شخصيات عمانية ناجحة (تاريخية ومعاصرة)

    • حمد البرواني



      أسس الدكتور محمد البرواني شركة محمد البرواني (MB) لخدمة قطاع النفظ عام 1982 ويترأس الآن مجلس إدارة الشركة, والتي ازدهرت وتطورت لتصبح في عام 1992 إحدى أكبر شركات خدمات حقول النفط في الشرق الأوسط ولها حضور في أكثر من 12 دولة في العالم . وهي الآن عبارة عن مجموعة من الشركات المساهمة العامة والخاصة. وهذه الشركات لديها مصالح واسعة النطاق في خدمات حقول النفط والاستكشاف و الإنتاج. حصل على درجة البكالوريوس في العلوم من جامعة ميامي في ولاية أوهايو الأمريكية وحصل على درجة الماجستير والدكتوراه في هندسة البترول من جامعة هيريوت وات في المملكة المتحدة.
      ومن أهم نجاحاته في السنين الخمس الماضية تمكنه من الاستحواذ على شركة أوشيانكو الهولندية لبناء اليخوت الأكبر والأكثر تعقيداً في العالم والتي أيضاً تشتهر بإبداعاتها التقنية. ولم يبوح البرواني عن السعر الذي دفعه مقابل هذه الشركة التي اشتراها من اليوناني وقطب الشحن البحري تيودور انجيلوبولوس. يقضي البرواني نصف وقته مسافرا لملاحقة أعماله والتي منها استثمارات في قطاع السياحة في سلطنة عمان.
    • عائشة الرِّيَامِيَّة

      عائشة بنت راشد بن خُصَيْب الريامية البُهْلَوِيّة : سيدة فاضلة ، وعالِمَة جليلة ، وفقيهة مُفْتية ، نَدَرَ مِثْلُها في النساء العُمانيات ، وفاقت رجالات عصرها في العلم والفضل ، وضَرَبَت أروع الأمثلة في الزهد والتقوى ، وضُرِبَتْ إليها أكبَادُ الإبل للفتوى ، وشَهِدَ كلُّ مَنْ تَرْجَمَ لَهَا بتفَقُّهِها في الدين .
      * اسمُها :
      عائشة بنت راشد بن خُصَيْب الرِّيَاميَّة البُهْلَوِيَّة ، هذا هو المشهور ، وهو الذي اتفقت عليه المصادر ، وانفرد مصدرٌ واحدٌ بزيادة « ابن أبِي الْخَفِير » في آخر النسب , بينما وَرَدَ اسمُ جَدّها «خصيب» مُصَحَّفًا في مصدرٍ آخر إلى «حبيب» .

      مولدها ونشأتها :
      لا تُحَدّد لنا المصادر تاريخَ ولادتِها ، وفي التقدير أنَّها وُلِدت في النصف الثانِي من القرن الْحَادي عشر (1050- 1099هـ ) ولعله يكون في العِقْد الأخير منه .
      والذي يظهر مِنْ نَسَبِها أنَّهَا مِنْ ولاية بُهْلا ، إحدى مُدن المنطقة الداخلية بعُمَان ، تلك المدينة التي زخرت بالعلم والعلماء من أول التاريخ الإسلامي إلى يومنا هذا . وكانت الشيخة عائشة تسكن حارة « الغَاف » شَرْقَ مسجد الْحَارة كما هو مشهور عند أهالي بُهْلا .

