نفثــــاتُ رجــلٍ مختـــلف

    • محب بائن كتب:

      أهلا بك أختي "عيون هند"


      ثم أسأل ما بال نساء اليوم و رجالها؟ أحمل اليوم و ولادته غير حملِ الأمس و ولادته؟
      ما زلتُ أذكر أن النساء كانت حتى لحظة ولادتها تقوم بأعمالها الشاقة اليومية دون كللٍ أوتبرّم، و ما تلبث أن تضع وليدها حتى تعودَ لما كانت عليه.
      و ما بال الرجلِ اصبح لا يحملُ من الغيرةِ على محارمِه ما كان يحملُه أسلافه؟

      أشكر لك متابعتك و دعاءك

      العفو،

      العاقل من يسأل.. ولكن المجنون هو من يبحث عن الإجابة...

      أخي محب..

      إذا كنت عمانياً، وولدت في الكويت ثم هاجر أهلك إلى أمريكا، وتخرجت من جامعة في فرنسا، وتزوجت امرأة عربية من المغرب أو تركيا..

      فكيف سيكون شعورك عندما تطئ قدمك ( عُمان) في إجازة أو حتى رحلة عمل..

      أصدقك.. شعرت بمثل ذلك.. وكأنني كنت أعيش.. ولكن ما إن وضعت قدمي عليها شعرت بأنني كنت أعيش بدون ( روح) مالبثت أن تتسرب إلي لتدغدغ مشاعر ميته

      وتنبت ابتسامات مخنوقه ورايت نفسي لأول مرة وأعجبت يومها بذاتي..

      الانتماء قضية غريبة.. حب الوطن ذلك الاحساس بالتربه.. أمر لا يستطيع أي أحد ولا حتى الجيم بوي.. أن يحذفه من مسام جيناتك..

      في المقابل.. هي متفاوته.. فمهما بلغ انتمائي.. لست بقدر شخص تربى على رمالها وتسلق أشجارها كما أسلفت..

      المرأة فيه.. كقطعة أرض ليس يمتلكها بعد.. وإن أصبحت بين يديه.. أراد تعميرها وإنباتها ثم كلما كان ذكياً ماهراً أضاف لها تربة جديدة..

      فتراه يقلبها حتى يرهق منها أو ترهق منه.. كان الله للنساء.. يشعرنني بالشفقه.. وأحياناً بالعجز.. وأحياناً لا إشعر نحوهن إلاّ بالامتعاض

      كان الله لنا.. على كل حال..

      نصل متأخرين دائماً بعمـــر !!
    • عيون هند كتب:

      العاقل من يسأل.. ولكن المجنون هو من يبحث عن الإجابة...


      المرأة فيه.. كقطعة أرض ليس يمتلكها بعد.. وإن أصبحت بين يديه.. أراد تعميرها وإنباتها ثم كلما كان ذكياً ماهراً أضاف لها تربة جديدة..

      فتراه يقلبها حتى يرهق منها أو ترهق منه.. كان الله للنساء.. يشعرنني بالشفقه.. وأحياناً بالعجز.. وأحياناً لا إشعر نحوهن إلاّ بالامتعاض

      كان الله لنا.. على كل حال..




      العقل و الجنون لفظتان حالها حال كل الكلام المنطوق
      و لو اشترك الناس في المعنى العام لهما، فإنه لا بدّ من اختلاف معناها في كلّ ذهن
      فالأذهان تتفاوت، و دلالاتُ الألفاظ تختلف تبعاً لها

      فالعاقل مجنون باعتبارٍ ما، و المجنون عاقلٌ باعتبارٍ آخر
      و بينهما و حولهما "المتجانن" و "المتعاقل" تماماً كـ"الغبي" و "المتغابي"

      تكون المرأة تارةً فيه، و أخرى منه، و حيناً له، و مراتٍ عليه
      لكن لا أؤمنُ أن يُنظرَ لها دوماً كونها مفعولا به، تعمّرُ أو تُنبتُ أو تقلّب

      أفضّلُ النظر للإنسان، و الإنسانُ متقلّب بين الفعل و الإنفعال
      إما بذاته و خياره، أو برغمه و اضطراره
      و هو في جميع أحواله إما أن يُشعرك بالشفقة أو العجز أو الإمتعاض أو الإعجاب

      كان الله لبني البشر
    • هم يعلمون الحياة بكم.. هم في طريق العلم صنم.. هم يعشقون أكل الرمم..

      كان الله لبني آدم..

      لا أؤمن بأنها مفعول به ايضاً.. رغم أنها في أغلب الأوقات فاعل مستتر تقديره " هي"..

      في النهاية لها جزء من الجريمة.. وتستحق ما يأتيها كان خطأ أو صواب...

      عندما جئت بالنسبة بين العقل والجنون، والغباء والتغابي.. تذكرت أحد المبادئ الأخلاقية..

      إذا كنت في مجتمع مجنون، وأنت العاقل الوحيد.. فماذا تفعل..؟

      الكل بلا استثناء، تصبح مجنوناً أيضاً.. هكذا يقول العقل.. ولكن إذا كان هناك عاقل آخر لا تعرف عنه ادعى الجنون مثلك

      وربما آخر.. أليس خسارة حقاً أن نعيش كمجانين؟


      أقول هذا، وأمشي على سياسة شركة مجنونه، عاقلة.. تقودني إلى الجنون وتقود البقية إلى النجاح..

      لا باس من السكوت.. فالنجعل المجانين يتحدثون، ربما يكونون أعقل في توقعاتهم..


      تسعدني متابعتك.. متصفح راقي

      نصل متأخرين دائماً بعمـــر !!
    • عيون هند كتب:

      عندما جئت بالنسبة بين العقل والجنون، والغباء والتغابي.. تذكرت أحد المبادئ الأخلاقية..

      إذا كنت في مجتمع مجنون، وأنت العاقل الوحيد.. فماذا تفعل..؟

      الكل بلا استثناء، تصبح مجنوناً أيضاً.. هكذا يقول العقل.. ولكن إذا كان هناك عاقل آخر لا تعرف عنه ادعى الجنون مثلك

      وربما آخر.. أليس خسارة حقاً أن نعيش كمجانين؟


      أقول هذا، وأمشي على سياسة شركة مجنونه، عاقلة.. تقودني إلى الجنون وتقود البقية إلى النجاح..

      لا باس من السكوت.. فالنجعل المجانين يتحدثون، ربما يكونون أعقل في توقعاتهم..


      تسعدني متابعتك.. متصفح راقي




      مبداٌ أخلاقي؟!!

