الصِّيَامُ وَأَحْكَامُهُ
1. تعريف الصِّيام لغةً وشَرعًا:
((الصيام لغة هو: الإمساك، وقد شاع ذلك في الشعر العربي، بل جاء ذلك في كتاب الله سبحانه وتعالى، فالله-عز وجل-يحكي عن عيسى المسيح-عليه السلام-أنه قال لأمه: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا [سورة مريم، من الآية: 26] ... وقصة مريم-عليها السلام-لا يمكن أن يحمل فيها الصوم على الصوم الشرعي، لأنها كانت آنذاك في حالة تنافي الصوم الشرعي .. كانت في حالة نفاس والنفاس ينافي الصوم الشرعي، ومِن ناحية أخرى فإنّ الآية نفسها صُدِّرَتْ-نقلا عن المسيح عليه السلام-بأمرها بالأكل والشرب: فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا [سورة مريم، الآية: 26]، فإذن الصوم هنا هو الصوم اللغوي وليس الصوم الشرعي، والصوم اللغوي هو مطلق الإمساك على الصحيح، كما يقول ذلك أئمة اللغة المعتمدين، وكما يدل على ذلك-أيضا-ما روي عن العرب مِن الشواهد الشعرية والنثرية التي تدل على ذلك))(1).
((يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [سورة البقرة، الآية: 183] ... وَ كُتِبَ بِمعنَى فُرِضَ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ أي فُرِضَ عَليكم الصِّيام))(2).
((وأكثر المفسرين على أنّ المقصود بقوله: أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ [سورة البقرة، من الآية: 184] في هذه الآية أيام شهر رمضان المبارك، فهو المقصود بقوله: أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ، وهذا المذهب هم المحكي عن أكثر السلف ويكاد أن يكون الخلف أطبق عليه إلا قليل منهم ... بذلك يتبين أنّ القول الصحيح الذي يجب أن يعول عليه هو أنّ الله-سبحانه وتعالى-قصد بقوله: أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ [سورة البقرة، من الآية: 184] أيام شهر رمضان المبارك.))(3).
((الصيام الشرعي هو أن يُمسك الإنسان عن جميع المفطِّرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس أي إلى أن يتحقق الغروب تحققا لا لبس فيه بنية الصوم، فإذا أمسك الإنسان عن جميع المفطرات واجتنب معاصي الله-تبارك وتعالى-وكان ذلك بنية الصيام الواجب عليه بشرط أن يكون-كما قلتُ-ذلك من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس فهذا الصيام صحيح))(4).
((س: هناكَ امرأة فَقَدَتْ الوَعْي ويُقال لها: " هذا رمضان " فتَذهبُ لِلإفطار .. يعني لا تَستَجِيبُ لهم.
ج: مَن فَقَدَ الوَعْي سَقَطَ عنه التكليف، لأنّ التكليفَ له ثلاثةُ شُروط، وهي: 1-أن يَكونَ الإنسانُ عاقِلا 2-وأن يَكونَ بالِغا 3-وأن يَكونَ قادِرا على إتيانِ الـمُكلَّفِ به، أما مَن لم يَكن بالِغا أو لم يَكن عاقِلا فالتّكلِيفُ ساقِطٌ عنه.
وبِما أنّ هذه أَصبَحَتْ في حالة غيْر عاقِلة فيها فالتّكلِيفُ ساقِطٌ عنها))(5).
((س: مَتى يُكلف الصبي بالصيام، لأنَّ منهم مَن يعقل معنى الصيام ومنهم مَن ينتهز الفرص ليشرب ؟
ج: أما التكليف الشرعي فهو غير مكلف شرعا، لأنَّ التكليف إنَّما هو إلزام فعل يترتب على إتيانه الثواب وعلى تركه العقاب-والصبي يُرفع عنه القلم-أو إلزام ترك فعل يترتب على تركه الثواب وعلى فعله العقاب، والصبي لا يُعاقب، فالتكليف الشرعي لا يدخل فيه الصبي.. مِن شروط التكليف البلوغ والعقل والقدرة على الإتيان بالعمل المكلف به وقيام الحجة بوجوبه، هذه الشروط لابد منها.
وأما مِن حيث الأمر بالصيام، مِن حيث إنَّ وليه يؤمر أن يأمره بالصيام فعندما يكون مُطيقاً للصيام يؤمر بأن يأمره به ليتعود عليه قبل بلوغه حتى إذ ما بلغ لَم يكن شاقاً عليه لأنَّه إن تعود عليه في صباه كان هيناً عليه بعد بلوغه، وإن لَم يتعود عليه في صباه شَقَّ عليه بعد بلوغه، فلابد مِن أن يؤمر بذلك ولو تدريجياً بحيث يصوم بقدر المستطاع يصوم بعض الأيام ويفطر بعض الأيام حتى إذا ما أطاق أن يصوم الشهر كله أُمر بأن يصوم الشهر كله))(6).[/b]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، درس تفسير الآية 183 من سورة البقرة.
(2) الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، درس تفسير الآية 183 من سورة البقرة.
(3) الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، درس تفسير الآية 184 من سورة البقرة، ج2.
(4) الشيخ سعيد بن مبروك القنوبي؛ سأذ 14 رمضان 1423هـ - 20 نوفمبر 2002م؛ س13.
(5) الشيخ أحمد بن حمد الخليلي؛ سأذ 01 رمضان 1422هـ - 17 نوفمبر 2001م؛ س2.
(6) الشيخ أحمد بن حمد الخليلي؛ سأذ 04 رمضان 1425هـ - 19 أكتوبر 2004م؛ س11.