      طلبها للعلم :
      كثيرًا ما كانت مرحلة الأخذ والتلقّي في حياة العظماء مَجْهولة ، وهذا هو الشأن مع المُتَرْجَم لَهَا ، ويبدو - حسب ما يَظْهر من أجوبتها - أنّ لَهَا اتصالاً بعُلماء نَزْوَى ، كالشيخ سعيد بن بَشِير الصُّبْحي ، والشيخ حبيب بن سالم أمبوسعيدي ، لكنَّ هذا الاتصالَ في حقيقته أكثرُ ما يكون اتصالَ الأقرانِ بعضِهم ببعضٍ ، لا اتصالَ التلميذ بشيخه .
      ولا نستطيع مِنْ خلال ما بأيدينا من مصادر أن نعرف المشايخ الذين جالَسَتْهُم الشيخة عائشة وتلقَّت عنهم ، ولعلها دَرَسَتْ على بعض مشايخ ذلك العصر ، ثُمَّ اعتمدَتْ على نفسها في تَحْصيلِ الكُتُبِ ومطالعتِها والاستفادة منها :
      1- وتوجَدُ نسخةٌ مَخطوطة بِمَكتبة السيد مُحمَّد بن أحْمَد البوسعيدي للجزء الرابع عشر من « بيان الشرع » ، ذَكَرَ الناسخ في أولِهَا أنَّه نسخَها « للعالِمَة العفيفة العابدة النَّزِيهة الورعة الفقيهة الزاهدة عايشة بنت راشد بن خصيب ؛ أرشدَها الله إلى ما فيه رضاه » ؛ بتاريخ الأحد 18ربيع الآخر 1128هـ ، والناسخ هو : عبد الله بن عمر بن راشد العصي البهلوي ، وكَتَبَ التمليك في الصفحة الأولى : بلعرب ابن الشيخ عَدِيّ بن سليمان الذُّهْلِي .
      2- كما وَقَفْتُ على صورةٍ من مَخطوطةِ كتاب « الْمُحَارَبَة » لأبِي المنذر بشير بن مُحمد بن مَحبوب ، مَحفوظةٍ بِمَكتبة وزارة التراث والثقافة بعُمان ، منسوخةٍ « للشيخة الثقة الرضيَّة المرضية العالِمَة الزاهدة عايشة بنت راشد بن خصيب الريامية البهلوية رزقها الله حِفْظَ معانيه » ، ولا يوجَد تأريخٌ للنسخ ولا اسمُ الناسخ .
      3- وسَمِعْتُ من بعض الإخوة أنه اطَّلَعَ على نُسخةٍ من كتاب «البُستان» لأبِي الْمُنذر بشير أيضًا ؛ منسوخةٍ لَهَا .
      4- وذَكَرَتْ صاحِبةُ « السِّيرة الزكية » نقلاً عن مصدر معاصرٍ كتابَ « جوابات الشيخ أحمد بن مَدّاد النَّزْوي » ، نَسَخَه مسعود بن راشد بن حَرْمَل بن مرشد الْمَعْمري الخروصي للشيخة عائشة ليلة الخميس 22 من شهر رمضان سنة 1128هـ .
      5- واطلعتُ بنفسي على مَخطوطةٍ للجُزء العاشر من « الْمُصَنَّف » نَسَخَها خَلف بن مُحمّد الغُفَيْلي الضَّنْكي للشيخة عائشة سنة 1140هـ .
      وما خَفِيَ أكثرُ من ذلك - فيما أظُنُّ - وإِنَّ في ما سَبَقَ لدلالةً على سعيها الحثيث في تَحصيل العلم وطلبه
      * عصرها :
      عاصَرَت الشيخةُ عائشة أواخرَ عهدِ الدولة اليعربية ، ويُمكن تقسيمُ تلك الحقبة من عمر الدولة اليعربية إلَى فترتين :
      الفترة الأولى : شَهِدَتْ نوعًا من الأمن والاستقرار ، وتتمثَّل في :
      1- إمامة بلعرب بن سلطان اليعرُبِي 1091- 1104هـ .
      2- إمامة سيف بن سلطان الأول 1104 - 1123هـ .
      3- إمامة سلطان بن سيف الثانِي 1123-1131هـ .
      الفترة الثانية : وهي فترةُ الْحُروب والاضطرابات السياسية ، ويُصَوِّر لنا الشيخُ السالِميُّ ذلك بقوله : « وبِمَوْتِهِ - يعني سلطانَ بن سيف الثاني - انتفَضَ الشرُّ في عُمَان ، وجَرَت فيهم العصبيّةُ والْحَمِيَّة ، وأرادت الرؤساءُ أن تَجْعَل الدولةَ ميراثًا ، وخالَفَتْ أهلَ العِلْم والفضل ، ونَسُوا الْحَال الذي مَنَّ اللهُ عليهم بسببه ، وهو رَدُّ الأمر إلَى أهله ، فمَشَت العصبيةُ في القلوب ... وللهِ المُلْكُ الدائم » .
      وتتمثل هذه الفترة في :
      1- إمامة مُهَنَّا بن سلطان اليعربي 1131- 1133هـ .
      2- تَغَلُّب يَعْرُب بن بَلْعَرَب اليعربي على الأمر 1133- 1134هـ .
      3- إمامة يعرب بن بلعرب اليعربي 1134 -1134هـ .
      4- تَغَلُّب يعرب بن ناصر اليعربي 1134 - 1135هـ .
      5- تَغَلُّب مُحمد بن ناصر الغافري 1135- 1137هـ .
      6- إمامة مُحمد بن ناصر الغافري 1137-1140هـ .
      7- إمامة سيف بن سلطان الثاني 1140 - 1146هـ .
      8- إمامة بلعرب بن حِمَْير اليعربي 1146 - 1150هـ .
      وهذه القائمة الطويلة خلال عشرين عامًا فقط دليلٌ على عدم الاستقرار السياسي في عُمان ، ولَمْ نَجِدْ في ما بين أيدينا من مصادر ما يُثْبِت أنّ للشيخة عائشة مشاركةً في الْحَياة السياسية في عصرها ( سِوَى ما يأتِي ذِكْرُه لاحقًا ) .
      ويُعَدُّ العهدُ اليعرُبِي عهدَ مواقِعَ وفتوحاتٍ , أَوْلَى الناحيةَ العسكريةَ والْحَربيةَ اهتمامًا اقتضاه واقعُ الْحَال ، فلم تزدهر الحركة العلمية فيه ذلك الازدهارَ الذي شَهِدَتْهُ عُمان في عهودٍ متقدمة ، وانعكَسَ ذلك على الآثار والمُصَنَّفات التي أُلِّفَتْ في تلك الفترة ، فَغَلَبَ عليها جانبُ الجمع والنقل والاستفادة من مؤلفات السابقين ، حتى بدأتْ ملامحُ التجديد والتحقيقِ في أجوبة الشيخ سعيد بن بشير الصُّبْحِيّ (ت 1150هـ) وكان على رأسِ العلماء العاملين في عصر الشيخة عائشة ، ويبدو أنَّهَا كانت أكثرَ اتصالاً به من غيرِه ، إلى جانب المشايخ : حبيب ابن سالم أمبوسعيدي النَّزْوي (حيٌّ 1167هـ) وسالم بن راشد البهلوي ( ولعله سالم بن راشد بن ربيعة العوفي ساكن حارة الحدّاد بِبُهلا ) وسعيد بن مسعود بن مقدح البهلوي ، والشاعر سعيد بن مُحمّد الغَشْرِي الخروصي الستالي (حيٌّ 1165هـ) وغيرهم .

      ويَروي الشيخُ مُحمّد بن راشد بن عزيّز الْخُصَيْبِي ( ت1410هـ) عن الشيخ علي بن ناصر المفرجِي (حفظه الله) عن الشيخ أبِي زيد الريامي (ت1364هـ) أنَّ أربعًا من النساء في بُهلا كُنَّ عالِمَاتٍ من غير الشيخة عائشة ، وقد سَقَطَتْ أسْماؤهن جميعًا من الناقل الذي يذكرهن ، ولَمْ تُحَدِّد الروايةُ العصرَ الذي عِشْنَ فيه ، ولَعلهنّ مِمَّن تتلمَذَ على الشيخة عائشة الريامية ، وقد أكّد لِي هذه الْمَعلومةَ الشيخُ علي ابن ناصر نفسُه ، وقال - نقلاً عن شيخه أبِي زيد أيضًا - إن بُهلا في ذلك الوقت كانت زاخرةً بالعلماء والمتعلمين والمتعلمات ، حتى إنّ امرأةً قَدِمَتْ بُهلا لتَستفتي ، فمرَّت على بلدة «كيد» الواقعة قُبالة بُهلا ، فكَفَتْها نساءُ كيد عناءَ الوصول وأَجَبْنَها عن مسألتها .

