حديث الروح مع الشحري - ibdaat-qalam

    • حديث الروح مع الشحري - ibdaat-qalam

      على مدى الأسابيع الماضية كنت أعيد الاستماع إلى الحلقات السابقة للبرنامج الإذاعي حديث الروح، والذي لم تسنح لي الفرصة لمتابعتها في حينه، للأسف الشديد لم أعثر إلا على عدد قليل منها يعد على أصابع اليد الواحدة، رغم أنني وأنا استمع إليها كنت أتمنى لو كانت متاحة جميعها على الشبكة العنكبوتبة، فهذه الحوارات تحتوي على نماذج مشرفة جدا للنجاح العماني الحقيقي ونموذج لشخصيات رائعة تصلح أن يتم عرضها كقدوات ومثل أعلى للشبيبة، الذين يتهافتون على كتب التنمية البشرية والمحاضرات بحثا عن نماذج النجاح، وقصص الناجحين، كما أنها تأريخ لفترة مهمة من تاريخ عمان الحديث يرويها من عايشها عن قرب، وكما يقال فإن أهل مكة أدرى بشعابها، فإن القصص جاءت تروي حكايات جميلة مشحونة بعواطف جميلة، ومعاناة حقيقية لا يمكن أن يفهمها إلا من عاصرها وعايشها، وهي تجيب عن أسئلة هذا الجيل عن الحياة التي عاشتها الأجيال السابقة، بأسلوب جذاب ورائع يشد المستمع، لهذا تمنيت، ونقلت أمنيتي للمذيعة الشابة بأن يتم توثيق هذه الحوارات، لتكون مرجعا لمن أراد من الشبيبة أن يبحث عن قصص نجاح واقعية وحقيقية، وفي البيئة التي يعيش فيها، حتى لا نسوق فكرة أن النجاح للمشاهير الذين نتهافت على قصصهم، بل هي قريبة وفي متناول ايدينا، وهي أيضا تضعف حجة أولئك القائلين بأن الظروف المحيطة تحول بينهم وبين تحقيق أهدافهم، فكل من استضافهم البرنامج دليل قاطع على أنه بالإمكان النجاح رغم الظروف، وأن وراء النماذج الناجحة التي نرى قصص كفاح رائعة تستحق أن تروى، الضيف الذي سأتناوله اليوم هو الوحيد الذي سنحت لي الفرصة أن التقي به لقاءات عابرة في الحقيقة، هو نموذج للنجاح المهني، أو هذا هو الجانب الذي رأيت من سعيد الشحري أستاذ القانون بجامعة السلطان قابوس وصاحب مكتب سعيد الشحري للاستشارات القانونية، وربما لمحت جانباً صغيراً جدا من الشحري الإنسان وأنا التقي به أثناء توصيله لبناته إلى المدرسة، وأثناء اجتماعات مجلس الآباء التي يحرص على حضورها، وهو ما يتيح لي رؤية لحظات حميمية جميلة تربطه ببناته الثلاث التي تشارك إحداهن ابنتي في الفصل الدراسي، لكن حواره مع المذيعة نايلة البلوشية في برنامجها كان (حديث روح) بكل ما تعني هذه الكلمة، كلماته خرجت من القلب ودخلت قلوب المستمعين مباشرة، أبكانا معه مرات عديدة وهو يجبر المذيعة على التوقف لفقرة إعلانية غير مخطط لها، أو قراءة رسائل المستمعين النصية في غير موعدها، عندما يختنق صوته تأثرا، وتغلبه دموعه وهو يتحدث عن قصة معاناته مع مرض والده، أو وهو يستذكر معنا قصة تضحية جدته التي تركت كل شيء وراءها لتقف بجانب ابنتها بعد الحادث الذي تعرض له زوجها، إلى كفاحه كطفل اضطرته الحياة أن يكون رجل والده التي يتحرك بها، ويديه التي تنفذ تعليماته من على سرير المرض، ورعايته لعائلته في سن مبكرة جدا، لكن هذا لم يمنعه من السعي وراء حلم راوده بأن يكمل تعليمه أسوة بأقرانه، حتى لو كان من خلال مدارس محو الأمية، التي أجبرته في سن صغيرة جدا أن يشارك مقاعد الدراسة مع رجال بعمر والده، ومن ثم يسافر عبر جبال ظفار واليمن على الدواب بحثا عن علاج لإعاقة والده وينتهي به المطاف في قطر التي عاش فيها فترة من الزمن مقسما بين رعاية أسرته ومحاولة إكمال دراسته، وحالما انتهت مرحلة العلاج يعود الطفل الذي اصبح شابا إلى أرض الوطن ليبحث عن عمل ويقوم باستئجار منزل لأسرته، دون أن يتوقف عن السعي الدؤوب نحو الهدف الذي رسمه لنفسه، وهو إكمال دراسته التي يعترف بأنه أنهى كل مراحلها باستثناء أربع سنوات بنظام الدوام الجزئي، ثم ينقلنا إلى مرحلة العمل كباحث قانوني في وزارة النفط، لكن ظل حلما قديما يداعبه ويمنعه من الاستمرار في الوظيفة الحكومية وهو أن يصبح محاميا ذات يوم، ومرة أخرى يعمل في الفترة المسائية كمحام في أحد مكاتب المحاماة، قبل أن يؤسس مكتبه الخاص مدفوعا بموقف حدث له مع اثنين من اشهر مكاتب المحاماة الأجنبية العاملة في السلطنة آنذاك، حينما طلب أن يسمح له بالتدرب فيها، فرفض طلبه، الأمر الذي جعله يأخذ عهدا على نفسه بأن يكون له مكتب محاماة بمواصفات عالمية، لن يغلق أمام الكوادر العمانية الشابة التي تلجأ له طلبا لاكتساب خبرة، وكان له ما أراد بأن أنشأ مكتب سعيد الشحري للاستشارات القانونية، وأصبح هو يوظف الكوادر الأجنبية من أعرق مكاتب المحاماة في العالم، وفي الوقت ذاته يعمل على تأهيل الشباب العماني من خلال فتح مجال التدريب لهم، وأخيرا قام بإنشاء معهد للتدريب القانوني هو الأول من نوعه في السلطنة، ليؤكد أن النجاح ممكن رغم الظروف، وأن أسبابك ليست سوى أعذارك الواهية، وأنه إذا ما وضعت نصب عينك هدفا لآمنت به بصدق فإن الكون كله سيتآمر معك لتحقيق ما تريد كما وضعها كاتب رواية الخيميائي.