الايغور ماالايغور

    • ثم أعلن الخاقان « موخان بن إيلخان بومين » حربا على امبراطوريتى « وى » و « جوى » فى الصين، و اجبرهما على أن يدفعا إتاوة سنوية إلى تركستان ... ثم تخالف مع نوشيروان و اشتركا معا فى القضاء على دولة الهياطلة، و اقتسما أراض يهما بينهما – على أن يكون نهر جيحون حدا فاصلا بينهما ( أي تركستان وإيران )....
      ولما ظهر الجفاء بينهما استرد من إيران ما كان بيدها من أراضى الهياطلة، وضمها إلى تركستان بحجة انها فى الاصل ممتلكات تركية – ويجب أن يعطى ما للترك للترك – وبذلك أصبحت باقتريا، وأفغانستان، وجميع البلاد التى تقع بين نهرى جيحون والهندوس تابعة للتركستان من جديد و امتدت حدودها فى بعض الأحيان إلى شبه جزيرة القريم فى الغرب.
      و نعلم من المراجع البوزنطية أن الترك فتحوا عام 576م مضيق القريم، و وصلوا عام 581م إلى أسوار خرسون، و ثمت مصادر بوزنطية من عام 568م إلى عام 598م. و كانأول رسل البوزنطيون و هو « زمرخوس » الوحيد بينهم الذى عبر نهر آتيل ( قلجا ) و زار مقر خاقان الترك الغربية الذى كان قريبا، شمالى مدينة كوجا ( عند مدينة بوكور ) و دارت بينه و بين الخاقان مفاوضات ترمى إلى القيام بحملات مشتركة على الساسانيين.
      غير انهما لم يعقدا حلفا ثابتا، و ما أن مضت سنون قلائل حتى اشتبك الترك فى حرب مع الروم و الفرس؛ و غزا الأتراك « اللان » فأضحت مملكة الساسانيين على تخوم الاراضى التركية لا فى تركستان فحسب، بل فى غربي بحر قزوين ايضا. و أقيمت أسوار « دربند » لدفع الترك عن البلاد، و شيد الساسانيون الحصون فى البلاد التى إلى الشرق من بحر الخزر لتدرأ عنهم عادية جيرانهم الترك، فأقيم سور من الآجر لحماية جرجان و لكن هذه السور لم يقف دون غزوة الترك الظافرة، ( و يقال أن كسرى انوشروان هو الذى شيد هذا السور ).
      و لدولة الترك هذه أهمية خاصة فى تاريخ حضارات آسيا العامة حيث خلفت من آثارها الكتابة التركية القديمة المشهورة بالنقوش « الارخونية » التى تعد من اخلد المآثر فى سجل التاريخ التركية، كما انها لعبت دورا مهما فى تاريخ العالم إذ كانت ترتبط بعلاقات سياسية و اقتصادية مع الصينيين و الساسانيين و البيزنطيين، و صارت قوة الدولة فى النصف من القرن السادس الميلادى إلى درجة لم تهدد الصينيين وحدهم بل كانت الدولة الساسانية و البيزنطية، و الصينية، تحسب حسابها، و تخطب صداقتها. و فى ظل نظامها الدقيق امكن تحقيق المبادلة الاقتصادية، و الأدبية بين الصين و الهند و الفرس و الروم، و اصبجت تركستان حلقة الاتصال بين الشرق الاقصى، و بقية المسكون من الكرة الارضية.
    • الحركة الفكرية:
      كان رجالها يقوم بمهمة نقل الآثار الفلسفية و الأدبية و المدنية و الاديان و التاثر بها، ثم نقلها من الغرب إلى الشرق، أو من الشرق إلى الغرب.
      و فى ظل تلك الدولة العظيمة كانت تركستان لأمن طريقها و حسن نظامها ممرا للأديان و الافكار؛ فاجتازت البوذية، و المانوية، و المزدكية، و الزرادشتية، و كذلك النصرانية التى قدمت الهند و إيران و الشرق الادنى إلى الشرق الاقصى عابرة هذه المملكة التركية الشاسعة.
      و كانت الدولة تنقسم إلى ادارتين مختلفتين: الشرقية، و الغربية. و كانت الغرب تابعة لإدارة الشرق، و يحكم الغرب أمير من الأسرة المالكة بعنوان « يابغو »، ثم انفصلت إدارة الغرب عن الشرق سنة 582م فى عهد الخاقان « شابوليو » بسبب منازعات الأمراء، و الدسائس الخارجية. و قد ذاق كلا القسمين وبال هذا الانقسام فيما بعد، و زادت الدسائس الصينية، فكانت أكبر عامل على اسقاط الدولة الشرقية بعد انقضاء نصف قرن على هذ الانقسام سنة 630م.
      و أما الدولة الغربية، فلم يكتب لها أن يطول بها الزمن أيضا فقد انقرض سنة 659م على أثر منازعات داخلية و هجوم خارجى، و لكن التركستانيون ادركوا فيما بعد عاقبة التفرقة و الشقاق فظهر منهم زعيم مخلص و قائد محنك، يسمى: « قوتلوق خان » الذى طرد الصينيين إلى بلادهم، و أعلن نفسه خاقانا على بلاد تركستان سنة 681م، و احيا من جديد دولة الترك الشرقية، و احرز إنتصارات باهرة فى كل مواقعه، و أعاد المجد القديم، و خلد اسمه مشرقا فى صحائف التاريخ.
      وبعد وفاته سنة 691م جلس على عرشه أخوه« موجوخان » و كان خير خلف لخير سلف – حيث انتصر فى جميع حروبه على الصينيين، كما انتصر على أتراك « قارلق » و « توركش » الذين حلوا محل الدولة الغربية – فى وقائع مختلفة؛ و بعد وفاته جلس على العرش « بيلكه خاقان » بن « قوتلوق خان »؛ ثم ابنه .....
      وأخيرا هاجمها « الأويغور » من الأتراك، بمساعدة القبائل التركية الاخرى، مثل باسمل، و قارلق – و قضوا على الدولة القوتلوقية سنة 705م.


      دولة تركش



      وأما الدولة الغربية، فكانت قبيلة « تركش » وهى إحدى القبائل التركية التى تتألف منها الدولة الغربية – حلت محلها، و قامت بإحياء مجد الترك الغربية، و استعادة ملكها.
      كانت آسيا تغلى بها مراجل الحوادث، و تغمرها انقلابات عظيمة، تهدد قوات تركش من الشرق و الغربو الجنوب ( أعنى الفتوحات العربية الإسلامية ) – بينما كانت الصين و التبت تتنافسان أيضا فى اخضاع ممالك الترك الغربية فى الجنوب.
      و فى سنة 670م أصبحت التبت أمام أبواب كاشغر منافسا قويا للصينيين و فى تلك الأثناء، توفى خاقان تركش « اوجلة » سنة 706م و تربع على عرشه ابنه « سوقو » حدث نزاع شديد على العرش بينه و بين اخيه، فوثب عليهما خاقان الترك الشرقية، و قضى على حكم تلك الأسرة سنة 711م...
      و على أثر ذلك اندلعت نار الحروب بينهم حتى ظهر منهم زعيم عظيم يسمى «سولو» فأخمدت الثورات، و وحد القبائل، و أعلن استقلاله عن دولة الترك الشرقية، فأقام نفسه خاقانا على تركش سنة 716م. وتحالف مع المسلمين العرب، و التيبتيين ضد الصين. و أظهر بسالة نادرة فى كل مواقعه، ولم يرفض مطالب إخوانه الأتراك فيما وراء النهر، و طخارستان لمساعدتهم ضد العرب و المسلمين.
      و ذهب بنفسه مرارا لمحاربتهم، فحاربهم فيما وراء النهر، و طخارستان، و دفعهم مرارا حتى وصل فى إحدى إنتصاراته إلى خراسان – و فى النهاية دب روح النزاع من جديد بين قبائل « تركش » فانشطرت الدولة إلى حزبين، و قتل الخاقان فى المعركة، و عاش الحزبان مستقلين.
      كان هذا النزاع بين الأتراك فرصة سانحة للصينيين، و للعرب أيضا فأخضع الصينيون بعض القبائل سنة 739م كما استرد العرب البلاد التى فقدوها فيما وراء النهر، و كانت دولة الترك الشرقية حينئذ قد انقرضت بهجوم مشترك من قبائل الأتراك « الأويغوريين» و« قارلق » و« باسمل ».
    • الدولة الأويغورية



      تأسست دولة الأويغورية على ساحل نهر اورخون، و اتخذت « قارابالغاسون » عاصمة الدولة – كما تاسست دولة قارلق فى غربها، و أعلنت نفسها حاكمة على المقاطعات الغربية، ثم انتهزت فرصة النزاع بين الحزبين، و استولت على المقاطعات الغربية، فتم لها الاستيلاء على « توقماق » و« تالاس » عاصمتى دولة الترك الغربية سنة 766م -.
      أما الدولة الأويغورية التى حلت محل الترك الشرقية، فقد أخذت على عاتقها رفع بناء الحضارة التركية، و ابتكار فنونها، فنمت قوتها بسرعة.
      كانت بلادها تحتوى على: تركستان الشرقية كلها، و منغوليا، و على بعض الولايات الصينية، - و بدأت تهدد الصين كأسلافها حتى غزا خاقان الأويغوريين « بوكوك خان » بلاد الصين، فوصلت فتوحاته إلى « لويانج » عاصمة أسرة « تانغ » الصينية عام 762م.

      ولبثت هذه الدولة رافلة فى اثواب عزتها، متمكنة فى اوج قوتها مدى قرن من الزمان (740 – 840). م، ثم انهزمت أمام قبيلة تركية أخرى وهى قرغيز، و على أثر ذلك اضطرت إلى ترك منغوليا و انحصرت دولتها فى تركستان الشرقية، و مقاطعة « قانصو » فى الصين. و اتخذت « قاراخوجا » فى طورفان عاصمة جديدة للدولة، حيث خلفت هناك تلك الحضارة الباهرة التى تدهش الناظرين، و تحير الالباب.
      كانت تركستان الشرقية منذ أقدم أجيال التاريخ موطنا للأتراك، و مهدا لحضارتهم. و قد سمى العرب سكانها الأتراك، قبل مهاجرة الأويغوريين إليها باسم تغزغز ( توقوز أوغوز )، و سموا الأويغوريين كذلك بعد هجرتهم إليها بهذا الاسم لعدم علمهم بهذه المهاجرة الجديدة. ( و الذين هاجروا من تركستان إلى الصين، من قبائل تغزغز بعد مجئ الأويغوريين أقاموا فى هونان، ثلاثة بيوت حاكمة، الأول بيت « تانج » المتأخر فى الزمن، و قد حكم من عام 923م إلى 936م، و الثانى بيت « تسين » المتأخر أيضا و قد حكم من عام 936م إلى 947 و الثالث بيت « هان » المتأخر كذلك و قد حكم من عام 947م إلى عام 951م ).
      لقد تقدمت حضارة تركستان الشرقية بعد تأسيس الدولة الأويغورية هناك تقدما باهرا، و قد أثبتت هذه الوثائق التاريخية، و الأثار المدنية التى أثبتت هذه الحقيقة الوثائق التاريخية، و الآثار المدنية، التى عثرت عليها البعثات الاوربية فى الحفريات التى اكتشفت هناك، منذ أوائل القرن العشرين، و هذه الحفريات التى أجريت فى عاصمة الأويغوريين « خوجو » أو « ايديقوت » كانت لها نتائج

      باهرة تدل على أخذهم بأعظم اسباب المدنية و العمران، و تقدمهم فى مدارج العظمة و الرقى.
      يقول احد المستشرقين الألمان بعد ما شاهد هذه الآثار الفنية، التى نقل بعضها إلى المتاحف الاوربية، و بعضها الآخر فى مواطنها الاصلية: « يحق للأتراك أن يفاخروا بأجدادهم الذين خلفوا هذه المدنية الزاهرة، فى وقت لم يكن بإنجلترا و ألمانيا شئ منها ».
    • دولة كارلـق



      حلت قبائل قارلق محل تركش، و دولة الترك الغربية، فكانت الأول تسكن فى الشمال الغربى من « أورمجي » و« كوجن » وغربى « آلتاى »، فلما بدأ الانقسام بين أجزاء امبراطورية الترك العظمى، استولت عليها الصين، فأصبحت إحدى الولايات الصينية، وهاجر أهلهاإلى الجنوب، واتفقوا مع الأويغوريين و باسمل و قضوا على دولة الترك الشرقية سنة 745م. وكان الساكنون منهم فى جبال « اوتوكن » تابعين للأويغوريين، والذين فى آلتاى وبشبالق تابعين للصين، واشتركوا معها فى بعض الحروب، و فى المعركة الدامية التى وقعت بين قائد المسلمين «زياد بن صالح» وقائد الصين «كاو- شين – جه» على نهر تاراس، انضم هؤلاء الأتراك « قارلوق » إلى المسلمين حينما رأوا إخوانهم الأتراك فى صفوف المسلمين العرب. وكان انضمامهم إلى المسلمين سببا فعالا فى كسب الحرب، وبلغ المسلمون بمساعدتهم الانتصار الباهر الذى غير مجرى التاريخ، وابعد الصين عن تركستان جملة. ثم بدأ أتراك «قارلوق » يلعبون دورا هاما فى ميدان السياسية، فزادت قوتهم – حتى حاربوا الأويغوريين للاستيلاء على تلك المناطق (756 – 757)، واستفادوا أيضا من نزاع قبائل تركش.
      و أسسوا دولتهم فى بلاد الترك الغربية، و أصبحت خلفا لتركش سنة 766م، ثم حاولوا صد هجمات المسلمين على ماوراء النهر بما امكنهم من جهود، حتى استولوا مرة على فرغانة فى عهد الخليفة « هارون بن الرشيد » غير انهم اضطروا إلى ترك فرغانة. و فى سنة 806م تحالفوا مع الأويغوريين و التبتيين ضد الدولة العباسية، و لكن المأمون الذى كان واليا فى خراسان استصوب سياسة مجاملة الأتراك، و أرضائهم. فلهذا عقد معهم معاهدة صداقة و تحالف، و من ثم بدأ الإسلام ينتشر بينهم، و يغزوا قلوبهم و كان ذلك مقدمة صالحة ترشحهم للقيام بدورهم فى إنشاء الدولة الحاقانية الإسلامية فى تركستان الشرقية فيما بعد.