      صفاتها :
      ليس ثَمَّةَ شيءٌ يُزاد على ما حَفِظه لنا الشاعرُ الغَشْرِي من خصالٍ حَميدةٍ للشيخةِ الرياميةِ قي مرثيّته لَهَا ، وفي ما سَبَقَ ذِكْرُهُ على أَلْسِنَةِ النُّسَّاخ ما يُغني عن الإعادة ، ويبقى أنْ نُشير إلى أنَّ الشيخةَ عائشة كانت عَمْياء ، حسبما هو شائعٌ لدى عامّة الناس إلى يومنا هذا ، وهو ما أكّده الغشريُّ في قصيدته ، على أنّ عَمَاها لَمْ يَكُنْ لِيَحُول بينها وبين تَسَنُّمِ الذُّرَى والرُّقِيِّ في مدارج الكمال ، ولئن ضَرَبَ الرجالُ - عَبْرَ التاريخ - أروعَ الأمثلة في ذلك فللنساءِ نصيبٌ مُعْتَبَرٌ منه .

      آثارُها :
      أشارتْ بعضُ الكتابات المعاصرة إلى وجود مؤلَّفاتٍ للشيخة عائشة لكنها تلاشَتْ ، وأنَّها كانت مَحْفوظةً في مكتبات بُهلا ؛ كمكتبة آل مَعَدّ ومكتبة آل مُفَرَّج ومكتبة الشيخ سالم بن راشد بن ربيعة العوفي . ووَرَدَ في «دليل أعلام عُمَان» أنّ الشيخة عائشة « خَلّفَتْ أجوبةً فقهية في مُجلّدين مَخطوطين » ، وصرَّحَ الشيخُ الخصيبي بأنَّ لَهَا كتابًا في الفتوى اسْمُه « جوابات الشيخة عائشة » .
      هذا مُجْمَلُ ما ذَكَرَتْهُ الْمَراجِعُ الحديثة ، ولَمْ أجد أثرًا لشيء مِنْ ذلك في وقتنا هذا ، مع شدة البحث وكثرة السؤال عن آثارها في المكتبات العامة والخاصة , وسَمِعْتُ أنَّها مَحفوظةٌ عند بعض الأهالِي الذين يُصِرُّون على عدم إظهارها ، والذي يُمكن أنْ أقولَه : إنه ليس هناك ما يؤكّد وجودَ مؤلفاتٍ لَهَا في المصادر المتقدمة ، فلا نَجِدُ فيها نقلاً عن كُتُبٍ أو مؤلَّفاتٍ تُنْسَبُ إليها ، سوى ما تَنَاثَرَ في ثناياها من أجوبةٍ فقهيةٍ أُخِذَ عنها بعضُها بطريق الْمُشافهة ، وسَكَتَ المُصَنّفون في معظمها عن ذكر مصادرهم التي اسْتَقَوْا منها تلك الأجوبة ، ولقد حَفِظَتْ لنا الموسوعاتُ العِلْمِيَّةُ والكتبُ الفقهيةُ المؤلَّفَةُ في ذلك العهد وبعدَه قدرًا لا بأس به من فتاواها ، تُظْهِر مَنْزلتها العِلْمِيَّة ومكانَتَها بين عُلماء عَصْرها ، وتَشْهَدُ لَهَا بِسَعَة الاطلاع وطول الباع في مَجَال الفقه ، ومِنْ أهمّ مصادر أجوبتها :
      1- «المنثور الواضح» للشيخ ناصر ابن مُحَمَّد بن بشير العَمْري الريامي الإزكوي . هذا الكتاب لَم أُوَفَّقْ إلى الوقوف عليه إلى الآن ، ونَقَلَ الشيخُ العَبَّاديُّ مسألةً عنه في الصراط المستقيم ( انظر الملحق ) مع أنَّه لَمْ يُسَمِّه واكتفى بذكر مؤلِّفه ، ورأيتُ في بعض قوائم المكتبات أنه مَخطوطٌ مَحفوظٌ بِمَكتبة الإمام السالِمِيّ برقم 198/6 منسوخٌ سنة 1131هـ ، فإنْ صَحَّ ذلك يَكُنْ أقربَ المصادر من الشيخة عائشة .
      2- أجوبة الشيخ العلامة سعيد بن بشير الصُّبْحِي ( ت1150هـ ) ، تُوجَد منها نُسَخٌ مَخطوطة كثيرة ، تَبَايَنَتْ مُحتوياتُها لِتَبايُنِ جامعيها ، واعتمدْتُ هنا على ما رَتَّبَه الشيخُ سالِم بن حَمَد الحارثي - أبقاه الله - وسَمَّاه : « الجامع الكبير من أجوبة الشيخ سعيد بن بشير » .
      3- تَتِمَّة كتاب « جامع الجواهر » المنسوب للشيخ جُمعة بن علي بن سالِم الصائغي الْمَنَحِي ( ت 1207 هـ ) ، وهي من زيادة الشيخ علي ابن سعيد بن خَميس بن عبدالله البراشدي ( حيٌّ 1172هـ ) وبِهَا جوابٌ واحد فقط للشيخة عائشة .
      4- « لُبَابُ الآثارِ الواردةِ على الأولينَ والْمُتَأخرينَ الأخيار» للشيخ سالِم بن سعيد بن علي الصائغي المنحي ( ق13هـ ) ، وهُوَ أوفَى مصدرٍ ذَكَرَ أجوبتها ، فقد حوى أربعة وعشرين جوابًا لَهَا موزَّعَةً بين أجزائه الأربعة عشر المطبوعة .
      5- « الصراط المستقيم » للشيخ عامر بن علي بن مسعود العبَّادي (حي1264هـ) ، وهو كتابٌ لا يزال مَخطوطًا ، وقد تضمَّنَ جوابًا واحدًا نَقَلَه من « حاشيةِ كتابٍ ألَّفَهُ الشيخُ ناصر بن مُحمد بن بشير العَمْري الريامي الإزكوي » - على حَدّ تعبيره - .
      6- « قاموس الشريعة » للشيخ جُمَيِّل بن خَميس بن لافي السعدي (حيٌّ1276هـ) ، وفي المطبوعِ منه أجوبةٌ معدودةٌ ، ولا شك أنّ في المخطوط أجوبةً كثيرة ، ولَمْ يَتَيَسَّرْ لي تَتَبُّعُه .
