العلاقة بين الدوافع والانفعالات

    • العلاقة بين الدوافع والانفعالات

      الـعلاقة بين الدوافع والانفعالات في القرآن وعلم النفس
      هناك علاقة بين الدوافع والانفعالات 00
      انفعال الخوف 00يدفعنا إلى تجنب الأخطار التي تـهدد حياتنا0
      انفعال الغضب 00يدفعنا إلى الدفاع عن أنفسنا ، والى الصراع من أجل البقاء 0
      انفعال الحب 00 هو أساس تآلف الجنسين وانجذاب كل منهما إلى الآخر من أجل بقاء النوع 0وهناك علاقة بين الدوافع والانفعالات 00والدوافع تكون مصحوبة بحالة وجدانية انفعالية ، فحينما يشتد الدافع ويعاق عن الإشباع فترة من الزمن تحدث في الجسم حالة من التوتر0 وتصاحب ذلك حالة وجدانية مكدرة0 والانفعال يقوم بتوجيه السلوك مثل الدافع 0وقد جاء في القرآن الكريم وصف دقيق لكثير من الانفعالات التي يشعر بـها الإنسان مثل :ـ
      الخوف ، الغضب ، الحب ، الكره ، الغيرة ، الحسد ، الندم ، الحياء ، الخزي 0
      الــخـوف : من الانفعالات الـهامة في حياة الإنسان لأنه :-
      1ـ يعينه على اتقاء الأخطار التي تـهدده مما يساعده على الحياة والبقاء 0
      2ـ يدفع الإنسان المؤمن إلى اتقاء عذاب الله سبحانه في الحياة الآخرة 0
      فالخوف من عقاب الله يدفع المؤمن إلى تجنب الوقوع في المعاصي ، والى التمسك والتقوى والانتظام في عبادة الله وعمل كل ما يرضية 0 قال تعالى : (( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ))0 سورة الأنفال ( 2 )
      وانفعال الخوف حالة من الاضطراب الحاد الذي يشمل الفرد كله ،وقد وصف القرآن الكريم هذا الاضطراب بالزلزال الشديد الذي يهز الإنسان هزا شديدا ، فيفقده القدرة على التفكير والسيطرة على النفس 0يقول الله تعالى : (( إذ جآؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا () هنالك أبتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا )) سورة الأحزاب ( 10،11)
      والخوف أنواع : الخوف من الله ، الخوف من الموت ، الخوف من الفقر 0 الخوف من الحيوانات المفترسة ، والخوف من الأمراض الوبائية والمعدية ،ويندرج الخوف من الحيوانات والأمراض تحت الخوف من الموت 0وهذه المخاوف طبيعية 0وهناك مخاوف مرضية وتحتاج إلى علاج نفسي 0
      أما الخوف من الله فسبب ذلك أن يقع الإنسان في العذاب بسبب معصيته ويقول الله سبحانه : (( قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ))0 سورة الزمر ( 13 )
      وأما الخوف من الموت ، فكل الحيوانات تخاف من الموت لأن حب الحياة غريزة ولولا حب الحياة المغروز في الإنسان والحيوان لما توقى الإنسان أثناء سيره وأختار الطرق السليمة وأكل الأكل النظيف وشرب الماء الصحي وكذلك لو أمسكت بإحدى الحشرات الصغيرة وحاولت أن تميتها لقاومت بكل ما أوتيت من قوة 0وعند الإنسان مرتبط الخوف من الموت بالخوف من الله 00ولكن مهما هربنا من الموت فهو حتما سيقابلنا في يوم ما0 يقول الله سبحانه وتعالى: (( قل إن الموت الذي تفرون منه فانه ملاقيكم )) سورة الجمعة( 8 )0والايمان الصادق بالله سبحانه وتعالى يؤدي إلى التخلص من الخوف من الموت 00أما الخوف من الفقر فهو من المخاوف الشائعة بين الناس 0والانسان دائم السعي في حياته لكسب رزقه وقوته وقوت عياله ،لكي يهيء لنفسه ولأسرته أسباب الحياة الآمنة 00والايمان بالله يقضي على الخوف من الفقر 0يقول الله تبارك وتعالى : (( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين )) سورة الذاريات ( 5 ويقول أيضا : (( وفي السماء رزقكم وما توعدون )) سورة الذاريات ( 22) وبذلك يصبح الخوف الحقيقي الذي يشعر به المؤمن هو الخوف من الله 0