      الإسلام و تركستان



      شاء الله أن يكون من نصيب تركستان إشراق نور الإسلام فى أرجائها، و سطوع ضوء الإيمان تحت سمائها، و وصول عبير القرآن إلى أبنائها، لتكون ركنا فى صرح التاريخ الإسلامى متصلا ببنائها، و ذلك فضل من الله عليها، و نعمة منه واصلة اليها، استمرت على تعاقب أجيالها، و توالى الايام فى بكورها و آصالها، حتى قامت هذه الأمةبواجبها نحو الرسالة السماوية العلياء، و الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم.
      فبعد موقعة « نهاوند » التى عرفت فى تاريخ الإسلام بفتح الفتوح، استولى العرب المسلمون على بلاد إيران كلها سنة 642م و هرب يزدجرد آخر الاكأسرة الساسانية إلى تركستان، و التجأ إلى الأتراك، و اقام فى مرو لأول مرة، و على أثر ذلك فأصبحت فارس و ممتلكاتها ضمن الدولة الإسلامية، و بنى المسلمون البصرة على خليج العجم، و بنوا الكوفة على الشاطئ الغربى لنهر الفرات، و أصبحت الكوفة مقر الحكومة بدل المدائن، و اعتنق الفرس الإسلام، و اختلطوا بالعرب وصاهروهم، و أصبحوا عنصرا إسلاميا هاما.
      وأصبحت الامبراطورية التركية التى كانت حينئذ من الدول الأربعة الكبرى فى العالم على حافة الانقراض – وفعلا انقرضت الامبراطورية فى تلك السنة نفسها سنة 645م وتأسست عدة إمارات ودويلات تنازعت فيما بينها؛ و دمرت قواتها القومية بالنزاع و الشقاق.
    • هذه من جهة، و من جهة أخرى كانت الصين تهدد الأتراك، و تطمع فى الاستيلاء على تركستان، و لكن المسلمين العرب بعدما فتحوا إيران، نشروا الإسلام فيها، وعظم شأنهم، ثم بدأت عوامل الغزو بين المسلمين و أتراك تركستان.
      و فى عهد الخليفة « عثمان بن عفان » رضى الله عنه، استولى المسلمون على بلاد خراسان التى كانت أكثر سكانها أتراكا، و استقروا فيها، و بدأوا يتقدمون صوب الشرق، و استولوا على مدينتى « بلخ و هرات »، و وصلوا إلى نهر جيحون. و فى عهد معاوية صارت خراسان قاعدة حربية للتقدم إلى داخل تركستان، و اسكن فيها قدر خمسين الفا من مهاجرى العرب من الكوفة و البصرة، و استعدوا للحرب إلى أن تتاح الفرصة، و كان من حسن حظ المسلمين أن بدأت الحرب بين ملوك تركستان و أمرائها، و استفاد المسلمون من ذلك، فاتجهوا إلى طخارستان، و ما وراء النهر، فلما تربع على عرض الخلافة اهتم بفتح تركستان، لكنه لم ينجح فىأول الأمر و ثبت الأتراك على الدفاع عن بلادهم، و الزود عن كيانهم، حتى اخرجوا المسلمين الذين عبروا نهر جيحون مرة إلى غربها.
      وحينما عين الخليفة عبدالملك الحجاج بن يوسف الثقفى فى ولاية خراسان، بدأت الحرب بين الترك و المسلمين على أشدها، وأرسل الحجاج قواده المشهورين لفتح تركستان، ولما رأت عدم نجاحهم ولى الحجاج البطل الإسلامى « قتيبة بن مسلم البأهلى » على خراسان سنة 86هـ. فلما وصل قتيبة إليها استعرض جيوشها و نظم شئونها، ثم شمر للجهاد على رأس جيش جرار، بعد أن جعل على المهمات الحربية بمرو « إياس بن عبدالله بن عمرو » من امهر القواد، و جعل على الخراج « عثمان بن السعدى » و سار هو يعبر النهر إلى داخل تركستان، فتسامع ملوك تلك الاقطار بهذه الحركة، فمنهم من أدرك أن لا قبل له بقتال المسلمين، فاضمر التسليم، و منهم من اعتزم المقاومة و الاستبسال.
      و بذلك بدأت الحرب على أشدها و نجح المسلمون فى هذه الحروب الطاحنة الدامية التى استمرت نحو اثنتى عشرة سنة متوالية، و رسخت قواعد الإسلام بعد ذلك؛ حتى امتد النفوذ الإسلامى إلى « كاشغر » فى تركستان الشرقية، ثم بدأ المسلمون ينشرون الإسلام بين ربوعها بجد و نشاط.
      رأى التركستانيون أنهم أمام دين جديد، قوامه التعاون و التعاطف و التراحم و إقامة شريعة الله على السواء بين الجميع، لا يرتفع كبير على صغير، و لا يستطيل غنى على فقير و لا فضل لعربى على عجمى. و تبين لهم أن هؤلاء الغزاة لم يتقدموا للاغتنام و الغلب، و إحراز كنوز الفضة و الذهب، و التعالى و الاستكبار فى الارض، و إنما جاءوا لنشر رسالة التوحيد، و رد مخلوقات الله إلى الله، و إقامة العدل بالقسطاس المستقيم بين الغالب و المغلوب.
      إن التركى إذا آمن بعقيدة، أو تبين له صوابها، لم يتردد لحظة واحدة فى الإيمان بها و الدفاع عنها. لذلك نرى بعد تلك المقاومة العنيفة إقبالا على الإسلام و تعلقا بأهداب القرآن. و من المعقول فى الأمم أن لا تقبل الدين الديانات الجديدة بمجرد رؤية بعض أهلها! و لا بد فىأول الأمر من أن تثور الغيرة و الحمية، و تنشط النفوس إلى الدفاع و المقاومة، فإذا تبين الرشد من الغى امكن لنا أن نضع فى الميزان مقدار عقلية الامة، و تقديرها للحقائق. و أتراك تركستان ما كادوا يتبينون حقيقة الإسلام حتى أقبلوا إليه طائعين، و مدوا إليه مختارين، و دخلوا فى دين الله افواجا، و أقبلوا على الإسلام زرافات و وحدانا بعد أن درسوا الكتب الدينية، و تعمقوا فى البحث عن الإسلام، و دلائله الواضحة، و حججه القاطعة و جواهر حكمه، و بدائع مواعظه، و جوامع كلمه، و ايقنوا أن فى هذا الدين تنظيم امورهم، و اصلاح نفوسهم، و رقى شعوبهم، و انه دين العقل و دين الفطرة، و دين المروءة، و دين المساواة و دين السعادة و تاج الاديان.
      لقد نال هؤلاء الأتراك الحظوة الخطيرة فى عهد العباسيين، و اشتغلوا بترقية شؤون الدولة، و مد نفوذها، فأصبح المرجع إليهم فى كل الأمور، حتى صار اغلبية الوزراء و الوكلاء، و قواد الجيوش من أبناء تركستان.
      و كان الحلفاء يحبون الأتراك حبا جما، و مدحهم من الشعراء و العلماء، و أثنوا عليهم و كتب بعضهم رسائل مستقلة
      فى مناقب الأتراك و فضائلهم.
      قال ابو إسحاق:
      و فتية من كماة الترك ما تركت
      للرعد كباتهم صوتا و لا صيتا
      قوم إذا قوبلوا كانوا ملائكة
      حسنا، و أن قوتلوا صاروا عفاريتا
      و قال ابن الرومى:
      إذا ثبتوا فسدّ من حديد
      تخال عيوننا فيه بحار
      و أن برزوا فثيران تلظى
      على الأعداء يضرمها استعار
    • لما أصبح للأتراك الحكم المطلق فى بغداد كانوا يتولون أيضا كثيرا من البلاد و الولايات، و استقل بعضهم حين بدأ الإنقسام و الضعف فى الدولة العباسية كالدولة السامانية فى تركستان، و الدولة الطولونية و الاخشيدية فى مصر و الشام – فلما رأى غير المسلمين من الأتراك نجاح مواطنيهم من أبناء جلدتهم، نهضوا من رقدتهم، و استيقظوا من سباتهم و بدأوا يدخلون فى دين الله أفواجا بمحض اختيارهم.

      جهود الأتراك فى نشر الإسلام


      استطاعت الدولة السامانية التى تأسست فى المقاطعات الغربية من تركستان الكبرى، و الدولة الخاقانية التى ظهرت فى شرقها – أن تعمل كل منهما على انتشار الإسلام بين من لم يسلموا من الأتراك، فدخلوا فى دين الله زرافات و وحدانا و انتشر الإسلام فى القرن العاشر الميلادى، فيما وراء سيحون و كاشغر، و بدأ إنتشاره بين قبائل اوغوز، قارلق من قبائل الأتراك فأسلم فى سنة 1048م 350هـ مائتا الف أسرة فى يوم واحد بين طاشكند و فاراب و إذا فرضنا أن كل أسرة مؤلفة من خمسة انفس، فعدد الذين أسلموا فى هذه المرة نحو مليون نفس. و كذلك أسلم سنة 435هـ عشرة آلاف أسرة من أهل « بالاساغون ».
      وتأسيس الدولة الخاقانية فى تركستان الشرقية، ثم فى غربها أيضا و الدولة الغزنوية فى جنوب تركستان، و أفغانستان، والهند الشمالية، انتج دخولهم فى الإسلام بعضهم وراء بعض.
      بعد أن بدأ الانقسام فى الدولة العباسية، اسس الأتراك فى مصر و الشام: الدولة الطولونية، ثم الاخشيدية – و فى تركستان نفسها الدولة السامانية، و فى شرقها الدولة الخاقانية وفى جنوبها و بلاد الأفغان و الهند: الدولة الغزنوية. ثم اتحد تحت الراية السلجوقية الكبرى كل البلاد التى كانت تحكمها الدولة العباسية – عدا مصر و الهند – و فضلا عن ذلك ضمت بلاد الأناضول إلى الدولة، و على أثر إنقسامها تأسست عدة دويلات تركية فى البلاد التى حكمها السلاجقة فى إيران، و العراق و سوريا، و الأناضول و غيرها....
      و عاش فى ظل الإسلام: الدولة الخوارزمشاهية، ثم الدولة التيمورية الكبرى، و بقية الإمارات التى تأسست فى تركستان بعد انقسامها، و خدمت الإسلام حتى لم يبق فرد من الأتراك فى تركستان يتدين بغير الإسلام.
      و لما كان الأتراك قبل الإسلام امة عظيمة القدر قديمة المدنية، ذات مجد و سلطان؛؛؛ كان من الطبيعى أن يخدموا الإسلام بعد أن آمنوا، و ما كاد الأتراك فى تركستان يعتنقون شريعة التوحيد، و تغلغل أصولها فى المشاعر و الالباب حتى نهضوا ينشرون الدعوة، و أقاموا من أنفسهم غزاة فاتحين، و دعاة مخلصين يعملون على اعلاء كلمة الإسلام ما وسعهم الجهاد، و اتسعت لهم رقعة الارض.
      و التركستانيون انما خلقوا للجهاد: فإذا جاء دين الجهاد، فقد وجدوا اعز أمنية على أنفسهم، و اقرب غاية إلى ارواحهم الطامحة و عزائمهم الجياشة، لقد تأثرت قلوبهم بالإسلام، فألفوا و دونوا و كانوا مسلمين، نية و قولا و عملا.
      لم يكتفوا بالمراسيم و الالفاظ، و لم يقفوا عند حدود المظاهر و الالوان، بل أشربت قلوبهم معارف فى القرآن، و امتزجت ارواحهم بفقه السنة و انوار السيرة المحمدية المطهرة، و جعلوا أداء الشعائر، و إقامة حدود الله نصب اعينهم، و قبلة آمالهم، ثم دفعتهم الغيرة إلى أن يقوموا بالدعوة و الارشاد، فساهموا بنصيب موفور فى هذا الواجب، وفقا لقوله تعالى:
      « ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير » لم يكن ذلك فى بلادهم وحدها بل فى كل ماجاورهم من الممالك و الاقطار، فأرسلوا دعاة الإسلام إلى بلاد التبت: فأسلم كثير من سكانها بغير تردد، ثم نشروا الشريعة الإسلامية فى بلاد إخوانهم الذين يسكنون هضاب «مغولستان » و « منغوليا ». وذهب التركستانيون أيضا إلى المدن الصينية المجاورة للتركستان الشرقية، و نشروا الدعوة الإسلامية فيها، فأسلم عدد كبير من الصينيين، فلذلك نرى أن أكثر المواطن الصينية احتشادا بالمسلمين، هى المواطن التى تتاخم بلاد تركستان.
    • يكفى أن نذكر اللفظ الذى يدل على المسلم و يعبر عن معناه فى اللغة الصينية، فكلمة « خوى – خوى » هى التى تعنى المسلم، و هى محرفة بإعتراف الصينيين عن كلمة « اويغور » التى هى اشهر قبيلة تركية، تكون أكبر عدد فى التركستان الشرقية.

      لم تنحصر جهود المسلمين الأتراك فى هذا الميدان وحده و لكنهم رفعوا لواء الإسلام عاليها عند إخوانهم من أتراك « البلغار »: و سواحل نهر فلجا « أثيل »، و ساروا بدعوتهم القوية فى كل ما امكنهم الوصول إليه من البلاد الشمالية، و ما زالت تلك جهودهم تمضى بهم قدما فى سبيل الله حتى شرقى أوربا-.
      ومن تتبع تاريخ نشر الإسلام فى « بولندا »، و« فنلندا »، و« استونيا » وسائر الممالك البلطيقية وغيرها تعرف مبلغ المجهودات الباهرة التى كان يبذلها أولئك المؤمنون الصادقون من أبناء تركستان، الذين جعلوا نشر الدين فى أول الواجبات، و فى مقدمة الأعمال الخالدة التى بذلوها.
      وأن أنس لا أنسى فتوحات السلطان « محمد الغزنوى » للهند، و كان هناك الشأن الاول، و المقام الأعلى للوثنية، و الديانات الهندوكية، فلما كتب الفوز لهذا السلطان التركى المسلم، صدع بأمر الله فى جهاد الكفر و الكافرين، و حطم الاصنام فى معاقلها الحصينة، و نشر دين التوحيد فى ربوع الهند، و غرس الغرس المبارك الطيب الذى]

      حق له من بعد أن ينمو و يزداد، على توالى الأجيال و العصور... و لم يكد الإسلام بكتابه و سنته يسكن بلاد تركستان، و تنبثق أشعته الالهية فى قلوب أبنائها حتى أقبلوا على الدرس و التحصيل، و اندفعوا للبحث و الاستقصاء، و أقاموا من أنفسهم قادة، و حملة للواء العلم و الثقافة فيها. و لعل المطلعين على أبسط مراجع التاريخ، يعلمون قيمة الجهود التى بذلها الأتراك فى خدمة الإسلام، و كيف كانت لهم القدم الراسخة فى جيش الجهاد فى سبيل الله، و محاربة الوثنية و الصليبية، و حماية هذا الملك العظيم ضد اعدائه من الشرق و الغرب.

      تركستان مدرسة العلماء

      ما أكثر ما يشغلها التاريخ السياسى و الحربى، و انقلاب الدول، و تغيير الممالك عن تاريخ العلم و تطوراته. فكثير من الناس يحفظون عن الترك أسماء ابطالهم و قوادهم، الذين غامروا فى الميادين، و دافعوا عن حوزة الدين، و يعرفون فضل السلاجقة، و الأتابكيين، و السامانيين، و الخاقانيين، و الغزنويين، و الطولونيين، و الاخشيديين، و التيموريين، و التوغلوقيين، و البابريين، و الممالك، و العثمانيين....

      و ما كان لملوك هذه الأسرة من الفضل فى دفع الحروب الوثنية، و الصليبية، و حماية بلاد الشرق و الإسلام. و هنا يقف المعجبون بأبطال التاريخ الحريين، فلا يذكرون العلماء بشيئ، و ينسون أن اولئك الأبطال ما كان لهم أن ينهضوا بأعبائهم الفادحة، و يناضلوا عن حوزة الإسلام – لولا أن قلوبهم ارتوت من سلسبيل تلك المعارف و
      العلوم، التى نشرها المحدثون و المفسرون، و الحكماء و المتكلمون و غيرهم.
      و إنى لو حاولت أن أحصى عدد العلماء الذين نبغوا من تركستان، لأحتجت إلى مطولات ضافية، و لكنى أقصد إلى التذكير و الإلماع الموجز، فليس من سبيل إلى

      إحصاء اولئك الأساطين من حكماء و علماء، لم يكونوا لتركستان وحدها، بل كانوا للعالم كله و بخاصة الإسلام. و ما برحت اسمائهم أنشودة عذبة لكل من يتغنى بمفاخر الإسلام، و عظمته الاولى. فمنذ القرن العباسى إلى وقت غير بعيد منا كان تيار العلم متدفقا من بخارى، و سمرقند، و خوارزم، و الشاش، و كاشغر، و بلخ. – حتى القرى المجهولة فى تركستان قد نبهت اسماءها حين نبغ علمائها، و قد ظهر منهم أئمة رفعوا لواء الإسلام عاليا و بنوا له مجدا بازخا، كالإمام الحافظ الحجة، أمير المؤمني فى الحديث، فى القديم و الحديث أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخارى، و كذا الامام الترمذى، و النسائى، و صاحب « الكشاف » العلامة جار الله الزمخشرى، و صاحب « المفتاح » يوسف السكاكى، و الشيخ عبدالقاهر الجرجانى، والعلامة سعد الدين التفتازانى، و العلامة السيد الشريف الجرجانى، و كذا الفقيه الشيخ شمس الأئمة السرخسى صاحب « المبسوط »، والشيخ سديد الدين الكاشغرى، وصاحب « الهداية» علي ابن أبى بكر المرغينانى، و العلامة صدرالشريعة، و تاج الشريعة، و برهان الشريعة، و صدر الأفاضل، و مفسر القرآن: ابو البركات عبدالله بن أحمد النسفى، و إمام أهل السنة ابو منصور الماتريدى، و الكاتب الأديب أبو بكر الخوارزمى، و الأديب المعروف بالشطرنجى الصولى، و محمود الكاشغرى، و كذلك كل من يدعى منهم بالشاشى، و السمرقندى، و النسفى، و الكاشغرى، و الخوتنى، و الخوارزمى، و الترمذى، و البلخى، و الاوزجندى، والخجندى، و الفارابى، و المرغينانى، و الفرغانى، و البخارى ..... الخ فكلهم من تركستان.
    • كذلك المعلم الثانى الحكيم الكبير أبو نصر الفارابى، والشيخ الرئيس على بن سينا، وخالد بن عبدالملك، المتخصص الكبير فى مرصد المأمون، وأبو زيد البلخى (أول من كتب الجغرافيا على طريقة قدماء اليونان )، وبنو موسى بن شاكر:(محمد و أحمد و الحسن ) أشهر رياضيي العهد العباسى، وأوائل المخترعين من المسلمين فى الحيل و الهندسة، والذين حققوا للمأمون مقدار الدرجة الارضية، وصححوه، وهم الذين اخترعوا علم الجبر والمقابلة وأذاعوا الحساب الهندى بين المسلمين، وابتكروا كذلك زيجا جامعا على أصول الهند و اليونان.
      ثم أبو ريحان البيرونى الذى علم المسلمين فلسفة الهند، و علومها، و الجوهري الذى أهدى إلى الأمةالعربية أحسن قواميس اللغة العربية وأكملها.
      و غيرها من فطاحل الفضلاء الذين لا يدخلون تحت حصر، حد، إلا فى مجلدات عديدة، و اسفار ضخمة – كانوا من صميم أبناء تركستان.
      علماء الإسلام كانوا بدورا
      و سماء البدور تركستان
      إن أردت الدنيا ترى المجد فيها
      قد أقيمت لصرحه أركان
      أو أردت الدين الحنيف تجدها
      و هى للبر و الهدى عنوان
      و طن المصلحين دينا، و دنيا
      تتغنى بفضلها الأزمان
      هكذا نشطت هذه الأمةللعلم، و أخذت ترتشف رحيق هذا الدين تفسيرا، و حديثا، و سيرة، و تاريخا، و ضربت فى الفقه الإسلامى بسهم قوى.
      ولا غرو، فما كانت تركستان تجد لنفسها فى ذلك العهد شخصية غير الشخصية الإسلامية، المؤلفة من الناطقين بالضاد أو بغير الضاد، فهى جزء من ذلك الكل، و عضو فى ذلك الجسم، و شجرة من هذا البستان الكبير، فساهمت بعملائها، و محدثيها، و فلاسفتها.
      لم يكن الجهاد فى الدراسة و التحصيل، محصورا على طبعة من الناس، بل كان ملوكا بل كان ملوك تركستان قبل رعاياهم فى حلقات هذه الدروس يستمعون إلى العلماء و يستفيدون منهم، و قد جعلوا هؤلاء العلماء صدور مجالسهم، و وزراء دولتهم، و قضاة حكومتهم و ولاة أقاليمهم، و كانوا يكافئونهم، بالجوائر السنية، و المراتب الرفيعة، و يعظمون قدرهم، و يرفعون شأنهم، و ينتظمون فى حلقات دروسهم، و يبنون لهم المدارس، و ينشؤون لهم المراصد و يشيدون لهم دور الكتب.

