*****
اختيار وزارة التنمية الاجتماعية لمفهوم المواطنة ليكون موضوع حوار اليافعين لهذا العام اختيارا موفقا، ذلك أنه بات من الأهمية بمكان تعزيز فهم هذا الجيل لمفهوم المواطنة الذي كان متشربا به الجيل السابق بالفطرة، اليوم هناك مطالبات على نطاق واسع (بالحقوق) مع تغييب شبه كامل عن المطالبة بتأدية (واجب) الوطن، مما يشكل جرس إنذار يتطلب التدخل السريع، بدا واضحا من نبرة الشكوى والتذمر التي سادت منتدياتنا ومواقع التواصل الاجتماعي، وامتدت إلى حواراتنا الشخصية، وكأن الوطن هذا خارج ذواتنا وليس جزءا منا كما عهدناه ونشأنا عليه، الوطن ليس سوى الأرض التي علمتنا على مدى العصور بأنها لا تجود بثرواتها للكسالى والمتخاذلين والأنانيين، فلا بد من الغوص في أعماق البحار بحثا عن اللؤلؤ والمرجان، ولا بد من تلويث ايدينا والمجازفة بحياتنا في المناجم بحثا عن الذهب والمعادن الثمينة، ولا بد من حرث الأرض وزراعتها وريها من أجل أن تجود علينا بالمحاصيل، لاشيء يأتي جزافا ولكل شيء ثمن، والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة كما قال سيدنا الفاروق، وبالتالي الوطن من أجل أن يعطينا علينا أن نعطيه بالقدر ذاته من العمل الدؤوب من أجل تنميته ورفعة شأنه بين الدول، وهو يعوّل علينا نساء ورجالا، صغارا وكبارا في ذلك، وبقدر ما نعطيه حتما سيعطينا، والمواطنة كمفهوم قديم قدم البشرية لكونه مرتبطا بحاجة إنسانية أساسية هي حاجة الانتماء والمشاركة التي تتطلبها الطبيعة البشرية كون الإنسان اجتماعيا بطبعه، لا يمكن له أن يعيش بمعزل عن الآخرين، وكان دوما مرتبطا بالأرض التي تشكل الوطن، دون أي اعتبار للحدود السياسية، لكن مفهومها تطور في العصر الحديث وكثر الحديث عنه والتسويق له وبلغ ذلك أوج قمته في أعقاب قيام ما بات يسمى بالولايات المتحدة الأمريكية، فبعد اكتشاف القارة الأمريكية من قبل الأوروبيين وفتح مجال الهجرة إليها من كل بقاع المعمورة من أجل استصلاح الأراضي الزراعية واستخراج الثروات التي زخرت بها القارة، كان لا بد من البحث عن هوية مشتركة تربط بين هذه الأجناس البشرية التي جاءت من مختلف بلدان العالم وبالتالي اختلفت توجهاتها السياسية والدينية والثقافية باختلاف المناطق التي جاءت منها تلك الحشود، فجاء مفهوم المواطنة الذي يمثل الولاء والانتماء للوطن الجديد، ثم انتشر المفهوم بشكل أوسع مع ظهور الحدود الجغرافية الجديدة التي نتجت عن تفتت الامبراطوريات الحديثة، لضبط العلاقة بين الوطن والأفراد الذين كانت انتماءاتهم وولاؤهم لأراض أخرى ولدوا وعاشوا عليها طوال حياتهم، وبالتالي فإن المواطنة هي مجموعة من الحقوق والواجبات المتبادلة بين الوطن والشعب، فالشعب يتوقع من الوطن العيش على أرضه آمنا على روحه وماله وولده، وأن يتوفر له الحد الأدنى من الرفاهية الاجتماعية، وحرية التنقل بدون قيود في حدود الوطن، وحرية التعبير، وحرية ممارسة الشعائر الدينية على اختلاف معتقداته ومذاهبه، وحرية المشاركة في الانتخاب والترشيح، وحق المساواة مع بقية أفراد المجتمع في هذه الحقوق والواجبات دون تمييز في جنس ولون وعرق، وفي