      7- «خزائن الآثار ومعادن الأسرار» للشيخ موسى بن عيسى ابن سعيد البَشَرِيّ ( ق13هـ ) ، وهو كتابٌ مُهِمٌّ في هذا الباب ، حافلٌ بأجوبةٍ شتّى لعُلماء ذلك العصر ، ولا يزال مَخطوطًا في عدة مُجلّداتٍ ضخامٍ ، أكثرُ أجزائِهِ بِمَكتبة النور السَّالِمِي ، اطلعتُ على بعضها ونَقَلْتُ منها ما تَيَسَّر .
      8- « مكنون الخزائن » ، للشيخ موسى بن عيسى البَشَري أيضًا ، تضَمَّنَ قدرًا ضئيلاً من أجوبتها ، وهو مُختَصرٌ من الكتاب الْمُطوَّل الآنفِ الذكر .
      9- «غاية الأوطار من معاني الآثار» للشيخ منصور بن ناصر بن مُحَمّد الفارسي ( ت1396هـ ) ، وهو كتابٌ مَخطوط رأيتُ فيه جوابًا واحدًا لَهَا ذَكَرَ المؤلفُ أنه مِمَّا قَيَّدَهُ حِفْظًا عنها .
      10- بعض مَخْطوطات « بيان الشرع » التي قُرِأَتْ على الشيخة عائشة فعَلَّقَتْ عليها بِمَا تَيَسَّر ، كعادةِ كثيرٍ من العلماء .
      11- كتبٌ في الفقه مَجهولةُ الاسم والمؤلّف ، وأوراقٌ مبَعْثَرَة تتضمَّن أجوبةً فقهيةً مُختلفة .
      والمتأمِّل في أجوبة الشيخة عائشة الريامية يرى أنّها طَرَقَتْ غالبَ أبوابِ الفقه ، ولَمْ تنحصِرْ فتاواها في بابٍ دونَ آخر ، ولَمْ تقتصرْ على الفقه النسائي فَحَسْب ، بل أَدْلَتْ بدَلْوِها في أبواب الطهارات والنجاسات والصلاة والزكاة والصيام والحجّ والأَيْمانِ والنُّذور والكفَّارات والجنائز والنكاح والفُرْقة بأنواعها والعِدَد والنَّفَقات ، والمساجد والآبار والأفلاج وأحكامها ، والبيوع الجائزة والمحَرَّمة والشُّفْعة والصكوك والإقرار والوصايا والسُّنَن والآداب ، وحتى الجهاد والأحكام المتعلقة بالأئمَّة والوُلاة . ولا شك أن هذه الفتاوى تَعْكِس أثَرَ الشيخة عائشة في مُجتمعها ، فقد نَقَلَهَا عنها مَنْ يَقْصِدُها مِنْ طَلَبة العلم للاستفادة منها، ولا يُسْتَبْعَد - كما أشرتُ سابقًا - وجودُ تلامذةٍ لَهَا كانوا يُلازمونَهَا لتدوين المسائل عنها ، ونَسْخِ الكتب لَهَا ، وقراءَتِهَا بين يديها ، سواء كانوا رجالاً أو نساء .
      هذا من الناحية العِلْمِيّة ، أمَّا في الجانب السياسي فَلَمْ أَجِدْ لَهَا مشاركةً فيه سوى ما انفرد بذِكْرِه عبدُ الله بن مُحمّد الطائي (ت1393هـ) في كتابه « دراسات عن الخليج العربي » فقد أشار إلَى امرأةٍ تُسَمِّيها المصادرُ « الشيخةَ بنت راشد » وقال عنها : « جاءَ ذِكْرُها بعد أنْ خَرَجَ سيفُ بن سلطان على أخيه الإمام بلعرب طالبًا توسيعَ النفوذ الخارجي ومطاردة البرتغال ، في حين اهتَمَّ أخوه بالإصلاحات الداخلية ، تَمَكَّن سيف من الاستيلاء على الحكم بعد وفاة أخيه في الحصن الذي حُوصِرَ فيه ، فبُويِعَ مِنْ قِبَل الكثيرين ، إلا أنَّ الشيخة بنت راشد رَفَضَتْ مُبايَعَتَه ، وأصرَّت على أنْ يَلْزَمَ بَيْتَه أوّلاً ، وأنْ يبتعد عن الْحُكم ، ثُم يُنْظَر في ذلك من قِبَلِ أولي الرأي في البلاد ، ولَمْ يَسْتَطِعْ سيف أن يُعارِض هذه المرأةَ فيُحْدِثَ لعَهْدِهِ ثَغْرَةً بِعَدَمِ انتخابه ، فَتَرَكَ مَقَرَّ الحكم فعلاً ولَزِمَ بيتَه يومين ، حتى أَرْسَلَتْ هذه المرأةُ العَربيةُ إليه ، وناقَشَتْه بِجَانب جَماعةٍ من أعيان البلاد في مُخالفته لأخيه ، ثُم بايَعَتْه على أساس الجهاد والعمل على الإصلاح وبذلك عاد إلى مُمَارسة الحكم ، وأصبح - مِنْ بَعْدُ - في طليعةِ أئمّةِ عُمانَ حتى سُمِّيَ بِقَيْدِ الأرض لِسَعَةِ نفوذه » . .
      مكانتها العلمية :
      لقد تَبَوَّأَت الشيخةُ عائشة مكانةً عِلْميّةً ساميةً ، وشَهِدَ لَهَا بالفقهِ والفضلِ كُلُّ مَنْ ذَكَرَها ، ويتَّضِحُ ذلك مِنْ نَعْتِها بالشيخة والعالِمَة والفقيهة ، وقد أَوْرَدَ الشيخُ السَّعْدي في كتابه «قاموس الشريعة» قائمةً بأسْمَاءِ العُلماء الْمُتأخّرين ، مُفْرِدًا علماءَ كلِّ بلدةٍ على حِدَةٍ ، فعَدَّدَ علماءَ نزوى وعلماءَ مَنَح ، ثُمَّ قال : « والشيخة بنت راشد بن خصيب ومَنْ شايَعَها منْ بُهلا » . وقريبٌ مِنْ ذلك عبارةٌ وَرَدَتْ في «الجامع الكبير» قال فيها السائلُ : « أَسْأَلُ الشيخةَ العالِمَةَ الرَّضِيَّةَ عُوَيِّش بنت راشد بن خصيب وإخوانَهَا من بُهلا » .