      دولهم فى الإسلام



      كانت جهود الأتراك كلها أدلة ناطقة على أن مجدهم فى الإسلام قام على دعائم ثابتة من مجدهم الراسخ، و برهانا على أن سجاياهم الفطرية فى معترك الجهاد قد انبعث فى ظل الإسلام، و ازدادت نورا و إشراقا، و إذا كان هذا الحديث المجمل صورة مصغرة من خدماتهم العلمية و الدينية. فقد كان لهم فى أفق السياسة و فى أنظمة الحكم، و إقامة الدول مدنيات إقتبست من الإسلام نورا و جديدا؛ بل أضافت إلى قاموس الحضارات العالية كلها مجدا لا يمر عليه التاريخ إلا بالثناء و الإعجاب.
      و الدولة الاولى من الترك بعد الإسلام فى تركستان، هى الدولة السامانية.
    • الدولة السامانية


      كان « سامان ياوغى » الذى تنسب إليه هذه الدولة، من قبائل أوغوز التركية، و من رهبان معبد « نوبهار » البوذى فى بلخ، و قد استعان طاهر بن الحسين بأسد بن سامان فى بعض اعماله، و كان له أربعة اولاد، هم: نوح، و احمد، و إلياس، نشأوا نشاة حسنة، و إرتفع شأنهم عند المأمون، حينما كان عاملا لأبيه على خراسان، فلما أفضت إليه الخلافة ولى نوحا بن أسد سمرقند، و أخاه احمد ( فرغانة )، و يحيى ( الشاش ) ( طاشكند )، و أشروسنة ( اوراتيه ). أما إلياس فولاه « هرات ».
      ولما توفى نوح بن اسد، أضيفت عمله إلى إخوته، ثم توفى أحمد فقام بالأمر بعده إبنه نصر على سمرقند، ثم من بعده إسماعيل بن أحمد، وهو مؤسس هذه الدولة، وهى تعتبرأول دولة إسلامية تأسست فى تركستان منذ ظهور الإسلام، وقد توالى على الملك فيها تسعة ملوك – اولهم:
      إسماعيل بن أحمد (287 – 295).م، و آخرهم عبدالملك الثانى... و كان ملوكها مخلصين فى طاعة الخلفاء العباسين، يحاربون الخارجين عليهم. فقضوا على الصفاريين، و حاربوا العلويين فى طبرستان، و ظلت ممتلكاتهم تحت سيادة السامانيين.
      و لا نعرف على وجه التحقيق إلى أي حد امتد سلطان الدولة السامانية فى أفغانستان و قيل فى « مجمل فصيحى » أن إسماعيل السامانى حكم بعض نواحى الهند، و لعله كانت له بعض السيادة على ملوك « اوهند » من الهندوس.
      كان لهذه الدولة أثر حسن فى تاريخ الآدب الفارسية، و فى عهدها و رعايتها انبعث الادب الفارسى الإسلامى، و اشتهرت تلك الدولة بالعدل و الإصلاح، و قد بلغت أعلى منزلة، و أرفع مكانة و أسمى درجة فى الحضارة و الرقى و الغنى و الثروة، و إزدهرت العلوم و المعارف، و تاسست فى كافة أنحاء تركستان جمعيات علمية لتعميم العلم و نشره بين جميع الأهليين على اختلاف طبقاتهم، حتى أصبحت تركستان إذ ذاك كعبة للعلم و العرفان، تؤمها الأمم من كل حدب و صوب، فنشأ غير قليل من العملاء و الحكماء و المحدثين.
      وكذلك ارتقت التجارة و الزراعة، و تقدمت الفنون والصناعة، حتى اشتهرت فى جميع الآفاق منتجاتها الصناعية، و منسوجاتها الحريرية، ومصنوعاتها الحديدية... وصارت التجارة سببا قويا فى انتشار الإسلام بين قبائل الأتراك انتشارا مدهشا فى ذلك العصر.
      ولما كانت الدولة السامانية تسير إلى العظمة و المجد، تاسست فى شرقها دولة إسلامية تركية اخرى، وهى الدولة الخاقانية. وفى جنوبها الدولة الغزنوية. واقتسما فيما بينهما السلطان و الدولة.
      الدولة الخاقانية

      لا نجد من مصادر التاريخ من يتكلم على تأسيس الدولة الخاقانية إلا القليل النادر، و لكننا نعلم أن أول من أسسها و أسلم، هو السلطان « ستوق بغراخان ». و قد دانت لهذه الدولة كل البلاد التى تقع شمال جبال تيانشان، و جنوبها – أي التركستان الشرقية كلها.
      و تعرف هذه الدولة فى بعض كتب التاريخ باسم « دولة آل أفراسياب، و دولة خانات تركستان » أي الدولة الخاقانية. كما اطلعنا هنا، أو الخانية القاراخانية – و ذكرها المؤرخ التركى الدكتور « رضا نور » بعنوان «الدولة الأويغورية»، و أطلق محمود الكاشغرى عليها « الدولة الخاقانية »، و سماها الاوربيون بالدولة الايلكخانية، استنادا إلى المسكوكات و المخلفات.
      أن لهذه الدولة أهمية عظيمة فى انتشار الإسلام بين الأتراك، وقد عمل السلطان ستوق بغراخان على نشر الإسلام فى جميع أنحاء البلاد، و بسط نفوذه على جميع القبائل التركية فى وادى « سيحون »، وبدأ بتهديد الدولة السامانية. و فعلا استولى السلطان «إيلكخان ناصر » على ما وراء النهر، ثم حارب السلطان محمود الغزنوى لسلخ خراسان منه، و لكن الحرب تمت بالصلح.
      و لقد كانت الدولة ذات صبغة تركية محضة فى كل أمورها و شؤونها، و قد صنفت كتب كثيرة باللغة التركية فى ذلك العصر الزاهر، فمنها كتاب « قوتاتقوبليك » الذى كتبه يوسف خاص حاجب (1069 – 1070) و أهداه إلى السلطان ابى على حسن تابغاج بغرا قاراخان، و تحتوى على أكثر من 6500 بيت، و لهذا الكتاب قيمة فلسفية و اجتماعية، فضلا عن كونها أدبية – بل هى ادب الفلسفة، و نظرية الدولة – و لقد ترجم القآنأول مرة إلى اللغة التركية فى ذلك العصر.
      لم تستمر الدولة الخاقانية طويلا – على عظمتها الكبرى – بسبب النزاع الداخلى بين أمراء المملكة الذين يؤلفون الهيئة الحاكمة فى الدولة – إلا أن السلطان يوسف قادرخان (1014 – 1020) استطاع أن يوحد كلمتهم، و لكن سرعان ما بدأ الانقسام بعد وفاته....
      فاستطاع الغزنويون أن يستغلوا هذا النزاع، الذى استغله أيضا سلاطين السلاجقة، وقد تمكن الخاقان ملكشاه و ابنه سنجر من بسط نفوذهما على سمرقند، و كاشغر. و انتقل هذا النفوذ بعد موقعة 1141م إلى قراختاى التركي الوثني
    • الدولة الغزنوية


      أما الدولة الغزنوية فقد أسسها « ألب تكين »، و ذلك أنه كان حاجبا للملك السامانى عبدالملك، و استطاع بمنصبه هذا أن يظهر بمظهر الحاكم الحقيقى للبلاد، و استوزر أبو على البلعمى بفضل نفوذه، و كان ذلك لا يصدر امرا من غير علمه و مشورته.
      ولما أراد الملك إبعاد « ألب تكين » عن العاصمة لم يجد وسيلة تحقق غرضه إلا تقليده أكبر منصبه حربى فى البلاد و هو ولاية خراسان (961 ) (349هـ وقام بصرفه منصور بن نوح – وكان ألب تكين لم يرض عن ولايته لعرش تركستان، فرجع إلى بلخ (962م، 351هـ) وهزم جيشا أنفذه إليه منصور، ثم سار إلى فرغانة، وقضى على أسرتها الحاكمة، و شيد لنفسه دولة تركية جديدة. فلما مات خلفه ابنه ابو إسحاق ابراهيم الذى لم يستطع الاحتفاظ بسلطانه إلا بمعونة السامانيين، بالرغم من الفتنة التى قام بها صاحب غزنة السابق.. وهكذا أصبحت الدولة الغزنوية إمارة تابعة للسامانيين. ولما مات ابو اسحق اتفق الأتراك على تولية بلكه تكين، و بعد وفاته قبض سبكتكين على زمام السلطة، وأصبح هو المؤسس الحقيقى للدولة الغزنوية كما أصبح حاكما قويا فى أفغانستان كلها، وهاجم « جيبال » ملك « اوهند » الهندى، ثم ولاه على خراسان مولاه نوح السامانى.
      كانت الدولة السامانية أخذة فى الانحلال إذ ذاك، بينما كان سلاطين الغزنويين يزدادون قوة – ولما سبكتين (997) بعد عشرين سنة من ولايته تاركا لأبنائه ملكا عظيما، تتنازع الملك من بعده إسماعيل، و محمود، فأديل لمحمود، وهو أعظم ملوك هذه الدولة، ومن أكبر اباطرة الأتراك و مفاخر الإسلام، ومن أسمى عباقرة تركستان.
      قضى هذا العأهل على الدولة السامانية، و استولى على خراسان، و عراق العجم و خوارزم، و انتزع ما وراء النهر من الخاقانيين. وأعار على الهند سبع عشر مرة و انتصر فى جميعها إنتصارا باهرا و فاز فوزا مبينا.
      وبذلك انضمت الهند الشمالية إلى دولة الترك، و رفرف علم تركستان على سماء الهند لأول مرة فى الإسلام، و لقد حاز السلطان محمود شهرة كبيرة فى بلاد الشرق بين الأمم الإسلامية، و لما إتسعت فتوحاته و ثقلت أعباءه أخذت تهرع إليه وفود المسلمين المتطوعين من كافة البلاد الإسلامية رغبة فى القتال معه، و حبا فى الشهادة، لما كان لحروبه من الصبغة الدينية، إذ لم تكن غايته سوى تحطيم الاصنام و محاربة الوثنية و إعلاء كلمة الله... و لقد خلد السلطان محمود لنفسه فى بطون التاريخ إسما مجيدا، حيث أحرزأول إنتصار لجيش تركستان الإسلامى فى الهند، و هوأول تركى فتح الهند فى الإسلام.
      وقال بعض مؤرخى الافرنج « أن محمود فتح الهند كما فتحها الاسكندر إلا أن فتوحات الاسكندر ذهبت بذهابه، أما فتوحات ابن سبكتكين فبقيت إلى اليوم ».
      ولم يكن السلطان محمود فاتحا غازيا عالى المكانة من الجهة العسكرية فحسب: بل كان خاقانا عاقلا كيسا ناظما بين حاشيتى المادة و المعنى، جامعا بين دولتى السيف و القلم، و ملجأ يقصده رجال الفنون و الادب لتشجيعه اياهم؛ مما عاد على شعبه بجزيل الفائدة حتى صارت عاصمته « غزنة » كعبة لمشاهير الشرق من رجال السياسة و الفلسفة و الشعر و العلوم كعبة لمشاهير الشرق من رجال السياسة و الفلسفة و الشعر و العلوم الفلكية و اللغات الشرقية؛ و مركزا للعلم و العرفان، و مشرقا لأشعة الحكمة و الأدب، و إجتمع عنده كثير من أعلام الإسلام، و نوابغ الترك كالفيلسوف الأعظم ( أبى ناصر الفارابى ) الذى يعد مفخرة الأتراك فى كل عصر، و أبى ريحان البيرونى، و البيهقى المؤرخ، و فى أيامه أيضا نبغ الكاتبان الشهيران. أبو بكر الخوارزمى، و بديع الزمان الهمذانى، و لزم بابه العنصرى، و العسجدى و الفرخى، و غيرهم من شعراء الفردوسى صاحب « الشهنامة » الذى أثبت فيها تاريخ أبطال الفرس شعرا.
      بسط محمود سلطانه على بلاد واسعة شاسعة تشتمل من ناحية الغرب على خراسان و أجزاء من العراق و طبرستان، و من ناحية تركستان فى الشمال على ماوراء النهر و خوارزم، و على البنجاب كلها فى الشرق، و على أفغانستان فى الوسط.
      ولقد خلف محمودا ابنه محمد سنة 401هـ 1030م، ثم خلفه أخوه مسعود، و فى عهده وجهت أول ضربة قاضية إلى الدولة الغزنوية بقيام دولة جديدة فى تركستان، و هى الدولة السلجوقية، و فى سنة 1039م ( 431هـ) هزم طغرلبك السلجوقى مسعودا فى معركة حامية وقعت فى دندانقان بين مرو و سرخس فى جنوب تركستان.
      ومنذ هذه الموقعة إنتزعت منه تركستان و خراسان وجميع الممتلكات الغربية، وبقى ملكهم فى غزنة والهند فقد حتى قضت عليهم الدولة الغورية فى منتصف القرن السادس الهجرى.
    • الدولة السلجوقية