__________________
1. تعريف الصِّيام لغةً وشَرعًا:
((الصيام لغة هو: الإمساك، وقد شاع ذلك في الشعر العربي، بل جاء ذلك في كتاب الله سبحانه وتعالى، فالله-عز وجل-يحكي عن عيسى المسيح-عليه السلام-أنه قال لأمه: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا [سورة مريم، من الآية: 26] ... وقصة مريم-عليها السلام-لا يمكن أن يحمل فيها الصوم على الصوم الشرعي، لأنها كانت آنذاك في حالة تنافي الصوم الشرعي .. كانت في حالة نفاس والنفاس ينافي الصوم الشرعي، ومِن ناحية أخرى فإنّ الآية نفسها صُدِّرَتْ-نقلا عن المسيح عليه السلام-بأمرها بالأكل والشرب: فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا [سورة مريم، الآية: 26]، فإذن الصوم هنا هو الصوم اللغوي وليس الصوم الشرعي، والصوم اللغوي هو مطلق الإمساك على الصحيح، كما يقول ذلك أئمة اللغة المعتمدين، وكما يدل على ذلك-أيضا-ما روي عن العرب مِن الشواهد الشعرية والنثرية التي تدل على ذلك))(1).
((يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [سورة البقرة، الآية: 183] ... وَ كُتِبَ بِمعنَى فُرِضَ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ أي فُرِضَ عَليكم الصِّيام))(2).
((وأكثر المفسرين على أنّ المقصود بقوله: أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ [سورة البقرة، من الآية: 184] في هذه الآية أيام شهر رمضان المبارك، فهو المقصود بقوله: أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ، وهذا المذهب هم المحكي عن أكثر السلف ويكاد أن يكون الخلف أطبق عليه إلا قليل منهم ... بذلك يتبين أنّ القول الصحيح الذي يجب أن يعول عليه هو أنّ الله-سبحانه وتعالى-قصد بقوله: أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ [سورة البقرة، من الآية: 184] أيام شهر رمضان المبارك.))(3).
((الصيام الشرعي هو أن يُمسك الإنسان عن جميع المفطِّرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس أي إلى أن يتحقق الغروب تحققا لا لبس فيه بنية الصوم، فإذا أمسك الإنسان عن جميع المفطرات واجتنب معاصي الله-تبارك وتعالى-وكان ذلك بنية الصيام الواجب عليه بشرط أن يكون-كما قلتُ-ذلك من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس فهذا الصيام صحيح))(4).
((س: هناكَ امرأة فَقَدَتْ الوَعْي ويُقال لها: " هذا رمضان " فتَذهبُ لِلإفطار .. يعني لا تَستَجِيبُ لهم.
ج: مَن فَقَدَ الوَعْي سَقَطَ عنه التكليف، لأنّ التكليفَ له ثلاثةُ شُروط، وهي: 1-أن يَكونَ الإنسانُ عاقِلا 2-وأن يَكونَ بالِغا 3-وأن يَكونَ قادِرا على إتيانِ الـمُكلَّفِ به، أما مَن لم يَكن بالِغا أو لم يَكن عاقِلا فالتّكلِيفُ ساقِطٌ عنه.
وبِما أنّ هذه أَصبَحَتْ في حالة غيْر عاقِلة فيها فالتّكلِيفُ ساقِطٌ عنها))(5).
((س: مَتى يُكلف الصبي بالصيام، لأنَّ منهم مَن يعقل معنى الصيام ومنهم مَن ينتهز الفرص ليشرب ؟
ج: أما التكليف الشرعي فهو غير مكلف شرعا، لأنَّ التكليف إنَّما هو إلزام فعل يترتب على إتيانه الثواب وعلى تركه العقاب-والصبي يُرفع عنه القلم-أو إلزام ترك فعل يترتب على تركه الثواب وعلى فعله العقاب، والصبي لا يُعاقب، فالتكليف الشرعي لا يدخل فيه الصبي.. مِن شروط التكليف البلوغ والعقل والقدرة على الإتيان بالعمل المكلف به وقيام الحجة بوجوبه، هذه الشروط لابد منها.
وأما مِن حيث الأمر بالصيام، مِن حيث إنَّ وليه يؤمر أن يأمره بالصيام فعندما يكون مُطيقاً للصيام يؤمر بأن يأمره به ليتعود عليه قبل بلوغه حتى إذ ما بلغ لَم يكن شاقاً عليه لأنَّه إن تعود عليه في صباه كان هيناً عليه بعد بلوغه، وإن لَم يتعود عليه في صباه شَقَّ عليه بعد بلوغه، فلابد مِن أن يؤمر بذلك ولو تدريجياً بحيث يصوم بقدر المستطاع يصوم بعض الأيام ويفطر بعض الأيام حتى إذا ما أطاق أن يصوم الشهر كله أُمر بأن يصوم الشهر كله))(6).[/b]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، درس تفسير الآية 183 من سورة البقرة.
(2) الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، درس تفسير الآية 183 من سورة البقرة.
(3) الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، درس تفسير الآية 184 من سورة البقرة، ج2.
(4) الشيخ سعيد بن مبروك القنوبي؛ سأذ 14 رمضان 1423هـ - 20 نوفمبر 2002م؛ س13.
(5) الشيخ أحمد بن حمد الخليلي؛ سأذ 01 رمضان 1422هـ - 17 نوفمبر 2001م؛ س2.
(6) الشيخ أحمد بن حمد الخليلي؛ سأذ 04 رمضان 1425هـ - 19 أكتوبر 2004م؛ س11.
__________________
أرى حمراً ترعى وتعلف ما تهوى***وأسداً جياعاً تظمأ الدهر لا تروى
