ترجمان القران ابن عباس ونص مناظرته للخوارج

  • ترجمان القران ابن عباس ونص مناظرته للخوارج

    مناظرة عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ الحرورية ، واحتجاجه فيما أنكروه على أمير المؤمنين عَلَى بْنِ أَبِى طَالِبٍ

    أخرج النسائى (( الكبرى ))(5/165/8575) و (( خصائص على بن أبى طالب ))(190) قال : أخبرنا عمرو بن علي ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ الْحَنَفِى حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ :

    لَمَّا خَرَجَتِ الْحَرُورِيَّةُ اعْتَزَلُوا فِى دَارٍ ، وَكَانُوا سَتَةَ آلافٍ فَقُلْتُ لِعَلىٍّ : يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة لعلِّي أكلِّمُ هؤلاء القوم ، قال : إني أخافهم عليك ، قلت : كلا ، فلبست وترجلت ، ودخلت عليهم في دارٍ نصفَ النَّهار ، وهم يأكلون ، فقالوا : مرحباً بك يا بْنَ عَبَّاسٍ ؛ فما جاءَ بكَ ؟ ، قلت لهم : أتيتكم من عند أصحاب النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : المهاجرين والأنصار ، ومن عند ابن عَمِّ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصهره ، وعليهم نزل القرآن ، فهم أعلم بتأويله منكم ، وليس فيكم منهم أحد ، لأبلغكم ما يقولون ، وأبلغهم ما تقولون . فانتحى لي نفر منهم ، قلت : هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابن عمه ، قالوا : ثلاث ، قلت : ما هن ؟ .

    قالوا :

    أما إحداهن ؛ فإنَّه حكَّمَ الرجالَ في أمر الله ، وقال الله (( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ )) ، ما شأن الرجال والحكم ؟ ، قلت : هذه واحدة .

    قالوا :

    وأما الثانية ؛ فإنه قاتل ، ولم يسب سباهم ، ولم يغنم ، إن كانوا كفارا لقد حل سبيهم ، ولئن كانوا مؤمنين ما حل سبيهم ، ولا قتالهم ؟ ، قلت : هذه ثنتان ، فما الثالثة ؟ ، وذكر كلمة معناها ؛ قالوا : محى نفسه من أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين ، فهو أمير الكافرين .

    قلت : هل عندكم غير هذا ؟ ، قالوا : حسبنا هذا ،
    قلت لهم : أرأيتكم إن قرأت عليكم من كتاب الله جل ثناؤه وسنة نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يرد قولكم ، أترجعون ؟ ، قالوا : نعم .

    قلت : أما قولكم حكَّمَ الرِّجَالَ في أمر الله ، فإني أقرأ عليكم في كتاب الله : أن قد صَيَّرَ حُكْمَهُ إلى الرِّجَالِ في ثمن ربع درهم ، فأمر الله تبارك وتعالى أن يحكموا فيه ، أرأيت قول الله تبارك وتعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ )) ، وكان من حكم الله أنه صَيَّرَه إلى الرجال يحكمون فيه ، ولو شاء يحكم فيه ، فجاز من حكم الرجال .
    أنشدكم بالله ؛ أحكم الرجال في صلاح ذات البين ، وحقن دمائهم أفضل أو في أرنب ؟ ، قالوا : بلى ، بل هذا أفضل . وفي المرأة وزوجها (( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا )) ، فنشدتكم بالله ؛ حكم الرجال في صلاح ذات بينهم ، وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة ؟ أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ ؟ ، قَالُوا : نَعَمْ .


    قلت : وأما قولكم قاتل ، ولم يسب ، ولم يغنم ، أفتسبون أمَّكُمْ عائشة ، تستحلون منها ما تستحلون من غيرها ، وهي أمُّكُمْ ؟ ، فإن قلتم : إنا نستحلّ منها ما نستحلّ من غيرها ، فقد كفرتم ، وإن قلتم : ليست بأمِّنا فقد كفرتم ؛ (( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ )) ، فأنتم بين ضلالتين ، فأتوا منها بمخرج ! ، أَفَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ ؟ ، قَالُوا : نَعَمْ .
    وأما محي نفسه من أمير المؤمنين ، فأنا آتيكم بما ترضون : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ صَالَحَ الْمُشْرِكِينَ ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ : اكْتُبْ يَا عَلِيُّ ؛ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالُوا : لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا قَاتَلْنَاكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : امْحُ يَا عَلِيُّ ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُكَ امْحُ يَا عَلِيُّ ، وَاكْتُبْ : هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ، وَاللهِ لَرَسُولُ اللهِ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ ، وَقَدْ مَحَا نَفْسَهُ ، وَلَمْ يَكُنْ مَحْوُهُ ذَلِكَ يُمْحَاهُ مِنَ النُّبُوَّةِ ، أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ ؟ ، قَالُوا : نَعَمْ .


    فرجع منهم ألفان ، وخرج سائرهم ، فقتلوا على ضلالتهم ، قتلهم المهاجرون والأنصار .


    وأخرجه كذلك عبد الرزاق (10/160:157) ، وأحمد (1/342) ، والطبرانى (( الكبير ))(10/257/10598) ، والحاكم (2/164) ، والبيهقى (( الكبرى ))(8/179) ، والضياء (( الأحاديث المختارة ))(438:432) من طرقٍ عن عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ الْحَنَفِى سِمَاكِ بْنِ الْوَلِيدِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ به .
    قلت : هذا حديث صحيح ، وإسناده على رسم مسلم فى (( صحيحه )) .
    وكتبه أبو محمد الألفى السكندرى


  • تعبر مواقف المعارضين للتحكيم بدءاً من رفع المصاحف إلى الاعتزال إلى حروراء ثم إلى النهروان عن صلابة في التمسك بهذا المبدأ.

    ولعل الثبات عليه إلى درجة الموت من أجله يدفعنا إلى إعادة تقويم لمسألة التحكيم لاكتناه الحقيقة فيه وفي مواقف معارضيه. وتمثل تلك المواقف عرضاً لحجج أصحابها. وتعطي المناظرة التي جرت في حروراء( 1) بينهم وبين عبدالله بن عباس ملخصاً لتلك الحجج. لكننا نجد أن الحوار في قضية التحكيم وأسبابه ونتائجه لا يتوقف بنهاية معركة النهروان بل نجد لكلا الفريقين - المعارض والمؤيد - أنصاراً يناظرون مخالفيهم معلنة النتائج عند كل فريق عن انتصاره على الفريق الآخر. ولا مناص من التعريج على حروراء لاستجلاء حقيقة ما دار هنالك.