      بدأ نجم الامبراطورية السلجوقية يسطع فى سماء تركستان، و هى تنسب إلى سلجوق بن دقاق من بطون قنيق التى هى إحدى عشاء « أوج أوق » من قبائل اوغوز التركية، و كان سلجوق قد هاجر من تركستان الشرقية إلى تركستان الغربية، و استوطن مدينة جند على ساحل سيحون مع اتباعه و عشيرته، و أشرق على قلبه نور الإسلام فأسلم، و كانت الدولة السامانية حينئذ قد بلغت من الضعف حالة لا تقدر معها على رد هجمات الأتراك عير المسلمين الذين كانوا يغيرون على الحدود، يأخذون الجزية من المسلمين فى تخوم الدولة، أما سلجوق فإنه رد الجباة و العمال الذين أرسلهم الأتراك غير المسلمين إلى « جند » لأخذ الجزية و صد غارتهم بعد أن تغلب عليهم، و منذ ذلك اليوم أضاءت شهرته فى تلك النواحى من تركستان، و التحقت به قبائل الأغوز، و أذعنوا لزعامته.
      كانت حالة تركستان السياسية إذ ذاك فى شغب و فوضى، و كان من أثر تلك الحروب المتوالية بين الخاقانية، و السامانية أن أتيحت للسلاجقة ساحة عملية تجلت فيها شجاعتهم و براعتهم و قيمتهم الحربية، و إستفادوا كثيرا من مساعدتهم للسامانيين ضد الخاقانيين، و لكنهم قبل كل شيئ كانوا يفكرون فى أنفسهم، و ينظرون ببصيرة نافذة إلى تقرير مصيرهم...
      و فى هذه الأثناء لحق سلجوق بربه، و بقى أبناءه الأربعة: أسرائيل، و ميكائيل، و موسى، و يونس.... و أصبح من بينهم أسرائيل « أرسلان » زعيمهم المبجل حاملا للقب « يابغو »(1)، وكانت تحت امرته عدد وافر من الفرسان ذوى البأس، و كان الأمراء المجاورون يحاولون التخلص من هؤلاء الفرسان ماداموا لم يتمكنوا من استخدامهم فى محاربة عدوهم، و لما جاء خاقان الغزنويين السلطان محمود الغزنوى إلى ماوراء النهر عام (1025م 416هـ) تحالف مع قدرخان ملك الخاقانيين. و بهذا التحالف بت فى أمر السلاجقة، فقد دبر محمود الخطة اللازمة و أسر أرسلان و شتت شمل جنده الأتراك، فهاجر الكثير منهم إلى جهات العراق، و آذربيجان بقيادة بعض زعمائهم.... على أن كثيرا منهم لم يبرحوا تركستان، فاستقروا فى ماوراء النهر تحت إمرة طغرل بك و جغرى بك و سواهما من الأمراء المنحدرين من سلالة سلجوق، حيث كانوا يصطافون فى نورآتا، و يقضون الشتاء فى مراعى خوارزم، و قاسوا الصعاب و المشقات من الغزنويون الذين أرادوا أن يقضوا عليهم، و لكن النصر كان حليف السلاجقة فى كل الميادين، و أخيرا خرج السلطان مسعود الغزنوى بنفسه على رأس جيش جرار، وافر العدد و العُدد، و كانت معركة دندانقان ( بين مرو و سرخس فى جنوب تركستان ) هى المعركة الفاصلة التى تم فيها النصر للسلاجقة على جيش يفوق جيوشهم فى أعداده و عتاده (1040م) و تم لهم الاستيلاء على نيسابور و الرى، و اهتزت أعواد المنابر باسم طغرل بك بن ميكائيل بن سلجوق فى خطب الجمعة و الجماعات و منذ ذلك اليوم بدأ يسطع فى سماء التاريخ نجم امبراطورية تركستانية فتية، هى الدولة السلجوقية الكبرى، فكانت قافلة جديدة من قوافل المجد و السؤدد التى انجبتها تركستان.
      بعد أن تبوأ طغرل بك عرش تركستان بدأ يعمل على توسيع رقعة هذه المملكة، فاستولى على جرجان و طبرستان، و قهستان و همذان، و اصفهان و آذربيجان و خوزستان حتى وصل إلى بغداد أيام الخليفة القائم بأمر الله سنة 1057م 447هـ، فاجزل الخليفة له العطف و الترحاب، و أمر الخطباء أن يخطبوا باسمه على منابر المساجد فى حاضرة الخلافة، و قلده الخليفة زمام السلطنة، و لقبه بملك الشرق و الغرب.
    • ما لبث طغرل بك بعد هذا حتى ألقى القبض على الملك الرحيم أبى نصر الديلسى آخر ملوك بنى بويه، الذين غلبوا على خلفاء بغداد، و جعلوهم تحت الرقابة و الحجر، و تغلبوا بتعصبهم فى مذهب الشيعة وعلى حكم مذهب أهل السنة، فلم يكن بدعا أن يستقبل الخليفة طغرل بك استقبال المنقذ العظيم الذى يرد إلى السنة مكانتها، و إلى الخلافة جلالها و عزتها، ثم تطورت الاحوال فى صالح طغرل بك، إذ تزوج ابنة الخليفة، فأصبحت الخلافة و الملك و النفوذ فى بيت واحد و أسرة واحدة، و بهذ الفتح المبين، و هذه الرابطة القوية بينه و بين الخليفة أمكنه أن يمد لتركستان فى ممتلكاتها، و أن ينشئ إمبراطورية تركية تضم إليها كل بلاد الشرق التابعة للخلافة، و بقى إسمه مسطرا بحروف أغلى من الذهب على جبين تاريخ تركستان.
      توالت الايام و توفى طغرل بك عقيما فى السبعين من عمره 1063م و قام بالأمرمن بعده ابن أخيه « ألب أرسلان » و قد انتهج خطة عمه فى مواصلة الفتح، و تشييد دعائم الامبراطورية الإسلامية، فتوجه صوب مملكة الروم و استولى على شيروان، و كرجستان، و تمكن من احتلال ارمنيا و هدم شوكة ملوك الارمن الذين كانوا أذنابا لقياصرة الروم، و ضم إمارات ديار بكر و حلب إلى بلاده، وجد طريقا ممهدا إلى الأناضول، فبعث طلائعه إلى كل جانب حتى انتهى إلى قيصرية. و من أعظم إنتصاراته موقعة « منازكرر » التى تغلب فيها على قيصر الروم ( رومانوس ديوجينوس )، و كان جيش تركستان فى تلك المعركة خمسة عشر ألف مقاتل، و مع ذلك إنهزم الروم أمام الترك، و وقع فيها ملكهم أسيرا، و لكن ألب أرسلان احسن معاملته، و بعد قليل أطلق سراحه، و سير معه عسكرا أوصلوه سليما إلى بلده.
      بهذا الفتح المبين و الفوز الباهر، رفرف علم تركستان على آسيا الصغرى، وصارت الروم تدفع الجزية للدولة السلجوقية، و لهذا الفتح أهمية عظمى فى تاريخ العالم، لانه كان أعظم خطب حل بالنصرانية فى الشرق. و انقصم به ظهر الامبراطورية البيزنطية، و من أثر ذلك صارت الأناضول وطنا تركيا من جديد – إذ تأسست هناك دولة تركية عظيمة تدافع عن حوزة الإسلام، و تقف فى وجه الصليبيين سدا منيعا يرد أعداء الملة عن الوصول إلى حماها و النيل من عزتها، و منذ ذلك اليوم الخالد و علم الترك يرفرف على سمائها، و يظل كذلك أبد الدهر إنشاء الله.
      كانت وفاة ألب أرسلان فى عام (465هـ، 1072م) فولى السلطنة بعده ولى عهده الخاقان الأعظم ملكشاه، و سار على خطة أبيه فى الغزو و الفتح، و كان موفور الحظ سعيد الطالع لم يتوجه إلى إقليم إلا فتحه، و وصلت من الروم انطاكية، و اورفا، و ضم الشام و حلب إلى الدولة كما إنضمت إليها البقية الباقية من تركستان التى كانت لا تزال بين الخاقانيين، و أصبحت هذه الامبراطورية التركستانية فى عهده أعظم امبراطورية فى العالم كله، و ذكر اسمه فى خطبة الجمعة من الصين إلى آخر الشام، و من اقاصى بلاد الشام فى الشمال إلى آخر بلاد اليمن، و حمل إليه ملوك الروم الجزية و هو صاغرون.
      فلما توفى الخاقان ملكشاه إلى رحمة الله (1092م) أصبح الملك بوفاته منقصم الظهر، إذ بدأت عوامل الضعف تدب فى جسم الامبراطورية، و أخذ الأمراء يتنازعون على العرش إلى أن أعلن أخيرا الخاقان سنجر بن ملكشاه نفسه خاقانا على الدولة (1118م) و أعاد الأمور إلى مجراها الطبعى، و يعد الخاقان سنجر آخر السلاطين العظام للدولة السلجوقية إذ انه قد
    • استطاع أن يجمع تحت رايته جميع البلاد الإسلامية، و أن يعترف له جميع الأمراء السلاجقة بأنه الخاقان الأعظم كما كان ملك شاه، و أخضع الغوريين و الغزنويين، و الخاقانيين الغربيين و الشرقيين بعد إنتصارات باهرة عليهم، و لكنه لم يلبث أن انهزم أخيرا فى معركة قطوان بجوار سمرقند 1141م أمام الأتراك غير المسلمين الذين يقال لهم « قاراختاى »، و كانوا قد أسسوا دولتهم فى تركستان الشرقية، و تسبب عن ذلك انه فقد ولاية ماوراء النهر، و تنابعت عليه النكبات بعد ذلك حتى فاجأه الموت عام 1158م و أصبحت وفاته سببا لإنقسام الامبراطورية و اضمخلالها، و انفصلت تركستان التى كانت اصل الدولة و مهدها عن بقية اجزائها إذ أعلن خوارزمشاه إستقلاله التام، و أنشأ فى تركستان دولة جديدة تسمى بالدولة الخوارزمشاهية.... أما الدولة السلجوقية التى بقيت منفصلة عن تركستان فلم تنته بعد من الحروب الداخلية، و على أثر ذلك نشأت للسلاجقة دول فى أطراف هذه الدولة، هى سلاجقة كرمان، و سلاجقة الروم، أو« سلاجقة الأناضول » و لم يعش من بينها جميعا غير دولة سلاجقة الأناضول التى مهدت لظهور الدولة العثمانية التركية فيما بعد، ثم لم تلبث الايام أن أظهرت عدة دويلات تركية اخرى، كلها من البيوت السلجوقية، تأسست على أنقاضها، و تعرف بالدول الاتابكية، وأهمها: الدولة الأرتقية، و أتابكة دمشق، و أتابكة الموصل، و أتابكة سوريا، و أتابكة سنجار، وأتابكة الجزيرة، و أتابكة اربل، و أتابكة آذربيجان، و أتابكة فارس، و أتابكة لورستان، و شاهات ارمينية،....
      وهذه الدول التركية الصغيرة – و قد نشأت على أنقاض الدولة السلجوقية – أدى بعضها خدمات جليلة سامية لللإسلام فى الحروب الصليبية. و على أثر الضعف الدولة السلجوقية و انقسامها ظهرت فى تركستان دولتان تركيتان، احداهما مسلمة: و هى الدولة الخوارزمشاهية، و الأخرى غير مسلمة، و هى دولة قاراختاى.


      الدولة الخوارزمشاهية



      كان السلاجقة قد ولوا رجلا من اتباعهم اسمه قطب الدين انوشتكين على خوارزم بلقب خوارزمشاه، و كان شجاعا عادلا، حسن السياسة، فنال بعض الاستقلال فى عهدهم، و قد تم الاستقلال لأبنائه من بعده حينما ضعفت الدولة السلجوقية. و قد بلغت دولتهم اوج عظتمها و عزها فى أيام تكش بن ايل أرسلان، و هو من أعظم رجالات هذه الاسر مجدا حيث استولى على خراسان و الرى و أصفهان، و ما جاورها. و قضى على الحكم السلجوقى فى العراق، و انتقل إلى حوزته العراق العجمى بما فيه الرى و عمذان، و قد الحق الهزيمة يجيش الخليفة الناصر عند همذان (1194م 592هـ). و كان قد طلب إليه أن يتخلى عن البلاد التى فتحها، و يرتد إلى الشرق،،، و إنتزعها من الدولة الغورية، كما استولى على إيران كلها، و سلخ ما وراء النهر من « قاراختاى » و امتد هذه الدولة فى الاصل شعبة من الدولة السلجوقية الكبرى، فقد حافظت على النظم و التقاليد التى كانت مرعية عند السلاجقة، و صارت على سنتهم فى تشجيع العلماء، و تشييد المدارس، كما كانت قدوة حسنة لملوك الأتراك جميعا.
      و لهذه الدولة احسن الاثر فى خدمة الآداب الفارسية، و فى اللغة التركية كذلك، و كانت تذكر بعظمة الدولة السلجوقية، و تعد من أعظم الدولة فى آسيا لما احرزته من إنتصارات باهرة، و لعنايتها اثناء حكمها بإقامة العدل بين الناس، و بث المعارف و الآداب فى مناطق نفوذها. غير أن سوء تدبير قطب الدين محمد ملك الخوارزمشاهيين، و طالعه المنحوس و حظه العاثر، قضى على هذه الدولة بإعتدائه على بعض التجار من عرايا جنكيزخان، و آثار هذا العدوان حفائظ الغضب فى نفس جنكيزخان، فوجه إليه جيشه، و قامت الحرب بينهما على أشدها، و هرب خوارزمشاه و جيشه فى عقبه، حتى اعتصم بجزيرة فى بحر قزوين فمات بها!! و اورث إبنه جلال الدين ملكا مضيعا، فجاهد عشر سنين بين الجهد و الشجاعة و الإقدام و الصبر و الاباء، ثم قتل مشردا فى قرية من قرى الكرد.
    • دولة قاراختاى

      أما دولة قاراختاى غير المسلمة فقد كان مبدؤ حكمها فى بلاد منشوريا و شمال الصين، ولما انقض عهدها من هذه البقاع، رجع الفارون من فلولها إلى الوطن الاصلى فى تركستان، و اشعلوا نار الحرب بينهم و بين ملك التركستان الخاقانى الخاقان « أرسلان خان » و لكنهم هزموا شر هزيمة (1128- 1133م). و كان آخرون من هذه القبائل التركية الغير مسلمة قد ساروا عن طريق الشمال، و وصلوا إلى مدينة « بالاساغون » فى تركستان الشرقية، بعد إجتيازهم سواحل « ينى ساى » و بلاد قبائل القرغيز، فسلخوا هذه المدينة من الخاقانيين، و اعتبرت من وقتها مهدا لدولة قاراختاى التى إستطاعت بعد ذلك أن تخضع لسطانها الدولة الخاقانية الشرقية بعد الاستيلاء على كاشغر و خوتن و غيرهما من المدن المهمة، ثم أخذت تزحف إلى ماوراء النهر و خوارزم، فتغلبت فى وقعة خجند على السلطان محمود الخاقانى ملك الدولة الخاقانية الغربية التابعة للدولة السلجوقية، كما تغلبت أيضا فى موقعة « قطوان » شمال سمرقند سنة 1141م على الخاقان الأعظم السلطان سنجر السلجوقى، حتى اضطر السلطان إلى مصالحة قاراختاى على إتاوة سنوية يدفعها إليهم، بهذا امتد نفوذهم و ملكهم من بلاد القيرغيز إلى مدينة بلخ، و من خوارزم إلى صحراء الغوبى.
      أن هذه الدولة كانت تركية ما فى ذلك شك، و لكنها كانت غير إسلامية، فلهذا لم يكن التعاون بين الملك و الرعية على اساس وطيد من المحبة، و كان يحصل أحيانا بعض الانشقاق. ففى ذلك الحين قويت شوكة جنكيزخان فى منغوليا، و تغلب على كوجلوك خان رئيس قبائل نايمان، فالتجأ هذا الاخير إلى تركستان، و اتصل بالأسرة المالكة اتصالا وثيقا بالمصاهرة، و بعد أن تزوج بابنة الخاقان أعلن نفسه خاقانا على الدولة، و قد وقع ذلك بعد أن سلب منهم خوارزمشاه بلاد ماوراء النهر، و انتقص نفوذهم، و تقلصت حدودهم، ثم بدأت عواصف جنكيزخان تهز أركان هذه الدولة، فوجد المسلمون فرصة سانحة للثورة و الانتقام، فانحاز إلى جانب جنكيزخان الذى كان يترضاهم و يحسن سياستهم، ثم قامت الحرب بين كوجلوك خان و جنكيزخان، فكان فيها المصرع الاخير لدولة قاراختاى.
      قام بعدها جنكيزخان بتوحيد الأتراك تحت راية واحدة، و حلت الدولة المغولية محل دولة قاراختاى، و دولة خورازمشاه معا.
    • الدولة المغولية التركية


      أول ما قامت هذه الدولة تأسست فى منغوليا، و ذلك انه كانت لجماعة المغول إمارة صغيرة من أسرة تمت إلى قبائل « تغزغز » التركية بصلة، و هاجرت من التركستان الشرقية إلى منغوليا على أثر مهاجرة الأويغوريين إليها سنة 840م، و كان سابع أمرائها « يسوكى بهادرخان » فلما توفى سنة 1175م آلت السلطنة إلى ابنه تيموجن بالوراثة، و لم يكن هو إذ ذاك قد ناهز الثالثة عشر من عمره، و لكن الفتى كان قد بلغ مبلغ الرجال قوة و جسما، فهو يمتطى صهوات الجياد طول النهار، و يجد رماية السهام من القسى، و كان قوى النفس، فعقد عزمه على أن يخلف والده على الزعامة لرجال القائل،،،، إلى أن تلك القبائل أبت زعامته، و حاول الشيوخ أن يتخصلوا من منافسهم الفتى، فصاروا يطاردونه كما يطارد الوحوش، و لكنه ظل يكافح فى سبيل الوصول إلى غايته، و هى زعامة القبائل، و بمرور الزمن بدأ يجتمع حوله نفر من الانصار ممن كانوا يلتفون حول أبيه. و قبل أن يبلغ العشرين أصبح زعيم قبيلته، و لم يرض بمنزلة دون منزلة الزعيم، و حارب إبن عمه « جاموقا » فغلب عليه سنة 1201م، ثم استطاع أن ينشر نفوذه بين جميع القبائل فى شرق منغوليا بعد أن غلب على طغرل خان صديقه القديم، و زعيم قبيلة « كرات » سنة 1203م.
      و بعد ثلاث سنوات استولى على غرب منغوليا بعد تشتيت قبائل « نايمان » القوية، و بذلك انضوت تحت لوائه جميع القابئل التركية و غيرها فى بلاد المغول، و جعل منها قوة واحدة، و كان هو قائدها الأوحد، و ذاع صيته فى جميع السهول المترامية إلى يعيش فيها قومه. و فى تلك السنة (1205م 604هـ) عقد تيموجين مؤتمرا عظيما ( قورولتاى )، اجتمع فيه جميع زعماء القبائل و رؤسائها، و أعلن الشامان ( قسيس الديانة الشامانية ) فى هذا المؤتمر: ( أن السماء قد خلعت على تيموجن لقب « جنكيزخان » ) و قد أصبح إسمه من ذلك الحين « جنكيزخان » و هو فى الثانية و الأربعين من عمره، و لقد كان رجلا جبارا مجيدا لفنون الحرب، و مدربا على قيادة الجيوش، شديد البطش، قليل الكلام، غليظ القلب، كثير التفكير.
      و استطاع فى مدة قليلة أن يخلق جيشا قويا مدربا احسن تدريب، و جلب من الأتراك الأويغوريين، و الأتراك المسلمين، و الصين اسلحة جديدة و معدات حربية، و أعد إدارة قوية ليفتح بها العالم، ثم استولى على دولة « تانغوت ( هيا ) » الواقعة على حدود الصين الغربية سنة 1207م، و كان قد أخضعها امبراطور كين ( امبراطور الصين الشمالية ) منذ أن قريب، فألقت بنفسها فى اخضان ذلك الفاتح التركى الجديد، و أصبحت له أكبر عون على تحقيق آماله الكبرى، ثم تأخر إخوانه الأتراك بتلك الوحدة، فإتسع سلطانه بإنضمام الأويغوريين إليها فى تركستان عام 1209م، و انضمام « أرسلان خان » خاقان دولة قارلق التركية المسلمة الواقعة فى شمال « ينى صو » فى تركستان، و بذلك صار جنكيزخان خاقانا عظيما، و عنوانا للوحدة التركية، تخضع لسلطانه أكثر القبائل و زعمائها، و بهذا تكاثرت جموعه و تعاظم امره.
      بدأ جنكيزخان بالهجوم على الصين سنة 1211م، و اخترق السور العظيم، و قذف بكتابه على البلاد الواسعة فى دون كين، أو الامبراطورية الشمالية حتى استولى على عاصمتها « بكين » وفر الامبراطور الصينى و جنوده أمام القوات التركية المغولية؛ فكانت هزيمة كاملة شاملة سنة 1216م ثم وجه هجومه إلى الغرب، وقضى على دولة « قاراختاى» بعد أن قتل الخاقان « كوشلوك خان » سنة 1218م.
      لما فرغ جنكيزخان من فتح هذه البلاد الواسعة أراد أن يستريح من متاعب الحروب، وأرسل وفدا من كبار المسلمين إلى السلطان قطب الدين محمد خوارزمشاه يطلب منه عقد معاهدة بين الدولتين بين الدولتين التركيتين، وأرسل إليه الهدايا النفيسة، وطلب أن ييسر للتجار التردد بين المملكتين، فاستجاب له خوارزمشاه.
      و فى سنة 1219م (615هـ) سافر تجار من مملكة جنكيزخان إلى « أترار » وهى بلدة على نهر سيحون فى حدود مملكة خوارزمشاه، فكتب واليها إلى خوارزمشاه يخبره أن هؤلاء جواسيس لجنكيزخان جاءوا فى زى التجار، فأمره بقتلهم و سلب أموالهم، فلما بلغ ذلك جنكيزخان كتب إلى خوارزمشاه يطلب منه إرسال و إليه على « أترار » ليقتص منه، فكانت الاجابة قتل الرسل، فقام جنكيزخان بجميع عساكره الجرارة، و عبر نهر سيحون، و ليس أمامه من يناوشه، أو يشغله عن قصده، و سار حتى اتى بخارى، و دخل هو و جنوده المدينة فدكوها دكا و ملأوا القلوب رعبا (4 ذى الحجة سنة 616هـ) ثم ساروا نحو سمرقند و دخلوها عنوة، و قتلوا بها من قتلو، و فعلو ما فعلوا.
      بهذ الفتح الجديد توحد تحت راية جنكيزخان جميع بلاد الترك فى آسيا الوسطى، فنرى أن الكتلة التركية قد تجمعت من تلك البلاد الواسعة التى كانت حياتها فصولا متوالية من الحروب يفنى بعضها بعضا، فأهاب بها هذا القائد التاريخى، و جعلها صفوفا متراصة مستجمعة لمرافقها و قواها و أصبح هؤلاء الأتراك بين عشية و ضخاها خلية يقظة، و معسكرا ملتهبا بالحماس و الحمية نحو الغزو و التوسع إذ بدأ منذ ذلك يفكر فى مد سلطانه إلى الأمم التى كانت قبل ذلك خاضعة لتركستان بإعتبار أنه يحافظ على ذلك الحق، و يثأر للمهزومين، و يتبوأ مكانهم فى الملك الذى لم يستطيعوا أن يحتفظوا به فى تلك الآونة، و كان أعظم باعث على قيام هذه الحوادث و الغزوات فرار خوارزمشاه أمام مطارديه، فوجه عشرين ألفا من خيرة جنده لفتح إيران، و القبض على خورازمشاه، فسار هؤلاء الجند و عبروا نهر جيحون. و كان خوارزمشاه مقيما بغربيه يستعد، فلما احس خوارزمشاه بقربهم منه هرب إلى مازندران، فاقتفى المغول أثره من غير أن يعرجوا على نيسابور. و هكذا ظل خوارزمشاه ينتقل من مدينة إلى أخرى و المغول فى أثره حتى وصلوا إلى « مرسى » من بحر الخزر، و نزل إلى قلعة فيه، فعادوا عنه. و هذه الفرقة من تلك الجيوش التركية المغولية، تسمى « التتر المغربة » لأنهم ساروا فى أسرع وقت مع حصانتها، و لما تم فتح هذه المدينة استأنفت سيرها قاصدة بلاد الرى، و دخلتها على حين غفلة من أهلها، ثم سار إلى همذان، فطلب صاحبها الامان فأمنت هو و من معه، ثم استأنفت المسير إلى قزوين، فدخلتها عنوة، ثم إلى آذربيجان فصالحت ملكها « أزبك خان » و واصلت المسير بعد ذلك إلى تفليس حيث تجمع الكرج هناك، و خرجوا بحدهم و حديدهم، و لكن ذلك لم يجدهم
    • شيئا فانهزموا شر هزيمة، و قتل منهم من لا يحصى عدده. ( ذى القعدة 617هـ).
      لم تلبث تلك الفرقة التى تمثل الشجاعة فى قيادتها و أجنادها أن كرت راجعة فى مستهل سنة 618هـ بعد ذلك المجهود الجبار الذى بذلته فى كسب حروبها، و فى عودتها عرجت إلى « مراغة » فملكتها عنوة، ثم اربل كذلك، و بعدها عادت إلى همذان ثم آذربيجان و منها إلى « دربند شروان » فاستولوا على مدينة شماخى عنوة، ثم خرجت منها إلى البلاد الشمالية، و هى « دشت قبجاق » و فيها عشائر تركية عديدة قاتلوها قتال الأبطال، ثم اضطروا إلى مصر و الشام و هم الذين أسسوا فيما بعد دولة المماليك البحرية فى مصر، و انشأوا بها حضارة إسلامية، و آثارا باهرة يفاخر بها الترك و الإسلام.
      قصدت الجيوش التركية المغولية بعد ذلك بلاد الروس، فاتفق هؤلاء مع فلول القبجاق أن يكونوا يدا واحدة، و لكنهم هزموا اشنع هزيمة أمام القوات التركية المغولية، ثم واصل المغول سيرهم قاصدين دولة البلغار التركية سنة 620هـ فلما سمع أتراك البلغار بقربهم كمنوا لهم فى عدة مواضع، و استجروهم إلى أن جاوزوا مواضع الكمناء، فخرجوا عليهم من ورائهم، فقتل منهم كثير جدا... هذا طرف من اخبار طائفة صغيرة من القوات التركية المغولية فى الغرب.