      لماذا ؟ لأن إيمانه بالله لا يجعله يخاف الموت أو الفقر أو الناس أو أي شيء آخر في العالم ، وإنما يخاف فقط من غضب الله وسخطه وعذابه ،ويؤدي الخوف من الله وظيفة هامة ومفيدة في حياة المؤمن إذ يجنبه ارتكاب المعاصي ، فيقيه بذلك من غضب الله وعذابه ،ويحثه على أداء العبادات والقيام بالأعمال الصالحة ابتغاء مرضات الله ، فالخوف من الله في نهاية الأمر يؤدي الى تحقيق الأمن النفسي إذ يغمر المؤمن شعور الرجاء في عفو الله ورضوانه 0
      قال تعالى (( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون )) سورة فصلت ( 30 )

      الغــضب
      انفعال هام يؤدي وظيفة هامة للإنسان ، حيث أنه يساعده على حفظ ذاته 0فحينما يغضب الإنسان تزداد طاقته على القيام بالمجهود العضلي العنيف مما يمكنه من الدفاع عن النفس أو التغلب على العقبات التي تكون عائقا عن تحقيق أهدافه الهامة 0وقد نوه القرآن الكريم باستخدام الشدة مع الكفار الذين يقاومون انتشار الإسلام ، وهذه الشدة نابعة من الغضب في سبيل الله وفي سبيل نشر الدعوة00 يقول الله تعالى : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم 00) سورة الفتح ( 29 ) وقد جاء في القرآن وصف لانفعال الغضب وتأثيره في سلوك الإنسان 00 انفعال سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام وغضبه قال تعالى : ( ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين ) سورة الأعراف (150)
      ويحدث أثناء الانفعالات كثير من التغيرات الفسيولوجية التي من بينها إفراز هرمون الأدرينالين الذي يؤثر على الكبد ويجعله يفرز كميات زائدة من السكر مما يسبب زيادة الطاقة في الجسم ويجعله متهيئا لبذل المجهودات العنيفة التي يتطلبها الدفاع عن النفس أثناء الغضب أو الجري أو الخوف0 ويوجه الإنسان العدوان إلى العقبات التي تعيق إشباع دوافعه أو تحقيق أهدافه سواء كانت هذه العقبات أشخاصا أو عوائق مادية أو قيودا اجتماعية ، وينقل الغضب إلى أشخاص لم يكونوا هم السبب الحقيقي في إثارة الغضب 00 الطفل لما يغضب من أبيه يوجه غضبه ناحية نفسه أو أحد إخوانه الصغار وأيضا غضب سيدنا موسى من قومه وجه غضبه ناحية أخيه هارون 0


      الحــــب :
      يلعب الحب دورا هاما في حياة الإنسان فهو أساس الحياة الزوجية وتكوين الأسرة ورعاية الأبناء وهو أساس التآلف بين الناس وتكوين العلاقات الإنسانية الحميمة وهو الرباط الوثيق الذي يربط الإنسان بربه ويجعله يخلص في عبادته وفي اتباع منهجه والتمسك بشريعته ويظهر الحب في حياة الانسان في صور مختلفة فقد يحب الانسان ذاته ويحب الناس ويحب زوجته وأولاده ويحب المال ويحب الله والرسول صلى الله عليه وسلم 00ونجد في القران الكريم ذكرا لهذه الأنواع المختلفة من الحب 0
      حـب الذات: ويرتبط ارتباطا وثيقا بدوافع حفظ الذات فالإنسان يحب أن يحيى وينمي إمكاناته ويحقق ذاته ويحب كل ما يجلب له الخير والأمن والسعادة ، ويكره كل ما يعوقه عن الحياة والنمو وتحقيق الذات وكل ما يجلب له الألم والأذى والضرر0