    مناظرة عبدالله بن عباس لأهل حروراء:

    سبق ذكر اختلاف الروايات في نتيجة المناظرة بين أهل حروراء وابن عباس، حيث يفهم من بعضها إلزام ابن عباس إياهم الحجة، في حين يذكر فيه بعضها الآخر عكس ذلك. غير أن هنالك قاسماً مشتركاً بين هذه الروايات جميعاً يتلخص في النقاط التي استند إليها أهل حروراء وأجاب عنها ابن عباس. على أننا لا نغفل عن أن من الروايات ما ينسب الردود إلى الإمام علي نفسه( 2). والثابت أن له - كرم الله وجهه - حجة أخرى عليهم يأتي ذكرها، كما أن لأهل حروراء ومعارضي التحكيم عامة دفاعاً عن موقفهم.

    وتتفق الروايات(3 ) على ذكر أمرين احتج بهما أهل حروراء:

    1- أن علياً حكّم الرجال في أمر الله، وهو الأمر بقتال الفئة الباغية، أي معاوية وأصحابه.

    2- أنه محا اسم الإمارة عن نفسه عند كتابة وثيقة التحكيم.

    3- وتضيف بعض هذه الروايات إليهما أمراً ثالثاً، وهو أن الإمام علياً لم يغنم ولم يسبِ.

    4- وتنفرد رواية بالقول إن من جملة مآخذ معارضي التحكيم على الإمام علي تخليه عن المطالبة بحقه الذي أوصاه به الرسول صلى الله عليه وسلم - حسب زعم الرواية - وهو تسلم الخلافة من بعده(4 ).

    ولا يخفى أن الصبغة الشيعية بادية على الأمر الرابع؛ إذ لا يفيد أي مصدر البتة تبنّي أهل حروراء فكرة وصاية الرسول صلى الله عليه وسلم للإمام علي بالخلافة بعده، فكيف تكون مبدءاً من مبادئهم، بل كان من أول ما أعلنوه أن "الأمر شورى" وهي فكرة لا تتفق مع فكرة الوصاية.

    كما أن الخلاف بين الإمام علي وأهل حروراء نبع من قبوله التحكيم. بالإضافة إلى أنه كان على سدة الخلافة يومئذ، فلا أساس - إذن - لنسبة هذا الاحتجاج إلى أهل حروراء، مما يغني عن ذكر نقضه من قبل ابن عباس.

    أما الأمر الثالث فيبدو أنه لا علاقة له بمنكري التحكيم أيضاً، فإن هذا الاحتجاج إنما طرحه أصحاب علي بعد معركة الجمل، حين توقعوا أن يكون السبي والغنيمة نتيجة للنصر(5 )، وجواب ابن عباس في هذه الروايات بقوله: "أتسْبُون أمكم عائشة أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها" يؤكد ذلك، إذ لا يد للسيدة عائشة في معركة صفين. يضاف إلى ذلك أن أهل حروراء اتخذوا موقفهم بناءً على عدم مواصلة القتال، ولم تنته معركة صفين بتغلب الإمام علي وأصحابه حتى يتسنى توقع الغنيمة والسبي، على أن سؤال أصحاب علي عن الغنيمة والسبي إثر معركة الجمل يمنع من تكرره فيما بعد لا سيما أن الذين قاتلوا مع علي في الجمل هم الذين قاتلوا معه في صفين، والذين اعتزلوا إلى حـروراء كانوا من ذلك الجيش. فضلاً عن خلو الروايات الأخرى من ذكر هذا الاحتجاج.

    أما الأمران الأولان فقد أجاب عنهما ابن عباس بما يلي:

    - أن الله تعالى أجاز تحكيم رجلين في الشقاق بين الزوجين في قوله سبحانه: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ) ( 6 )، وفي صيد الحرم: (يحكم به ذوا عدل منكم )( 7).
    - أن محو اسم الإمارة عن الإمام علي لا يخلعه منها اقتداء بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية حين رفض المشركون كتابة اسم الرسالة للنبي صلى الله عليه وسلم في وثيقة الصلح، فمحاه (8).

    وإلى هنا تتوقف بعض الروايات لتخلص من ذلك إلى أن قسماً من أهل حروراء رجعوا إلى الكوفة تائبين.

    بيد أن القسم الآخر من الروايات يبين أن أهل حروراء نقضوا على ابن عباس ردوده تلك بما يلي:

    - أن ما جعل الله حكمه إلى العباد فلهم ذلك، وأما ما حكم الله فيه فليس لهم أن ينظروا فيه، فقد حكم في الزاني مائة جلدة وفي السارق بقطع يده فليس للعباد أن ينظروا في ذلك، وقد أمضى الله حكمه في معاوية وأصحابه أن يقاتلوا حتى يرجعوا وقد دُعوا إلى حكم الكتاب قبل الحرب فأبوه. كما أن الحَكَمَ من شرطه أن يكون عدلاً، وليس عمرو ابن العاص - بناء على سفكه دماء أصحاب علي - عدلاً، كما أن أبا موسى كان يثبط

    الناس عن علي ( 9).

    - أما ما يتعلق بمحو اسم الإمارة فقد أكد أهل حروراء كلام الأحنف بن قيس لعلي في صفين: "خشيت ألا يرجع إليك أبداً إنه ليس لكم ما لرسوله صلى الله عليه وسلم"( 10) بأن أمر الموادعة في الحديبية كان فترة مرحليـة نقـل عنهــا النبـي صلى الله عليه وسلم فيما بعد، فما جرى في الصلح كان لهذا السبب "وقد قطع الله عز وجل الاستفاضة والموادعة بين المسلمين وأهل الحرب منذ نـزلت براءة"( 11).