      وهنا نكتةٌ لطيفةٌ ينبغي للمتأمِّل أن يَقِفَ عندها ، وهي أنَّ بُهلا - تلك الْمَدينة التي غَصَّتْ بالعلماءِ عَبْرَ أدوار التاريخ - كان مَرْجِعُها في ذلك الوقت امرأةً ، أمَّا غَيْرُهَا فيُذْكَرُ تَبَعًا لَهَا . وحَسْبُنا قولُ الشاعر الغشري :
      هي امرأةٌ عَمْيا ولكنْ بفضلها
      تُوَازِنُ ألفًا مِنْ رجالٍ ضَرَاغِمِ
      وفاتها :
      لا أجِدُ فيما بين يَدَيَّ من مصادر إشارةً إلى ذلك ، ولعلّها تُوُفّيَتْ في آخر النصف الأول من القرن الثانِي عشر (1100- 1149هـ ) أو أنَّها أَدْرَكَتْ أوائِلَ النصف الثانِي فتوفّيَتْ فيه ، وأَقْصَى ما وجدْتُه من تاريخٍ ما قُيِّد على الصفحة الأخيرة من كتاب «المُصَنَّف» المنسوخِ لَهَا بتاريخ الأربعاء 3 شوال1140هـ . ويَذْكر الشيخ الخصيبي أنّ « قَبْرَها موجودٌ بِبُهلا بالقرب من مساجد العُبّاد ، عليه لوحٌ من الرَّباب مكتوبٌ فيه اسْمُها ». وتُشير عبارتُه هذه إلى أنه وَقَفَ على القبر وعايَنَه ، لكنَّا لا نَجِدُ أثرًا لِلَّوْح الموضوعِ على قبرها الآن .
    • الشيخ درويش بن جمعة المحروقي (حياته وآثاره)
      ولد الشيخ درويش بن جمعة بن عمر بن جمعة المحروقي في بلدة الروغة من ولاية أدم، في أقصى جنوب داخلية عمان، وذلك حوالي سنة 1020ه الموافق له 1086م، من أبوين كريمين، غرسا فيه مكارم الأخلاق، ونبل السجايا، وحميد الخصال، وذلك في عصر ارتَدَت فيه عمان حلة العدل، واستراحت من جور الظلم، والطيش؛ في زمن إمامة الإمام سلطان بن سيف اليعربي، ومن قبله الإمام العادل ناصر بن مرشد اليعربي.
      وقد شبَّ الشيخ المحروقي رحمه الله على همة واجتهاد في طلب العلم، يُعرف ذلك من نسخه لبعض كتب العلم كبيان الشرع الذي نسخ بعض أجزاءه مما وصل إلينا، ومن ذلك نعلم أن الشيخ كانت له همة وقادة، وطموح متوثب؛ فالصبر على نسخ الكتب وخاصة المطولة منها ليس بالأمر الهين، وقد نسخه لنفسه كما كتب في أخر الكتاب، ولم ينسخه لأجل طلب المال أو نحوه، وكان مما يروى عنه شغفه بطلب العلم حتى في أحلك الظروف وأصعبها؛ حتى أنه ليروى عنه أنه كان في بعض الأحيان يزجر[1] على ثور ليسقي مزرعته، وفي أثناء قيامه بالزجر يضع الكتاب في أسفل الخب[2]، فإذا وصل الدلو في قعر البئر استغل تلك الدقائق فيفتح الكتاب ويقرأ منه أسطرا حتى تمتلئ الدلو[3]، فلله دره ما أعظم همته، وما أذكى صنيعه.
      وقد لقب الشيخ المحروقي بالزاهد فلا يكاد يذكر إلا لصيقا بلقبه، وهي صفة عظيمة تدل على شوق وترقب لما عند الله تعالى، وعدم اكتراث بمتع هذه الحياة؛ ولهذه الصفة جملة قصص تدل عليه، ومن ذلك أنه اكتال بيده قمحا من عند أحد التجار، وعندما عاد إلى بيته شعر بوجود شيء بين أصبه وبين الخاتم التي يلبسها فأدار الخاتم فإذا هي حبة قمح واحدة، فوقف برهة يراجع نفسه هل هذه الحبة مما قد اشتراه من عند بائع القمح، أم هي عندما قام يتأكد من نوعية القمح قبل شرائه؛ فرجح أنها للبائع، فقام عجلا وذهب إلى البائع ليرجع له تلك الحبة، فسبحان الله حبة قمح واحدة تشغل همة الرجل الكبير صاحب المسؤوليات، ويسرع إلى صاحبها ليرجعها، ولو كان الأمر من أحدنا لما ألقى لها بالاً أو اهتماما.
      وكان للشيخ المحروقي جهود إصلاحية في زمانه، ولعل عمله في القضاء مكنه من القيام بهذا الدور المهم، فالإصلاح بين الخصوم مهمة ليست بالسهلة، وهي من صنيع العظماء أرباب الهمم العالية ذلك لأن من شأن النفوس عادة غلبة الحمية بالباطل والأنفة عن قبول الحق عند الخصومة إلا من رحمه الله من أهل التقى والصلاح، ومع ذلك فإن القيام بهذا الدور له خيرات كثيرة على المجتمع، فبه تتلاشى العداوات، وتختفي الخصومات، وتأتلف القلوب، ويحصل بينهم التعاون والمحبة والوئام.
      وقد حفظ لنا التاريخ عدة رسائل في هذا المقصد النبيل منها رسالته لأهل الخضراء لما صار بينهم اختلاف، وشقاق أزعج الشيخ المحروقي أثره، فكتب لهم رسالة في غاية الرقة والعذوبة، مخاطبا بهم بأرفع الأسماء، ذاكر لمحامدهم وصفاتهم الحسنة، وأخذ في نصحهم بأسلوب جميل، مستشهدا بالآيات والشواهد المختلفة مبينا لهم مغبة الافتراق في الدنيا والآخرة، نلمس منها حرصا بالغا على توجيه الناس إلى الخير والصلاح.