      مدى اتساع امبراطورية جنكيزخان



      ذكرنا أن جنكيزخان سير تلك الفرقة من جيشه لطلب خوارزمشاه و فتح إيران و آذربيجان و القوقاز، و البلاد الشمالية – أما هو فقد اقام بسمرقند، و هناك سير جيشا آخر عليه احد اولاده لمملكتي خراسان و أفغانستان، فتدفقوا نحو الهند، و عبروا النهر، و قصدوا مدينة بلخ فطلب أهلهاالامان فأمنوهم، و تسلموا المدينة سنة 617هـ ثم صاروا يستولون على تلك البلاد شيئا بعد شيئ دون صعوبة أو مقاومة، و لم يمض إلا القليل حتى دخل معظم الشرق الاوسط تحت حكم الامبراطورية التركية، المغولية، فتم بذلك لجنكيزخان مملكة عظيمة واسعة، مترامية الاطراف تبتدئ شرقا من المحيط الهادى، و تنتهى غربا إلى بلاد العراق و بحر الخرز و بلاد الروس و البلغار، و جنوبا بلاد الهند، و شمالا بالبحر الشمالى.... كل ذلك تم له فى مدة قصيرة.
      و قد مات جنكيزخان سنة 1227م (624هـ) بعد أن قسم ملكه العظيم بين ثلاثة من أبناءه.
      « جغتاي خان » و « جوجى خان » و « اوقتاى خان »، - أما رابع أبنائه ( تولى خان ) فقد جعله خليفة له فى عرش « قاراقورم » و فى الرئاسة العامة على اخوته الثلاثة كذلك،،،، و لم تلبث الايام أن رفعت نجم أخيه « اوقتاى خان » عاليا إذ تم انتخابه خاقانا أعظم فى مجلس الاعيان المتعقد فى أوائل عام 1229م، فاتبع هذا الخاقان العظيم سنة أبيه، فامتدت الفتوحات إلى ارجاء واسعة، و أخضع البقية الباقية من الصين، و أرسل جيشا لفتح أوربا، و على رأسه « باتوخان بن جوجى خان » و انتخب القائد المشهور « سبوتاى » ليكون مستشارا له. فتقدم الجيش نحو الروسيا، و اخترق الغابات فى طريقه حتى ظهر أمام مدينة « ريازن » فهدم سورها و ضرب حصونها ثم استولى عليها فى ديسمبر سنة 1237م، كما استولى بعد ذلك على « موسكو » نفسها، و لم يلبث أن تقدم نحو « كييف » واستولى عليها عنوة، و عندئذ انقسم الجيش إلى قسمين، كانت وجهة أولهما بلاد المجر تحت قيادة باتوخان، أما الثانى فاتجه إلى بولندا تحت قيادة « بيدارخان » و فاز كلا الجيشين بإنتصارات باهرة حتى التقيا سويا فى فينا.
      فى هذه الأثناء ورد نبأ موت الخاقان الأعظم « اوقتاى خان »، و كان ذلك فى ديسمبر سنة 1241م، و قد خلف اوقتاى خان إبنه كوك خان فحكم مدة سنتين ثم مات. و بموته اندلعت نيران الفتن الداخلية و كان وقودها المنافسة بين أسرتى اوقتاى خان و جغتاي خان. و كان نتيجة ذلك أن انتقلت الملكية من أسرة اوقتاى إلى أسرة تولى، فآل الملك إلى « مانجوخان ». و بعد أن تم له الأمر غزا بلاد التبت و أخضعها، و عين أخاه قوبلاى خان حاكما عاما لبلاد الصين، و قد فتح جزيرة « كيوشو » من جزر اليابان، فكانت اعماله شرا مستطيرا على المسلمين.
      و بعد وفاة مانجوخان خلفه أخوهالاصغر « آريق بوغاخان »، و لم يمض فى الحكم إلا سنة واحدة اختلف فيها الزعماء من أطراف الصغرى و العراق و الصين و اليابان؛ و قد اندلعت جمعية الاعيان لإنتخاب الخاقان فنودى بقوبلاى خان خاقانا على الامبراطورية. و لكن هذا المؤتمر لم يكن ممثلا لكل الزعماء، بل كان مشتملا على انصاره و هيئة اركان حربه فقط، فانقسمت الامبراطورية بذلك إلى أربعة اقسام.
    • ايغورنا الحزينه

      أتراكيب وجهى القديم0000نتوآت وا نحدارات 000 ماعدت أحصى التجاعيد اعوام عمرى تمرفى وطأة النار والحديد آه من سطوة الكفر والتنديد الكل يهون تحت ذل السوط والكفاف وأعوام الجفاف000 والظلم العجاف أسقط فى جب الهتافات العقيمه يسقط جلدى من الدنس والجلاد الكافرفى خرس أيغورنا الحزينه000فى ظل العطب 000 أصابنا الصمم والعمى فوق الجفون مستتب لانرى لأن رؤوسنا فى الرمال لما نرفع الجباه لانرى الا الجثثلأطفالنا الحفاه000 ملقاه أصابها العفن كما أصاب الأمة الوهن لأننا مهملون فى هذا العالم المجنون نحن المسلمون أيغورنا الحزينه فى ضلوعنا كسيره مازالت تردد النداء من الجور والشقاء من لايعرفون آبائهم 000 لقطاء هـم بكـفرهم لايحـفظون الـدمـاء ونحن فى امتهان 000 والقتل فى أطفالنا كشهوة النشوء نساءنا تباع000 أطفالنا تباع أجسادنا 000 طهرنا السماوى يداس بالنعال من حاقد غبى لأننا صمتناعن الجهاد فى وقفة الحداد وننزوى وراء سفن التفرق فىتفرد وننسخ الحــــوارات نتشدق باللغات ننزع من صدورنا الآهات لانسمع الأ الهتافات بأننا الأمة الأبيه ذات الصولجان من سالف العصر والأوان مممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممم



      أخى / شامان العرب
      لم أجد سوى هذه الأحرف للرد بارك الله فيك وأكثر من أمثالك فلمثلك تشحذ الأقلام للثناء عليك
      وتنحنى الرؤوس اجلالا
      عشت وعاش قلمك وفكرك للدفاع عن المسلمين
      والاسلام
      فتقبل مرورى
      ورودى فى يديك وتسألين
      لما لم تروى هذه الأزهار
    • الحزن والألم كيف أنت معهم، ونحن نعيش
      قصص يغورنا الحزين
      ويزيد الأحزان والآلام الكثيرة في حياتنا، ولكن كيف نجعل الحزن والألم حافزاً للنجاح والبناء؟ فهم عاشو الحزن فعلينا أن نعرف الحزن والألم......
      الحزن هو رد الفعل المباشر، وغير المسؤول إتجاه الأفعال الشيوعيه السيئة المكروهة،
      والألم هو الحافز الذي يبقى في القلب، ينير المشاعل في درب الحياة، ويدفع الإنسان للبناء بدلاً من اليأس والتدمير........ !!!!!!!!!!!!

      والألم إنطباعة صادقة عن الحزن في النفس الإنسانية أما الحزن معانات اخواننا في تركستان فهو ورم سرطاني ظاهر، دأبت شعوبنا على التظاهر به عندما عجزت عن إستخدام آلامها في بناء حاضرها وتغيير المحن التي نزلت بها
      إذن الألم والحزن يجب أن يكونا عامل من عوامل النجاح وهدف من أهداف الإنطلاق نحو البناء والارتقاء
      ويكون الأمل دائماً ملازماً معك لكي يكون لديك مشروع حياة ناجح حيوي وفيه ذكرى للحزن والألم معا.... !!!!!!!!!!!!

      لكي نعلم أن النجاح يجب أن يكون بالعمل والمثابرة، والألم أحياناً والصبر مفتاح الفرج والحياة والنجاح لا بد أن يأتيا مع الصبر والحزن أحياناً والألم والعزيمة الرفيق الدائم، فهنا نعلم كيف هو الحزن والألم لتحصل العزيمة ويتم النجاح للأمم النائمة و الحزينة المتألمة.............. !!!!!!!!!!


      ابكيتني اخي اشرف وربي ابكيتني وعند ماقراءة اسطرك تذكرت ذلك الشعب الحزين وطرحت قضيته
      في عدد من الساحات الخليجيه والعربيه وباقي مستمرين جزاك الله عنهم خير الجزء
      لك مني ود قبل الرد !!!!!!!!!!!!!!!
    • 1) الامبراطورية الشرقية: وعاصمتها بكين، و تشمل بلاد الصين و منغوليا و التيبت، و بعض الجزر اليابانية، و قد ورثها أبناء قوبلاى خان وأحفاده.
      (2) الامبراطورية الغربية: وحاضرتها بغداد؛ و تضم بلاد فارس و العراق، و تتمتع بنفوذ قوى فى سوريا و آسيا الصغرى، و قد ورثها أبناء هولاكو و أحفاده.
      (3) الامبراطورية الشمالية، أو امبراطورية ( آلتون أوردو )، و تشمل حوض نهر الفولجا وسواحل البحر الاسود الشمالية و بلاد روسيا الاصلية، وأوربا الشرقية وقد ورثها أحفاد جوجى خان.
      (4) امبراطورية تركستان، و يطلق عليها ايضا: « امبراطورية جغتاي » نسبة إلى جغتاي خان بن جنكيزخان الذى كان نصيبه ملك تركستان ضمن الاقسام الأربعة التى قسم إليها ابوه هذه الامبراطورية العظمى – كما اسلفنا – مقسمة بين أبناء جنكيزخان، و كان هؤلاء الملوك تابعين للخاقان الأعظم، و كان يحكم اقليم ماوراء النهر فى حياته محمود يلاوج ثم ابنه مسعود باسم « الخاقان الأعظم ».
      ويعتبر المؤسس الحقيقى لهذه الدولة قارا هولاكو حفيد جغتاي خان. وكان الخاقان الأعظم كيوك خان قد عين « ييسو مانجو خان » ولى عهد له، و لكن حدثت بعد ذلك منازعات وخلافات ادت إلى أن يكون السلطان هو آلغوخان حفيد جغتاي خان لا « ييسو مانجو خان ». وقد أسس امبراطورية مستقلة فى هذه البلاد حيث جعل تحت صولجانه تركستان الكبرى وبلاد أفغانستان، وأعلن استقلاله، وبعد وفاته سنة 1265م خلفه قايدوخان من أسرة اوقتاى خان، ثم ابنه جانارخان 1266م، وبعدها انتقل الأمر إلى أسرة جغتاي خان السابقة 1306م، وآل الملك إلى « دوواخان » وأصبح هو المؤسس الحقيقى لإمبراطورية جغتاي.
      و فى سنة 1326م تبوأ عرش تركستان « طرماشيرين خان » و اعتنق الإسلام، و أسلم كذلك بعد قليل السلطان « توغلوق تيمورخان » (1347-1363) الذى أسلم بإسلامه 500ر16 نفسا من أسرته و قواده فى يوم واحد كاشغر، و منذ سنة 1347م بدأ دور الانحطاط فى هذه الدولة، و أصبح أمر البلاد فى يد القواد، بينما كان السلاطين فى شبه عزلة سياسية، و كأن أمر الحكم لا يعنيهم.