    ومن اللافت للنظر أن الروايات كلها لا تضيف ردوداً من جانب ابن عباس على هذه الاحتجاجات، بل إنه "لم يقدر أن يرد عليهم"(12 ). وإذن فلا ضير في أن تقول الروايات بأن ابن عباس كلمهم "فلم يقع منهم موقعاً"( 13)، وأنه رجع إلى علي "ولم يصنع شيئاً"(14 )، وأنه "لم يجبه منهم أحد"(15 )، وأنهم "احتجوا عليه"( 16)، وأنه لما رجع إلى علي قال له: "خصمك القوم"( 17).

    وسير الأحداث بعد المناظرة يؤكد أن حِجاج ابن عباس أهل حروراء لم يؤثر في موقفهم شيئاً إن لم يكن موقفهم هو المؤثر فيه، وذلك بناء على ما يلي:
    أ- مجيء علي بن أبي طالب إليهم بعد ابن عباس لمناظرتهم، فلو كان ابن عباس قد استطاع أن يقنعهم ويردهم إلى الكوفة لما كان ثمة مسوغ لمجيء علي إليهم. يقول د. محمود إسماعيل: "ولم يخامر الشك عليا في عدالة موقف (الخوارج) بل كان حريصاً على استمالتهم فبعث إليهم ابن عمه عبدالله بن عباس فناظروه - على علمه وفقهه - وقارعوه الحجة بالحجة وكان رد الخوارج عليه مقنعاً حاسماً ولم يجد علي مناصاً من الخروج إليهم بنفسه"(18 ). ويروي الطبري أن عليا خرج إلى أهل حروراء فانتهى إليهم وهم يخاصمون ابن عباس فقال: "انته عن كلامهم، ألم أنهك رحمك الله"( 19).

    ب- الخلاف الحاصل بين علي وابن عباس فيما بعد في قضية بيت مال البصرة، حيث يروى أن ابن عباس تأول أن له نصيباً في بيت المال فأخذ منه، وقد كان بينهما مراسلات لا تخلو من حدة في القول وإغلاظ في العبارة مما أدى بابن عباس إلى أن يكتب إلى علي بقوله: "ابعث إلى عملك من أحببت فإني ظاعن عنه"، ثم رحل إلى مكة(20 ).

    والذي يثير التساؤل في هذه القضية كلام ابن عباس لعلي في إحدى رسائله: "ووالله لأن ألقى الله بما في بطن هذه الأرض من عقيانها ولجينها وبطلاع ما على ظهرها أحب إلي من أن ألقاه وقد سفكت دماء هذه الأمة لأنال بذلك الملك والإمارة"( 21)، وفي أخرى: "ولو كان أخذي المال باطلاً كان أهون من أن أشرك في دم مؤمن"( 22).

    ومن الثابت أن ابن عباس كان مع علي في حروبه قبل النهروان، فقد كان علىالميمنة في
    جيش علي في مسيره إلى البصرة( 23)، وكان على الميسرة في صفين( 24)، ولهذا عقّب الإمام علي على ابن عباس بقوله: "أو ابن عباس لم يشركنا في هذه الدماء"( 25). وعليه فمن المستبعد أن يحمل ابن عباس عليّاً مسؤولية دم أحد من المسلمين في الجمل وصفين، اللهم إلا أن يحمل ذلك على قتاله أهل النهروان.

    ويؤيده عدم اشتراك ابن عباس مع علي في قتاله إياهم(26 )، وهذا ما يؤكده قول ابن عباس لعلي: "إن لم أكن معهم لم أكن عليهم"(27).

    هذا وواضح من خلال هذه النصوص أن الخلاف بين علي وابن عباس ليس فقط في مسألة بيت مال البصرة، بل هو خلاف على قتاله أهل النهروان، فإنه نصحه بالكف عنهم(28). ونجد الشماخي ينقل عن ابن عباس قوله "أصاب أهل النهروان السبيل"(29).

    وبناء على كل ما تقدم يتضح أن ما ينسب إلى ابن عباس من تغلبه على أهل حروراء أمر بعيد. وهذا الذي ذهب إليه ابن أبي الحديد، لكنه زعم أن السبب في ذلك مخالفة عبدالله بن عباس وصية علي له بألا يخاصمهم بالقرآن وأن يخاصمهم بالسنة، يقول ابن أبي الحديد: "فإن قلت: فهل حاجهم بوصيته؟ قلت: لا، بل حاجهم بالقرآن، مثل قوله: ( فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها )، وقوله في صيد المحرم(يحكم به ذوا عدل منكم )، ولذلك لم يرجعوا والتحمت الحرب، وإنما رجع باحتجاجه نفر منهم"( 30).

    وهذا كلام غريب، لا سيما صدوره من معتزلي يشيد بالعقل، لأن الطريقة التي أريد أن يجري بها التحكيم وشرعية التحكيم نفسها مأخوذتان من هاتين الآيتين وأمثالهما. قد مضى كلام معاوية إثر رفع المصاحف: "لنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر الله به في كتابه، تبعثون منكم رجلاً ترضون به ونبعث منا رجلاً...".

    والمهم أن ابن عباس لم يصنع شيئاً، خاصة أننا لا نجد في أي مصدر -كما تقدم- أن ابن عباس رد على احتجاجات أهل حروراء بعدما أجابوه على ردوده، ولا سيما إذا تطرقنا إلى المطارحات في مسألة التحكيم بين مؤيديه ومعارضيه.

    [COLOR=#b000]المطارحات حول مسألة التحكيم:
    أولاً: آية قتال البغاة:
    [/COLOR]يدور أكثر الحديث في قضية التحكيم حول الآية الكريمة: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين)( 31). ولعل الخلاف نابع من إعمالها في قضية القتال في صفين، فإن معارضي التحكيم يرونها أساساً انطلق منه الإمام علي في قتاله معاوية، ولا يختلف الجانب الثاني في أنها الأساس أيضاً، لكن الخلاف في موضع الشاهد منها.

    [COLOR=#0ed0]ولشرح وجهة النظر الأولى نجد الآتي:[/COLOR]

    1-أن هنالك فارقاً بين الاستدلال بالآية السابقة وبين الاستدلال بالآية التي تشرع التحكيم بين الزوجين وأخذ منها جواز التحكيم مطلقاً، ويتضح ذلك من تتبع النص القرآني:

    ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها )(32 )
    (فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) .

