الأحد الماضي كنت تتناول طعامك مع زملائك الموظفين، تنتقد سياسات رئيس الوحدة التعسفية، وتلعن مدير الموارد البشرية الذي تعتبره المسؤول الأول عن كل الإحباطات التي مرت بك مهنيا، وتسب لجنة الموارد البشرية التي كانت وراء حرمانك من الترقية العام الفائت والمكافأة التشجيعية قبل ثلاث سنوات، والبرنامج التدريبي خمس سنوات مضت، اليوم تجد نفسك على الضفة الأخرى بعد أن صدر قرار بتعيينك مديرا، وأصبحت ضمن فريق الإدارة، ستحاول الأسبوع الأول أن توهم زملاء العمل أن شيئا لم يتغير، وأنك ما زلت (ابومحمد) الذي عرفوه، وأنك وأنك….الخ، قد تستطيع الالتزام بهذه الوعود طوال ذلك الأسبوع لكن في الأسبوع الثاني ستكتشف بأن الإدارة مسؤولية، وأنها تتطلب سلوكيات مختلفة تماما عن تلك التي تتطلبها الوظيفة الكتابية، وتفرض بروتوكولات معينة، ستكتشف أن خطواتك باتت محسوبة، وكلماتك باتت تفسر بمعان لم تقصدها، وانك مطالب بالتصرف بطريقة مختلفة لم تعهدها، كيف ستتصرف حينها، ماذا ستفعل؟ الحقيقة أن لا أحدا يستطيع أن يعطيك وصفة سحرية للقيادة، فلكل قائد أسلوبه المختلف الذي يتناقض كلية مع أسلوب القائد الآخر، ولا شك أيضا أن أطباعنا وشخصياتنا تفرض نفسها على الأسلوب القيادي الذي ننتهجه سلبا أو إيجابا،إلا أن ما يجمع عليه خبراء الإدارة اليوم أن الإدارة بدون قيادة لم يعد لها وجود في عالم الأعمال اليوم القائم على مفهوم الموارد البشرية كما ذكرنا في مقال سابق على هذه الصفحة والذي فرضه الانتقال إلى عصر المعرفة وبالتالي حل محل مفهوم الأيدي العاملة التي فرضتها العصور التي سبقته (العصر الصناعي والعصر الزراعي..الخ)، فالإدارة ارتبطت دائما بإدارة الأنظمة والاجراءت، إلا أن البشر يتطلبون قيادة أكثر منها إدارة، ولاشك ان القيادي الناجح يتميز بمجموعة من المهارات التي قل أن توجد في بقية الناس من حوله، ولهذا يكون القائد واحدا فيما الأتباع كثر، سواء كان هذا القائد على رأس إمبراطورية كنابليون أو على رأس مؤسسة كـ بيل جيتس، وإن كان نابليون بونابرت كان قياديا حازما وقاسيا إلا أن بيل جيتس على النقيض تماما فالمعروف عنه أنه يتميز بالبساطة الشديدة والرقة ودماثة الخلق، كذلك كان غاندي ونيلسون مانديلا والأم تيريزا لكنهم رغم ذلك نجحوا في أن يصنعوا التاريخ وتخلد أسماؤهم على صفحاته، لعل أقرب سمات القيادة إلى قلبي شخصيا هي القيادة بالقدوة، سواء كانت في تربية الأبناء أو في إدارة فريق من المهنيين والكوادر في المؤسسة، فإن القائد القدوة لهو أكثر تأثيرا من قائد يأمر رعيته بأمور ويأتي بمثلها، فقد يتبع هذا خوفا كما فعل أتباع هتلر لكن الخوف لا يدوم وسيأتي على أعضاء الفريق يوما ويتمردوا على هذا الأسلوب من القيادة، أيضا القائد الناجح لا يخشى من نجاح فريقه فهو يدرك أن نجاحه من نجاح الفريق الذي يعمل معه، لذا نادرا ما تجد قائدا حقيقيا يتسلق على أكتاف أتباعه أو ينسب جهدهم له، فهو أكثر ثقة في نفسه من ذلك، قد لا تستطيع أن تكسب هذه السمات بين ليلة وضحاها، لكنك حتما قادر على اكتسابها مع الوقت، فأنا ضد مقولة أن القائد يولد بالفطرة، لأن كل سمات القادة التي نراها فيمن حولنا إنما هي عبارة عن سلوكيات وأخلاقيات ومهارات معينة، يمكن اكتسابها بالممارسة والتعلم المستمر، وإن كان زرع بعض هذه السلوكيات في الطفل في سن مبكرة ستجعل منه قائدا أفضل، لكن حتى هذا القائد الصغير إنما هو نتاج تربية والد قائد سواء كان هذا القائد أبا أو أما، لكن قلة في الحقيقة من ترجع نجاحاتهم كقادة إلى التربية في الأسرة، بل هي تربية التجارب التي يمر بها المرء خلال مسيرته الحياتية، فلا تبتئس إن كنت ممن تجد في نفسك بعض السلوكيات التي لا تتفق مع السلوكيات التي يجب أن تتوفر في القائد الناجح، فقرار تعيينك هو بداية مناسبة لتغيير مسارك بشكل عام، بحيث تتخذ قرارا بأن لا تكون مديرا فحسب وإنما قائدا تفتخر بنفسك وتكون فخرا لمن يهمك أمرهم، ولتضمن أيضا بقاءك وتحافظ على إنجازاتك، ذلك أننا شئنا أم أبينا دور المدير في تراجع في عالم اليوم الذي يتسم بالديناميكية، وحيث الكوادر التي تعمل معك على درجة عالية جدا من المهارة والاطلاع والمعرفة، فلم يعد موظف اليوم يقبل بمهام وظيفية روتينية وراتب آخر الشهر، هناك تزايد في المطالبة بالمشاركة في اتخاذ القرار، ومساحة للإبداع والتطوير والتفكير لن تستطيع أن توفرها وانت تعمل بعقلية المدير التقليدي، وستجد نفسك في نهاية المطاف تسير عكس التيار ونحن جميعا نعرف مالذي يحدث لمن يسير عكس التيار، هي فرصة إذا لتغيير المسار!
بين ليلة وضحاها - ibdaat-qalam
-
مشاركة