كوبنهاجن..لماذا كل هذه الاهتمام؟

جوردون براون
12/13/2009
جوردون براون
عبر التاريخ، كان التقدم البشري ثمرة الحلم بتحقيق التغيير البعيد المنال، حتى لو قال الناس انه بعيدا عن متناول يدهم، وكان ثمرة النضال من أجل التغلب على العقبات، حتى لو بدت العقبات لا يمكن التغلب عليها. واليوم، نواجه تحديا عالميا، بدا الحل له ، من عقود وحتى الان، بعيدا عن متناول يدنا – بدا مستحيلا ولا يمكن تحمله وغير ناجع. لكن التغير المناخي الكارثي لم يعد مسألة مصير غير قابل للترويض، أكثر مما كان الوضع مع الرق واضطهاد المرأة و البحث عن عمل باعداد هائلة أو الحرب النووية. وخلال الأيام القادمة لدينا فرصة أن نلتحم معا كمجتمع عالمي واحد حقا، لنقوم بأول تحرك حاسم لتغيير مسار مشكلة التغير المناخي. واليوم نحن – بريطانيا- ومعنا النرويج وأستراليا، نتخذ خطوة أبعد نحو اتفاقية كوبنهاجن: نشر إطار عمل لتحويل المصادر والموارد على المدى الطويل لنسكن الألم ونحقق احتياجات الدول النامية للتغير والتواؤم مع الوضع الجديد. وليكن ما من شك لدى أي شخص حيال الدليل العلمي الواضح والقاطع الذي يقوم عليه مؤتمر كوبنهاجن. فلقد جلبت الهيئة بين حكومية للتغير المناخي أكثر من 4000 عالم من شتى بقاع الأرض. والذين أثبتت أعمالهم الأخيرة ولم تنف الدليل على وجود بصمة بشرية في الاحترار العالمي. ولا يمكن إنكار هذا أو محوه بواسطة ثلة من المعارضين للتغير المناخي والقائلين بعدم وجوده أصلا.
فغرض حملة منكري التغير المناخي واضح، وليس التوقيت مصادفة. فهذه الحملة مصممة لتقويض وزعزعة جهود الدول المجتمعة في كوبنهاجن. والسبب هو أن كوبنهاجن متوقع له أن يحقق تحولا تاريخيا على مستوى عميق: عكس الطريق الذي نسافر فيه منذ 200 سنة- هذا في حال إذا ما تمكنا من استحضار الإرادة السياسية لنصل إلى الاتفاقية الطموحة التي نريدها. وخلال تلك الفترة- 200 سنة- أقام العالم رخاءه على حرق الوقود الأحفوري وعلى قطع الغابات. والآن ، نحن نحتاج الى تحقيق الثراء وجودة الحياة التي نحياها، ليس من خلال ضخ الكربون الى الغلاف الجوي، بل من خلال تخليص الغلاف الجوي من الكربون. نحن باختصار بحاجة إلى أن نبني اقتصادا منخفض الإنتاجية من الكربون. وليس أن نفعل هذا في الداخل فقط: هدفنا أن نفعل هذا مع كل اقتصاد كبير في العالم. وهذا سينطوي على التغيير: انتقالة من دكتاتوريات النفط والوقود الأحفوري التقليدي الى نظم طاقة منخفضة الانتاجية من الكربون وذات كفاءة و آمنة، والتي ستكون المحرك الذي سيدفع النمو ويوفر الوظائف طوال العقود القادمة. وحتما، كما هو الحال مع أي مشروع كبير للتقدم الاجتماعي والاقتصادي من أجل المصلحة العامة ومصلحة العالم كله، سيكون هناك بعض اصحاب المصالح في عدم فعل هذا، وهم بالطبع سيعارضون. لذا، أنا سأنقض بالبرهان والحجة والأخلاق على كل معارضي تغير المناخ الذين يسعون للوقوف بوجه التقدم والنمو.