      حـب الناس: ولكي يستطيع أن يعيش الإنسان في تآلف وانسجام مع الآخرين ، يجب عليه أن يحد من حبه لذاته وأنانيته ، وأن يعمل على موازنته بحبه للناس الآخرين ومودته لهم ،والتعاون معهم ، وتقديم يد المعونة إليهم 0ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى حينما أشار إلى حب الإنسان لنفسه الذي يظهر في هلعه وجزعه إذا مسه الشر ، وحرصه على ما يناله من الخير وبخله به ومنعه عن الناس ، أثنى سبحانه وتعالى مباشرة على من يقاوم الإسراف في حبه لذاته ويتخلص من مظاهر الهلع والجزع إذا مسه شر ، ومن البخل إذا ناله خير ، وذلك عن طريق التمسك بالإيمان ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والتصدق على الفقراء والمساكين والمحرومين ، والابتعاد عما يبغض الله ، فإن من شأن هذا الإيمان أن يوازن بين حب الإنسان لنفسه وحبه للناس بما يحقق مصلحة الفرد والجماعة 0
      قال تعالى : (( إن الإنسـان خلق هلوعا () إذا مسه الشر جزوعا () وإذا مسه الخير منوعا () إلا المصلين () الذين هم على صلاتهم د آ ئمون () والذين في أموالهم حق معلوم () للسائل والمحروم () والذين يصدقون بيوم الدين () والذين هم من عذاب ربهم مشفقون )) سورة المعارج ( 19ـ27)
      الحـب الجنسي: يرتبط الحب بالدافع الجنسي ارتباطا وثيقا ، فهو الذي يعمل على استمرار التآلف والانسجام والتعاون بين الزوجين ، وهو أمر ضروري لاستمرار الحياة الأسرية 0 قال تعالى : (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )) سورة الروم( 21)
      الحـب الأبوي: لا يعتبر علماء النفس دافع الأبوة دافعا فسيولوجيا كدافع الأمومة ، ولكنهم يعتبرونه دافعا نفسيا ، ويظهر دافع الأبوة واضحا في حب الآباء لأبنائهم ، فهم مصدر متعة وسرور لهم ، ومصدر قوة وجاه ، وعامل هام في استمرار دور الأب في الحياة وفي بقاء ذكراه بعد موته ويتضح ذلك من دعاء زكريا عليه السلام ربه أن يهبه غلاما يرثه ويرث من آل يعقوب 00قال تعالى : (( قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا () وإني خفت الموالي من ورآئي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا() يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا)) سورة مريم( 4ـ6) ويلاحظ أن حب البنين جاء في القرآن مقرونا بحب المال في كثير من الآيات ، فكل من البنين والمال من أسباب القوة والمتعة للإنسان ، وتجد صاحب المال الذي عقيما يتحسر على ماله ويقول لمن أترك هذا المال إذا مت وتجده في أغلب الأحيان بخيلا إلا من رحم ربي ، وكذلك صاحب العيال إذا كان فقيرا فإنه يتعب كثيرا من أجل أن يجد لهم لقمة العيش ولا تكمل سعادته ، أما إذا اجتمع المال والأولاد فيكون في سعادة وهناء يقول الله تعالى : (( المال والبنون زينة الحياة الدنيا )) سورة الكهف (46) ويقول تعالى : (( ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا )) سورة الإسراء (6) وأشار القرآن إلى الحب الأبوي أثناء ذكره لقصة نوح عليه السلام ومعارضة يعقوب عليه السلام ذهاب يوسف مع اخوته في أول الأمر 0
      حـب الله سبحانه وتعالى : وهو ذروة الحب عند الإنسان وأكثره سموا وصفاء وروحانية هو حبه لله سبحانه وتعالى وشوقه الشديد إلى التقرب منه ، لا في صلواته وتسبيحاته ودعواته فقط ،ولكن في كل عمل يقوم به ،وفي كل سلوك يصدر منه ، إذ يكون توجهه في كل أعماله وتصرفاته إلى الله سبحانه وتعالى راجيا منه سبحانه تعالى القبول والرضوان ، قال الله تعالى: (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )) سورة آل عمران(31 ) وقال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم )) سورة المائدة ( 54 )