      وقد كان الشيخ المحروقي متواصلا مع علماء عصره راغبا في الاستفادة من علمهم، ولذا كانت له استفادة من أولئك العلماء كالشيخ صالح بن سعيد الزاملي النزوي الذي كما يظهر كان دائم الترداد عليه وسؤاله، ومنهم الشيخ مسعود بن رمضان النبهاني، والشيخ خميس بن سعيد الشقصي صاحب كتاب منهج الطالبين وغيرهم مما يدلنا دلالة واضحة على همة الشيخ وارتباطه العلماء مدارسة وبحثا وسؤالا في شتي قضايا العلم والمعرفة
      وقد كان للشيخ المحروقي دور في التأليف، نلمس ذلك من رغبته الملحة في نصح الناس، وإبعادهم عما يوقع في المخالفة والعصيان، مبينا لهم أهمية الطاعة والعبادة الصحيحة لله تعالى، محذرا من كثير من المخالفات في شتى مناحي الحياة، وهذا ما يطبع مؤلفاته من توجيهها خاصة لعامة الناس لكثرة المخالفة منهم بسبب الجهل ونحوه.
      ومن أهم كتبه كتاب الدلائل على اللوازم والوسائل، وهو كتاب فقهي معروف، وقد كتب له القبول وسعة الانتشار، وقد أجاد الشيخ المحروقي في صياغته، وحسن عرضه بأسلوب وعظي رائع، ويغلب على الكتاب الفقه، وفيه نبذة عن التوحيد والعقيدة والآداب ونحوها مما يحتاج الإنسان لمعرفته.
      ومن كتبه أيضا كتاب الدرر الفاخرة في كشف علوم الآخرة، وهو عبارة عن رحلة تربوية ووعظية تبدأ من خروج الإنسان من هذه الحياة بالموت وما فيه من مباحث مرورا بالقبر وأحواله، وبعده الحشر، ووقوف الإنسان بين يدي الله تعالى للحساب، مستعرضا مشاهد من نعيم الجنة، وصورا من عذاب النار والعياذ بالله تعالى، وفي كل المراحل يقف المؤلف بدور الناصح الرحيم المشفق الداعي لسلوك الجادة والحق مدعما كلامه بالآيات والأحاديث والآثار المختلفة، والأشعار، لتبصير الإنسان بما ينجيه من تلك الأهوال.
      ومن مؤلفات الشيخ كتاب جامع التبيان الجامع للأحكام والأديان؛ وهو عبارة عن موسوعة من الفتاوى للعلماء في عصر المؤلف ومن قبله، ابتداء بباب العلم ثم العقيدة وبعده أبواب الفقه المعروفة، والكتاب مهم في إظهار نماذج لفتاوى العلماء في ذلك العصر وحفظها، ومن كتب الشيخ أيضا كتاب الفكر والاعتبار، وهو كتاب قلما يوجد مثله في الكتب العمانية، اشتمل على جملة من الأبواب في التفكر في مخلوقات الله تعالى بداية من الإنسان مرورا بالبحار والأشجار والشمس والقمر ونحوها مما خلقه الله تعالى، والاعتبار بما وقع للسابقين، وبما قصه الله علينا في كتابه وجملة من النصائح والتوجيهات القيمة.
      هذا وفي التاسع عشر من شهر ذي الحجة سنة 1086ه[4]، توفي العلامة المحروقي، بعد سنوات قضاها متعلما ومعلما وناصحا، وموجها، وقد دفن في المقبرة الشرقية من محلته بأدم، وممن رثاه بشير بن عامر الأزكوي في قصيدة يقول فيها:
      يا نكبة برقت لها بها الأبصار وتزلزلت من هولها الأمصار
      ومصيبة في الدين لم تترك حشا إلا وفيه من التلهب نار
      شنت على أهل المدائن غارة شعواء جيش خطوبها جرار...
      دعني أنوح على فراق مشايخ كانت لنا من علمهم أنوار
      كالشيخ درويش سلالة جمعة ذي الزهد وهو العالم المختار
      عجبا لقبر يحتويه وصدره فيه من العلم الشريف بحار
      وإذا همى بالجود عارض كفه خجلت هناك بجوده الأمطار
      رجل أمض قلوبنا فقدانه فسيول أدمعنا عليه غزار
      أبكى الورى فراقه حتى لقد ناحت عليه الوحش والأطيار...
      طفئت مصابيح الشريعة والهدى مذ مات هذا العالم التيار
      الزاهد الوالي الولي المرتضى الحازم المتيقض الصبار
      قد كان فيه عفة وقناعة وبراعة وشجاعة ووقار...
      إذ كان في دنياه أزهد عالم يوما وللأخرى به إيثار[5]..
      وهكذا طويت صفحة من صفحات العلم والخلق والورع، وبقيت أثار الشيخ وأعماله المجيدة، واضحة للمسترشدين، وطلاب العلم لينهلوا منها خلقا حميدا وعلما نافعا يقربهم لله تعالى زلفى، ولترتسم على الشفاه دعوات صادقة أن يرحم الشيخ المحروقي على ما قدم من عطاء وأسدى من جهد كبير.
      حَسْبِـيَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ عَلَـيهِ تَوَكَّـلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظـيم.
    • الدبلوماسي العماني سالم بن سيف الحربي