والحكومة البريطانية واضحة تماما بخصوص ما يجب تحقيقه. هدفنا هو الوصول الى اتفاقية عالمية شاملة تتحول بعد ذلك معاهدة ملزمة قانونيا على العالم كله، في غضون فترة لا تتجاوز ستة أشهر. وهذه الاتفاقية العالمية يجب ان تضع العالم كله على طريق من خلاله لا تزيد درجة الحرارة في الكوكب على الدرجتين. وذلك معناه خفض الانبعاثات العالمية بمقدار النصف بحلول العام 2050. وفي نفس الوقت على الاتفاقية أن تقدم المساعدة للدول الأفقر والأكثر عرضة وتضررا من التغيرات المناخية التي صارت الان أمرا حتميا- والتي يشهدها الكثير من دول العالم الآن. وبينما حققنا تقدما كبيرا في الأسابيع الأخيرة، لابد من مواصلة التحرك. أولا، كل الدول تحتاج الى الوصول الى مستوى عال من الطموح في التزاماتها بخفض انبعاثاتها وبخفض نمو الانبعاثات لديها. والكثير من الدول طرحت عروضا تعتمد على طموح دولا أخرى. فالاتحاد الأوروبي وبشكل ملحوظ، الزم نفسه بخفض الانبعاثات بمقدار 30 بالمائة لو كانت الاتفاقية في مجملها قوية. وطرح آخرون، منهم أستراليا واليابان، عروضا مماثلة. لذا في كوبنهاجن نحتاج الى ضمان ان تنتقل كل الدول إلى أعلى مستوى من مستويات الطموح، ومن ثم تساعد الدول هذه بعضها البعض في نوع من أنواع التعزيز المتبادل.
ثانيا نحن بحاجة إلى اتفاقية تمويل تمكن الدول النامية من التعامل مع التغير المناخي. فحتما هناك حاجة إلى المال من أجل التوائم مع التغير المناخي- الاستثمار في الطاقة المنخفضة الإنتاجية من الكربون، وفي الطاقة ذات الكفاءة، وفي التكنولوجيا الخضراء- حت نتمكن من تحقيق خفض جذري في منحنى القضاء على الغابات في الدول التي بها غابات مطيرة. وهذا هو السبب وراء اقتراحي في اجتماع الكومنولث الأخير تأسيس صندوق لكوبنهاجن، ووافق الكومنولث، من أجل توفير المساعدات المالية للدول النامية- وليس في 2013، بل الآن، لنبدأ من العام المقبل، ولنزيد موازنة الصندوق قرابة 10 مليار دولار كل عام بحلول العام 2012. وأنا سعيد لأن الرئيس باراك أوباما لم يأت إلى كوبنهاجن لكي يساعد في الوصول إلى اتفاقية، بل جاء ليقود الطريق بنفسه. فلقد التزم الرئيس الأمريكي، ومعه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بأن تدفع دولته حصتها العادلة. وأنا سأطلب من كل أوروبا أن تحذو حذوه. وكما هو في بيانننا المشترك، نحن أيضا في حاجة إلى مخاطبة الحاجة إلى التمويل على المدى البعيد، لندعم التوائم مع التغيرات المانخية في العالم النامي.
إن العالم في حاجة إلى أن يضمن أن الاتفاقية ستؤمن المستوى المطلوب من الخفض في انبعاثات الكربون على مستوى العالم. لكن هذا معناه أن الدول النامية عليها أن تمتلك القدرة على تخطيط استثماراتها بثقة. لذا علينا التفكير في نظام "للمكافأة على النتائج" ، نمول من خلاله خطط الحفاظ على الغابات وخطط الحد من الانبعاثات على المدى الطويل وفق مقدار الخفض الذي تمكنت من إحداثه. ثالثا علينا تصميم "آلية شفافية" من خلالها يمكن لكل الدول أن ترى بوضوح الذي يحدث، ليس فقط في الداخل لدى كل دولة، بل في الدول الأخرى. ففي مشروع طموح متبادل عالمي عظيم، نحتاج جميعا لأن نثق في بعضنا البعض. وعندما قلت في المرة الأولى إنه على القادة أن يذهبوا إلى كوبنهاجن، كنت أريد أن أضمن أن يكون هناك مساحة محدودة للفشل قدر ما أمكن. وإلا في كوبنهاجن هناك أكثر من 100 قائد. ولن لم نتمكن قبل نهاية الأسبوع المقبل من الوصول إلى اتفاقية طموحة، سيكون هذا عار على جيلنا، وفشل ذريع لن يسامحنا عليه أحفادنا فى الغد.
وسأبذل كل جهدي لأضمن أن ننجح في هذا. وهناك الكثير من نقاط التحول في التاريخ. ويجب أن يكون العام 2009، ولمصلحتنا، نقطة تحول.