يحدث كثيرا على الجانب الآخر - omandaily

    • يحدث كثيرا على الجانب الآخر - omandaily

      كأنهما خطان متوازيان لا يلتقيان -
      جمال إمام -
      أتحدث عن إسرائيل والعالم العربي، فكلما غرق الأخير في مشكلاته التي لا تنتهي، ولا أظن أن مخرجا يلوح في الأفق القريب، يضعنا على أول السكة تنجح إسرائيل وتتقدم وتتفوق..
      ينطبق ذلك على كل شيء، ليس في السياسة فقط، التي نخسر فيها منذ أن عرفنا طريق المفاوضات على حقوقنا، وإنما بالدرجة الأولى في سباق التقنية العسكرية الضمانة الرئيسية لأمننا القومي..
      اليوم تجني إسرائيل ثمار هذا التراجع والتناحر والإهمال، والاسترخاء العربي ..
      فقد أجرت ثاني تجربة ناجحة، لإطلاق صواريخ آرو الاعتراضية المتطورة، (آرو 3)، لتحرز تقدما في منظومتها الدفاعية، الرامية إلى مواجهة أي تهديدات قد تشكلها الصواريخ الباليستية التي تمتلكها إيران وحزب الله اللبناني، وسوريا (التي خرجت تماما من المعادلة العسكرية) بسبب غرقها في مستنقع الحرب الأهلية الدائرة الآن ..
      وزارة الدفاع الإسرائيلية قالت في بيان أنه تم خارج الغلاف الجوي في الفضاء إطلاق الصاروخ الاعتراضي آرو 3 بنجاح وانطلق في مسار خارج الغلاف الجوي في الفضاء.» .
      لاحظ* هذه الجملة في البيان، ” أن الصاروخ انطلق خارج الغلاف الجوي في الفضاء . ”
      وهو ما يثبت المسافة الشاسعة التي تفصلنا في العالم العربي، عن منظومة التطور العلمي والتقنية المتطورة، وهو ما أتاح* لوزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون، أن يضعنا في مواجهة الواقع المرير الذي يكشف قدراتنا في أية مواجهة قادمة ..
      كتب يعلون على موقع تويتر: “تطوير مثل هذه الأنظمة سيسمح لإسرائيل بالحفاظ على الحياة الروتينية رغم التهديدات التي نواجهها وسيساعد جيش الدفاع الإسرائيلي على الانتصار في القتال بسرعة وكفاءة إذا تطلب الأمر”.
      فإذا كان التكنيك الإسرائيلي، في المواجهات الإسرائيلية العربية السابقة خارج مواقعها ( تحارب في غير أرضها)، إذا جاز هذا التعبير، فإن السيناريو القادم الذي يؤمنه نظام صواريخ آرو 3 يضمن لها نشر أقمار صناعية تتعقب الصواريخ الباليستية (التي لا نملكها، بإستثناء سوريا )، وتعترضها فوق الغلاف الجوي للأرض على ارتفاع كاف يسمح بتدمير أية رؤوس حربية كيماوية أو بيولوجية أو نووية بشكل آمن، حيث استخدمت إسرائيل جزء من منظومة آرو 3 نظام «القبة الحديدية» الذي تم نشره بنجاح، ويستهدف الصواريخ قصيرة المدى، وقذائف المورتر،* التي تنطلق من قطاع غزة، وهو ما يعتبر أول تطبيق عملي، يحقق الأمن الإستراتيجي لإسرائيل من الهجمات الصاروخية الفلسطينية .
      لتبقى التحديات أمام هذه المنظومة تكمن في ترسانة الصواريخ، التي يمتلكها حزب الله اللبناني، (يمتلك حاليا ما بين 60 ألفا و70 ألف صاروخ، منتشرة في أرجاء لبنان، من بينها عشرات من صواريخ سكود دي،* التي حصل عليها من سوريا، ويصل مداها إلى 700 كيلومتر)، وهي أخطر تهديد يواجه إسرائيل اليوم .
      ثم الصواريخ البالستية الإيرانية، وهي على المحك، طالما ظل الملف الإيراني النووي على الطاولة، وكذلك* الصواريخ السورية المتطورة* «أس 300»، وإن كانت دفاعية .. والتي تقول سوريا أنها حصلت عليها ضمن صفقة أسلحة أبرمتها مع روسيا، خاصة بعد أن استخدم* نظام بشار الأسد، نحو نصف صواريخ سكود الهجومية ضد مقاتلي المعارضة .