      حصل الباحث والدبلوماسي العماني سالم بن سيف الحربي على درجة الدكتوراة في العلوم السياسية عن موضوع (تطور العلاقات العمانية المصرية 1970 ـ 2011 بين الاستمرارية والتغير وتأثيرها على قضايا الأمن الإقليمي)، وذلك من جامعة بور سعيد، كلية التجارة قسم العلوم السياسية والإدارة العامة، تحت إشراف الأستاذ الدكتور جمال زهران أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بالكلية، والدكتور أحمد محمد العايدي مدرس العلوم السياسية بالكلية.

      وأكد الباحث العماني في دراسته على تميز العلاقات العمانية ـ المصرية، ولازالت، بالخصوصية القائمة على الاحترام والتقدير المتبادل بين البلدين، وذلك على مدار فترة الدراسة خاصة (1970 ـ 2011 م)، وعامة خلال عموم العلاقات بين البلدين .

      وقد انطلقت الدراسة من مقدمات لهذه العلاقات ذات الخصوصية بين البلدين، وسعت للإجابة على العديد من التساؤلات.

      أشار الباحث إلى أن الدراسة انطلقت من البحث عن إجابة لإشكالية البحث وهو طبيعة العلاقات العربية ـ العربية، وموقع العلاقات العمانية ـ المصرية كحالة لهذه العلاقات في إطار المعطيات الإقليمية والدولية التي شهدتها الساحة العربية خلال العقود الأربعة الأخيرة، وكيف تبلورت هذه العلاقات الثنائية في شكل قضايا بين البلدين ألقت بظلالها وتأثيراتها على الأمن
      الإقليمي، ومن ثم البحث في السبل والوسائل التي من شأنها الارتقاء بتلك العلاقات نحو الآفاق وإضاءة الطريق لتوسيع نطاق التفاعل بينهما من أجل تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والعمل على صيانة ودعم العمل العربي المشترك.

      وأشار إلى أن السؤال الرئيسي هو: ما هي طبيعة العلاقات بين سلطنة عمان وجمهورية مصر العربية خلال فترة الدراسة ؟ وكيف أثر ذلك في صياغة المواقف المشتركة من قضايا استراتيجية ومحورية بينهما؟ وما هو المدى الذي يمكن أن تلقي به تطورات العلاقة بظلالها على الأمن الإقليمي في شقيه العربي العام والخليجي الفرعي سلبًا أو إيجابًا؟

      ولفت إلى أن الدراسة طرحت عدة تساؤلات فرعية، تبلورت في خمسة تساؤلات هي:ـ

      1. ما هو المنحى الذي اتخذه مسار العلاقات العمانية ـ المصرية خلال فترة الدراسة، وموقع تلك العلاقات من المسار العام للعلاقات العربية ـ العربية بشقيها الصراعي والتعاوني؟

      2. إلى أي مدى يمكن أن يلعب متغير القيادة والنسق العقيدي لها، دوره في عملية صنع قرار السياسة الخارجية؟

      3. إلى أي تلعب المحددات الإقليمية والدولية دورًا في التأثير على مسار العلاقات العمانية ـ المصرية، في إطار التأثيرات البيئية المحيطة ؟

      4. إلى أي مدى تؤدي القضايا والتوجهات الخارجية إلى التوافق بين البلدين في الإطارين الإقليمي والدولي، خاصة ما يتعلق منها بمسار الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية وقضايا الأمن في منطقة الخليج العربي والأوضاع في العراق، ووضع إيران وإصرارها على امتلاك القوة النووية في المنطقة؟

      5. ما هي أسس رسم صورة لمستقبل العلاقات العمانية ـ المصرية في ضوء المعطيات الراهنة والتحولات التي تشهدها الساحة العربية في ظل اندلاع الثورات العربية وما ترتب عليها من تغييرات وردود أفعال إقليمية ودولية؟

      وأشار إلى أنه للوصول إلى إجابات على ذلك التساؤل الرئيسي، وتلك التساؤلات الفرعية، فقد اتبع في دراسته إطارًا منهاجيًا تركز على منهج تحليل النظم، ورائده (ديفيد إيستون) كمنهاجية أساسية في التحليل، باعتباره أكثر المناهج ملاءمة لتحليل موضوع هذه الدراسة والتمكن من الوصول إلى فهم طبيعة وتطور العلاقات العمانية ـ المصرية.

      ولذلك تم تقسيم الدراسة إلى بابين رئيسيين، خصص الباب الأول لصياغة وبلورة الإطار النظري للدراسة وتحليل بيئة العلاقات العمانية ـ المصرية، ويشمل فصلين:

      الأول، يتعلق بالإطار النظري للدراسة والثاني، يتعلق ببيئة العلاقات العمانية ـ المصرية (الداخلية والإقليمية والدولية) كما خصص الباب الثاني، لتحليل العلاقات العمانية المصرية، وذلك في ثلاثة فصول، الأول لتحليل تطور العلاقات في إطارها الثنائي، الثاني لتحليل قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية، وموقف الدولتين منها ومدى تلاقيهما أو تباعدهما، والثالث، خصص لتحليل قضايا الأمن في منطقة الخليج العربي ومدى التوافق والتنسيق بين الدولتين إزائها.

      وأوضح في هذا السياق إلى أن الدراسة من خلال تقسيمها إلى بابين، وخمسة فصول، و (14) مبحثا، استطاعت أن تصل إلى عمق هذه العلاقة وتطورها، والإجابة على التساؤلات الرئيسية منها والفرعية، ومحاولة استشراف مستقبل هذه العلاقات الثنائية في إطارها الأشمل العلاقات العربية ـ العربية، وفي ضوء التحولات الراهنة وتأثيراتها المستقبلية.

      وأضاف أن هذه الدراسة استطاعت صياغة إطار نظري واضح قائم على فكرة الترابط بين الأمن القطري لكل دولة عربية، وبين الأمن القومي العربي، على خلفية أن الأخطار التي تهدد الأقطار العربية واحدة، ولأن مستقبلها أو مصيرها واحد، ولأن الأمن القومي العربي يستمد قوته وأهميته من صفته القومية، باعتباره كل لا يتجزأ.

      وذكر أنه انطلاقا من هذا الترابط بين الأمن القومي القطري والأمن القومي العربي، فإن تبني والتزام الدراسة بمنهج التحليل النسقي لـ(ديفيد إيستون)، الذي يعتمد على منظومة المدخلات والمخرجات، باعتبار أن أية مخرجات وهي المتعلقة بالقرارات والسياسات، هي نتاج مدخلات معينة انبثقت من بيئة موضوعية داخليا وإقليميا ودوليا، وهو الأمر الذي ساعد على التحليل الموضوعي لتطور العلاقات بين دولتي سلطنة عمان وجمهورية مصر العربية.

      وقال أن الدراسة خصصت الفصل الثاني من الباب الأول لتحليل بيئة العلاقات العمانية ـ المصرية، سواء على المستوى الداخلي بشرح الخصائص القومية للدولة، والبيئة النفسية لصانع القرار، وعلى المستوى الخارجي بشرح البيئة الإقليمية والبيئية الدولية لهذه العلاقات العمانية ـ المصرية. وذلك انطلاقا من ذلك الترابط بين البيئة الشاملة المحيطة بصانعي القرارات في البلدين (عمان ـ مصر)، وبين تطور العلاقات الشاملة بينهما.

      فقد كشفت الدراسة على أن ذات المدخلات التي كانت بمثابة البيئة الداخلية والإقليمية والدولية تواجه سلطنة عمان، هي ذات المدخلات والبيئة التي كانت تعيشها جمهورية مصر العربية، انطلاقا من الإدراك المشترك بينهما لذلك الترابط بين الأمن القطري والأمن القومي العربي، مما ساعد على تقارب بل وتوحيد المواقف بين الدولتين خلال فترة الدراسة، إزاء كافة القضايا محل الدراسة وهو ما تكشف عنه الدراسة في الباب الثاني.