      الدولة التيمورية الكبرى



      ظل الأمر على ماذكرنا حقبة من الزمن إلى أن جاء البطل الاوحد، و الفاتح الأعظم « تيمورلنك » فأسس الدولة التيمورية الكبرى، و كان تيمورلنك رجلا من أدهى رجال الحرب فى تاريخ البشرية على الاطلاق، و زعمها من اقدر الزعماء على بعث الاوطان بعد إضمحلالها، جبار الجسم، خارق القوة.
      ولد فى مدينة ( يشيل شهر « شهر سبز »)، من أبوين تركيين من قبيلة « بارلاس » التركية النبيلة، و ترعرع فى ربوعها، و ظهرت عليه منذ صغره مخايل الذكاء و الشجاعة، حتى انه كلف بتذليل الخيول الصعبة القياد، ويصيد الوحوش مع امثاله من الشجعان. وكان مثار الدهشة بين أترابه و زملائه بما كان يظهره من تففن و براعة فى ركوب الخيل و دقة الرمى فى القنص والصيد. وكان والده « تورغاى » شيخا لقبيلته، ينفق أكثر وقته فى صحبته الفقهاء و علماء الدين من المسلمين، و أما والدته فقد ذهب بها الموت و هو صغير، ولم يفكر احد فى تدريب تيمور و تعليمه، و لكنه كان استاذ نفسه، يتعلم وحده، و يختبر الدنيا بنفسه.
      غادر تيمور بلده متوجها إلى سمرقند، لا يملك إلا سيفه، و ليس له من الحرس غير خادمه الأمين عبدالله، و انتقل بنفسه إلى وسط جديد، كله حماس و نشاط، حيث يعيش بين الجنود و الأبطال الذين لا يعتمدون على غير السيف فى هذه الدنيا المتقلبة، و تلك الحياة المضطربة، فانخرط فى خدمة الأمير « قازغان » نائب الخاقان، و خاض غمرات الحروب، فأظهر فيها من البأس و شدة الشكيمة والمهارة ما رفعه فى عين قومه فوق رفعته بنسبه و شرف منصبه.
      فلما وجده الأمير « قازغان » شابا جريئا قد يفيده فى المستقبل رأى أن يزوجه فتاة من أنسبائه، و رقاه إلى رتبة ( منكباشى « رئيس الألف ») و قد تمكن الأمير قازغان نائب الخاقان بواسطة تيمور من النجاح فى عدة غزوات شمالا و غربا.
    • و لما مات الأمير قازغان حدثت ثورات و اضطرابات، و أخذ كل واحد من الأمراء و رؤساء القبائل يستعد للدفاع عن أملاكه، و على محاربة غيره إذا استطاع إلى ذلك سبيلا. و كان الخاقان توغلوق تيمورخان فى مدينة « المالق » يراقب الحوادث، فلما رأى أن مملكة قازغان قد تمزقت أوصالها سقط عليها بجنده، و لما رآى بقية الأمراء أن جموع الخاقان الأعظم تتقدم نحوهم انسحبوا جميعا و هربوا من وجهه، و لكن تيمورلنك أظهر الخضوع، و اعترف بسلطانه فعهد الخاقان إليه بالإمارة على قبيلة بارلاس، و رقاه إلى رتبة « تومن بكى » أي ( رئيس عشرة آلاف من الجند ). و لما اقام الخاقان ابنه « إلياس خوجة اوغلان » حاكما على البلاد جعل تيمور مستشارا له، غير أن شقاقا وقع بينه و بين وزراء الياس لم يلبث أن جمع رجاله و أعلن الثورة ليهاجم رجال الخاقان و يكسر شوكته. فلما علم الخاقان بثورته أصدر امرا بإهدار دمه، ففر تيمور من وجهه حيث لاقى من الاهوال شيئا عظيما. كل هذا جعل ذويه و اصدقائه يتفرقون عنه بعد أن ذهبت الايام بشوكته المكتسبة و الموروثة عن اجداده، و حتى الثورة تبخرت فى خضم هذه الكوارث و لم يبق منها سوى جواده، و لكن الشدائد ما كانت لتؤثر فى روح تيمور القوية، بل على العكس من ذلك كانت تشحذها، و تجلو فى نفسه كل معانى الرجولة الكاملة،،، فبينما هو طريد شريد هائم، لا يكاد يملك قوت يومه وضع لنفسه تصميما لإنقاذ وطنه من ظلم الخاقان، و اعادة مجد تركستان، بل أن نفسه العظيمة كانت تحول فيها خواطر فتح العالم بأسره، فوطد عزمه؛ على تنفيذ ذلك؛ و لو كلفه خرط القتاد و فعل المستحيل ( على قدر أهل العزم تأتى العزائم ).
      فى هذه الأثناء اجتمع الأمير حسين مع شقيق زوجته، و كان هو الآخر فارا من وجه الخاقان، و وجد فى نسيبه عونا صادقا، و نصيرا جديدا، و إن كان الاخير يعتقد فى نفسه الشريف و عظم الشأن أكثر من تيمور ذاته إلا أن زوجة تيمور كانت سببا فى التوفيق بينهما، فاتفقا أمام الخطر الداهم، و خاضا غمار الحرب معا، و فيه جرح تيمور فى يده و رجله، فأصابه العرج من وقتها، فسمى لذلك « تيمورلنك » (تيمور الأعرج ).
      ما لبث تيمورلنك بعد ذلك أن استعاد قوته و عزه شيئا فشيئا، و اقتاد السعد إليه مرغما حتى نودى خاقانا به على التركستان الكبرى فى جمعية الأعيان التى انعقدت فى مدينة سمرقند سنة 1369م، و كان عمره إذ ذاك أربعا و ثلاثين سنة.
      فى الايام التالية أخذ تيمور ينظم شئون المملكة، ففى أقل من عشر سنين استولى على تركستان الشرقية و خوارزم، و هب يطارد اعدائه اينما كانوا، و يقذفهم بالكتيبة من اشياعه و انصاره، و رجاله و اتباعه، لا يترك لهم فرصة للراحة و الاستعداد، و بذلك استطاع تيمور أن يوطد ملكه، و يضم ولايات تركستان بعضها إلى بعض، و يؤلف وحدة سياسية بينها، حتى يتمكن بعد ذلك من فتوحاته العظيمة إلى أطراف المعمورة،،، و لم يكتف تيمور بما وصل إليه من عظم الشأن و ضخامة السلطان، فراح يطلب أن يضم إلى تركستان كل البلاد الواقعة حولها، و لذلك تدرج فى فتوحاته، و استولى على هرات و ما حولها. و بافتتاح هرات اتسعت مملكته – لان هذه وحدها – كانت تضم ربع مليون من الأنفس، و مئات من المدارس، و ثلاثة آلاف حمام، و عشرة آلاف مخزن تجارى. و فى هذه الآونة هرب « توقتاميش خان » احد أمراء القريم إلى بلاط تيمور، و كان من اتباع « اوروس خان » خاقان الدولة المغولية الاوربية، اى: « دولة آلتون أوردو »، فجاء بعض رجال الخاقان فى طلبه من تيمور، فلم يقبل رده، بل شده ازره ببعض رجاله حتى مكنه من الجلوس على عشر المملكة التى كان طريدا منها، و لكن توقتامش لما وصل إلى العرش أصبح رجلا غير ذلك الأمير الهارب الذى جاء يطلب مساعدة تيمور، و طمع فى عرش تركستان نفسه، فهاجم حدود تيمور وقت أن كان فى جولة له ببعض جهات خراسان، فما أن جاء الخبر حتى سار برجاله، فهرب توقتامش، و لكن غيابه لم يطل كثيرا، فتقدم نحو تركستان مرة اخرى؛ و امر تيمور جنده بالتقدم نحن توقتاميش حتى هرب، فتقدم تيمور فى أثره إلى عاصمته « سراى » و مزق شمل رجاله فهرب بعضهم و انضم الآخرون إلى تيمور الفاتح.
      اتجه بعد ذلك إلى موسكو ففتحها، و سحق مدينة دون، و استولى على البلاد الروسية كلها، ثم عاد إلى تركستان بطريق جديد، و نزل القوقاز، و استولى عليها، ثم مشى إلى بلاد خراسان بجنده و جيشه، فدفعت له الجزية أربعة عشر مدينة، و وصل إلى عاصمته سمرقند بعد فتوحات عظيمة.
    • لست بعيد ولكني اثرت التجنب حتي تتم كتابك الممتع المبحر في اصول التاريخ ولكن شاعرنا أشرف 500 بكلامه جعلني اعود حتي لا تتسأل هو شديد راح فين
      أنا جنبك اخي والدبور كمان بيسلم عليك وبيحضر تقرير دبوري ها يوديني في داهيه
      ~!@q تدور الايام بين رحايا العاشقين غزل وهم وجراح مكروبين فهل بشفتيكي اكون حزين الدكتور شديد أستمتعوا معنا في الاستوديو التحليلي بساحه الشعر المنقول ~!@q شارك shokry.ahlamontada.net
    • اعلم اخي العزيز بذلك لكني مشغول مع ساحات اخرى ولن اكون بعيد حتى لو تاخرة بعض الشيء يكون قلبي معك ومع مواضيعك اما الدبور املى إن يوديك بطريق العافيه والسلامه
      سلمت اخي ..!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
    • توجه تيمور بعد ذلك إلى بلاد فارس، لأن الحالة الاجتماعية هناك لم تكن تبعث على الرضا، فقد كان ملوكها و أمرائها لا يفكرون فى غير مصالحهم الشخصية و ملذاتهم الدنيوية، و إلى كافة ألوان المرح و العبث و اللهو، و يتركون البلاد و شأنها، لا يعملون على تحسين الحالة، و إستتاب الامن، فنزل تيمور إليها على رأس سبعين فرقة من أبطال تركستان حتى أشرف على أصفهان. فما كاد أن يصل و يحط رجاله خارج المدينة، حتى خرج كبارها يسلمون عليه، و يعرضون طاعتهم و خضوعهم، و لكن لم يأت الليل بظلامه الساتر حتى خرج الناس من بيوتهم، و قتلوا من التركستانيين ثلاثة آلاف نفس، فيهم عدد لا يستهان به من الأكابر و القواد؛؛؛؛ غضب تيمور لما احل بأبناء وطنه، و رجال حاشيته و قواده فأمر كل فر من افراد جيشه أن يحمل إليه رأس فارسى، و كان عدد جنوده سبعين الفا و على أثر ذلك وضع تيمور يده على بلاد فارس، و دفعت له الجزية كل المدن، و ذكر الخطباء إسمه على المنابر، ثم تدفق بجيوشه نحو الفرات فتغلب على السلطان احمد جلاير، و كان ظالما فأنقذ رعاياه من جوره، و استولى على بغداد، ثم صار صوب الهند، و عبر نهر الهندوس، و تم له فتحها فى مدة وجيزة، و دخل دهلى عاصمة الهند فاتحا منتصرا، و اغتنم منها ما لا يعد و لا يحصى من الجواهر و الاموال، و بهذا دانت له جميع ربوع آسيا، و لم يبق أمامه إلى بلاد العرب و البلاد العثمانية التى سيأتى دور كل منها فيما بعد.
      عاد تيمور من حرب الهند فى شهر مايو سنة 1399م، و فى شهر يوليو من نفس السنة ركب على رأس جنده و مضى يزحف على البلاد العربية، فغزا سوريا، و الشام و حارب السلطان بايزيد خاقان الدولة العثمانية التركية و أسره مع ابنه (20 يوليو سنة 1402م) واستولى على الأناضول كلها و رفرف علم تركستان فى سمائها، ووحد الأتراك تحت راية واحدة فتقدم إليه سلطان مصر بالطاعة بعد الانتصار العظيم و أرسل الهدايا و التحف، و سجن صاحب بغداد و ألد أعداء تيمور أرضاء له.
      أما ملوك أوربا فقد وقفوا مدهوشين ذأهلين يخطبون وده و يرسلون الرسل و الكتب إلى تيمور سيد آسيا و خاقان تركستان.
      هذا هنرى الرابع ملك انجلترا الذى يحارب زعماء الجرمان بعيدا عن عاصمة ملكه كتب إلى تيمور يهنئه بإنتصاراته العظيمة.
      وهذا شارل السادس ملك فرنسا بعث بتقديره و إعجابه إلى تيمورلنك خاقان تركستان و معه كتاب و بعض الهدايا.
      و أما عمانوئيل امبراطور بيزنطة فيقدم طاعته لتيمور، و يبعث إليه بالهدايا و التحف. و أما السفن الجنوبية فقد رفعت علم تركستان على مقدمتها، و أرسل الدون هنرى ملك قشتا له فى اسبانيا نبيلا من رجاله إلى تيمور، فلحق الرسول بتيمورلنك حتى وصل إلى سمرقند عاصمة تركستان و راح يكتب عن مشاهداته.
      وعاد هنرى الثالث فأرسل إلى تيمور وفدا آخر برياسة النبيل « كلافيجو »فذهب إلى آسيا الصغرى فوجد تيمورا قد تركها عائدا إلى سمرقند فلحق به وفاقا للأوامر المعطاة له.
      و لما رجع تيمور إلى تركستان راح ينظر فى ما جرى فى غيابه و ما قام به نوابه من الإدارة و الإحسان فأمر بقطع رؤوس بعضهم و أثنى على البعض الآخر من المخلصين و قدرهم و أعلى شأنهم. و امر البنائيين بإنشاء قصر جديد تكون حجارته بيضاء لامعة و أحس فى نفسه قوة جديدة فصمم على فتح الصين و زحف إليها بجيشه العرمرم و لكن الموت داهمه فى الطريق فأسلم الروح بالقرب من مدينة « اوترار » 17 فبراير سنة 1405م و هو ابن سبعين سنة و نقل جسده إلى العاصمة و دفن بها.
      و لقد اعقب موت هذا الخاقان العظيم بعض الاضطرابات السياسى فى البلاد و قد استطاع ابنه « شاه رخ » أن يثبت سلطانه على معظم ملك أبيه، و يكبح الثائرين من اقاربه، و بعد أن توفى تمكن ابنه « اولوغ بك » أيضا من المحافظة على امبراطورية تركستان و ممتلكاتها من الهند إلى العراق و نشطت فى عهدهم العمارة و الحضارة و استبحر العمران و اتسعت التجارة و امتد السلام على الامبراطورية.
      و قد أكثر تيمورلنك وأحفاده من الإصلاحات النافعة فى تركستان، فعنوا بالزراعة واهتموا بالرى، و مهدوا الطرق، و امنوا السبل، و قد افتخر تيمور فى نظاماته « توزوكات » بأنه أعاد الأمن إلى ربوع آسيا بحيث أصبح يتسنى للصبى أن يسير بكيس من ذهب من شرق البلاد إلى غربها آمنا مطمئنا.
      وعنى تيمورلنك بتأسيس المدارس و المساجد و الجوامع و المرصد و المكاتب و المصانع و المستشفيات. و تقدمت فى عهده الفنون الصناعية و التجارية و الزراعية، فنشطت التجارة و صارت تزدهر متاجر البلاد القاصية من الشرق و الغرب، فازدحمت تركستان بساكنيها، و صارت مركز تجار الشرق. و قد ابتنى فيها القصور الشاهقة و الرياض النضرة، و حذا حذوه أبناءه و أحفاده، فوصلت تركستان إلى قمة المجد و الشهرة.
    • وكان أبناء تيمور و أحفاده ( شاه رخ، و اولوغ بك و حسين بايقرا، و خليل سلطان، و بابرشاه ) ماهرين فى العلوم الرياضة و الهندسة و الفلك. و بنى اولوغ بك حفيد تيمور مرصد سمرقند و إليه ينسب زيج اولوغ بك أو الزيج الجديد السلطانى، و ترجم الاوربيون كثير من كتبه، و استفادوا من بحوثه و تدقيقاته، و كان عصر الدولة التيمورية عصر إزدهار للآداب و الفنون. و كان بنو تيمور يعنون بالكتب و ينظمون الشعر، و كثير منهم اجاد فى شعره. فالسلطان « حسين ميرزا » كان فى شعره جليل القدر عالى الكعب، و شعره التركى يفوق شعر كثير من شعراء وقته، و قد كتب أيضا بعض آثاره باللغة العربية.
      يقول الدكتور عبدالوهاب عزام بك عميد كلية الآداب بالجامعة المصرية « أن بنى تيمور كانوا فى أساليب حياتهم يشبهون أمراء أوربا المعاصرين، أو أمراء فرنسا فى القرن الثامن عشر، و لكنهم كانوا فى الادب أعظم اثرا. كان شاه رخ و اولوغ بك و باى سنقر و السلطان حسين محبين للكتب، يعنون بالاجادة فى نسخها و تذهيبها و تحليلها. فهم لا يقلون عن معاصريهم دوقات برجندى ( Bergundy)، و لا يقاس بهم عشاق الكتب فى إيطاليا خلال القرنين السادس عشر و السابع عشر.
      و كان باى سنقر و السطان حسين فى إيران كما كان موريس فى انجلترا، إذ انهم بعد أربعة قرون لم يكتفوا بجمع الكتب بل خلقوا فنونا لها. و لا يمكن أن يقاس بالكتب الشرقية فى ذلك العصر أجمل ما عرفت أوربا من الكتب. و كان باى سنقر خاصة مولعا بالفنون الكتابية فنشأ فى رعايته أجمل الاساليب فى صناعة الكتب. و هو منو أعظم المولعين بالكتب فى العامل كله. كان يعمل بأمره و تشجيعه أربعون صانعا فى نسخ الكتب، و بلغت العناية بالورق و التصوير و التجليد حدا لا يعرف نظيره اليوم، و صنع فى قصورهم من السلاح و الدروع و الأدوات و الآنية المحلاة بالعاج ما لم تعرف مثله الاقطار الاخرى. و قد نبغ فى هذا العصر كثير من الكتب و المؤلفين، و قد عد المؤرخ خواندمير فى كتابه « حبيب السير » زهاء مائتين من الكتاب و المؤلفين فى ذلك العصر.
      و قصارى القول إن عصر تيمور و أبنائه كان أزهر العصور للعلوم و الفنون و الصناعة و الزراعة. و فى ذلك العهد تقدمت اللغة التركية تقدما باهرا، و انجبت تركستان أعظم شعراء الأتراك وأكبر أدبائهم و هو « مير على شير نوايى » الذى أجمع مؤرخوه على أنه كان من الأفذاذ الذين تزين بهم تاريخ الإسلام.
      فلما انقسمت الدولة التيمورية و عم النزاع فى تركستان و اشتد الاضطراب استطاع « محمد ظهير الدين بابر » من أحفاد تيمور أن يؤسس فى الهند دولة مستقلة لنفسه تعد من أعظم الدول التى عرفها تاريخ الإسلام. سيطرت على الهند كلها حينا من أبناء تركستان و أصبحوا حكاما غير منازعين.
      وأما فى تركستان فقد حلت الدولة الأزبكية محل الدولة التيمورية و حفظت مجد تركستان و عظمتها، إلا أن ملوكها كانوا محبين للسلام، بعيدين عن الحرب ما لم يكرهوا عليها، و أعظم ملوك هذه الأسرة السلطان أبو الفتح محمد خان الشيبانى « شايبان خان » و ابن أخيه السلطان عبيدالله خان و كانوا من أسرة جنكيزخان.
      و جملة القول أن القرن الخامس عشر و أوائل القرن السادس عشر يعد من ازهى العصور التى تبوأت فيها الأمةالتركية أوج عظمتها، فقد انتصر العثمانيون فى فتوحاتهم شرقا كما امتدت فتوحاتهم إلى « فينا » غربا. و كان النصر كذلك حليف التركستانيين فقد امتد سلطانهم فى الجنوب إلى خليج البنغال فى الهند.
      و فى سنة واحدة ( أعنى سنة 1526م ) خدمت الاقدار كلا الجانبين من الأمة التركية، فقد استولى العثمانيون بعد واقعة « موهاش » على ما يتاخم نهر « طونا » فى الغرب، كما استولى التركستانيون بعد واقعة « بانيبات » على حوالى نهرى هندوس و كنج و بلاد الهند الوسطى و فى الجنوب، و أما فى جهة الشمال فقد رأينا القازانيين يبسطون نفوذهم و سلطانهم على بلاد الروس. و نستطيع هنا أن ندع المؤرخ الفرنسى الشهير (tluoerS) يحدثنا بعبارة موجزة عن جلال ذلك العصر الزاهر فقد قال «إن القرن السادس عشر الميلادى عصر ازدهار للأتراك حيث اسسوا امبراطورية عظيمة اوسع من الامبراطورية العربية و امبراطورية اسكندر تمتد من بحر ادرياتك حتى نهر كنج و خليج البنغال و من الشمال روسيا حتى بلاد الغرب و فى قارة افريقيا حتى الصحراء ».
      و فى الحق أن هذا العصر لم يكن له مثيل فى جميع العصور التى مرت على الدول التركية الإسلامية، يستوى فى ذلك التفوق السياسى و المقدرة العسكرية و الثورة الاقتصادية و النهضات الأدبية و الصناعية و العلمية. و قد تلألأ فى سماء هذا العصر كواكب مشرقة من الشخصيات الفذة الممتازة اعنى اولئك العظماء و العباقرة الذين هم مفاخرة الأتراك على الدهر كله. فمنهم السلطان سليم الأول و السلطان سليمان القانونى و السلطان ابوالفتح محمد شايباق خان، و السلطان عبيدالله خان، و السلطان عبدالرشيد خان،،، كان هؤلاء السلاطين العظام خير عنوان لمجد الأمة وعزتها لا فى الملك و السياسة و الكفاءة العسكرية فحسب بل كانوا السباقين فى حلبة البيان، و البارزين فى ميدان الشعر و النثر و لا زالت مآثرهم الأدبية الخالدة منقوشة على جبهة التاريخ بأحرف ذهبية لا تمحى. هاهى سيرة بابر « بابرنامه » و دواوين الملوك الآخرين تناجينا بعبقريتهم الخالدة و افكارهم السامية. و لم يكن التفوق قاصرا على الملوك فقد كان ثمة عظماء و ابطال غيرهم مثل على شير نوايى و فضولى من صفوة الاعلام الادب التركى، و سنان باشا من خيرة رجال المعمار، و طرغود و خير الدين بربروس من ابطال البحرية البارزين. و فى هذ العصر تربع الأتراك على عرش الخلافة الإسلامية (1517م) و رفعوا لواءها. و أصبحوا زعماء الأمم الإسلامية و قادة العالم الإسلامى و إلتفت حولهم قلوب المسلمين فكانوا معقد رجائهم، و قبلة أمانيهم، و قد أحاطوا أشخاص السلاطين بالحب و الإكبار فتوحدت الكلمة بعد شقاق، واجتمعت القلوب بعد افتراق. و تستطيع أن تقول إنها أكبر ظاهرة فى تاريخ هذا العصر و تلك الخلافة الإسلامية التى كان نفوذها لا يقتصر على ميدان السياسة و الحرب أو النفوذ الدولي بل كان المسلمون يدينون لهم بالطاعة مخلصين و يتسابقون إلى حبهم مختارين.
    • بوادر الضعف