    وواضح أن الحكم في الآية الأولى - التي في سورة النساء - منوط بالحكمين، إذ أُوكل إليهما النظر فيما يصلح بين الزوجين وإصدار الحكم المناسب. أما الآية الثانية - التي في سورة الحجرات - فإن الحكم فيها جلي وهو الأمر بالقتال حتى تفيء الطائفة الباغية إلى أمر الله، أي تعلن الاستسلام. وبهذا يتضح أن الاجتهاد هاهنا اجتهاد مع ورود النص(33).

    2- أن تحكيم العدلين إنما هو في أمر لم ينص على حكمه، أما ما وضع له الشارع حدّاً فلا يجوز تعديه ولا الوقوف دونه. ويشرح ذلك أبو المؤثر قائلاً: "... وقلنا لهم: أرأيتم لو أن إماماً رفع إليه عشرون رجلاً قد وجب عليهم الرجم بما صحت به عليهم البينة من الزنى والإحصان أليس قد أمر الله برجمهم ؟ فإن قالوا نعم قلنا لهم: أرأيتم إن قال لهم الزناة إنا ندعوكم إلى أن نحكّم منا حكماً زانياً وتحكم من أصحابك حكماً، فما حكما به علينا وعليك سلمنا نحن وأنت له، أكان يحل للإمام انتظارهم وتحريم رجمهم حتى يحكم هذان الحكمان حتى يعرف أمرهما ؟ فإن قالوا: لا، لأن الله أمر برجمهم فلا يحل له ترك ذلك منهم، قلنا لهم: وكذلك علي أمره الله بقتالهم فلا يحل له ترك ذلك ولا تحريمه منهم حتى يفيئوا إلى أمر الله ولا يحكّم أحداً منهم ولا فيهم بعد أن فرق الله بينه وبينهم"(34).

    3- الحكم الذي نصت عليه الآية الكريمة هو قتال الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله، ويؤكد أهل حروراء أن قتال علي لأهل الشام كان امتثالاً لكتاب الله وأنهم قاتلوا معه بما يوجبه عليهم حق الطاعة كقولهم: "وقد قتلت في طاعتك قتلانا يوم الجمل وصفين"( 35)، وقد انتهت حرب الجمل بعد تطبيق النص كاملاً فيهم، وإذن فإنه لا يجوز توقف القتال دون بلوغ الغاية في إعمال النص القرآني، إذ إن ذلك يحتاج إلى نص آخر( 36).

    ويؤكد هذا المعنى القرطبي حيث يقول: "في هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية المعلوم بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين"(37) والجصاص في قوله: "قد اقتضى ظاهر الآية الأمر بقتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى أمر الله وهو عموم في سائر ضروب القتال"( 38).

    [COLOR=#b000]أما وجهة نظر المؤيدين للتحكيم فتتمثل لدى بعضهم في فهمهم للآية الكريمة فيما يلي:[/COLOR]

    1- أن موضع الشاهد من الآية ليس هو قوله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي )، وإنما هو قوله سبحانه: (فأصلحوا بينهما )، إذ "إن الاشتغال ينبغي أن يكون أولاً بالدعاء إلى الصلح ثم بعد وقوع اليأس عن الصلاح يُرجع إلى القتال ليحصل المقصود بذلك وهو تآلف القلوب واجتماع الكلمة"(39).
    ولكن لا يمكن التسليم بهذا الأمر، وذلك:

    أولاً: أنه لو كان الإمام علي قاتل قبل الدعاء إلى الصلح للزم منه أن يكون قتاله بغير بينة، ولاستوى هو ومعاوية في احتمالية البغي على الآخر(40 ). على أن عليّاً قد أرسل الرسل إلى معاوية يدعونه إلى الطاعة(41)، وهذا هو ما احتج به أهل حروراء إذ قالوا: "وقبل ذلك (أي القتال) ما دعوناهم إلى كتاب الله عز وجل فأبوه"( 42). ولعل محاولة توجيه القتال بين علي ومعاوية ليتفق مع قوله تعالى: } وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا{ وليتسق التحكيم بعد ذلك مع قوله سبحانه: }فأصلحوا بينهما{ في أول الآية هو الذي جعل صاحب كتاب "تحذير العبقري" ينكر كل المراسلات بين علي ومعاوية"(43).

    ثانياً: كل الدلائل والقرائن تؤكد أن عليّاً قاتل معاوية وأهل الشام تنفيذاً لأمر الله سبحانه بقتال الفئة الباغية:

    أ- لم يرد أن ابن عباس أو عليّاً اعترض على احتجاج أهل حروراء بهذه الآية، بل ورد ما يؤكد ذلك، فقد روى البلاذري أن أهل حروراء سألوا عليّاً: "علام كنا نقاتل يوم الجمل ؟ قال: "على الحق"، قالوا: فأهل البصرة ؟ قال: على النكث والبغي، قالوا: فأهل الشام؟ قال: هم وأهل البصرة سواء"( 44).

    ب- قال الجصاص: "وقوله تعالى: }فإن بغت إحداهما على الأخرى { يعني –والله أعلم- إن رجعت إحداهما على الحق وأرادت الصلاح وأدامت الأخرى على بغيها وامتنعت من الرجوع }فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله{ فأمر تعالى بالدعاء إلى الحق قبل القتال ثم إن أبت الرجوع قوتلت، وكذا فعل علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه - بدأ بدعاء الفئة الباغية إلى الحق واحتج عليهم، فلما أبوا القبول قاتلهم"(45).

    2- أن كون معاوية ومن معه بغاة، شيء يحتاج إلى نظر( ). ونحوه القول بأن التحكيم كان يفترض أن يبحث في أسباب القتال( 46).

    وهذا كله مصادم للنصوص الشرعية والحقائق التاريخية وأقوال علماء الإسلام، يقول الجصاص: "وأيضاً قاتل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الفئة الباغية بالسيف ومعه من كبراء الصحابة وأهل بدر ومن قد علم مكانهم، وكان محقّاً في قتاله لهم لم يخالف فيه إلا الفئة الباغية التي قابلته وأتباعها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمار: (تقتلك الفئة الباغية) (47) ، وهذا خبر مقبول من طريق التواتر، حتى أن معاوية لم يقدر على جحده لما قال له عبدالله بن عمرو، فقال: "إنما قتله من جاء به فطرحه بين أسنتنا"(48).