      حيث خلصت الدراسة في هذا الباب إلى أن العلاقات العمانية المصرية، ليست بالعلاقات الحديثة ولكنها ضاربة في التاريخ القديم إلى ما قبل 3500 سنة، الأمر الذي أدى إلى إنتاج تشابكات تجارية واقتصادية واسعة، تطورت مع الوقت وبعد قيام سلطنة عمان الحديثة، إلى إنتاج أهداف سياسية واستراتيجية وروابط اجتماعية وثقافية واسعة، ومن ثم فإن تلاقي الأفكار والمواقف بين الدولتين تجاه قضايا المنطقة لم يأت من فراغ، بل كان للتاريخ والجغرافيا الأثر الكبير في بلورة مواقف مشتركة بين الدولتين. ولذلك تم تناول تطور العلاقات العمانية المصرية في ثلاث مراحل هي (1970 ـ 1980)، (1981 ـ 2000)، (2001 ـ 2011)، وهو مجرد تقسيم زمني وإجرائي في ضوء المحطات الهامة في تطور هذه العلاقات. وقد خلصت الدراسة في هذا الجزء إلى عمق العلاقات في كافة المجالات بين البلدين، وكان ذلك دافعا إلى التنسيق في المجالات السياسية والاستراتيجية والأمنية.

      وقد حللت الدراسة أيضا في إطار الباب الثاني، مواقف الدولتين من قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، ابتداءً من اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام، ثم مسارات التسوية، ثم وصول حماس للسلطة في غزة والتطورات التي لحقت بالقضية الفلسطينية، وذلك في سياق فترة الدراسة (1970 ـ 2011)، وقد خلصت مواقف الدولتين إلى التوافق إلى حد التطابق.

      وفي هذا الإطار يقول الباحث والدبلوماسي العماني أيضًا أنه يكفي الإشارة إلى أن سلطنة عمان هي الدولة العربية الوحيدة التي وقفت بجانب مصر في أعقاب زيارة الرئيس الراحل محمد أنور السادات للقدس عام 1977، وما ترتب على ذلك من توقيع اتفاقيات معاهدة كامب ديفيد، التي نجم عنها مقاطعة عربية شاملة لمصر، بينما سلطنة عمان ببصيرتها وعمق العلاقات مع مصر، كانت هي الدولة التي لم تتخلى عن مصر بغض النظر عما حدث، لمكانة مصر الرفيعة وحسن تقديرها للأمور شعبا وقيادة.
      :642215438:
    • وتابع قائلا: لقد تحملت في المقابل سلطنة عمان ضغوطا لا حصر لها سواء من دول الخليج العربي أو من العديد من الدول العربية الأخرى، جراء هذا الموقف المتفرد.

      كما حللت الدراسة أيضا في إطار الباب الثاني، مواقف الدولتين في قضايا الأمن في منطقة الخليج العربي، ابتداء من الثورة الإيرانية وأزمة الخليج الأولى المتمثلة في الحرب العراقية الإيرانية، ثم أزمة الخليج الثانية عندما غزا العراق دولة الكويت (90/1991) وما ترتب على ذلك من تدخل دولي لتحرير الكويت، ثم أزمة الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وأخيرًا الملف النووي الإيراني وما لحقه من تطورات في المنطقة لا زالت تداعياتها مستمرة حتى الآن.

      وقال أنه قد تأكدت أيضا مواقف الدولتين المشتركة في هذه الأزمات في سياق عمق العلاقات بين الدولتين والبعد التاريخي لها من جانب، ومن جانب أخر تلك الرؤية المشتركة لكلتا الدولتين في علاقة الأمن القطري بالأمن القومي العربي وتداخلهما وترابطهما، وأنهما ذات علاقة عضوية بحيث يصعب فصل أحدهما عن الأخر. ولذلك جاءت المواقف متقاربة إلى حد التطابق، ومشتركة دون خلافات.

      وأوضح أنه على مدار الدراسة في الجزء النظري والجزء التطبيقي، استطاعت الدراسة أن تجيب على التساؤلات الرئيسية والفرعية، ليتأكد أن العلاقات بين الدولتين (عمان، ومصر) قد شهدت تطورات هامة للأمام، وكان نصيب درجة الاستمرارية غالبا إلى حد كبير، بينما نسبة التغير ـ وليس التغيير ـ كان محدودا، أكدته مواقف الدولتين المشتركة في القضايا محل الدراسة، وهما القضيتان الرئيسيتان في النظام الإقليمي العربي (قضية الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، وقضية الأمن في الخليج العربي وما يواجهها من تحديات جسيمة)، ومن ثم فقد كان للتطور الذي شهدته العلاقات بين الدولتين، والتي اتسمت بالإيجابية، الأثر الفعال على تغليب الاستمرارية على التغيير، والتأثير الإيجابي على صياغة وبلورة مواقف مشتركة من قضايا الأمن الإقليمي كما أوضحته صفحات الدراسة.

      وأضاف الباحث العماني أنه يهدي هذا البحث لباني نهضة عمان الحديثة، صاحب الفكر والرؤية الحكيمة الذي غرس بذور السلام والمحبة والوئام، في علاقاته السياسية القطرية والإقليمية والدولية، منذ توليه زمام القيادة لهذا البلد العريق الضارب في جذوره في عمق التاريخ، السلطان قابوس بن سعيد، والذي أهلنا أن نقتبس منه الحكمة والرأي الرشيد من خلال إدارة جلالته للأمور مع الدول الشقيقة والصديقة.سائلا المولى أن تكون هذه الدراسة لبنة إضافية من لبنات الدراسات التي سبقتها في مجال العلوم السياسية.

      وتقدم بالشكر إلى الشيخ خليفة بن علي الحارثي سفير سلطنة عمان في مصر ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية بالقاهرة، وزملائه أعضاء السفارة والملحقية الثقافية العمانية لتقديمهم له الدعم المعنوي الذي كان له الأثر الإيجابي في تسهيل الصعوبات التي واجهته خلال فترة الدراسة
      :642215438: