سقوط التماثيل في العراق*****عبد الباري عطوان!

    • سقوط التماثيل في العراق*****عبد الباري عطوان!

      ~!@@ad ~!@@ad

      بعد اسبوعين من الانتظار، لم نشاهد احتفالات في شوارع بغداد وباقي المدن العراقية، بمناسبة مرور الذكري الثانية علي سقوط التمثال في ساحة الفردوس، ودخول القوات الامريكية الي بغداد ايذانا بـ تحرير العراق. ما شاهدناه، للاسف، هو المزيد من السيارات المفخخة تحصد ارواح الابرياء، و مقابر جماعية عائمة في نهر دجلة، وبيانات خجولة عن سقوط جنود امريكيين ومروحياتهم في عمليات للمقاومة.
      في الايام الاولي، وفي ذروة نشوة الانتصار، اتخذ اعضاء مجلس الحكم العراقي قرارا بجعل يوم التحرير عيدا وطنيا يحتفل به العراقيون، مثلما اتخذوا قرارا بتغيير العلم، وتصميم علم جديد ليؤرخ لمرحلة الازدهار والامن والديمقراطية في العراق الجديد. كان الشعور السائد في اوساط قطاع عريض من العراقيين ان بغداد ستصبح مثل نيويورك، واحة للازدهار الاقتصادي، وعاصمة للديمقراطية في العالم الثالث.
      الامن منعدم تماما، والازدهار الاقتصادي مجرد امنيات، والديمقراطية محصورة في المنطقة الخضراء ولم تغادرها، والبلاد تعيش فراغا سياسيا مرعبا، حيث عجز فرسان الاحتلال عن تشكيل حكومة رغم مرور ثلاثة اشهر تقريبا علي اجراء الانتخابات الحرة.
      التمثال سقط فعلا، وشاهدنا سقوطه عبر شاشات التلفزة، ولكن تماثيل حية تسقط امامنا يوميا، لرجالات الاحتلال الذين ضللوا الشعب العراقي، وكذبوا عليه، وخدعوه، ومزقوا وحدة بلاده، وحولوها الي فسيفساء طائفية عرقية متناحرة.
      الديمقراطية الامريكية سقطت ايضا، وكان سقوطها مدويا، لانها باتت مرتبطة في اذهان الكثيرين من العرب بما يجري حاليا في بغداد من قتل وتفجير وسفك دماء وخطف، وفرض شخصيات سياسية فاسدة ماليا وخلقيا ليس لها اي ولاء لغير مصالحها الذاتية الضيقة.
      العراق الجديد يحتل المرتبة الثانية التي تضم الدول الاكثر فسادا في العالم، اي بعد بنغلاديش، وكان معيبا وعارا علي هذا العراق ان يهرع اليه دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الامريكي في زيارة سرية موبخا قادته، ومطالبا اياهم بوقف المحسوبية في التعيينات، واعطاء الوظائف والعقود للابناء والاصهار والحواريين، ونسيان احقادهم والعمل سويا من اجل تشكيل حكومة جديدة.
      انخفضت وتيرة الهجمات والسيارات المفخخة في الاسبوعين اللذين تليا اجراء الانتخابات العامة، فامتلأت الصحف وشاشات التلفزة بالتعليقات التي تتحدث عن هزيمة المقاومة وانتصار الديمقراطية، ليتبين انه انخفاض املاه التعتيم الاعلامي المفروض والمتعمد، وان الاوضاع علي الارض اخطر بكثير مما هو متداول.
      الولايات المتحدة الامريكية انفقت حتي الان 250 مليار دولار علي حربيها في العراق وافغانستان حسب افتتاحية عدد امس في صحيفة نيويورك تايمز ، ورغم ذلك ما زالت الاوضاع تسير من سيئ الي اسوأ في البلدين، ولا يلوح في الافق اي مؤشر علي تحقيق الانتصار الموعود. فحميد كرزاي رئيس افغانستان المنتخب ما زالت سلطته محصورة في ميل مربع فقط وسط كابول هو مساحة قصره، ولا يتحرك الا في حماية فرقة حراسته الامريكية، اما السيد اياد علاوي نظيره العراقي فقد نجا بالامس من محاولة اغتيال اسفرت عن مقتل اثنين من حراسه، وداخل المنطقة الخضراء التي من المفترض ان تكون اكثر المناطق امانا في العالم.