      وحينما يخلص الإنسان في حبه لله ، يصبح هذا الحب هو القوة الدافعة الموجهة له في حياته ، وتخضع كل أنواع الحب الأخرى لهذا الحب الإلهي ، ويصبح إنسانا يفيض بالحب للناس والحيوان وجميع مخلوقات الله والكون بأسره إذ يرى في كل الموجودات من حوله آثار ربه الذي تشده إليه أشواقه الروحية ،وتطلعاته القلبية 0
      حـب الرسول صلى الله عليه وسلم : ويأتي بعد حب الله سبحانه في ذروة السمو والنقاء والروحانية0 لقد أرسل الله إلى الثقلين هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ليهديهم ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، والله قد اصطفى نبيه ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين ، وأنزل عليه القرآن الكريم ، وكان عليه الصلاة والسلام المثل الكامل للإنسان في أخلاقه وسلوكه وفيما تحلى به من محاسن الصفات والخصال ، وما أدل على ذلك من وصف القرآن له بأنه على خلق عظيم 0والمؤمن الصادق الإيمان يحمل كل الحب للرسول عليه الصلاة والسلام الذي تحمل مشاق الدعوة ،وجاهد جهاد الأبطال حتى نشر الإسلام في ربوع العالم ونقل الإنسانية من ظلمات الضلالة إلى نور الهداية 0وقد أوصانا القرآن بحب الرسول عليه الصلاة والسلام ،وقرن حبه بحب الله 0والمؤمن الصادق الإيمان يتخذ من الرسول عليه الصلاة والسلام المثل الأعلى الذي يفتدي به في أخلاقه ، ويحذو حذوه في سلوكه ويهتدي بسيرته العطرة0
      الـفرح : يشعر الإنسان بانفعال الفرح أو السرور إذا نال ما تمناه ،وحصل ما يحب أن يحصل عليه من مال أو نفوذ ، أو نجاح ، أو علم ، أو إيمان وتقوى 0 فالفرح أمر نسبي يتوقف على أهداف الإنسان في الحياة 0 فمن كان هدفه في الحياة جمع المال ، والحصول على القوة والنفوذ وغير ذلك من متاع الحياة الدنيا ، كان نجاحه في تحقيق هذه الأهداف باعثا على فرحه وسروره 0 ومن كان هدفه في حياته التمسك بالإيمان والتقوى والعمل الصالح لكي يحصل على السعادة في الحياة الآخرة ، كان ذلك مصدر أمنه وطمأنينته وسروره قال تعالى : (( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين () قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )) سورة يونس ( 57ـ58)
      الـكـره : الكره انفعال مضاد لانفعال الحب ،وهو عبارة عن شعور بعدم الاستحسان وعدم التقبل ، أو الشعور بالنفور والاشمئزاز ، وبرغبة في الابتعاد عن الموضوعات التي تثير هذا الشعور ، سواء كانت أشخاصا أو أشياء أو أفعالا 0وبالرغم من أن الحب أساس الحياة الزوجية ، إلا أنه قد يحدث أحيانا بين الزوجين من سوء التفاهم وكثرة المشاحنات والخلافات ما قد يؤدي إلى نشوء الكراهية بينهما0 وقد أشار القرآن إلى ما قد يحدث أحيانا بين الأزواج من كراهية ، ودعانا إلى محاولة التغلب عليها حتى يمكن للحياة الزوجية أن تستمر0 قال تعالى : (( وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )) سورة النساء ( 19 ) 0 وقد يكره الانسان شخصا آخر أو بعض الأشخاص الآخرين لاختلافه معهم في الرأي ، أو بسبب الغيرة منهم لتفوقهم عليه في أمر من الأمور ، أو لما يسببونه له من الإحباط ، أو لغير ذلك من الأسباب التي تبعث الكراهية في النفس 0