      اصاب الأمةالتركية فى تركستان ما يصيب بالأمم القوية عندما تتسع ثورتها، و تعظم دولتها، فيعمد كبرائها إلى الترف، و التماس اسباب النعيم، فيتركون حياة التقشف؛ و يستمرءون ملاذ الحياة، و أطايب العيش. و قد جرت هذه السنة على الأتراك خدعتهم بهارج الدنيا، و مالوا مع حكم الشهوات فهاموا باللذات هياما، و أصحبوا كأصحاب الكهف نياما، فذهب ريحهم و أسرعت إليهم بواعث الدمار، و أسباب الإنحلال. و كان الظاهرة الاولى من اضمحلالهم أن الدولة القازانية انعكست آيتها، و قلب لها الزمان ظهر المجن سنة 1556م فبعد أن كانت تحكم على روسيا، أصبحت هى تابعة لها. و هكذا شاءت الأقدار أن يصبحوا مقودين بعد أن كانوا قادة، و مسودين بعد أن كانوا سادة.
      و منذ ذلك الحين بدأ الروس يعدون العدة لتمكين دولتهم، و بسط سلطتهم، و توجهوا بوحشيتهم البربيية، و تقدموا زاحفين صوب الشرق لإخضاع تلك البلاد الإسلامية الشاسعة، و الققضاء على أبناءها الآمنين المطمئين، فقد استولوا على الواحدة تلو الأخرى من هذه المملكة الإسلامية الشاسعة حتى وصلوا إلى أقصى حدود تركستان الكبيرة.
      و ما كان للروس و لا لغيرهم أن تدنس إقدامهم أرض هذه البلاد الإسلامية لم يكن التركستانيون قد دبت إليهم عوامل الشقاق و بوادر النفاق، و إنعدمت من بينهم كل معانى الالفة و الوفاق، و إنفصلت كل ولاية عن غيرها. و قامت كل منها تعلن استقلالها، فتمزقت روحها المعنوية، و جامعتها القومية، فبذلك وجد الروس منفذا إلى تلك الأمةكلها. و كانت التركستان إذ ذلك مقسمة إلى الدويلات الآتية: (1) الدولة الأزبكية بما وراء النهر. (2) دولة بنى يادكار بخوارزم. (3) دولة بنى بك قوندى فى الشمال الغربى و سيبريا و تسمى هذه الدولة خانات سيبريا ايضا. (4) دولة أمراء مانغيت – نوغاى فى غربى ولاية قازاقستان و تمد من بحيرة « بالقاش » إلى نهر « إيديل ». (5) دولة سلاطين قازاق فى الشمال الشرقى لقازاقستان. (6) دولة بنى جغتاي (دوغلات) فى تركستان الشرقية و ولاية يتى صو.
      ما كاد الروس يشعرون بتصدع ذلك البناء العظيم، وانقسام الكتلة التركستانية إلى مزق و اشلاء فى شكل دويلات وممالك حتى مدوا مخالب السنور وانياب الذئاب الضارية لإبتلاع ذلك الملك الشاسع، وهدم ذلك البنيان الراسخ الذى بقى على الزمان قويا لم تنل منه العواصف الذاريات، والحوادث القاسيات. ولم تستطع الدول شرقيها و غربيها قديمها وحديثها أن تنال من اركانه أو تدنو من مكانه، انتهزوا فرصة هذا الانقسام، و وجهوا هممهم إلى هدم ذلك الركن من صرخ الإسلام، وتقدموا بقضهم و قضيضهم وأغارو أول الأمر على دولة بك قوندى - التى كانت تحكم سيبريا والشمال الغربى من تركستان فاستعد الملك «كوجم خان» وولى أحد أقاربه « محمد قل » قيادة الجيش لمحاربة الروس ومعه كثيرون من الفرسان فوقع أول القتال بين الفريقين قريبا من نهر« ايرتيش » واستمر نار هذه الحرب حين تلاقى الجيشان.
      و أبدى جيش « محمد قل » من ضروب البسالة و الإقدام ماهو معروف و مشهور فى طبيعة الأتراك. و لكن الروس كانوا قد امطروا الموقعة بألوف مؤلفة من الجنود فاستطاعوا أن يفوزوا فى هذه المعركة، ثم وقعت المعركة الثانية على نهر « ايرتش » واشتد الأمر هناك فخرج كوجم خان من الاستحكام، و صعد فوق جبل « جواش » يراقب الحالة بنفسه. و فوض امر الاستحكام إلى محمد قل واستولى الروس على بلدة « آتيق ميرزا » بعد موقعة سالت فيها دماءهم أنهارا و جرح منهم من لا يحصى عددا. ثم وثب الروس على الاستحكام الذى اقامه كوجم خان و بلغت الحرب أشدها فجرح الأمير محمد قل فى تلك الأثناء فحملوه إلى الضفة الثانية من نهر « ايرتش » و على أثر ذلك استولى الروس على الاستحكام. فمضى كوجم خان إلى برية « ايشيم » حاملا معه خزانته و نفائس أمواله، و جواهره. و فتح الروس هذه البلاد الواحدة تلو الأخرى و استولوا بعد حروب تشيب لها الولدان و ضخايا تسير بذكرها الركبان على مدينة « ايسكر » التى كانت عاصمة كوجم خان فى 26 اكتوبر سنة 1581م و استولوا على كنوز من الجواهر الغالية و التحف النفيسة و الاموال التى تفوق الحصر ثم لم يزالوا يحاربون و يقاتلون. و قد لقيهم أهل البلاد بضروب من الدفاع و الاستبسال، و الثبات فى مواقف النضال و التضحية التى صارب مضرب الامثال فى الدفاع عن الاوطان و الزود عن شرف الأمةو كرامتها و أخيرا أسر الأمير محمد قل و حمل إلى موسكو و تولى كوجم خان القيادة العامة بنفسه و أظهر شجاعة وافرة و بسالة نادرة للنضال عن حياضه و استرداد مجد بلاده حتى الموت، و قد مثل المؤرخ الإنجليزى « هوورث » فى تاريخ كوجم خان دفاع أبطال الأتراك و وقوفهم وقفة الأسود الغاضبة ضد عدوهم

      المستبد الجبار بموقف الهنود الحمر ضد مستعمرى بلادهم.
      و يدل على صدق وطنية كوجم خان وعزة نفسه جوابه الموجه إلى سفير الروس ردا على دعوته إلى قبول العيش فى ظل الحماية الروسية حينما رآه يمشى هائما على وجهه مع بعض حاشيته و أجناده فى الصحراء بين القتلى. و قد فقد إحدى عينيه و هكذا أجاب: « انى لا أقبل عيش الاسير ولا موت الذليل. ولا أحزن لفقد أموالى، و إنما الجدير لحزنى و ألمى هم اولئك التعساء الذين يعيشون تحت نيران الطغيان الروسى ».
      واستمرت الحرب بين الروس و الأتراك فى هذه المنطقة وحدها أكثر من نصف قرن و تجلى صدق قتيبة بن مسلم البأهلى البطل الإسلامى حيث يقول « إن التركى أحن إلى وطنه من الإبل إلى معاطنها ». و لم تنقطع الحرب بوفاة « كوجم خان » سنة 1600م بل استمرت نارها مشتعلة على يد ابنه « على خان » الذى قاتل حتى أسر ثم انتقلت القيادة إلى أخيه « ايشيم خان» وأبدى من الشجاعة و البسالة ما يسجله التاريخ بمداد من الفخر.
      وهذه الحروب المتوالية من الغارات المتتابعة و الشجاعة النادرة و البسالة الوافرة قد اتعبت الروس فبدأوا ينهزمون فى كل المعارك و الميادين و طفق الأتراك يطاردونهم فنكسوا على على أعقابهم و ولوا الأدبار و لكن ذلك النصر فى الشمال الغربى لم يتم لهم فى ذلك الحين. فقد أخذت طائفة « قلموق » تطرق ابواب تركستان من الشمال الشرقى و تجتاحها، و أقبلوا على البلاد من الشرق كسيل من الدمار، فوقف هذا النصر و ذلك النجاح.
    • مع أن تركستان الشمالية كانت بين نارين يستعر لهيبها غربا من الحرب الروسية و شرقا من قبائل قلموق، فقد كان النزاع الداخلى يفتك بالتركستان الجنوبية، وعلى أثر هذا انتقلت حكومة ماوراء النهر من أسرة الأزبكية إلى أسرة الاسترخانيين، وهم وإن لم يتحدوا فيما بينهم لكنهم دافعوا الأعداء عن ديارهم، وبذلوا المهج و الأرواح للمحافظة على اوطانهم فلقد قاتلوا وأظهروا شجاعة فائقة أمام القلامقة الذين جاءوا من شرقى آسيا، كما أظهروا بسالة كبرى أمام غارة الروس الذين جاءوا من شرقى أوربا. وأصبحت تركستان طوال القرن السادس عشر الميلادى مجال حروب و ميدان منازعات، إذ كانوا يناضلوان عدوين قويين من الشرق والغرب فى وقت واحد، ومع هذا فقد كان النزاع فى تركستان الشرقية قويا بين الأسرة المالكة و العلماء، فقد انتقل الملك من أيدي آل جغتاي إلى أسرة مخدوم أعظم – زعيم العلماء.
      و مما يستوجب الرثاء أن انضم إلى تلك المصائب الفادحة و الأخطار الجسام مصيبة جديدة من الجنوب فى أوائل القرن الثامن عشر الميلادى اعنى أعارة الفرس بقيادة نادر شاه. و قد اجتاحوا البلاد و اقتحموها و بذلك استهدفت تركستان لجميع الأخطار من جميع الجهات، و قد دافع كل من أمراء تركستان بنفسه و جنوده و لم يتحدوا فيما بينهم لتكوين جبهة قوية، إلا أن اجتياح الفرس لم يكن طويل الامد بل كان سريعا كالزلزال أو البركان غير أنه ترك أثرا سيئا فقد زاد البلاد تمزقا و تفرقا و انحلالا. و انتقل الحكم من أيدي الأمراء إلى أيدي رؤساء العشائر فكاثر عدد الحكومات و قل عدد المحكوميين، و انتقل حكم ماوراء النهر من أيدي الاسترخانيين إلى أمراء مانغيت. و لما رأى الروس أن الخطر الجنوبى قد زال بوفاة نادر شاه سنة 1747م و أن القلموق أيضا قد انهزموا أمام الحرب الصينية التى اشعلها الصين عليهم سقط فى ايديهم و وقع الرعب فى نفوسهم فبدأوا يحصنون المواقع، و يبنون القلاع فى المواطن التى احتلوها من أراض ى تركستان. و بدأ التركستانيون كذلك يعدون العدة و يتجهزون لحرب يجلون بها العدو الغربى و الروسى عن ديارهم، ولكن جيراننا من الشرق ( أعنى الصينيين ) ما كادوا ينتهون من محاربة القلموق و رأوا التركستانيين يقاتلون الروس فى الغرب، و هم ماعدا ذلك غير متحدى الكلمة انتهزوا الفرصة و أعاروا على التركستان الشرقية، و مع أن الحرب تمددت فى الشرق و الغرب مرة أخرى و وقف الأتراك بين نارين مشبوبتين فقد ثبتوا فى مواضعهم، و وقفوا ضد العدوين بما عرف عنهم من بسالة و إقدام و كانت الحرب سجالا بينهم وبين العدوين معا.
      و لما بسط الإنجليز حكمهم على الهند و حاربوا الأفغان سنة 1839م بدأوا يهددون إمارة بلخ و إمارة قوقندوز و بقية الإمارات الجنوبية من تركستان. و بهذا نرى أن المصائب السابقة قد زادت شيئا آخر وهو التهديد الإنجليزى الجديد.
      بعد هذا استطاع الروس أن يوجهوا حملتهم فى جد و يسيرون بخطوات سريعة حتى وصلوا إلى الخوض الاوسط لنهر سيحون.
      و كانت تركستان إذ ذاك منقسمة إلى ثلاثة اقسام اصلية و هى امارات « خوقند »، و« بخارى» و « خوارزم » و ( خيوة ) بخلاف حكومات قبائل التركمان التابعة اسما إلى إمارة خيوة.
      إمارة خوقند: ابتدأ الروس زحفهم اولا على إمارة خوقند و أعاروا على « آق مسجد » فاستمرت الحرب بين الطرفين سجالا إلى أواخر سنة 1813م. وفى 17 ديسمبر من تلك السنة استولى الجنرال « بروفسكى »على مدينة آق مسجد و محا اسمها و سماها باسمه.


    • أفادت مصادر متطابقة أن السلطات الأميركية أرسلت

      من المسلمين من قومية الإيغور الصينية المحتجزين في معتقل إلى جزيرة بالاو في المحيط الهادي.
      وجاء ذلك بعد موافقة دولة بالاو على استقبال 12 من الإيغور الـ22 الذين اعتقلتهم الولايات المتحدة خلال الحرب بأفغانستان عام 2001.

      وكان أربعة من الإيغور نقلوا بوقت سابق إلى برمودا في يونيو/ حزيران الماضي بعد أن استقبلت ألبانيا خمسة آخرين عام 2006.

      وقالت وزارة العدل الأميركية إنه تم نقل المعتقلين إلى بالاو التي تقدمت بطلب استقبالهم بعد الإفراج عنهم.

      ومن جهته أكد مركز الحقوق الدستورية -منظمة تتخذ من نيويورك مقرا لها ومثلت الكثير من معتقلي غوانتانامو- أن المحتجزين وصلوا إلى بالاو، مشيرا إلى أن المركز تولى قضايا ثلاثة منهم بينما وُكل محامون آخرون عن الباقين.

      وبدوره أكد بيان أصدره مكتب رئيس دولة بالاو جونسون تورييبيونغ وصول المعتقلين إلى الجزيرة ونقلهم إلى مقرات إقامة، معتبرا أن قرار استضافتهم "مبادرة إنسانية نابعة تقاليد بالاو النبيلة".

      ونقلت أسوشيتد برس عن المصدر قوله إن سلطات هذا البلد ستوفر الرعاية الطبية والإقامة والتعليم والتكوين للمحتجزين بهدف مساعدتهم على الحصول على عمل.

      وتتكون بالاو، الواقعة شرق الفلبين, من ثماني جزر رئيسية و586 أخرى صغيرة، في حين لا يتعدى عدد سكانها حوالي عشرين ألف نسمة.

      وقد ظلت جزيرة بالاو تدار من قبل الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية إلى أن استقلت عام 1994، لكنها لا تزال تحتفظ بعلاقات وثيقة مع واشنطن.

