الذي أشرنا إليه ، أجسام دقيقة خضر تسمى البلاستيدات الخضر ، و هي لا تسبح في الحشوة ( السيتوبلازم ) أو تندفع داخله كما تندفع الحيوانات المجهرية الصغيرة داخل الماء , و إنما تتهادي كما تتهادى السفن الصغيرة يجرفها تيار الماء في بحر خضم .إنه الجبلة ( البروتوبلازم ) ذو التركيب المائي و الحيوي الفياض ، هو الذي يتحرك . و هذا البروتوبلازم هو مركز الحركة و الحياة في جميع الكائنات الحية .و تعتبر حركة الجبلة ( البروتولازم) في خلايا نبات " الإيلوديا " مظهراً من مظاهر الحياة . أما القوة أو القوى التي تجعل هذه الجبلة (البرتوبلازم ) يتحرك و التي ينشأ عنها هذا التيار المستمر فهي مالا تعرفه معرفة اليقين و مالا نستطيع أن نفسره في حدود معرفتنا الخالية تفسيراً صحيحاً . و لكننا نشاهد هذه الحركة البروتوبلازمية هنا و هنالك في عالم الأحياء من حيوان و نبات و تعرف هذه الظاهرة " تدفق الحشوة (السيتوبلازم ) و تعرف في نبات الإيلوديا بالذات بدوران الحشوة ( السيتوبلازم ) بسبب ما يشاهد من حركة البلاستيدات الخضر داخل خلاياها حركة دائرية مستمرة .

      و إذا وضعت قطرة من ماء مزرعة حيوانات أولية تشتمل على الأميبيا فوق شريحة زجاجية دافئة ، ثم فحصتها بالمجهر ، فإنك تستطيع أن تشاهد ان الجبلة (البروتوبلازم ) يتحرك حركة عجيبة ، فالأميبيا لا تسبح في الماء و لا تطفو على سطح قطرة الماء أو تندفع في جوفها و لكنها تتحرك كما لو كانت تنسكب أو تسيل . أما جسم الأميبا فهو كتلة عارية من البروتولازم يتحرك حركة عجيبة ، فالأميبيا لا تسبح في الماء و لا تطفو على سطح قطرة الماء أو تنطفع في جوفها و لكنها تتحرك كما لو كانت تنسكب أو تسيل .أما الأميبيا فهو كتلة عارية من البروتوبلازم وهو يختلف عن الخلية النباتية فأنه لا يحيط به من الخارج جدار صلب ، بل مجرد غشاء رقيق يحدد جسمه . كلما تحركت الجبلة (البروتوبلازم ) في اتجاه من الاتجاهات ، أطاعه ذلك الغشاء و تحرك معه في نفس الاتجاه . و بذلك يتغير شكل الحيوان و تتكون له زوائد لا تلبث أن يتغير شكلها بعد قليل . و بهذه الطريقة يتحرك الحيوان وتتكون له زوائد لا تشبه الأقدام ، و التي تسمى بسبب ذلك " الأقدام الكاذبة " .

      و من الممكن استخدام القوة المكبرة العظمى لمشاهدة الحشوة (السيتوبلازم ) عند اندفاعه في الأقدام الكاذبة ،و لكي نشاهد أن جسم الحيوان يتكون من طبقتين من الجِبلة (البروتوبلازم ) يختلفان في كثافتيهما . أما إحداهما فهي كتلة شفافة مائية دائمة الحركة ، و أما الأخرى فهي كتلة هلامية نصف صلبة تحيط بالطبقتين السابقة إحاطة تامة ، و يعتقد بعض العلماء ان الاختلاف في كثافة هاتين الطبقتين هو الذي يساعد على حدوث الحركة . فالطبقة الخارجية تضغط على الداخلية فتجعليها تندفع في اتجاه معين مكونة تلك الأقدام الكاذبة . و يعتقد آخرون أنه يمكن تفسير الحركة على أساس نظرية التوتر السطحي ، وهي نظرية يدرسها طلاب الجامعات عند بداية دراستهم للأحياء ،و مع ذلك فإننا لا نستطيع أن نبين لهم أسبابها . و حتى إذا سلمنا بالتفسير الأول لحركة الأميبيا فينبغي أن نعترف بأننا لا نعرف شيئاً عن عمليات التحول الغذائي التي تسببها هي الأخرى .

      هذان طرازان من الخلايا يختلفان عن بعضهما اختلافاً كثيراً ، أحدهما من نبات أخضر و الآخر فرد حيواني ، و كل منهما يتكون من خلية بسيطة . و تعرف الأمبيا بين علماء الحيوان بأنها أبسط الحيوانات تركيباً . و الواقع أن حركة الجبلة البورتوبلازم فيها تعتبر أبسط أنواع الحركة في المملكة الحيوانية . أما الإيلوديا فبرغم أنها نبات زهري بسيط ، فإن خلاياها غير متخصصة أو متنوعة كما هو الشأن في كثير من النباتات الأخرى ، فهي على التحقيق خلايا بسيطة . و مع ذلك فإن كل خلية من هذه الخلايا ، إنما هي جهاز معقد ، يقوم بطريقته الخاصة بجميع الوظائف المعقدة الضرورية للحياة ، و منها الحركة و منها الحركة التي شاهدنا أحد مظاهرها . و تؤدي كل خلية من الخلايا وظائفها الحيوية العديدة بدرجة من الدقة يتضاءل بجانبها أقصى ما وصل إليه الإنسان من دقة في صناعة الساعات الدقيقة . و بمناسبة الحديث عن الساعات فقد توصل الإنسان إلى صناعة ساعات بالغة الدقة و الروعة ، يستطيع بعضها أن يمتلىء بطرقة آلية عند ما يحرك الإنسان يده التي تحمل الساعة . و لا يمكن أن يتصور العقل البشري أن آلة دقيقة كالساعة قد وجدت بمحض المصادفة ، دون الاستعانة بالعقل المفكر و اليد الماهرة ، أو أن تلك الساعة الأوتومايكية التي تدور من تلقاء نفسها قد صنعت نفسها أو أخذت تتحرك دون أن يبدأ أحد في تحريكها فإنه يستحيل علينا أن نفسر كل ذلك ما لم نسّلم ، عن طرق العقل و المنطق ، أن وراء كل ذلك عقلاً و تدبيراً . هذا العقل و هذا التدبير و تلك القوة التي تعجز عنها المادة العاجزة عن التفكير و التدبير ليست إلا من مظاهر قوة الله و حكمته و تدبيره .

      حقيقة أن هنالك بعض القوى و المؤثرات الخارجية الموجودة في البيئة و التي تؤثر في حركة الجبلة داخل الخلايا ، فبعض الباحثين يشير إلى درجة الحرارة ، و ربما الضوء أو الضغط الأسموزي ، أو غير ذلك من المؤثرات التي تؤثر فعلاً في حركة البروتوبلازم دائبة لا تنقطع ، حتى عندما يزول أثر جميع هذه المؤثرات . و معنى ذلك أن جانباً على الأقل من أسباب هذه الظاهرة يرجع إلى الجبلة ذاتها . فمن المحال إذن أن نفسر ظواهر الحياة على أنها مجرد استجابات لبعض المؤثرات الخارجية و بهذه المناسبة نحن نعلم أنه عندما نشطر خلية حية إلى نصفين بطريقة التشريح الدقيق بحيث تكون النواة في أحد القسمين دون الآخر ، فإن القسم الخالي من النواة يموت بعد قليل . و قد أخفقت جميع الجهود التي بذلت للاحتفاظ بها حياً . و على ذلك فإن النواة هي التي تنظم العمليات الحيوية في الخلية و تسيطر عليها، فإذا زال هذا الإشراف توقفت الحياة . و هكذا نرى أن خالق هذا الكون و منظمه يعتبر ضرورياً لخلق الخلية و الإنسان ، بل لخلق العقول المفكرة التي تبحث عن الحقيقة وعن السبب الأول .

      و أنا لا أريد أن أقول هنا إنني أومن بالله بسبب عجزي في الوقت الحاضر عن إدراك سبب ظاهرة الحركة في البروتوبلازم أو غيرها من الظواهر ، و أنا أعلم أن كثيراً من الناس يستخدمون هذا الأسلوب من أساليب المنطق و يقولون إذا كانت العلوم عاجزة عن التفسير فلابد من التسليم بوجود الله ، ولكنني أرفض هذا المنطق رفضاً باتاً و أقول إنه حتى عندما نكتشف الحقائق و يزول عنا ذلك الغموض يوماً من الأيام و نصير قادرين على فهم الخلية الحية بصورة أفضل ، فإننا لا نفعل أكثر من أن نتبع و نتدبر ما صنعه و دبره خالق و مدبر أكبر ،و هو الذي جعل هذا البروتوبلازم يتحرك في بادىء الأمر وهو الذي يجعله يتحرك و يؤدي كل وظائفه .

      لقد وضعت نظريات عديدة ، لكي تفسر لنا كيف نشأت الحياة من عالم الجمادات ، فذهب بعض الباحثين إلى أن الحياة قد نشأت من البورتوجين أو من الفيروس أو من تجمع بعض الجزيئات البروتينية الكبيرة .وقد يخيل إلى بعض الناس أن هذه النظريات قد سدت الفجوة التي تفصل بين عالم الأحياء و عالم الجمادات . و لكن الواقع الذي ينبغي أن نسلم به هو أن جميع الجهود التي بذلت للحصول على المادة الحية من غير الحية ، قد باءت بخذلان وفشل ذريعين .

      و مع ذلك فإن من ينكر وجود الله لا يستطيع أن يقيم الدليل المباشر للعالم المتطلع على أن مجرد تجمع بعض الذرات و الجزيئات عن طرق المصادفة ، يمكن أن يؤدي إلى ظهور الحياة وصيانتها و توجيهها بالصورة التي شاهدناها في الخلايا الحية . و للشخص مطلق الحرية في أن يقبل هذا التفسير لنشأة الحياة ، فهذا شأنه وحده . ولكنه إذ يفعل ذلك فإنما يسلم بأمر أشد إعجاز وصعوبة على العقل من الاعتقاد بوجود الله الذي خلق هذه الأشياء ودبرها .

      إنني أعتقد أن كل خلية من الخلايا الحية قد بلغت من التعقيد درجة يصعب علينا فهمها ،إن ملايين من الخلايا الحية الموجودة على سطح الأرض تشهد بقدرته شاهدة تقوم على الفكر و المنطق ،و لذلك فإنني أومن بوجود الله إيماناً راسخاً

      (*)ـ إخصائي في علم الأحياء و النباـ حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة منيسوتا أستاذ في جامعة فرانكفورت بألمانياـ عضو الأكاديمية العلمية بانديانا ـ مؤلف لكثير من البحوث البيولوجية .


      المصدر :

      عن كتاب "الله يتجلى في عصر العلم .."جمعها : جون كلوفر مونسما ترجمة الدكتور الدمرداش عبد المجيد سرحان الناشر مؤسسة الحلبي و شركاه للنشر و التوزيع القاهرة
    • البرزخ المائي بين البحرين



      البرزخ المائي بين البحرين [1]


      قال تعالى:﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ(19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ(20) فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ22﴾ (الرحمن:19-22).وقال تعالى:﴿ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ﴾ (النمل:61).

      التحقيق العلمي :

      لقد توصل علماء البحار بعد تقدم العلوم في هذا العصر، إلى اكتشاف الحاجز بين البحرين، فوجدوا أن هناك برزخاً يفصل بين كل بحرين،ويتحرك بينهما ويسميه علماء البحار الجبهة تشبيهاً له بالجبهة التي تفصل بين جيشين.وبوجود هذا البرزخ يحافظ كل بحر على خصائصه التي قدرها الله له، ويكون مناسباً لما فيه من كائنات حية تعيش في تلك البيئة.ومع وجود هذا البرزخ فإن البحرين المتجاورين يختلطان اختلاطاً بطيئاً، يجعل القدر من المياه الذي يعبر من بحر إلى بحر آخر يكتسب خصائص البحر الذي ينتقل إليه عن طريق البرزخ الذي يقوم بعملية التقليب للمياة العابرة من بحرٍ إلى بحر؛ليبقى كل بحرٍ محافظاً على خصائصه .

      تدرج العلم البشري في اكتشاف هذا الحاجز المائي المخفي:

      • اكتشف علماء البحار أن هناك اختلافاً بين عينات مائية أخذت من البحار المختلفة في عام 1284هـ- 1873م و كان ذلك على يد البعثة العلمية البحرية الإنجليزية في رحلة تشالنجر، فعرف الإنسان أن المياه في البحار تختلف في تركيبها عن بعضها البعض من حيث درجة الملوحة، ودرجة الحرارة ، ومقادير الكثافة ، وأنواع الأحياء المائية، ولقد كان اكتشاف هذه المعلومة بعد رحلة علمية استمرت ثلاثة أعوام، جابت جميع بحار العالم. وقد جمعت الرحلة معلومات من 362 محطة مخصصة لدراسة خصائص المحيطات. وملئت تقارير الرحلة 29.500 صفحة في خمسين مجلداً استغرق إكمالها 23 عاماً. وإضافة إلى كون الرحلة أحد أعظم منجزات الاستكشاف العلمي فإنها أظهرت كذلك ضآلة ما كان يعرفه الإنسان عن البحر([2]).

      • بعد عام 1933م قامت رحلة علمية أخرى أمريكية في خليج المكسيك، ونشرت مئات المحطات البحرية، لدراسة خصائص البحار، فوجدت أن عدداً كبيراً من هذه المحطات تعطي معلومات موحدة عن خصائص الماء في تلك المنطقة ، من حيث الملوحة والكثافة والحرارة والأحياء المائية وقابلية ذوبان الأكسجين في الماء، بينما أعطت بقية المحطات معلومات موحدة أخرى عن مناطق أخرى، مما جعل علماء البحار يستنبطون وجود بحرين متمايزين في الصفات لا مجرد عينات محدودة كما علم من رحلة تشالنجر.

      • وأقام الإنسان مئات المحطات البحرية لدراسة خصائص البحار المختلفة، فقرر العلماء أن الاختلاف في هذه الخصائص يميز مياه البحار المختلفة بعضها عن بعض ، لكن لماذا لا تمتزج البحار وتتجانس رغم تأثير قوتي المد والجزر التي تحرك مياه البحار مرتين كل يوم وتجعل البحار في حالة ذهاب وإياب ؟؟، واختلاط واضطراب، إلى جانب العوامل الأخرى التي تجعل مياه البحر متحركة مضطربة على الدوام مثل الموجات السطحية والداخلية والتيارات المائية والبحرية ؟ولأول مرة يظهر الجواب على صفحات الكتب العلمية في عام1361هـ-1942م. فقد أسفرت الدراسات الواسعة لخصائص البحار عن اكتشاف حواجز مائية تفصل بين البحار الملتقية ، وتحافظ على الخصائص المميزة لكل بحر من حيث الكثافة والملوحة ، والأحياء المائية ، والحرارة، وقابلية ذوبان الأوكسجين في الماء. وبعد عام 1962م عرف دور الحواجز البحرية في تهذيب خصائص الكتل العابرة من بحر إلى بحر لمنع طغيان أحد البحرين على الآخر فيحدث الاختلاط بين البحار الملحة ، مع محافظة كل بحر على خصائصه وحدوده المحدودة بوجود تلك الحواجز. ويبين الشكل التالي حدود مياه البحر الأبيض المتوسط الساخنة والملحة، عند دخولها في المحيط الأطلسي ذي المياه الباردة والأقل ملوحة منها.

      • وأخيراً تمكن الإنسان من تصوير هذه الحواجز المتحركة المتعرجة بين البحار الملحة عن طريق تقنية خاصة بالتصوير الحراري بواسطة الأقمار الصناعية ، والتي تبين أن مياه البحار وإن بدت جسماً واحداً ، إلا أن هناك فروقاً كبيرة بين الكتل المائية للبحار المختلفة ، تظهر بألوان مختلفة تبعاً لاختلافها في درجة الحرارة .

      • وللباحث محمد إبراهيم السمرة الأستاذ بكلية العلوم[3] – قسم علوم البحار، في جامعة قطر دراسة ميدانية في خليج عمان الخليج العربي ذكر فيها نتائج دراسات كيميائية قامت بها سفينة البحوث (مختبر البحار) التابعة لجامعة قطر، في الخليج العربي وخليج عمان في الفترة (1404-1406هـ –1984-1986م) وتضمن البحث مقارنة واقعية بين الخليجين بالأرقام والحسابات والرسومات والتحليل الكيميائي، وبين اختلاف خواص كل منهما عن الآخر من الناحية الكيميائية والنباتات السائدة في كل منهما. ووضح البحث وجود منطقة بين الخليجين تسمى في علوم البحار (منطقة المياه المختلطة) Mixed-Water Area (منطقة البرزخ).

      وبينت النتائج أن عمود الماء في هذه المنطقة يتكون من طبقتين من المياه، إحداهما سطحية أصلها من خليج عمان، والأخرى سفلية أصلها من الخليج العربي. أما في المناطق البعيدة والتي لا يصل إليه تأثير عملية الاختلاط (Mixing) بين الخليجين فإن عمود الماء يتكون من طبقة واحدة متجانسة وليس من طبقتين.وأكدت النتائج أنه برغم هذا الاختلاط (في المناطق التي بها مياه مختلطة)، وتواجد نوعين من المياه فوق بعضهما البعض فإن حاجزاً ثابتاً له استقرار الجاذبية وقوتها (Gravitational Stability) يقع بين طبقتي المياه، ويمنع مزجهما أو تجانسهما حيث يتكون بذلك مخلوط غير متجانس (Heterogeneous Mixture)، وأوضحت النتائج أن هذا الحاجز إما أن يكون في الأعماق (من 10إلى50متر) إذا كان اختلاط مياه الخليجين رأسياً أي أن أحدهما فوق الآخر، وإما أن يكون هذا الحاجز على السطح إذا تجاوزت المياه السطحية لكل من الخليجين. وقد تطلب الوصول إلى حقيقة وجود الحواجز بين الكتل البحرية ، وعملها في حفظ خصائص كل بحر قرابة مائة عام من البحث والدراسة ، اشترك فيها المئات من الباحثين، واستخدم فيها الكثير من الأجهزة ووسائل البحث العلمي الدقيقة .

      بينما جلى القرآن الكريم هذه الحقيقة قبل أربعة عشر قرناً ، قال تعالى:﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ(19)بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَان(ِ20)فَبِأَيِّ ءَالَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(21)يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ22﴾ (الرحمن:19-22).وقال تعالى:﴿ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ﴾ (النمل:61).

      المعاني اللغوية وأقوال المفسرين :

      مرج : تأتي بمعنى الخط و الإضطراب( [4])

      البحرين : أي المالحين ([5])

      البرزخ : الحاجز : ([6]).

      البغي : مجاوزة الحد ([7]) اللؤلؤ والمرجان من الحلي التي تستخرج من البحار المالحة.([8] )

      والآيات ترينا دقائق الأسرار التي كشف عنها اليوم علم البحار ، فهي تصف اللقاء بين البحار الملحة ودليل ذلك ما يلي:

      أولاً : لقد أطلقت الآية لفظ البحرين بدون قيد ، فدل ذلك على أن البحرين ملحان .

