الشيخ حمود السيابي يكتب: في اليوم العالمي للشعر.. أبي صوت الشعر ومجد القصيدة

    • خبر
    • الشيخ حمود السيابي يكتب: في اليوم العالمي للشعر.. أبي صوت الشعر ومجد القصيدة

      Atheer News كتب:

      مسقط-أثير

      كتب الشيخ حمود بن سالم السيابي مقالا بمناسبة اليوم العالمي للشعر الذي يصادف الواحد والعشرين من مارس من كل عام. وعنون الشيخ مقاله بعنوان ” أبي صوت الشعر ومجد القصيدة”، وتقوم “أثير” بنشره للقارئ الكريم بهذا النص:

      عاش أبي تسعين عاما كان نصفها قصائد.

      وخاض أبي البحار وكانت بحور الشعر التي مخرها الأكثر زرقة.

      وعبر سنواته التسعين خبَّت النياق في قصائده , بل وكتبت معه أجمل قوافيه.

      وانطلقت به الخيول لتسابق الريح وكان صهيلها مطالع القصائد.

      وطوال سنواته التسعين كان أبي يختال في المقاصير ومعه المتنبي.

      وكان يتأبط الشوقيات ويرى عبدالله الخليلي أمير البيان.

      وتحلو لأبي عمرية حافظ إبراهيم في هجعة الليل فكتب هو عمريته الأجمل ، واختصها بشرح أصدره فيما بعد في كتاب مستقل بعنوان هدى الفاروق.

      وفي شعر أبي عبق عنان حصانه الأدهم ، ونكهة القهوة السيلانية في دلاله ، وعطر التكايا في سبلة المقصورة ، وخرير ساقية “القلعي” و رائحة “الدخ” في “قُبْ النبات” وطين البيوت العتيقة ، وغضب المدافع المتوثبة في الحصون.

      ولم يكن لأبي محرك البحث “جوجل” لاستحضار كلمات تناسب قوافيه ولا “لاب توب” لتخزين لسان العرب لابن منظور.

      وكان أبي كظله المتنبي

      (ينام ملء جفونه عن شواردها وتسهر الناس جراها وتختصم)
      وكان أبي محمديا في عمامته وشعره ، فكتب قصائده في سيد البشر بماء زمزم وعطر الروضة وزعفران بقيع الغرقد:

      لحا الله أمَّاََ أعرضت عن قطينها
      وصدت وما في الصد إلا التوجع

      ولله بدر في سما النور قد غدا
      مضيئا له بين المحاريب مطلع

      ويا سعد أرض حل بدر سمائها
      عليها بإشراق به ازدان مربع

      وحين تكون عمان عنوان القصيدة ، يستدعي أبي أيامه بين أكثر من سلطان وإمام ، ويحن إلى أماكن إقامته بين حصن وحصن ، وتنقله بين صهوة وسنام ، فأبي هو القائل:

      طف بالمعاهد تبصر مجد ماضينا
      فقد وضعنا على الدنيا عناوينا

      وقد كتبنا على وجه الزمان لنا
      بأحرف النور رسما من أيادينا

      تاريخ ملتنا في وجه أمتنا
      يبدو سناه لتاليه براهينا

      وحين يستوي أبي على سنام ناقته التي تقربه من السماء يوثق ركضها في قصائده ليختزل المسافات:

      دعها تدك الصخر عند مثارها
      وارخ الزمام لها بحال مغارها

      اذ انني عودتها فتعودت
      زمنا تواصل ليلها بنهارها

      وإذا علوت سنامها لم أدر هل

      بالجو طارت أم مشت بمنارها

      حرف تغير البرق سرعة ومضه
      في المهمه الداجي على أقطارها

      وتخوض بحر الليل غير مروعة
      كسفينة مخرت عباب بحارها

      أو أنها مزن المصيف مسوقة
      عصرا وقد فاقت على اعصارها

      ويستذكر أبي “عندام” حيث تحنك بالتمر والشعر وعاش هدهدة المهد:

      عهد الصبا هل إلى رجعاك إمكان
      فقد تقضت بذاك العهد أزمان

      كانت لياليك بالسراء باسمة

      والكل من منهل اللذات ريان

      قد كان صفو الليالي فيك منبلجا
      فكدرته من الأيام ألوان

      هل أنت راض بحالات تمر على
      جنبيك فيها مسرات وأحزان

      على جبينك من من لمح الرضى غرر
      كالشهب تبدو وللأحوال عنوان

      وتتمايل نخيل الفيحاء في قصائد أبي وقد ألقت ظلالها على جدران قلبه فتتزاحم الرياض والغياض:

