من أروع الكتب التي قرأتها ( ماذا يعني انتمائي للإسلام - المؤلف / فتحي يكن - رحمة الله عليه ) الكتاب يتكون من قسمين وسنبدأ بالقسم الاول ، ادعوا الله لكم بالاستفادة
[B]إن كثيرًا من الناس مسلمون بالهوية .. أو مسلمون لأنهم ولدوا من أبوين مسلمين .. وهؤلاء وأولئك لا يدركون ـ في الحقيقة ـ معنى انتمائهم للإسلام، ولا يعرفون مستلزمات هذا الانتماء .. ولذلك تراهم في وادٍ والإسلام في وادٍ ! .
[/B]
فالانتماء للإسلام ليس انتماء بالوراثة .. ولا انتماء بالهوية .. كما أنه ليس انتماء بالمظهر الخارجي ..
إنما هو انتماء للإسلام، والتزام بالإسلام، وتكيف بالإسلام، في كل جوانب الحياة.
وفيما يلي سنبين باختصار أبرز الصفات التي يفترض توفرها في المسلم ليكون انتماؤه لهذا الدين صادقًا .. { هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدًا عليكم وتكونوا شهداء على الناس }.
أولاً - أن أكون مسلمًا في عقيدتي
إن أول شرط من شروط الانتماء إلى الإسلام والانتساب لهذا الدين أن تكون عقيدة المسلم سليمة صحيحة، متوافقة مع ما جاء في كتاب الله وفي سنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، يؤمن بما آمن به المسلمون الأوائل سلفنا الصالح وأئمة الدين المشهود لهم بالخير والبر والتقوى والفهم السليم لدين الله عز وجل .
وحتى أكون مسلمًا في عقيدتي فإن ذلك يوجب علي ما يلي :
1ـ أن أكون مؤمنًا بأن خالق الكون إله حكيم قدير عليم قيوم،بدليل أن هذا الكون من الإحسان والإتقان والتناسق وافتقار بعض أجزائه إلى بعض بحيث يستحيل عليه البقاء والاستمرار دون إمساك هذا الإله العلي القدير { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون } ( الأنبياء : 22 ) .
2ـ أن أكون مؤمنًا بأن الخالق ـ جل شأنه ـ لم يخلق هذا الكون عبثًا ولا سدى ؛لأنه لا يتأتى لمن اتصف بالكمال أن يكون عابثًا فيما خلق، ويستحيل فهم مراد الله بهذا الخلق بالتفصيل إلا عن طريق رسول منه ووحي ..{ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون، فتعالى الله الملك الحق لا اله إلا هو رب العرش الكريم }( المؤمنون : 116).
3ـ أن أكون مؤمنًا بأن الله سبحانه قد أرسل الرسل وأنزل الكتب لتعريف الناس به وبغاية خلقهم ومنشئهم ومعادهم، وكان آخر أولئك الرسل الكرام محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي أيده الله بالقرآن الكريم المعجزة الخالدة .{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة } ( النحل : 36 ) .
4ـ أن أكون مؤمنًا بأن الغاية من الوجود الإنساني هي معرفة الله ـ عز وجل ـ كما وصف نفسه وطاعته وعبادته {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } ( الذاريات : 56 ـ 58).
5 ـ أن أكون مؤمنًا بأن جزاءالمؤمن المطيع هو الجنة، وأن جزاء الكافر العاصي هو النار { فريق في الجنة وفريق في السعير } ( الشورى 7 ) .
6 ـ أن أكون مؤمنًا بأن الإنسان يكسب الخير والشر باختياره ومشيئته، ولكنه لا يوقع الخير إلا بتوفيق من الله وعون، ولا يوقع الشر جبرًا عن الله، ولكنه في إطار إذنه ومشيئته { ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها } ( سورة الشمس ) . { كل نفس بما كسبت رهينة } ( المدثر 38 ) .
7 ـ أن أكون مؤمنًا بأن التشريع حق الله وحده لا يجوز تعديه، وأنه يمكن للعالم المسلم أن يجتهد في استنباط الأحكام في إطار ما شرعه الله { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب }.
8 ـ أن أتعرف على الله من أسماء وصفات تليق بجلاله .. فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لله تسعة وتسعون اسمًا ـ مائة إلا واحدًا ـ لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر ) رواه البخاري ومسلم .
9 ـ أن أتفكر في خلق الله وليس في ذاته، امتثالاً لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله، فإنكم لن تقدروا قدره ) رواه أبو نعيم في الحلية .
10 ـ أما صفاته ـ تعالى ـ فقد أشارت إليها آيات كثيرة من القرآن الكريم، والتي يقتضيها كمال الألوهية، فهنالك آيات أشارت إلى وجود الله ـ تبارك وتعالى ـ وهنالك آيات أشارت إلى صفتي البقاء والقدم لله ـ تبارك وتعالى ـ وهنالك آيات أشارت إلى مخالفة الله ـ تبارك وتعالى ـ للحوادث من خلقه، وتنزهه عن الولد والوالد والشبيه والنظير .. وهنالك آيات أشارت إلى قيام الله ـ تبارك وتعالى ـ بنفسه واستغنائه عن خلقه مع حاجتهم إليه .. وهنالك آيات أشارت إلى وحدانية الله في ذاته وصفاته وأفعاله وتصرفاته .. وهنالك آيات أشارت إلى قدرة الله ـ تعالى ـ وباهر عظمته .. وهنالك آيات أشارت إلى سعة علم الله ـ تبارك وتعالى ـ وإحاطته بكل شيء .. وهنالك آيات أشارت إلى إرادة الله وأنها فوق كل إرادة ومشيئة .. وهنالك آيات أشارت إلى اتصاف الله بالحياة الكاملة .
وهنالك آيات وآيات أشارت إلى صفات وكمالات لله ـ تبارك وتعالى ـ لا تتناهى ولا تدرك كنهها عقول البشر، سبحانه لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه .
11 ـ أعتقد أن رأي السلف أولى بالاتباع، حسمًا لمادة التأويل والتعطيل، ولتفويض علم هذه المعاني إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ وأن تأويلات الخلف لا توجب الحكم عليهم بكفر ولا فسوق، ولا تستدعي هذا النزاع الطويل بينهم وبين غيرهم قديمًا وحديثًا .
12 ـ أن أعبد الله لا أشرك به شيئًا، استجابة لدعوة الله على مدار الرسالات والرسل التي دعاهم فيها إلى عبادته وحده وعدم الخضوع لسواه { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } ( النحل : 36 ) .
13 ـ أن أخشاه ولا أخشى غيره .. وأن تكون خشيتي له دافعة للبعد عن مساخطه ومحارمه { ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون } ( النور :52).
{ إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير } ( الملك : 12 ) .
14 ـ وأن أذكره وأديم ذكره، وأن يكون صمتي فكرًا ونطقي ذكرًا، فذكر الله ـ تعالى ـ هو العلاج النفسي الأقوى، وهو السلاح الأمضى أمام عاديات الزمن وكروب الحياة ونائباتها، وهذا ما تفتقر إليه البشرية اليوم .. وصدق الله ـ تعالى ـ حيث يقول : { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب }( الرعد : 28). { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا فهو له قرين، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون } ( الزخرف : 36 ) .
ولقد اعترف الدكتور ( بريل ) بذلك حيث قال : ( إن المرء المتدين حقًّا لا يعاني قط مرضًا نفسيًّا )، كما قال العالم النفسي ( ديل كارنيجي ) : ( إن أطباء النفس يدركون أن الإيمان القوي والاستمساك بالدين كفيلان بأن يقهرا القلق والتوتر العصبي وأن يشفيا من الأمراض ) .
15 ـ وأن أحب الله حبًّا يجعل قلبي مشغوفًا بجلاله متعلقًا به مما يحفزني إلى الاستزادة من الخير دائمًا وإلى التضحية والجهاد في سبيله أبدًا، لا يمنعني عن ذلك حطام دنيا أو وشيجة قربى، امتثالاً لقوله ـ تعالى ـ : { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين } ( التوبة : 24 )، وطمعًا في حلاوة الإيمان التي أشار إليها الرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله : ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ) رواه البخاري .
16 ـ أن أتوكل على الله في كل شأني وأن أعتمد عليه في كل أمري .. وهذا من شأنه أن يبعث في نفسي من القوة والروح المعنوية ما أستيسر به الصعاب { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } ( الطلاق : 3 ) .
ومن أروع ما أوصانا به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) رواه الترمذي .
17 ـ أن أشكر الله ـ تعالى ـ على نعمائه التي لا تحصى وفضله ورحمته التي لا تدرك، والشكر من صفات التأدب مع من أنعم وأحسن وتفضل { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } ( النحل 78 ) . { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبًّا فمنه يأكلون . وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون } ( يس : 34، 35 ) .
ولقد وعد الله ـ تعالى ـ الشاكرين بمزيد من الإنعام كما توعد أهل الجحود والنكران بمزيد من الخسران : { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } ( إبراهيم : 7 ) .
18 ـ أن أستغفر الله وأديم استغفاره .. فالاستغفار كفارة للخطيئة ومجدد للتوبة والإيمان وباعث على الراحة والاطمئنان .. { ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا } ( النساء 110) . { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون، أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم } ( آل عمران : 135 ) .
19 ـ أن أراقب الله ـ تعالى ـ في سري وجهري مستشعرًا قول الله ـ تعالى ـ : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم } ( المجادلة : 7) .
****************************
ثانيًا - أن أكون مسلمًا في عبادتي
العبادة في الإسلام هي نهاية الخضوع وقمة الشعور بعظمة المعبود .. وهي كدارج الصلة بين المخلوق والخالق، كما أنها ذات آثار عميقة في التعامل مع خلق الله .
وتستوي في ذلك أركان الإسلام من صلاة وصوم وزكاة وحج، وسائر الأعمال التي يبتغي بها الإنسان وجه الله ويتحرى شرعه .. ومنطق الإسلام يقضي أن تكون الحياة كلها عبادة وكلها طاعة، وهذا هو معنى قوله ـ تعالى ـ { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون . إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } ( الذاريات : 56 ـ 58 ) وقوله : { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين } ( الأنعام : 163 ) .
وحتى أكون مسلمًا في عبادتي فإن ذلك يوجب علي ما يلي :
ـ أن تكون عبادتي حية متصلة بالمعبود .. وهذه درجة الإحسان في العبادة، فقد سئل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الإحسان فقال: ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) متفق عليه .
ـ أن تكون عبادة خاشعة أستشعر فيها حرارة الوصال ولذة الخشوع .. قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحدثنا ونحدثه، فإذا حضرت الصلاة كأنه لم يعرفنا ولم نعرفه ) أخرجه الأزدي . وإلى هذا يشير الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله : ( كم من قائم حظه من صلاته التعب والنصب ) أخرجه النسائي . وقوله : ( كم من صائم حظه من صومه الجوع والعطش ) أخرجه النسائي .
ـ أن أكون في عبادتي حاضر القلب، منخلعًا عما حولي من مشاغل الدنيا وهمومها، وإلى هذا يشير الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: ( لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه ) مسند الفردوسي وإسناده ضعيف . وقيل : ( الصلاة من الآخرة، فإذا دخلت فيها خرجت من الدنيا ) .
وروي عن الحسن أنه قال : (كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع ).
ـ أن أكون في العبادة طمعًا لا أقنع ونهمًا لا أشبع .. أتقرب إلى الله بالنوافل استجابة لقول الله ـ تعالى ـ في الحديث القدسي : ( من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ن ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ) رواه مسلم .
ـ أن أحرص على قيام الليل، وأروض نفسي على ذلك حتى تعتاده، فإن قيام الليل من أقوى المولدات الإيمانية .. وصدق الله ـ تعالى ـ حيث يقول :{ إن ناشئة الليل هي أشد وطئًا وأقوم قيلاً } ( المزمل : 6 ) ولقد وصف الله عباده المؤمنين بقوله : { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون } ( الذاريات : 17 )، { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا ومما رزقناهم ينفقون } ( السجدة : 16 ) .
[ فيما يلي بعض النوافل التي يحسن المداومة عليها والإكثار منها : قيام الليل، صلاة الضحى، صلاة التراويح، صوم الاثنين والخميس، صوم يوم عرفة لغير الحاج، يوم عاشوراء، ستة أيام من شوال، الأيام البيض من كل شهر 13، 14، 15، والاعتكاف ] .
ـ أن تكون لي مع القرآن الكريم جلسات وتأملات وبخاصة عند الفجر، لقوله ـ تعالى ـ : { إن قرآن الفجر كان مشهودًا } ( الإسراء : 78)، أتلوه بتدبر وتفكر وخشوع وحزن لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فتحازنوا ) أبو نعيم في الحلية.
