
الدكتور / غازي القصيبي
سنتمكن من تحرير القدس عندما نحرر أنفسنا من داء الهزيمة
لندن
مي ابراهيم كتبي
في عالمنا العربي نماذج مشرفة عديدة ورمزنا العربي اليوم هو أحد أبرز هذه النماذج..... احترنا باختيار اللقب المناسب له فهو وزير أسبق وسفير حالي وشاعر ومفكر وأديب...والأهم من كل ذلك أنه انسان....بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ سامية ونبيلة....تجتمع في شخصيته البساطة مع الوقار والإحترام....وتتميز كتاباته بالصراحة والجرأة والتشويق فتحمل تأشيرة مفتوحة للدخول الى عقل وفكر القاريء....تسرقك أفكاره فتحلق معها لتضحك تارة وتبكي تارة أخرى...معالي( الدكتور/ غازي القصيبي)الذي يحمل بين يدية قلم الإنسانية الصادق....ويتعامل مع عقلية القاريء بنفس الدبلوماسية التي يجيدها في عمله كسفير للمملكة العربية السعودية في بريطانيا....وبلا شك هو خير سفير ليس فقط عن وطنه ولكن عن نبض الإنسان العربي وهمومه ومشاعره....يكفي ان تقرأ حروفه لتعلم أنه يتحدث عنك ويحكي قصتك ويمثل قدوتك... ونترككم مع مبدع(شقة الحرية)و(العصفورية)و(حياة في الإدارة)ورائعته الأخيرة في رثاء الشهيد محمد الدرة....
ـمقتطفات السيرة الذاتية
الدكتور (غازي القصيبي) قيل أن رواية "شقة الحرية" تروي قصة حياتك فإلى أي مدى هذا القول صحيح؟
هل من المعقول ان تقتصر حياتي على فترة الدراسة الجامعية في القاهرة؟!"شقة الحرية"تروي تجربة أجيال من الطلبة العرب درسوا في الخمسينات والستينات الميلادية في مصر،ولم أكن سوى واحد منهم....لو كانت قصة حياتي لما وجد فيها الكثيرين ممن درسوا في القاهرة قصتهم هم هناك!
كتاب "حياة في الإدارة" نال قسط كبير من النجاح،ماذا لو قمنا بعكس المسمى إلى (ادارة الحياة) و سألناك ما هي الروشتة التي تصفها لادارة حياة سعيدة و صحية؟
بالإعتدال في كل شيء ، والإنضباط في كل شيء ، والجد والدأب،يمكن لكل انسان ان يديرحياته بحد أعلى من الكفاءة. ذكرت في هذا الكتاب انك سوف تقوم بتأليف كتاب عن سيرة الملك الراحل خالد بن عبد العزيز رحمه الله فمتى سيرى ذلك الكتاب النور؟ سوف يصدر الكتاب،ذات يوم،باذن الله....لا أستطيع تحديد الموعد بالضبط ولكن أرجو ألا يتأخر.
لماذا كتبي ممنوعة؟
بعض مؤلفاتكم يمنع دخولها الى بعض البلاد العربية،فماهي الأسباب التي تحجب هذه الأعمال عن الوصول إلى قراءك؟
ألا ترين ان هذا السؤال يجب ان يوجه إلى المانع لا الممنوع؟!
مساندة القضية الفلسطينية جزء من عملي اليومي
لعل الأحداث المؤلمة الأخيرة في القدس هي حديث الساعة و قد كان لك ردة فعل لمست قلوب الجميع بقصيدتك للشهيد ( محمد الدرة) ، فكيف انعكست متابعة الأحداث عليك كإنسان؟
المشاهد الدامية التي نقلتها لنا الكاميرات تركت جرحاً لا يندمل في قلب كل من رآها،سواء كان عربياً أو غير عربي،بشرط ان يكون انساناً.
و بصفتك سفير في دولة لها ثقلها و دورها الكبير في القرارات الدولية هل كان هناك أي تحركات من جانبكم أو من جانب الجاليات العربية في بريطانيا لمساندة فلسطين؟
مساندة القضية الفلسطينية جزء أساسي من عملي اليومي كما هو جزء أساسي من عمل كل زملائي السفراء العرب. أحاول توسيع هوامش الكتابة لكن لا أتجاوز خطوطها
من وجهة نظرك متى سيتمكن الإنسان العربي من تحرير القدس؟
و ما هو في تصورك الفعل الذي سيخرج العرب من وهدتهم؟ عندما يتمكن العربي من تحرير نفسه من داء الهزيمة،وتحرير فكره من مرض الخوف،وتحرير انظمته السياسية من وباء الإستبداد....عندها سوف يتمكن من تحرير القدس.