المقابل فإن من حق هذا الوطن على مواطنيه أن يلتزموا بالقوانين والنظم التي وضعت من أجل الحفاظ على السلام والوئام بين فئات المجتمع الواحد، والذود عن حماه بكل غال ونفيس، وحماية منجزاته والحفاظ عليها، وحق ممارسة الأعمال والمهن التي توكل إليهم بكل أمانة وإخلاص، وحق العمل على رفعة وتنمية هذا الوطن، ولهذا فإن المواطنة ارتبطت على مر العصور بمجموعة من القيم والمبادئ التي لا يكتمل مفهوم المواطنة إلا بها، كقيمة الانتماء لهذا الوطن وكل ما يمثله من أرض وهوية، وقيمة الولاء له وحده، والمساواة في الحقوق من تعليم، وعمل، والمساواة أمام القانون، من أجل تعزيز هذه القيم شنت الحكومة الأمريكية حملة واسعة النطاق امتدت لعقود طويلة، وعلى نطاق واسع شمل الأطفال الذين شبوا عليها منذ نعومة أظفارهم والأفراد والمؤسسات، وقد أججت عبارة جون كينيدي الشهيرة هذا الشعور لدى الأمريكيين بمختلف توجهاتهم بشكل لم يسبق له مثيل عندما خطب فيهم بعبارته التي ظلت شعارا للوطن في كل مكان: لا تسأل ما الذي يستطيع الوطن أن يعطيك بل ما الذي تستطيع أن تعطيه للوطن، اذكر أثناء إقامتي في الولايات المتحدة في ثمانينات القرن الماضي كيف أن نطق كلمة (أمريكا) كان يصاحبه شعور عارم بالفخر يشعر به كل من يعيش على أرضها حتى من غير الأمريكيين، وكيف كان التسويق لما بات يعرف بالحلم الأمريكي، الذي كان حلما براقا مفعما بالجاذبية، جعل ملايين البشر تترك أوطانها سعيا وراء هذا الحلم، والانصهار في الثقافة الجديدة بكل ما تحمل من قيم وتوجهات جديدة.
اختيار وزارة التنمية الاجتماعية لمفهوم المواطنة ليكون موضوع حوار اليافعين لهذا العام اختيارا موفقا، ذلك أنه بات من الأهمية بمكان تعزيز فهم هذا الجيل لمفهوم المواطنة الذي كان متشربا به الجيل السابق بالفطرة، اليوم هناك مطالبات على نطاق واسع (بالحقوق) مع تغييب شبه كامل عن المطالبة بتأدية (واجب) الوطن، مما يشكل جرس إنذار يتطلب التدخل السريع، بدا واضحا من نبرة الشكوى والتذمر التي سادت منتدياتنا ومواقع التواصل الاجتماعي، وامتدت إلى حواراتنا الشخصية، وكأن الوطن هذا خارج ذواتنا وليس جزءا منا كما عهدناه ونشأنا عليه، الوطن ليس سوى الأرض التي علمتنا على مدى العصور بأنها لا تجود بثرواتها للكسالى والمتخاذلين والأنانيين، فلا بد من الغوص في أعماق البحار بحثا عن اللؤلؤ والمرجان، ولا بد من تلويث ايدينا والمجازفة بحياتنا في المناجم بحثا عن الذهب والمعادن الثمينة، ولا بد من حرث الأرض وزراعتها وريها من أجل أن تجود علينا بالمحاصيل، لاشيء يأتي جزافا ولكل شيء ثمن، والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة كما قال سيدنا الفاروق، وبالتالي الوطن من أجل أن يعطينا علينا أن نعطيه بالقدر ذاته من العمل الدؤوب من أجل تنميته ورفعة شأنه بين الدول، وهو يعوّل علينا نساء ورجالا، صغارا وكبارا في ذلك، وبقدر ما نعطيه حتما سيعطينا، والمواطنة كمفهوم قديم قدم البشرية لكونه مرتبطا بحاجة إنسانية أساسية هي حاجة الانتماء والمشاركة التي تتطلبها الطبيعة البشرية كون الإنسان اجتماعيا بطبعه، لا يمكن