وهب اللّه تعالى الإنسان نعمة الذاكرة لتمكينه من إعمار الأرض، بالبدء من حيث انتهى السابقون.. وبتجنب أخطائهم. والذي يهمل نعمة الذاكرة ولا يستفيد من دروس التاريخ يستحق أن يظل متخلفًا ومهانًا من الآخرين. ونعتقد أن التخلف الذي أصاب «خير أمة أخرجت للناس» سببه عدم استفادة الأمة الإسلامية - خصوصًا العرب - من عبرة التاريخ.. فما حدث في الأندلس مثلاً يحدث كل يوم في مواقع أخرى دون أدني يقظة أو تفكير في أسباب هذه الانتكاسات، الواحدة تلو الأخرى!.
وها نحن نتجرع من بوش الابن الكأس نفسها التي تجرعناها من بوش الأب منذ عشر سنوات فقط لا غير. فعندما حشد الأب حشوده للسيطرة علي مخزون النفط العالمي بحجة تحرير الكويت ووُجه بمطالبات عربية ودولية بضرورة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة الصادرة ضد العدو الصهيوني على قدم وساق مع تلك الصادرة ضد العراق.. ولكن بوش الأب الذي لا يجرؤ على أن يدوس على طرف للكيان الصهيوني المدلل، تعامل مع العرب السذج بكل خبث وتظاهر بموافقته على ذلك وأعلن أن حل قضية فلسطين سوف يلي مباشرة تحرير الكويت، وصدّق المساكين.. وأخذت أبواقهم الإعلامية تهلل لهذه التصريحات المخادعة.
وعندما استقرت الأمور لراعي البقر سيق العرب إلى مدريد وأوسلو وغيرهما، وشربوا أكبر مقلب في التاريخ بإرغامهم على الاعتراف بالعدو الصهيوني وأحقيته في أرض فلسطين، ولم يحصلوا في المقابل على أي شيء سوى «شرف» الجلوس مع رئيس أمريكا وقادة العدو!.
وللأسف الشديد فقد بدأ التاريخ يعيد نفسه سريعًا.. فها هو بوش الابن يضطر لإطلاق تصريح مشابه (مجرد تصريح دون أية التزامات) يدّعي فيه اقتناعه بأحقية الفلسطينيين في «دولة» ليعود العرب بسذاجتهم للتصديق والتهليل لهذا الفتح المبين، رغم التطابق الكامل لموقف بوش الابن مع موقف الأب، حيث الحاجة إلى الدعم العربي والإسلامي لحملته الكاسحة على الشعب الأفغاني الجاري عقابه بالشبهة!.. ورغم أن سفير بوش الابن لدي الكيان الصهيوني أسرع بطمأنة العدو بأن شيئًا لن يتم دون أن توافق عليه الدولة العبرية، أي أننا سنعود إلى الدائرة المفرغة إياها التي بدأها بدهاء بوش الأب!.
أما السفاح شارون الذي يعرف تمامًا أن تصريح بوش هو مجرد لعبة سياسية مؤقتة وللاستهلاك العربي، والذي بالقطع تم التشاور معه قبل إطلاق هذا التصريح الخبيث.. فلم يضيع الفرصة «ونفش ريشه» وأعلن بكل قوة وبجاحة أن الدولة العبرية لن تسمح بإرضاء العرب على حسابها. ولكن العرب، أهل الطًّيبة والبراءة والسماحة(!)، التقطوا تصريح بوش وعجزت أجهزة الاستقبال لديهم عن التقاط تصريح شارون أو تطمينات السفير الأمريكي. فهل نلدغ من الجحر مرة أخرى؟!.
إن الإدارة الأمريكية الخاضعة للنفوذ الصهيوني لا تستطيع ولا تجرؤ أن تغضب اليهود، وتعلم جيدًا أن العرب في «وضعهم الراهن» لا يملكون أي خطط للضغط عليها رغم امتلاكهم لوسائل عديدة.. ولن تكون لنا
قيمة أو كلمة إلا بعد الاقتناع بأن أمريكا هي إسرائيل.
إن حل مشكلة فلسطين مرهون بوقوع «الطلاق» بين العرب وأمريكا
. إن حل مشكلة فلسطين مرهون بوقوع «الطلاق» بين العرب وأمريكا