اليَمِـــــيْنُ الحَاِسمَــــة - omandaily

    • اليَمِـــــيْنُ الحَاِسمَــــة - omandaily

      سعاد بنت فايز العلوية -
      ” أُقسِمُ باللهِ العَظِيْمِ المُنْتَقِمِ الجَبَّارِ وَالَّذِي أَهْلَكَ عَادَ وَثَمُوْدَ بِأنَّنِي لَمْ…وَلَمْ…وإن كُنْتُ حَانِثَاً فَعَلَيَّ لَعْنَةٌ مِنَ اللهِ وَ المَلائِكَةِ والنَّاسِ أَجْمَعِيْن”.
      أَيُّ مُضْغَةٍ- تِلْكَ الَّتِي تَتَرَبَّعُ الجَانِبَ الأيْسَرَ مِنْ صَدْرِ الآدَمِيِّ- تَقوَى عَلَى الثَّبَاتِ أمَامَ هَكَذَا يَمِيْن مِنْ شَأنِها أَنْ تَغْمِسَهَا وَصَاحِبهَا في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدَةً مُخَلَّدَة؟! وَمِنْ أجْلِ مَاذَا؟ مِنْ أجْلِ مَا لا يُعَادِلُ قَطْرَةً في بَحْر! مِنْ أجْلِ صُوْرَةٍ قَدْ لا تَتَعَدَّى بِأَصْحَابِهَا عَتَبَةَ قَاعَةِ الحُكْمِ فَتَهْوِي بِهِ دُنْيَا وَآخِرَةْ.
      إِنَّ قَاعَاتِ الَمحَاكِم تَزْخَرُ* بالحَلْفِ والحَالِفِيْن; مِنْهُم مَنْ يَحْلِفُ عَلَى حَقٍ اغْتُصِبَ مِنْهُ وَمِنْهُم مَن يَسْلِبُ بِالحَلْفِ حُقُوْقَ غَيْرِه.* فَهَذِهِ إحْدَى الطُّرُقِ الاحْتِيَاطِيَّةِ المَشْرُوعَةِ التِي يَلْجَأُ إِلَيْهَا الخُصُوْمُ عِنْدَمَا لا يَتَوَافَرُ الدَّلِيْلُ الأصْلِيُّ المُفْتَرَضُ الاسْتِنَادَ إلَيْهِ، فمِنْهَا الإقرَارُ واليَمِيْنُ الحَاسِمَةِ، بِحَسَبِ ما نَصَّتْ عَلَيْهِ المَادَّة 67 مِنْ قَانُونِ الإثْبَاتِ العُمَانِيِّ الصَّادِرِ بالمَرْسُوْمِ السُلْطَانِيِّ رَقَمِ 68 لِسَنَةِ 2008م أنَّهُ: يَجُوْزُ لِكُلٍّ مِنَ الخَصْمَيْنِ في أيَّةِ حَالَةٍ كَانَتْ عَلَيْهَا الدَّعْوَى أنْ يُوَجِّهَ اليَميْنَ الحَاسِمَةَ إلى الخَصْمِ الآخَرِ.. إلى آخِرِ ما جَاءَ بِنَصِّ المادَّة.
      و”اليَمِيْنُ الحَاسِمَةِ” تُعَادِلُ اليَمِيْنَ الغَمُوْسَ في التَّشْرِيْعِ الرَّبَّانِيِّ؛ فَهِيَ: “أنْ يَحْلِفَ المَرْءُ بِاللهِ عَلَى أمْرٍ ماضٍ كاذبًا متعمدًا، كَأَنْ يَحْلِفَ أنَّهُ مَا صَارَ كَذَا وَكَذَا، وَلا كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَهي مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوْبِ، وَسُمِّيَت غَموسًا؛ لأنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا في الإثْمِ، ثُمَّ في النَّارِ”‏.‏ (صالح الفوزان- ماهي اليمين الغموس).
      وَقَد قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم‏:‏ “‏إنَّ اليَمِيْنَ مُنْفِقَةٌ للسِّلْعَةِ مُمْحِقَةٌ لِلبَرَكَة‏”. (‏صحيح البخاري)‏. وَهَذِهِ اليَمِيْنُ – والَّتِي يَجْهَلُ عَنْهَا الكثيرون أنَّهَا لَمْ تُشْرَع لَهَا كَفَّارَةً* مِنْ مَالٍ وَصِيَامٍ، سِوَى التَّوْبَةِ. والكَثِيْرُونَ أيْضًا يَلْتَبِسُ عَلَيْهِمُ التَّشْرِيْعُ في قَوْلِهِ تَعَالَى: “‏(‏لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏)‏ ‏(‏سورة المائدة‏:‏ الآية 89‏)‏‏.‏
      فَفِي الآيَة ِالمَذْكُوْرَةِ عَالِيْه وَقَعَ القَوْلُ عَلَى نَوْعَيْنِ مِنَ الأيْمَانِ; أوَّلَهَا يَمِيْنُ اللَّغْوِ وَهِيَ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَل (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ)، أمَّا الثَّانِيَة فَهِيَ اليَمِيْنُ المُنْعَقِدَةُ وَهِيَ إذَا حَلَفَ المَرْءُ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقبَلِيٍّ مُمْكِن أنْ يَفْعَلَه، أوْ عَلَى أمْرٍ مُسْتَقبَلِيٍ أنْ لا يَفْعَلَه، ثُمَّ خَالَفَ يَمِيْنَهُ؛ فَإِنَهَا يُكَفَّرُ عَنْهَا بما ورد في الآية.
      كَيْفَ لِضَمَائِر بَشَرِيَّةٍ أَن تَسْتَسْهِلَ القَسَمَ باللهِ العَظِيْم دُوْن أَن تَسْتَحْضِرَ* غَضَبَهُ الدُّنْيَوِيَّ قَبْلَ نَصِيْبه في الآخِرَة؟. فَكَمْ مِنْ حُقُوْقٍ أُجْهِضَتْ وَأمْوَالٍ أُكِلَتْ وَأُسَرٍ تَفَكَّكَتْ بِدَافِعِ الطَّمَعِ البَشَرِيِّ والاسْتِهَانَةِ بأوامِرِ اللهِ وَهُوَ القَائِلُ:” … وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ “النور:15.
      يَحْكِي أَحَدُ المُحَامِيْن أنَّ رَجُلاً وُجِّهَتْ لَهُ يَمِيْنَ شَهَادَةٍ فَشَهِدَ زُوْراً وَلَمْ يَلْبَثْ إلا أُسْبُوْعَاً وَأُصِيْبِ جَسَدُهُ بِشَلَلٍ نِصْفِي.! فَهَلْ نَقْوَى نَحْنُ بَنِي البَشَرِ- يا مَنْ تُرْدِيْنَا حُمَّى لَيْلِيَّة- هَلْ نَقْوَى عَلَى كُلِّ هَذَا الغَضَبِ وَ الوَعِيْدِ الإلهي؟ وَمِنْ أجْلِ مَاذَا؟ مِنْ أجْلِ مَا لَنْ يُسْعِفَ أجسَادَنَا وَهِيَ تَتَفَحَّمُ فِي قَعْرِ جَهَنّم خَالِدَةً مُخَلَّدَة! .