      سقوط التمثال كان ايذانا بانتهاء عصر الديكتاتورية والمقابر الجماعية وبدء الديمقراطية والحريات وعودة اربعة ملايين عراقي من المنافي الاجبارية او الاختيارية، ولكن ما حدث هو عكس ذلك تماما، ففي العامين الماضيين من عمر التحرير استشهد مئة الف عراقي في الهجمات الامريكية، واصيب حوالي اربعمئة الف آخرين حسب التقارير الطبية الامريكية، وارتفعت معدلات البطالة الي اكثر من سبعين في المئة، وجري تدمير مدن بكاملها مثل الفلوجة، واستباحة النجف وقصف قبة مرقد الامام علي كرم الله وجهه، وامتداد طابور السيارات امام محطات الوقود بضعة كيلومترات لشحة البنزين في بلد يملك مئة وعشرين مليار برميل من النفط في جوفه. وفوق هذا وذاك لم يعد المنفيون باستثناء من كانوا علي قوائم المشروع الامريكي ـ البريطاني، وهاجر مليونا عراقي جدد معظمهم من اصحاب الكفاءات والخبرات.
      كيف يمكن ان يقوم العراق الجديد هذا ورئيسه يرفض ان يرفع علمه في محافظته، السليمانية، ويصر علي بقاء حكومة موازية ببرلمان وبيشمركة يزيد تعداد افرادها عن مئة الف جندي؟
      ما يجري في العراق حاليا يستحق وقفة مراجعة مع الذات، واعترافا من بعض اصحاب الضمائر، وهم كثر، بأن كيل الكذب والتضليل طفح فعلا، وآن الاوان لقول الحقيقة للناس بكل شجاعة وجرأة، دون لف او دوران.
      تتعالي الاصوات، داخل العراق وخارجه، التي تتهجم علي الاعلام العربي وكتابه، والمقصود القلة المؤمنة القابضة علي الجمر، وتتهمه بالتركيز علي السلبيات والتغاضي عن الايجابيات.
      ونحن نسأل عن هذه الايجابيات، ونقول هاتوا برهانكم. هل انقطاع الكهرباء والماء ايجابية.. هل تحويل بغداد الجميلة الي غابة اسمنت واسلاك شائكة ايجابية.. هل مسلسل الاختطاف والاغتصاب والقتل وانتشار الجريمة المسلحة والمخدرات هي من الايجابيات التي يفاخر بها هؤلاء؟
      هل تدمير الفلوجة، واجتياح النجف، وقصف مرقد الامام علي، ونهب متحف بغداد، واعتقال عشرات الآلاف، وتعذيب السجناء بطريقة مهينة، وقتل الجرحي منهم واستفحال الطائفية والعرقية والمناطقية، والارتهان للأجنبي امور مشرفة؟
      يذكروننا بأن الحريات سادت في العراق، وان هناك اعلاما حرا يتحدث بصراحة، نعم هذا صحيح، ولكن من هم الذين يملكون معظم الصحف، وكل محطات التلفزة، اليسوا اولئك الذين جاءوا مع الاحتلال ودباباته. هل هناك محطة تلفزيوينة عراقية واحدة مستقلة، الم ترصد الادارة الامريكية مليارا وثلث المليار دولار لتمويل اعلام الضلال في العراق وخارجه؟
      هذا العراق الجديد الذي يتنكر لتاريخه، ويكرس الطائفية، ويعلن كراهية مقيتة للعرب ويطالب بموتهم وهو الذي احتضن اهم حضاراتهم وامبراطورياتهم، امبراطوريات كانت مثالا للتسامح، هذا العراق الذي يرقص بعض ابنائه طربا للاحتلال وقواته، هذا العراق الذي يضع جندي امريكي حذاءه فوق رقبة احد نوابه، وينهال آخر بالضرب علي احد وزرائه.. هذا العراق الذي يوبخ رامسفيلد قيادته ويلقنها درسا في التسامح ومحاربة الفساد.. هذا العراق غريب علينا مثلما هو غريب علي معظم ابنائه. عراق لا يمكن ان يكون مصدر اشعاع في المنطقة.
      كفي مكابرة، ودس الرؤوس في الرمال، اعترفوا بالحقيقة مهما كانت مؤلمة، فان هذا الاعتراف هو الطريق الاقصر للعراق الجديد الحقيقي المستقل والمحرر فعلا.
    • وماذا نتوقع منهم ان يفعلوا غير ذلك
      ولقد عرف مقصد جنود الاحتلال وزعمهم الماكر تحقيق الديمقراطية الخرطية في العراق
      ولكن الخونة الذين ارشتهم امريكا لازالوا منخدعين بتحقيق الديمقراطية وتحقيق حلمهم لتكون العراق كنيويورك ربما.....كيف يفيقون ويعون مايحصل لهم ودماءهم قد تلوثت بشوائب الحرام التي
      ادخلت في اجسادهم من ايادي غربية ملطخة بالفساد والقتل.
    • بارك الله بالأختين العزيزتين/