      النقطة الأخرى في سباق التقنية، هي الحرب الإلكترونية، التي صارت الفجوة في القدرات التقنية، التي تزداد كل عام حيث باتت إسرائيل تعتمد اليوم_ وبصورة كبيرة_ على الحرب الإلكترونية .
      واستطاعت قواتها الجوية وفقا لتقرير منشور لها تأدية بعض المهام بدلاً من القوات البرية، ففي عام 2000 لم تقض القوات الجوية من الجو إلا على 1% من عناصر الفصائل، في قطاع غزة، أما في الوقت الراهن، فإنها تستطيع القضاء على 98% منهم .
      وهو ما يعزز توجه إسرائيل، إلى إعادة الهيكلة العسكرية، التي أعتمدها الكنيست، وتوصي بالتحول تدريجيا عن تكتيكات الفرق المدرعة ذات القوى البشرية المكثفة والتركيز بدلا من ذلك على سلاح الجو، وجمع المعلومات الاستخبارية، والحرب الإلكترونية.
      وبالتالي تتعامل إسرائيل، مع تهديداتها الجديدة والبعيدة، في آن واحد، وفق آليات تضمن لها الأمن، فخريطة التهديدات التي تمتد من السودان إلى إيران، تصبح الدبابات عديمة الفائدة، ضد الصواريخ الباليستية، أو برنامج إيران النووي، أو غيرها من الهجمات .
      والتي تحتاج إلى وحدات الرد السريع، التي تستخدم الطائرات المقاتلة، والطائرات من دون طيار، والاستخبارات والحرب الإلكترونية، وهي إن كانت تضمن تقليل الخسائر في صفوف الإسرائيليين، فهي أيضا توفر عليها إدانة دولية، حال عبورها الحدود لتنفيذ عمليات عسكرية ضد الغير .
      والواقع أن النتائج على الأرض، لا تتوقف على تفوق إسرائيل في سباق التسلح، أوفي امتلاك التقنية المتطورة، ولكن أيضا في تطبيقاتها السياسية على الأرض .
      وفي مقدمتها ما له علاقة مباشرة بالاحتياجات العسكرية، التي تلائم المرحلة القادمة من حيث الحاجة إلى ميادين تدريب جديدة، وتغيير شكل عسكرة الدولة التي عليها إسرائيل منذ نشأتها* وحتى الآن .
      وذلك بنقل معسكراتها ومقراتها من المدن إلى خارجها_ وهذا جزء_ من المعركة التي تدور الآن حول أرض البدو الفلسطينيين من عرب 48 في صحراء النقب التي يريدون أن ينتزعوها منهم ومصادراتها ..
      إن هناك تحسنا يطرأ بصورة مستمرة على الوضع «الجيو – استراتيجي» لإسرائيل فى الشرق الأوسط خاصة في ضوء تعقيدات المشهد الآن، بعد تجريد سوريا من سلاحها الكيماوي للردع وتراجع أعداد صواريخها البالستية، وعدم الحسم على المسار السوري، سواء بالنسبة أو المعارضة .
      بالإضافة إلى تدخل حزب الله في القتال في سوريا، وانعكاسات ذلك على اهتزاز استقرار لبنان، وربما تكون هناك مخاوف من أن يؤدي التوتر بين مختلف القوى اللبنانية إلى تفجير الوضع إلى مواجهات واسعة النطاق في داخل لبنان .
      ثم هذا الارتياح الذي حدث بعد توقيع الاتفاق الغربي مع إيران، وهو وإن كان قد أثار خلافا ظاهريا مع الولايات المتحدة إلا أن إسرائيل حققت نتائج باهرة من وراء الاتفاق يكمن في الضمانات القوية، بشأن برنامج إيران النووي .
      أما فيما يتصل بالملف الفلسطيني فالمكاسب على الجانب الإسرائيلي بالجملة، أبرزها استمرار إسرائيل في تنفيذ مشروعها بقضم مزيد من الأرض الفلسطينية وبناء المستوطنات في الكتلة السكانية الرئيسية في الضفة الغربية، مقابل تنازلات يسيرة آخرها الإفراج عن معتقلين فلسطينيين، أوشكوا على انتهاء مددهم ليكون المقابل الاستمرار في بناء المستوطنات .
      هكذا هو المشهد الآن، سباق تقني تحرزه إسرائيل، ومكاسب سياسية، في ظل الأمر الواقع .. وفجوة تتسع يوما بعد يوم، في الشرق الأوسط .