      الـغيـرة : انفعال مكدر بغيض يشعر به الإنسان عادة إذا شعر أن الشخص المحبوب يوجه انتباهه أو حبه إلى شخص آخر غيره 0 ومن أنواع الغيرة الشائعة غيرة الزوجة على زوجها ، وما يحدث بين الأخوة إذا ما شعر أحدهم أن والديه أو أحدهما يحب أحد إخوته أكثر منه 0 وقد وصف القرآن الكريم الغيرة بين الإخوة فيما ذكرة عن قصة اخوان يوسف حيث كان الأب يحب يوسف أكثر من إخوته قال تعالى : (( إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين () اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين )) سورة يوسف ( 8ـ9) وانفعال الغيرة مركب توجد فيه عناصر من عدة انفعالات أخرى وخاصة انفعال الكره وغالبا ما تكون الغيرة مصحوبة بالكره والحقد والرغبة في إيذاء الشخص الذي يثير الغيرة 0
      الـحـسد : انفعال يشعر فيه الإنسان أن شخصا آخر يمتلك شيئا ما يتمنى هو أن يكون لديه هذا الشي بدلا من أن يكون لهذا الشخص 0 فقد يحسد الإنسان شخصا لأنه يمتلك ثروة كبيرة كان يتمنى هو أن تكون لديه هذه الثروة وكثير من الناس يحسدون غيرهم على ما خصهم الله به من أموال أو أبناء أو صحة أو نجاح 0وقد وصف القرآن حسد اليهود والمشركين للنبي عليه الصلاة والسلام على ما خصه الله به من فضل النبوة ، وحسدهم للمؤمنين على ما خصهم الله به من فضل الإيمان والهداية 0 قال تعالى : (( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم )) سورة البقرة (105) وقد يحسد الأخ أخاه على ما فضله الله عليه من مواهب مختلفة ، ولذلك كان تحذير يعقوب ليوسف عليهما السلام من أن يقص رؤياه على إخوته خوفا من حسدهم له ، مما قد يدفعهم إلى إيذائه 0 قال تعالى : (( قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين )) سورة يوسف ( 5 )
      والحسد مثل الغيرة يثير الحقد والكراهية ويدفع إلى تمني وقوع الأذى للشخص المحسود ،وقد يدفع إلى العدوان وإلحاق الأذى بالشخص المحسود 0 فقد قتل قابيل أخاه هابيل ، وقام إخوة يوسف بإلقائه في غور البئر 0ولما كان الحسد يؤدي إلى كراهية وعدوان وأذى فقد وجهنا الله إلى أن نستعيذ من شر الحاسدين 0 قال تعالى : (( 00ومن شر حاسد إذا حسد )) سورة الفلق ( 5 )
      الـحـزن : انفعال مضاد للفرح والسرور ، وهو يحدث إذا فقد الإنسان شخصا عزيزا ، أو شيئا ذا قيمة كبيرة أو إذا حلت به كارثة ما ، أو فشل في تحقيق أمر هام 0كذلك يشعر الآباء والأمهات عادة بالحزن إذا ما غاب أبناؤهم عنهم ، أو إذا ما لحق بهم أذى أو أصابهم مكروه 0قال تعالى : (( فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن)) سورة القصص ( 13 ) وقال تعالى : (( فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن )) سورة طه (40 )0 كما وصف القرآن حزن يعقوب عليه السلام عندما فقد ابنه يوسف عليه السلام0 كما وصف القرآن الحزن الذي ألم بأبي بكر رضي الله عنه حينما كان مع الرسول عليه الصلاة والسلام في الغار ، وكان الكفار يطاردونهما للفتك بهما 0قال تعالى : (( 00إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا)) سورة التوبة( 40 ) ويذكر القرآن الكريم في كثير من الآيات الحزن مقرونا مع الخوف مما يشير إلى أنهما انفعالان مكدران إذا ما ألما بالإنسان فإنهما يعكران صفو حياته 0كما تشير هذه الآيات أيضا إلى أن في الإيمان بالله وتقواه والعمل الصالح وقاية من الخوف والحزن وعلاجا لهما ، ومن أمثلة هذه الآيات قوله تعالى: (( قلنا اهبطوا منها جميعا فإماّ يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) سورة البقرة ( 3