      وطالبت الصين بتسليمها المعتقلين الإيغور لكن الإدارة الأميركية رفضت ذلك قائلة إنهم قد يتعرضون للاضطهاد، وظلت عدة أشهر تبحث عن دولة أخرى مستعدة لاستقبالهم.

      ولا يزال حتى الآن 215 محتجزا بالمعتقل الذي تعهد الرئيس الأميركي يراك اوباما
      في وقت سابق بإغلاقه بحلول 22
      يناير/ كانون الثاني المقبل رغم وجود عراقيل قانونية وسياسية للوفاء بالتزامه.
      وكان الجيش الأميركي اعتقل في غوانتانامو نحو ثمانمائة شخص في إطار "الحرب على الإرهاب" التي أعلنها الرئيس الأميركي السابق جرج بوش إثر هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وأطلق سراح ثلثي هؤلاء المعتقلين من دون محاكمة
    • و فى شهر مارس سنة 1858م قامت فصائل خوقند تحت قيادة الوالى يعقوب بك ( هو ملك تركستان الشرقية فيما بعد ) بحملة عنيفة على قوات الروس، و أظهروا شجاعة وافرة تعد من معجزات يعقوب بك و نهبوا ما يقرب من مائة قرية و هزموا الجنود الروسية شر هزيمة، و صد خلف يعقوب بك المسمى « باتير باش » الهجوم الذى قام به الكولونيل الروسى « بلارامبرج » فى يوليو من ذلك العام، و تقدمت حملة العام الثانى التى كان يقودها الجنرال بروفسكى ( الكونت بيروفسكى فيما بعد )، فى حذر و بطء شديد ادى إلى بذل الكثير من الأرواح بلا جدوى و كانت حامية « آق مسجد » تتألف من خمسمائة رجل و ثلاثة مدافع و قد قتل الوالى « محمد على » و الجزء ال أكبر من الحامية فى دفاعهم عن هذا الحصن، و لم يأسر الروس سوى أربعة و سبعين اسيرا معظمهم من الجرحى.
      وصد الروس الجيش المرسل من خوقند بقيادة البكباشى قاسم بك لإستعادة هذا الحصن بعد أن تكبد خسارة جسيمة.
      وفى سنة 1861م استولى الروس على قلعة « ينكى قورغان »، و فى سنة 1874م احتلوا مدينة « يسه ( المشهورة بميدنة تركستان ) » وعلى مدينة « اوليا آتا »، وفى سبتمبر من السنة المذكورة استولى على « جيمكند » واستطاعوا أن يحاصروا مدينة « طاشكند » من أكبر مدن تركستان بعد حروب دامية، و مقاومة عنيفة بقيادة الجنرال « تشرنايف » و استطاع الأتراك أيضا أن يردوا الروس على أعقابهم بعد تضحيات عظيمة بقيادة البطل الأمير « عليمقول » القائد العام لقوات إمارة خوقند.
      ثم استعد الروس مرة ثانية لمحاصرة « طاشكند » فتقدموا واستولوا على قلعة « نيازبك » التى تبعد عن طاشكند 35 ميلا تقريبا من الشمال الشرق ( 29 ابريل سنة 1865م) و قطعوا مياه الجداول و الأنهار التى تسقى أهل المدينة و بدأت عوامل الظمأ و ما يتبعه تؤثر فى حياة الناس. و رغم ما بهم من العطش و شدة الحاجة إلى الماء فقد ثبتوا فى مواقعهم، ثم استطاع الروس أن يتقدموا ثمانية اميال و دافع الأتراك عن كل شبر من أرضهم دفاع الأبطال الاقوياء، و قاد الحملة البطل العظيم الأمير « عليمقول » و باشر بنفسه قيادة المدفعية و لكنه مع الأسف استشهد فى سبيل الله و الوطن فى 9 من شهر مايو سنة 1865م، ثم استولى الروس على قلعة « زنكى آتا » فدب الحزن و اليأس فى قلوب المسلمين بعد استشهاد هذ البطل الصنديد و القائد الاروع. و بذلك تمكنت الروس من محاصرة طاشكند حتى دخلوها، و أن الأتراك رغم هذه المفاجعة الاليمة و رغم ما بهم من العطش و الجوع لم يتخاذلوا و لم يسلموا للروس أنفسهم طائعين بل صمدوا صمود الجبال الشماء فى وجوه العواصف لا يتزحزحون و لا يستسلمون بل أداروا المعركة بالحراب و المدى فى طرقات طاشكاند و بين ازفتها و دوروبها. و لندع القائد الروسى الجنرال « تشرنايف » فاتح طاشكند » يحدثنا بنفسه عما شاهده بعينه فى الموقعة قال « إن المدينة مستعدة بأكياس الرمال (Bariikade) فى كل شوارعها، و كانت المقاومة عنيفة جدا، و قد مات كثير من الناس و هم يهاجمون جماعات أو منفردين بشوارع المدية يناضلون بفؤسهم و معاولهم، لم يستسلموا بل ماتوا على اسنة الرماح و رأى جنودنا الروس الذين اجتازوا الشوارع مقاومة عنيفة و مقاتلة شديدة و لم نبسط ايدينا على متجمع أو ناد إلا بعد أن سبحت جنودها فى بحار من الدماء » هذا هو قول عدونا اللدود الجنرال « تشرنايف »، و هذا يدل على بطولة الأتراك و مقاومتهم للعدو و دفاعهم عن الدين و الوطن. و بذلك سقطت طاشكند فى أنياب الروس و تم استيلائهم على نصف إمارة خوقند و اضطر خدايارخان أميرها أن يدخل فى حماية الروس، و لما ضايقت روسيا إمارة خوقند و قربت ساعة الاجهاز على استقلالها فطن الأمير مظفرالدين خان أمير بخارى إلى عاقبة تأخره عن مساعدة مجاوريه على صد هجمات الأعداء فتحرك لمساعدتهم و مد يد المعونة و جمع جيشا جرارا لمحاربة الأعداء، و لكن مساعدته اتت بعد فوات الوقت المناسب واضمحلال قوى خوقند و رسوخ قدم الروس فى بلادهم من اتقن طراز و تصحبها المدافع المهلكة لذلك لم يصعب عليهم الانتصار على الجيش التركى رغما عما أبداه البخاريون الأتراك من المقاومة و الاستماتة فى الدفاع لكن لم تجدهم ببسالتهم الشخصية شيئا أمام مقذوفات الروس.
    • إمارة بخارى



      ثم بدا الروس يتحرشون بإمارة بخارى لإخضاعها، و ألتهام ما يطيب لهم من الاقاليم فأدعوا على أمير بخارى بأن احد قواده أعلن الحرب عل الروسيا و ساقوا لمحاربته ثمانية آلاف جندى رغما عن انكار الأمير لما اتاه قائده. و بعد أن أخذوا جنود الأمير على غرة و هزموهم بالقرب من نهر زرفشان دخلوا مدينة سمرقند 14 مايو 1868م بعد أن حاصروها ثلاثة أيام. و فى نفس ذلك اليوم استولى الجنرال « جولوفاتشف » على مدينة « كاتتاقورغان » و كان قد أرسل إليها مع خمسة جندى و ثمانى اورط من عساكر القوزاق بثمانية مدافع، و بعد ذلك ترك الجنرال « كاوفمان » المرضى و الجرحى من جنوده فى قلعة « سمرقند » مع حامية قليلة و سار بجيشه الجرار لمحاربة الجيش البخارى فلحقه بالقرب من مدينة « صارى بول » و هزمه ثم قصد مدينة بخارى للاستيلاء عليها لكن وصله فى طريقه قيام سكان سمرقند على من كان بها من الجنود و حصرهم الروس فى القلعة و التضييق عليهم فعاد مسرعا و فرق جموعهم و فك الحصار عن القلعة بعد ستة أيام كان الحرب فيها سجالا ثم أباح المدينة لجنوده ثلاثة أيام ارتكبوا فى خلالها من القتل و النهب و جميع الفضائع الوحشية ما يسود وجه تاريخهم و يشوه ما ينسبونه لأنفسهم من المدنية.
      و لما أيقن أمير بخارى أن لا قبل له بمحاربة الروس و أنه لو استمر على مكافخهم فهم لا شك فائزون مهما بذله هو و جنوده من الاموال و الأرواح مادامت الأمم الإسلامية الأخرى لاهية كل واحدة بنفسها فأرسل للجنرال « كاوفمان » يطلب منه الصلح فدارت بينهما المخابرات و أخيرا اتفقا على أن يدفع الأمير للروسيا غرامة حربية توازى اثنين و سبعين الف جنيه و أن يتنازل لها عن ولايتى سمرقند و كاتّا قورغان و يبقى مستقلا بما بقى له و أن يلقب بحليف روسيا و يعين بمعيته مندوب روسى يبذل له النصح فى إدارة شؤون بلاده الداخلية و أن لا يخابر أي دولة أخرى إلا بواسطة هذا المندوب التابع إداريا إلى حاكم تركستان الروسى. و ابرموا معه معاهدة تجارية تقضى بإباحة التجارة لجميع رعايا الروسيا فى إمارة بخارى و بأن يكون لهم رئيس « شهبندر » من بينهم فى كل مدينة أو قرية مهمة و بأن لا تزيد قيمة الجمرك على الواردات إليها من بلاد الروس فى حالة من الاحوال عن 25ر2% من قيمة البضائع المراد ادخالها. و بذلك تم ضياع إمارة بخارى و لم يبق لأميرها من السلطة إلا اسمها، و لكن الأمير عبدالملك ولى عهد بخارى لم يقبل هذا الاستسلام و ثار على أبيه لقبوله حماية الروس و حارب فى صفوف المجاهدين دفاعا عن شرف آبائه و اجداده الأتراك.
      ثم اتجه الروس إلى تركستان الشرقية و قضوا على إمارة « إيلي » بعد أن رأوا ضروبا من الدفاع و الاستبسال و ثبابا فى مواقف النضال من أميرها السلطان « ابى العلا خداقل خان » و أخيه الأمير شمس الدين سنة 1871م.
      الغاء إمارة قوقند


      و فى تلك الأثناء قام الأتراك بثورة عنيفة على الأمير خدايارخان أمير قوقند لقبوله حماية الروس و هزموا جيوشه و أسروا ولده ناصر الدين ثم دخلوا مدينة « ميرغينان » و الزموا مراد بك أخا الأمير بالانضمام إليهم فخرج الأمير بنفسه لمحاربتهم و معه سفير الروسيا و جنوده من القوزاق. و لما اقترب من الثائرين انضم جيشه إليهم فلجأ إلى الفرار تحت حماية عساكر القوزاق إلى طاشكند فأقام الثوار ولده ناصر الدين أميرا مكانه و لكن الروس هاجموا بقضهم و قضيضهم و انتصروا عليهم فى 12 اغسطس سنة 1875م، و استولوا بعد ذلك على خوقند نفسها و مدينة « مرغينان ». و فى 22 سبتمبر سنة 1875م امضى الجنرال « كاوفمان » مع الأمير ناصر الدين خان معاهدة تنازل بمقتضاها للروسيا عن جميع البلاد الواقعة على الشاطئ الايمن لنهر سيحون و بقى ناصر الدين حاكما على ما بقى من ولايته على الشاطئ الأيسر، لكن لم يمهله الروس إلا بضعة اشهر ثم غزلوه فى شهر يناير سنة 1876م و نفى هو و والده خدايار خان إلى الروسيا بعيدا عن كل علاقة مع بلاده العزيزة، ثم الغوا إمارة خوقند و جعلوها ولاية روسية.
    • ثم اتجهوا للاستيلاء على إمارة خيوة ( خوارزم ) و لكن ستمائة فارس من فرسان الأتراك هاجموهم فى حوالى « قزيل صو » و انقضوا عليهم كصاعقة من السماء و لم يستطع الروس أن يفروا و قتل كثير منهم و أسر قائدهم « اسكوبلوف » و لكنه نجا فيما بعد. ثم تقدم الروس مرة أخرى سنة 1876م إلى قزيل صو إلا أن هذه الهزائم كلها لم تعقد همة الروس بل أرسلوا إليها جيشا آخر مؤلفا من ستين اورطة من المشاة و 26 من السوارى و 56 مدفعا فقسمها إلى ثلاث فرق سافرت احداها من مدينة « اورنبورغ » قاصدة خيوة من جهة الشمال الغربى و الثانية من بلاد القوقاز، اجتازت بحر الخزر و سارت شرقا إلى خيوة مخترقة صحارى « قاراقوم » و اتت الثالثة على مدينة « جيزاق » بين سمرقند و طاشكند متجهة إلى الشمال الغربى. و لقد قاسمت هذه الفرق الثلاث فى سيرها من آلام التعب و العطش، ما كاد يذهب بحياتها و تركت اغلب مهماتها فى الرمال بسبب موت الجمال و باقى دواب الحمل إلا انها استمرت فى طريقها رغما من هذه الصعوبات و ما لاقته أيضا من مناوشات التركستانيين من أبناء قبائل تركمان حتى وصلت إلى أسوار مدينة خيوة نفسها. و فى 28 مايو اطلقت عليها المدافع من كل صوب حتى اذعن أميرها إلى التسليم بعد أن فقد معظم جيوشه و يئس من الخلاص فأرسل إلى الجنرال « كاوفمان » القائد العام يطلب الصلح. و بعد مداولات تم الصلح بينهما على كيفية تجعل هذه الإمارة روسية يحكمها أميرها الاصلى بناء على نصائح أو اوامر الحاكم الروسى العام المقيم فى طاشكند.

      سقوط تركمانستان


      و بعد هذه الحروب عزم الروس على إنشاء طريق حديدى بين بحر قزوين، و الإمارات المفتحة حديثا، و على اخضاع البقية الباقية من تركستان فتقدم إلى مقاطعه « تركمنستان » سنة 1877م و كان فيها رئيس مستقل لكل قبيلة و اتحدوا فيما بينهم، و انتخبوا « نور و بردى خان » رئيسا لهم، و استقر الأمر على أن يدافعوا عن بلادهم و استحكموا فى « دنكيل تبه » و كانت الجنود الروسية مؤلفة من عشرة فرق من المشاة و أربعة عشر مفرزة من الفرسان و ستة عشر من المدفعية و من عدة قطعات فنية أخرى و من غيرها. و بدأ الحرب على أشدها فى 28 اغسطس سنة 1878م، و قتل الأتراك ثلث جنود الروس فى مدة نصف ساعة، و تشتت الروس و تفرق شملهم و ذهب ريحهم، و لكن التركستانيين لم يشعروا بهزيمة الروس و لم يستمروا فى هجومهم لإصابة قائدهم « بيردى مراد خان » و هروب الروس فى ظلمة الليل تاركين جريحهم و بعض اشيائهم كحمر مستنفرة فرت من قسورة، و تعقبهم الأتراك حتى النساء و الأطفال، و كان المتقدمون من الروس الفارين يضربون إخوانهم المتأخرين عنهم فى الفرار و يرمون النار إليهم ظنا منهم انهم من جنود الأتراك الذين يتبعونهم.
      و أحدث هذا النصر المبين روحا جديدا فى قلوب الأتراك و اشتهر فيما بينهم هذا النصر العزيز و ثار بعض البلدان و تحرر من نيرش، و بدأو يغيرون على بلدان محتلة اخرى، و لقد وقع الروس فى هزيمة منكرة زجت بها ارجاء البلاد و كان القضاء على الولاة الروسيين محققا و طردهم من البلاد امرا محتوما لو لم يستطيعو إلى تلك المقاطعات، فعلى هذا استعد الروس ثلاثة سنوات و شمروا و حشدوا المهامت الحربية و الزاد و العتاد مدة ستة شهور فى قصبة « بامى » التى تبلغ مسافة 270 كيلو مترا من « قيزيل صو » و انشأوا عدة قلاع و استحكامات بين قيزيل صو و بامى و جمعوا فيها المهمات الحربية و انشأوا سكة الحديد من قيزيل صو، وصار الجنرال « غوروديكوف » رئيسا لأركان الحربية الروسية و التحق الجنرال « قوراباتكين » مارا بصحراء خيوة مع 900 جندى إلى الجنرال « سكوبلوف » مع سبعة آلاف جندى فى « ايكه ن باطر قلعه » بعد اشغالها. و كان الأتراك مستعدين للحرب و انتخبوا « تيقما سردار » رئيسا بعد وفاة رئيسهم « نور ويردى خان »، و كان الرئيس الجديد قائدا باسلا و قد اشترك فى الحرب حين كان عمره ثلاثة عشر سنة، و نجا بعد أن أسر مرة فى أيدي الإيرانيين. و استعد البطل الرئيس الجديد و استحكم فى « دنكيل تيه » و كان محاطا بسور يبلغ ارتفاعه أربعة امتار و خنادق عميقة، و كان فيها مدافع من النحاس و ثلاث مدافع قديمة غيره، و ثلاثين الف جندى، و لكن لم يكن معه سوى خمسة آلاف بندقية أكثرها قديم العهد. و مع هذا كان الروس يخافون منهم جدا، و دربوا عساكرهم تدريبا فنيا، و أخيرا بدأوا بمحاصرة « دنكيل تيه » و شتت الأتراك بقيادة محافظة القلعة « كول باتير » فرقة الجنرال « تير سه ويج » الذى أراد أن يحاصر قلعة صغيرة كان خارج « دنكيل تيه » و قتلوا قائدهم الروسى « تير سه ويج ». و كانت الجنود الروسية تحارب بالمدافع و الأتراك يهاجمون فى الليل و يشمرون و يحاربون بالسيوف و لا يستعملون البنادق، و اشترك الصبيان و النساء و الحرب أظهروا شجاعة وافرة لا ينساها التاريخ.