      ثانياً : بينت الآيات في سورة الرحمن أن البحرين يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، وقد تبين أن المرجان لا يكون إلا في البحار الملحة، فدل ذلك على أن الآية تتحدث عن بحرين ملحين، قال تعالى :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَان﴾ أي يخرج من كل منهما. فمن الذي كان يعلم أن البحار الملحة تتمايز فيما بينها رغم اتحادها في الأوصاف الظاهرة التي تدركها الأبصار والحواس، فكلها ملحة ، زرقاء ، ذات أمواج ، وفيها الأسماك وغيرها وكيف تتمايز وهي تلتقي مع بعضها؟

      والمعروف أن المياه إذا اختلطت في إناء واحد تجانست، فكيف وعوامل المزج في البحار كثيرة من مد وجزر وأمواج وتيارات وأعاصير ؟

      والآية تذكر اللقاء بين بحرين ملحين يختلف كل منهما عن الآخر، إذ لو كان البحران لا يختلف أحدهما عن الآخر لكانا بحراً واحداً ، ولكن التفريق بينهما في اللفظ القرآني دال على اختلافٍ بينهما مع كونهما ملحين .

      و ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَان﴾ِ أي أن البحرين مختلطان، وهما في حالة ذهاب وإياب واختلاط واضطراب في منطقة الالتقاء، كما تدل اللغة على ذلك بلفظ مرج، وهذا ما كشفه العلم من وصف لحال البرزخ الذي يكون متعرجاً ومتنقلاً في الفصول المختلفة بسبب المد والجزر والرياح . ومن يسمع هذه الآية فقط ، يتصور أن امتزاجاً واختلاطاً كبيراً يحدث بين هذه البحار يفقدها خصائصها المميزة لها، ولكن العليم الخبير يقرر في الآية بعدها ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ﴾ أي ومع حالة الاختلاط والاضطراب هذه التي توجد في البحار، فإن حاجزاً يحجز بينهما يمنع كلاً منهما أن يطغى ويتجاوز حده .

      وهذا ما شاهده الإنسان بعدما تقدم في علومه وأجهزته ، فقد وجد ماءً ثالثاً حاجزاً بين البحرين يختلف في خصائصه عن خصائص كل منهما . ومع وجود البرزخ فإن ماء البحرين المتجاورين يختلطان ببطء شديد، ولكن دون أن يبغي أحد البحرين على الآخر بخصائصه؛ لأن البرزخ منطقة تقلب فيها المياه العابرة من بحر إلى آخر لتكتسب المياه المنتقلة بالتدريج صفات البحر الذي ستدخل إليه، وتفقد صفات البحر الذي جاءت منه وبهذا لا يبغي بحر على بحر آخر بخصائصه، مع أنهما يختلطان أثناء اللقاء، وصدق الله القائل ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ19بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ20﴾ (الرحمن:19-20).

      وقد أشكل على بعض المفسرين الجمع بين اختلاط مياه البحار مع وجود البرزخ، إذ أن وجود البرزخ الحاجز يقتضي منع الاختلاط، وذكر الاختلاط مرج يقتضي عدم وجود البرزخ ، وقد زال الإشكال اليوم باكتشاف أسرار البحر على حقائقها .

      أوجه الإعجاز في الآيات السابقة :

      مما سبق يتبين :

      1- أن القرآن الكريم الذي أنزل قبل أكثر من 1400سنة قد تضمن معلومات دقيقة عن ظواهر بحرية لم تكتشف إلا حديثاً بواسطة الأجهزة المتطورة، ومن هذه المعلومات وجود حواجز مائية بين البحار، قال تعالى:(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ) (الرحمن:19-20).

      2- يشهد التطور التاريخي في سير علوم البحار بعدم وجود معلومات دقيقة عن البحار وبخاصة قبل رحلة تشالنجر عام 1873م فضلاً عن وقت نزول القرآن قبل ألف وأربعمائة سنة الذي نزل على نبيٍ أمي عاش في بيئة صحراوية ولم يركب البحر.

      3- كما أن علوم البحار لم تتقدم إلا في القرنين الأخيرين وخاصة في النصف الأخير من القرن العشرين. وقبل ذلك كان البحر مجهولاً مخيفاً تكثر عنه الأساطير والخرافات ، وكل ما يهتم به راكبوه هو السلامة والاهتداء إلى الطريق الصحيح أثناء رحلاتهم الطويلة ، وما عرف الإنسان أن البحار الملحة بحار مختلفة إلا في الثلاثينات من هذا القرن، بعد أن أقام الدارسون آلاف المحطات البحرية لتحليل عينات من مياه البحار ، وقاسوا في كل منها الفروق في درجات الحرارة ، ونسبة الملوحة ، ومقدار الكثافة، ومقدار ذوبان الأوكسجين في مياه البحار في كل المحطات فأدركوا بعدئذٍ أن البحار الملحة متنوعة.

      4- وما عرف الإنسان البرزخ الذي يفصل بين البحار الملحة، إلا بعد أن أقام محطات الدراسة البحرية المشار إليها ، وبعد أن قضى وقتاً طويلاً في تتبع وجود هذه البرازخ المتعرجة المتحركة، التي تتغير في موقعها الجغرافي بتغير فصول العام.

      5- وما عرف الإنسان أن مائي البحرين منفصلان عن بعضهما بالحاجز المائي، ومختلطان في نفس الوقت إلا بعد أن عكف يدرس بأجهزته وسفنه حركة المياه في مناطق الالتقاء بين البحار، وقام بتحليل تلك الكتل المائية في تلك المناطق.

      6- وما قرر الإنسان هذه القاعدة على كل البحار التي تلتقي إلا بعد استقصاء ومسح علمي واسع لهذه الظاهرة التي تحدث بين كل بحرين في كل بحار الأرض .

      • فهل كان يملك رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المحطات البحرية ، وأجهزة تحليل كتل المياه ، والقدرة على تتبع حركة الكتل المائية المتنوعة ؟ .

      • وهل قام بعملية مسح شاملة ، وهو الذي لم يركب البحر قط ، وعاش في زمن كانت الأساطير هي الغالبة على تفكير الإنسان وخاصة في ميدان البحار ؟

      • وهل تيسر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في زمنه من أبحاث وآلات ودراسات ما تيسر لعلماء البحار في عصرنا الذين اكتشفوا تلك الأسرار بالبحث والدراسة ؟

      • إن هذا العلم الذي نزل به القرآن يتضمن وصفاً لأدق الأسرار في زمنٍ يستحيل على البشر فيه معرفتها ليدلُ على مصدره الإلهي،كما قال تعالى﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾(الفرقان:6).

      • كما يدل على أن الذي أنزل عليه الكتاب رسول يوحى إليه وصدق الله القائل ﴿سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ (فصلت:53).




      --------------------------------------------------------------------------------

      موقع الإيمان بإشراف الشيخ عبد المجيد الزنداني .([1] ) -

      Introduction to Oceangraphy David A. Ross, 2nd ed. , 1977, USA, pp. 37-39 ([2] ) -

      [3]) _) بحث مرج البحرين يلتقيان: لمحمد إبراهيم السمرة. معجم لسان العرب .[4]

      معجم المقاييس في اللغة : لابن فارس مادة مرج. ([5] ) - [6] –أخرجه أحمد في المسند 2/237 ورواه الترمذي في كتاب الطهارة. الصحاح والجوهري . [7
    • حصار العراق والشام

      حصار العراق والشام



      روى مسلم في صحيحه بسنده

      ( عن أبي نضرة رضي الله عنه قال : كنا عند جابر بن عبد الله رضي عنه فقال : يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم قفيز و لا درهم .

      قلنا : من أين ذلك ؟ .

      قال : العجم يمنعون ذلك .

      ثم قال : يوشك أهل الشام ألا يجبى إليهم دينار و لا مدي .

      قلنا : من أين ذاك ؟

      قال : من قبل الروم ؟

      ثم سكت هُنيهة ، ثم قال : قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه و سلم : يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً لا يعده عداً .

      قلت لأبي نضرة : أترى أنه عمر بن العزيز؟

      قال : لا .

      هذا الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه يتضمن ثلاثة أخبار من أنباء الغيب و المستقبل :

      الأول : عن حصار العراق .

      الثاني : عن حصار الشام .

      الثالث : عن خليفة في آخر الزمان يحثي المال حثياً و لا يعده عداً .

      الخبر الأول و الخبر الثاني موقوفان على جابر بن عبد الله رضي الله عنهما حيث لم يرفعهما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم .

      الخبر الثالث رفعه جابر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم .

      حيث أن العلماء متفقون على أن الصحابي إذا روى خبراً من أخبار الغيب موقوفاً ، أي لم يرفعه أو ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يكون في حكم المرفوع، إذ لا يحتمل أن لا يحدث الصحابي بخبر من أخبار الغيب، إلا إذا كان قد سمعه من الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم.

      و الملاحظة في هذا الحديث أن جابر رضي الله عنه ، قد ذكر الأخبار الثلاثة الأولى ثم الثاني ، ثم سكت هنيهة ، ثم ذكر الخبر الثالث مرفوعاً و هو يتحدث عن الذي يحثي المال حثياً .

      و من ثم يمكننا أن نستنبط الحقائق التالية بناء على ما تقدم .

      1. يسبق ظهور الخليفة الكريم و تأسيسه للخلافة الإسلامية الأخيرة حدثان : حصار العراق و حصار الشام . و دليل هذا أن هذين الحدثين مذكوران في المتن قبل ظهوره.

      2. سكوت جابر رضي الله عنه هنيهة بعد ذكر حصار الشام و قبل ذكر خبر الخليفة يوحي بأن الأخير يحدث بعد الثاني مباشرة . كما يدل على أن ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الأخبار الثلاثة قد فهم منه أنها جميعاً ثلاثة أحداث متتالية في الحدوث ستحدث في آخر الأمة .

      3. يؤكد هذا فهم التابعي أبي نضرة الذي نفى أن يكون هذا الخليفة هو عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، بالرغم مما عرف عن عهده من كثرة المال ، و لكن عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله لم يسبقه حصار العراق و لا حصار للشام .

      4. حصار العراق الوارد في المتن تضمن منع الطعام و المال عن العراق ، و كنى عن الطعام بالقفيز الذي هو مكيال أهل العراق للحبوب . كذلك ذكر منع جباية المال إلى العراق مع الطعام ، و هذا أمر غريب ، إذ البلد المحاصر قديماً كان يدفع المال في مقابل الطعام ، ولم يكن يتصور منع المال عنه ، لكن دلَّ منع المال عن أهل العراق مع منع الطعام عنهم في نفس الوقت أن مصدر الأموال عندهم من التصدير ، و أن الحصار يمنع عنهم الاستيراد كما يمنع عنهم التصدير .

      و دل هذا على أن ما يصدرونه للحصول على الأموال لا يمكن أن يكون إشارة واضحة إلى اعتماد العراق ككل دول البترول على تصديره كمصدر رئيسي و ربما وحيد لميزانية هذه الدول .

      5. عبر جابر رضي الله عنه عن الحصار أو ما يسمى في الإعلام المعاصر بالحصار بعبارة أخرى و بلفظ آخر و هو قوله ( يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم ) و هو تعبير دقيق ينطبق على ما يسمى بالحصار العالمي للعراق الذي يعايشه أهل العراق منذ دخول جيشهم إلى الكويت حتى الآن ، و هو أدق وأصوب لغة ومعنى من تعبير الحصار . لأن الحصار يقتضي حصر البلد المحاصر داخل حدود لا يستطيعون الخروج منها كما يمنع غيرهم من دخولها . هكذا كان حصار المدن قديماً ، إذ كان يحيط جيش العدو بأسوارها و أبوابها ، أو حتى بحدودها ، إذا لم يكن لها أسوار ، و يمنعون دخول البضائع إليها بهذه الكيفية القديمة . أما الآن فالأمر مختلف تماماً وإن استخدامنا لفظ الحصار القديم . إذ ليس للعراق الممتدة شرقاً و غرباً و شمالاً و جنوباً ، أسوار وليس لها بوابات و ليس حول حدودها الشاسعة جيوش متراصة كما في القديم . و مع هذا فقد منع عنهم الكيل و الدواء والسلاح والدراهم حيث توقف تصدير البترول . وجاء المنع بقرارٍ من مجلس الأمن بالمقاطعة الاقتصادية و التجارية و العسكرية و بامتثال الدول الخاضعة لهذا المجلس لهذه القرارات .

      ونظراً لأن الأيادي الخفية التي تحكم من وراء حجاب من خلال مجلس الأمن وبقوة أعضائه ونظراً لأنها لا تملك أن تخضع كل البشر والدول فإن الحصار أو بالتعبير الصحيح الدقيق المنع ليس كاملاً و تاماً ، حيث هناك التهريب من الحدود فالحصار أو المنع ليس تماماً ولا كاملاً ، لذا جاء التعبير عنه بقوله جابر رضي الله عنه ( ... . يوشك ...) بمعنى يكاد ، و نظراً لأنه منع بقرار و بامتناع أكثر الدول و الشركات العالمية عن البيع و الشراء مع العراق جاء التعبير بقوله ( ألا يجبى إليهم ) .

      صحيح أن أكثر العرب يقاطعون العراقيين و يمنعون عنهم الطعام ، و لكن لا يخطر على بال أحد ـ في الزمان السابق المعاصر للصحابة ـ أنه سيأتي يوم على شعوب الأرض جميعاً يخضعون لقرار واحد ، و يستجيبون لهيئة واحدة ، و لذا كان أقرب تعبير عن هذه المقاطعة العالمية للعراق يفهمه أهل ذاك الزمان هو أن العجم أي كل شعوب الأرض من غير العرب هم الذين يمنعون الطعام عن أهل العراق .

      و إذا تأملنا النص ، وجدناه مطابقا مع الواقع الفعلي المعاصر ، إذ أن التابعين المتلقين عن جابر سألوه : من أين ذاك ؟.

      و هو سؤال عن مصدر المنع و أصل الحصار و ليس عن الذين يمنعون بالتحديد فجاءت الإجابة بأن المصدر هو العالم كله ، أو هو هيئة تمثل دول العالم ، إذ قال جابر رضي الله عنه : العجم يمنعون ذاك ؟.

      وعلى هذا يمكن القول أن المنع الحادث عن العراق أعجمي ، لأن كل شعوب الأرض ماعدا العرب " رسمياً" بمقتضى موقف اليمن في مجلس الأمن ـ قد فرضوا هذا الحصار عن رضى و طواعية ، لأن مجلس الأمن يومئذ ، الدائمين فيه و غير الدائمين ماعدا اليمن ، هو مصدر الحصار أو بالتعبير الدقيق مصدر المنع و على هذا فليس أدق من إجابة جابر رضي الله تعالى عنه عن مصدر الحصار أو المنع من قوله :" العجم يمنعون ذاك " .

      فهو منع و ليس حصار من ناحية ، و مصدره ، و أساسه كل شعوب و أمم ودول الأرض ماعدا العرب ، فهم إذن العجم .

      6. لم يحدث منذ بدء تاريخ الإسلام ومنذ أن أسلم شعب العراق و أصبح جزءاً من الأمة الإسلامية لم يحدث حصار للشعب العراقي مفروض من كل شعوب ودول العالم من قبل.

      7. إذا كان هذا الخبر الأول من حديث جابر رضي الله عنه قد حدث و لازال قائماً ، فإنه يقيناً ، خاصة و أن الحديث صحيح ، سيحدث الخبر الثاني وهو حصار الشام.

      كذلك سيتلوه في الحديث الثالث و هو الخلافة الصالحة.

      ثم قال : (يوشك أهل الشام ألا يُجبى إليهم دينار و لا مُدي ) .

      تعبير المنع نفسه، و المدي هو مكيال أهل الشام للطعام ، فهو إذن منع الطعام عن أهل الشام ، وكذلك منع المال عنهم . أي لا استيراد و لا تصدير .

      فلما سألوا جابراً رضي الله عنه عن مصدر هذا المنع ( قلنا : من أين ذاك ؟ قال : من قبل الروم ) .

      و الروم في التراث الإسلامي هم أهل أوربا . و في هذه الإجابة الدقيقة من جابر رضي الله عنه دليل واضح على حدوث الزلزلة العظيمة بعد حصار العراق و قبل حصار الشام ، كيف ؟

      لأن الروم الآن أو أوروبا متمثلة في مجلس الأمن بشعبين أو دولتين من أكبر دول أوروبا هم إنجلترا و فرنسا ، و أمريكا التي هي أقوى دول العالم المعاصر ، وتقود مجلس الأمن و تحكم العالم من خلاله أيضاً هي من أوروبا في الأصل ، لأن شعب أمريكا أوروبي الأصل فهم الذين تحدثت عنهم السنة باسم بني الأصفر و باسم الروم .

      لكن جاء مصدر الحصار العالمي للعراق من كل العالم ، بينما سيأتي المنع على الشام من الروم ، وليس لهذا إلا تفسير واحد لا غير ، و هو أن النظام العالمي الجديد سينهزم و يصبح أثراً بعد عين .

      و هذا معناه أنه لن يكون في الأرض مجلس أمن أو هيئة أمم متحدة تفرض ما تقرره على الشعوب و الدول بقوة السلاح .

      ستنتهي هذه السلطة العالمية ، و تنمحي حتى أنه عندما سيحدث في الشام أو من أهل الشام ما يهدد مصالح و سيادة الروم في أوروبا فسيأتي المنع من أوروبا أو من الروم ، قد يستجيب للروم حينئذ غيرهم من بعض الدول و الشعوب حرصاً على مصالحهم معهم ، لكن مصدر السلطة التي ستجعل حصاراً على أهل الشام هي أوروبا.

      و هذا لا يكون إلا بعد هدم النظام العالمي الجديد و انتهاء مؤسساته التي ظل اليهود سنين عديدة في إعدادها ، بجهود خبيثة خفية باطنية جبارة ، و من ثم سيتغير الصراع الإسلامي الجاهلي يتغير أطراف الصراح ، فيصبح بين العالم الإسلامي العربي و بين أوروبا بعد أن كان بين العالم كله من جهة و بين المسلمين المستضعفين م جهة أخرى .

      و مقدمة هذا الصراع ما يحدث بين أوروبا و الشام ، و هكذا تبدو في الأفق بداية تكون ملامح صورة العالم الجديد المؤدية إلى صراع قوتين عظيمتين في الأرض هما أوربا الموحدة المشركة بالله تعالى و الخلافة الإسلامية بقيادة المهدي لينتهي الصراع بين التوحيد و الشرك بدخول المسلمين روما بعد الملحمة العظمى و كل أوروبا و أمريكا . لقد صاحب الحصار العالمي للعراق معركة عالمية عظيمة أطلق عليها البعض بحق : " الحرب العالمية الثالثة " فهي إذن ملحمة ، بل هي أولى الملاحم إذ ستتلوها ملاحم بين المسلمين و الروم تنتهي بآخرها ، أي الملحمة العظمى التي يفتح الله تعالى بها على المسلمين أوروبا .

      و خلاصة القول أن تغير مصدر المنع من العجم بالنسبة للعراق إلى الروم بالنسبة للشام يعني أن المصدر الأول و هو مجلس الأمن بقيادة أمريكا و المتضمن لأوروبا أو الروم (إنجلترا و فرنسا ) لن يكون موجوداً عند حصار الشام ، إذ سيكون من الروم أو أوروبا فقط و هذا معناه انعدام مجلس الأمن و أمريكا كقوة سياسية كقوة سياسية عسكرية تحكم الأرض عند حصار الشام ، و هنا إشارة خفية في الحديث السابق إلى أن حصار العراق سيكون أشد من حصار الشام و ذلك أنه صلى الله عليه و سلم ذكر في الشق الذي يتعلق بالعراق أنه يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم قفيز و لا درهم ، أما أهل الشام فقال : يوشك أهل الشام ألا يجبى إليهم دينار و لا مدي و من المعلوم أن الدرهم أقل بكثير من الدينار أي أن أهل الشام سوف يمنع عنهم الدينار أما أهل العراق فسوف يمنع عنهم الدرهم و الدرهم كما هو معروف أقل بكثير من الدينار .


      قام بكتابة المقالة وتخريج أحاديثها فراس نور الحق

      المرجع :زلزال الأرض العظيم تأليف بشير محمد عبد الله .
    • الصوم ضرورة حيوية


      الصوم ضرورة حيوية



      لم يعد هناك أي شك لدى الباحثين المنصفين من أن الصوم هو ضرورة من ضرورات الحياة. وقد أثبتت الحقائق التاريخية والدينية والعلمية هذه المقولة. لقد عرف الإنسان الصوم ومارسه منذ فجر البشرية. وأقدم الوثائق التاريخية ما نقش في معابد الفراعنة وما كتب في أوراق البردي من أن المصريين القدماء مارسوا الصوم وخاصة أيام الفتن حسب ما تمليه شعائرهم الدينية. وللهنود والبراهمة والبوذيين تقاليدهم الخاصة في الصوم حددتها كتبهم المقدسة ?

      و لعل أبوقراط _ القرن الخامس قبل الميلاد _ أول من قام بتدوين طرق الصيام وأهميته العلاجية. وفي عهد البطالسة كان أطباء الإسكندرية ينصحون مرضاهم بالصوم تعجيلاً للشفاء. كما أن كافة الأديان السماوية قد فرضت الصيام على أتباعها ? كما يتبين لنا من النص القرآني فيقوله تعالى:

      { يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } [ سورة البقرة: الآية 183 ].

      و الحقيقة أن الإنسان لا يصوم بمفرده، فقد تبين لعلماء الطبيعة أن جميع المخلوقات الحية تمر بفترة صوم اختياري مهما توفر الغذاء من حولها، فالحيوانات تصوم وتحجز نفسها أياماً وربما شهوراً متوالية في جحورها تمتنع فيها عن الحركة والطعام، والطيور والأسماك والحشرات كلها تصوم.

      إذ معروف تماماً أن كل حشرة تمر أثناء تطورها بمرحلة الشرنقة التي تصوم فيها تماماً معتزلة ضمن شرنقتها. وقد لاحظ العلماء أن هذه المخلوقات تخرج من فترة صيامها هذه وهي أكثر نشاطاً وحيوية. كما أن معظمها يزداد نمواً وصحة بعد فترة الصوم هذه ?

      و يعتبر العلماء الصوم ظاهرة حيوية فطرية لا تستمر الحياة السوية والصحة الكاملة بدونها. وإن أي مخلوق لابد وأن يصاب بالأمراض التي يعاف فيها الطعام إذا لم يصم من تلقاء نفسه، وهنا تتجلى المعجزة الإلهية بتشريع هذه العبادة. فالصيام يساعد العضوية على التكيف مع أقل ما يمكن من الغذاء مع مزاولة حياة طبيعية، كما أن العلوم الطبية العصرية أثبتت أن الصوم وقاية وشفاء لكثير من أخطر أمراض العصر ?

      فمع قلة كمية الطعام الوارد إلى الأمعاء، يل ضغط البطن على الصدر، فينتظم التنفس ويعمل بصورة أكثر راحةً وانسجاماً، إذ تتمدد الرئتان دون عوائق، ويقل العبء الملقى على القلب فتقل ضرباته لعدم الحاجة إلى بذل ذلك الجهد الكبير لدفع الدم إلى الجهاز الهضمي للعمل على هضم تلك الكميات الهائلة من الطعام.

      و قبل كل شيء فإن الجهاز الهضمي يحصل على الراحة اللازمة لتجديد أنسجته التالفة، وحيويته التامة، كما أن قلة نواتج التمثيل الغذائي وفضلاته تسمح بفترة راحة لجهاز الإفراغ _ الكلي _ تجدد بها نشاطها وتجبر ضعفها، وبذا يكون الصوم فرصة ذهبية للعضوية لاستعادة توازنها الحيوي وتجديد نفسها بنفسها. وقد أكد البروفيسور نيكولايف بيلوي من موسكو في كتابه " الجوع من أجل الصحة 1976 " أن على كل إنسان _ وخاصة سكان المدن الكبرى أن يمارس الصوم بالامتناع عن الطعام لمدة 3 – 4 أسابيع كل سنة كي يتمتع بالصحة الكاملة طيلة حياته ?

      أما ماك فادون ? من علماء الصحة الأمريكيين فيقول: إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم وإن لم يكن مريضاً لأن سموم الأغذية تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض فتثقله ويقل نشاطه فإذا صام خف وزنه وتحللت هذه السموم من جسمه وتذهب عنه حتى يصفو صفاءً تاماً ويستطيع أن يسترد وزنه ويجدد خلاياه في مدة لا تزيد عن 20 يوماً بعد الإفطار. لكنه يحس بنشاط وقوة لا عهد له بهما من قبل. وقد كان ماك فادون يعالج مرضاه بالصوم وخاصة المصابين بأمراض المعدة وكان يقول: فالصوم لها مثل العصا السحرية، يسارع في شفائها، وتليها أمراض الدم والعروق فالروماتيزم.....

      أما الكسيس كاريل الحائز على جائزة نوبل في الطب فيقول في كتابه " الإنسان ذلك المجهول ": إن كثرة وجبات الطعام ووفرتها تعطل وظيفة أدت دوراً عظيماً في بقاء الأجناس الحيوانية وهي وظيفة التكيف على قلة الطعام، ولذلك كان الناس يصومون على مر العصور، وإن الأديان كافة لا تفتأ تدعو الناس إلى وجوب الصيام والحرمان من الطعام لفترات محدودة، إذ يحدث في أول الأمر شعور بالجوع ويحدث أحياناً تهيج عصبي ثم يعقب ذلك شعور بالضعف، بيد انه يحدث إلى جانب ذلك ظواهر خفية أهم بكثير، فإن سكر الكبد يتحرك ويتحرك معه أيضاً الدهن المخزون تحت الجلد. وتضحي جميع الأعضاء بمادتها الخاصة من أجل الإبقاء على كمال الوسط الداخلي وسلامة القلب. وإن الصوم لينظف ويبدل أنسجتنا، والصوم الذي يقول به كاريل يطابق تماماً الصوم الإسلامي من حيث الإمساك فهو يغير من نظام الوجبات الغذائية ويقلل كميتها.

      و قد سئل أحد المعمرين وهو ميشيل أنجلو عن سر صحته الجيدة وتمتعه بنشاط غير عادي بعد أن تجاوز الستين من عمره فقال: إن السبب في احتفاظي بالصحة والقوة والنشاط إلى اليوم هو أني كنت أمارس الصوم من حين لآخر ?

      و يرى الدكتور محمد سعيد السيوطي ? أن الصيام الحق يمنع تراكم المواد السمّية الضارة كحمض البول والبولة وفوسفات الأمونياك والمنغنيزا في الدم وما تؤهب إليم من تراكمات مؤذية في المفاصل، , الكلى _ الحصى البولية _ ويقي من داء الملوك _ النقرس _ وينقل أبحاث الغرب أن الصيام ليوم واحد يطهر الجسم من فضلات عشرة أيام، وهكذا فإن شهر الصيام يطهر الجسم من فضلات وسموم عشرة أشهر على الأقل.

      و من هنا نرى الحكمة من أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيام ستة أيام من شوال، وحتى تكتمل عملية التنظيف، وأردفه بأيام معدودات من كل شهر لكمال الحيطة. يقول صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصوم الدهر " [ رواه الإمام مسلم عن أبي أيوب الأنصاري ].

      و يكتب الدكتور إبراهيم الراوي عن أثر الصيام على القدرات الفكرية عند الإنسان ?: يؤثر الصيام في تنشيط الخلايا الدماغية التي تضاعف حيويتها لتوقف نشاط الجهاز الهضمي فيندفع الدم بغزارة إلى أنسجة المخ لتغذية تلافيفه، وتزويد الحجر الدماغية بالغذاء الأمثل لعملها.

      نعم، إن المخ البشري يحتوي على 15 ألف مليون خلية ألهمتها القدرة الإلهية قابليات خارقة على التفكير والتعمق في المسائل المعقدة وحلها. وتزداد هذه القابليات مع زيادة ورود الدم إليها. وهكذا نرى أصحاب العقول المفكرة يصومون كل فترة لتجديد نشاط أدمغتهم.

      و يتفق الباحثون على أهمية الصوم الحيوية من ناحية أن تخزين المواد الضرورية في البدن من فيتامينات وحوامض أمينية يجب ألا يستمر زمناً طويلاً، فهي مواد تفقد حيويتها مع طول مدة التخزين. لذا يجب إخراجها من " المخزن " ومن ثمَ استخدامها قبل أن تفسد. وهكذا فإن الجسم بحاجة من فترة لأخرى إلى فرصة لإخراج مخزونه من المواد الحيوية قبل تفككها وتلفها. وهذه الفرصة لا تتاح إلا في الصوم، وبالصوم وحده يتمكن الجسم من تحريك مخزونه الحيوي واستهلاكه قبل فوات أوانه، ومن ثم يقوم بتجديده بعد الإفطار ?

      و قد بين ألن سوري Alain Saury ? قيمة الصوم في تجديد حيوية الجسم ونشاطه ولو كان في حالة المرض، وأورد حالات عدد من المسنين، تجاوزت أعمارهم السبعين، استطاعوا بفضل الصوم استرجاع نشاطهم وحيويتهم الجسمانية والنفسانية حتى أن عدداً منهم استطاع العودة غلى مزاولة عمله الصناعي أو الزراعي كما كان يفعل في السابق نسبياً.

      لمحة غريزية عن الصيام:

      الصيام هو حرمان البدن من المواد الغذائية ليوم أو أكثر. وقد دلت التجارب على أن حرمان الماء أشد تأثيراً من حرمان الغذاء ?فالإنسان يعيش حوالي 40 يوماً إذا أعطي الماء فقط. ويحصل الجسم على الطاقة أثناء الصيام من مدخراته السكرية أولاً والتي تكون على شكل غليكوجين مدخرة في الكبد والعضلات. وهذه تصرف خلال الأولى من الصيام. وبعد ذلك يلجأ البدن إلى مدخراته الشحمية، إلا أنه لا يستهلك الداخل منها في تركيب الخلايا الأساسية مطلقاً مهما طال أمد الصيام ?، ثم يعمد الجسم بعد ذلك إلى تجميع المواد الناجمة عن هذه العملية ويعيد استعمالها لاستخراج الطاقة ولصيانة الأعضاء والأنسجة الحيوية أثناء الصوم.

      و في الصيام المديد، وبعد أن يستهلك البدن مدخراته من الغليوكوجين والشحوم، عند ذلك يلجأ إلى أكسدة المواد البروتينية ويحولها إلى سكر لتأمين ما يلزمه من الطاقة، وهذا يعني تخريبه للنسج البروتينية المكونة للحم العضلات وما يلحق من جراء ذلك من أذى بيّن يلحق الأعضاء المعنية [ ويدعو العلماء عملية إذابة المدخرات الدهنية ومن ثم بوتينات الجسم بعملية الانحلال الذاتي Autolyze ويستخدم فيها البدن العديد من الخمائر ]. وإن الحرمان الشديد يؤدي إلى ظهور اضطربات غذائية عصبية في الدماغ المتوسط مما يؤثر على الغدد الصم وعلى السلوك والانفعال النفسي ?

      و من هنا نرى أهمية كون الصيام الإسلامي مؤقتاً من الفجر إلى الغروب دون تحريم لنوع ما من الأغذية مع طلب الاعتدال وعدم الإسراف في الطعام في فترة الإفطار. وقد سجل درينيك Dreanik ومساعدوه _ 1964 _ عدداً من المضاعفات الخطيرة من جراء استمرار الصيام لأكثر من 31 – 40 يوماً ? وتتضح هنا المعجزة النبوية بالنهي عن الوصال في الصوم.

      عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والوصال " قالها ثلاث مرات. قالوا فإنك تواصل يا رسول الله ؟ قال: " إنكم لستم في ذلك مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني " [ رواه الشيخان ].

      و عن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا صام من صام الدهر " [ رواه البخاري ].

      و قد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما بلغه أن بعض المسلمين قرروا اعتزال النساء وصوم الدهر فقال: " أما والله إني أخشاكم الله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " [ رواه البخاري ومسلم ].

      و عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل فلا تفعل فإن لجسدك عليك حقاً، صم وأفطر، صم من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صوم الدهر "، قلت: يا رسول الله إن لي قوة، قال: صم صوم داود عليه السلام، صم يوماً وأفطر يوماً، فكان يقول: يا ليتني أخذت بالرخصة. [ رواه البخاري ومسلم ].

      و عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من صام الأبد صام ولا أفطر " [ رواه النسائي وهو حديث صحيح ].



      صوموا تصحّوا:

      عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سافروا تربحوا، وصوموا تصحوا، واغزوا تغنموا " [ رواه الإمام أحمد وأخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ: ' اغزوا تغنموا، , صوموا تصحوا، , سافروا تستغنوا '. وأورده السيوطي مقتصراً على لفظ ' صوموا تصحوا ' ورمز له بالحسن. وقال المناوي في فيض القدير عن الزين العراقي: كلاهما سنده ضعيف ].

      يقول صاحب الظلال في معرض تفسيره لآيات الصوم:... وذلك كله إلى جانب ما ينكشف على مدار الزمن من آثار نافعة للصيام في وظائف الأبدان، ومع أنني لا أميل إلى تعليق الفرائض والتوجيهات الإلهية بما يظهر للعين من فوائد حسية، إذ الحكمة الأصلية فيها هي إعداد الكائن البشري لدوره على الأرض، وتهيئته للكمال المقدر له في الحياة الآخرة..... مع هذا فإني لا أحب أن أنفي ما تكشف عنه الملاحظة أو يكشف عنه العلم من فوائد لهذه الفرائض، وذلك ارتكازاً إلى المفهوم من مراعاة التدبير الإلهي بهذا الذي ينكشف عنه العلم البشري. فمجال هذا العلم محدود لا يرتقي إلى اتساع حكمة الله في كل ما يروض به هذا الكائن البشري.....

      فنحن حينما نصوم، إنما نتعبد بهذا الصوم خالقنا العظيم جل جلاله، الذي أمرنا بالصيام، امتثالاً لأمره سبحانه وخضوعاً لإرادته. وإن ما يكشفه العلم لنا من فوائد صحية لهذا الصوم فما هي إلا عظات، تزيد المؤمن إيماناً بصدق مبلغ الشريعة صلى الله عليه وسلم وحباً بالخالق البارئ منزل هذا التشريع.

      لقد قام عدد من الباحثين الغربيين، ومنذ أواخر القرن الماضي، بدراسة آثار الصوم على البدن منهم هالبروك Holbrook الذي قال: ليس الصوم بلعبة سحرية عابرة، بل هو اليقين والضمان الوحيد من أجل صحة جيدة ?

      و في أوائل هذا القرن قام الدكتور دووى Dewey بأبحاث موضوعية عن الصوم لخصها في كتابه " الصوم الذي يشفي ". كما قامت مناظرات عديدة تناقش هذا الموضوع لعل أهمها مناظرة Ecosse التي جمعت مشاهير الأطباء الريطانيين والمهتمين بتقويم الصحة وتدبير الطعام، كان على رأسهم طبيب الملك ويلكوكس Wilcox وقد أجمع الحاضرون على أهمية تأثير " الصوم الصحي " على عضوية الإنسان ?

      و الصوم الصحي أو الصوم الطبي كما يسموه والذي قامت عليه دراسات الغرب يمكن أن تعرفه بأنه الإقلاع عن الطعام كلياً أثناء النهار ولا يسمح له إلا ببعض جرعات من الماء إذا ما أحس بعطش شديد ودعت الضرورة القصوى إليه.

      و في المساء يعطى وجبة واحدة تتألف من كوب من الحليب أو شوربة خضر و100 غ من اللحم أو الدجاج أو السمك ثم بعض الفواكه وتكون هذه الوجبة الوحيدة خلال يوم وليلة. وكما رأينا فهو أقرب ما يكون إلى " صومنا الإسلامي " لذا رأينا أن نورد خلاصة لأهم الدراسات:

      منها دراسة شلتون Shelton في كتابه عن الصوم Le Jeune. ودراسة لوتزنر H. lutzner في كتابه " العودة إلى حياة سليمة بالصوم " _ ترجمة الدكتور طاهر إسماعيل _. وإليكم أهم هذه الفوائد للصيام:

      1.الصوم راحة للجسم يمكنه من إصلاح أعطابه ومراجعة ذاته.

      2.الصوم يوقف عملية امتصاص المواد المتبقية في الأمعاء ويعمل على طرحها والتي يمكن أن يؤدي طول مكثها إلى تحولها لنفايات سامة. كما أنه الوسيلة الوحيدة الفعالة التي يسمح بطرد السموم المتراكمة في البدن والآتية من المحيط الملوث.

      3.بفضل الصوم تستعيد أجهزة الإطراح والإفراغ نشاطها وقوتها ويتحسن أداؤها الوظيفي في تنقية الجسم، مما يؤدي إلى ضبط الثوابت الحيوية في الدم وسوائل البدن. ولذا نرى الإجماع الطبي على ضرورة إجراء الفحوص الدموية على الريق، أي يكون المفحوص صائماً. فإذا حصل أن عاملاً من هذه الثوابت في غير مستواه فإنه يكون دليلاً على أن هناك خللاً ما.

      4.بفضل الصوم يستطيع البدن تحليل المواد الزائدة والترسبات المختلفة داخل الأنسجة المريضة.

      5.الصوم أداة يمكن أن تعيد الشباب والحيوية إلى الخلايا والأنسجة المختلفة في البدن. ولقد أكدت أبحاث مورغوليس Morgulis أن الصوم وحده قادر على إعادة شباب حقيقي للجسد.

      6.الصوم يضمن الحفاظ على الطاقة الجسدية ويعمل على ترشيد توزيعها حسب حاجة الجسم.

      7.و الصوم يحسن وظيفة الهضم، ويسهل الامتصاص ويسمح بتصحيح فرط التغذية

      8.الصوم يفتح الذهن ويقوي الإدراك.

      9.للصوم تأثيرات هامة على الجلد، تماماً كما يفعل مرهم التجميل، يُجَمل وينظف الجلد.

      10.الصوم علاج شاف، هو الأكثر فعالية والأقل خطراً لكثير من أمراض العصر المتنامية. فهو يخفف العبء عن جهاز الدوران، وتهبط نسبة الدسم وحمض البول في الدم أثناء الصيام، فيقي البدين من الإصابة بتصلب الشرايين، وداء النقرس، وغيرها من أمراض التغذية والدوران وآفات القلب.

      و هكذا وبعد أن ينظف الجسم من سمومه وتأخذ أجهزته الراحة الفيزيولوجية الكاملة بسبب الصوم، يتفرغ إلى لأم جروحه وإصلاح ما تلف من أنسجته وتنظيم الخلل الحاصل في وظائفها. إذ يسترجع الجسد أنفاسه ويستجمع قواه لمواجهة الطوارئ بفضل الراحة والاستجمام اللذان أتيحا له بفضل الصوم.

      يقول الدكتور ليك Liek: يوفر الجسم بفضل الصوم الجهد، والطاقة المخصصة للهضم، ويدخرها لنشاطات أخرى، ذات أولوية وأهمية قصوى: كالتئام الجروح، ومحاربة الأمراض.

      و ليعلم أن الصائم قد يشعر ببعض المضايقات في أيام صومه الأولى، كالصداع والوهن والنرفزة وانقلاب المزاج، وهذه تفسر بأن الجسم عندما يتخلص من رواسبه المتبقية داخل الأنسجة، ينتج عن تذويبها سموم تتدفق في الدم قبل أن يلقى بها خارج الجسم، وهي إذ تمر بالدم، تمر عبر الجسد وأجهزته كلها من قلب ودماغ وأعصاب مما يؤدي إلى تخريشها أول الأمر وظهور هذه الأعراض، والتي تزول بعد أيام من بدء الصيام ?

      و أخيراً فإن للصوم آثاره الرائعة على النفس البشرية، ونظراً للعلاقة الوثيقة بين الاطمئنان النفسي وصحة الجسد عموماً، فإن الآثار والفوائد النفسية التي يجنيها الصائم لها مردودها الإيجابي في حسن سير الوظائف العضوية لكل أجهزة البدن.

      و من وصايا لقمان لابنه قوله: " يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة ".

      يقول الإمام الغزالي رحمه الله: الصيام زكاة النفس ورياضة للجسم، فهو للإنسان وقاية وللجماعة صيانة. في جوع الجسم صفاء القلب وإنقاذ البصيرة لأن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب ويكثر الشجار فيتبلّد الذهن. أحيوا قلوبكم بقلة الضحك وقلة الشبع وطهروها بالجوع تصفو وترق ?

      فالصيام ينمي الإخلاص للخالق سبحانه وتعالى، فهو سرٌ بين العبد وربه لا رقيب على تنفيذه إلا ضميره ورغبته الصادقة في رضاء الله سبحانه، وعند الجوع يزول البطر وتنكسر حدة الشهوات. وإن البطر والأشر هما مبدأ الطغيان والغفلة عن الله، فلا تنكسر النفس ولا تذل كما تذل بالجوع، فعنده تسكن لربها وتخشع له.

      و هذه أمور كلها تخفف من توتر الجهاز العصبي وتهدئه. والجوع يساعد الصائم على السيطرة على نفسه. ويدعم الجوع في كسر حدة الشهوات، مراقبة الصائم الله واستشعاره أنه في عبادة له، مما يصرفه عن التفكير بالمعاصي والفواحش.

      و الصيام يؤدي إلى صفاء الذهن وتقوية الإرادة وترويض النفس على الصبر. عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الصوم نصف الصبر " [ رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه ].

      و أخيراً فإن الصوم يعمل على إيقاظ الشعور المشترك في صفوف الأمة حيث يذوق الجميع غنيهم وفقيرهم آلام الجوع ومرارة العطش ?



      التداوي بالصوم

      استخدم الجوع كوسيلة علاجية منذ أقدم العصور ? ولجأ إليه أطباء اليونان أمثال أسكابياد وسيلوس لمعالجة كثير من الأمراض التي استعصيت على وسائل المداواة المتوفرة لديهم حينئذ. وفي القرن الخامس عشر قام لودفيفو كورنا باستعمال الصوم في معالجة مختلف الأمراض المعندة وطبق طريقته في الصوم على نفسه وعاش ما يقارب مائة سنة وهو بصحة جيدة بعد أن كان يعاني من داء عضال، وألف في أيامه الأخيرة رسائل في المعالجة بالصوم تحت شعار " من يأكل قليلاً يعمر طويلاً " ?

      و لعل هذا نجده في ظلال الآية الكريمة: { كلوا واشربوا ولا تسرفوا } [ سورة الأعراف: الآية 31 ].

      و نستشعره أبداً في توجيهات النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ومنها قوله: " ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه " [ رواه الترمذي ].

      و مع بداية عصر النهضة نشطت الدعوة من جديد إلى المعالجة بالصوم في كل أوربا منها ما كتبه الطبيب السويسري بارسيلوس ?: إن فائدة الصوم في العلاج تفوق مرات ومرات استخدام الأدوية المختلفة. أما فينيامين _ الأستاذ في جامعة موسكو _ ? فقد كتب يقول: لو راقبنا الإنسان عن كثب لوجدنا أن نفسه تعاف الطعام وترفضه في بعض الفترات، وكأنها بذلك تفرض على نفسها الصيام المؤقت الذي يؤمن لها التوازن الداخلي ويحفظها من المؤثرات الخارجية.

      و من فرنسا عمد الدكتور هلبا Helba _ 1911 _ إلى طريقة المعالجة بالصوم على فترات متقطعة، فكان يمنع الطعام عن مرضاه خلال بضعة أيام، يقدم لهم بعدها وجبات خفيفة.

      و في عام 1928 ألقى الدكتور دترمان في المؤتمر الثامن لاختصاصي الحمية الغذائية في أمستردام محاضرة، دعا فيها إلى استخدام الجوع على فترات متقطعة في الممارسة الطبية. وقد أقر المجتمعون فائدة الصيام لمعالجة الأمراض الناجمة عن فرط التغذية أو اضطراب الاستقلاب وفي حالات تصلب الشرايين وارتفاع الضغط الدموي وفي الاختلاجات العضلية ?

      و في عام 1941 صدر كتاب بوخنجر "المعالجة بالصوم كطريقة بيولوجية "، شرح فيه المؤلف كيفية استخدام الصوم في معالجة كثير من الأمراض المستعصية، ويبين أن الجوع يغير من تركيب البنية العضوية للجسم ويؤدي إلى طرح السموم منه ?



      معالجة البدانة بالصيام:

      حظيت البدانة وما يرافقها من اضطراب استقلاب الدسم اهتماماً كبيراً، بل وإجماعاً لدى المؤلفين حول استفادتها من العلاج بالصوم. ذلك أن السمنة المفرطة وازدياد تراكم الشحوم في البدن تشكل خطراً حقيقياً على حياة الشخص من جراء تعرضه لآفات شديدة الخطورة: كتصلب الشرايين، وارتفاع الضغط الدموي، وتشمع الكبد، والعنانة، والداء السكري، وأمراض القلب العضوية، والنزيف الدماغي، وغيرها.

      و للبدانة أسباب ولكن أهمها تضخم المدخول الغذائي نسبة للمجهود العملي الذي يقوم به الشخص وهي مرتبطة بعوائد التغذية التي تعود عليها الشخص منذ صباه ?

      و يعتبر الصيام وسيلة غريزية مجدية في إذابة الشحوم في البدن واعتدال استقلاب الأغذية فيه. كما أن مشاركة الجوع بالعلاجات الفيزيائية كالمشي والتمارين الرياضية والتدليك والحمامات المائية تعطي أفضل النتائج، فضلاً عن أنها وسائل غير مؤذية ولا تقضي إلى النتائج الوخيمة المشاهدة عند استعمال الهرمونات والمدرات ومثبطات الشهية التي يهرع إليها البدينون بغية إنقاص وزنهم ?

      و يرى بلوم W. Bloom أنه بفضل الصوم يستطيع الإنسان تحمل مسؤولياته على وعي كامل منه وحزم. وينتبه للعيب الذي أصابه جسدياً ونفسياً مما يقوي لديه العزيمة والصبر على تحمل الجوع، علماً بأن الصائم يفقد الإحساس بالجوع بعد اليوم الرابع من بدء العلاج. هذا وتوصي كتب الطب الإنسان البدين أن يصوم بضعة أيام كل أسبوع صياماً جزئياً يقتصر فيها على اللبن والفواكه والماء ?

      و هناك مدارس توصي بالصيام المطلق عن الطعام لمدد مختلفة على أن تكون تحت إشراف طبي ويزود المعالج بالماء والشوارد اللازمة ? . ويرى فيدوتوف أن البدين يتحمل الجوع بشكل جيد ويوصي بالصوم لمدة 5 – 15 يوماً تعقبها فترات استراحة يتناول فيها المريض وجبات خفيفة. ولم يلاحظ عند المعالجين أي اضطراب في حالتهم الصحية أو بتغيرات مخبرية مرضية.

      المصدر:

      كتاب روائع الطب الإسلامي د. نزار الدقر
    • العسل .. دواء شافي



      العسل .. دواء شافي



      قال تعالى : (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ* ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل:67،68)



      الإعجاز العلمي :

      1. ذكر القرآن أنه يخرج من بطون النحل شراب مختلف ألوانه ومن المتعارف عليه أن للعسل أربعة ألوان وقد أثبت العلم أن اختلاف كل من تركيب التربة والمراعي التي يسلكها النحل يؤثر تأثيراً كبيراً في لون العسل، فالعسل الناتج من رحيق أزهار القطن ـ مثلاًـ يكون قاتماً، بخلاف عسل أزهار البرسيم الذي يكون فاتح اللون، وعسل شجر التفاح ذي اللون الأصفر الباهت، وعسل التوت الأسود ذي اللون الأبيض كالماء، وعسل أزهار النعناع العطري ذي اللون العنبري، وغير ذلك .

      2. ذكر القرآن أن فيه أي العسل شفاء للناظرين :

      و حتى نبين ذلك يجب أولاً أن نذكر التركيب الكيماوي للعسل :



      التركيب الكيماوي للعسل :

      ومهما يكن من أمر اختلاف لون العسل .. فانه بجميع ألوانه يحتوي على المركبات التالية :

      1 ـ الغلوكوز ( سكر العنب ) : و هو يوجد بنسبة 75%و السكر الأساسي الرئيسي الذي تسمح جدران الأمعاء بمروره إلى الدم .. على عكس بقية الأنواع من السكاكر ـ و خاصة السكر الأبيض المعروف علمياً بسكر القصب ـ التي تتطلب من جهاز الهضم إجراء عمليات متعددة ، من التفاعلات الكيماوية ، و الاستقلابات الأساسية ، حتى تتم عملية تحويلها إلى سكاكر بسيطة أحادي كالغليكوز ـ يمكن الدم امتصاصها من خلال جدر الأمعاء .

      هذا و إن سكر ( الغليكوز ) الذي في العسل .. بالإضافة إلى كونه سهل الامتصاص .. فإنه سهل الادخار

      ذلك أنه يتجه بعد الامتصاص إلى الكبد مباشرة فيتحول إلى غلوكوجين ، يتم ادخاره فيه لحين الحاجة .. فإذا ما دعت الضرورة لاستخدامه .. يعاد إلى أصله ( غلوكوز) يسير مع الدم ، ليستخدم كقوة محركة في العضلات .

      و من الملاحظ أن القيمة الحرارية للعسل مرتفعة جداً ، لاحتوائه على الغلوكوز .. و قد ثبت أن كيلوغراماً واحداً من العسل يعطي 3150حريرة .

      2 ـ بعض الأحماض العضوية بنسبة 0,08 % ثمانية إلى عشرة آلاف .

      3 ـ كمية قليلة من البروتينيات .

      4 ـ عدد لا بأس به من الخمائر الضرورية لتنشيط تفاعلات الاستقلال في الجسم ، و تمثيل الغذاء ..و نستطيع أن نتبين الأهمية الكبرى لهذه الخمائر التي توجد في العسل إذا ما عرفنا و وظائفها المبينة فينا يلي :

      أ . خميرة ( الأميلاز ) : و هي التي تحول النشاء الذي في الخبز و مختلف المواد النشوية ، إلى سكر عنب ( غلوكوز ) .

      ب . خميرة ( الأنفزتاز) : و هي التي تحول سكر القصب ( السكر العادي ) إلى سكاكر أحادية ( غلوكوز وفراكتوز) يمكن امتصاصها في الجسم.

      جـ .خميرتا ( الكاتالاز ) و ( البيروكسيداز ) : الضروريتان في عمليات الأكسدة و الإرجاع التي في الجسم .

      د . خميرة ( الليباز) : الخاصة بهضم الدسم و المواد الشحمية .

      5 . أملاح معدنية بنسبة 0.018 % و على الرغم من ضآلة آلة نسبتها ، فإن لها أهمية كبرى ، بحيث تجعل العسل غذاء ذا تفاعل قلوي .. مقاوماً للحموضة .. له أهمية كبرى في معالجة أمراض الجهاز الهضمي المترافقة بزيادة كبيرة في الحموضة و القرحة .

      و من أهم العناصر المعدنية التي في العسل : البوتاسيوم و الكبريت و الكالسيوم و الصوديوم و الفوسفور و المنغزيوم و الحديد والمنغنيز ... و كلها عناصر معدنية ضرورية لعملية بناء أنسجة الجسم الإنساني و تركيبها .

      6 . كميات قليلة من الفيتامينات لها وظائف حيوية ( فيزيولوجية ) مهمة ، نفصلها على الشكل التالي :

      أ ـ فيتامين ب1 وهو وجود بنسبة 0,15% ملغ / لكل كيلو غرام من العسل وله دور أساسي في عمليات التمثيل الغذائي داخل الجسم ، و لا سيما بالنسبة للجملة العصبية .

      ب ـ فيتامين ب 2 : و يوجد بنسبة 1.5 نلغ / كغ .. و هي النسبة نفسها التي يوجد بها في لحم الدجاج ..

      و هو يدخل في تركيب الخمائر المختلفة التي تفرزها الغدد في الجسم .

      جـ . فيتامين ب3 : بنسبة 2 ملغ / كغ ... و هو فيتامين مضاد لالتهابات الجد .

      د ـ فيتامين ب5 : بنسبة 1 ملغ / كغ .

      هـ ـ فيتامين بث : المضاد النزيف .

      و ـ فيتامين حـ : بنسبة 50 ملغ / كغ .. وهو من مناعة الجسم و مقاومته للأمراض .

      7 ـ حبيبات غروية وزيوت طيارة ، تعطيه رائحة وطعماً خاصاً .

      8 ـ مواد ملونة تعطيه لونه الجميل .



      * * *



      الشفاء في العسل :

      بعد أن تعرفنا على التركيب الكيماوي للعسل ، و أهمية مركباته للإنسان .. نستطيع أن نخوض في خواصه العلاجية ، مع شيء من الإيجاز، مع شيء من الإيجاز و التبسيط ، ويمكننا أن نجمل ذلك في الملاحظات التالية :

      أولاً ـ إن أهم خواص العسل أنه وسط غير صالح لنمو البكتيريات الجرثومية و الفطريات ... لذلك فهو قاتل للجراثيم ، مبيد لها أينما وجد ...

      على عكس ما شاع في الولايات المتحدة منذ ثلاثين سنة من أن العسل ينقل الجراثيم ، كما ينقلها الحليب بالتلوث .

      و لقد قام طبيب الجراثيم ( ساكيت ) باختبار اثر العسل على الجراثيم ، بالتجربة العلمية .. فزرع جراثيم مختلفة الأمراض في العسل الصافي .. و أخذ يترقب النتائج ..

      و كانت دهشته عظيمة .. عندما رأى أن أنواعاً من هذه الجراثيم قد ماتت خلال بضع ساعات .. في حين أن أشدها قوة لم تستطع البقاء حية خلال بضعة أيام !

      لقد ماتت طفيليات الزحار ( الديزيتريا) بعد عشر ساعات من زرعها في العسل .. و ماتت جراثيم حمى الأمعاء ( التيفوئيد ) بعد أربع و عشرين ساعة .. أما جراثيم الالتهاب الرئوي .. فقد ماتت في اليوم الرابع .. و هكذا لم تجد الجراثيم في العسل غلا قاتلاً و مبيداً لها !!

      كما أن الحفريات التي أجريت في منطقة الجزة بمصر .. دلت على وجود إناء ، فيه عسل ، داخل الهرم ، مضى عليه ما ينوف على ثلاثة آلاف وثلاثمائة عام .. و على الرغم من مرور هذه المدة الطويلة جداً ، فقد ظل العسل محتفظاً ، لم يتطرق إليه الفساد ... بل إنه ظل محتفظاً بخواصه ، لم يتطرق إليه الفساد .. بل إنه ظل محتفظاً حتى بالرائحة المميزة للعسل !!

      ثانياً ـ إن العسل الذي يتألف بصورة رئيسة من الغلوكوز( سكر العنب ) يمكن استعماله في كل الاستطبابات المبنية على الخواص العلاجية للغليوكز .. كأمراض الدورة الدموية، و زيادة التوتر و النزيف المعوي ، وقروح المعدة ، و بعض أمراض المعي في الأطفال ، و أمراض معدية مختلفة مثل التيفوس و الحمى القرمزية و الحصبة و غيرها .. بالإضافة إلى أنه علاج ناجح للتسمم بأنواعه .

      هذا .. و إن الغلوكوز المدخر في الكبد ( الغلوكوجين ) ليس ذخيرة للطاقة فحسب .. بل إن وجود المستمر ، في خلايا الكبد ، و بنسبة ثابتة تقريباً ، يشير إلى دوره في تحسين و بناء الأنسجة و التمثيل الغذائي .

      و لقد استعمل الغليكوز حديثاً ، و على نطاق واسع ، ليزيد من معاونة الكبد للتسمم .



      ثالثاً ــ في علاج فقر الدم :

      يحتوي العسل على عامل فعال جداً له تأثير كبير على الخضاب الدموي ( الهيموغلوبين ) ولقد جرت دراسات حول هذا الأمر في بعض المصحات السويسرية أكدت التأثير الفعال على خضاب الدم حيث ازدادت قوام الخضاب في الدم من 57% إلى 80%في الأسبوع الأول أي بعد أسبوع واحد من المعالجة بالعسل . كما لوحظت زيادة في وزن الأطفال الذين يتناولون العسل الزيادة في الأطفال الذين لا يعطون عسلاًَ .

      رابعاً ــ العسل في شفاء الجروح :

      لقد ثبت لدكتور ( كرينتسكي ) أن العسل يسرع في شفاء الجروح .. و علل ذلك المادة التي تنشط نمو الخلايا وانقسامها ( الطبيعي ) .. الأمر الذي يسرع في شفاء الجروح .

      و لقد دلت الإحصائيات التي أجريت في عام 1946 على نجاعة العسل في شفاء الجروح .. ذلك أن الدكتور : ( س . سميرنوف) الأستاذ في معهد تومسك الطبي .. استعمل العسل في علاج الجروح المتسببة عن الإصابة بالرصاص في 75 حالة .. فتوصل إلى أن العسل ينشط نمو الأنسجة لدى الجرحى الذين لا تلتئم جروحهم إلا ببطء .

      و في ألمانيا يعالج الدكتور ( كرونيتز ) و غيره آلاف الجروح بالعسل و بنجاح، مع عدم الاهتمام بتطهير مسبق، و الجروح المعالجة بهذه الطريقة تمتاز بغزارة افرازاتها إذ ينطرح منها القيح و الجراثيم .

      و ينصح الدكتور (بولمان) باستعمال العسل كمضاد جراحي للجروح المفتوحة ... و يعرب عن رضاه التام عن النتائج الطيبة التي توصل إليها في هذا الصدد لأنه لم تحدث التصاقات أو تمزيق أنسجة أو أي تأثير عام ضار ..

      خامساً ــ العسل علاج لجهاز التنفس :

      استعمل العسل لمعالجة أمراض الجزء العلوي من جهاز التنفس ..و لا سيما ـ التهاب الغشاء المخاطي و تقشره ، و كذلك تقشر الحبال الصوتية .

      و تتم المعالجة باستنشاق محلول العسل بالماء الدافئ بنسبة 10%خلال 5 دقائق .

      و قد بين الدكتور ( كيزلستين ) أنه من بين 20 حالة عولجت باستنشاق محلول العسل ... فشلت حالتان فقط .. في حين أن الطرق العلاجية الأخرى فشلت فيها جميعاً .. و هي نسبة علية في النجاح كما ترى ..

      و لقد كان لقدرة العسل المطهر و احتوائه على الزيوت الطيارة أثر كبير في أن يلجأ معمل ماك (mak ) الألماني إلى إضافة العسل إلى المستحضرات بشكل ملموس .

      هذا و يستعمل العسل ممزوجاً بأغذية و عقاقير أخرى كعلاج للزكام .. و قد وجد أن التحسن السريع يحدث باستعمال العسل ممزوجاً بعصير الليمون بنسبة نصف ليمونه في 100غ من العسل .

      سادساً ــ العسل وأمراض الرئة :

      استعمل ابن سينا العسل لعلاج السل في أطواره الأولى .. كما أن الدكتور ( ن. يورش ) أستاذ الطب في معهد كييف يرى أن العسل يساعد العضوية في كفاحها ضد الإنتانات الرئوية كالسل و خراجات الرئة و التهابات القصبات و غيرها .. و على الرغم من أن البيانات الكثيرة للعلماء تشهد بالنتائج المدهشة للعسل ، في علاج السل .. فإنه لا يوجد دليل على وجود خواص مضادة للسل في العسل .. و لكن من المؤكد أن العسل يزيد من مقاومة الجسم عموماً .. الأمر الذي يساعد على التحكم في العدوى .

      سابعاً ــ العسل و أمراض القلب :

      عضلة القلب .. التي لا تفتأ باستمرار على حفظ دوران الدم ، و بالتالي تعمل على سلامة الحياة .. لا بد لها من غذاء يقوم بأودها .

      و قد تبين أن العسل ، لوفرة ما فيه من ( غلوكوز) ، يقوم بهذا الدور ... و من هنا وجب إدخال العسل في الطعام اليومي لمرض القلب .

      ثامناً ــ العسل و أمراض المعدة و الأمعاء :

      إن المنطق الأساسي لاستعمال العسل كعلاج لكافة أمراض المعدة و الأمعاء المترافقة بزيادة في الحموضة، هو كون العسل ، غذاء ذا تفاعل قلوي .. يعمل على تعديل الحموضة الزائدة .ففي معالجة قروح المعدة و الأمعاء .. ينصح بأخذ العسل قبل الطعام بساعتين أو بعده بثلاث ساعات ..

      و قد تبين أن العسل يقضي على آلام القرح الشديدة ، و على حموضة الجوف ، و القيء .. و يزيد من نسبة( هيموغلوبين) الدم عند المصابين بقرح المعدة و الاثنى عشري .

      و لقد أثبتت التجربة اختفاء الحموضة بعد العلاج بشراب العسل .كما أظهر الكشف بأشعة رونتجن ( التصوير الشعاعي ) اختفاء التجويف القرحي في جدار المعدة ، لدى عشرة مصابين بالقرحة من أصل أربعة عشر مريضاً .. و ذلك بعد معالجتهم بشراب العسل ، لمدة أربعة أسابيع .. و هي نسبة ، في الشفاء ،عالية معتبرة .

      تاسعاً ــ العسل لأمراض الكبد :

      إن كافة الحوادث الاستقلالبية تقع في الكبد تقريباً .. الأمر الذي يدل على الأهمية القصوى لهذا العضو الفعال ..

      و قد ثبت بالتجربة .. أن ( الغلوكوز ) الذي هو المادة الرئيسية المكونة للعسل ، يقوم بعمليتين اثنتين :

      1 . ينشط عملية التمثيل الغذائي في الكبد .

      2 . ينشط الكبد لتكوين الترياق المضاد للبكتريا .. الأمر الذي يؤدي إلى زيادة مقاومة الجسم للعدوى .

      كما أنه تبين أن العسل أهمية كبيرة في معالجة التهاب الكبد و الآلام الناتجة عن حصوات الطرق الصفراوية .

      عاشراً ــ العسل و أمراض الجهاز العصبي :

      إن هذه الخاصة نابعة أيضاً ، من التأثير المسكن للغلوكوز في حالات الصداع ، و الأرق ، و الهيجان العصبي .. و لقد لاحظ الأطباء الذين يستعملون العسل في علاج الأمراض العصبية ، قدرته العالية على إعطاء المفعول المرجو .

      حادي عشر ــ العسل للأمراض الجلد و الأرتيكاريا ( الحكة ) :

      نشر الباحثون العاملون في عيادة الأمراض الجلدية ، سنة 1945 ، في المعهد الطبي الثاني ، في موسكو .. مقالة عن النجاح في علاج سبعة و عشرين مريضاً ، من المصابين بالدمامل و الخراجات ... ثم شفاؤهم بواسطة استعمال أدهان كمراهم .

      و لا يخفى ما للادهان بالعسل ، من أثر في تغذية الجلد ، و إكسابه نضارة و نعومة .

      ثاني عشر ــ العسل لأمراض العين :

      استعمل الأطباء ، في الماضي ، العسل .. كدواء ممتاز لمعالجة التهاب العيون .. و اليوم .. و بعد أن اكتشف أنواع كثيرة من العقاقير و المضادات الحيوية ، لم يفقد العسل أهميته .. فقد دلت الإحصائيات على جودة العسل في شفاء التهاب الجفون و الملتحمة ، و تقرح القرنية ، و أمراض عينية أخرى .

      و من أكثر المتحمسين الاستطباب بمراهم العسل ، الأساتذة الجامعيون في منطقة( أوديسا) في الاتحاد السوفيتي ، و خصوصاً ،الأستاذ الجامعي ( فيشر ) و الدكتور ( ميخائيلوف ) .. حتى إن تطبيب أمراض العين بمراهم العسل انتشر في منطقة ( أوديسا ) كلها .

      و قد كتب الدكتور( ع . ك . أوساولكو) مقالاً ضمنه مشاهدته و تجاربه في استعمال العسل لأمراض العين ، و قد أوجز النتائج التي توصل إليها بالنقاط التالية ك

      1 ـ يبدي العسل بدون شك تأثيراً ممتازاً على سير مختلف آفات القرنية الالتهابية ، فكل الحالات المعندة على العلاج العادية و التي طبقنا فيها المرهم ذا السواغ العسلي تحسنت بسرعة غريبة . كما أن عدداً من حادثات التهاب القرنية على اختلاف منشئه ، أدى تطبيق العسل صرفاً فيها إلى نتائج طبية .

      2 ــ يمكننا أن ننصح باستعمال العسل باستعمال العسل كسواغ من أجل تحضير معظم المراهم العينية باعتبار أن للعسل نفسه تأثيرات ممتازة على سير جميع آفات القرنية .

      3 ــ من المؤكد أن ما توصلنا إليه من نتائج يدعوا المؤسسات الصحية كافة و التي تتعاطى طب العيون أن تفتح الباب على مصراعيه لتطبيق العسل على نطاق واسع في معالجة أمراض العيون .

      ثالث عشر ــ العسل و مرض السكري:

      نشر الدكتور ( دافيدرف ) الروسي عام 1915 خلاصة لأبحاثه في استعمال العسل لمرض السكر ..فبين ما خلاصته أن استعمال العسل لمرض السكر مفيد جداً في الحالات التالية :

      1 . كنوع من الحلوى ليس منها ضرر.

      2 . كمادة غذائية تضاف إلى نظام المريض الغذائي .. إذ أن تناول العسل ، لا يسعر بعده ، بأي رغبة في تناول أي نوع من الحلوى المحرمة عليه .. و هذا عامل مهم في الوقاية .

      3 . كمادة مانعة لوجود مادة ( الأسيتون ) الخطرة في الدم .. إذ أن ظهور ( الأسيتون ) في الدم يحتم استعمال السكريات ، و أتباع نظام أكثر حرية في الغذاء ، على الرغم من مضارها للمريض .. و ذلك للحيلولة دون استمرار وجوده .. و العسل باعتباره مادة سكرية يعمل على الحؤول دون وجوده .

      4 . كمادة سكرية .. لا تزيد ، بل على العكس تنقص من إخراج سكر العنب و اطراحه .... و قد تم تفسير ذلك عملياً بعد أن تم اكتشاف ( هرمون ) مشابه ( للأنسولين ) في تركيب العسل الكيميائي .

      هذا و قد بين الدكتور ( لوكهيد ) .. الذي كان يعمل في قسم الخمائر بأوتاوا ، عاصمة كندا ، أن بعض الخمائر المقاومة للسكر ، و غير الممرضة للإنسان.. تظل تعيش في العسل .

      رابع عشر ــ العسل و اضطرابات طرح البول :

      يرى الدكتور ( ريمي شوفان ) أن الفركتوز ( سكر الفواكه ) الذي يحتوي العسل على نسبة عالية منه ـ يسهل الإفراز البولي أكثر من الغلوكوز ( سكر العنب ) ، و أن العسل أفضل من الاثنين معاً ، لما فيه من أحماض عضوية و زيوت طيارة و صباغات نباتية تحمل خواص فيتامينية .

      و لئن كثر الجدل حول العامل الفعال الموجود في العسل الذي يؤدي إلى توسيع الأوعية الكلوية و زيادة الإفرازات الكلوي ( الإدرار ) ، إلا أن تأثيره الملحوظ لم ينكره أحد منهم ، حتى إن الدكتور ( ساك ) بين أن إعطاء مئة غرام ثم خمسين غراماً من العسل يومياً أدى إلى تحسين ملموس ، وزوال كل من التعكر البولي و الجراثيم العضوية .



      خامس عشر ــ العسل و الأرق و أمراض الجهاز العصبي :

      لقد أثبتت المشاهدات السريرية الخواص الدوائية للعسل قي معالجة أمراض الجهاز العصبي فقد بين البروفيسور ( ك . بوغوليبوف) و ( ف . كيسيليفا) نجاح المعالجة بالعسل لمريضين مصابين بداء الرقص ( و هو عبارة عن تقلصات عضلية لا إرادية تؤدي إلى حركات عفوية في الأطراف ) ففي فترة امتدت ثلاث أسابيع أوقفت خلالها كافة المعالجات الأخرى حصل كل من المريضين على نتائج باهرة .. لقد استعادا نومهما الطبيعي وزال الصداع و نقص التهيج و الضعف العام .

      سادس عشر : العسل و مرض السرطان :

      لقد ثبت لدى العلماء المتخصصين أن مرض السرطان معدوم بين مربي النحل المداومين على العمل بين النحل و لكنهم حاروا في تفسير هذه الزاهرة ..

      فمال بعضهم إلى الاعتقاد بأن هذه المناعة ضد مرض السرطان ، لدى مربي النحل .. كردها إلى سم النحل .. الذي يدخل مجرى الدم ، باستمرار ـ نتيجة لما يصابون به من لسع النحل أثناء عملهم .

      و مال آخرون إلى الاعتقاد بان هذه المناعة هي نتيجة لما يتناوله مربو النحل من العسل المحتوي على كمية قليلة من الغذاء الملكي ، ذي الفعلية العجيبة ، و كمية أخرى من حبوب اللقاح .

      و لقد مال كثير من العلماء إلى الرأي الثاني .. خصوصً بعد ما تم اكتشافه من أن نحل العسل ، يفرز بعض العناصر الكيماوية على حبوب اللقاح ، تمنح انقسام خلاياها .. و ذلك تمهيداً لاختزانها في العيون السداسية إن هذه المواد الكيماوية الغريبة ، التي تحد من انقسام حبوب اللقاح ، و التي يتناولها الإنسان بكميات قليلة جداً مع العسل .. لربما لها أثر كبير في الحد من النمو غير الطبيعي لخلايا جسم الإنسان .. و بالتالي منع الإصابة بمرض السرطان .

      و على كل حال .. ما زالت الفكرة مجرد شواهد و ملاحظات .. لم يبت العلم فيها بشيء .. شأنها في ذلك شأن الكثير من الملاحظات التي لم يبت فيها .. و لا يزال مرض السرطان لغزاً يحير الأطباء .. و يجهد الدارسين ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‌‌.

      سابع عشر : العسل و الأمراض النسائية :

      إقياء الحامل وحالات الغثيان التي تصاب بها أمور أرقت الأطباء ..

      لقد أجهدهم إيجاد الدواء المناسب ، حتى أن الطب النفسي قد خاض غمار تطبيب هذه الحالات ، على الرغم من عدم جدواه في ذلك بسب طول مدة المعالجة و غلاء كلفة المادة .

      و لقد توصل حديثاً بعض العلماء إلى استعمال حقن وريدية تحتوي عل 40% من محلول العسل ـ الصافي كان لها أثر فعال في الشفاء، هذا و قد تبين أن إدخال العسل في الراتب الغذائي للمرأة الحامل يؤدي دوراً كبيراً في مساعدتها أثناء فترة الحمل .

      ثامن عشر ـ العسـل غـذاء مثـالــي :

      إن العسل غذاء مثالي لجسم الإنسان ، يقيه الكثير من المتاعب ، التي تجلبها له الأغذية الاصطناعية الأخرى ..

      و إن القيمة الغذائية للعسل تكمن في خاصتين اثنتين متوفرتين فيه : 1 . إن العسل غذاء ذو تفاعل قلوي .. يفيد في تطرية و تنعيم جهاز الهضم .. و تعديل شيء من الحموضة الناتجة عن الأغذية الأخرى .

      2 . إن العسل يحوي على مضادات البكتريا ( الجراثيم ) .. فهو بذلك يحمس الأسنان من نقص الكالسيوم ،و بالتالي يحول دون النخر .. على نقيض السكاكر الأخرى ، التي تحلل بقاياها بواسطة البكتريا .. الأمر الذي يؤدي إلى تكوين أحماض ، منها اللبن ، الذي يمتص الكالسيوم من الأسنان تدريجياً .. فيحدث النخر فيها .

      تاسع عشر ــ العسل غذاء جيد للأطفال و الناشئين :

      يعمل على تغذية الطفل و لقد جرب الأثر الفعال للعسل على الأطفال في بعض المصحات السويسرية حيث جرى تقسيم الأطفال إلى ثلاث فئات : قدم للفئة الأولى نظام غذائي اعتيادي و قدم للفئة الثانية النظام السابق نفسه مضافاً إليه العسل و قدم للفئة الثالثة النظام الغذائي نفسه للفئة الأولى مع إضافة أدوية مختلفة عوضاً عن العسل لزيادة الشهية أو لرفع نسبة الخضاب فأعطت الفئة الثانية التي أعطيت عسلاً أحسن النتائج بالنسبة للحالة العامة ، و أعلى زيادة في الوزن و أعلى نسبة لخضاب الدم و يرى الدتور ( زايس ) أن المواد الفعالة في العسل التي تؤثر على قوام الخضاب هي ما يحويه العسل من مواد معدنية كالحديد و النحاس و المنغنيز .


      المصدر :

      · نقلاً عن كتاب النحلة تسبح الله تأليف الدكتور محمد حسن الحمصي


      --------------------------------------------------------------------------------

      [1] سورة النحل آية 69

      [2] أخرجه ابن ماجة في المستدرك عن ابن مسعود

      [3] الجامع الصغير للسيوطي 9010

      [4] فتح الباري كتاب الأشربة

      [5] سنن الترمذي 2164

    • الغضب


      روي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال ( لا تغضب ) فردد مرارا قال ( لا تغضب ) رواه البخاري

      ثبت علميا أن الغضب كصورة من صور الانفعال النفسي يؤثر على قلب الشخص الذي يغضب تأثيرا العدو أو الجري على القلب وانفعال الغضب يزيد من عدد مرات انقباضاته في الدقيقة الواحدة فيضاعف بذلك كمية الدماء التي يدفعها القلب أو التي تخرج منه إلى الأوعية الدموية مع كل واحدة من هذه الانقباضات أو النبضات وهذا بالتالي يجهد القلب لأنه يفسره على زيادة عمله عن معدلات العمل الذي يفترض أن يؤديه بصفة عادية أو ظروف معينة إلا أن العدو أو الجري في إجهاده للقلب لا يستمر طويلا لأن المرء يمكن أن يتوقف عن الجري إن هو أراد ذلك إما في الغضب فلا يستطيع الإنسان أن يسيطر على غضبه لا سيما وإن كان قد اعتاد على عدم التحكم في مشاعره وقد لوحظ أن الإنسان الذي اعتاد على الغضب يصاب بارتفاع ضغط الدم ويزيد عن معدله الطبيعي حيث إن قلبه يضطر إلى أن يدفع كمية من الدماء الزائدة عن المعتاد المطلوب كما أن شرايينه الدقيقة تتصلب جدرانها وتفقد مرونتها وقدرتها على الاتساع لكي تستطيع أن تمرر أو تسمح بمرور أو سريان تلك الكمية من الدماء الزائدة التي يضخها هذا القلب المنفعل ولهذا يرتفع الضغط عند الغضب هذا بخلاف الآثار النفسية والاجتماعية التي تنجم عن الغضب في العلاقات بين الناس والتي تقوّض من الترابط بين الناس ومما هو جدير بالذكر أن العلماء كانوا يعتقدون في الماضي أن الغضب الصريح ليس له أضرار وأن الغضب المكبوت فقط هو المسؤول عن كثير من الأمراض ولكن دراسة أمريكية حديثة قدمت تفسيرا جديدا لتأثير هذين النوعين من الغضب مؤداه أن الكبت أو التعبير الصريح للغضب يؤديان إلى الأضرار الصحية نفسها وإن اختلفت حدتها ففي حالة الكبت قد يصل الأمر عند التكرار إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم وأحيانا إلى الإصابة بالسرطان أما في حالة الغضب الصريح وتكراره فإنه يمكن أن يؤدى إلى الإضرار بشرايين القلب واحتمال الإصابة بأزمات قلبية قاتلة لأن انفجار موجات الغضب قد يزيده اشتعالا ويصبح من الصعب التحكم في الانفعال مهما كان ضئيلا فالحالة الجسمانية للفرد لا تنفصل عن حالته النفسية مما يجعله يسري بسرعة إلى الأعضاء الحيوية في إفراز عصاراتها ووصول معدل إفراز إحدى هذه الغدد إلى حد سدّ الطريق أمام جهاز المناعة في الجسم وإعاقة حركة الأجسام المضادة المنطلقة من هذا الجهاز عن الوصول إلى أهدافها الأخطر من ذلك كله أن بعض الأسلحة الفعالة التي يستخدمها الجسم للدفاع عن نفسه والمنطلقة من غدة حيوية تتعرض للضعف الشديد نتيجة لإصابة هذه الغدة بالتقلص عند حدوث أزمات نفسية خطيرة وذلك يفسر احتمالات تحول الخلايا السليمة إلى سرطانية في غيبة النشاط الطبيعي لجهاز المناعة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوصانا بعدم الغضب ومن هنا تظهر الحكمة العلمية والعملية في تكرار الرسول صلى الله عليه وسلم توصيته بعدم الغصب[1]

      الغضب وآثاره السلبية .... يقول الدكتور أحمد شوقي إبراهيم عضو الجمعية الطبية الملكية بلندن واستشاري الأمراض الباطنية والقلب .. أن الميول الإنسانية تنقسم إلى أربعة أقسام, ويختلف سلوك وتصرفات الأشخاص باختلاف هذه الميول ومدى السيطرة عليها : الميول الشهوانية وتؤدي الى الثورة والغضب .. الميول التسلطية وتؤدي الى الكبر والغطرسة وحب الرياسة .. الميول الشيطانية وتسبب الكراهية والبغضاء للآخرين . ومهما كانت ميول الإنسان فانه يتعرض للغضب فيتحفز الجسم ويرتفع ضغط الدم فيصاب بالأمراض النفسية والبدنية مثل السكر والذبحة الصدرية . وقد أكدت الأبحاث العلمية أن الغضب وتكراره يقلل من عمر الإنسان . لهذا ينصح الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين في حديثه لا تغضب وليس معنى هذا عدم الغضب تماما بل عدم التمادي فيه وينبغي أن يغضب الإنسان إذا انتهكت حرمات الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمن يغضب وإذا غضب أحدكم فليسكت .. لان أي سلوك لهذا الغاضب لا يمكن أن يوافق عليه هو نفسه إذا ذهب عنه الغضب ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان .. والقرآن الكريم يصور الغضب قوة شيطانية تقهر الإنسان وتدفعه إلى أفعال ما كان يأتيها لو لم يكن غاضبا فسيدنا موسى .. ألقى الالواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه .. فلما ذهب عنه الغضب .. ولما سكت عن موسى الغضب اخذ الألواح .. وكأن الغضب وسواس قرع فكر موسى ليلقي الألواح .. وتجنب الغضب يحتاج الى ضبط النفس مع إيمان قوي بالله ويمتدح الرسول صلى الله عليه سلم هذا السلوك في حديثه .. ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب .. ولا يكون تجنب الغضب بتناول المهدئات لان تأثيرها يأتي بتكرار تناولها ولا يستطيع متعاطي المهدئات ان يتخلص منها بسهولة ولان الغضب يغير السلوك فإن العلاج يكون بتغيير سلوك الإنسان في مواجهة المشكلات اليومية فيتحول غضب الإنسان إلى هدوء واتزان .... ويضيف الدكتور أحمد شوقي .. أن الطب النفسي توصل إلى طريقتين لعلاج المريض الغاضب .. الأولى : من خلال تقليل الحساسية الانفعالية وذلك بتدريب المريض تحت أشراف طبيب على ممارسة الاسترخاء مع مواجهة نفس المواقف الصعبة فيتدرب على مواجهتها بدون غضب أو انفعال .. الثانية : من خلال الاسترخاء النفسي والعضلي وذلك لأن يطلب الطبيب من المريض أن يتذكر المواقف الصعبة وإذا كان واقفا فليجلس أو يضطجع ليعطيه فرصة للتروي والهدوء .. هذا العلاج لم يتوصل اليه الطب إلا في السنوات القليلة الماضية بينما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه في حديثه .. إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإذا ذهب عنه الغضب أو فليضطجع[2]



      --------------------------------------------------------------------------------

      [1] المصدر " الإعجاز العلمى في الإسلام والسنة النبوية " محمد كامل عبد الصمد

      [2] المصدر " مجلة الإصلاح العدد 296 سنة 1994 " من ندوات جمعية الإعجاز العلمي للقرآن في القاهرة
    • الفاكهة أولاً



      الفاكهة أولاً



      جاء في القرآن الكريم قوله تعالى في سورة الواقعة مقدماً الفاكهة على اللحم :

      ( و فاكهة مما يتخيرون . و لحم طيرٍ مما يشتهون ) 20 ـ 21 و جاء أيضاً في سورة الطور ( و أمددناهم بفاكهة و لحمٍ مما يشتهون ) 22 و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة فانه بركة.رواه الترمذي رقم /594 /

      إن تناول الفاكهة قبل الوجبة الغذائية له فوائد صحية جيدة ، لأن الفاكهة تحوي سكا كر بسيطة سهلة الهضم و سريعة الامتصاص ، فالأمعاء تمتص هذه السكاكر بمدة قصيرة تقدر بالدقائق فيرتوي الجسم و تزول أعراض الجوع و نقص السكر ، في حين أن الذي يملأ معدته مباشرة بالطعام المتنوع يحتاج إلى ما يقارب ثلاثة ساعات حتى تمتص أمعاؤه ما يكون في غذائه من سكر ، و تبقى عنده أعراض الجوع لفترة أطول . إن السكاكر البسيطة بالإضافة إلى أنها سهلة الهضم و الإمتصاص فإنها مصدر الطاقة الأساسي لخلايا الجسد المختلفة . و من هذه الخلايا التي تستفيد إستفادة سريعة من السكاكر البسيطة هي خلايا جدر الأمعاء و الزغابات المعوية حيث تنشط بسرعة عندما تصلها السكاكر الموجودة بالفاكهة و تستعد للقيام بوظيفتها على أتم وجه في امتصاص مختلف أنواع الطعام و التي يأكلها الشخص بعد الفاكهة . و ربما كانت هذه هي الحكمة من تقديم الفاكهة على اللحم في الآيات القرآنية الكريمة و في الحديث الشريف .


      المرجع :

      مع الطب في القرآن الكريم تأليف الدكتور عبد الحميد دياب الدكتور أحمد قرقوز مؤسسة علوم القرآن دمشق
    • قرار مكين و قدر معلوم



      قرار مكين و قدر معلوم



      قال تعالى : ( ألم نخلقكم من ماء مهين . فجعلناه في قرار مكينٍ . إلى قدرٍ معلوم . فقدرنا فنعم القادرين . ويلٌ يومئذ للمكذبين ). المرسلات 20 ـ 24 .


      بهذا الأسلوب المعجز يشير تعالى إلى حقيقتين علميتين ثابتتين ليس في علم الأجنة فقط ، وإنما في علم التشريح و الغريزة أيضاً . الحقيقة الأولى : هي وصف الآيات للرحم بالقرار المكين . و الحقيقة الثانية : إشارة إلى عمر الحمل الثابت تقريباً ، أو ما أسماه القرآن : القدر المعلوم ، و كأني بالقرآن الكريم ، يدعوهم للبحث و التأمل لما تحتويان من الأسرار كما سنرى في تفصيلنا لهما ،إن شاء الله .

      ـ القرار المكين : قال تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين . ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ) المؤمنون 12 ـ 13 .

      نطفة ..نطفة ضعيفة لا ترى إلا بعد تكبيرها مئات المرات ، جعلها الله في هذا القرار ،فتكاثرت و تخلقت حتى أعطت هذا البناء العظيم ،و خلال هذه المرحلة كانت تنعم بكل ما تتطلبه من الغذاء و الماء و الأوكسجين ، في مسكن أمين و منيع و مريح ، و تحت حماية مشددة من أي طارئ داخلي أو خارجي . حقاً إن هذا الرحم لقرار مكين .

      القصة شيقة و ممتعة لا يملك من يطالعها إلا أن يسبح الخالق العظيم ،و هو يرى تعاضد الآليات المختلفة : التشريحية ،و الهرمونية ،و الميكانيكية ،و تبادلها في كل مرحلة من مراحل تطور الجنين ، لتجعل من الرحم دائماً قراراً مكيناً .

      فتشريحياً :

      1 ـ يقع الرحم في الحوض بين المثانة من الأمام و المستقيم من الخلف ،و تتألف من ثلاثة أقسام تشريحية هي : الجسم و العنق و المنطقة الواصلة بينهما و تسمى المضيق .

      2 ـ يحيط بالرحم جدار عظمي قوي جداً ، يسمى الحوض ، و يتألف الحوض من مجموعة عظام سميكة هي العجز و العصعص من الخلف ، و العظمين الحرقفين من الجانبين و يمتدان ليلتحمان في الأمام على شكل عظم العانة ،هذا البناء العظمي المتين لا يقوم بحماية الرحم من الرضوض و الضغط الخارجية من الجوانب كافة فحسب ، و إنما يطلب منه أن يكون بناءا و ترتيبا تشريحيا يرضى عنه الجنين ، بحيث يكون ملائماً لنموه ،متناسباً مع حجمه و شكله ،و أن يسمح له عندما يكتمل نموه و يكبر آلاف المرات بالخروج و المرور عبر الفتحة السفلية إلى عالم النور ،و بشكل سهل . فأي اضطراب في شكل الحوض أو حجمه قد يجعل الولادة صعبة أو مستحيلة ،و عندها يلزم شق البطن لاستخراج الوليد بعملية جراحية تسمى القيصرية .

      3 ـ أربطة الرحم : هناك أربطة تمتد من أجزاء الرحم المختلفة لترتبط بعظام الحوض أو جدار البطن تسمى الأربطة الرحمية تقوم بحمل الرحم ،و تحافظ على وضعيته الخاصة الملائمة للحمل و الوضع ، حيث يكون كهرم مقلوب ، قاعدته في الأعلى و قمته في الأسفل ، و ينثني جسمه على عنقه بزاوية خفيفة إلى الأمام ، كما تمنع الرحم من الانقلاب إلى الخلف أو الأمام ،و من الهبوط للأسفل بعد أن يزيد وزنه آلاف المرات .

      هذه الأربطة هي : الرباطان المدوران ،و الرباطان العرضيان ،و أربطة العنق الأمامية و الخلفية . و لندرك أهمية هذه الأربطة ، يكفي أن نعلم أنها تحمل الرحم التي يزداد وزنه من (50) إ قبل الحمل إلى (5325) إ مع ما تحويه من محصول الحمل . و أن انقلاب الرحم إلى الخلف قبل الحمل قد يؤدي للعقم لعدم إمكان النطاف من المرور إلى الرحم ، و إذا حصل الانقلاب بعد بدء الحمل فقد يؤدي للإسقاط .

      و هرمونياً : يكون الجنين في حماية من تقلصات الرحم القوية ، التي يمكن أن تؤدي لموته ، أو لفظه خارجاً ، و ذلك بارتفاع عتبة التقلص لألياف العضلة الرحمية بسبب ارتفاع نسبة هرمون البروجسترون الذي هو أحد أعضاء لجنة التوازن الهرموني أثناء الحمل و التي تتألف من :

      1 ـ المنميات التناسلية : كمشرف .

      2 ـ هرمون الجريبين كعضو يقوم بالعمل مباشر .

      3 ـ هرمون البروجسترون كعضو يقوم بالعمل مباشرة . تتعاون هذه اللجنة و تتشاور لتؤمن للجنين الأمن و الاستقرار في حصنه المنيع ، فلنستمع إلى قصتها بإيجاز :

      ما إن تعشعش البيضة في الرحم حتى ترسل الزغابات الكوريونية إلى الجسم الأصغر في المبيض رسولاً يدعى المنميات التناسلية تخبره بأن البيضة بدأت التعشيش ،و تطلب منه أن يوعز للرحم أن يقوم بما عليه من حسن الضيافة .

      و فعلاً يقوم الهرمون بالتأثير المباشر على الدم ليقوم بتأمين متطلبات محصول الحمل ، كما أن للهرمون و اللوتئين ( البروجسترون ) ، كما ذكرنا ، الفضل في رفع عتبة تقلص العضلات الرحمية ، فلا تتقلص إلا تقلصات خفيفة تفيد في تعديل وضعية الجنين داخل الرحم . و في الشهر الثالث يبدأ الجسم الأصفر يعلن عن اعتذاره عن الاستمرار في تقديم هذه الهرمونات ،و يميل للضمور ، و في هذا الوقت تأخذ المشيمة ـ التي تكون قد تكونت ـ على عاتقها أمر تزويد الحمل بمتطلباته المتزايدة من الهرمونات حتى نهاية الحمل .

      و هكذا نجد لغة التفاهم و التعاون ظاهرة في هذه اللجنة الهرمونية و الجهات التي تصدر عنها .


      المرجع :

      مع الطب في القرآن الكريم تأليف الدكتور عبد الحميد دياب الدكتور أحمد قرقوز مؤسسة علوم القرآن دمشق
    • الله و العلاج الطبي



      الله و العلاج الطبي(*)

      بول إرنست أدولف ـ طبيب و جراح




      لإجابة عن السؤال الذي هو موضوع هذا الكتاب أحب أن أقول إنني أؤمن بالله إيمانا راسخاً لا ريب فيه ، و ليس إيماني به نتيجة خبرة روحية فحسب ، و لكن اشتغالي بالطب قد دعم ذلك الإيمان . لقد درست ـ عندما كنت أتعلم الطب أحد المبادئ المادية الأساسية التي تفسر ما يحدث من تغيرات داخل الجسم عندما يصيبها عطب أو تلف ، تفسيراً مادياً صرفاً ، كما فحصت قطاعات مجهرية لهذه الأنسجة ، و تبينت أن الظروف المناسبة تعينها على أن تلتئم بسرعة و تتقدم نحو الشفاء .و عندما اشتغلت جراحاً في أحد المستشفيات بعد ذلك ، كنت أستخدم المبدأ السابق استخداما يتسم بالثقة فيه و الاطمئنان إليه . و لم يكن علىّ إلا أن أهيئ الظروف المادية و الطبية المناسبة ، ثم أدع الجرح يلتئم و كلي ثقة بالنتيجة المرتقبة .

      و لكنني لم ألبث غير قليل حتى اكتشفت أنني قد فاتني أن أُضِّمن علاجي و أفكاري الطبية أهم العناصر و أبعدها أثراً في إتمام الشفاء ألا و هو الاستعانة بالله .

      و عندما كنت أعمل جراحاً في أحد المستشفيات ، جاءتني ذات يوم جدة جاوزت السبعين تكشو من شدخ في عظام ردفها ، و بعد أن وضعت فترة تحت العلاج أدركت من فحص سلسلة الصور التي أخذت لها على فترات تحت الأشعة أنها تتقدم بسرعة عجيبة نحو الشفاء ، ولم تمض أيام قليلة حتى تقدمت مهنئاً بما تم لها من شفاء نادر عجيب ، عندئذ استطاعت السيدة أن تتحرك فوق المقعد ذي العجلات ، ثم سارت وحدها متوكئة على عصاها ، و قررت أن تخرج تلك السيدة في مدى أربع و عشرين ساعة و تذهب إلى بيتها ، فلم يعد بها حاجة إلى البقاء في المستشفى .

      و كان صباح اليوم التالي هو الأحد ، و قد عادتها ابنتها في زيارة الأحد المعتادة حيث أخبرتها أنها تستطيع أن تأخذ والدتها في الصباح إلى المنزل لأنها تستطيع الآن أن تسير متوكئة على عصاها .

      و لم تذكر لي ابتنها شيئاً مما جال في خاطرها و لكنها انتحت بأمها جانباً و أخبرتها أنها قد قررت بالاتفاق مع زوجها أن يأخذا الأم إلى أحد ملاجئ العجزة لأنهما لا يستطيعان أن يأخذاها إلى المنزل . و لم تكد تنقضي بضع ساعات على ذلك حتى استدعيت على عجل لإسعاف السيدة العجوز . و يا للهول ما رأيت . لقد كانت المرأة تحتضر ،و لم تمضي ساعات قليلة حتى أسلمت الروح . إنها لم تمت من كسر في عظام ردفها و لكنها ماتت من انكسار في قلبها . لقد حاولت دون جدوى أن أقدم لها أقصى ما يمكن من وسائل الإسعاف وضاعت كل الجهود سدى . قد شفيت من مرضها بسهولة و لكن قلبها الكسير لم يمكن شفاؤه برغم ما كانت قد تناولته في أثناء العلاج من الفيتامينات و العقاقير المقوية و ما تهيأ لها من أسباب الراحة و من الاحتياجات التي كانت تتخذ لتعينها على المرض و تعجل لها الشفاء . لقد التأمت عظامها المكسورة التئاماً تاماً و مع ذلك فإنها ماتت .لماذا ؟ إن أهم عامل في شفائها لم يكن الفيتامينات ولا العقاقير و لا التئام العظام ، و لكنه كان الأمل و عندما ضاع الأمل تعذر الشفاء .

      أثرت هذه الحادثة في نفسي تأثيراً عميقاً ، و قلت في نفسي: لو أن هذه السيدة و ضعت أملها في الله ما ضيعها و ما انهارت و لما حدث لها ما حدث . و برغم أنني كنت أؤمن بالله خالق كل شيء بحكم اشتغالي بالعلوم الطبية ، فإنني كنت أوفق بين معلوماتي الطبية و المادية و بين اعتقادي في وجود الله كما لو لم تكن هنالك صلة بين هذين الأمرين .

      و لكن هل يوجد ما يدعو إلى هذا الانفصال بين هاتين الناحيتين ؟ ها هي ذي السيدة العجوز التي تم لها الشفاء و سلامة الجسد فقدت روحها و نظرة التفاؤل إلى الحياة . لقد عقدت كل آمالها حول ابنتها الوحيدة ، و عندما تخلت عنها ابنتها انهارت آمالها فواجهت الموت بدلاً من أن تواجه الحياة . و لقد صدق عيسى عليه الصلاة والسلام عندما قال : ." كيف ينتفع الإنسان بهذه الدنيا إذا ملكها كلها و فقد روحه ".

      لقد أيقنت أن العلاج الحقيقي لابد يشمل الروح و الجسم معاً و في وقت واحد ،و أدركت أن من واجبي أن أطبق معلوماتي الطبية والجراحية إلى جانب إيماني بالله و علمي به ، ولقد أقمت كلتا الناحيتين على أساس قويم . بهذه الطريقة وحدها استطعت أن أقدم لمرضاي العلاج الكامل الذي يحتاجون إليه . ولقد وجدت بعد تدبر عميق أن معلوماتي الطبية و عقيدتي في الله هما الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه الفلسفة الطبية الحديثة .

      و الواقع أن النتيجة التي وصلت إليها تتفق كل الاتفاق مع النظرية الطبية الحديثة عن أهمية العنصر السيكولوجي في العلاج الحديث ، فقد دلت الإحصائيات الدقيقة على أن 80% من المرضى بشتى الأمراض في جميع المدن الأمريكية الكبرى ترجع أمراضهم إلى حد كبير إلى مسببات نفسية ،و نصف هذه النسبة من الأشخاص الذين ليس لديهم مرض عضوي في أية صورة من الصور . و ليس معنى ذلك أن هذه الأمراض مجرد أوهام خيالية حقيقة ، و ليست أسبابها خيالية و لكنها موجودة فعلاً و يمكن الوصول إليها عندما يستخدم الطبيب المعالج بصيرته بها.

      فما هي الأسباب الرئيسية لما نسميه الأمراض العصبية ؟

      إن من الأسباب الرئيسية لهذا الأمراض الشعور بالإثم و الخطيئة و الحقد و القلق و الكبت و التردد و الشك و الغيرة و الأثرة و السأم . و مما يؤسف له أن كثيراً ممن يشتغلون بالعلاج النفسي قد ينجحون في تقصي أسباب الاضطراب النفسي الذي يسبب المرض ، و لكنهم يفشلون في معالجة هذه الاضطرابات لأنهم لا يلجأون في علاجها إلى بث الإيمان بالله في نفوس هؤلاء المرضى .

      ونحب فوق ذلك أن نتساءل عن هذه الاضطرابات الانفعالية و العوامل التي تسبب تلك الأمراض ، إنها هي ذاتها الاضطرابات التي جاءت الأديان لكي تعمل على تحريرنا منها.

      فلقد أحاط الله بقدرته و حكمته حاجاتنا النفسية و دبرلها العلاج الكامل . و لقد وصف الأخصائيون النفسيون القفل الذي يغلق باب الصحة ، و أدنا الله بالمفتاح الذي يفتح هذا الباب .و لا يمكن أن يقودنا التخبط الأعمى إلى فتح هذا القفل المعقد ، بل إنه لا يستطيع أن يمدنا بالمفتاح الذي يفتح باب الروح الإنسانية ، فالله وحده هو الذي يستطيع أن يهدينا طريق الصواب ،و يقول الشاعر كوبر في هذا المعنى :

      الجحود الأعمى يوقعنا في الأخطاء

      و يجعلنا نبعثر آياته و نكفر بها

      اسـتعـن بالله علـى فهـم الأمــور

      و سوف يوضح لك كل غامض عليك

      فماذا يخبرنا الله ـ المستعان على فهم الأمورـ عن هذه المفاتيح ؟ إن ذلك يتلخص في أننا نركب الإثم و الذنوب و نحتاج إلى عفو الله و مغفرته ، حتى نعود إلى رحابه و نعفو عن غيرنا إن المذنبين الذين ينالهم هذا الصفح تتجلى في نفوسهم روح الله فيذهب عنهم الخوف القلق ،و لا يكون هنالك سبيل إلى إصابتهم بالكبت و الغيرة و الأثرة .

      فعتدما تحل محبته في القلب ، تفارقها الشرور و الآثام ، و لا ينتابها السأم و تفيض بالآمال الحية التي تنبعث منها الحياة .

      لقد وجدت في أثناء ممارستي للطب أن تسلحي بالنواحي الروحية إلى جانب إلمامي بالمادة العلمية يمكناني من معالجة جميع الأمراض علاجاً يتسم بالبركة الحقيقة ،أما إذا أبعد الإنسان ربه عن هذا المحيط ، فإن محاولاته لا تكون إلا نصف العلاج ، بل قد لا تبلغ هذا القدر .