له أن يعيش بمعزل عن الآخرين، وكان دوما مرتبطا بالأرض التي تشكل الوطن، دون أي اعتبار للحدود السياسية، لكن مفهومها تطور في العصر الحديث وكثر الحديث عنه والتسويق له وبلغ ذلك أوج قمته في أعقاب قيام ما بات يسمى بالولايات المتحدة الأمريكية، فبعد اكتشاف القارة الأمريكية من قبل الأوروبيين وفتح مجال الهجرة إليها من كل بقاع المعمورة من أجل استصلاح الأراضي الزراعية واستخراج الثروات التي زخرت بها القارة، كان لا بد من البحث عن هوية مشتركة تربط بين هذه الأجناس البشرية التي جاءت من مختلف بلدان العالم وبالتالي اختلفت توجهاتها السياسية والدينية والثقافية باختلاف المناطق التي جاءت منها تلك الحشود، فجاء مفهوم المواطنة الذي يمثل الولاء والانتماء للوطن الجديد، ثم انتشر المفهوم بشكل أوسع مع ظهور الحدود الجغرافية الجديدة التي نتجت عن تفتت الامبراطوريات الحديثة، لضبط العلاقة بين الوطن والأفراد الذين كانت انتماءاتهم وولاؤهم لأراض أخرى ولدوا وعاشوا عليها طوال حياتهم، وبالتالي فإن المواطنة هي مجموعة من الحقوق والواجبات المتبادلة بين الوطن والشعب، فالشعب يتوقع من الوطن العيش على أرضه آمنا على روحه وماله وولده، وأن يتوفر له الحد الأدنى من الرفاهية الاجتماعية، وحرية التنقل بدون قيود في حدود الوطن، وحرية التعبير، وحرية ممارسة الشعائر الدينية على اختلاف معتقداته ومذاهبه، وحرية المشاركة في الانتخاب والترشيح، وحق المساواة مع بقية أفراد المجتمع في هذه الحقوق والواجبات دون تمييز في جنس ولون وعرق، وفي المقابل فإن من حق هذا الوطن على مواطنيه أن يلتزموا بالقوانين والنظم التي وضعت من أجل الحفاظ على السلام والوئام بين فئات المجتمع الواحد، والذود عن حماه بكل غال ونفيس، وحماية منجزاته والحفاظ عليها، وحق ممارسة الأعمال والمهن التي توكل إليهم بكل أمانة وإخلاص، وحق العمل على رفعة وتنمية هذا الوطن، ولهذا فإن المواطنة ارتبطت على مر العصور بمجموعة من القيم والمبادئ التي لا يكتمل مفهوم المواطنة إلا بها، كقيمة الانتماء لهذا الوطن وكل ما يمثله من أرض وهوية، وقيمة الولاء له وحده، والمساواة في الحقوق من تعليم، وعمل، والمساواة أمام القانون، من أجل تعزيز هذه القيم شنت الحكومة الأمريكية حملة واسعة النطاق امتدت لعقود طويلة، وعلى نطاق واسع شمل الأطفال الذين شبوا عليها منذ نعومة أظفارهم والأفراد والمؤسسات، وقد أججت عبارة جون كينيدي الشهيرة هذا الشعور لدى الأمريكيين بمختلف توجهاتهم بشكل لم يسبق له مثيل عندما خطب فيهم بعبارته التي ظلت شعارا للوطن في كل مكان: لا تسأل ما الذي يستطيع الوطن أن يعطيك بل ما الذي تستطيع أن تعطيه للوطن، اذكر أثناء إقامتي في الولايات المتحدة في ثمانينات القرن الماضي كيف أن نطق كلمة (أمريكا) كان يصاحبه شعور عارم بالفخر يشعر به كل من يعيش على أرضها حتى من غير الأمريكيين، وكيف كان التسويق لما بات يعرف بالحلم الأمريكي، الذي كان حلما براقا مفعما بالجاذبية، جعل ملايين البشر تترك أوطانها سعيا وراء هذا الحلم، والانصهار في الثقافة الجديدة بكل ما تحمل من قيم وتوجهات جديدة.