      ويقول تعالى : (( يا بني آدم إمّا يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) سورة الأعراف ( 35)
      النـدم : حالة انفعالية تنشأ عن شعور الإنسان بالذنب ، وأسفه على ارتكابه ، ولومه لنفسه على ما فعل ، وتمنيه أنه لم يفعل ذلك 0ولوم الإنسان لنفسه ، وندمه على ما فعل من العوامل الهامة في تقويم شخصيته ، ودفعه إلى تجنب الأفعال المشينة وارتكاب الذنوب التي تسبب له الندم ولوم النفس 0 وقد أقسم الله بالنفس اللّوامة تقديرا لأهميتها في توجيه سلوك الإنسان إلى الابتعاد عن المعاصي التي تسبب له اللوم والندم 0قال تعالى : (( لآ أقسم بيوم القيامة () ولآ أقسم بالنفس اللّوامة )) سورة القيامة(1ـ2) ويقابل النفس اللّوامة ( الضمير ) ، وهو ما يسميه ( فرويد ) والمحللون النفسيون ( بالأنا المثالي ) أو ( الأنا الأعلى ) ( S u p e r E go ) ، وهو الجزء من النفس الذي يحاسب الإنسان على أفعاله ، ويؤنبه على أخطائه ، ويجعله يشعر بالندم على ما ارتكبه من ذنوب 0وأول ندم شعر به الإنسان ما حدث لأبوينا آدم وحواء عليهما السلام وهما في الجنة وقبل أن يهبطا إلى الأرض ، فقد عصيا أمر ربهما وأكلا من الشجرة التي نهاهما عن الاقتراب منها ، وظهرت سوءاتهما ، فشعرا بالندم وتوجها إلى الله سبحانه يطلبان منه المغفرة والتوبة 0وثاني ندم شعر به الإنسان بعد ذلك عندما قتل قابيل أخاه هابيل ، ثم ندم بعد ذلك على قتله0
      ويصف القرآن الكريم ما سيحدث يوم القيامة من ندم بعض الكفار لعدم إيمانهم بالله سبحانه ،وتصديقهم لرسوله صلى الله عليه وسلم 0قال تعالى : (( ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا () يا ويلتا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا )) سورة الفرقان ( 27ـ28)
      هذه بعض الانفعالات ، كما أن هناك انفعالات أخرى غير التي وردت في هذا المقال مثل : الحياء ، والخزي ، والزهو أو الكبر 0
      والـحيـاء :انفعال مركب من الخجل والخوف ،وهو يعتري الإنسان إذا خاف أن يرى الناس فيه ما يمكن أن يعاب أو يذم وهو من السمات الإنسانية الحيدة لأنه يدفع الإنسان إلى تجنب الأفعال القبيحة المعيبة 0قال تعالى : (( فجاءته إحداهن تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا 00)) سورة القصص ( 25)
      أما الـخـزي : فهو الخجل المصحوب بالشعور بالمهانة والذل والفضيحة والعار 0قال تعالى : (( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم )) سورة البقرة ( 114)
      والـزهـو: حالة انفعالية معقدة نلاحظها بين بعض الناس ، وهي الإعجاب بالنفس ، والغرور ، والتعاظم والكبرياء 0وقد يصبح الزهو عند بعض الناس سمة سلوكية تتميز بها شخصياتهم 0وقد ذم القرآن الزهو والكبر والتعالي على الناس 0قال تعالى : (( ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا )) سورة الإسراء ( 37) وقال تعالى : (( ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور )) لقمان ( 1
      • المراجع والمصادر
      * القرآن الكريم
      *معجم آيات القران الكريم
      * تفسير ابن كثير
      * القرآن وعلم النفس (نجاتي ، محمد عثمان ، ط 4 ، دار الشروق ، القاهرة ، جمهورية مصر العربية 1989م)