      فمعظم القرح المعدية لا ترجع إلى ما يأكله الناس كما يقال ، و إنما إلى ما تأكل قلوبهم ، و لابد لعلاج المريض بها من علاج قلبه و أحقاده أولاً ، و ليكن لنا أسوة بالأنبياء الذين كانوا يصلون من أجل أعدائهم و يدعون لهم بالخير . فإذا تطهرت قلوبنا وصرنا مخلصين ، فإننا نشق طريقنا نحو الشفاء ،و بخاصة إذا كان العلاج الروحي مصحوباً بتناول المواد ضد الحامضية و غيرها من العقاقير التي تساعد على الشفاء من هذه القرح .

      و هنالك كثير من الحالات النفسية التي يلعب الخوف و القلق دوراً هاماً فيها ، فإذا عولج الخوف و القلق على أساس تدعيم إيمان الإنسان بالله ، فإن الصحة و الشفاء يعودان إلى الإنسان بصورة كأنها السحر في كثير من الحالات .

      و لا يتسع المقام لذكر كثير من الحالات التي تم فيها الشفاء فوراً بسبب الالتجاء إلى الله والثقة به ، و قد وصفت كثيراً من هذه الحالات في أحد الكتب التي ألفتها وهو كتاب " الصحة تتدفق " ، و بينت في هذا الكتاب كيف كان الإيمان بالله جزءاً هاماً من العلاج النفسي و الطبي ، و كيف أدى إلى نتائج تدعو إلى العجب .

      إن الجسم الإنساني يصبح على أفضل ما يمكن عندما يكون على وفاق مع صانعه و خالقه ، و بدون ذلك يصيبنا الاضطراب و المرض .

      نعم هنالك إله . و لقد عرفته في مواطن كثيرة ، و هو الذي يشفي العظام المكسورة و القلوب المحطمة .


      (*)حاصل على درجة الماجستير و الدكتوراه من جامعة بنسفانيا عضو الإرسالية الطبية بالصين ـ عضو جمعية الجراحين الأمريكية ـ

      مؤلف عدة كتب في رسالة الطب .

      المصدر :

      عن كتاب "الله يتجلى في عصر العلم .."

      جمعها : جون كلوفر مونسما

      ترجمة الدكتور الدمرداش عبد المجيد سرحان

      الناشر مؤسسة الحلبي و شركاه للنشر و التوزيع القاهرة
    • الله و الكون المعقد


      الله و الكون المعقد

      جون وليم كلونس(*)



      عندما حاولت أن أكتب في هذا الموضوع جالت بخاطري حكمتان قديمتان من الحكم المقدسة و هما :

      " السماوات تشهد بجلال الله ، و إحكامها يدل على بديع صنعه ".

      " يقول الأحمق في نفسه : ليس هناك غله " .

      إن هذا العالم الذي نعيش فيه بلغ من الإتقان و التعقيد درجة تجعل من المحال أن يكون قد نشا بمحض الصدفة . إنه مليء بالروائع و الأمور التي تحتاج إلى مدبر ، والتي لا يمكن نسبتها إلى قدر أعمى . و لا شك أن العلوم قد ساعدتنا على زيادة فهم و تقدير ظواهر هذا الكون المعقد . و هي بذلك من معرفتنا بالله و من إيماننا بوجوده .

      و من التعقيدات الطريفة في هذا الكون ، ما نشاهده من العلاقات التوافقية الاضطرارية بين الأشياء أحياناً ؟ و من أمثلتها العلاقات الموجودة بين فراش اليوكا ونبات اليوكا و هو أحد النباتات الزنبقية . فزهرة اليوكا تتدلى على أسفل و يكون عضو التأنيث فيها أكثر انخفاضاً عن عضوا التذكير أو السداة . أما الميسم و هو الجزء من الزهور الذي يتلقى حبوب اللقاح ، فإنه على شكل الكأس و هو موضوع بطريقة يستحيل معها أن تسقط معها فيه حبوب اللقاح .

      و لابد أن تنتقل هذه الحبوب بواسطة فراشة اليوكا التي تبدأ عملها بعد مغيب الشمس بقليل، فتجمع كمية من حبوب اللقاح من الأزهار التي تزورها و تحفظها في فمها الذي بني بطرقة خاصة لأداء هذا العمل .

      ثم تطير الفراشة إلى نبات آخر من نفس النوع و تثقب مبيضها بجهاز خاص في مؤخرة جسمها ، ينتهي بطرف مدبب يشبه الإبرة و ينزل منه البيض . و تضع الفراشة بيضة أو أكثر ثم تزحف إلى أسفل الزهرة حتى تصل إلى القلم ، و هناك تترك ما جمعته من حبوب اللقاح على صورة كرة فوق ميسم الزهرة . و ينتج عدداً كبيراً من الحبوب يستخدم بعضها طعاماً ليرقة الفراشة و ينضج بعضها لكي يواصل دورة الحياة .

      و هناك علاقة مشابهة بين نبات التين و مجموعة من الزنابير الصغيرة فهناك نوعان من نبات التين، و ينتج هذا النبات عين من مجموعات الأزهار يحتوي أحدهما على الأزهار المذكرة و المؤنثة معا . أما الآخر فجميع أزهاره مؤنثة . و تقوم بتلقيح الأزهار المؤنثة في كلا النوعين السابقين إناث الزنابير . و تكون فتحة التخت الذي يحمل مجموعات الأزهار في كلا النوعين ضيقة إلى حد كبير بسبب إحاطتها بكثير من الأوراق الحرشفية مما يجعل وصول الحشرة إلى الداخل يتم بصعوبة كبيرة و يؤدي إلى تمزق أجنحتها . و عندما تدخل الحشرة إلى المجموعة التي تشتمل على الأزهار الذكرية و الأنثوية ، تضع الحشرة الأنثى بيضها ثم تموت ثم يفقس البيض و تتزاوج الشفافير الصغيرة الناتجة ، و لا يستطيع أن يخرج منها سوى الإناث ،أما الذكور فتموت ، و قبل أن تخرج الإناث تلتصق هبوات اللقاح بأجسامها فتحملها إلى مجموعات جديدة من الأزهار . فإذا كانت المجموعات الجيدة تشتمل على أزهار ذكور وأخرى إناث ، فإن العلمية تتكرر بالصورة السابقة ، أما إذا اشتملت المجموعة على أزهار إناث فقط ، فإن الفراشة تموت دون أن تضع البيوض .

      ففي هذه الحالة تكون الأزهار الإناث على درجة من الطول بحيث لا تستطيع أن تصل الحشرات إلى قاعدتها لكي تضع البيض هناك ، و عندما تحاول الحشرات أن تصل إلى هذه القاعدة العميقة دون جدوى تلقح الأزهار بما تحمله من هبوات اللقاح ، ثم تنضج الأزهار و تكون ثمار التين . و عندما أدخل التين إلى الولايات المتحدة لأول مرة لم يكن ينتج ثماراً و لم يمكن إنتاج الثمار و قيام و صناعة التين إلا بعد أن جلبت الشفافير إلى الولايات المتحدة .

      و هناك كثير من الأزهار التي تسجن الحشرات داخلا ، ومن أمثلتها الزهرة المسات " جاك المصورة " JACK IN THE PULPIT . و لهذا النبات نوعان من المجموعات الزهرية ، ذكور و إناث . و هي تتكون داخل مقصورات تضيق عند منتصفها . و يتم التلقيح بواسطة ذبابة دقيقة تدخل إلى المقصورة ولا تكاد تجتاز المنطقة الضيقة الوسطى حتى تجد نفسها سجينة ليس بسبب الضيق فحسب بل بسبب تغطية الجدران الداخلية بمادة شمعية منزلقة يتعذر معها على الحشرة أن تثبت أقدامها ، و عندئذ تدور الحشرات بصورة جنونية داخل المكان ، فتعلق هبوات اللقاح بجسمها . و بعد قليل تتصلب جوانب المقصورة بعض الشيء فتستطيع الحشرة الخروج بعد أن يكون جسمها تغطى بهبوات اللقاح . فإذا زارت الحشرة مقصورة مذكرة أخرى تكررت العملية السابقة ، أما إذا دخلت مقصورة أنثى فإنها تسجن في داخلها سجناً دائماً حتى تموت و عند محاولتها اليائسة للخروج ، تقوم بتلقيح الأزهار الأنثى . إن النبات في هذه الحالة لا يهتم بخروج الحشرة لأنها تكون قد أدت رسالتها ، أما عند زيارتها للمقصورات المذكرة فإنه يسمح لها بالخروج لأنها لا تكون قد أدت رسالتها بعد .

      أفلا تدل كل هذه الشواهد على وجود الله ؟إنه من الصعب على عقولنا أن تتصور أن كل هذا التوافق العجيب قد تم بمحض المصادفة ، إنه لابد أن يكون نتيجة توجيه محكم احتاج إلى قدرة و تدبير .

      و نستطيع أن نلمح أدلة أخرى على وجود الله و قدرته في تلك الحالات العديدة التي حاول الإنسان فيها أن يتدخل في توازن الطبيعة أو يعمل على تعديله.

      فمثلاً عندما نزل المهاجرون الأولون أستراليا ، لم يكن هنالك من الثدييات المشيمية إلا الدنجو ، و هو كلب بري . و لما كان هؤلاء المهاجرون قد نزحوا من أوربا فقد تذكروا ما كان يهيئه صيد الأرنب من فرصة طيبة لممارسة الصيد و الرياضة . و في محاولة لتحسين الطبيعة في أستراليا استورد توماس أوستين نحو أثني عشر زوجاً من الأرانب و أطلقها هناك، و كان ذلك سنة 1859 ،و لم يكن لهذه الأرانب أعداء طبيعيون في استراليا ، و لذلك فقد تكاثرت بصورة مذهلة ، وزاد عددها زيادة كبيرة فوق ما كان ينتظرون و كانت النتيجة سيئة للغاية . فقد أحدثت الأرانب أضراراً بالغة بتلك البلاد حيث قضت على الحشائش و المراعي التي ترعاها الأغنام . و قد بذلت محاولات عديدة للسيطرة على الأرانب، وبنيت أسوار عبر القارة في كوينزلاند بلغ امتدادها 7000 ميل و مع ذلك ثبت عدم فائدتها . فقد استطاعت الأرانب أن تتخطاها . ثم استخدم نوع من الطعم السام و لكن هذه المحاولة باءت هي الأخرى بالفشل . و لم يمكن الوصول آلة حل إلا في السنوات الأخيرة ، و كان ذلك باستخدام فيروس خاص يسبب مرضاً قاتلاً لهذه الأرانب هو مرض الرض المخاطي . و قد لا يكون هذا هو الحل الأخير ، فقد أخذنا نسمع أخيراً عن ظهور أرانب حصينة لديها مقاومة كبيرة لهذا المرض في استراليا . ومع ذلك فقد أدى انخفاض عدد الأرانب هنالك إلى منافح جمة ، و تحولت مناطق البراري القاحلة و الجبال المقفرة التي بقيت عشرات السنين إلى مروج خضراء يانعة . و قد ترتب على ذلك في الإيراد من صناعة الأغنام وحدها قدرت 1952 ـ 1953 بما يبلغ 84 مليون جنيه .

      ومن الممكن أن يكون لدينا مشكلة أرانب مشابهة في الولايات المتحدة الأمريكية ، فالأرانب الأوربية تختلف في نوعها عن الأرانب التي كانت تستوطن أمريكا ، و التي لا تعرف الآن إلا في جزيرة سان جوان حيث تعيش في عزلة تامة سنة 1900 . و قد حاول أصحاب بعض نوادي الصيد ـ بحسن نية طبعاً ـ أن يعمموا نوع الأرنب المسمى سان جوان في الولايات المتحدة كلها بسبب صعوبة استيراد النوع المسمى ذيل القطن و انتقاله من ولاية إلى أخرى كما كانت الحال من قبل . و كان من الممكن أن تصبح النتيجة خطيرة للغاية لأن أرانب السان جوان تتكاثر في الولايات المتحدة بنفس السرعة التي تتكاثر بها الأرانب في أستراليا . و من الاحتياطات الحديثة التي أتخذت لتلافي هذا الخطر رفع الحظر عن صيد هذا النوع من الأرانب على مدار السنة .

      و من الطريف أن استخدام فيروس الأرانب في أوربا قد أحدث أثره هنالك . فقد أحضر طبيب فرنسي من المهتمين بالموضوع ـ بسبب ما أحدثته الأرانب من الأضرار للأشجار في حديقـته ، بعض هذا الفيروس و حقن به بعض الأرانب البرية في فرنسا ، بل الأقاليم الأوربية المجاورة أيضاً . و يتجادل الناس حول هذا الموضوع فتختلف وجهات نظرهم . فمنهم من يرى أن العمل قد أدى إلى خفض كمية اللحوم التي كانت تعيش عليها الطبقات الفقيرة . و منهم من يرى أن هذا العجز يعوضه تحسين الإنتاج النباتي بعد انخفاض عدد الأرانب .

      (*) عالم في الوراثة ـ حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة بيتسب أستاذ علم الأحياء و الفسيولوجيا بكلية المعلمين بكلونكورديا منذ 1945 عضو جمعية الدراسات الوراثة ـ مختص في الوراثة و علم البيئة .


      المصدر :

      عن كتاب "الله يتجلى في عصر العلم .."

      جمعها : جون كلوفر مونسما

      ترجمة الدكتور الدمرداش عبد المجيد سرحان

      الناشر مؤسسة الحلبي و شركاه للنشر و التوزيع القاهرة
    • الله والقوانين الكيماوية


      الله والقوانين الكيماوية

      جون أزولف بوهلر





      لكي ندرك كيف تنسب القوانين الكيماوية إلى الله و نتبين مبلغ قصور العقل الإنساني ، و نعرف لماذا ينبغي أن يتواضع الناس جميعاً حتى أولئك الذين نعتبرهم من العباقرة فإنني أحب أن أعرض على قرائي لمحة موجزة عن علم الكيمياء ، الذي هو ميدان تخصصي .وسوف أحاول الابتعاد عن المصطلحات الفنية و أن أكون واضحا ما استطعت.

      فمنذ فجر المَدنية و الإنسان يحاول أن يفهم كنه التغيرات التي تطرأ على ما يحيط به من عالم الماديات . و قد كان فهمه للمادة في بادئ الأمر يشوبه النقص و الغموض ، و كان ديمقريطس الذي عاش قيل الميلاد بنحو 400 سنة أول من وصل عن طريق التخمين إلى أن جميع الأشياء تتألف من دقائق صغيرة تعتبر كل منها وحدة قائمة بذاتها . و تختلف هذه الفكرة عما كان شائعاً من قبل من أن المادة تتألف من كتلة واحدة متصلة .

      و لما كانت فكرة ديمقريطس لا تتفق مع ما تشاهده العين من أمر المادة ، فقد بقيت هذه الفكرة مدفوعة تحت أنقاض ما كان يسود ذلك العهد من شك في صحتها .

      و ظلت الكيمياء القديمة من ضروب الشعوذة و السحر ألفي سنة و هي تحاول أن تجد تفسيراً لمعنى المادة . و في حوالي متصف القرن السابع عشر عاد روبرت بويل إلى فكرة ديمقريطس من جديد و أطلق اسم العنصر على كل مادة من المواد البسيطة التي لا يمكن تحوليها في المعمل إلى أبسط منها .و العناصر بهذا المعنى تختلف عن المعنى الذي ذهب إليه أرسطوطاليس حينما رأى أن العناصر التي تتألف منها المادة هي الأرض و النار و الهواء و الماء . و في سنة 1774 أكتشف جون بريستلي الأوكسجين و في سنة 1776 توصل لورد كافينديش إلى عنصر الإيدروجين ،وبعد فترة وجيزة اكتشف لافوزييه أن الهواء خليط من الأوكسجين و النيتروجين . واستنبط أن الماء هو الآخر لا يمكن أن يكون عنصراً لأنه يمكن تحضيره بإحراق الأيدروجين في الهواء لقد كان علم الكيمياء يتقدم بحق ، و في عام 1799 توصل الكيماوي الفرنسي جوزيف براوست إلى أن المواد الكيماوية النقية مثل ملح الطعام يكون لها تركيب ثالث ، بصرف النظر عن مصدرها . أما بيرثوليت فكان يناقضه و يرى أن الملح المحضر من أماكن مختلفة على سطح الأرض يختلف في تركيبها تبعاً لاختلاف هذه الأماكن.

      و لقد كسب براوست الجولة بعد مضي ثمان سنوات قضاها في إجراء التجارب و بذلك تبين أن للمركبات تركيباً ثابتاً.

      و في سنة 1808 حاول دالتون ـ و كان مدرساً ـ أن يجمع كل ما هو معروف من المعلومات الكيماوية حتى ذلك الوقت ، وأن يجد تفسيراً لثبات العناصر والمركبات . و قد توصل إلى النظرية الذرية للمادة . فقد كان يرى أن العناصر تتكون من جزيئات صغيرة سماها الذرات و توصل إلى أن الذرات العنصر الواحد لابد أن تكون متكافئة من جميع الوجوه أما ذرات العناصر المختلفة فمتباينة .

      و قد افترض دالتون أن الذرات غير قابلة للكسر فهي لا تستطيع أن تتحول إلى صورة أصغر . و قد أرجع اختلاف العناصر في صفاتها الطبيعية و الكيماوية إلى ما بين ذراتها من اختلاف في الوزن و الخواص الأخرى . كما بين أن ثبات المركبات يرجع إلى اتحاد العناصر الداخلية في تركيبها بنسب دقيقة ثابتة في المركب الواحد . و عندئذ أتضح أن الظواهر الكيماوية تخضع لقوانين معينة مثل قانون بقاء المادة و قانون ثبات التركيب و قانون بقاء الطاقة .

      و بهذه الوسائل التي تسلح بها الكيماويون في بحوثهم العلمية ، تحول علم الكيمياء من علم وصفي إلى علم قياسي يعتمد على القياس الدقيق .و ما إن فتح ذلك الطريق على أساس الاتجاه حتى ظهر التقدم الحقيقي ، وصار من المقرر أن دراسة الكيمياء تقوم على أساس الانتظام و القوانين . بذلك تحولت الكيمياء إلى صف العلوم . و تقدمت دراستها في نصف القرن الذي تلا دالتون تقدماً كبيراَ وسارت في نفس الاتجاه الذي حددته قوانين نيوتن ، و نجح العلماء في زيادة عدد العناصر في سنة 1900 و بذلك ضربت الكيمياء رقماً قياسياً في تقدمها.

      لقد كان دالتون يعتبر الذرة كتلة صلبة من المادة تخضع لقوانين نيوتن . و في النصف الأخير من القرن التاسع عشر أجريت تجارب عديدة اتضح منها أن هنالك ذرات أكثر تعقيداً من الذرات التي وصفها دالتون ، فقد بدأ ماسون في سنة 1853 بإمرار تيار كهربائي خلال أنبوبة مفرغة . ثم حاول جسلر أن يعيد التجربة السابقة مستخدما تياراً أقوى و مجموعة من الغازات المختلفة داخل الأنابيب المفرغة .

      و في سنة 1878 استطاع كر وكس باستخدام أنابيب مفرغة إلى درجة لم يحصل عليها سابقوه ، أن يلاحظ بريقا عجيبا داخل الأنبوب عند إمرار التيار الكهربي بها . و قد أثبت طويون أن هذه الأشعة العجيبة تحمل شحنات كهربية سالبة ، و أنها تتحرك بسرعة لا يتصورها العقل ، و أنها تكاد تكون عديمة الوزن ،و قد سميت هذه الأشعة أشعة المهبطية ، كما سميت الأنابيب التي تتلون داخلها أشعة المهبط . وقد تبين أخيراً أن هذه الأشعة ليست إلا سيلا من الالكترونات المتدفقة .