خلال توليكم وزارة الصناعة كانت نتيجة اهتمامكم بقطاع الكهرباء و استشرافكم لأهميته إقدامكم على ما يشبه "تأميم" هذا المرفق و نزعه من أيدي القطاع الخاص...اليوم و بعد تجربة أليمة مع عواقب هذا التأميم يبدو أن الدولة ستعيد هذا القطاع مجدداً للقطاع الخاص لأنه الأقدر على توفير الإستثمار دون إثقال كاهل الدولة و تأمين الإدارة الجيدة.ما هو رأيكم في هذا التقييم؟
و هل لو استقبلتم من أمركم ما استدبرتم ستتخذون نفس الإجراء القديم؟ كان القطاع الخاص قادراً على ادارة شركات الكهرباء يوم كانت التعرفة مجزية والزيادة في الإستهلاك محدودة.عندما قامت الدولة بتخفيض التعرفة وعندما تزايد الإستهلاك بوتائر مذهلة لم يعد بوسع القطاع الخاص ان يستمر في ادارة الكهرباء بكفاءة.ما قامت به الدولة وقتها لم يكن عملية (تأميم) ولا يشبه التأميم بل كان عملية إنقاذ بكل ماتحمله الكلمة من معنى.فيما يتعلق بالوقت الحاضر،أفضل ان يتولى الحديث عنه الوزير المسؤول الحالي.
القدرة على التعامل بدبلوماسية و ممارسة السياسة ليس بالأمر اليسير،فالدبلوماسي تخلق شخصيته عدة عوامل و ظروف تجعله سريع البديهة ليفاوض،بعيد النظر ليتخذ القرار المناسب،و هاديء الى حد ليحتوي ما يقابله من مشاكل،ومعاليك مثال على كل ذلك فهل تعتقد أن هناك بالفعل أحداث و ظروف محددة كانت وراء تكوين شخصيتك الدبلوماسية الناجحة؟
حاولت ان اتعلم شيئاً من كل انسان لديه ما يمكن ان اتعلمه،وحاولت ان استفيد شيئاً من كل تجربة مرت بي،ولا أعرف مدى نجاحي،وان كنت أعرف أني لا أزال أتعلم كل يوم.
حتى بعيداً عن السياسة يلمس القاريء لأعمالك مدى قدرتك على الوصول إلى النفس البشرية بأسلوب سلس و مشوّق حتى أن أحد المشتركين ما أن علم باستضافة لمعاليك حتى راسلنا يرجو أن نسألك كيف تكتب هذه الروائع و من أين تبدأ فكرة كتاب جديد؟
يستحيل وصف العملية الإبداعية،شعراً أو نثراً،على من لم يحترق في نارها ، وقديماً قيل: لا يعرف الشوق إلا من كابده ولا الصبابة إلا من يعانيهاأما عن الأفكار فهي تأتي من كل مكان،أحياناً من داخل النفس وأحياناً من خارجها....وفي كثير من الحالات لا يعرف الكاتب نفسه كيف ولدت فكرة ما أصبحت فيما بعد رواية أو قصيدة.
تتميز بالجرأة و الصراحة في طرحك و في قصائدك و في حوارك فالجميع يؤكد أنك لا تخاف لومة لائم فهل خدمك ذلك أم تسبب لك باحراجات في بعض المواقف جعلك تندم عليها؟
أعتقد أنك تبالغين بعض الشيء،فأنا كغيري من الكتَّاب العرب،لا أكتب إلا ضمن الخطوط التي أحاول أحياناً توسعة هامشها،ولم أحاول ، قط ، تجاهلها أو تحدِّيها.
ألا ترون أن السفارة لأديب و شاعر و مفكر مثلكم تسرق من وقت الإبداع؟أم ان لها دور ايجابي ينعكس على المفكر والأديب والشاعر؟
في كل عمل يتصل بالناس مادة خام للإبداع،والعمل الدبلوماسي في هذا المجال لا يختلف عن العمل في أي موقع آخر.