      ما من شك أن الضعف العربي كان وما زال يغري المستعمرين ويستدرج المهيمنين إلى منطقتنا.والضعف لا يختزل بنقص التسلح ومحدودية المقاومة وإنما بنوع الثقافة السياسية التي سادت وتسود بلداننا. ذلك أن السيطرة تتم أولا في العقول وليس بالسلاح والقوة العسكرية. فالغالب يبحث دائما عن إقناع المغلوب بعدم جدوى المقاومة بحيث يسيطر عليه بأرخص الأثمان أي برضى المغلوب نفسه.

      لا أدري كيف أصنع رجالا من أشباه الرجال؟
      هم أقل عزما من أضعف إمرأة بالكون وهاكم الدليل: "لو أن كل إمرأة عانت آلام الحمل والمخاض والوضع، فزعت منه كفزع أشباه رجالنا من هزائمنا العسكرية السابقة، لما عاودت إحداهن الحمل والانجاب مرة أخرى!".
      كل الأمم عانت هزائم ساحقة ماحقة، ثم نهضت وبنت نفسها، إلا إيانا، لانزل نتجرع هزيمة سبع وستين! وقتها خسرنا الحرب عسكريا، ولكن لم يتم لهم الانتصار السياسي إلا بعد نصر إكتوبر عام ثلاث وسبعين!
      سيكون أمامنا معارك طويلة سنخسر الكثير منها، وستتجمع لدينا خبرات قتالية، تمكننا من النصر بإذن الله في النهاية! لاسبيل آخر! لو أني زعمت أو أي عسكري أن لدي خطة مضمونة النصر، ولو كان تحت تصرفي أحدث الأسلحة، لكنت أكذب الناس حديثا! أي قائد يزعم هذا يجب أن يطرد فورا من الجيش، خلاصة ما يأمله واضع الخطط ألا يدع بخطته ثغرات كبيرة، أما نحن فنود ألا ندخل معركة إلا إذا ضمنت لنا السماء قبلها النصر! وإلا نكصنا وتوارينا بالجحور!
      ليس أحسن تسليحا بين جنود الأرض من الاسرائيلين والأمريكان، وعتادهم وسلاحهم أحدث وأمضى ما صنع، ومن الناحية النظرية فدروعهم حصينة ضد كل قذائف الدروع، ومع ذلك نجدها تخترق بأسلحة هي بكل المعاير بدائية!
      إستطاع قبلنا حتى الصوماليون إسقاط البلاك هوك، وهي قلعة بكل المعايير، بقذيفة بازوكا تعيسة، وجروا جثة الطيار بشوارعهم، فلم تعاود أمريكا هجومها.
      وبحرب تشرين وحرب لبنان كان الجنود الاسرائيليون يهربون من دبابتهم إن وقعوا بكمين، ويتركونها سليمة ومحركاتها لا تزال تهدر! ننسى هذا، ولا نذكر إلا خسارتنا نحن، وأننا لا نسطيع قول لا لأعتى قوة على الأرض. قالوها بلبنان وأفغانستان والصومال ويقولونها بفلسطين والعراق، فما حدث؟ هل خسفت الأرض؟ هبوا قياما أشباه الرجال.