كما أن علي أن أتذكر قول الله ـ تعالى ـ : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله } ( الحشر : 21 )، وقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ) أخرجه الترمذي . وقوله : ( أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن ) أخرجه أبو نعيم في فضائل القرآن .
وفي حديث عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوَّم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرد، اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول لكم ألم حرف، ولكن ألف ولام وميم ) رواه الحاكم .
وفي وصيته لأبي ذر : ( عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء ) رواه ابن حبان .
ـ أن يكون الدعاء معراجي إلى الله في كل شأن من شئوني، فالدعاء مخ العبادة .. وأن أحرص على المأثور منه، وصدق الله حيث يقول : { ادعوني أستجب لكم } ومن هذه الأدعية المأثورة :
· عند النوم : باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين .
· عند الاستيقاظ : الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور .
· عند لبس الثوب وخلعه : اللهم إني أسألك من خيره وخير ما هو له، وأعوذ بك من شره وشر ما هو له .
· عند الخروج من المنزل ودخوله : بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله .
· عند المشي إلى المسجد : اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي بصري نورًا وفي سمعي نورًا وعن يميني نورًا وعن يساري نورًا وفوقي نورًا وتحتي نورًا وأمامي نورًا وخلفي نورًا واجعل لي نورًا .
· عند دخول المسجد : اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل : اللهم إني أسألك من فضلك .
· عند الطعام : اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار، باسم الله .
· عند الانتهاء من الطعام : الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين .
· عند دخول الخلاء : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث .
· عند الخروج من الخلاء : الحمد لله الذي أذاقني لذته وصرف عني أذاه .
· عند الجماع : اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا .
· عند الأرق : اللهم غارت النجوم وهدأت العيون وأنت حي قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، يا حي يا قيوم، اهد ليلي وأنم عيني .
· عند ختام الصلاة : من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبر الله ثلاثًا وثلاثين، وقال تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر .
· عند ختام المجلس : سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
· عند ركوب السيارة : الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا منقلبون .
· عند السفر : اللهم بك أصول وبك أجول وبك أسير، اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده . اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل . اللهم إني أعوذ بك من وعثاء لسفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل والولد .
· عند هطول المطر : اللهم صيّبًا نافعًا ( مرتين أو ثلاثًا ) .
· عند سماع الرعد : اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك .
· عند رؤية الهلال : الله أكبر، اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله .
· عند المباركة بالزواج : بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير .
· عند رؤية طفل: أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة .
· عند الهم والحزن : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .
· عند زيارة المريض : اللهم أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا .
· عند التعزية بميت : إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب .
وفي صلاة الجنازة : اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلاً خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار ..
ثالثاً – أن أكون مسلماً في أخلاقي
· التورع عن الشبهات
· غض البصر
· صون اللسان
· الحياء
· الحلم والصبر
· الصدق
· التواضع
· إجتناب الظن والغيبة وتتبع عورات المسلمين
· الجود والكرم
أن أكون مسلماً في أخلاقي
الخُلق الكريم هو الهدف الأساسي لرسالة الإسلام كما يُعبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه ( إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق )[B][1][/B] وكما تؤكده الآية الكريمة } الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور{[B][2][/B] والآية }لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ{[B][3][/B].
والخُلق الكريم هو دليل الإيمان وثمرته.. ولا قيمة لإيمان من غير خُلق .. وإلى هذا المعنى يُشير الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله ( ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل ) [B][4][/B] .
وسُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الدين؟ قال ( حسن الخلق) وسُئل ما الشؤم قال ( سوء الخلق)[B][5][/B] .
والخُلق أثقل ما في ميزان العبد يوم القيامة.. فمن فسد خلقه وساء عمله لم يُسرع به نسبه .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حُسن الخُلق )[B][6][/B] .
والخُلق الكريم محصلة العبادات في الإسلام. وبدون ذلك تبقى طقوساً لا قيمة لها ولا فائدة.. فقد ورد في الصلاة قوله تعالى } إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر { [B][7][/B] وقوله صلى الله عليه وسلم (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بُعداً )[B][8][/B]. وورد في الصوم قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب . فان سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم )[B][9][/B] وورد في الحج قوله تعالى }الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ [B][10][/B]{ وقوله صلى الله عليه وسلم ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه )[B][11][/B] .
صفات المسلم :
ومن أهم الصفات الأخلاقية التي ينبغي أن يتمتع بها الإنسان ليكون مسلماً في أخلاقه ما يأتي :
· التورع عن الشبهات : أن يتورع الإنسان عن المحارم ويتحوط من الشبهات وذلك امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من الناس. فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه . ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه. ألا وان لكل ملك حمى ، ألا وان حمى الله محارمه. ألا وان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله ، واذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب )[B][12][/B] أما أرفع مستويات الورع فما ذكره صلى عليه وسلم في حديثه ( لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس فيه حذراً مما به بأس )[B][13][/B].
· غض البصر : أن يغض بصره عن محارم الله . فان النظر يورث الشهوة ويستدرج صاحبه للوقوع في الاثم والعصيان .. ولهذا حذر القرآن الكريم من فضول النظر فقال تعالى } قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [B][14][/B] {وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( النظرة سهم من سهام ابليس ) وقال ( لتغضن أبصاركم ، ولتحفظن فروجكم، أو ليكسفنّ الله وجوهكم ) رواه الطبراني.
· صون اللسان : أن يصون لسانه عن فضول الكلام وفحشاء الحديث وبذاءة الألفاظ والتعابير وعن عموم اللغو والغيبة والنميمة .. يقول الإمام النووي ( اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام ، الا كلاماً ظهرت فيه المصلحة . ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الامساك عنه، لأنه قد يجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه. وذلك كثير في العادة. والسلامة لا يعدلها شيء) ولقد وردت أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُبين ما يجلب اللسان على صاحبه من سوء وبلاء من ذلك قوله ( وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)[B][15][/B] وقوله ( ليس المؤمن بالطعان ولا اللّعان ولا الفاحش ولا البذيء )[B][16][/B] .
وقوله : (من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به)[B][17][/B].
· الحياء : أن يكون حيياً في كل أحواله دون أن يمنعه ذلك عن الجرأة في الحق .. ومن الحياء عدم التدخل في شؤون الآخرين. وغض البصر، وخفض الجناح، وعدم رفع الصوت، والقناعة وما شابه ذلك من خصال .. ولقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان أشد حياءً من العذراء في خدرها.. وكان يقول ( الإيمان بضع وستون شعبة . فأفضلها قول لا اله الا الله ، وأدناها اماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الايمان)[B][18][/B] ولقد قال العلماء في الحياء (حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع التقصير في حق ذي الحق).
· الحلم والصبر :
ان من أبرز الصفات التي يجب أن تتوفر في المسلم صفة الصبر والحلم فالعمل للإسلام يمتلئ بالمكاره، وطريق الدعوة محفوف بالمصاعب، فالإيذاء والبطش والاتهام والتعيير والسُخرية كلها من العقبات التي تزدحم في وجه العاملين كيما تُثبط هممهم وتشل حركتهم وتصرفهم عن الدعوة إلى الله..
من هنا يتبين أن مهمة الأخ الداعية من أصعب المهمات، فعليه أن يحمل الدعوة إلى الناس كل الناس، على مختلف أمزجتهم وعقولهم وطباعهم.. يحملها إلى الجاهل والعالم، إلى العاقل وإلى العاطفي، إلى المرن والمتحجر، إلى الهادئ والمنفعل .. ثم عليه بالتالي أن يخاطب الناس على قدر عقولهم، وأن يسعهم جميعاً . ويحاول الدخول إلى نفوسهم جميعاً.. وهذا وحده بحاجة إلى طاقة ضخمة من الصبر والتحمل والحلم.
ولهذا كانت التوجيهات القرآنية والنبوية تفيض بالحث على التحلي بالصبر والحلم والأناة .
(1) فمن التوجيهات القرآنية :
- (ولمن صبر وغفر ان ذلك لمن عزم الأمور)[B][19][/B].
- (فاصفح الصفح الجميل)[B][20][/B] (انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)[B][21][/B].
- (وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم)[B][22][/B].
- (واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً)[B][23][/B]
(2) ومن التوجيهات النبوية :
- (ان العبد ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم).
- (ألا أنبئكم بما يشرف الله به البنيان، ويرفع به الدرجات؟ قالوا : نعم يا رسول الله، قال: تحلم على من جهل عليك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك).
- (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اذا جمع الله الخلائق نادى مناد أين أهل الفضل؟ قال : فيقوم ناس وهم يسير، فينطلقون سراعاً إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون: وما فضلكم؟ فيقولولن : كنا اذا ظُلمنا صبرنا، واذا أُسيء الينا حلمنا. فيقال لهم : ادخلو الجنة فنعم أجر العاملين).
(3) ومن التطبيقات النبوية :
- يوم حنين قال رجل ( والله ان هذه لقسمة ما عُدل فيها وما أُريد بها وجه الله). فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر).
- وعن أنس قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المسجد وعليه برد نجراني غليظ الصنعة. فأتاه أعرابي من خلفه فأخذ بجانب ردائه حتى أثرت الصنعة في عنق الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال : يا محمد: أعطنا من مال الله الذي عندك. فالتفت رسول الله فتبسم وقال مروا له).
- أخرج أبو هريرة أن أعرابياً قال للرسول : يا محمد، احملني على بعيرين فانك لا تحملني من مالك ولا من مال أبيك. وجذب بردائه حين أدركه فاحمرت رقبته. فأمر رسول الله بحمل شعير وحمل تمر).
- وأخرج الطبراني : أن امرأة كانت ترافث الرجال (أي تكلمهم كلاماً بذيئاً) فمرت بالنبي وهو يأكل ثريداً على الأرض، فقالت انظروا اليه يجلس كما يجلس العبد ويأكل كما يأكل العبد).
- وهن أبي هريرة أن رجلاً قال : يا رسول الله، ان لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن اليهم ويسئون الي، وأحلم عنهم ويجهلون علي. فقال لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل(أي تجعلهم يسفون رماداً) ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
- (قولة الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب وقد هم بضرب عنق اليهودي الذي جاء يقاضي الرسول بمال له عنده ويقول (انكم بني عبد مناف قوم مطل) فقال: كان عليك أن تطالبه بحُسن الطلب وتطالبني بحُسن الأداء يا عمر)..
- وروي أن عيسى عليه السلام كان يتنقل بين القرى للدعوة إلى الله ومعه أصحابه (حواريوه) فكان يقول للناس خيراً فيقولون له شراً ويسبونه ويشتمونه. فتعجب الحواريون من أمره وسألوه عن سر ذلك فقال ( كل ينفق مما عنده).
كل هذه الشواهد وغيرها تؤكد ضرورة تحلي الدعاة بالحلم والصبر والصفح وبخاصة اذا كات الايذاء من ذوي القربى أو الأصحاب والأحباب، أو الخلان والاخوان، فان ذلك يورث المحبة والألفة ويزيل الشقاق والخلاف، وحسبه أن يحقق رضاء الله عز وجل ..
· الصدق : أن يكون صادقاً لا يكذب ، فيقول الحق ولو على نفسه دون أن يخشى في الله لومة لائم.. والكذب من أبشع الخصال وأرذلها وهو مدخل إلى كثير من المزالق الشيطانية، والتحوط من لمم الكذب يكسب النفس مناعة تقيها وسوسات الشيطان وإلقاءاته وتبقي على صفائها ونقائها وسموها. فالكذب يحطم النفس، ويذل شخصية الإنسان.. ولهذا حرم الاسلام الكذب واعتبره من الآفات اللعينة. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( ان الصدق يهدي إلى البر ، وان البر يهدي إلى الجنة، وان الرجل ليصدق حتى يُكتب عند الله صديقاً. وان الكذب يهدي إلى الفجور، وان الفجور يهدي إلى النار، وأن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً).[B][24][/B]
· التواضع : أن يكون متواضعاً وبخاصة بين إخوانه المسلمين لا يفرق في ذلك بين غني وفقير.. والرسول صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله من نفخة الكبرياء. وكان يقول (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)[B][25][/B] ويحدث عن ربه فيقول (العزّ ازاري والكبرياء ردائي فمن ينازعني في واحد منهما فقد عذبته)[B][26][/B] .
· اجتناب الظن والغيبة وتتبع عورات المسلمين : وذلك امتثالاً لقول الله تعالى :} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ{ [B][27][/B] } وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً[B][28][/B]{ وامتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم. فانه من تتبع عورة أخيه المسلم يفضحه الله ولو في عقر داره)[B][29][/B].
· الجود والكرم : أن يكون جواداً كريماً باذلاً نفسه وماله في سبيل الله. ومن أبرز ما يكشف شح النفوس التعامل معها بالدينار والدرهم.. فكم من مقامات وهامات تداعت وسقطت لدى قدحها على زناد التعامل المادي.. وفي القرآن الكريم عشرات من الآيات تتلازم فيها صفات الايمان مع صفة الانفاق ( ومما رزقناهم ينفقون)[B][30][/B] (وما تنفقوا من خير يوفّ اليكم وأنتم لا تُظلمون)[B][31][/B] وليسمع الممسكون الاشحاء قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( ما من يوم يُصبح العباد فيه الا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: الله أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً)[B][32][/B].
· وأخيراً، لا آخراً أن يكون قدوة حسنة بين الناس وترجماناً فعلياً لمبادئ الاسلام وآدابه في مأكله ومشربه وملبسه وكلامه وسلامه وسفره وحضره وفي كافة حركاته وسكناته.[B][33][/B]
رابعاً - أن أكون مسلماً في أهلي وبيتي
- مسؤولية الزواج
- مسؤولية ما بعد الزواج
- مسؤولية تربية الأولاد
أن أكون مسلماً في أهلي وبيتي
ان انتمائي للإسلام يجب أن يجعل مني صاحب رسالة في الحياة .. بل يجب أن يجعل حياتي – كل حياتي – موجهة وفق هذه الرسالة ..
فاذا كان انتمائي للإسلام يفرض علي أن أكون مسلماً في نفسي عقيدةً وإيماناً وأخلاقاً، فانه يفرض علي كذلك أن أعمل ليكون المجتمع الذي أعيش فيه مسلماً ..
إنه لا يكفي أن أكون مسلماً وحدي دونما اهتمام بمن حولي .. ذلك أن من الآثار التي يبعثها الإسلام ويسكبها في النفس البشرية – ان هي آمنت وأحسنت – الاهتمام بالآخرين ودعوتهم والنصح لهم والغيرة عليهم مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من بات ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) .
ومن هنا تترتب علي مسؤولية جديدة ، هي مسؤولية اقامة المجتمع المسلم ومسؤولية حمل الإسلام إلى المجتمع ..
وأول خطوة في هذا المجال – وهي الخطوة الطبيعية – أن يكون بيتي مسلماً .. أن أحمل رسالة الإسلام إلى (مجتمعي الصغير) .. إلى أهلي .. إلى زوجتي .. إلى أولادي. ثم الأقرب فالأقرب وهو ما انتهجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الدعوة (فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)) [B][34][/B].
ومن هنا كانت أول (مهمة) تعهد إلى المسلم بعد (نفسه) مباشرة هي مسؤوليته تجاه أهله وبيته وأولاده بدليل قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [B][35][/B].
· مسؤولية الزواج :
إن الإسلام كيما يساعدني على النجاح في انشاء البيت المسلم دلني على الطريق ، وأشار إلى جملة عوامل وأسباب تُسهل مهمتي وتحقق غايتي ، منها :
- أن يكون زواجي لله ... أي لإنشاء البيت المسلم .. لإنجاب ذرية صالحة تضطلع بحمل الأمانة وتُحقق توالد الهداية واستمرارها (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ)[B][36]oman0.net/#_ftn36[/B]
- أن يكون من مقاصد زواجي أن أعف بصري وأحفظ فرجي وأتقي الله ربي.
وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( ثلاثة حق على الله عونهم، المجاهد في سبيل الله ، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف)[B][37][/B] ويقول ( من تزوج فقد استكمل نصف دينه فليتق الله في النصف الباقي)[B][38][/B].
- أن أحسن اختيار زوجتي وشريكة حياتي ورفيقة دربي لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( تخيروا لنطفكم فإن العرق نزاع ، وفي رواية دساس، وفي رواية فانكحوا الأكفاء وانكحوا اليهم)[B][39][/B].
- أن أختار صاحبة الخُلق والدين، وان كانت دون غيرها مالاً وجمالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة خرماء خرقاء ذات دين أفضل)[B][40][/B].
- أن أحذر من مخالفة أمر الله في ذلك، وأتقي سخطه وانتقامه.. فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم (من تزوج امرأة لعزّها لم يزده الله إلا ذلاً.. ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقراً.. ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءةً.. ومن تزوج امرأةً لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويُحصن فرجه أو يصل رحمه، بارك الله له فيها وبارك لها فيه)[B][41][/B].
· مسؤولية ما بعد الزواج :
إن حسن اختياري لزوجتي لا يُعفيني من متابعة مسؤوليتي تجاهها بعد الزواج.. بل إن المسؤولية الكبرى تبدأ منذ اللحظة الأولى لزواجي.. ومن هنا تترتب علي جملة تبعات منها :
- أن أُحسن إليها، وأكرم معاملتها، لتتحقق الثقة بيني وبينها تحقيقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)[B][42][/B] وقوله (أكملُ المؤمنين ايماناً أحسنهم أخلاقاً وألطفهم بأهله) [B][43][/B].
- أن لا تقتصر علاقتي بها على علاقة الفراش والشهوة.. وانما يجب أن يتحقق بيننا قبل هذا وفوقه (التجانس) الفكري والروحي والعاطفي.. نقرأ معاً.. نؤدي بعض العبادات معاً.. ننظم شؤون البيت معاً.. ثم تكون لنا بعض الفرص للمداعبة واللعب.. ففي مجال العبادة يقول الله تعالى (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) [B][44]oman0.net/#_ftn44( [/B]وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً )[B][45]oman0.net/#_ftn45 [/B]وفي مجال المداعبة والترويح عن النفس كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتسابق وعائشة رضي الله عنها بالركض: وفي مجال التعاون المنزلي كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينهض بأعباء كثيرة ومنها خصف النعال.
- أن تكتسب علاقتي مع زوجتي – ما ذكر منها وما لم يذكر – صفة الشرعية.. فلا تكون على حساب الإسلام أو فيما حرم الله، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (ما من أحد يطيع امرأةً في ما تهوى إلا كبه الله في النار).
وقوله (لا يلقى الله أحد بذنب أعظم من جهالة أهله)[B][46][/B]. وقال (تعس عبد الزوجة).
· مسؤوليتنا معاً في تربية الأولاد :
في الواقع ان النجاح في الزواج.. في اختيار المرأة الصالحة.. في انصهار الزوجين في بوتقة الإسلام.. يساعد إلى حد كبير على تربية الأولاد التربية الإسلامية المنشودة. أما الفشل في تحقيق الزواج الإسلامي، وسوء اختيار المرأة، فان ذلك يفضي عواقب مهلكة وينذر بشر مستطير للبيت كلّه..
إن أي تناقض يقع في حياة الزوجين سينعكس تلقائياً وبشكل مباشر وسريع على تربية الأبناء وعلى نفوسهم، وبالتالي سيورثهم كثيراً من العقد والانحرافات.. لذلك كان العامل الأول في تحقيق التربية الإسلامية للأبناء هو تحقيق اسلامية الزواج كما أسلفنا..
والحقيقة أن الثمرة المرجوة لنشأة البيت المسلم هي ايجاد الذرية الصالحة ( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)[B][47]oman0.net/#_ftn47 .[/B]
والولد يولد على الفطرة.. فان تهيأت له التربية السليمة كان صالحاً.. وان نشأ بين أبوين متناقضين أو منحرفين غدا بحسب ذلك مصداقاٌ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (يولد الولد على الفطرة فأبواه بهودانه أو ينصرانه او يمجسانه)[B][48][/B].
لهذا شدد الاسلام وأكد على حسن تربية الأولاد، وعلى توفير كل الأسباب والمقومات والأجواء والمناخات التي تحقق حسن التربية، فقال صلى الله عليه وسلم (لأن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع)[B][49][/B] وقال (ما نحل والد ولداً من نحل أفضل من أدب حسن)[B][50][/B] وقال (أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم)[B][51][/B] وقال (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
خامساً - أن أنتصر على نفسي
- أصناف الناس
- مقومات النصر في معركة النفس
- مظاهر الإنهزام النفسي
- أسباب التحصن من مداخل الشيطان
أن أنتصر على نفسي
الإنسان في صراع مع نفسه حتى ينتصر عليها أو تنتصر عليه ، أو يبقى الصراع قائماً ، والمعركة سجالاً ، إلى أن يدركه الموت وهو على ذلك ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا )[B][52][/B] وإلى هذا المعنى يشير الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله ( تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أُشربها نكت في قلبه نكتة سوداء، وأيما قلب أنكرها نكت في قلبه نكتة بيضاء، حتى تصير على أحد قلبين : على أبيض مثل الصفاة فلا تضره فتنة، والآخر أسود مرباداً لا يعرف معروفاً ولا يُنكرُ منكراً)[B][53][/B] .
والناس في معركة النفس أصناف ثلاثة:
1 – صنف انتصرت عليهم أهواؤهم، فركنوا إلى الأرض وأخلدوا إلى الدنيا. وهؤلاء هم الكفرة ومن نهج نهجهم ممن نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ويصفهم في قرآنه ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ )[B][54][/B] .
2 – وصنف يجاهدون أنفسهم، ويصارعون أهواءهم.. فينتصرون تارة وينهزمون أخرى. يخطئون فيتوبون.. يعصون الله فيندمون ويستغفرون ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )[B][55][/B] وهؤلاء أشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ( كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)[B][56][/B] .
ومما يروى في هذا المعنى عن ( وهب بن منبه ) أنه قال : ان ابليس لقي يحي بن زكريا عليهما السلام، فقال له يحي بن زكريا، أخبرني عن طبائع ابن آدم عندكم؟ قال ابليس : أما صنف منهم فمثلك معصومون لا نقدر منهم على شيء.. والصنف الثاني : فهم في أيدينا كالكرة في أيدي صبيانكم وقد كفونا أنفسهم.. والصنف الثالث: فهم أشد الأصناف علينا، فنقبل على أحدهم حتى ندرك حاجتنا منه ثم يفزع إلى الإستغفار فيُفسد به علينا ما أدركنا منه.. فلا نحن نيأس منه ولا نحن ندرك حاجتنا منه..
مقومات النصر في معركة النفس
· القلب : ما كان حياً رقيقاً صافياً صلباً مشرقاً لقول علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه (إن لله تعالى في أرضه آنية وهي القلوب.. فأحبها إليه تعالى أرقها وأصفاها وأصلبها، ثم فسرها فقال: أصلبها في الدين، وأصفاها في اليقين، وأرقها على الإخوان) وقوله ( قلب المؤمن يزهر، وقلب الكافر أسود منكوس )[B][57][/B] .
والقرآن الكريم يصور قلوب المؤمنين فيقول (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )[B][58][/B] بينما يصور قلوب الكافرين فيقول (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)[B][59][/B] ويقول (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[B][60][/B] .
· العقل : ما كان بصيراً، مدركاً، مميزاً، مقتبساً العلوم التي بها ينال القرب من الله ويدرك عظمته وقدرته وهو منطا قوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)[B][61][/B] .
ولقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قيمة هذه النعمة بقوله ( ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من العقل )[B][62][/B] وقوله إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه (إذا تقرب الناس إلى الله تعالى بأنواع البر فتقرب أنت بعقلك) وقوله ( ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى)[B][63][/B].
ولذلك دفع الإسلام إلى العلم والمعرفة، وإلى التفقه في الدين، ليأخذ العقل من الأسباب ما يستعين به على التمييز بين الخير والشر والحق والباطل، فقال صلى الله عليه وسلم ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )[B][64][/B] وقال (فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي )[B][65][/B] كل ذلك لما للعلم من قيمة وأثر في تعميق الإيمان في النفوس وفي تعريف الإنسان على حقائق هذا الكون..
فعقل المؤمن عقل واع يميز بين الخير والشر، والحلال والحرام، والمعروف والمنكر لأنه ينظر فيه بنور الله من وراء ستر رقيق (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)[B][66][/B].
ونور العقل لا يطفئه إلا المعاصي والدوام عليها والمجاهرة بها وعدم التوبة منها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( قارف ذنباً فارقه عقل لا يعود إليه أبداً)[B][67][/B] وقوله ( لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات والأرض )[B][68][/B].
وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال (لما دخلت على عثمان رضي الله عنه، وكنت قد لقيت امرأة في طريقي فنظرت إليها شزراً، وتأملت محاسنها، فقال عثمان لما دخلت : يدخل أحدكم وأثر الزنا على عينيه، أما علمت أن زنا العينين النظر؟ لتتوبن أو لأعزرنك؟ فقلت : أوحي بعد النبي؟ فقال: لا، ولكن بصيرة وبرهان وفراسة صادقة).
مظاهر الانهزام النفسي :
إن الانسان حين يموت قلبه أو يقسو. وحين ينطفئ عقله أو يزيغ.. إنه حين ينهزم في معركته مع الشيطان، تتكاثر مداخل السوء إلى نفسه خاصة وإن الشيطان يسري من ابن آدم مسرى الدماء!! .
وان الإنسان حين تتحطم المقاومة والمناعة لديه يصبح الشيطان قرينه (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ)[B][69][/B] وإلى هذا المعنى تشير الآية الكريمة (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[B][70][/B] .
وهذا وإن أخطر ما يصاب به المنهزمون هو مرض الوسوسة، يوسوس لهم الشيطان في كل شأن من شؤون حياتهم ليصدهم عن سبيل الله. وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن الشيطان قعد لابن آدم بطرق.. فقعد له بطريق الإسلام فقال : أتسلم وتترك دينك ودين آبائك؟ فعصاه وأسلم.. ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال أتهاجر؟ أتدع أرضك وسماءك؟ فعصاه وهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال : أتجاهد وهو تلف النفس والمال فتقاتل فتقتل فتُنكح نساؤك ويقسم مالك؟ فعصاه وجاهد.. ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : فمن فعل ذلك فمات كان حقاً على الله أن يدخله الجنة)[B][71][/B] وحبذا لو يراجع الأخ القارئ ( قصة الشيطان وراهب بني اسرائيل ) في تفسير قوله تعالى (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) [B][72][/B].
أسباب التحصن من مداخل الشيطان :
إن الإسلام كيما يساعد الإنسان على مواجهة التحديات الشيطانية والإلقاءات الإبليسية أرشده إلى أمور كثيرة تساعده على الصمود في المعركة وتمكنه من الغلبة على أعدى أعدائه .. وقد أجملها أحد الصالحين بقوله : ( نظرت وتفكرت من أي باب يأتي الشيطان إلى الإنسان ، فإذا هو يأتي من عشرة أبواب :
الأول : الحرص وسوء الظن فقابلته بالثقة والقناعة..
والثاني : حب الحياة وطول الأمل، فقابلته بخوف مفاجأة الموت..
والثالث : طلب الراحة وطلب النعمة، فقابلته بزوال النعمة وسوء الحساب ..
والرابع : العجب، فقابلته بالمنة وخوف العاقبة..
والخامس : الاستخفاف بالناس وقلة احترامهم، فقابلته بمعرفة حقهم وحرمتهم ..
والسادس : الحسد، فقابلته بالقناعة والرضى بقسمة الله تعالى في خلقه ..
والسابع : الرياء ومدح الناس، فقابلته بالإخلاص ..
والثامن : البخل، فقابلته بفناء ما في أيدي الخلق وبقاء ما عند الله تعالى ..
والتاسع : الكبر، فقابلته بالتواضع ..
وعاشرها : الطمع، فقابلته بالثقة بما عند الله والزهد بما عند الناس ..
ومن التوجيهات التي أكد عليها الاسلام كسبيل لاتقاء سهام ابليس ومكائده ذكر الله تعالى في بدء كل عمل .. وقد روي عن أبي هريرة في هذا النطاق الرواية التالية : ( التقى سيطان المؤمن وشيطان الكافر .. فإذا شيطان الكافر دهين سمين كاسر، وشيطان المؤمن مهزول أشعث أغبر عار .. فقال شيطان الكافر لشيطان المؤمن ما لك مهزولاً ؟ قال : أنا مع رجل إذا أكل سمى الله فأظل عطشان، وإذا لبس سمى الله فأظل عرياناً.. وإذا أدهن سمى الله فأظل شعثاً .. فقال شيطان الكافر : ولكن مع رجل لا يفعل شيئاً من ذلك.. فأنا أشاركه في طعامه وشرابه ولباسه؟)
ومن أسباب التحصن محاذرة الشبع والتخمة وان كان حلالاً صافياً لقوله ( كلوا واشربوا ولا تسرفوا ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدماء فضيقوا عليه المجاري بالجوع)[B][73][/B] .
ومنها قراءة القرآن وذكر الله تعالى والاستغفار، لقوله صلى الله عليه وسلم ( إن الشيطان واضح خرطومه على قلب ابن آدم، فان هو ذكر الله تعالى خنس .. وان نسي الله تعالى التقم قلبه)[B][74][/B] .
ومنها دفع العجلة والتثبت من الأمور لقوله صلى الله عليه وسلم ( العجلة من الشيطان والتأني من الله تعالى).
وإنه ليضيق المجال عن ذكر الأسباب والأعمال والوصايا التي أوصى بها الإسلام للتحوط من غوائل الشيطان ومكائده.. وصدق الله تعالى حيث يقول (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)[B][75][/B] .
سادساً - أن أكون واثقاً بأن المستقبل للإسلام
- ربانية المنهج الإسلامي
- عالمية المنهج الإسلامي
- مرونة المنهج الإسلامي
- شمول المنهج الإسلامي
- قصور المناهج الوضعية
أن أكون مؤمناً بأن المستقبل للإسلام
ان إيماني بالاسلام ينبغي أن يصل الى درجة اليقين بأن المستقبل لهذا الدين... فكون الإسلام من عند الله، يجعله الأجدر والأقدر على تنظيم شؤون الحياة وقيادة ركب الإنسانية وريادتها. فهو المنهج – الأوحد – الملائم لاحتياجات الفطرة والتنسيق بين متطلبات الانسان النفسية والحسية {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} سورة الملك الآية: 14.
فربانية المنهج الإسلامي: هي الصبغة التي تجعل له القوامة على سائر المناهج الوضعية، وتفرده بخصائص البقاء والعطاء في كل زمان ومكان وعلى كل صعيد..
وعالمية المنهج الإسلامي: تجسد الصبغة الانسانية فيه... صبغة الانفتاح والقدرة على تحمل مسؤولية هذا الانفتاح..الصبغة التي تجعله يتجاوز كل الاعتبارات الاقليمية والعنصرية والقومية والجنسية والعرقية.. الصبغة التي تستمد انفتاحها وشمولها وانسانيتها من صبغته (الربانية)..
ومرونة المنهج الإسلامي: هي الصبغة التي تمنحه القدرة على استيعاب مشاكل الحياة المتجددة والمتنوعة والمتعددة.. الصبغة التي تفسح المجال للاجتهاد في استنباط الأحكام فيما لا نص فيه – عن طريق القياس واعتبار المصلحة المرسلة والاستحسان وغير ذلك من الأدلة الشرعية..
وشمول المنهج الإسلامي: هو الصبغة التي تميزه عن سواه من المناهج الأرضية والنظم الوضعية ذات المقاصد المحدودة.. فالمنهج الإسلامي منهج العليم الخبير، العالم بشؤون الناس وبما يحتاجه الناس وبما يصلح لهم، وبما يضرهم وينفعهم، وبما يسعدهم ويشقيهم.. ولذلك كان الإسلام المنهج القادر على اشباع احتياجات الحياة الانسانية الفردية والجماعة، التشريعية والتوجيهية، الداخلية والخارجية {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة؟} سورة البقرة الآية: 138.
أن أكون مؤمناً بقصور المناهج الوضعية
ثم ان عليّ أن أدرك مدى (التخبط والفشل) الذي تكابده النظم الوضعية في كل أنحاء المعمورة – سواء منها الرأسمالية والديموقراطية والحرة أو الاشتراكية والشيوعية – بسبب (وضعيتها ومحدوديتها وعجزها وقصورها وزمنيتها).
فعلى الصعيد الاجتماعي: فشلت النظم (يمينية ويسارية) في تأمين السعادة والطمأنينة والاستقرار للانسان.. بل انها تسببت في اشقاء الانسان واتعاسه.. فكان أن تهدمت الأواصر العائلية والمجتمعية.. وتفسخت الأخلاق وانعدمت القيم والمكارم، وحل التوتر والتشنج محل الطمأنينة والاستقرار، وحلت الأنانية والأثرة وحب الذات محل التعاون والايثار وحب الآخرين والعطف عليهم؟
وعلى الصعيد الاقتصادي: لم تتمكن الأنظمة (رأسمالية واشتراكية) من إيجاد (الجنة التي تحلم بها) ومجتمع الكفاية والعدل الذي تدعو إليه.. ففي ظل النظامين نشأت مشاكل (حرب الطبقات – والظلم الاجتماعي – والاستغلال الحزبي – والاحتكار – والفقر – والبطالة، الى ما لا نهاية له من المشاكل اليومية)؟.
وعلى الصعيد السياسي: تتحمل النظم (ديموقراطية وعسكرية، جمهورية وملكية، رئاسية وبرلمانية) مسؤولية العفن والانحراف الذي أصاب الحياة السياسية على كل صعيد.. فالاستغلال والمحسوبية والرشوة والتسلط، فضلاً عن أن الفتن والمجازر والثورات والانقلابات والتصفيات والاغتيالات وغيرها قد غدت طابع هذه النظم جمعاء؟
وعلى الصعيد العسكري: تتحمل هذه النظم جمعاء مسؤولية التفريط بقضايا الشعوب الاسلامية المستضعفة كقضية كشمير والحبشة وأرتريا والفيليبين وغيرها وبقضية فلسطين بشكل خاص فضلاً عن المتاجرة بها واستغلالها زهاء ربع قرن؟ وبالتقصير في الاعداد النفسي والحسي الذي يمكن الأمة من مغالبة الاستعمار – أياً كان – ومن سحق اسرائيل؟.
[HR][/HR] [1]أخرجه أحمد وغيره
[2]الحج 41
[3]البقرة 177
[4]للديلمي في مسنده
[5]أخرجه أحمد
[6]أخرجه أبو داود والترمذي
[7]العنكبوت 45
[8]رواه الطبري
[9]متفق عليه
[10]البقرة 197
[11]متفق عليه
[12]متفق عليه
[13]رواه الترمذي
[14]النور30
[15]أخرجه الترمذي
[16]أخرجه الترمذي
[17]رواه البيهقي
[18]متفق عليه
[19]الشورى 43
[20]الحجر 35
[21]الزمر 10
[22]النور 22
[23]الفرقان 63
[24]متفق عليه
[25]رواه مسلم
[26]رواه مسلم
[27]الحجرات 12
[28]الأحزاب 58
[29]رواه أبو داود
[30]عشرات الآيات القرآنية
[31]البقرة 272
[32]متفق عليه
[33]الكتب المرشحة للقراءة والتدبر في هذا الموضوع : رياض الصالحين – خُلق المسلم للغزالي – احياء علوم الدين( الجزء الخاص بالآداب الإسلامية) - حياة الصحابة.
[[B][34][/B]]الشعراء 213 – 214 -215 .
[[B][35][/B]]التحريم 6 .
[[B][36][/B]]آل عمران 34.
[[B][37][/B]]رواه الترمذي.
[[B][38][/B]]رواه الطبري في الأوسط.
[[B][39][/B]]ابن ماجة والحاكم.
[[B][40][/B]]رواه ابن ماجة.
[[B][41][/B]]رواه الطبري .
[[B][42][/B]]رواه الطبري.
[[B][43][/B]]رواه ابن ماجه والحاكم.
[[B][44][/B]]سورة طه.
[[B][45][/B]]سورة مريم 55.
[[B][46][/B]]ذكره صاحب الفردوس.
[[B][47][/B]]الفرقان 74 .
[[B][48][/B]]متفق عليه.
[[B][49][/B]]رواه الترمذي.
[[B][50][/B]]رواه الترمذي .
[[B][51][/B]]رواه ابن ماجه.
[[B][52][/B]]الشمس 9 و10
[[B][53][/B]]اربد وارباد : مثل احمرّ واحمارّ، ومعناها شدة السواد مع تغير : انظر القاموس المحيط ج1 ص 304.
[[B][54][/B]]الجاثية 23
[[B][55][/B]]آل عمران 135
[[B][56][/B]]رواه أحمد والترمذي.
[[B][57][/B]]أخرجه أحمد والطبراني
[[B][58][/B]]الأنفال 3
[[B][59][/B]]الحج 46
[[B][60][/B]]محمد 24
[[B][61][/B]]فاطر 28
[[B][62][/B]]رواه الترمذي
[[B][63][/B]]أخرجه المحبر
[[B][64][/B]]سبق ذكره
[[B][65][/B]]أخرجه الترمذي
[[B][66][/B]]النور 40
[[B][67][/B]]لم يعرف له أصل
[[B][68][/B]]أخرجه أحمد
[[B][69][/B]]المجادلة 19
[[B][70][/B]]الأعراف 16 - 17
[[B][71][/B]]أخرجه النسائي
[[B][72][/B]]الحشر 16
[[B][73][/B]]رواه أحمد
[[B][74][/B]]أخرجه ابن أبي الدنيا
[[B][75][/B]]الأعراف 201
[B]إن كثيرًا من الناس مسلمون بالهوية .. أو مسلمون لأنهم ولدوا من أبوين مسلمين .. وهؤلاء وأولئك لا يدركون ـ في الحقيقة ـ معنى انتمائهم للإسلام، ولا يعرفون مستلزمات هذا الانتماء .. ولذلك تراهم في وادٍ والإسلام في وادٍ ! .
[/B]
فالانتماء للإسلام ليس انتماء بالوراثة .. ولا انتماء بالهوية .. كما أنه ليس انتماء بالمظهر الخارجي ..
إنما هو انتماء للإسلام، والتزام بالإسلام، وتكيف بالإسلام، في كل جوانب الحياة.
وفيما يلي سنبين باختصار أبرز الصفات التي يفترض توفرها في المسلم ليكون انتماؤه لهذا الدين صادقًا .. { هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدًا عليكم وتكونوا شهداء على الناس }.
أولاً - أن أكون مسلمًا في عقيدتي
إن أول شرط من شروط الانتماء إلى الإسلام والانتساب لهذا الدين أن تكون عقيدة المسلم سليمة صحيحة، متوافقة مع ما جاء في كتاب الله وفي سنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، يؤمن بما آمن به المسلمون الأوائل سلفنا الصالح وأئمة الدين المشهود لهم بالخير والبر والتقوى والفهم السليم لدين الله عز وجل .
وحتى أكون مسلمًا في عقيدتي فإن ذلك يوجب علي ما يلي :
1ـ أن أكون مؤمنًا بأن خالق الكون إله حكيم قدير عليم قيوم،بدليل أن هذا الكون من الإحسان والإتقان والتناسق وافتقار بعض أجزائه إلى بعض بحيث يستحيل عليه البقاء والاستمرار دون إمساك هذا الإله العلي القدير { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون } ( الأنبياء : 22 ) .
2ـ أن أكون مؤمنًا بأن الخالق ـ جل شأنه ـ لم يخلق هذا الكون عبثًا ولا سدى ؛لأنه لا يتأتى لمن اتصف بالكمال أن يكون عابثًا فيما خلق، ويستحيل فهم مراد الله بهذا الخلق بالتفصيل إلا عن طريق رسول منه ووحي ..{ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون، فتعالى الله الملك الحق لا اله إلا هو رب العرش الكريم }( المؤمنون : 116).
3ـ أن أكون مؤمنًا بأن الله سبحانه قد أرسل الرسل وأنزل الكتب لتعريف الناس به وبغاية خلقهم ومنشئهم ومعادهم، وكان آخر أولئك الرسل الكرام محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي أيده الله بالقرآن الكريم المعجزة الخالدة .{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة } ( النحل : 36 ) .
4ـ أن أكون مؤمنًا بأن الغاية من الوجود الإنساني هي معرفة الله ـ عز وجل ـ كما وصف نفسه وطاعته وعبادته {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } ( الذاريات : 56 ـ 58).
5 ـ أن أكون مؤمنًا بأن جزاءالمؤمن المطيع هو الجنة، وأن جزاء الكافر العاصي هو النار { فريق في الجنة وفريق في السعير } ( الشورى 7 ) .
6 ـ أن أكون مؤمنًا بأن الإنسان يكسب الخير والشر باختياره ومشيئته، ولكنه لا يوقع الخير إلا بتوفيق من الله وعون، ولا يوقع الشر جبرًا عن الله، ولكنه في إطار إذنه ومشيئته { ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها } ( سورة الشمس ) . { كل نفس بما كسبت رهينة } ( المدثر 38 ) .
7 ـ أن أكون مؤمنًا بأن التشريع حق الله وحده لا يجوز تعديه، وأنه يمكن للعالم المسلم أن يجتهد في استنباط الأحكام في إطار ما شرعه الله { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب }.
8 ـ أن أتعرف على الله من أسماء وصفات تليق بجلاله .. فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لله تسعة وتسعون اسمًا ـ مائة إلا واحدًا ـ لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر ) رواه البخاري ومسلم .
9 ـ أن أتفكر في خلق الله وليس في ذاته، امتثالاً لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله، فإنكم لن تقدروا قدره ) رواه أبو نعيم في الحلية .
10 ـ أما صفاته ـ تعالى ـ فقد أشارت إليها آيات كثيرة من القرآن الكريم، والتي يقتضيها كمال الألوهية، فهنالك آيات أشارت إلى وجود الله ـ تبارك وتعالى ـ وهنالك آيات أشارت إلى صفتي البقاء والقدم لله ـ تبارك وتعالى ـ وهنالك آيات أشارت إلى مخالفة الله ـ تبارك وتعالى ـ للحوادث من خلقه، وتنزهه عن الولد والوالد والشبيه والنظير .. وهنالك آيات أشارت إلى قيام الله ـ تبارك وتعالى ـ بنفسه واستغنائه عن خلقه مع حاجتهم إليه .. وهنالك آيات أشارت إلى وحدانية الله في ذاته وصفاته وأفعاله وتصرفاته .. وهنالك آيات أشارت إلى قدرة الله ـ تعالى ـ وباهر عظمته .. وهنالك آيات أشارت إلى سعة علم الله ـ تبارك وتعالى ـ وإحاطته بكل شيء .. وهنالك آيات أشارت إلى إرادة الله وأنها فوق كل إرادة ومشيئة .. وهنالك آيات أشارت إلى اتصاف الله بالحياة الكاملة .
وهنالك آيات وآيات أشارت إلى صفات وكمالات لله ـ تبارك وتعالى ـ لا تتناهى ولا تدرك كنهها عقول البشر، سبحانه لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه .
11 ـ أعتقد أن رأي السلف أولى بالاتباع، حسمًا لمادة التأويل والتعطيل، ولتفويض علم هذه المعاني إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ وأن تأويلات الخلف لا توجب الحكم عليهم بكفر ولا فسوق، ولا تستدعي هذا النزاع الطويل بينهم وبين غيرهم قديمًا وحديثًا .
12 ـ أن أعبد الله لا أشرك به شيئًا، استجابة لدعوة الله على مدار الرسالات والرسل التي دعاهم فيها إلى عبادته وحده وعدم الخضوع لسواه { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } ( النحل : 36 ) .
13 ـ أن أخشاه ولا أخشى غيره .. وأن تكون خشيتي له دافعة للبعد عن مساخطه ومحارمه { ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون } ( النور :52).
{ إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير } ( الملك : 12 ) .
14 ـ وأن أذكره وأديم ذكره، وأن يكون صمتي فكرًا ونطقي ذكرًا، فذكر الله ـ تعالى ـ هو العلاج النفسي الأقوى، وهو السلاح الأمضى أمام عاديات الزمن وكروب الحياة ونائباتها، وهذا ما تفتقر إليه البشرية اليوم .. وصدق الله ـ تعالى ـ حيث يقول : { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب }( الرعد : 28). { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا فهو له قرين، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون } ( الزخرف : 36 ) .
ولقد اعترف الدكتور ( بريل ) بذلك حيث قال : ( إن المرء المتدين حقًّا لا يعاني قط مرضًا نفسيًّا )، كما قال العالم النفسي ( ديل كارنيجي ) : ( إن أطباء النفس يدركون أن الإيمان القوي والاستمساك بالدين كفيلان بأن يقهرا القلق والتوتر العصبي وأن يشفيا من الأمراض ) .
15 ـ وأن أحب الله حبًّا يجعل قلبي مشغوفًا بجلاله متعلقًا به مما يحفزني إلى الاستزادة من الخير دائمًا وإلى التضحية والجهاد في سبيله أبدًا، لا يمنعني عن ذلك حطام دنيا أو وشيجة قربى، امتثالاً لقوله ـ تعالى ـ : { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين } ( التوبة : 24 )، وطمعًا في حلاوة الإيمان التي أشار إليها الرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله : ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ) رواه البخاري .
16 ـ أن أتوكل على الله في كل شأني وأن أعتمد عليه في كل أمري .. وهذا من شأنه أن يبعث في نفسي من القوة والروح المعنوية ما أستيسر به الصعاب { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } ( الطلاق : 3 ) .
ومن أروع ما أوصانا به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) رواه الترمذي .
17 ـ أن أشكر الله ـ تعالى ـ على نعمائه التي لا تحصى وفضله ورحمته التي لا تدرك، والشكر من صفات التأدب مع من أنعم وأحسن وتفضل { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } ( النحل 78 ) . { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبًّا فمنه يأكلون . وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون } ( يس : 34، 35 ) .
ولقد وعد الله ـ تعالى ـ الشاكرين بمزيد من الإنعام كما توعد أهل الجحود والنكران بمزيد من الخسران : { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } ( إبراهيم : 7 ) .
18 ـ أن أستغفر الله وأديم استغفاره .. فالاستغفار كفارة للخطيئة ومجدد للتوبة والإيمان وباعث على الراحة والاطمئنان .. { ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا } ( النساء 110) . { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون، أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم } ( آل عمران : 135 ) .
19 ـ أن أراقب الله ـ تعالى ـ في سري وجهري مستشعرًا قول الله ـ تعالى ـ : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم } ( المجادلة : 7) .
****************************
ثانيًا - أن أكون مسلمًا في عبادتي
العبادة في الإسلام هي نهاية الخضوع وقمة الشعور بعظمة المعبود .. وهي كدارج الصلة بين المخلوق والخالق، كما أنها ذات آثار عميقة في التعامل مع خلق الله .
وتستوي في ذلك أركان الإسلام من صلاة وصوم وزكاة وحج، وسائر الأعمال التي يبتغي بها الإنسان وجه الله ويتحرى شرعه .. ومنطق الإسلام يقضي أن تكون الحياة كلها عبادة وكلها طاعة، وهذا هو معنى قوله ـ تعالى ـ { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون . إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } ( الذاريات : 56 ـ 58 ) وقوله : { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين } ( الأنعام : 163 ) .
وحتى أكون مسلمًا في عبادتي فإن ذلك يوجب علي ما يلي :
ـ أن تكون عبادتي حية متصلة بالمعبود .. وهذه درجة الإحسان في العبادة، فقد سئل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الإحسان فقال: ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) متفق عليه .
ـ أن تكون عبادة خاشعة أستشعر فيها حرارة الوصال ولذة الخشوع .. قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحدثنا ونحدثه، فإذا حضرت الصلاة كأنه لم يعرفنا ولم نعرفه ) أخرجه الأزدي . وإلى هذا يشير الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله : ( كم من قائم حظه من صلاته التعب والنصب ) أخرجه النسائي . وقوله : ( كم من صائم حظه من صومه الجوع والعطش ) أخرجه النسائي .
ـ أن أكون في عبادتي حاضر القلب، منخلعًا عما حولي من مشاغل الدنيا وهمومها، وإلى هذا يشير الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: ( لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه ) مسند الفردوسي وإسناده ضعيف . وقيل : ( الصلاة من الآخرة، فإذا دخلت فيها خرجت من الدنيا ) .
وروي عن الحسن أنه قال : (كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع ).
ـ أن أكون في العبادة طمعًا لا أقنع ونهمًا لا أشبع .. أتقرب إلى الله بالنوافل استجابة لقول الله ـ تعالى ـ في الحديث القدسي : ( من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ن ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ) رواه مسلم .
ـ أن أحرص على قيام الليل، وأروض نفسي على ذلك حتى تعتاده، فإن قيام الليل من أقوى المولدات الإيمانية .. وصدق الله ـ تعالى ـ حيث يقول :{ إن ناشئة الليل هي أشد وطئًا وأقوم قيلاً } ( المزمل : 6 ) ولقد وصف الله عباده المؤمنين بقوله : { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون } ( الذاريات : 17 )، { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا ومما رزقناهم ينفقون } ( السجدة : 16 ) .
[ فيما يلي بعض النوافل التي يحسن المداومة عليها والإكثار منها : قيام الليل، صلاة الضحى، صلاة التراويح، صوم الاثنين والخميس، صوم يوم عرفة لغير الحاج، يوم عاشوراء، ستة أيام من شوال، الأيام البيض من كل شهر 13، 14، 15، والاعتكاف ] .
ـ أن تكون لي مع القرآن الكريم جلسات وتأملات وبخاصة عند الفجر، لقوله ـ تعالى ـ : { إن قرآن الفجر كان مشهودًا } ( الإسراء : 78)، أتلوه بتدبر وتفكر وخشوع وحزن لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فتحازنوا ) أبو نعيم في الحلية.
كما أن علي أن أتذكر قول الله ـ تعالى ـ : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله } ( الحشر : 21 )، وقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ) أخرجه الترمذي . وقوله : ( أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن ) أخرجه أبو نعيم في فضائل القرآن .
وفي حديث عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوَّم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرد، اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول لكم ألم حرف، ولكن ألف ولام وميم ) رواه الحاكم .
وفي وصيته لأبي ذر : ( عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء ) رواه ابن حبان .
ـ أن يكون الدعاء معراجي إلى الله في كل شأن من شئوني، فالدعاء مخ العبادة .. وأن أحرص على المأثور منه، وصدق الله حيث يقول : { ادعوني أستجب لكم } ومن هذه الأدعية المأثورة :
· عند النوم : باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين .
· عند الاستيقاظ : الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور .
· عند لبس الثوب وخلعه : اللهم إني أسألك من خيره وخير ما هو له، وأعوذ بك من شره وشر ما هو له .
· عند الخروج من المنزل ودخوله : بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله .
· عند المشي إلى المسجد : اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي بصري نورًا وفي سمعي نورًا وعن يميني نورًا وعن يساري نورًا وفوقي نورًا وتحتي نورًا وأمامي نورًا وخلفي نورًا واجعل لي نورًا .
· عند دخول المسجد : اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل : اللهم إني أسألك من فضلك .
· عند الطعام : اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار، باسم الله .
· عند الانتهاء من الطعام : الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين .
· عند دخول الخلاء : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث .
· عند الخروج من الخلاء : الحمد لله الذي أذاقني لذته وصرف عني أذاه .
· عند الجماع : اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا .
· عند الأرق : اللهم غارت النجوم وهدأت العيون وأنت حي قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، يا حي يا قيوم، اهد ليلي وأنم عيني .
· عند ختام الصلاة : من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبر الله ثلاثًا وثلاثين، وقال تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر .
· عند ختام المجلس : سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
· عند ركوب السيارة : الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا منقلبون .
· عند السفر : اللهم بك أصول وبك أجول وبك أسير، اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده . اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل . اللهم إني أعوذ بك من وعثاء لسفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل والولد .
· عند هطول المطر : اللهم صيّبًا نافعًا ( مرتين أو ثلاثًا ) .
· عند سماع الرعد : اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك .
· عند رؤية الهلال : الله أكبر، اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله .
· عند المباركة بالزواج : بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير .
· عند رؤية طفل: أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة .
· عند الهم والحزن : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .
· عند زيارة المريض : اللهم أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا .
· عند التعزية بميت : إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب .
وفي صلاة الجنازة : اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلاً خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار ..
ثالثاً – أن أكون مسلماً في أخلاقي
· التورع عن الشبهات
· غض البصر
· صون اللسان
· الحياء
· الحلم والصبر
· الصدق
· التواضع
· إجتناب الظن والغيبة وتتبع عورات المسلمين
· الجود والكرم
أن أكون مسلماً في أخلاقي
الخُلق الكريم هو الهدف الأساسي لرسالة الإسلام كما يُعبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه ( إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق )[B][1][/B] وكما تؤكده الآية الكريمة } الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور{[B][2][/B] والآية }لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ{[B][3][/B].
والخُلق الكريم هو دليل الإيمان وثمرته.. ولا قيمة لإيمان من غير خُلق .. وإلى هذا المعنى يُشير الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله ( ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل ) [B][4][/B] .
وسُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الدين؟ قال ( حسن الخلق) وسُئل ما الشؤم قال ( سوء الخلق)[B][5][/B] .
والخُلق أثقل ما في ميزان العبد يوم القيامة.. فمن فسد خلقه وساء عمله لم يُسرع به نسبه .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حُسن الخُلق )[B][6][/B] .
والخُلق الكريم محصلة العبادات في الإسلام. وبدون ذلك تبقى طقوساً لا قيمة لها ولا فائدة.. فقد ورد في الصلاة قوله تعالى } إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر { [B][7][/B] وقوله صلى الله عليه وسلم (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بُعداً )[B][8][/B]. وورد في الصوم قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب . فان سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم )[B][9][/B] وورد في الحج قوله تعالى }الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ [B][10][/B]{ وقوله صلى الله عليه وسلم ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه )[B][11][/B] .
صفات المسلم :
ومن أهم الصفات الأخلاقية التي ينبغي أن يتمتع بها الإنسان ليكون مسلماً في أخلاقه ما يأتي :
· التورع عن الشبهات : أن يتورع الإنسان عن المحارم ويتحوط من الشبهات وذلك امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من الناس. فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه . ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه. ألا وان لكل ملك حمى ، ألا وان حمى الله محارمه. ألا وان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله ، واذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب )[B][12][/B] أما أرفع مستويات الورع فما ذكره صلى عليه وسلم في حديثه ( لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس فيه حذراً مما به بأس )[B][13][/B].
· غض البصر : أن يغض بصره عن محارم الله . فان النظر يورث الشهوة ويستدرج صاحبه للوقوع في الاثم والعصيان .. ولهذا حذر القرآن الكريم من فضول النظر فقال تعالى } قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [B][14][/B] {وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( النظرة سهم من سهام ابليس ) وقال ( لتغضن أبصاركم ، ولتحفظن فروجكم، أو ليكسفنّ الله وجوهكم ) رواه الطبراني.
· صون اللسان : أن يصون لسانه عن فضول الكلام وفحشاء الحديث وبذاءة الألفاظ والتعابير وعن عموم اللغو والغيبة والنميمة .. يقول الإمام النووي ( اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام ، الا كلاماً ظهرت فيه المصلحة . ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الامساك عنه، لأنه قد يجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه. وذلك كثير في العادة. والسلامة لا يعدلها شيء) ولقد وردت أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُبين ما يجلب اللسان على صاحبه من سوء وبلاء من ذلك قوله ( وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)[B][15][/B] وقوله ( ليس المؤمن بالطعان ولا اللّعان ولا الفاحش ولا البذيء )[B][16][/B] .
وقوله : (من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به)[B][17][/B].
· الحياء : أن يكون حيياً في كل أحواله دون أن يمنعه ذلك عن الجرأة في الحق .. ومن الحياء عدم التدخل في شؤون الآخرين. وغض البصر، وخفض الجناح، وعدم رفع الصوت، والقناعة وما شابه ذلك من خصال .. ولقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان أشد حياءً من العذراء في خدرها.. وكان يقول ( الإيمان بضع وستون شعبة . فأفضلها قول لا اله الا الله ، وأدناها اماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الايمان)[B][18][/B] ولقد قال العلماء في الحياء (حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع التقصير في حق ذي الحق).
· الحلم والصبر :
ان من أبرز الصفات التي يجب أن تتوفر في المسلم صفة الصبر والحلم فالعمل للإسلام يمتلئ بالمكاره، وطريق الدعوة محفوف بالمصاعب، فالإيذاء والبطش والاتهام والتعيير والسُخرية كلها من العقبات التي تزدحم في وجه العاملين كيما تُثبط هممهم وتشل حركتهم وتصرفهم عن الدعوة إلى الله..
من هنا يتبين أن مهمة الأخ الداعية من أصعب المهمات، فعليه أن يحمل الدعوة إلى الناس كل الناس، على مختلف أمزجتهم وعقولهم وطباعهم.. يحملها إلى الجاهل والعالم، إلى العاقل وإلى العاطفي، إلى المرن والمتحجر، إلى الهادئ والمنفعل .. ثم عليه بالتالي أن يخاطب الناس على قدر عقولهم، وأن يسعهم جميعاً . ويحاول الدخول إلى نفوسهم جميعاً.. وهذا وحده بحاجة إلى طاقة ضخمة من الصبر والتحمل والحلم.
ولهذا كانت التوجيهات القرآنية والنبوية تفيض بالحث على التحلي بالصبر والحلم والأناة .
(1) فمن التوجيهات القرآنية :
- (ولمن صبر وغفر ان ذلك لمن عزم الأمور)[B][19][/B].
- (فاصفح الصفح الجميل)[B][20][/B] (انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)[B][21][/B].
- (وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم)[B][22][/B].
- (واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً)[B][23][/B]
(2) ومن التوجيهات النبوية :
- (ان العبد ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم).
- (ألا أنبئكم بما يشرف الله به البنيان، ويرفع به الدرجات؟ قالوا : نعم يا رسول الله، قال: تحلم على من جهل عليك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك).
- (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اذا جمع الله الخلائق نادى مناد أين أهل الفضل؟ قال : فيقوم ناس وهم يسير، فينطلقون سراعاً إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون: وما فضلكم؟ فيقولولن : كنا اذا ظُلمنا صبرنا، واذا أُسيء الينا حلمنا. فيقال لهم : ادخلو الجنة فنعم أجر العاملين).
(3) ومن التطبيقات النبوية :
- يوم حنين قال رجل ( والله ان هذه لقسمة ما عُدل فيها وما أُريد بها وجه الله). فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر).
- وعن أنس قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المسجد وعليه برد نجراني غليظ الصنعة. فأتاه أعرابي من خلفه فأخذ بجانب ردائه حتى أثرت الصنعة في عنق الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال : يا محمد: أعطنا من مال الله الذي عندك. فالتفت رسول الله فتبسم وقال مروا له).
- أخرج أبو هريرة أن أعرابياً قال للرسول : يا محمد، احملني على بعيرين فانك لا تحملني من مالك ولا من مال أبيك. وجذب بردائه حين أدركه فاحمرت رقبته. فأمر رسول الله بحمل شعير وحمل تمر).
- وأخرج الطبراني : أن امرأة كانت ترافث الرجال (أي تكلمهم كلاماً بذيئاً) فمرت بالنبي وهو يأكل ثريداً على الأرض، فقالت انظروا اليه يجلس كما يجلس العبد ويأكل كما يأكل العبد).
- وهن أبي هريرة أن رجلاً قال : يا رسول الله، ان لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن اليهم ويسئون الي، وأحلم عنهم ويجهلون علي. فقال لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل(أي تجعلهم يسفون رماداً) ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
- (قولة الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب وقد هم بضرب عنق اليهودي الذي جاء يقاضي الرسول بمال له عنده ويقول (انكم بني عبد مناف قوم مطل) فقال: كان عليك أن تطالبه بحُسن الطلب وتطالبني بحُسن الأداء يا عمر)..
- وروي أن عيسى عليه السلام كان يتنقل بين القرى للدعوة إلى الله ومعه أصحابه (حواريوه) فكان يقول للناس خيراً فيقولون له شراً ويسبونه ويشتمونه. فتعجب الحواريون من أمره وسألوه عن سر ذلك فقال ( كل ينفق مما عنده).
كل هذه الشواهد وغيرها تؤكد ضرورة تحلي الدعاة بالحلم والصبر والصفح وبخاصة اذا كات الايذاء من ذوي القربى أو الأصحاب والأحباب، أو الخلان والاخوان، فان ذلك يورث المحبة والألفة ويزيل الشقاق والخلاف، وحسبه أن يحقق رضاء الله عز وجل ..
· الصدق : أن يكون صادقاً لا يكذب ، فيقول الحق ولو على نفسه دون أن يخشى في الله لومة لائم.. والكذب من أبشع الخصال وأرذلها وهو مدخل إلى كثير من المزالق الشيطانية، والتحوط من لمم الكذب يكسب النفس مناعة تقيها وسوسات الشيطان وإلقاءاته وتبقي على صفائها ونقائها وسموها. فالكذب يحطم النفس، ويذل شخصية الإنسان.. ولهذا حرم الاسلام الكذب واعتبره من الآفات اللعينة. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( ان الصدق يهدي إلى البر ، وان البر يهدي إلى الجنة، وان الرجل ليصدق حتى يُكتب عند الله صديقاً. وان الكذب يهدي إلى الفجور، وان الفجور يهدي إلى النار، وأن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً).[B][24][/B]
· التواضع : أن يكون متواضعاً وبخاصة بين إخوانه المسلمين لا يفرق في ذلك بين غني وفقير.. والرسول صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله من نفخة الكبرياء. وكان يقول (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)[B][25][/B] ويحدث عن ربه فيقول (العزّ ازاري والكبرياء ردائي فمن ينازعني في واحد منهما فقد عذبته)[B][26][/B] .
· اجتناب الظن والغيبة وتتبع عورات المسلمين : وذلك امتثالاً لقول الله تعالى :} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ{ [B][27][/B] } وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً[B][28][/B]{ وامتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم. فانه من تتبع عورة أخيه المسلم يفضحه الله ولو في عقر داره)[B][29][/B].
· الجود والكرم : أن يكون جواداً كريماً باذلاً نفسه وماله في سبيل الله. ومن أبرز ما يكشف شح النفوس التعامل معها بالدينار والدرهم.. فكم من مقامات وهامات تداعت وسقطت لدى قدحها على زناد التعامل المادي.. وفي القرآن الكريم عشرات من الآيات تتلازم فيها صفات الايمان مع صفة الانفاق ( ومما رزقناهم ينفقون)[B][30][/B] (وما تنفقوا من خير يوفّ اليكم وأنتم لا تُظلمون)[B][31][/B] وليسمع الممسكون الاشحاء قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( ما من يوم يُصبح العباد فيه الا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: الله أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً)[B][32][/B].
· وأخيراً، لا آخراً أن يكون قدوة حسنة بين الناس وترجماناً فعلياً لمبادئ الاسلام وآدابه في مأكله ومشربه وملبسه وكلامه وسلامه وسفره وحضره وفي كافة حركاته وسكناته.[B][33][/B]
رابعاً - أن أكون مسلماً في أهلي وبيتي
- مسؤولية الزواج
- مسؤولية ما بعد الزواج
- مسؤولية تربية الأولاد
أن أكون مسلماً في أهلي وبيتي
ان انتمائي للإسلام يجب أن يجعل مني صاحب رسالة في الحياة .. بل يجب أن يجعل حياتي – كل حياتي – موجهة وفق هذه الرسالة ..
فاذا كان انتمائي للإسلام يفرض علي أن أكون مسلماً في نفسي عقيدةً وإيماناً وأخلاقاً، فانه يفرض علي كذلك أن أعمل ليكون المجتمع الذي أعيش فيه مسلماً ..
إنه لا يكفي أن أكون مسلماً وحدي دونما اهتمام بمن حولي .. ذلك أن من الآثار التي يبعثها الإسلام ويسكبها في النفس البشرية – ان هي آمنت وأحسنت – الاهتمام بالآخرين ودعوتهم والنصح لهم والغيرة عليهم مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من بات ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) .
ومن هنا تترتب علي مسؤولية جديدة ، هي مسؤولية اقامة المجتمع المسلم ومسؤولية حمل الإسلام إلى المجتمع ..
وأول خطوة في هذا المجال – وهي الخطوة الطبيعية – أن يكون بيتي مسلماً .. أن أحمل رسالة الإسلام إلى (مجتمعي الصغير) .. إلى أهلي .. إلى زوجتي .. إلى أولادي. ثم الأقرب فالأقرب وهو ما انتهجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الدعوة (فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)) [B][34][/B].
ومن هنا كانت أول (مهمة) تعهد إلى المسلم بعد (نفسه) مباشرة هي مسؤوليته تجاه أهله وبيته وأولاده بدليل قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [B][35][/B].
· مسؤولية الزواج :
إن الإسلام كيما يساعدني على النجاح في انشاء البيت المسلم دلني على الطريق ، وأشار إلى جملة عوامل وأسباب تُسهل مهمتي وتحقق غايتي ، منها :
- أن يكون زواجي لله ... أي لإنشاء البيت المسلم .. لإنجاب ذرية صالحة تضطلع بحمل الأمانة وتُحقق توالد الهداية واستمرارها (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ)[B][36]oman0.net/#_ftn36[/B]
- أن يكون من مقاصد زواجي أن أعف بصري وأحفظ فرجي وأتقي الله ربي.
وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( ثلاثة حق على الله عونهم، المجاهد في سبيل الله ، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف)[B][37][/B] ويقول ( من تزوج فقد استكمل نصف دينه فليتق الله في النصف الباقي)[B][38][/B].
- أن أحسن اختيار زوجتي وشريكة حياتي ورفيقة دربي لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( تخيروا لنطفكم فإن العرق نزاع ، وفي رواية دساس، وفي رواية فانكحوا الأكفاء وانكحوا اليهم)[B][39][/B].
- أن أختار صاحبة الخُلق والدين، وان كانت دون غيرها مالاً وجمالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة خرماء خرقاء ذات دين أفضل)[B][40][/B].
- أن أحذر من مخالفة أمر الله في ذلك، وأتقي سخطه وانتقامه.. فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم (من تزوج امرأة لعزّها لم يزده الله إلا ذلاً.. ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقراً.. ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءةً.. ومن تزوج امرأةً لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويُحصن فرجه أو يصل رحمه، بارك الله له فيها وبارك لها فيه)[B][41][/B].
· مسؤولية ما بعد الزواج :
إن حسن اختياري لزوجتي لا يُعفيني من متابعة مسؤوليتي تجاهها بعد الزواج.. بل إن المسؤولية الكبرى تبدأ منذ اللحظة الأولى لزواجي.. ومن هنا تترتب علي جملة تبعات منها :
- أن أُحسن إليها، وأكرم معاملتها، لتتحقق الثقة بيني وبينها تحقيقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)[B][42][/B] وقوله (أكملُ المؤمنين ايماناً أحسنهم أخلاقاً وألطفهم بأهله) [B][43][/B].
- أن لا تقتصر علاقتي بها على علاقة الفراش والشهوة.. وانما يجب أن يتحقق بيننا قبل هذا وفوقه (التجانس) الفكري والروحي والعاطفي.. نقرأ معاً.. نؤدي بعض العبادات معاً.. ننظم شؤون البيت معاً.. ثم تكون لنا بعض الفرص للمداعبة واللعب.. ففي مجال العبادة يقول الله تعالى (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) [B][44]oman0.net/#_ftn44( [/B]وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً )[B][45]oman0.net/#_ftn45 [/B]وفي مجال المداعبة والترويح عن النفس كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتسابق وعائشة رضي الله عنها بالركض: وفي مجال التعاون المنزلي كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينهض بأعباء كثيرة ومنها خصف النعال.
- أن تكتسب علاقتي مع زوجتي – ما ذكر منها وما لم يذكر – صفة الشرعية.. فلا تكون على حساب الإسلام أو فيما حرم الله، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (ما من أحد يطيع امرأةً في ما تهوى إلا كبه الله في النار).
وقوله (لا يلقى الله أحد بذنب أعظم من جهالة أهله)[B][46][/B]. وقال (تعس عبد الزوجة).
· مسؤوليتنا معاً في تربية الأولاد :
في الواقع ان النجاح في الزواج.. في اختيار المرأة الصالحة.. في انصهار الزوجين في بوتقة الإسلام.. يساعد إلى حد كبير على تربية الأولاد التربية الإسلامية المنشودة. أما الفشل في تحقيق الزواج الإسلامي، وسوء اختيار المرأة، فان ذلك يفضي عواقب مهلكة وينذر بشر مستطير للبيت كلّه..
إن أي تناقض يقع في حياة الزوجين سينعكس تلقائياً وبشكل مباشر وسريع على تربية الأبناء وعلى نفوسهم، وبالتالي سيورثهم كثيراً من العقد والانحرافات.. لذلك كان العامل الأول في تحقيق التربية الإسلامية للأبناء هو تحقيق اسلامية الزواج كما أسلفنا..
والحقيقة أن الثمرة المرجوة لنشأة البيت المسلم هي ايجاد الذرية الصالحة ( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)[B][47]oman0.net/#_ftn47 .[/B]
والولد يولد على الفطرة.. فان تهيأت له التربية السليمة كان صالحاً.. وان نشأ بين أبوين متناقضين أو منحرفين غدا بحسب ذلك مصداقاٌ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (يولد الولد على الفطرة فأبواه بهودانه أو ينصرانه او يمجسانه)[B][48][/B].
لهذا شدد الاسلام وأكد على حسن تربية الأولاد، وعلى توفير كل الأسباب والمقومات والأجواء والمناخات التي تحقق حسن التربية، فقال صلى الله عليه وسلم (لأن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع)[B][49][/B] وقال (ما نحل والد ولداً من نحل أفضل من أدب حسن)[B][50][/B] وقال (أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم)[B][51][/B] وقال (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
خامساً - أن أنتصر على نفسي
- أصناف الناس
- مقومات النصر في معركة النفس
- مظاهر الإنهزام النفسي
- أسباب التحصن من مداخل الشيطان
أن أنتصر على نفسي
الإنسان في صراع مع نفسه حتى ينتصر عليها أو تنتصر عليه ، أو يبقى الصراع قائماً ، والمعركة سجالاً ، إلى أن يدركه الموت وهو على ذلك ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا )[B][52][/B] وإلى هذا المعنى يشير الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله ( تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أُشربها نكت في قلبه نكتة سوداء، وأيما قلب أنكرها نكت في قلبه نكتة بيضاء، حتى تصير على أحد قلبين : على أبيض مثل الصفاة فلا تضره فتنة، والآخر أسود مرباداً لا يعرف معروفاً ولا يُنكرُ منكراً)[B][53][/B] .
والناس في معركة النفس أصناف ثلاثة:
1 – صنف انتصرت عليهم أهواؤهم، فركنوا إلى الأرض وأخلدوا إلى الدنيا. وهؤلاء هم الكفرة ومن نهج نهجهم ممن نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ويصفهم في قرآنه ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ )[B][54][/B] .
2 – وصنف يجاهدون أنفسهم، ويصارعون أهواءهم.. فينتصرون تارة وينهزمون أخرى. يخطئون فيتوبون.. يعصون الله فيندمون ويستغفرون ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )[B][55][/B] وهؤلاء أشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ( كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)[B][56][/B] .
ومما يروى في هذا المعنى عن ( وهب بن منبه ) أنه قال : ان ابليس لقي يحي بن زكريا عليهما السلام، فقال له يحي بن زكريا، أخبرني عن طبائع ابن آدم عندكم؟ قال ابليس : أما صنف منهم فمثلك معصومون لا نقدر منهم على شيء.. والصنف الثاني : فهم في أيدينا كالكرة في أيدي صبيانكم وقد كفونا أنفسهم.. والصنف الثالث: فهم أشد الأصناف علينا، فنقبل على أحدهم حتى ندرك حاجتنا منه ثم يفزع إلى الإستغفار فيُفسد به علينا ما أدركنا منه.. فلا نحن نيأس منه ولا نحن ندرك حاجتنا منه..
مقومات النصر في معركة النفس
· القلب : ما كان حياً رقيقاً صافياً صلباً مشرقاً لقول علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه (إن لله تعالى في أرضه آنية وهي القلوب.. فأحبها إليه تعالى أرقها وأصفاها وأصلبها، ثم فسرها فقال: أصلبها في الدين، وأصفاها في اليقين، وأرقها على الإخوان) وقوله ( قلب المؤمن يزهر، وقلب الكافر أسود منكوس )[B][57][/B] .
والقرآن الكريم يصور قلوب المؤمنين فيقول (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )[B][58][/B] بينما يصور قلوب الكافرين فيقول (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)[B][59][/B] ويقول (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[B][60][/B] .
· العقل : ما كان بصيراً، مدركاً، مميزاً، مقتبساً العلوم التي بها ينال القرب من الله ويدرك عظمته وقدرته وهو منطا قوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)[B][61][/B] .
ولقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قيمة هذه النعمة بقوله ( ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من العقل )[B][62][/B] وقوله إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه (إذا تقرب الناس إلى الله تعالى بأنواع البر فتقرب أنت بعقلك) وقوله ( ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى)[B][63][/B].
ولذلك دفع الإسلام إلى العلم والمعرفة، وإلى التفقه في الدين، ليأخذ العقل من الأسباب ما يستعين به على التمييز بين الخير والشر والحق والباطل، فقال صلى الله عليه وسلم ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )[B][64][/B] وقال (فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي )[B][65][/B] كل ذلك لما للعلم من قيمة وأثر في تعميق الإيمان في النفوس وفي تعريف الإنسان على حقائق هذا الكون..
فعقل المؤمن عقل واع يميز بين الخير والشر، والحلال والحرام، والمعروف والمنكر لأنه ينظر فيه بنور الله من وراء ستر رقيق (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)[B][66][/B].
ونور العقل لا يطفئه إلا المعاصي والدوام عليها والمجاهرة بها وعدم التوبة منها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( قارف ذنباً فارقه عقل لا يعود إليه أبداً)[B][67][/B] وقوله ( لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات والأرض )[B][68][/B].
وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال (لما دخلت على عثمان رضي الله عنه، وكنت قد لقيت امرأة في طريقي فنظرت إليها شزراً، وتأملت محاسنها، فقال عثمان لما دخلت : يدخل أحدكم وأثر الزنا على عينيه، أما علمت أن زنا العينين النظر؟ لتتوبن أو لأعزرنك؟ فقلت : أوحي بعد النبي؟ فقال: لا، ولكن بصيرة وبرهان وفراسة صادقة).