    وقال ابن العربي: "والذي قاتل علي طائفة أبوا الدخول في بيعته وهم أهل الشام، وطائفة خلعته وهم أهل النهروان، وأما أصحاب الجمل فإنما خرجوا يطلبون الإصلاح بين الفرقتين، وكان من حق الجميع أن يصلوا إليه ويجلسوا بين يديه ويطالبوه بما رأوا أنه عليه، فلما تركوا ذلك بأجمعهم صاروا بغاة بجملتهم فتناولت هذه الآية جميعهم"(49).

    وقال الشيخ التباني: "والقول بأن الصحابة الذين حاربوا أمير المؤمنين عليّاً ومن معه بغاة هو قول أهل الحق"(50).

    وأما البحث في أسباب القتال فمحله قبل القتال، وهو الذي يتمشى مع الأمر بالإصلاح، أما وقد ثبت عند الإمام علي بغي أهل الشام وامتنع معاوية من التفاوض فالبحث في أسبابه حينئذٍ يصير عبثاً.

    3- يرى محب الدين الخطيب أن الفئة الباغية هم الذين قتل بسببهم كل مقتول في وقعتي الجمل وصفين وما تفرع عنهما( 51).

    وقد رده الشيخ التباني لمصادمته صريح الآية، وبقوله: "ولو كان هذا الفهم صحيحاً للزم منه أن يكون هناك أربع طوائف: اثنتان متقاتلتان وأخرى متسببة في القتال بينهما وهي الباغية، وأخرى مأمورة بالإصلاح بينهما وقتال الثالثة الباغية بالتسبب، وللزم على هذا الفهم أن يقول الله: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت ثالثة بالتسبب في القتال بينهما فقاتلوها، ولا يقول: }فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله{ ولا يخفى فساد هذا الفهم"(52 ).

    4- يوجه الدكتور محمد عليان الآية التوجيه الآتي:

    [COLOR=#b000]يفهم من آية قتال البغاة الأمور التالية:[/COLOR]

    - أن الأمر الإلهي بالإصلاح بين الطرفين المتقاتلين موجه إلى طرف ثالث غيرهما، وأن إثبات وقوع البغي عن طرف ثالث محايد، وأن يكون هذا الطرف الثالث قوياً قادراً على ردع الطائفة الباغية إلى الحد الذي يرجعها إلى أمر الله ورسوله.

    - لا يتصور أن تتقاتل طائفتان مؤمنتان إلا إذا كانت كل منهما تعتقد أنها على الحق، أو يغلب على ظنها أنها كذلك.

    - أن قوله تعالى: }فإن بغت إحداهما على الأخرى { معناه على وجهين، أحدهما: بغت بالتعدي بالقتال، والثاني: بغت بالعدول عن الصلح، ومعنى قوله تعالى: }حتى تفيء إلى أمر الله{ فسره سعيد بن جبير بأن ترجع إلى الصلح الذي أمر الله به، وقال قتادة بن دعامة السدوسي بأنه الرجوع إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله فيما لهم وعليهم.

    - لا يعقل أن يكون المقصود من هذه الآية استمرار إحدى الطائفتين في قتال الأخرى حتى تفيء، لأنه من المحتمل أن تكون الطائفة الباغية هي الأقدر على إفناء الأخرى غير الباغية( 53).

    ويمكن الرد على هذه الاعتراضات بما يلي:

    أن كون الأمر بالإصلاح بين الطرفين المتقاتلين موجهاً إلى طرف ثالث غيرهما وارد لكنه غير لازم، ولربما جاز ذلك إن كان المتقاتلان طائفتين لا ينتمي الإمام إلى إحداهما، فيكون الإمام هو الذي يصلح بينهما أو يقاتل الطائفة الباغية، أو يأمر من يقوم بذلك.

    أما إذا بغت فئة على إمام المسلمين وجماعته فمن غير المنطقي أن ينتظر طرف ثالث ليحل النـزاع. ويلزم حينئذ ألا يتم إصلاح إن لم يوجد طرف ثالث قادر على ذلك. ويلزم منه أيضاً أن من بان له الحق مع جانب أنه لا يجوز له القتال معه حتى يتم الصلح، وهذا منافٍ لاشتراك معظم الصحابة مع علي، وندم عبدالله بن عمر على عدم اشتراكه معه(54 ). يقول الشيخ التباني: "فأي مبدأ ديني يجب على الأمة الوصول إلى تقريره أعظم من نصرها إماماً عادلاً قد بايعته على من امتنع عن بيعته وحاربه بطائفة منها"( 55). وأيضاً فإن الطرف الثالث المتمثل في الحكمين أبي موسى وعمرو بن العاص لم يكن "قوياً قادراً على ردع الطائفة الباغية إلى الحد الذي يرجعها إلى أمر الله ورسوله".

    وأما كون الدعوة إلى التحكيم تحقيقاً لقول الله تعالى: }فأصلحوا بينهما{ فقد مضى بيان أنها تجاوزت مرحلة الإصلاح بأن الإمام علياً قد دعا معاوية إلى التفاوض فأبى. على أن الدعاء إلى التحكيم صدر عن الفريق الباغي الذي أوشك على الهزيمة، وقد تبين بذلك أن رفع المصاحف إنما كان خديعة ومكراً ودهاءً كما سبق نقله عن الإمام علي. على أنه يلزم أيضاً أن يكون الإمام علي - لو لم يوافق على وقف القتال - مخطئاً لتركه إجابة الدعوة إلى التحكيم.

    كذلك فمن غير المسلم به عدم إمكان تصور أن تتقاتل طائفتان مؤمنتان إلا إذا كانت كل منهما تعتقد أنها على الحق أو يغلب على ظنها أنها كذلك، فإن الثورات والانقلابات من أجل السلطة أمور مشاهدة لا تنكر. ولئن سلم ذلك الافتراض في أهل الشام فإن الخروج على الإمام الذي انتخبته الأمة والامتناع من بيعته - لأية دعوى كانت قبل التفاوض معه - أمر لا مسوغ له.

