برنامج سؤال أهل الذكر حلقة الأحد 22 رجب 1423 هـ ، الموافق 29 / 9/ 2002 م
الموضوع عام :
سؤال :
أخت جزائرية تحكي فيها مأساتها الفكرية تقول : : أنها كانت غير ملتزمة بالأصول والقواعد والآداب والأخلاق لأنها كانت بعيدة نوعا ما عن النصح والإرشاد ، وتخرجت من الجامعة وحصلت على شهادة اللسانس في الحقوق ، وبعد فترة من الزمن ( في الثمانينات ) سمعت بالمبادئ والقيم والأخلاق التي تدعو إليها الجماعات الإسلامية في الجزائر فاعتنقت مبادئهم والتزمت ولبست الحجاب ، وسمت تلك المرحلة بالمرحلة الذهبية لأنها شعرت فيها بحلاوة الإيمان وأحست أنها مؤمنة حقاً ، في بداية التسعينيات حدث عندها تغير فكري ، هذا التغير عندما أن هذه الجماعات الإسلامية عندما تأثرت بها والتي رأت فيها القدوة الممتازة سمعت وعلمت أنها بدأت تقتل الأطفال والنساء والشيوخ وبدأت تستخدم وسائل مفزعة ومرهبة في إرعاب الناس فهذا الأمر جعلها تشك في عقيدتها بل تشك حتى في التوحيد الذي تؤمن تشك في إيمانها بالله جل وعلا ، فمثلت هذه المرحلة عندها مرحلة مقلقة جداً أدت في بها في نهاية المطاف إلى خلع الحجاب بل إلى الشك في القيم والمبادئ والأخلاق الإسلامية وتحسب أنها في هذا الوضع تعاليم ميتة وأنها لا تصلح للحياة إذا كان هؤلاء الذين يدعون إليها يرتكبون مثل هذه الأعمال المنكرة .
وتقول فكيف لمن كان يدعو للجنة والخير والمحبة والأخوة وكل الخير للناس أن يذبح ويمزق أشلاء كل الناس بدون تمييز بين صبي وأنثى وبين رضيع وغيره .
تقول : أريد معرفة حكم الإسلام في أفعالي ( لأنها عندما تحولت فكرياً وبدأت تتخلى عن الحجاب تخلت أيضاً عن الصلاة والصيام والعجيب أنها خلعت الحجاب في السابع والعشرين من رمضان عام 1996 م ثم بعد ذلك شعرت بألم في بطنها وذهبت إلى الأطباء لكن التحاليل لم تثبت شيئاً من الأمراض العضوية عندها ، ثم ذهبت إلى الرقية ويبدو أنه لا يزال لديها بصيص من الأمل في الإسلام والقرآن الكريم وقال لها الراقي أن جنياً دخلت في جسدك ويتحدث بلسانك ويسيء إلى الإسلام ويسيء إلى النبي صلى الله عليه وسلّم .
بقت المرأة الآن في حالة اضطراب نفسي الذي انتابها تغير فكري نتيجة ما شاهدته من أفعال مرعبة وإرهابية من قبل الذين يدعون إلىالمبادئ والأخلاق الإسلامية أم هو من قبيل فعل الجن والسحر كما سمته هي بسحر التكليف .
تريد هي منك أن تبسط القول في هذه المسألة وتقول لا أريد أن أكون من الخاسرين فلقد فطرت على حب الخير وحب الأنبياء وأولياء الله الصالحين ولقد واجهت مشاكل عويصة في حياتي وكنت والحمد لله من الصابرين أريد أن تقنعني لأنها شعرت أنه لا يوجد رجل في هذا العالم سواكم فتريد منك أن تهديها إلى طريق السواء وأن توضح لها الحقيقة التي غابت عنها ؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد فمما يؤسف له أن نجد قوماً محسوبين على الإسلام يدمرون الإسلام أكثر مما يدمره أعداءه من الخارج ، ووجدت حالات عديدة فيها الكثيرة من المفارقات والتناقضات التي تدعو كل ذي لب إلى أن يقف عندها ليتدبر وينظر أسباب مآسيها وما هي الدواعي والبواعث إلى ارتكاب هذه الأمور التي تؤدي إلى الاضطراب وتؤدي إلى المفارقات والتناقضات مع أن دين الإسلام دين سمح دين أصيل جاء من عند الله بعيد عن المفارقات والتناقضات ، ولقد وقفت مع نفسي كثيراً وتسآلت حول هذه القضايا التي أصبحت تدعو إلى الأسى وقلت في أكثر من موقف بأنه يجب أن تصاغ هذه الأمة صياغة من حيث الفكر ومن حيث الأخلاق ومن حيث الإجتماع ، على أن تكون هذه الصياغة صياغة قرآنية نابعة من صميم عقيدة القرآن ونابعة من أسس هذا الدين الحنيف الذي جاء به المرسلون وأكلمه الله سبحانه وأتم به النعمة على يد عبده ورسوله محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام .
الأمة كما قلت بحاجة إلى صياغة فكرية ذلك لأن كل هذه المآسي التي أصابت هذه الأمة والتي جرتها عليها انحرافاتها إنما هي بسبب فقدان التصور ، فأولئك الذين ارتكبوا المآسي العظيمة لم يبالوا بالحرمات فقتلوا الأطفال وقتلوا النساء وشردوا الآمنين ارتكبوا ما ارتكبوا باسم الإسلام والإسلام براء من كل ذلك فإن الإسلام دين المرحمة يدعو إلى الرحمة في أي موقف من المواقف ، ولذلك ينهى أتباعه كل النهي وأشد النهي عن العدوان حتى عندما يقابل المسلمون العدوان إنما عليهم أن يردوا عدوان المعتدي وحده وألا يتعدوا على غيره ، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه ( وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) ، ولئن كان الإسلام يأمر بالبر والإنصاف حتى مع غير المسلمين الذين لم يجاهروا المسلمين بالعداوة حيث يقول عز من قائل ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) ، فكيف يرضى المسلم مع ذلك أن يعامل إخوانه المسلمين بل يعامل أهل بدلته وأبناء جلدته هذه المعاملة القاسية ويتنكر لمبادئ الإنسانية حتى يكون سبعاً ضارياً لا يبالي بأن يفتك بالأطفال والنساء والشيوخ الكبار وكل ضعيف إن هذه الحالة هي حالة شاذة بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام وعن قيم الإسلام ، فليت هؤلاء ما انتموا إلى الإسلام قط ، وليتهم لم يرضوا بأن يلحقوا بهذا الدين الحنيف النظيف هذه التهم القذرة التي يجب أن يبرأ الدين منها ونحن نأسف لذلك ، وقد سبق أن قمت بالإجابة على أسئلة طرحت في ندوة عن صياغة هذه الأمة فهذه الأخطاء هي أخطاء ليست وليدة اليوم والأمس وإنما هي وليدة تراكمات تاريخية حجبت عن الناس الصورة الصحيحة عن الإسلام ، فلا بد إذن من أن يبني كل مسلم فكره على أساس التصور الإسلامي الصحيح حتى يعرف كيف يتصرف في هذه الحياة .
أما بالنسبة إلى ما وقع لهذه المسكينة التي أصيبت بما أصيبت به التي رزأت بهذه الأرزاء ، رزأت في عقيدتها وفكرها ودينها ، بالنسبة إلى مأساتها فإن من الجواب عليها قبل كل شيء ألا تفهم الإسلام من خلال هذه التصرفات الشائنة التي تنطلق من أقوام لا معرفة لهم بالدين ولا دراية لهم بأصوله ولا بفروعه ولا أساس عندهم من تعاليمه وفكره , وإنما عليها أن ترجع إلى الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه فتستوحي تعاليم الإسلام منه ، وعليها أن تراجع نفسها ، وأن تنظر إلى هذا الكون كله فإنها تجد أن الكون مصاحف هداية لهذه الإنسانية ، إذ كلذرة من ذرات هذا الكون هي كلمة من كلمات الله ناطقة بافتقارها إليها سبحانه وتعالى ، وتناسق هذا الكون العجيب دليل واضح على وحدانية مكونه سبحانه وتعالى ، ولذلك نجد أن في الكتاب الكريم إحالة الإنسان على النظر في دلائل هذا الكون التي تدل على توحيد الله سبحانه في مقام الدعوة إلى توحيده فالله تعالى يقول ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) ثم يتبع الله سبحانه وتعالى ذلك قوله ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحياء به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ) ، نعم إن في ذلك كله آيات بينات لأن خلق السموات والأرض يدل دلالة واضحة على وحدانية المكون العظيم سبحانه وتعالى ذلك لأن كل ما في هذا الكون من سمائه وأرضه ، من علوه وسفله كل ما في هذا الكون إنما هو متناسق مع بقية أجزاء الكون تناسقاً عجيباً وذلك دليل على أن صدور ذلك عن مكون واحد إذ لو كان ذلك عن أكثر من مكون واحد لكان لكل واحد منهم إرادة مستقلة عن إرادة غيره ، هذا مما يجعل كل واحد من أولئك يستقل