مظاهر الانهزام النفسي :
إن الانسان حين يموت قلبه أو يقسو. وحين ينطفئ عقله أو يزيغ.. إنه حين ينهزم في معركته مع الشيطان، تتكاثر مداخل السوء إلى نفسه خاصة وإن الشيطان يسري من ابن آدم مسرى الدماء!! .
وان الإنسان حين تتحطم المقاومة والمناعة لديه يصبح الشيطان قرينه (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ)[B][69][/B] وإلى هذا المعنى تشير الآية الكريمة (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[B][70][/B] .
وهذا وإن أخطر ما يصاب به المنهزمون هو مرض الوسوسة، يوسوس لهم الشيطان في كل شأن من شؤون حياتهم ليصدهم عن سبيل الله. وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن الشيطان قعد لابن آدم بطرق.. فقعد له بطريق الإسلام فقال : أتسلم وتترك دينك ودين آبائك؟ فعصاه وأسلم.. ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال أتهاجر؟ أتدع أرضك وسماءك؟ فعصاه وهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال : أتجاهد وهو تلف النفس والمال فتقاتل فتقتل فتُنكح نساؤك ويقسم مالك؟ فعصاه وجاهد.. ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : فمن فعل ذلك فمات كان حقاً على الله أن يدخله الجنة)[B][71][/B] وحبذا لو يراجع الأخ القارئ ( قصة الشيطان وراهب بني اسرائيل ) في تفسير قوله تعالى (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) [B][72][/B].
أسباب التحصن من مداخل الشيطان :
إن الإسلام كيما يساعد الإنسان على مواجهة التحديات الشيطانية والإلقاءات الإبليسية أرشده إلى أمور كثيرة تساعده على الصمود في المعركة وتمكنه من الغلبة على أعدى أعدائه .. وقد أجملها أحد الصالحين بقوله : ( نظرت وتفكرت من أي باب يأتي الشيطان إلى الإنسان ، فإذا هو يأتي من عشرة أبواب :
الأول : الحرص وسوء الظن فقابلته بالثقة والقناعة..
والثاني : حب الحياة وطول الأمل، فقابلته بخوف مفاجأة الموت..
والثالث : طلب الراحة وطلب النعمة، فقابلته بزوال النعمة وسوء الحساب ..
والرابع : العجب، فقابلته بالمنة وخوف العاقبة..
والخامس : الاستخفاف بالناس وقلة احترامهم، فقابلته بمعرفة حقهم وحرمتهم ..
والسادس : الحسد، فقابلته بالقناعة والرضى بقسمة الله تعالى في خلقه ..
والسابع : الرياء ومدح الناس، فقابلته بالإخلاص ..
والثامن : البخل، فقابلته بفناء ما في أيدي الخلق وبقاء ما عند الله تعالى ..
والتاسع : الكبر، فقابلته بالتواضع ..
وعاشرها : الطمع، فقابلته بالثقة بما عند الله والزهد بما عند الناس ..
ومن التوجيهات التي أكد عليها الاسلام كسبيل لاتقاء سهام ابليس ومكائده ذكر الله تعالى في بدء كل عمل .. وقد روي عن أبي هريرة في هذا النطاق الرواية التالية : ( التقى سيطان المؤمن وشيطان الكافر .. فإذا شيطان الكافر دهين سمين كاسر، وشيطان المؤمن مهزول أشعث أغبر عار .. فقال شيطان الكافر لشيطان المؤمن ما لك مهزولاً ؟ قال : أنا مع رجل إذا أكل سمى الله فأظل عطشان، وإذا لبس سمى الله فأظل عرياناً.. وإذا أدهن سمى الله فأظل شعثاً .. فقال شيطان الكافر : ولكن مع رجل لا يفعل شيئاً من ذلك.. فأنا أشاركه في طعامه وشرابه ولباسه؟)
ومن أسباب التحصن محاذرة الشبع والتخمة وان كان حلالاً صافياً لقوله ( كلوا واشربوا ولا تسرفوا ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدماء فضيقوا عليه المجاري بالجوع)[B][73][/B] .
ومنها قراءة القرآن وذكر الله تعالى والاستغفار، لقوله صلى الله عليه وسلم ( إن الشيطان واضح خرطومه على قلب ابن آدم، فان هو ذكر الله تعالى خنس .. وان نسي الله تعالى التقم قلبه)[B][74][/B] .
ومنها دفع العجلة والتثبت من الأمور لقوله صلى الله عليه وسلم ( العجلة من الشيطان والتأني من الله تعالى).
وإنه ليضيق المجال عن ذكر الأسباب والأعمال والوصايا التي أوصى بها الإسلام للتحوط من غوائل الشيطان ومكائده.. وصدق الله تعالى حيث يقول (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)[B][75][/B] .
سادساً - أن أكون واثقاً بأن المستقبل للإسلام
- ربانية المنهج الإسلامي
- عالمية المنهج الإسلامي
- مرونة المنهج الإسلامي
- شمول المنهج الإسلامي
- قصور المناهج الوضعية
أن أكون مؤمناً بأن المستقبل للإسلام
ان إيماني بالاسلام ينبغي أن يصل الى درجة اليقين بأن المستقبل لهذا الدين... فكون الإسلام من عند الله، يجعله الأجدر والأقدر على تنظيم شؤون الحياة وقيادة ركب الإنسانية وريادتها. فهو المنهج – الأوحد – الملائم لاحتياجات الفطرة والتنسيق بين متطلبات الانسان النفسية والحسية {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} سورة الملك الآية: 14.
فربانية المنهج الإسلامي: هي الصبغة التي تجعل له القوامة على سائر المناهج الوضعية، وتفرده بخصائص البقاء والعطاء في كل زمان ومكان وعلى كل صعيد..
وعالمية المنهج الإسلامي: تجسد الصبغة الانسانية فيه... صبغة الانفتاح والقدرة على تحمل مسؤولية هذا الانفتاح..الصبغة التي تجعله يتجاوز كل الاعتبارات الاقليمية والعنصرية والقومية والجنسية والعرقية.. الصبغة التي تستمد انفتاحها وشمولها وانسانيتها من صبغته (الربانية)..
ومرونة المنهج الإسلامي: هي الصبغة التي تمنحه القدرة على استيعاب مشاكل الحياة المتجددة والمتنوعة والمتعددة.. الصبغة التي تفسح المجال للاجتهاد في استنباط الأحكام فيما لا نص فيه – عن طريق القياس واعتبار المصلحة المرسلة والاستحسان وغير ذلك من الأدلة الشرعية..
وشمول المنهج الإسلامي: هو الصبغة التي تميزه عن سواه من المناهج الأرضية والنظم الوضعية ذات المقاصد المحدودة.. فالمنهج الإسلامي منهج العليم الخبير، العالم بشؤون الناس وبما يحتاجه الناس وبما يصلح لهم، وبما يضرهم وينفعهم، وبما يسعدهم ويشقيهم.. ولذلك كان الإسلام المنهج القادر على اشباع احتياجات الحياة الانسانية الفردية والجماعة، التشريعية والتوجيهية، الداخلية والخارجية {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة؟} سورة البقرة الآية: 138.
أن أكون مؤمناً بقصور المناهج الوضعية
ثم ان عليّ أن أدرك مدى (التخبط والفشل) الذي تكابده النظم الوضعية في كل أنحاء المعمورة – سواء منها الرأسمالية والديموقراطية والحرة أو الاشتراكية والشيوعية – بسبب (وضعيتها ومحدوديتها وعجزها وقصورها وزمنيتها).
فعلى الصعيد الاجتماعي: فشلت النظم (يمينية ويسارية) في تأمين السعادة والطمأنينة والاستقرار للانسان.. بل انها تسببت في اشقاء الانسان واتعاسه.. فكان أن تهدمت الأواصر العائلية والمجتمعية.. وتفسخت الأخلاق وانعدمت القيم والمكارم، وحل التوتر والتشنج محل الطمأنينة والاستقرار، وحلت الأنانية والأثرة وحب الذات محل التعاون والايثار وحب الآخرين والعطف عليهم؟
وعلى الصعيد الاقتصادي: لم تتمكن الأنظمة (رأسمالية واشتراكية) من إيجاد (الجنة التي تحلم بها) ومجتمع الكفاية والعدل الذي تدعو إليه.. ففي ظل النظامين نشأت مشاكل (حرب الطبقات – والظلم الاجتماعي – والاستغلال الحزبي – والاحتكار – والفقر – والبطالة، الى ما لا نهاية له من المشاكل اليومية)؟.
وعلى الصعيد السياسي: تتحمل النظم (ديموقراطية وعسكرية، جمهورية وملكية، رئاسية وبرلمانية) مسؤولية العفن والانحراف الذي أصاب الحياة السياسية على كل صعيد.. فالاستغلال والمحسوبية والرشوة والتسلط، فضلاً عن أن الفتن والمجازر والثورات والانقلابات والتصفيات والاغتيالات وغيرها قد غدت طابع هذه النظم جمعاء؟
وعلى الصعيد العسكري: تتحمل هذه النظم جمعاء مسؤولية التفريط بقضايا الشعوب الاسلامية المستضعفة كقضية كشمير والحبشة وأرتريا والفيليبين وغيرها وبقضية فلسطين بشكل خاص فضلاً عن المتاجرة بها واستغلالها زهاء ربع قرن؟ وبالتقصير في الاعداد النفسي والحسي الذي يمكن الأمة من مغالبة الاستعمار – أياً كان – ومن سحق اسرائيل؟.
[HR][/HR] [1]أخرجه أحمد وغيره
[2]الحج 41
[3]البقرة 177
[4]للديلمي في مسنده
[5]أخرجه أحمد
[6]أخرجه أبو داود والترمذي
[7]العنكبوت 45
[8]رواه الطبري
[9]متفق عليه
[10]البقرة 197
[11]متفق عليه
[12]متفق عليه
[13]رواه الترمذي
[14]النور30
[15]أخرجه الترمذي
[16]أخرجه الترمذي
[17]رواه البيهقي
[18]متفق عليه
[19]الشورى 43
[20]الحجر 35
[21]الزمر 10
[22]النور 22
[23]الفرقان 63
[24]متفق عليه
[25]رواه مسلم
[26]رواه مسلم
[27]الحجرات 12
[28]الأحزاب 58
[29]رواه أبو داود
[30]عشرات الآيات القرآنية
[31]البقرة 272
[32]متفق عليه
[33]الكتب المرشحة للقراءة والتدبر في هذا الموضوع : رياض الصالحين – خُلق المسلم للغزالي – احياء علوم الدين( الجزء الخاص بالآداب الإسلامية) - حياة الصحابة.
[[B][34][/B]]الشعراء 213 – 214 -215 .
[[B][35][/B]]التحريم 6 .
[[B][36][/B]]آل عمران 34.
[[B][37][/B]]رواه الترمذي.
[[B][38][/B]]رواه الطبري في الأوسط.
[[B][39][/B]]ابن ماجة والحاكم.
[[B][40][/B]]رواه ابن ماجة.
[[B][41][/B]]رواه الطبري .
[[B][42][/B]]رواه الطبري.
[[B][43][/B]]رواه ابن ماجه والحاكم.
[[B][44][/B]]سورة طه.
[[B][45][/B]]سورة مريم 55.
[[B][46][/B]]ذكره صاحب الفردوس.
[[B][47][/B]]الفرقان 74 .
[[B][48][/B]]متفق عليه.
[[B][49][/B]]رواه الترمذي.
[[B][50][/B]]رواه الترمذي .
[[B][51][/B]]رواه ابن ماجه.
[[B][52][/B]]الشمس 9 و10
[[B][53][/B]]اربد وارباد : مثل احمرّ واحمارّ، ومعناها شدة السواد مع تغير : انظر القاموس المحيط ج1 ص 304.
[[B][54][/B]]الجاثية 23
[[B][55][/B]]آل عمران 135
[[B][56][/B]]رواه أحمد والترمذي.
[[B][57][/B]]أخرجه أحمد والطبراني
[[B][58][/B]]الأنفال 3
[[B][59][/B]]الحج 46
[[B][60][/B]]محمد 24
[[B][61][/B]]فاطر 28
[[B][62][/B]]رواه الترمذي
[[B][63][/B]]أخرجه المحبر
[[B][64][/B]]سبق ذكره
[[B][65][/B]]أخرجه الترمذي
[[B][66][/B]]النور 40
[[B][67][/B]]لم يعرف له أصل
[[B][68][/B]]أخرجه أحمد
[[B][69][/B]]المجادلة 19
[[B][70][/B]]الأعراف 16 - 17
[[B][71][/B]]أخرجه النسائي
[[B][72][/B]]الحشر 16
[[B][73][/B]]رواه أحمد
[[B][74][/B]]أخرجه ابن أبي الدنيا
[[B][75][/B]]الأعراف 201