    كما أن التصور بأن المقصود من هذه الآية استمرار إحدى الطائفتين في قتال الأخرى حتى تفيء فإنه -بالإضافة إلى إمكانه - قد تحقق في موقعة الجمل حين قاتلهم الإمام علي إلى أن قضى على ثائرتهم. واحتمالية أن تكون الطائفة الباغية هي الأقدر على إفناء الأخرى غير الباغية لا يلغي النص بالأمر بقتالها والحكم عليها بالبغي، ولذا جاء عن عمار قوله: "والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أنا على الحق وأنهم على الباطل"(56 ). كما أن حقيقة الأمر في صفين مباينة لهذه الصورة المفترضة، فقد تقدم أن أهل الشام كانوا على شفا جرف من الهزيمة، مما يؤكد قدرة الإمام علي وأصحابه -ساعتئذ- على إرغامهم على الفيء إلى أمر الله.

    وأما ما ذكره د. عليان من الوجهين في معنى }فإن بغت إحداهما على الأخرى{ فإنهما متوجهان إلى أهل الشام، ولا يصح أن يحملا على الإمام علي الخليفة الشرعي، وإلا لزم على الأول وهو "بغت بالتعدي بالقتال" أن يكون الإمام علي ومن معه هم البغاة، وللزم على الثاني وهو "بغت بالعـدول عن الصلح" مصادمة الواقع، بمعنى أن الإمام علياً كان هو الساعي إلى الصلح قبل القتال، فمعنى الآية ينطبق تماماً على معاوية وأصحابه.

    وأما المعنيان اللذان ذكرهما في قوله تعالى: }حتى تفيء إلى أمر الله{ فإن الأول وهو "أن ترجع إلى الصلح الذي أمر الله به" يحمل على ما إذا كانت الطائفتان المتقاتلتان ليست إحداهما طائفة الإمام الشرعي. أما الإمام الشرعي فلا مناص من الرضوخ لشرعيته، وهذا ما فعله الإمام علي مع أهل الجمل، ولم يكن ثمة صلح. فيبقى إذن المعنى الثاني وهو "الرجوع إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله فيما لهم وعليهم" وهذا هو ما دعاهم إليه الإمام علي قبل القتال، ومخالفة أهل الشام لهما كانت السبب لمقاتلتهم من قبل الإمام علي، وليس الرجوع إلى الكتاب والسنة سوى مبايعة الإمام الذي انتخبه المهاجرون والأنصار، لا أن يجري التحكيم فيمن أحق بالخلافة علي أو معاوية.

    يضاف إلى ما سبق أن لجوء معاوية وأصحابه إلى التحكيم ليس موافقاً لقوله تعالى: }حتى تفيء إلى أمر الله{، ليكون التحكيم جارياً على معنى الرجوع إلى الصلح، لأن مراد الإمام علي من معاوية كان الرضوخ لبيعته والدخول فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار من طاعة الإمام علي، وهذا ما لم يتحقق من معاوية.

    وعلى كل حال، فإن احتجاج أهل حروراء بالآية واضح، والثابت أنه لم يكن اعتراض من قبل ابن عباس غير ما مضى. كما أن الإمام علياً لم يحتج عليهم إلا بما تذكره بعض الروايات من أنهم أرغموه على قبول وقف القتال، وسيأتي الحديث عن هذه القضية.

    ثانياً: محو اسم الإمارة:لا نجد عند مؤيدي فكرة التحكيم تدليلاً على سلامة موقف الإمام علي في محوه اسم الإمارة من وثيقة التحكيم إلا ما سبق من قياسه على محو النبي صلى الله عليه وسلم اسم الرسالة من وثيقة الصلح في الحديبية. وقد سبق ذكر اعتراض الأحنف بن قيس على محو اسم الإمارة عند كتابة كتاب التحكيم ودعوته علياً إلى التمسك به "وإن قتل الناس بعضهم بعضا"على حد قول الأحنف( 57).

    ويضاف إليه قوله لعلي: "مالك وما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إنا والله ما حابيناك، ببيعتنا وإنا لو علمنا أحداً من الناس أحق بهذا الأمر منك لبايعناه ثم قاتلناك، وإني أقسم بالله لئن محوت هذا الاسم الذي بايعت عليه وقاتلتهم لا يعود إليك أبداً"( 58).

    وغير خفي أن الأحنف يرى ذلك مختصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأصرح في ذلك الرواية الأخرى: "إنه ليس لكم ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم (59)

    كما يرى أن لفظ الإمارة ملازم لحصول البيعة بها، بل هو جزء منها "هذا الاسم الذي بايعت عليه وقاتلتهم"، بالإضافة إلى أنه حق من حقوق الإمام الذي بويع له. ولعل عدم استجابة الإمام علي لطلب الأحنف بن قيس بالتمسك باسم الإمارة واحد من الأمور التي دفعت به إلى أن يكون ضمن المنفصلين عنه إلى حروراء(60 )، فإنه يعده تنازلاً أو تفريطاً من الإمام علي في حق شرعي أكسبته الأمة إياه ببيعتها له، إذ لا تفسير لاعتراض معاوية على كتابة اسم الإمارة لعلي إلا اعتراضه على إمامته، وهو ما تفيده بعض الروايات من أن معاوية كتب إلى علي: "إن كنت تريد الصلح فامح عنك اسم الخلافة"( 61)، وفي رواية: "إني لو رضيت أن تكون أمير المؤمنين لم أقاتلك، وقد بلغ أمرنا إلى ما قد رأيت، فإن رأيت قيام أمر الحكمين فامح اسم أمير المؤمنين ونتكاتب بآبائنا(62 )"، وأنه قال: "لو أعلم أنك أمير المؤمنين لم أقاتلك"(63)، وأن عمرو بن العاص قال: "اكتب اسمه واسم أبيه، هو أميركم، فأما أميرنا فلا"( 64).

    وبذلك يكون علي قد "وضع نفسه على قدم المساواة مع معاوية ولم يعد سوى رئيس العراقيين وشيعتهم... مثلما كان معاوية رئيس شيعة أهل الشام"( 65) كما ورد في صحيفة التحكيم.

    هذا ويدافع معارضو التحكيم عن موقف أهل النهروان بتأكيد اختصاص النبي عليه الصلاة والسلام بجواز محو اسم النبوة. ويعلل الشيخ السالمي إنكار أهل حروراء على علي محوه اسم الإمــارة عـن نفسـه بأنه إنكار لمطاوعته معاوية لا لترك كتابة الاسم فقط. كما يفرق بين قضية النبي صلى الله عليه وسلم

    في الحديبية وقضية علي بما يلي:

    1- أن الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في زمن الصلح كان في بدء أمره، أما في خلافة علي فكان قد انتهى إلى الغاية القصوى من الكمال، وقد يتسامح في بدء الأمر لتربيته ما لا يتسامح عند النهاية.

    2- أن فعله صلى الله عليه وسلم إنما كان عن وحي يوحى، فالظاهر أنه أمر خص به في ذلك اليوم دون ما عداه من الأيام، إذ لم ينقل عنه عليه السلام في جميع مكاتباته مثل ذلك، فالظاهر أنه منسوخ لا يصح أن يعمل به.

    3- أن القوم الذين مع معاوية يقرون بالإسلام معترفون بحقيقة الإمامة ووجوب الطاعة للإمام، لكن معاوية يلبس عليهم بأن عليّاً ليس بإمام وأنه ليس هو بأمير المؤمنين، وقد خدع أكثرهم بهذا التلبيس، فترك التسمية بالإمارة مع ذلك ليس كترك التسمي بالرسالة في جانب المشركين، فإنهم جميعاً ينكرون رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تلبيس على أحد منهم من رؤسائهم.
    4- الرسالة أمر إلهي لا تمحى بمحو اسمها من الكتابة، والإمارة أمر بشري جُعل فيه الاختيار للمسلمين، وتزول باعتزال الإمام لعذر، وبعزل المسلمين لحدث.

    ثم ضرب الشيخ السالمي للحالتين مثلاً:

    فمثال الرسالة كأم الرجل لا تزول عن كونها أمه ذكر أنها أمه أو لم يذكر، وسواء جحدها غيره أم لم يجحدها، فحقوقها ثابتة عليه، ومثال الإمامة كزوجة الرجل صارت زوجة له بالعقد الصحيح ورضا المرأة وإذن الولي، وتزول عنه الزوجية بطلاقه لها وبخلعها إياه وبسائر أنواع الفسوخ(66).

    ومما يؤيد أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية خص به عن وحي إنكار الصحابة رضوان الله عليهم على ما في الوثيقة، وقول عمر المشهور للنبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله، ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال:"بلى"، قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال: "بلى"، قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا ؟(67 )، وقول سهل بن حنيف: "لقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أني أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته"(68 )، يعني يوم الحديبية.

    فإن ظاهر الأمر للناس أن ما تم إقراره في الصحيفة إجحاف في حق المسلمين، ولهذا رفض علي نفسه أن يمحو اسم الرسالة من الوثيقة حتى محاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده الشريفة( 69). لأجل هذا فإن جواب النبي عليه السلام لعمر يومئذٍ: "إني رسول الله ولن يضيعني الله أبداً" تصريح بالخصوصية وبيان لوعد الله لرسوله عليه السلام بأن تكون العاقبة لهم من جراء هذا الصلح. وأخيراً فإن نتيجة صلح الحديبية كانت فتح مكة إنجازاً لوعد الله، وكانت نتيجة التحكيم بعد صفين عزل علي عن الخلافة.
  • بارك الله في الاخ جراح ووفقه لما يحب ويرضى
    حكم
    ** الرجال الأخيار يجب ألا يصاحبوا ألا أمثالهم.
    **حفظ اللسان راحة الإنسان، فاحفظه حفظ الشكر للإحسان،فآفة الإنسان في اللسان)...ابو القاسم ابن عباد
    ** ولا تمشي فوق الأرض إلاتواضعاً*******فكم تحتها قومٌ هم منك أرفعُ
    **
    إنني أبدو مثل طفلٍ يلعبُ في ساحل البحر و يجدُ من وقتٍ لآخر حصاة ملساء أو قوقعة جميلة أجمل من مثيلاتها إلا أن الحقيقة كلها تمتدُّ أمامي مثل محيطٍ واسع عظيم لم أكتشف منهُ أي شيء بعد
  • جزيت كل خيرأختي نور البيان,,
    مقال رائع وجهد طيب,,
    وكذلك الاخوة المخالفون لكم كل التقدير,,
    ونسأل الله تعالى أن يهدينا جميعا طريقه المستقيم,,
    ويلزمنا المنهج القويم,,
    كل الاحترام أختي نور البيان,,
  • السلام عليكم ورحمة الله:

    نور البيان دائما هكذا ... ان كنت تظنين انك على حق ... اتمنى ان تتتوجهي لله سبحانة وان تطلبي منه كما طلبه .. شيخك ابن باز وقد وجده...(لا تسألني ماهو ؟ وكيف؟).

    ان كل من يؤيدها فيما تقولة ،، فهو معها في ضلالة القدح والطعن .. وانا نحن اهل الحق والاستقامة .. لا نقدح في مذهب خالفنا...وانا على حق لا نحيد عنه ابدا .. وكتبنا من بعد القرأن هي مروية عن بخارى ومسلم .. لم نؤلف حديثا .. للترويج لمذهبنا ابدا .. .. ولا ان نفسر اية فنتلاعب بتأويلها...

    فوالله انا على الحق.. و الله مع الحق فالله معنا .. لا مع على ولا معاوية .. نحكم بالقرأن والسنة .. وما الصحابة وغيرهم الا بشر ولهم اجتهادهم ... ولا نعبد علماء مجتهدين ..واقول كما قال ذاك الاعرابي " والله يا عمر لان ملت عن الحق هكذا ،، لقلنا بسيوفنا هكذا.." هكذا علمه رسول الله (ص) ،، وعلمه عمر بن الخطاب كيف يواجه الباطل بالحق..

    اسمعو ا جميعكم انا لا نقدح في مذهبكم .. فكفوا السنتكم عنا .. كونوا لنا اخوه .. فالامة الاسلامية لا تحتاج ان تكون اضعف مما هي عليه اليوم .. واتركوا ما مضى من اختلاقات وحكايا لا تغنى من الحق شيئا..

    وان كان ما تفعله الاخت " نور البيان " في جميع مشاركاتها .. بتخصص الطعن والقذف في الاباضية .. فأقول لم تأتي بجديد .. فهذه المناضرات كانت ولا تزال .. وتردد باستمرار.. موقف العاقل البصير هو التفكر .. والاخر جاهل يزيد النار حطبا بدل اخمادها...