بمراده وهنا يكون التعارض والاختلاف والشقاق ، وذلك يؤدي إلى الفساد كما قال سبحانه ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) ، فلأجل هذا نجد اقتران ذكر التوحيد في كتاب الله سبحانه وتعالى بذكر هذه العلامات الكونية الدالة وحدانيته عز وجل فالله سبحانه وتعالى يقول ( قل الحمد لله وسلام على عباده الذين أصطفى آالله خير أما يشركون ، أمن خلق السموات وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون ، أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون ، أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون ، أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون ) فعليها أن تفكر في وجودها بنفسها وفي وجود هذه الكائنات كلها من حولها فإنها دلائل شاهدة صادقة على وحدانية الله سبحانه وتعالى . هذا ما اعتمل في نفسها من أفكار ووساوس فإن ذلك إنما هو نتيجة حتمية لانحراف الإنسان عن الحق ، فإن الإنسان عندما ينحرف عن منهج الحق يصاب بهذه الأزمات النفسية ، وتكون نفسه فريسة للشيطان الرجيم فالله سبحانه يقول ( ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا ) ، ويقول سبحانه وتعالى في وصف الذين اتقوا الذين هم بعيدون عن هذا ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هو مبصرون ) ، هنالك فارق بين المتقي وغيره ، لذلك ندعوها إلى أن تكون في زمرة المتقين ومن حزب عباد الله المصلحين أولئك الذين يتذكرون كلما مسهم مس من الشيطان ، كلما ألم بهم شيء من وسوسة الشيطان وفكره ، ولا ريب أن الشيطان عندما يوسوس للإنسان وينصرف الإنسان عن منهج الحق يكون عرضة بعد ذلك لمثل هذه الأزمات النفسية ولمثل هذه الأمراض العصبية والنفسية والذهنية التي تخيل إليه خيالات شتى ، فلذلك نحن ندعوها أولاً إلى أن تكثر من ذكر الله سبحانه وتعالى ، فإن ذكر الله تطمئن به القلوب يقول الله سبحانه وتعالى ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) ، وعليها أن تكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، وأنصحها بأن تتلو في كل يوم ما يتيسر من كتاب الله سبحانه وتعالى مع التزامها بدين الله ، وأن تكثر من تلاوة المعوذات وذلك بأن تقرأ الإخلاص والمعوذتين مع النفث في يديها والمسح وينبغي أن تقول في حال مسح جسدها : أعوذ بالله السميع العليم الشيطان الرجيم ، أعوذ بالواحد الصمد من شر كل ذي حسد ، أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعذابه ومن شره عباده ومن همزات الشياطين ، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما أجد وأحاذر فإن الله سبحانه يدفع عنها هذه الوساوس وهذا القلق وهذه الأمراض وهذه البلاوى وهذه المصائب التي ألمت بها ، ومع هذا كله فإن مما ينبغي أن تلازمه قراءة عشر آيات من سورة البقرة في كل صباح وفي كل مساء وذلك بأن تقرأ أربع آيات من أول سورة البقرة إلى قول الله تبارك وتعالى ( المفلحون ) ثم ثلاث آيات هي آية الكرسي والآيتان بعدها إلى قوله سبحانه وتعالى ( خالدون ) ثم قوله سبحانه ( لله ما في السموات ... ) إلى آخر السورة وهذه الآيات الثلاث الأخرى ومع ملازمتها لذلك وإخلاصها لله سبحانه وتعالى فإنني أرجو كل الرجاء أن تنقشع أمام نظرها هذه الغيوم التي تلبدت حتى حجبت الحقيقة عن قلبها وعقلها ، وأرجو بمشيئة الله أن تتلاشى هذه الوساوس وأن تتلاشى هذه الأمراض ، وأن تعود إلى سيرتها الأولى والله تبارك وتعالى ولي التوفيق .يتبع بإذن الله تعالى
الموضوع عام :
سؤال :