      ليس كذلك، ليس بالنسبة لصاحبي على الأقل!
      لطالما آثر السباحةَ عكسَ التيّار، إن رأى أن التيّارَ يجري في اتجاهٍ نهايتُه هاوية
      فمن الخسارةِ حقا أن تعيش مجنوناً، فقط لأن جميعَ من حولك كذلك

      و يُسعدني حوارك، و قراءتك
    • بسم لله الرحمن الرحيم
      و الصلاة و السلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم و على اله و صحبه أجمعين

      و ما توفيق الا من الله رب العالمين

      أنت غير

      عنوان رئع يحمل كلمات ذات أسلوب و معنا جميل أسطر ترتقي الي مستواء عالي

      أستمتعة با القراه
      وفقت في الطرح
    • الغاضب بصمت كتب:

      بسم لله الرحمن الرحيم
      و الصلاة و السلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم و على اله و صحبه أجمعين

      و ما توفيق الا من الله رب العالمين

      أنت غير

      عنوان رئع يحمل كلمات ذات أسلوب و معنا جميل أسطر ترتقي الي مستواء عالي

      أستمتعة با القراه
      وفقت في الطرح



      صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و تابعيه

      أشكر لك مرورك و إطراءك
      و أتمنى بحق أن يكون الطرح ماتعا مفيدا
    • السلآم عليكم آخي محب بآئن
      أو نقول ×
      الرجل المختلف ×
      جميل ما فاض به قلمك هنآ
      لستُ من يترجم أو يتفلسف في حقيقة حُب خلق الله
      لكني أؤمن أنه مرض مزمن يلازم الإنسان إن إستمر في ذلك
      وفي ذات الوقت علاج دائم لكل الأعرآض التي ينتجها الإكتئاب
      أليس أيضا بـ طآقة كبيرة تصل بالإنسان لحدود المستحيل
      وبه ومن أجله نكسب ونفقد الكثير تدفق لمشآعر عديدة
      عجيب جدا كيف يتحكم وكيف يغيّر من باطن الإنسان وكيف يؤثر به
      كنت دائماً أسيء الظن وأقول آن العقل شيء والعآطفة شيء آخر تماما
      وأدركت أن كل شيء ينبثق من العقل وما القلب إلا عضلة مؤثرين نحن عليهآ
      لذآ في حال الغزو وَجب علينا الوعي التآم والتحكم به لآ أن يتحكم بنآ
      قبل أن ندخل دآئرة يستحيل الخروج منهآ
      جميل جدا ما ذكرته في [ شرعة الحب]
      متآبعين ,,
      لآ يغرق المرء لأنه سقط في النهر , بل لبقائه مغموراً تحت سطح الماء Paulo Coelho
    • m!ss flora كتب:

      السلآم عليكم
      و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

      آخي محب بآئن
      أو نقول ×
      الرجل المختلف ×
      قد يكونان روحاً واحدة أو لعلّهما روحٌ في جسدين أو ربما روحان اندمجتا
      أهو مهمٌّ حقا؟

      جميل ما فاض به قلمك هنآ
      لستُ من يترجم أو يتفلسف في حقيقة حُب خلق الله
      لكني أؤمن أنه مرض مزمن يلازم الإنسان إن إستمر في ذلك
      وفي ذات الوقت علاج دائم لكل الأعرآض التي ينتجها الإكتئاب
      أليس أيضا بـ طآقة كبيرة تصل بالإنسان لحدود المستحيل
      وبه ومن أجله نكسب ونفقد الكثير تدفق لمشآعر عديدة
      عجيب جدا كيف يتحكم وكيف يغيّر من باطن الإنسان وكيف يؤثر به
      كنت دائماً أسيء الظن وأقول آن العقل شيء والعآطفة شيء آخر تماما
      وأدركت أن كل شيء ينبثق من العقل وما القلب إلا عضلة مؤثرين نحن عليهآ
      لذآ في حال الغزو وَجب علينا الوعي التآم والتحكم به لآ أن يتحكم بنآ
      قبل أن ندخل دآئرة يستحيل الخروج منهآ
      جميل جدا ما ذكرته في [ شرعة الحب]
      متآبعين ,,



      تلكَ كانت قراءةٌ لشئٍ من "شرعة الحبّ" و لعلّي أحاول أن أفهم يوماً "فلسفة الحبّ لديه"

      جميلٌ مرورك و قرائتك
      دومي بودّ
    • اللّغــــــةُ العربيّـــــة

      عُرفَ عن صاحبي ولعُهُ باللغة العربية و اهتمامُه بها، و فخرُهُ و اعتزازُهُ بها
      و رغم أنّه ليس ضليعاً في علومِها، و لا متقناً لها، متمكناً من تصاريفِها و آدابها، إلاّ أنّه تشتدّ حميّتُه على كلّ جاهلٍ بالعربية من أهلها، متحدّثٍ بغيرها من لغاتٍ أو لهجاتٍ في مواطنَ لا يجملُ الحديثُ فيها إلا بالعربية الفصيحة.

      لستُ أعلمُ يقيناً سرّ تعلّقه بها، فهو لم يتخصص في اللغةِ و علومِها، بل إنّ كلّ دراستِه بعد مرحلةِ المدرسة كانت بغير العربية
      و العربية غائبةٌ عن مكان عمله

      بدأ اعتدادُه بالعربية منذ وعى أنها باختيارِ الله لها وعاءً لكلامِه، فإنّها أصبحت لغةّ مقدّسةً تقديسَ الكلام الذي أُنزلَ بها
      أعلمُ انّه كان يهزّ رأسَه ضجراً و تأففاً بطابور المدرسة الصباحي و هو يستمعُ للمتحدثين في الإذاعة المدرسية يرفعون المجرور، أو ينصبون المرفوع!
      و أعلمُ انّه لا زالَ يمتعض من مثل هذا الأمر حتى الآن

      حاول صاحبي أن يتعلّمَ العربية، فرأى أن ما يحصّله من دروسٍ في المدرسة لن تفيدَه فيما يبتغيه، فقلّبَ وجهه باحثاً عن شيوخٍ يحملون بين جنباتهم بقايا زمنٍ لم تفسده عُجمةُ الأيام، و لم تكدّره مزاعمُ مجاراة العصر بخلع جلباب البيان.
      و يممّ وجهه شطرهم
      فأخذ يقرأ على أحدهم "ملحة الإعراب" و يقرأ على الآخر "ألفية ابن مالك"، لكنّه لسوءِ حظّه، أو ربّما لحرمانه التوفيق، لم يواصل مع أيٍّ منهما، فقد أنهى دراستّه الثانوية، و كان عليها أن يُبتعثّ للخارج لإكمالِ دراستِه
      و رغمَ ذلك فقد كان يستغلّ الوقتَ القليلَ المتوفّر حين رجوعِه لإجازتِه الصيفية كل سنة في تحصيلِ بعض الدروس منهما، حتى توقّف تماماً بعد وفاةِ أحدهما و عجز الآخر لكبر سنّه.

      حدثني مرةً عن اللغة العربية فقال:
      اللغةُ عنوانُ كلّ أمّة، و سفيرُ كلّ ثقافة
      ولمعرفة مدى رقيّ الأمةّ أو انحطاطُها فانظر إلى مكانةِ لغتِها فيها
      فإن وجدتَ اللغة تحتلّ مكانةً سامقة، و شأواً عظيماً فاعلم أنّ الأمّةَ في علوٍ و اعتزاز، و إن وجدتَها بخلافِ ذلك فاعلم أنها تتخبّط في درّكِ الجهل و التخلّف.

      و انظر إلى حال الأمم المتقدّمة، كيف تعتزّ بلغتها، و تفخرُ بها، و تسعى إلى نشرها بين الناس
      ثم انظر أهناك لغةٌ تستحقّ الإهتمامَ مثلما تستحقّه اللغة العربية؟!

      فكلّ لغةٍ على ظهر الأرض إنما هي لغةٌ قومية، تعبّر عن ثقافةٍ وضعية
      لكنّ العربية بعد أن شرّفها الله باختيارها وعاءً لكلامه العظيم، فقد أصبحت لغةً تستمدّ روحها من السماء، و تضمّ بين جنباتِها هينماتِ الطّهر و همسات النقاء
      و هي باقيةٌ بقاء ذلك الكتاب العظيم، و راسخةٌ رسوخَ أحكام الخبير العليم


      أرأيتَ من رمى كتاب ربّه وراء ظهره، و ابتغى به بديلاً -و أنّى أن يكون له بديل- أتراهُ يُهلكُ إلا نفسه، و يهوي بها في مهاوي الردى و الهلاك؟!
      و هل تجدُ له عذراً يعتذر به في ذلك، او حجةً يأوي إليها و يأرز؟!
      فكذاك من رمى العربيّةَ وراء ظهرِه، و جهلَ نطقَها و كتابتها، و قراءتها و فهمها
      فلا عذرَ و لا حجّة، و لا دليلَ و لا برهان




    • لم أرى العربية شئً مميزاً.. فقد كانت تأتي سلقة، ونستخدمها بتصرف..

      ثم كنت لا أثرثر، وكنت أرى في لغتي ضعفاً، وكنت أجاهد أن أفهم.. وأشعر أن الجميع أذكياء ويستطيعون فهم الجمل الإعرابية..

      ويحفظون قواعد اللغة والإملاء، وهي أساس عجزي وفقري.. وكانت هناك فتيات يأتين بحديث فأرحل مع بواعث الصوت وإيحاءات الصورة..

      ثم ابتسم خجلى.. ياللجمال..

      تكاثرت السنين، وكنت أقف مع إحدى زميلات الصف اللاتي أشارت لي بأنني لن أعجز عن التعبير.. خصوصاً وأن لي قلماً مسترسلاً..

      عجبت من حديثها رغم موافقة من كان حولنا.. ورفعت حيناً راسي في إحدى اختبارات التعبير، لأول مره لأجد كل فتاة مغضبة الجبين

      تكاد لا تستطيع مد الحرف، أو حتى إرسال القلم إلى صفحة الاختبار ...،.

      هل من الصعب أن نكتب؟ أعلم أنه صعب كتابة ما نشعر به.. فهو أمر مؤلم.. ولكن هل الكتابة أمر صعب؟

      نصل متأخرين دائماً بعمـــر !!
    • الكتابـــــــــــــــــــــــــة

      عيون هند كتب:



      هل من الصعب أن نكتب؟ أعلم أنه صعب كتابة ما نشعر به.. فهو أمر مؤلم.. ولكن هل الكتابة أمر صعب؟




      أمنَ الصعب أن ننطق؟
      ليس ذلك صعباً، فالكثير يتحدثون الساعات الطوال دون كلل أو ملل!!

      الصعبُ أن ننطق المفيد، و أن نشنّفَ الآذان، و نسلبَ الألباب
      أو أن نستميلَ القلوب، و نستدرّ الدمع

      هكذا هي الكتابة
      ليست صعبة في ذاتها، لكنّها عزيزةٌ في حقيقتِها

      نكتبُ فنصفّ كلاماً من هنا و هناك، قد لا يكون بينه رابط و لا له زمام، نخبطُ خبطَ العشواء، و نهيم هيام الخُلَطاء
      و نكثرُ و نزيد، و نردّدُ و نعيد، و نحسبُ أنا أتينا بالجديد، و لا جديدَ في المزيد و لا مفيد!!

      و قد نكتبُ و كلّ حرفٍ نخطّه إنما هو نبضة قلب، و دفقةُ حسّ، و سيلُ خواطر
      نخطّ بالطروس مدادَ القلم ، و نُسيلُ من مآقينا الدمع و الدم، فيمتزجانِ في كلامٍ ليس كالكلام، و نفثٍ قد يبدو محضَ هيامٍ و أوهام
      لكن لا تملكُ الآذانُ إلا أن تستمعَ له، و لا القلوبُ إلا أن تميلَ إليه، فتُسحرَ به القلوب، و تخلبَ منه الألباب

      و نعجبُ ما سرّ هذا الأثر، و ما منتهى ذاكَ الخبر؟!
      و نغفلُ أن حديثَ الروح للأرواح يسري، و هينمةَ الصدر للألباب تغري، فتدركه القلوب بلا عناء، و تعشقه العقول دون مراء

      و ما كلّ الأرواحِ سواء، و لا كلّ القلوبِ صفاء!

    • نعم،

      من الصعب جداً أن ننطق.. وأن نتحدث بأصواتنا، وأن نستمر في الكلام.. وأن تهتز نبراتنا عند بعض الحروف..

      أجده أمرٌ مرهق، ومتعب.. وصعب .. أن نتحدث ونفكر و نستمر في التفكير بما نريد أن نقول..

      أليس صعباً؟!!.. الكتابة أسهل بكثير، ولهذا فإن القلة هم الخطباء..

      اللغة .. تتراجع أمام الكلمة.. ولكنها تختفي بالقرب من النطق.. ألا ترى !!..

      نعزل أنفسنا ببعض الحروف والكلمات التي لا تصف إلاّ نحن، ولا تدور إلاّ حولنا مستخدمين أسسا عربية، وقواعد لغوية..

      لكنها ليست لنتواصل.. بل لنكون نحن.. وإذا جلسنا لا ننطق حرفاً فيما بيننا.. وتشرح إيماءاتنا وحواسنا الكثير دون نطق..

      صعب أن نتحدث، الكتابة ليست صعبة.. فهذا هو الجزء الأسهل في اللغة.. ثم يأتي النطق، ذلك الأمر الصعب، ويليه الاستماع

      وأي أمر كالإستماع .. أعتقد أن اللغة في الاستماع..


      قناعتي..

      نصل متأخرين دائماً بعمـــر !!
    • دون تفكير!




      سُئلَ صاحبي مرّةً: هل جرّبتَ الكتابةَ دون تفكير؟
      فلاذَ بالصمت، حتى نسيَ سائلُه سؤالَه

      كنتُ أعلمُ أنّ صمتَه يعني أنه لم يكن يعرف الإجابةَ حينها، و أنه أراد أن يفكّر و ينظر، و يبحث و يتدبّر، قبلَ أن ينطقَ بجوابٍ قد يكتشفُ خطأه بعد حين.
      بالنسبةِ لي فإنّ ردّةَ فعلِه هذه أراها جواباً –أو على الأقلّ بعض جواب- عن السؤال! فهو كما أعرفُه لا يُقدمُ على شئٍ دون تفكير

      بادرتُه بنفس السؤال قريباً فأجابني:
      أتعلم؟ لا أظنّ انني فعلتُ شيئاً قطّ دون تفكير!
      و لا أحسبُ أن بوسعِ امرئٍ فعلَ شئٍ دون تفكير، فعقلُ الإنسان مفكرٌ دائماً و لا يمكنُ تعطيلُه إلا أن يكون مجنونا أو مخموراً أو طفلاً صغيراً، و حتى هؤلاء لا يمكن القول أنهم بدون تفكير و لكن تفكيرهم يفتقد إلى "المنطق" و "العقلانية" و "البداهة"

      و يختلف عمقُ ذاك الفكر و سرعتُه من شخصٍ لآخر أو حتى من حالةٍ لأخرى لنفس الشخص.
      نسألُ شخصين سؤالاً ما، فيجيبُ أحدُهما سريعاً دون تأخير، و يأخذ الآخر وقتاً قد يقصرُ أويطول ليجيبَنا
      فنقولُ لمن أجاب سريعاً أنه أجاب دون تفكير، و لكن هل حقاً فعل ذلك؟
      إن نفسَ الكلام صادرٌ عن عقلٍ مفكّر، فالأفعالُ نتاج الأفكار، و نتيجةٌ لازمةٌ لها.

      أتعلمُ ما كان غرضُ السائل حين ألقى بسؤاله بين يديّ؟
      هو يقولُ أن الكتابةَ عن المشاعرِ و الأحاسيسِ تكونُ أصدقَ و أعمق حين تكونُ بدون تفكير و تدبّر، و أن تكون هكذا من القلب للقرطاس. و أن المشاعرَ الصادقة كالشرابِ المسكر، تأخذُ العقلَ حتى يغيب، و تحيلُ العاقلَ كالمجنون.

      هو يفترضُ أنني حينَ أكتبُ أمعنُ النظرَ قبل أن أمسك قلمي –أو لوحة مفاتيح حاسبي- ، و أرددُ النظر في كلّ حرفٍ أخطّه، و أن اهتمامي بإتقان نظمِ الكلام يذهبُ ببريق المعاني، و يطفي شعلة المشاعر فتخبو جذوتها، و تختفي حرارتُها.
      و أنا اتفقُ معه فيما ذهبَ إليه، و لكن ذلك صحيحٌ في أمثالي ممن لم تكن البلاغة فيهم سليقة، و لا الفصاحةُ عندهم فطرة و لكن من كان بعكس ذلك، فهو لعمري جمعَ الحسنيين، و ظفرَ بالخصلتين

      فتراه يمسك القلم بيده، و الحقيقة أن القلب هو الكاتب، و ينظم الكلام، و الصحيحُ أن الوجدان هو الناظم.

      و لن يُدركَ حقيقةَ ذلك إلا من كان مثله، و لن يبلغَ مداه إلا من ذاق إناه.
    • هلــوســـةٌ في الحــــــبّ





      وجدتُ صاحبي ليلةً مهموماً حزينا، و كأنّ به فَقْدَ عزيز، و مفارقة حبيب

      سألتُه مداعباً: أراكَ مطرق النظرات، سائلَ العبرات، مكثر الزفرات
      و لفؤادك اختلاجٌ و وجيب، و لطرفِك إغضاءٌ مريب، و لصدركَ زفرٌ كالنحيب
      أتراكَ فارقت حبيبا، و ودّعتَ قريبا؟!

      نظرَ إلي بنظرةٍ لم أتبيّن حقيقتَها، و لم أفهم طبيعتَها، و قال:
      ما الحبّ و ما الحبيب؟!
      هل الحبّ أن تُعجبَ بشخصٍ لصفةٍ فيه لم تجدها في غيره؟
      أم هو راحةٌ تجدُها في قربِه و وصلِه؟
      أم هو متعةٌ تجدُ لذّتَها مغلّفةً بألمٍ و حرمان؟

      أم هو ألمٌ حفّت جوانبُه بلذّةٍ تخدع الإنسان؟

      لا أظنّ أن للحبّ معنىً يتفق فيه اثنان، أو يرضى به طرفان

      فالطفلُ يرى الحبّ حنانَ أمّ يحوطُه، و حرصَ أبٍ يرعاه
      و الشابّ يراهُ فتاةً تسلبُ لبّه بجمالها و دلالِها، و حسنِها و ظرفِها
      و الفتاةُ تراه شاباً يُسمعُها معسولَ الكلام، و ينظمُ مشاعرَ الوجدِ و الغرام
      و الزوج يراهُ زوجاً بها مأوى السكينة، و محضنَ الهدوء و الطمأنينة
      و الزوجةُ تراهُ بعلاً به معنى الرجولة، و خدناً مبّرّءاً عن كلّ عيبٍ و رذيلة

      فإن فقّدَ أحدُهم معنى الحبّ الذي يراه فيمن حولَه طفقَ يبحث عنه خارجَهم، و يشتدُّ في طلبِه و تحصيلِه، حتى إذا ظفرَ به، أو خيّلَ إليه أنّه ظفرَ به، ألقى الشراشرَ عليه، و عضَّ عليه بالنواجذ

      وسار يترنّم بجماله و لألائِه، و يتغنّى بعشقِه و هيامِه، و يصفُ لذّة الوصلِ و يشكو عذابَ الحرمان
      فكأنّه فخٌّ وقع في حباله، و مصيدةٌ هوى بشباكها، أو شرابٌ تحسّاه، فأذهلَه و أوهن قواه

      أترى الحبّ علاقة جسدٍ أم روح؟ أو هو كلاهما؟

      و هل ما يراه كلّ واحدٍ منا حباّ بالنسبة له، يرفض القيود و الحدود، و لا يعترف بالشرائع و القوانين، و لا الأعراف و التقاليد؟
      هل الحبّ عذرٌ لتجاوز المحظور، واقتحام المحذور؟
      ما الحبّ العذريّ؟ و هل الطهر و النقاء رديف الحب، أو هو العهر و البغاء؟! أم هو شئٌ بينهما؟

      ألم تنتبه أن ذهنينا -بدون شعورٍ- صرفا الحبّ ليكون علاقةً بين ذكرٍ و أنثى؟! و أنّ حديثي و أسئلتي اتخذت ذاك أساساً و قاعدة؟!!

      فما السبب لذلك؟

      أحقيقة الحبّ لا تكون إلا بين ذكرٍ و أنثى؟

      أم أنّ مؤثّراتٍ شتّى زرعت في باطننا أن تلك حقيقةٌ لا مراء فيها؟
      فما مكان الحبّ بين ذكرين أو أنثيين؟ أهو حبّ حقيقةً أم مجازا؟
      و ما معنى الحبّ بين ذكرٍ و أنثى لا يُتصور بينهما ما يُتصوّر عادةً بين زوجين؟ كحب الأم لولدها و الأخ لأخته؟
      و ما الحبّ الإلهي؟ أهو شئ آخر لم نجد له لفظةً تعبّرُ عنه إلا لفظة "الحبّ"؟

      ألقى عليّ صاحبي سيلَ أسئلته، و انفلتَ مبتعداً عني، تاركاً لي بحيرتي و عجبي!!

      ما به يتحدّثُ عن الحبّ بكلامٍ لا أجدُ فيه ترابطاً و لا معنى؟! و ما بالُه يحدّثني عن الحبّ و ما أذكرُ أنه سبق أن فعل!!
      لا بدّ أن صاحبي بدأ يجنّ، أو أنّه أصيبَ بالغرور ليتحدّثَ عمّا لا يُحسن!



    • الحب فضيلة الروح..

      وهي انتعاشها وحياتها.. وكان الإيمان في القلب، وكانت العلاقة بين الله وعبده.. علاقة حب..

      ووصف ما يشعر الرجل به لامرأة، بأنه ( ذكرى)... وما يشعر الخلق به لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ( حباً) ..

      وكل شئ يعتني بالروح، هو " حب".. كأصدقاء تحابا في الله.. كرجل يبر والديه ... كالمسلم أحب شئ له لقاء الله ورسوله..

      ثم جاءت محبة الفعل.. أن تفعل أمرأ محبة لله، مثل النصيحة.. مثل أي عمل صالح لوجه الله.. ولكنه عمل..

      حب الرجل للمرأة، وحب المرأة للرجل.. في المقابل جاء على وجهين.. ( يعتني بالروح، ويعتني بالجسد)، ولذلك هو أكثر مثلاً..


      يسوءني.. أن نعتقد أننا نبحث عن الحب.. فإذا وجدنا تجاهلنا علاقاتنا الحقيقية.. وهذا مرض شديد الحزن..

      أن تكون حيث أراد الله لك.. ولكنك طبقت المثال دون القاعده.. ، ألا ترى تصبح خيانه..

      .
      .

      هل يجوز أن نبحث عن الحب، بينما نعيش حياتنا في اكتفاء؟ .. هل يصلح أن نعود إلى الخلف؟....

      أسئلة خلفتها اسئلتك.. إذا بحثنا عنه.. هل يصبح حباً؟

      نصل متأخرين دائماً بعمـــر !!
    • عيون هند كتب:


      هل يجوز أن نبحث عن الحب، بينما نعيش حياتنا في اكتفاء؟ .. هل يصلح أن نعود إلى الخلف؟....

      أسئلة خلفتها اسئلتك.. إذا بحثنا عنه.. هل يصبح حباً؟




      و هل يُبحثُ عنه، أم يبحث عنا؟!

      سُئلَ صاحبي: لمَ يجبُ أن نجدَ تعريفاً للحب؟ ألا يكفي أن نشعرَ به؟

      فما رأيك أنت؟
    • محب بائن كتب:

      و هل يُبحثُ عنه، أم يبحث عنا؟!

      سُئلَ صاحبي: لمَ يجبُ أن نجدَ تعريفاً للحب؟ ألا يكفي أن نشعرَ به؟

      فما رأيك أنت؟

      أجده يكفي..

      ولكن كيف سيفهم المحبوب..!!، كيف سيعلم الناس عما نشعر به؟ .. كيف سنجد من يشعر بمثل ما نشعر به؟

      أليس لذلك يجب أن نفهمه..

      كنت أتساءل، عندما أحبني بقدر زخات المطر، بقدر أعداد البشر، بقدر اكتمالات القمر في سنين العمر..

      لماذا عجزت أن أقول.. ، لماذا لا نفهم معنى أن نحب أحداً بأي قدر.. العتب يشلني.. والحروف تخونني..

      وكل الخواطر في لقاءه والشعر.. تصبح كأن لم تكن..

      كانت هناك اختناقات في الصدر لا تفهم اسباب صمتي.. وجاوبت نفسي.. ألا يكفي ما أشعر به؟

      كلا.. لا يكفي، .. أحياناً لا يكفي أن نشعر وفقط..


      أعتذر على إدخال الأنا هنا.. ولكن.. لأكون أصدق..


      بالغ التحية

      نصل متأخرين دائماً بعمـــر !!
    • عيون هند كتب:


      أجده يكفي..

      ولكن كيف سيفهم المحبوب..!!، كيف سيعلم الناس عما نشعر به؟ .. كيف سنجد من يشعر بمثل ما نشعر به؟

      أليس لذلك يجب أن نفهمه..

      كنت أتساءل، عندما أحبني بقدر زخات المطر، بقدر أعداد البشر، بقدر اكتمالات القمر في سنين العمر..

      لماذا عجزت أن أقول.. ، لماذا لا نفهم معنى أن نحب أحداً بأي قدر.. العتب يشلني.. والحروف تخونني..

      وكل الخواطر في لقاءه والشعر.. تصبح كأن لم تكن..

      كانت هناك اختناقات في الصدر لا تفهم اسباب صمتي.. وجاوبت نفسي.. ألا يكفي ما أشعر به؟

      كلا.. لا يكفي، .. أحياناً لا يكفي أن نشعر وفقط..


      أعتذر على إدخال الأنا هنا.. ولكن.. لأكون أصدق..


      بالغ التحية





      أؤمنُ أنّ للأرواح حديثاً تفهمه، و تتخاطبُ فيما بينَها خطاباً أبلغ من لغة الألسن
      و لله درّ القائل:
      حديثُ الروح للأرواح يسري ***** و تدركُهُ القلوبُ بلا عناءِ

      أما رأيتِ المحبّين يلتقون بعد افتراق، و يجتمعون بعد اشتياق، فلا ينبسون ببنتِ شفة، و لا يهمسون بذات سمعٍ مرهفة
      و تنبئ العيون بكلّ مستترٍ مكنون؟
      تبلّغنا العيونُ بما أردنا ***** و كلٌّ عندَ صاحبِهِ مكينُ

      و ذاك حديثٌ يُضنُّ به على غير أهله، و يُبخلُ به عن بني جنسِه، فما الحاجةُ لعلمِ الناس به؟!


      عندما أحببتُها بقدرٍ يربو على زخّات المطر، و يفوقُ أعدادَ البشر، و يُزري باكتمالات القمر في سنيّ الدهر
      لم تعجز عن فهم حديث الروح، و لقطِ إشارات القلب
      و لم تملك إلا أن قالت: "أفقدتني القدرةَ على التعبير"

      و ما الحاجة لتعبير اللسان و قد نطق بالبليغ الجَنان؟!


      أدخلتُ "أنا" هنا ... لأكون أعمق
    • وستبقى متساءلاً.. ألم يخلق الإنسن جهولا!!...

      إذاً فالنساء تتشابه حقاً،،...

      فكيف له أن يحب ويميز قلبها.. ؟ أليست النساء تتشابه؟!!

      نصل متأخرين دائماً بعمـــر !!
    • عيون هند كتب:

      وستبقى متساءلاً.. ألم يخلق الإنسن جهولا!!...

      إذاً فالنساء تتشابه حقاً،،...

      فكيف له أن يحب ويميز قلبها.. ؟ أليست النساء تتشابه؟!!




      الإنسانُ ظلومٌ جهول، ما حاد عن شرعة ربه و منهاجه

      الناس يتشابهون، لكن لكلٍ ما يميزُهُ و به صارَ فلاناً من الناس، به يُعرفُ و يُميّز

      "فكيف له أن يحب ويميز قلبها.. ؟ أليست النساء تتشابه؟!!"
      ما رأيك أن أطرحَ سؤالك على صاحبي و ننظر ما يقول؟

      لكن أنبهك أنه لا يحب الحديث كثيراً عن "الأنثى" و "الحب"
    • محب بائن كتب:

      الإنسانُ ظلومٌ جهول، ما حاد عن شرعة ربه و منهاجه

      الناس يتشابهون، لكن لكلٍ ما يميزُهُ و به صارَ فلاناً من الناس، به يُعرفُ و يُميّز

      "فكيف له أن يحب ويميز قلبها.. ؟ أليست النساء تتشابه؟!!"
      ما رأيك أن أطرحَ سؤالك على صاحبي و ننظر ما يقول؟

      لكن أنبهك أنه لا يحب الحديث كثيراً عن "الأنثى" و "الحب"


      لا ضرر.. ولا تكليف.. فحديث الحب خداع وزيف.. لا تسأله إن كنت تسأل من أجلي.. فأجوبتي تسكن عقلي.. لا أبحث الإجابات حقاً..

      شاكره لك الاهتمام..

      نصل متأخرين دائماً بعمـــر !!
    • شئٌ من طفولته (1)

      وُلدَ صاحبي في غير البلدة التي عاش و نشأ فيها من بعد، حيثُ وُلد كانت موطنَ أهل والديه، و مرتبعَ طفولةِ أمّه
      أما حيث نشأ فهي بلدةٌ انتقلَ إليها والدُه رضيعاً عقب وفاة والدته (جدّة صاحبي) و هو -أي أبو صاحبي- لمّا يجاوزُ الشهرين من العمر، فكفلته عمّتُه و التي كانت متزوجة هناك، فنشأ والد صاحبي في كنف عمتِه و زوجها حتى شبّ و قرر أن يعيش في تلك البلدة و آثر البقاء فيها.

      البلدة مشهورةٌ بجنائنها الخضراء، و أفلاجها الكثيرة، و بوقوعها على حدود ما يفصلُ بين نظامي حكمٍ يتنازعان عمان حتى وقتٍ قريب!
      في سنواتٍ قليلةٍ سبقت ولادةَ صاحبي، اشتهرت تلك البلدة بكثرة علمائها، فقد كان فيها علماء فطاحل، و رجالٌ أكامل، فصارت مقصدَ كلّ طالب، و مهوى كل فاضل

      كان بيتُ أبيه في حارةٍ قديمةٍ تقع بين جبالٍ شامخةٍ و حدائق نخلٍ سامقة
      كان للحارة بابٌ عند مدخلها، يفضي إلى "صباحٍ" هو عبارة عن مصطبتين مهيئتين للقعود على جانبي الطريق، ثم إلى زقاقٍ ضيقٍ بين البيوت المبنية من الطين التي كان بعضها آخذاً برقاب بعض، ومتراصّةً متداخلةً، حتى ليعجزُ الغريب عن معرفة حدودها و فواصلها.
      و ينتهي ذلك الزقاق في أحد جوانبه بمسجد الحارة، و في جوانب أخرى بمزارع النخل أو سفح الجبال.

      لم يفهم صاحبي فائدة الباب، و رغم إجابة كبار السن بأنه كان يُغلق في الليل لحفظ الحارة من اللصوص أو الأعداء -في أوقات الحروب- فإنه لم يفهم كيف كان الباب يمنع ولوج المعتدين و للحارة مداخل أخرى مفتوحة؟!!
      و كعادتِه، فقد افترض أن الحارة حين بُنيت كانت على غير ما تبدو عليه و أنه لا بد من أن جميع مداخلها كانت محصنة محرزة. و أن ما رآه إنما هو ما بقي منها.

      كان البيت عند باب الحارة مباشرة، بل إن الجزء الأكبر منه كان يشكّل ما يُشبه جانبَ سورٍ للحارة، و يطلّ في أحد جوانبه على مزارع النخيل التي يتخلّلها فلجٌ هو أشهر فلج في تلك البلدة
      لطالما كانت أشجار النخيل تلك مصدر فرح و لعب، كما كانت مصدر فزع و رعب حين تهب عواصفٌ هوجاء، فتميل معها حتى لتكاد تسجد على الأرض

      البيت كان عبارة عن مجموعة من البيوت القديمة المتداخلة التي اشتراها والده في مسيرة كفاحه واحدا بعد الآخر، كانت أجزاء منه قد هجرت و لم تعد تستخدم، فيما بقي البعض يُستخدم لتخزين التمور.
      حوى البيت "درساً" لتربية الأبقار، و دجاجا شاركت سكانه ساحاته!
      لم يكن في البيت شئ من مظاهر المدنية الحديثة إلا النزر اليسير، أهمّه الكهرباء! فكانت تلك البلدة -بخلاف مسقط رأسه- من أوائل البلدان التي أنارتها الكهرباء
      أما الماء فكانت تحمله أمّه في إناء كبير على رأسها من الفلج القريب.

      نشأ صاحبي في ذلك البيت، و بين تلك الرياض، يحط بين أشجارها، و يشرب من غدرانها و أفلاجها
    • السلام عليكم آخي
      زآخرة بلدة صآحبك بالجمال الرباني الطبيعي
      قد تكون فقدت معالم التمدن الهندسي
      ولكن الظاهر أن العلم والفكر لديهم كنز واافر
      تذكرت وصفك يشبه وصف إحدى زميلآتي لـ
      الصبيخاء في ولآية العوآبي ,,,
      إسترسل آخي محب باائن, متابعون.

      لآ يغرق المرء لأنه سقط في النهر , بل لبقائه مغموراً تحت سطح الماء Paulo Coelho
    • m!ss flora كتب:

      السلام عليكم آخي
      زآخرة بلدة صآحبك بالجمال الرباني الطبيعي
      قد تكون فقدت معالم التمدن الهندسي
      ولكن الظاهر أن العلم والفكر لديهم كنز واافر
      تذكرت وصفك يشبه وصف إحدى زميلآتي لـ
      الصبيخاء في ولآية العوآبي ,,,
      إسترسل آخي محب باائن, متابعون.



      و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
      الجمال في كلّ شئ صنعه الله، لكن التعوّد عليه يُذهبُ جدّتَه، فلا يراه إلا كلّ ذي حسّ مرهف

      لم ار بلدة الصبيخاء لذا لن استطيع الحكم إن كانت تشبه بلدة صاحبي أم لا، لكن بما أنها تبادرت إلى ذهنك من خلال الوصف فلا بدّ انها كذلك!

      معرفةُ أنّ هناك من يتابع و يقرأ تشجّعُ الكاتب على الإسترسال
      أشكر لك متابعتك و قراءتك
    • شئٌ من طفولته (2)


      خارجَ حارة صاحبي، و قريباً منها، يوجد أطلالُ بيتٍ ما زال محتفظاً بأجزائه و تفاصيله
      لذلك البيت مكانةٌ خاصّةٌ في قلبِ صاحبي رغم أنه لم يسكن فيه قطّ، و لم يعهد ساكنيه فيه، لكن القصص التي سمعَها عمّن كان يوماً من قاطنيه، و معرفتِه برجلٍ نزلَ مدّةً فيه، جعلتْه يرى البيت منزل علمٍ و فكر، و مهبطَ حكمةٍ و طُهر.

      البيتُ بُني بحيث يتخلّلُه الفلجُ المشهور، و تحيط به حدائق النخيل إحاطةَ السوار بالمعصم، و تنتشر على جوانبه أشجار "الأمبا"، و في ناحيةٍ منه شجرةُ "بيذامَ" عظيمة، لطالما تراكض الأطفال لإلتقاط الثمر المتساقط منها.

      سكن البيتَ فترةً -لم يدركها صاحبي- امرأةٌ جليلة، هي ابنةُ إمامِ علم، و زوجةُ إمامِ حُكم، و عمّةُ إمامِ حكمٍ آخر. مضى كلٌّ من الأب و الزوج شهداء في سبيل الله.
      تقول الروايات أنها تزوجت صغيرة، و استُشهدَ زوجها و هي لمّا تجاوز الثامنةَ عشر من عمُرها، و رفضت أن تتزوج بعده حتى ماتت، و كانت تقول قولتها المشهورة: "لا زوجَ بعد ....."

      لطالما تنامى إلى صاحبي قصصُ علمِها و حكمتِها، و زهدِها و تواضعِها، و كرمِها و شيمِها، و حين بلغ مبلغاً يعي فيه و يفهم، طفق يبحث عن سيرتها و سيرة أبيها و زوجها، فتأثّر بشخصيّةِ ابيها أيّما تأثّر، و كان سبباً في بدءِ اهتمامِه بالشعر و نظمِه، و قصّةُ صاحبي مع الشعر قصّةٌ أخرى قد نُفردُ لها وقتاً آخر!!

      نزلَ بذلك البيت في فترة أخرى -أيضاً لم يدركها صاحبي- عالمٌ جليل، و جهبذٌ نحرير، هو اليوم أشهرُ من نارٍ على علَم، و إليه و عليه مدار الفتيا و الحكَم، لكنه حين نزل هناك كان ما يزال شاباً يافعا.

      لطالما وصفتْ أمّ صاحبي لصاحبي شدّة حياء ذلك العالِم، و كيفَ انّه كان يُشيح بوجهه غاضاً بصرَهُ عنهنّ إن مرّ عليهنّ يوماً في طريقِهنّ إلى الفلج.
      و كم حكى له والدُه اجتماعَه و ذاك الحبرُ العلَم لصلاة الفجر في مسجد الحارة، و استنكاره تخلّفَ الكثيرين عن شهود الجماعة!

      حين بلغَ صاحبي و التقى بذلك العالِم، و جلسَ إليه و حادثه، لم يجد إلا أنّ كلّ وصفٍ سمعّه عنه من قبل لا يوفّي حقّه، و أنه في حقيقتِه أعظم من كلّ وصف، و أجلّ عن كلّ نعت، و لم يزد له إلا حباً، و لعلمِه إلا تقديراً و إكبارا.

      كم جلس صاحبي على نافذةٍ من نوافذ البيت ممعناً النظر في ذلك المنزل الذي كان موطناً لهؤلاء العظام، متفكّراً كم تتقارب المنازل و لكن يبتعد القطّان!
    • شئٌ من طفولته (3)



      ما يزالُ صاحبي يذكرُ ألعابَ الأطفال حين كان صغيرا، يذكر أنهم كانوا يختارون أحدهم ليُغمض عينيه و يبدأ في العدّ حتى عشرة، فيما يسارع الآخرون لتسلّق أشجار النخيل القريبة، و حالما يُنهي العادّ عدّه حتى يُسرعَ محاولاً لمس أحد المتسلقين بعصاً طويلة بيده، و من ينجح في لمسه يُعتبرُ خاسراً و تستأنف اللعبة بأخذ الخاسر دور من يحاول لمس الآخرين.

      طبعاً كان يفوزُ أجرأهم و أشجعهم في تسلّق مسافات أعلى بحيث لا يطالُه عصا الباحث عنهم! أما صاحبي فكان كثيراً ما يخسر في تلك اللعبة، فهو يعاني من رُهاب الأماكن المرتفعة، و ظلّ هذا الرهاب ملازماً له حتى اليوم، و إن كان قد خفّت حدّتُه بسبب عمله الذي يستدعي منه أحياناً الصعود لأماكن مرتفعة.

      يذكر صاحبي أيضاً أنهم كانوا يعمدون إلى علب الزيوت الحديدية الفارغة فيقصّون أحد أسطحها، ثمّ يحشونها بالحصى، و يربطون حبلاً في طرفها ثم يقومون بجرّها كأنها عربة، ففي تلك الأيام لم تكن سيارات اللعب متوفرة!

      تلك كانت أوائل ما يذكره صاحبي من ألعابٍ لعبها مع أترابه و لمّا يبلغ سنّ المدرسة بعد، ثمّ توالت ألعابٌ أخر أشهرها "الصولة" و التي كانت عبارة عن قطعة صغيرة من زور النخيل يضعونها بين حجرين، ثم يقذفها أحدهم بعصا أخرى أبعد ما يستطيع و يحاول الآخرون الإمساك بها، تشبه تلك اللعبة ما نراه اليوم من لعبة "البيسبول" أو "الكريكت"!!

      يذكرُ صاحبي أنه كان يلعب "الصولة" يوماً مع إخوته في فناء البيت، و كان في وسط البيت شجرة تين كبيرة، كثيرا ما كانوا يتسلقونها، فيما كان يستخدمُها الكبار لتعليق أغراض البيت عليها
      و أثناء رميهم للخشبة وقعت على وجه عمّةٍ لهم! فجاء والدُهم مغضباً، و كان والد صاحبي مشهوراً بشدّة غضبه، فهو حين يغضب تنتفخُ أوداجُه، و يحمرّ وجهُه، و قد يقذفُ بأي شئ يقع بين يديه
      جاء الأبُ و الشرر يتطاير من عينيه، و بيده فأسٌ يهزها هزّ السيفِ في يد كميٍّ وسطَ معمعة الحرب، تطايرَ الأولاد مرفضّي الصحائف، لا يلوي أحدهم على شئ، و لسان حالهم يقول النجاء النجاء، و الفرار الفرار!!
      يذكرُ صاحبي أنه جرى بكل ما أوتي من قوة على غير هدى، و تقافز بين أسطح المنازل المتشابكة، و صعد لقممٍ لم يكن ليستطيعَ صعودها عادة!

      و حين عادوا للبيت بعد لأي، لم يجدوا شجرة التين مكانَها! فقد أتى عليها فأس أبيهم، و يبدو أن شجرة التين كانت ضحيةًً و فداء لهم!!

      لم تكن تلك المرة الأخيرة التي أدى فيها لعبهم البرئ إلى وقوعهم في مشاكلَ لم يحسبوا لها حسابا!
      كانوا مرةً في وقت بدء ثمار الحمضيات من ليمون و سفرجل و نارنج يتجولون بين الحدائق الغنّاء، و الرياض الفيحاء، يجمعون ما تساقط من ثمار خضراء غضّة ليستخدموها كقذائف يقذفون بعضهم بعضاً بها
      و قادَهم حظهم العاثر لدخول إحدى الحدائق المملوكة لشيخٍ كبير من مشائخ البلد، و فيه حارسٌ شابٌ مفتول العضلات، حادّ القسمات، حين يتذكرُ صاحبي شكلَه يتبادر إلى ذهنه صورة "البودي جارد" في أفلام السينما!
      حين لمحهم ذلك الحارس ظنّهم جاؤا لإفساد الثمار و قطفها من الأشجار، فانطلق نحوهم من بعيد، راكضاً كسهمٍ مسدّد أو بارقٍ يخطف، فما كان من كبيرهم -و هو أخو صاحبي و يكبره بست سنوات- إلا أن صرخ فيهم أن افترقوا و ليهرب كلّ واحدٍ في اتجاه
      جرى صاحبي بكل ما أوتي من قوة، و لم ينظر وراءه إلا مرتين، الأولى رأى فيها ذلك الحارس يجري و خيّلَ إليه من سرعته أنه كان يطوي الأرض طيا، والثانية رأى فيها أخاه أسيراً بين يدي ذلك الحارس!
      استمرّ صاحبي في جريه حتى وصلَ عند أبيه، و بصوتٍ متقطّعٍ و نفَسٍ لاهث استطاع بصعوبة إفهام أبيه ما جرى، فانطلق هو و أبوه لإنقاذ أخيه من براثن ذلك الأسد الهائج!
      يذكر صاحبي أنه يومها عجبَ من ردّة فعل أبيه، فقد كان يعلم أنهم إن نجوا من ذلك الحارس الشاب، فلن ينجوا من عقاب أبيهم و بطشه
      لكن يبدو أن عاطفةَ الأبوّة، و علم أبيه اليقين أنهم ما كانوا ليتجرأوا على إفساد المزروعات جعلته يتفهّم موقفهم و ينقذهم من ورطتهم، ثم ينصحُهم بألا يلقطوا الثمار من تلك الحديقة ثانية.

      يذكرُ صاحبي تلك الألعاب، بشئ من الأسى على حال أطفال اليوم
      فهو يرى أنه رغم توفّر العديد من وسائل الترفيه و اللعب للصغار اليوم، إلا أنها تفتقر إلى الروح التي توجد في ألعابٍ مرتبطة بالأرض، مستمدة منها، فهل ألعاب اليوم ستجعل الطفل متعلقا بأشجار النخيل و ثمار النارنج؟ و متيماً في خرير ماء الفلج و صوت هديل الحمام على نخلٍ ذات أكمام؟!
    • شئٌ من طفولته (4)


      تعوّد الناس في زمان طفولةِ صاحبي إلباس أطفالهم الذكور أقراطاً في آذانهم، و لم يكن صاحبي بدعاً من أقرانه فلذا فقد حملت أذنه الشمال قرطاً ظلّ ملازماً له حتى يوم دخوله المدرسة حيث نزعَ و للأبد!
      ما زالَ صاحبي يحتفظُ بصورتِه التي التقطت له لتكون من ضمن أوراق تسجيله بالمدرسة، و يبدو القرط ظاهراً فيها

      حسناً، لا يذكر صاحبي تفاصيل ذلك اليوم الذي التقطت فيه الصورة، لكنّه يذكرُ أن أباه أخذه لمكانٍ ما عرف فيما بعد أنه المدرسة، ثم ذهب به إلى محلّ تصوير حيث أُجلسَ صاحبي على منضدة أمامها آلةٌ لها ثلاثة أرجل و بها ما يشبه الثوب يتدلى من فوقها، عرف صاحبي فيما بعد أنها آلةُ تصوير.
      جاء العامل الهندي و أدخل رأسه في ذلك الثوب، ثم فجأةً لمع ضوءٌ خاطف يشبه البرق مصحوباً بصوتِ فرقعة. تلك كانت أول صورةٍ رسمية تُلتقطُ لصاحبي!

      أولُ يومٍ دراسيٍّ لا يبدو أنّه كان يوماً مميزاً إذ لم يبق منه في ذاكرةِ صاحبي سوى بقايا خيالاتٍ أشبه بالحلم.
      يذكرُ أنّه أوقظَ باكراً يومها، و أمّه تهندمُه و تُلبسه بكلّ حنانٍ و فخر، و في لحظةٍ ما أمسكته و تمتمت بكلامٍ فهمَ منه أنه بلغ مبلغاً أصبح لازماً فيه نزعُ القرطِ من أذنه!! و حينها نزعت أمّه القرط الذي لم يرهُ بعدها سوى في صورته الملتقطة له به.

      ذهب في رفقةِ أخٍ له يكبرُه بتسع سنوات، و يبدو أن صاحبي كان نائما حينها إذ ليس في ذاكرتِه أي شئ يتعلّق بكيفية وصوله إلى المدرسة أو ما حدث هناك قبل دخوله الفصل الدراسي!!
      دخل صاحبي غرفة كبيرة بها طاولات بكراسيَّ لم يرَ مثلها من قبل، كان الكرسي و الطاولة قطعة واحدة، و كانت القطعة الواحدة يجلس عليها اثنان.
      جلس صاحبي مع ابن عمه الأبكم الأصمّ الذي اُدخلَ معه المدرسة في نفس اليوم إذ كانا متقاربين في العمر، على طاولةٍ واحدة.

      دخل عليهم رجلٌ ذا لحيةٍ سوداء طويلة، و يلبس دشداشةً بيضاء نظيفة و عمامةً بيضاء أنيقة، أمعنَ صاحبي النظر فيه و أحسّ بشئٍ من السكينة و الوقار و قليلاً من الفضول!
      مرّ ذلك الرجل عليهم واحداً واحداً و أخذ يناولُ كلّ واحدٍ منهم مائة بيسة و هو يبتسمُ لهم و يداعبهم
      أحبّ صاحبي ذلك الرجل، و أخذ يحدّثُ نفسه إن كانت هذه هي المدرسة فما أجملّها و ما أحسنها، فلم يكن من السهل عليّ من قبل أن أحصلَ على مائة بيسة هكذا!!

      كان ذلك الرجل هو معلّم صاحبي الأول، و أوّلُ من أحاطه بعنايةٍ خاصةٍ في المدرسة، و حمّله نصائح مفيدةً لا زال صداها يتردّد في أذنه للآن، و ما زال صاحبي حين يلتقي بمعلّمه الذي ترك التدريس منذ زمنٍ بعيد، يبادر إليه مسلّماً و محييا.

      لا يذكرُ صاحبي بعدها سوى أن اليوم الدراسي قد انتهى و انطلق التلاميذ نحو السيارات المتوقفة التي علم أنها هناك لإرجاعهم لبيوتهم، كانت سيارات "بيك أب" إذ لم تكن ثمّ حافلات مدرسيةٌ في ذلك الزمان.
      بقي صاحبي حائراً لا يدري أيها يستقلّ، و ابن عمّه ممسكٌ به ينتظر منه أن يخبره ماذا يفعلان؟
      أخيراً قرر صاحبي ركوب إحدى السيارات، و انطلقت السيارة، و شُغلَ صاحبي في مشاهدة الأماكن التي لم يرها من قبل، فقد كانت كل حياته من قبل محصورة في دائرةٍ لا يتعدى قطرها عشرات الأمتار أو مئاتها على أقصى تقدير
      كانت السيارة تتوقف في أماكن متعددة، و كلما توقفت نزل عنها بعض التلاميذ حتى لم يبق إلا صاحبي و ابن عمه!
      و يبدو أن السائق قد مرّ بجميع الأماكن المخصصة له، لذا عجب من بقاء هذين الطفلين في السيارة، فبادر إلى سؤالهما ما محلكما؟ أجاب صاحبي "........"، ضحك السائق و قال كل هذه البلاد "........." و هي كبيرة لكن في أي جزءٍ أنتما منها؟ ما اسم محلّتكم؟
      كرّر صاحبي إجابته نحن من "........."، و هنا بدأ السائق يفقد هدوءه، فقال بشئ من الضيق "........" هي الولاية و هي كبيرةٌ جداً، ألا تعرف اسم المكان الذي فيه منزلك؟!
      كان صاحبي يعرف أن اسم مدينته ذلك، و لم يعرف غيرها!!
      يبدو أن السائق قرر أخيراً أن يمرّ على جميع المناطق التي يأتي منها الطلاب حتى تلك المناطق التي تغطيها سياراتٌ أخرى غيرُ سيارته، و طلب من صاحبي أن ينبّهه إن رأى مكاناً يعرفه، انطلقت السيارة في شوراع ترابية تخلف وراءها سحبا من الغبار، و تمرّ يجنائن النخيل الوارفة، و وادٍ ذي غدران، و قد بدأ صاحبي يُشغلُ عن كلّ ذلك بالقلق و الخوف!

      فجأة و بعد أن كاد اليأس يستبدّ بالسائق و بصاحبي كليهما، لمح صاحبي أخاه الذي ذهب به للمدرسة صباحا واقفا على جانب الطريق، فصرخ طالباً من السائق أن يتوقف، يبدو أن أمّ صاحبي قد طلبت من أخيه أن يقف انتظاراً له ليصحبه إلى المنزل
      ترجّل الجميع من السيارة و قال السائق مخاطباً صاحبي: "هذا المكان اسمه ...... و السيارة التي تأتي هنا هي سيارة فلان الفلاني، تذكّر ذلك يا صغيري!"

      حسناً، تعلّم صاحبي الدرس! لذا حين أصبح له أولاد، تأكّد من تعليمهم أسماء أماكن سكناهم و أسماء المعالم و المناطق حولها.