تغلب على تقييمكم للأعمال الأدبية السعودية المجاملة و العجلة..فهل نطمع في تقييم موضوعي لما يجري في الساحة الأدبية السعودية تأليفاً و نشراً،أدباً و شعراً ، و رواية و قصة مقارنة بالبلاد العربية الأخرى؟
(يقول ضاحكاً) لا تطمعي في شيء كهذا، أنا مجرد قاريء،ومهمة الدراسة والتقييم والتصنيف تقع على عاتق الأساتذة النقاد الأكاديمين وهم بحمد الله يملأون الجامعات.
هذه هي حقيقة خلافي من نزار قباني
هناك مقالة للشاعر الراحل (نزار قباني) كتبها واصفاً العرب بالسريلانكيين و قد رديت عليه بمقالة استفزته و لم يتقبل ردة فعلك تجاه مقالته و خلق ذلك نوع من التوتر في علاقتكما فلماذا كان غضبه كبيراً منك؟ و هل تم فيما بعد صلح بينكما؟
كان نزار قباني ،مفرطاً في حساسيته ،وقد أغضبته المقالة على نحو لم أدرك مداه إلا بعد وفاته،والعلاقة بيننا على أية حال لم تتعد بعض اللقاءات العابرة،ولم يكن بينها أي لقاء حميم سوى لقائي به في منزله قبل موته بأيام وقد كتب الأستاذ (عرفان نظام الدين)بالتفصيل عن هذا اللقاء.
و الأن بعد رحيل نزار قباني عن هذا العالم ماذا تقول عنه و من هو نزار في عيون و فكر (د.غازي القصيبي)؟
نزار قباني شاعر "ملأ الدنيا وشغل الناس" في القرن العشرين كما لم يفعل أي شاعر عربي آخر.أعتقد ان هذا الحكم،وهو مؤقت بطبيعته،يلخص موقفي وموقف معظم محبي الشعر،منه.
كيف تصف المرأة ؟ و هل تظن أن كيدهن عظيم؟
يخطء الكثيرون حين يعتقدون ان القرآن الكريم وصم النساء بوصمة الكيد العظيم،حقيقة الأمر ان القرآن الكريم في سورة يوسف نقل عن العزيز خطاباً لامرأته التي راودت يوسف عليه السلام عن نفسه ثم كذبت على زوجها"انه من كيدكن،ان كيدكن عظيم".أما رأيي في المرأة فيلخصه ماورد في الاثر((النساء شقائق الرجال)).
كيف يرى( د.غازي القصيبي) العالم عام 2025م لا أعني كيف يتمنى أن يكون بل كيف يتوقع أن يكون؟
لا أدري،ولو كنت أدري لما بخلت بالمعرفة....كل ما استطيع قوله ان نظرتي إلى العالم بعد ربع قرن مليئة بالتشاؤم.
لو عادت السنين بك الى الوراء،الى سن الشباب..هل كنت ستسير من نفس الطريق؟
لا أدري،الآن ماذا سأفعل لو حدث هذا الشيء أو لم يحدث ذاك الشيء،مثل هذه التساؤلات الخيالية مضيعة للوقت...أفضل أن اترك الخيال للروايات.
أخيراً سأدخل سنة تمهيدي كمبيوتر
التكنولوجيا و الإنترنت أصبحتا لغة العصر التي لم يتعرف على أبجدياتها العدد الأكبر في عالمنا العربي فهل لها مساحة معينة في حياتكم؟ أنا استفيد من جميع معطياتها عن طريق الأولاد والزملاء....وأوشك أخيراً ان ادخل سنة تمهيدي كمبيوتر!
كان أهم الأهداف التي دفعتنا لإنشاء موقعنا هو رغبتنا في ابراز الرموز العربية و أعمالهم المتميزة التي شعرنا انها تكاد مختفية على الإنترنت تماماً،بينما في الغرب لم يعد كاتب و لا اديب و لا عالم إلا و له موقع يحتوي على سيرته الذاتية و كل ما تبحث عنه من معلومات فلماذا لم يتحرك عالمنا العربي بهذا الإتجاه؟ و متى سنجد موقع للدكتور غازي القصيبي و أعماله؟
بدون موقع على الإنترنت يصلني يومياً من الرسائل ما لا أتمكن من الإجابة عليه.فلنترك الموقع إلى ما بعد التقاعد.
في نهاية لقاءنا نشكر معالي الدكتور غازي القصيبي على اتاحة هذه الفرصة لنا ولرواد الإنترنت...كما نشكر الأستاذ منصور الخريشي المسؤول الإعلامي بالسفارة السعودية في لندن على تعاونه الكبير معنا