أخت جزائرية تحكي فيها مأساتها الفكرية تقول : : أنها كانت غير ملتزمة بالأصول والقواعد والآداب والأخلاق لأنها كانت بعيدة نوعا ما عن النصح والإرشاد ، وتخرجت من الجامعة وحصلت على شهادة اللسانس في الحقوق ، وبعد فترة من الزمن ( في الثمانينات ) سمعت بالمبادئ والقيم والأخلاق التي تدعو إليها الجماعات الإسلامية في الجزائر فاعتنقت مبادئهم والتزمت ولبست الحجاب ، وسمت تلك المرحلة بالمرحلة الذهبية لأنها شعرت فيها بحلاوة الإيمان وأحست أنها مؤمنة حقاً ، في بداية التسعينيات حدث عندها تغير فكري ، هذا التغير عندما أن هذه الجماعات الإسلامية عندما تأثرت بها والتي رأت فيها القدوة الممتازة سمعت وعلمت أنها بدأت تقتل الأطفال والنساء والشيوخ وبدأت تستخدم وسائل مفزعة ومرهبة في إرعاب الناس فهذا الأمر جعلها تشك في عقيدتها بل تشك حتى في التوحيد الذي تؤمن تشك في إيمانها بالله جل وعلا ، فمثلت هذه المرحلة عندها مرحلة مقلقة جداً أدت في بها في نهاية المطاف إلى خلع الحجاب بل إلى الشك في القيم والمبادئ والأخلاق الإسلامية وتحسب أنها في هذا الوضع تعاليم ميتة وأنها لا تصلح للحياة إذا كان هؤلاء الذين يدعون إليها يرتكبون مثل هذه الأعمال المنكرة .
وتقول فكيف لمن كان يدعو للجنة والخير والمحبة والأخوة وكل الخير للناس أن يذبح ويمزق أشلاء كل الناس بدون تمييز بين صبي وأنثى وبين رضيع وغيره .
تقول : أريد معرفة حكم الإسلام في أفعالي ( لأنها عندما تحولت فكرياً وبدأت تتخلى عن الحجاب تخلت أيضاً عن الصلاة والصيام والعجيب أنها خلعت الحجاب في السابع والعشرين من رمضان عام 1996 م ثم بعد ذلك شعرت بألم في بطنها وذهبت إلى الأطباء لكن التحاليل لم تثبت شيئاً من الأمراض العضوية عندها ، ثم ذهبت إلى الرقية ويبدو أنه لا يزال لديها بصيص من الأمل في الإسلام والقرآن الكريم وقال لها الراقي أن جنياً دخلت في جسدك ويتحدث بلسانك ويسيء إلى الإسلام ويسيء إلى النبي صلى الله عليه وسلّم .
بقت المرأة الآن في حالة اضطراب نفسي الذي انتابها تغير فكري نتيجة ما شاهدته من أفعال مرعبة وإرهابية من قبل الذين يدعون إلىالمبادئ والأخلاق الإسلامية أم هو من قبيل فعل الجن والسحر كما سمته هي بسحر التكليف .
تريد هي منك أن تبسط القول في هذه المسألة وتقول لا أريد أن أكون من الخاسرين فلقد فطرت على حب الخير وحب الأنبياء وأولياء الله الصالحين ولقد واجهت مشاكل عويصة في حياتي وكنت والحمد لله من الصابرين أريد أن تقنعني لأنها شعرت أنه لا يوجد رجل في هذا العالم سواكم فتريد منك أن تهديها إلى طريق السواء وأن توضح لها الحقيقة التي غابت عنها ؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد فمما يؤسف له أن نجد قوماً محسوبين على الإسلام يدمرون الإسلام أكثر مما يدمره أعداءه من الخارج ، ووجدت حالات عديدة فيها الكثيرة من المفارقات والتناقضات التي تدعو كل ذي لب إلى أن يقف عندها ليتدبر وينظر أسباب مآسيها وما هي الدواعي والبواعث إلى ارتكاب هذه الأمور التي تؤدي إلى الاضطراب وتؤدي إلى المفارقات والتناقضات مع أن دين الإسلام دين سمح دين أصيل جاء من عند الله بعيد عن المفارقات والتناقضات ، ولقد وقفت مع نفسي كثيراً وتسآلت حول هذه القضايا التي أصبحت تدعو إلى الأسى وقلت في أكثر من موقف بأنه يجب أن تصاغ هذه الأمة صياغة من حيث الفكر ومن حيث الأخلاق ومن حيث الإجتماع ، على أن تكون هذه الصياغة صياغة قرآنية نابعة من صميم عقيدة القرآن ونابعة من أسس هذا الدين الحنيف الذي جاء به المرسلون وأكلمه الله سبحانه وأتم به النعمة على يد عبده ورسوله محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام .
الأمة كما قلت بحاجة إلى صياغة فكرية ذلك لأن كل هذه المآسي التي أصابت هذه الأمة والتي جرتها عليها انحرافاتها إنما هي بسبب فقدان التصور ، فأولئك الذين ارتكبوا المآسي العظيمة لم يبالوا بالحرمات فقتلوا الأطفال وقتلوا النساء وشردوا الآمنين ارتكبوا ما ارتكبوا باسم الإسلام والإسلام براء من كل ذلك فإن الإسلام دين المرحمة يدعو إلى الرحمة في أي موقف من المواقف ، ولذلك ينهى أتباعه كل النهي وأشد النهي عن العدوان حتى عندما يقابل المسلمون العدوان إنما عليهم أن يردوا عدوان المعتدي وحده وألا يتعدوا على غيره ، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه ( وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) ، ولئن كان الإسلام يأمر بالبر والإنصاف حتى مع غير المسلمين الذين لم يجاهروا المسلمين بالعداوة حيث يقول عز من قائل ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) ، فكيف يرضى المسلم مع ذلك أن يعامل إخوانه المسلمين بل يعامل أهل بدلته وأبناء جلدته هذه المعاملة القاسية ويتنكر لمبادئ الإنسانية حتى يكون سبعاً ضارياً لا يبالي بأن يفتك بالأطفال والنساء والشيوخ الكبار وكل ضعيف إن هذه الحالة هي حالة شاذة بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام وعن قيم الإسلام ، فليت هؤلاء ما انتموا إلى الإسلام قط ، وليتهم لم يرضوا بأن يلحقوا بهذا الدين الحنيف النظيف هذه التهم القذرة التي يجب أن يبرأ الدين منها ونحن نأسف لذلك ، وقد سبق أن قمت بالإجابة على أسئلة طرحت في ندوة عن صياغة هذه الأمة فهذه الأخطاء هي أخطاء ليست وليدة اليوم والأمس وإنما هي وليدة تراكمات تاريخية حجبت عن الناس الصورة الصحيحة عن الإسلام ، فلا بد إذن من أن يبني كل مسلم فكره على أساس التصور الإسلامي الصحيح حتى يعرف كيف يتصرف في هذه الحياة .
أما بالنسبة إلى ما وقع لهذه المسكينة التي أصيبت بما أصيبت به التي رزأت بهذه الأرزاء ، رزأت في عقيدتها وفكرها ودينها ، بالنسبة إلى مأساتها فإن من الجواب عليها قبل كل شيء ألا تفهم الإسلام من خلال هذه التصرفات الشائنة التي تنطلق من أقوام لا معرفة لهم بالدين ولا دراية لهم بأصوله ولا بفروعه ولا أساس عندهم من تعاليمه وفكره , وإنما عليها أن ترجع إلى الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه فتستوحي تعاليم الإسلام منه ، وعليها أن تراجع نفسها ، وأن تنظر إلى هذا الكون كله فإنها تجد أن الكون مصاحف هداية لهذه الإنسانية ، إذ كلذرة من ذرات هذا الكون هي كلمة من كلمات الله ناطقة بافتقارها إليها سبحانه وتعالى ، وتناسق هذا الكون العجيب دليل واضح على وحدانية مكونه سبحانه وتعالى ، ولذلك نجد أن في الكتاب الكريم إحالة الإنسان على النظر في دلائل هذا الكون التي تدل على توحيد الله سبحانه في مقام الدعوة إلى توحيده فالله تعالى يقول ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) ثم يتبع الله سبحانه وتعالى ذلك قوله ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحياء به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ) ، نعم إن في ذلك كله آيات بينات لأن خلق السموات والأرض يدل دلالة واضحة على وحدانية المكون العظيم سبحانه وتعالى ذلك لأن كل ما في هذا الكون من سمائه وأرضه ، من علوه وسفله كل ما في هذا الكون إنما هو متناسق مع بقية أجزاء الكون تناسقاً عجيباً وذلك دليل على أن صدور ذلك عن مكون واحد إذ لو كان ذلك عن أكثر من مكون واحد لكان لكل واحد منهم إرادة مستقلة عن إرادة غيره ، هذا مما يجعل كل واحد من أولئك يستقل بمراده وهنا يكون التعارض والاختلاف والشقاق ، وذلك يؤدي إلى الفساد كما قال سبحانه ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) ، فلأجل هذا نجد اقتران ذكر التوحيد في كتاب الله سبحانه وتعالى بذكر هذه العلامات الكونية الدالة وحدانيته عز وجل فالله سبحانه وتعالى يقول ( قل الحمد لله وسلام على عباده الذين أصطفى آالله خير أما يشركون ، أمن خلق السموات وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون ، أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون ، أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون ، أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون ) فعليها أن تفكر في وجودها بنفسها وفي وجود هذه الكائنات كلها من حولها فإنها دلائل شاهدة صادقة على وحدانية الله سبحانه وتعالى . هذا ما اعتمل في نفسها من أفكار ووساوس فإن ذلك إنما هو نتيجة حتمية لانحراف الإنسان عن الحق ، فإن الإنسان عندما ينحرف عن منهج الحق يصاب بهذه الأزمات النفسية ، وتكون نفسه فريسة للشيطان الرجيم فالله سبحانه يقول ( ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا ) ، ويقول سبحانه وتعالى في وصف الذين اتقوا الذين هم بعيدون عن هذا ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هو مبصرون ) ، هنالك فارق بين المتقي وغيره ، لذلك ندعوها إلى أن تكون في زمرة المتقين ومن حزب عباد الله المصلحين أولئك الذين يتذكرون كلما مسهم مس من الشيطان ، كلما ألم بهم شيء من وسوسة الشيطان وفكره ، ولا ريب أن الشيطان عندما يوسوس للإنسان وينصرف الإنسان عن منهج الحق يكون عرضة بعد ذلك لمثل هذه الأزمات النفسية ولمثل هذه الأمراض العصبية والنفسية والذهنية التي تخيل إليه خيالات شتى ، فلذلك نحن ندعوها أولاً إلى أن تكثر من ذكر الله سبحانه وتعالى ، فإن ذكر الله تطمئن به القلوب يقول الله سبحانه وتعالى ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) ، وعليها أن تكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، وأنصحها بأن تتلو في كل يوم ما يتيسر من كتاب الله سبحانه وتعالى مع التزامها بدين الله ، وأن تكثر من تلاوة المعوذات وذلك بأن تقرأ الإخلاص والمعوذتين مع النفث في يديها والمسح وينبغي أن تقول في حال مسح جسدها : أعوذ بالله السميع العليم الشيطان الرجيم ، أعوذ بالواحد الصمد من شر كل ذي حسد ، أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعذابه ومن شره عباده ومن همزات الشياطين ، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما أجد وأحاذر فإن الله سبحانه يدفع عنها هذه الوساوس وهذا القلق وهذه الأمراض وهذه البلاوى وهذه المصائب التي ألمت بها ، ومع هذا كله فإن مما ينبغي أن تلازمه قراءة عشر آيات من سورة البقرة في كل صباح وفي كل مساء وذلك بأن تقرأ أربع آيات من أول سورة البقرة إلى قول الله تبارك وتعالى ( المفلحون ) ثم ثلاث آيات هي آية الكرسي والآيتان بعدها إلى قوله سبحانه وتعالى ( خالدون ) ثم قوله سبحانه ( لله ما في السموات ... ) إلى آخر السورة وهذه الآيات الثلاث الأخرى ومع ملازمتها لذلك وإخلاصها لله سبحانه وتعالى فإنني أرجو كل الرجاء أن تنقشع أمام نظرها هذه الغيوم التي تلبدت حتى حجبت الحقيقة عن قلبها وعقلها ، وأرجو بمشيئة الله أن تتلاشى هذه الوساوس وأن تتلاشى هذه الأمراض ، وأن تعود إلى سيرتها الأولى والله تبارك وتعالى ولي التوفيق .يتبع بإذن الله تعالى