    اشكر الاخ "مجاهد " على ردك ونكتفي به

    اللهم اهدنا وعافنا .. اللهم اجمع كلمت المسلمين ووحد صفوفهم .. وايدهم بالنصر يا رب العالمين .. وصلى اللهم على سيدنا محمد (ص) وعلى اله وصحابته (ابو بكر وعمر وعثمان وعلى ) وكافة الصحابة اجمعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين..
  • سداب القلب كتب:

    يرفع........




    رفع الله قدر اهل السنة



    للخفض
    نكس الله رؤوس اهل الفتن#h#h
    حكم
    ** الرجال الأخيار يجب ألا يصاحبوا ألا أمثالهم.
    **حفظ اللسان راحة الإنسان، فاحفظه حفظ الشكر للإحسان،فآفة الإنسان في اللسان)...ابو القاسم ابن عباد
    ** ولا تمشي فوق الأرض إلاتواضعاً*******فكم تحتها قومٌ هم منك أرفعُ
    **
    إنني أبدو مثل طفلٍ يلعبُ في ساحل البحر و يجدُ من وقتٍ لآخر حصاة ملساء أو قوقعة جميلة أجمل من مثيلاتها إلا أن الحقيقة كلها تمتدُّ أمامي مثل محيطٍ واسع عظيم لم أكتشف منهُ أي شيء بعد
  • واثقة الخطى كتب:

    للخفض
    نكس الله رؤوس اهل الفتن#h#h



    نسأل الله ان يعافيكي مما انتي عليه
    يا من تدعي انكي من اهل الحق والاستقامة
    وانتي لستي كذاك
    انتي من اهل الباطل والسقامة


  • اذا كان طارح الموضوع يقصدق الاباضيه بالخوارج ((فهذا سب وتكفير وظلم))
    فلا سامحه الله - ولا لمن ينعتنا بهذا الوصف -
    ويشهد الله بمن هو خارج عن الاسلام
    والكلمه هذه من صنع الغرب ومن يروج بها فهو عميلهم
    وفدانا الله من كل فتنه
    alfida.jeeran.com/
  • فهذا الإمام نور الدين السالمي رحمه الله تعالى يحدد لنا موقف الإباضية من سائر الأمة بقــــوله:18
    ونحن لا نطالـب العبادا فوق شهادتيهــم اعتقادا
    فمن أتى بالجملتـين قلنا إخواننا وبالحقــوق قمنا
    إلا إذا ما نقضـوا المقالا واعتقدوا في دينهم ضلالا
    قمنا نبين الصواب لهـم ونحسبن ذلك من حقهـم
    فما رأيته مـن التحـرير في كتب التوحيد والتقرير
    رد مسائل وحـل شـبه جاء بها من ضـل للمنتبه
    قمنا نردهـا ونبدي الحقا بجهدنا كي لا يضل الخلقا
    لو سكتوا عنا سكتنا عنهم ونكتفي منهم بأن يسلـموا
  • فمن أتى بالجملتـين قلنا إخواننا وبالحقــوق قمنا إلا إذا ما نقضـوا المقالا واعتقدوا في دينهم ضلال

    واذا اظهر المخالف للسالمي كمسالة الرؤية ذلك لا يعدهم اخوانا !!!!

    ولكن اخي انت تستشهد كثيرا بالسالمي وهو علم من الذين يطعنون في صحابة نبينا ويتبرأ من بعضهم ويقول هذا ما عليه واصحابه !!

    ويترحم على قاتل سيدنا علي رضي الله عنه ابن ملجم لعنة الله عليه ويحاول تخطيء علي وتبرير ما قام به ابن ملجم !!

    اصدقك انتم على خير كبير ان لم تقرؤا ما في كتب علمائكم وسلفكم

  • سلطانه كتب:

    فمن أتى بالجملتـين قلنا إخواننا وبالحقــوق قمنا إلا إذا ما نقضـوا المقالا واعتقدوا في دينهم ضلال

    واذا اظهر المخالف للسالمي كمسالة الرؤية ذلك لا يعدهم اخوانا !!!!

    ولكن اخي انت تستشهد كثيرا بالسالمي وهو علم من الذين يطعنون في صحابة نبينا ويتبرأ من بعضهم ويقول هذا ما عليه واصحابه !!

    ويترحم على قاتل سيدنا علي رضي الله عنه ابن ملجم لعنة الله عليه ويحاول تخطيء علي وتبرير ما قام به ابن ملجم !!

    اصدقك انتم على خير كبير ان لم تقرؤا ما في كتب علمائكم وسلفكم




    وهل قرأتي انت كتب الشيخ السالمي بنفسك وبفهمك انت ليس بفهم غيرك لتحكمي عليه بأنه يسب الصحابه - فأنا لا ادري من اي عرب انت و لا ارى احد يسب الصحابه غيرك - اظن انك بدأت بنبش شئ حتى الشيعه دفنوه جانبا - لأن نغمة سب الصحابه بدأت تعجبك لذلك تثيرينها كل مره
    وهل نسيت ان كل الصحابه من اهل الحق والاستقامه وهان لك ان تنفي عنهم هذه الصفه

  • alkashef كتب:

    وهل قرأتي انت كتب الشيخ السالمي بنفسك وبفهمك انت ليس بفهم غيرك لتحكمي عليه بأنه يسب الصحابه - فأنا لا ادري من اي عرب انت و لا ارى احد يسب الصحابه غيرك - اظن انك بدأت بنبش شئ حتى الشيعه دفنوه جانبا - لأن نغمة سب الصحابه بدأت تعجبك لذلك تثيرينها كل مره
    وهل نسيت ان كل الصحابه من اهل الحق والاستقامه وهان لك ان تنفي عنهم هذه الصفه




    مشكلتك اخي انك تتكلم بغير علم والا اقرأ كتب السالمي وغيره من مشايخك

    وكذلك الشيعة لا تتعب حالك في كتبهم اذهب لمنتدياتهم حتى امهات المؤمنين لا يسلمن سبهم ولعانهم

    اخي هذي حقيقة عقيدة السالمي في الصحابة ولا يستطيع احد نكرانها