      أطار نومك ذكر الأهل والوطن
      فبت والنجم طول الليل في قرن

      أم قد تذكرت غدران الأحص فلم

      تبرح سهيرا على الأطلال والدمن

      أم قد بدا بارق من نحو جيرة من
      تهواه فازددت وجدا فيك لم يكن

      وهل أهاجك غزلان الكثيب ضحى
      وكل مختالة في الوشي كالوثن

      لولا الهوى ما صبا قلب إلى طلل
      ولا تذكرت من أهل ولا وطن

      وهل تذكرت جرعاء الرسيل وهل
      عطفت منه على الأوهاد والحزن

      وهل تعثرت بالجفنين من رشإ
      وهل على حية طوفت والسكن

      وهل على الرحب قد طوفت مبتغيا
      نفعا مقر العلى من أول الزمن

      وهل سرت بك في بطحاء سرور وهل
      جاوزت هصاص فالخوبار غير وني

      وهل دنت بك دن الحي ميسرة
      طرق المجرة في هامات ذي شطن

      وهل شربت من المرين سائغة
      تطغى الأوام وتنفي غصة الإحن

      وهل تحن إذا المضمار قابلها جريا
      وفيضا كفيض البحر بالسفن

      ريعانة طوحت عن صرح مبركها
      بغيلة الدك تبغي عالم الزمن

      ويقف الوالد على الوادي السمائلي المنثال ماء وقصائد فيناجيه:

      حي وادي سمائل خير وادي
      حبه لم يزل حليف فؤادي

      حي فيه مكارم العرب مذ عاشوا
      على ضفتيه من عهد عاد

      ويتعشق أبي اليعاربة هامات وأدوارا فيتوقف عند حصن الحزم الذي بدا حزينا يوم زاره في ستينيات القرن الماضي قبل أن يعيد سيد التاريخ العماني ترميمه فسأله الوالد:

      ما للدموع على خديك تنسكب
      وأنت من عرش قصر المجد تقترب

      ما لي أراك كئيبا غير منشرح

      وأنت ممن به قد تنجلي الكرب

      بين الأجلة تمشي مشي ذي مرح

      في موطن العز قد حفت بك النجب

      قم فادخل القصر تبصر كل معجبة
      يحتار في وصفها الفهامة الذرب

      أنظر بعقلك قصرا مدهشا بهرت
      للعقل هيبته بل شأنه عجب

      قصر يعبر عن مجد وعن شرف
      تحكي معالمه في افقها الشهب

      ويستعيد أبي زمن الإمام الخليلي وبيضة الاسلام والشهباء فيقف على قبره مناجيا:

      قد كنت والناس بالتقوى قد ادرعوا
      لصوت داعيك اضحوا مستجيبينا

      ملء المساجد بالقرآن كلهم لم
      يعرفوا الغي للقرآن تالينا

      في كل ارض عمان لا عواصمها
      شرع الأله و مسنون النبيينا

      ويعود من البقيع النزوي إلى الشموخ اليعربي حيث الشهباء التي تملأ الزمان والمكان فيستوقفها:

      قف حول قلعة نزوى وانشد الباني
      هل اسسوها على رضوى وثهلان

      وانشد معالمها العلياء كيف سمت
      وقد علت هام بهرام و كيوان

      وانشد معاهدها الشماء حيث غدت
      ميمونة الشأن في حسن وإحسان

      ويتذكر أبي والده ضجيع تربة صحار حيث دفن في عرصات معطرة بالقصواء فينادي المكان:

      هذي صحار فحيي حصنها العالي
      وانشد حقائق في تاريخها الغالي

      وسر رويدا على أرجاء ساحتها

      مهد الأكابر أحبار و أقيال

      وطف على الجامع المعمور من سلف
      وانشد عن سادة في عهد الخالي

      و امرر على عوتب الزهراء تنشدها
      عن أهلها القدماء من كل مفضال

      ومع انبلاج فجر النهضة المباركة كان أفق قصائده بهيا وهو يتغنى بسيد سادات عمان عبر الأزمان:

      هذي عمان بقابوس الهمام علت

      فوق الثريا مقاما للسماء سما

      هذي عمان بسلطان البلاد رقت

      أعلى المراقي فجازت في العلا القمما

      علت بجندك إن نادته صارخة

      لبى نداها حماسا يشعل الظلما

      علت برهطك في أرجائها ومشت
      على رؤوس العدا داست بها قدما

      علت بقومك إذ كانوا لها عمدا

      وهم لأمرك طرا أصبحوا خدما

      ورأى اليد الحانية لسيد عمان وهو يرمم شواهد التاريخ فحضر تكريم التاريخ في قصائد أبي مستذكرا عنفوان وشموخ حصن الصلت في شاذون الذي عاش والدي فيه لقرابة عقد من الزمان متقلدا الولاية والقضاء في العهد الخليلي:

      وقف بي نحيي الحصن تاج جمالها
      وحجتها الكبرى بأسمى المذاهب

      وبالملك السلطان يعلو مقامه
      وإن زعم الدهر الخؤون بطالب

      وقد جربته سنة الدهر فانثنى
      يتيه على الأعداء بسطوة غالب

      وألبسه قابوس أزهى لباسه فلاح

      بديع الصنع سامي المآرب

      ليهنك ياقابوس والدهر راغم
      وأنت عظيم الشان عالي المراتب

      ويقطع أبي ليل مسقط ودروب “الرقعة” في حضرة قصر العلم وقلعتي الجلالي والميراني وهيبة أبي عزان ومعه السيد هلال بن بدر والقنديل والشعر:

      إذا ما قيل هل لكم زعيم
      من الشعراء غدا بدر الليالي

      وإن قيل الخطيب هناك قمنا
      نشير إليه في أجلى مثال

      وإن قيل المؤرخ للمواضي
      من الأحوال للعصر الخوالي

      نقول هنا ابو بدر هلال
      وحسبك بدر تم من هلال

      غدا في مسقط للشعر يما
      تماوج بالجواهر واللآلي

      وقد نظم والدي مئات الآلاف من أبيات الشعر عبر عمره الممتد ، وزادت أبيات بعض القصائد عن ألف بيت وبنفس جزالة الاستهلال.

      ولم يكتف الوالد بقول الشعر بل امتد إخلاصه لديوان العرب إلى التنظير للشعر فألف كتبا في الحديث عن هذا العالم الرائع ببحوره وأشرعته ونوقه وأحصنته ، فالعرب لن تترك الشعر إلا اذا تركت النوق الرغاء.

      واستعرض والدي في كتابه “إشحاذ الفكر بمعاني الشعر” عناوين سبعة وثلاثين ديوانا غير متقيد في ترتيبها بالقامة والقيمة والأزمنة والأبجدية ، بل وفق حضور قصائدهم في سبلته.

      وقد بدأهم بابن النظر واختتمهم بالمر الحضرمي.

      وكانت سبلته “المقصورة” معطرة بالقصائد وعلى تكاياها جلس الشعراء يحتطبون مواسم عكاظ. كما كتب الوالد مقدمات لعدد من الدواوين فكان مقدما للسِّير وقارئا وناقدا للشعراء.

      وعلى روازن سبلته السمائلية او السبلة التي تنقلت معه حيث حل و ارتحل تزاحم سليمان النبهاني الذي أسماه بالزعيم وأبو مسلم والأمير محمد بن ناصر الجبري وخلف بن سنان الغافري وبن جميل وحمد بن عبيد واللواح الخروصي والستالي والكيذائي ونور الدين السالمي وبن شيخان وثلاثة من آل الخليل الرباني سعيد بن خلفان والشيخ عبدالله بن سعيد وأمير البيان الشيخ عبدالله الخليلي إلى جانب الشاعر الشيخ سعيد بن خلف الخروصي والسيد هلال بن بدر البوسعيدي و راشد الحبسي وسعيد بن خميس الهنائي وأبي سرور ومحمد بن عبدالله المنحي وابي الأحول والشاعر خالد بن هلال الرحبي وسعود بن سعيد القصابي والمجيزي وبن رزيق.

      وكانت تروق له قصائد صهره الشاعر الكبير الشيخ سليمان بن خلف الخروصي ونجله وريث إمارة البيان هلال السيابي ولكنهما لم يصدرا ديوانيهما في حياة الوالد.

      وفي اليوم العالمي للشعر أقدم لكم أبي كشاعر ، وأسمعكم صوته الشعري لعلكم ترونه كما أراه وقد أعاد للشعر مجده وكبرياءه ، فقد عاش أبي تسعين عاما ، نصفها قصائد ونصفها التنظير في القصائد.

      Source: atheer.om/archives/432583/%d8%…%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84/