      ثم اكتشفت بعد ظاهرة النشاط الإشعاعي ، التي اكتشفتها بكويرل و آل كوري . و قد فتح هذا الاكتشاف عالما جديدا من الجزيئات التي هي دون الذرات . و لم يعد ينظر إلى الذرة على أنها جسم صلب مصمت ، بل صار ينظر إليها على أنها تشبه مجموعة شمسية مصغرة ن تقع كتلتها الكبرى في مركزها حيث تتجمع البروتونات الموجبة ، و من حول هذه الكتلة يتم توزيع الالكترونات السالبة التي هي ليست إلا وحدات من الطاقة تتحرك حول المركز في نظام معين .

      و تتوقف الخواص الطبيعة و الكيماوية للذرة على ما يحمله حول المركز في نظام معين . و تتوقف على طريقة ترتيب الالكترونات حول النواة . و قد بذلت محاولات في بادئ الأمر لتطبيق قوانين نيوتن على الجزيئات دون الذرة ، و لكن اتضح بعد قليل أن هذه القوانين لا تنطبق على تلك الجزيئات الدقيقة . و قد دعا ذلك إلى ضرورة قيام طرق جديدة أخرى للحساب فنشأت نظرية " الكوانتم " أو نظرية الكم . و هي تساعدنا على أن تعبر تعبيراً رياضياً عن احتمال سلوك البروتونات و الالكترونات و غيرها من الجزيئات دون الذرية .

      و في سنة 1927 توصل هايزنبرج إلى نظرية " الشك " أو عدم التحديد لكي يبين لماذا لا تخضع الجزيئات دون الذرية لقوانين نيوتن و ينص هذا المبدأ على أنه من المحال تعيين موضع أي جزيء وسرعته في لحظة واحدة . فكلما حاولنا أن نشاهد إلكترونا نجد أننا نغير من حالته ، و قد يتناول التغيير مكانه أو سرعته أو كليهما .

      و على ذلك فإننا نستطيع أن نتكلم عن احتمال حدوث ظاهرة ، ولكننا لا نستطيع أن نحددها تحداً دقيقاً ، و عندئذ نقول إن الطبيعة تخضع لقوانين المصادفة الإحصائية . و نحن في العادة نتعامل مع أعداد كبيرة جداً من الأيونات أو الجزيئات في المعمل ، أعداد تبلغ الملايين ، فعندما نمزج المحاليل يسلك كل أيون من الأيونات الداخلة في التفاعل سلوكا خاصاً ، سلوك غير منتظم ، لا نستطيع أن نتنبأ به ، و مع ذلك فإننا نستطيع أن نقدر نتائج التفاعل الكلي تقديرا بالغ الدقة . و قد يكون هنالك مئات الآلاف من الأيونات التي لم تشترك في التفاعل و لكن مادامت الموازين التي نستخدم عاجزة عن تقدير هذا القدر الضئيل منها فإننا نعتبر أن التفاعل قد أكتمل و بلغ درجة التمام .

      و يشير دينوي إلى ذلك فيقول : إن كل شيء يتوقف على معايير الملاحظة التي تستخدمها ، و إن ما قد نعتبره تاماً أو كاملا باستخدام أحد المعايير قد لا يكون كذلك عندما نستخدم معياراً آخر ، فإذا مزجنا جراماً من الكربون لأحد الميكروبات التي تزحف فوق هذا التل من الخليط ، فإنه يبدو على صورة مجموعة من الكتل السوداء التي تجاورها كتل بيضاء . و يرجع ذلك إلى اختلاف مستوى الملاحظة في حالة الميكروب عنده في حالتنا .

      أما لماذا تخضع الكيمياء للقوانين التي اكتشفناها ، فيرجع إلى أنها علم إحصائي . و على ذلك فإن القوانين الطبيعية الكيماوية تقوم في أساسها على عدم الانتظام .أما ما نشاهده من انتظام الظواهر فيرجع إلى أننا نتعامل مع أعداد بالغة الكبر تخضع في مجموعها لقوانين الإحصاء و تعطي نتائج محددة . ومن أن النظام الذي نشاهده و التوافق الذي نلاحظ إنما يخرجان من الفوضى .

      فما هي القوى الموجهة التي وراء هذه القوانين الإحصائية ؟

      عندما يطبق الإنسان قوانين المصادفة لمعرفة مدى احتمال حدوث ظاهرة من الظواهر في الطبيعة مثل تكون جزيء واحد من جزيئات البروتين من العناصر التي تدخل في تركيبه ، فإننا نجد أن عمر الأرض الذي يقدر بثلاثة بلايين من السنين أو أكثر لا يعتبر زمنا كافيا لحدوث هذه الظاهرة و تكون هذا الجزيء عن طرق المصادفة إن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا كانت هناك قوة موجهة إلى غاية محددة و تعيننا على إدراك كيف يخرج النظام من الفوضى .

      و لابد أن نسلم بأننا لا نعرف حتى الآن كل ما يمكن أن يعرف عن المادة و الطاقة ، فنحن لا نزال في بداية الطريق . و قد يكون ما سميناه عدم نظام أو فوضى على المستوى دون الذري مخالفاً لذلك كل المخالفة ، فقد تكون أفكارنا خاطئة أو متأثرة بنقص معلوماتنا عن الظواهر المختلفة أو تقيدنا بجانب غير سليم من الملاحظة .

      إن الإنسان يشاهد التنظيم و الإبداع حيثما ولى وجهة في نواحي هذا الكون . و يبدو أن هذا الكون يسير نحو هدف معين ، كما يدل على ذلك النظام الذي نشاهده في الذرات ، فهناك نظام معين تتبعه الذرات جميعها من الأيدروجين إلى اليورانيوم وما بعد اليورانيوم .و كلما أزداد علمنا بالقوانين التي تتحكم في توزيع البروتونات و الإلكترونات لإنتاج العناصر المختلفة ، أزداد إيماننا بما يسود عالم المادة من توافق و نظام ، و قد يجيء اليوم الذي ينكشف لنا فيه كيف تتجمع الطاقة لكي تكون تلك الكتل من المادة . و لقد كان أينشتاين أول من أظهر العلاقة الموجودة بين المادة و الطاقة . و لا يزال الإنسان في بداية الطريق لكشف أسرار الطاقة الذرية ، و قد نستطيع في يوم من الأيام أن تحول الطاقة إلى مادة .

      و تدل الشواهد على وحدة الكون من الوجهة الكيماوية . و لدينا من الطرق و الوسائل ما يمكننا من اختبار كثير من العناصر الموجودة في الكواكب الأخرى ، و معرفة أنها هي نفس العناصر التي توجد على الأرض . و حتى النجوم البعيدة عنا فإنها تشتمل على عناصر مشابهة لعناصر الأرض . و يعتقد العلماء أن القوانين الطبيعية التي تتحكم في هذا الكوكب هي عينها القوانين التي تخضع لها النجوم و الكواكب الأخرى في أفلاكها النائية المترامية في الفضاء . فحيثما اتجهنا نجد الإبداع و النظام و التوافق ، حتى هنالك ظل من شك عندي في أن إلهاً قادراً قد أبدع هذا الكون و بناه وحدد وجهته و غايته .

      و كنت أرجو أن يتسع الوقت و المكان لذكر كثير من الأمثلة الأخرى التي تدل على روعة الإبداع و جلال النظام ،و لكنني أحب ا، أوجه نظر القارئ إلى دورة الماء على الأرض و دورة ثاني أوكسيد الكربون و دورة النشادر و دورة الأكسجين التي تشهد كل منها بحكمة و تدبير و قوة لأحد لها .

      و برغم أن هنالك كثيراً من الأشياء في الطبيعة مما لم يصل الإنسان بعد إلى معرفة كنهه أو تفسيره و مما لا يزال يكتنفه الغموض ،فإننا لا نريد أن نقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه الأقدمون عندما اتخذوا آلهة لكي يجدوا تفسيراً لما غمض عليهم ، و حددوا لكل إله قدرته و عينوا له وظيفته و دائرة تخصصه ... و عندما تقدمت العلوم و أمكن فهم كثير من الظواهر الغامضة و معرفة القوانين التي تخضع لها ، لم يعد هؤلاء الناس في حاجة إلى الآلهة التي نتلمس قدرة الله في النظام الذي خلقه و القوانين التي تحكمها و لكن الإنسان عاجز عن أن يسن تلك القوانين ، فهي من صنع الله وحده .و لا يفعل الإنسان أكثر من أنه يكتشفها ثم يستخدمها في محاولة إدراك أسرار هذا الكون.

      و كل قانون يكتشفه الإنسان يزيده قربا من الله ، و قدرة على إدراكه ، فتلك هي الآيات التي يتجلى بها الله علينا ، و قد لا تكون هذه هي طريقته الوحيدة في هذا التجلي ، فهو يتجلى أيضا في كتبه المقدسة مثلاً، و مع ذلك فإن طرقة تجليه تعالى في آياته التي نشاهدها في هذا الكون تعتبر بالغة الأهمية بالنسبة لنا .

      عن كتاب "الله يتجلى في عصر العلم .."

      جمعها : جون كلوفر مونسما

      ترجمة الدكتور الدمرداش عبد المجيد سرحان

      الناشر مؤسسة الحلبي و شركاه للنشر و التوزيع القاهرة
    • المـردقـــوش


      المـردقـــوش

      (Orignm marjorana)




      قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " عليكم بالمردقوش فإنه جيد للخشام " و الخشام هو الزكام .

      الثابت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وصفه في حالات الحجام أي الزكام كما ورد استخدامه في الطب النبوي في علاج ضغط الدم ، و عسر الطمث عند السيدات ، كما أنه يزيل الماء الزائد من الجسم .

      الإعجاز العلمي :

      1 ـ قال الدكتور عبد الباسط محمد السيد أنه وجد بالتجريب العلمي ، أن المستخلص المائي المحتفظ بالزيوت الطيارة ، من هذا العشب ، له أثر فعال في تنظيم هرمونات الرنين ، و الآلدوستيرون ، والبروستاجلاندين ، وهي هرمونات الغدة الجاركلوية ، و بهذا يتفق استخدامه مع ما أشار إليه سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم في علاج ضغط الدم المرتفع .

      2 ـ كما وجد الدكتور عبد الباسط أنه ينظم هرمون البرولاكتين ، وأنه عند تجريبه بواقع كوبين من المستخلص المائي منه ـ فإنه يحل محل الدواء الكيميائي ، و بذلك يستخدم العشب في علاج حالات عدم انتظام الدورة الشهرية ، و كذلك عسر الطمث . و من ناحية أخرى فإنه يستخدم بنجاح في علاج حالات تسمم الحمل ، إذ إنه آمن تماماً أثناء الحمل .

      3 ـ و لما كان هذا العشب يحتوي على مولدات الهرمونات في صورة تربينات ، لذا فإنه مفسد لتنظيم الهرمونات ، و بعبارة أوضح يعيد الاتزان الهرموني . و إذا أخذه الأصحاء فإنه لا يؤثر في اتزانهم الهرموني ، بل يؤدي دوره في إسراع التمثيل الغذائي General anabolic .

      و من الغريب في هذا العشب أنه إذا أخذ مساءً فإنه يؤدي إلى الأسترخاء .

      4 ـ نظراً لأنه منشط عام ، و يعمل على إعادة الاتزان الهرموني ، فإنه يزيل الماء الزائد من الجسم .

      5 ـ يستخدم البردقوش في صورة شاي في الولايات المتحدة الأمريكية ، و يباع حراً في مخازن الأدوية ،على أنه ينظم الهرمونات ، و ينظم الدورة الدورة الشهرية ، و يزيل متاعب الظمث و عسره ، ويشيرون إلى علاقته بهرمون البرولاكتين المسؤل عن دم انتظام الدورة .

      6 ـ ثبت حديثاً أن المستخلص المائي المحتفظ بالزيوت الطيارة منه يخفض سكر الدم بنسبة تصل إلى 15 % .

      7 ـ أما عن استخدامه في الحجام ،أي الزكام ، فقد وجد أنه له علاقة وثيقة بتوسيع الشعب الهوائية .

      8 ـ ثبت أيضاً أن له علاقة وثيقة بإزالة الصداع النصفي .

      9 ـ يستخدم الزيت الناتج منه في علاج المفاصل ، و الآلام الروماتزمية ، كما أنه مهدىء و طارد للغازات .

      10ـ يستخدم في الولايات المتحدة الأمريكية كمضاد للميكروبات ، إذ يوضع مع اللحوم المصنعة كمادة حافظة طبيعية .


      المصـدر : كتاب : التداوي بالنبات و الطب النبوي تأليف الدكتور عبد الباسط محمد السيد أستاذ مادة الجراثيم و المكروبات في الجامعات المصرية .
    • غيث الاستسقاء


      غيث الاستسقاء



      إن الله خلق الخلق وقدر المقادير وأجرى السنن لانتظام سير الكون ، وضبط تعامل المخلوقات مع تلك السنن ولتكيف حياتها وفقاً لها، ولكن الذي قدر تلك السنن يستطيع أن يوجد آثارها عن طريقها أو عن طريق سنن أخرى غيرها أو بأي كيفية يريدها في أي وقت يشاء. قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ (يس:82). ومن ذلك ما نعرفه من إجابة الله لدعاء المسلمين الذين يخرجون لصلاة الاستسقاء عندما يشتد الجفاف في بلادهم فيفرج الله عنهم كربهم ويجيب دعوتهم ويسوق الغيث إليهم في غضون ساعة أو ساعات ، وبعضهم لا يرجع من مكان صلاة الاستسقاء إلا تحت وقع المطر في وقت يئس الناس فيه من سقوط المطر ، لأن السنن المعتادة لنزوله غير متوفرة. لكن خالق السنن سمع استغاثة الداعين ولجوء اللاجئين إليه ورأى مكانهم الذي هم فيه فساق إليهم المطر بسنن أخرى إلى مكانهم المحدد على وجه الأرض، وهو القائل سبحانه: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ (يس:82). والقائل سبحانه ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ (البقرة:186)سل أباك وأمك أو أحد أقربائك وسل شيوخك العارفين برحمة ربك سميع الدعاء، سلهم عن إجابته دعوة المضطرين، وإغاثة الملهوفين، سلهم كم أصيبت أراض بالجفاف، وانعدم المطر، فخرج المسلمون كما علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون ربهم مستغيثين فيجيبهم وينشر رحمته عليهم. ذلك هو التطبيق العملي الذي نعرف به أن الخالق سبحانه هو سميع مجيب الدعاء وهو القائل: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة:186).

      من غيث الاستسقاء- وإليك بعض الأمثلة:

      أ- في منطقة حرف سفيان(14)عام 1973م كان الصينيون يشقون طريق صنعاء -صعده وكانت لهم محطة أشغال في تلك المنطقة وحفروا للناس آباراً ارتوازية، إذ اشتد الجفاف في تلك المنطقة، فقال الشيخ عبدالله عشيش:" تعالوا نخرج لصلاة الاستسقاء"، فلم يستجب الناس وخرج معه شخص واحد اسمه يحيى الأقطل وصليا صلاة الاستسقاء في مزرعة يحيى الأقطل ودعوا الله تعالى فأنزل الله المطر على تلك المزرعة دون غيرها من الأراضي الزراعية. وبعد بضعة أشهر نبت الزرع في تلك المزرعة فكان المسافر إذا مر يرى منطقة فيها زرع وباقي الأراضي ميتة ليس فيها زرع فيسألون فيقال لهم هذا زرع يحيى الأقطل الذي صلى صلاة الاستسقاء !

      ب- وفي عهد الحكم الشيوعي بالحبشة اشتد القحط والجفاف وضاق الناس به حتى هلكت كثير من المواشي ومات بعض الناس جوعاً. فاضطرت الحكومة الشيوعية للسماح للمسلمين والنصارى بإظهار شعائر العبادة والدعاء لإنزال المطر. فقام النصارى في كنائسهم بالدعاء والصلاة من أجل إنزال المطر، ولكن لم يستجب الله لهم.ودعا إمام الجامع الكبير بأديس أبابا الذي يعتبر إماماً للمسلمين هناك إلى صلاة الاستسقاء في يوم معين وندب المسلمين للصيام ثلاثة أيام قبل ذلك فخرجوا لصلاة الاستسقاء، ففرح الشيوعيون بذلك ظناً منهم أنهم سيسخرون منهم كما سخروا من النصارى قبلهم.ولقد ذكر إمام المسلمين في الحبشة لفضيلة الشيخ الزنداني عن هذه الحادثة:" أصبحنا في مشكلة، فلم يعد همنا نزول المطر بل أصبح همنا الخوف من الفضيحة بين النصارى والشيوعيين! فأخذنا ندعو الله ونلح في الدعاء إلى أن جاء موعد صلاة الاستسقاء فخرجنا وصلينا صلاة الاستسقاء فلم يأت وقت العصر حتى أنزل الله المطر مدراراً بعد سنوات من الجفاف. فكان غيثاً للأرض وغيثاً لقلوب الشباب ، وقال النصارى هذا مطر المسلمين وأقبل كثير من الشباب على الإسلام بعد أن كانوا قد اعرضوا عنه .

      جـ- ولقد ذكر للشيخ عبد المجيد الزنداني شيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق رحمه الله : اشتد على أهل سيناء الجفاف فأخبروني بذلك فقلت لهم: "صلوا صلاة الاستسقاء". فجمع المحافظ الناس والعلماء. وخرجوا لصلاة الاستسقاء فأنزل الله المطر سيولاً غزيرة فاتصل بي المحافظ قائلاً: "يا شيخ المطرُ زادَ علينا فماذا نفعل ؟" فقلت له أدعو الله أن اجعله حوالينا لا علينا.

      د- فاز الطيب أوردغان أحد قيادات حزب الرفاه الإسلامي في تركيا في أواسط التسعينيات برئاسة بلدية اسطنبول في تركيا فقدم خدمات هائلة للناس، وبقي عليه مشكلة الماء حيث كان نصيب الفرد من الماء مرة كل شهر ، فقال: "لقد تعلمنا في معاهد الدعاة والأئمة أنه إذا اشتد الجفاف يخرج الناس لصلاة الاستسقاء". فدعا الناس إلى ذلك فاشتدت سخرية العلمانيين من دعوته واشتد حرج المؤمنين من تلك السخرية. وقال لي الشيخ أمين سراج إمام جامع الفاتح باسطنبول: "لقد خرجنا لصلاة الاستسقاء وهّمنا شماتة العلمانيين ، فكنا نستغيث بالله ألا يفضحنا ونزلت الأمطار في اليوم الثاني لصلاة الاستسقاء ، واستمر نزول المطر حتى امتلأت سدود اسطنبول واكتفى الناس."



      هـ- وحدث في عام 1417هـ أن قام فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني بزيارة لمنطقة يهر بيافع من بلاد اليمن، وكانت المنطقة تعانى من الجفاف وشحة المياه، فقال الناس له أثناء محاضرة للشيخ معهم كانت في الهواء الطلق: "انظر يا شيخ إلى الزرع كاد أن يذبل وإلى البُنّ كاد أن ييبس فاستسق الله لنا" فطلب منهم أن يؤمنوا على دعاءه وأن يُخلصوا الدعاء، فدعوا الله وحينها قال أحد الحاضرين: "إذا نزل المطر فسأصلي وأتوب من اليوم!" وما هي إلا ساعة وثلث الساعة تقريباً حتى نزل المطر منهمراً على تلك المنطقة والوادي بعد أن كان الجو جافاً لا تلوح فيه قزعة سحابٍ فسبحان مجيب الدعاء .

      المصدر : نقلا عن كتاب علم الإيمان تأليف فضيلة العلامة عبد المجيد الزنداني