سجل دخولك بمقالة أعجبتك في موسوعة أراء وقضايا

    • سجل دخولك بمقالة أعجبتك في موسوعة أراء وقضايا

      كوبنهاجن..لماذا كل هذه الاهتمام؟



      جوردون براون



      12/13/2009
      جوردون براون

      عبر التاريخ، كان التقدم البشري ثمرة الحلم بتحقيق التغيير البعيد المنال، حتى لو قال الناس انه بعيدا عن متناول يدهم، وكان ثمرة النضال من أجل التغلب على العقبات، حتى لو بدت العقبات لا يمكن التغلب عليها. واليوم، نواجه تحديا عالميا، بدا الحل له ، من عقود وحتى الان، بعيدا عن متناول يدنا – بدا مستحيلا ولا يمكن تحمله وغير ناجع. لكن التغير المناخي الكارثي لم يعد مسألة مصير غير قابل للترويض، أكثر مما كان الوضع مع الرق واضطهاد المرأة و البحث عن عمل باعداد هائلة أو الحرب النووية. وخلال الأيام القادمة لدينا فرصة أن نلتحم معا كمجتمع عالمي واحد حقا، لنقوم بأول تحرك حاسم لتغيير مسار مشكلة التغير المناخي. واليوم نحن – بريطانيا- ومعنا النرويج وأستراليا، نتخذ خطوة أبعد نحو اتفاقية كوبنهاجن: نشر إطار عمل لتحويل المصادر والموارد على المدى الطويل لنسكن الألم ونحقق احتياجات الدول النامية للتغير والتواؤم مع الوضع الجديد. وليكن ما من شك لدى أي شخص حيال الدليل العلمي الواضح والقاطع الذي يقوم عليه مؤتمر كوبنهاجن. فلقد جلبت الهيئة بين حكومية للتغير المناخي أكثر من 4000 عالم من شتى بقاع الأرض. والذين أثبتت أعمالهم الأخيرة ولم تنف الدليل على وجود بصمة بشرية في الاحترار العالمي. ولا يمكن إنكار هذا أو محوه بواسطة ثلة من المعارضين للتغير المناخي والقائلين بعدم وجوده أصلا.

      فغرض حملة منكري التغير المناخي واضح، وليس التوقيت مصادفة. فهذه الحملة مصممة لتقويض وزعزعة جهود الدول المجتمعة في كوبنهاجن. والسبب هو أن كوبنهاجن متوقع له أن يحقق تحولا تاريخيا على مستوى عميق: عكس الطريق الذي نسافر فيه منذ 200 سنة- هذا في حال إذا ما تمكنا من استحضار الإرادة السياسية لنصل إلى الاتفاقية الطموحة التي نريدها. وخلال تلك الفترة- 200 سنة- أقام العالم رخاءه على حرق الوقود الأحفوري وعلى قطع الغابات. والآن ، نحن نحتاج الى تحقيق الثراء وجودة الحياة التي نحياها، ليس من خلال ضخ الكربون الى الغلاف الجوي، بل من خلال تخليص الغلاف الجوي من الكربون. نحن باختصار بحاجة إلى أن نبني اقتصادا منخفض الإنتاجية من الكربون. وليس أن نفعل هذا في الداخل فقط: هدفنا أن نفعل هذا مع كل اقتصاد كبير في العالم. وهذا سينطوي على التغيير: انتقالة من دكتاتوريات النفط والوقود الأحفوري التقليدي الى نظم طاقة منخفضة الانتاجية من الكربون وذات كفاءة و آمنة، والتي ستكون المحرك الذي سيدفع النمو ويوفر الوظائف طوال العقود القادمة. وحتما، كما هو الحال مع أي مشروع كبير للتقدم الاجتماعي والاقتصادي من أجل المصلحة العامة ومصلحة العالم كله، سيكون هناك بعض اصحاب المصالح في عدم فعل هذا، وهم بالطبع سيعارضون. لذا، أنا سأنقض بالبرهان والحجة والأخلاق على كل معارضي تغير المناخ الذين يسعون للوقوف بوجه التقدم والنمو.

      والحكومة البريطانية واضحة تماما بخصوص ما يجب تحقيقه. هدفنا هو الوصول الى اتفاقية عالمية شاملة تتحول بعد ذلك معاهدة ملزمة قانونيا على العالم كله، في غضون فترة لا تتجاوز ستة أشهر. وهذه الاتفاقية العالمية يجب ان تضع العالم كله على طريق من خلاله لا تزيد درجة الحرارة في الكوكب على الدرجتين. وذلك معناه خفض الانبعاثات العالمية بمقدار النصف بحلول العام 2050. وفي نفس الوقت على الاتفاقية أن تقدم المساعدة للدول الأفقر والأكثر عرضة وتضررا من التغيرات المناخية التي صارت الان أمرا حتميا- والتي يشهدها الكثير من دول العالم الآن. وبينما حققنا تقدما كبيرا في الأسابيع الأخيرة، لابد من مواصلة التحرك. أولا، كل الدول تحتاج الى الوصول الى مستوى عال من الطموح في التزاماتها بخفض انبعاثاتها وبخفض نمو الانبعاثات لديها. والكثير من الدول طرحت عروضا تعتمد على طموح دولا أخرى. فالاتحاد الأوروبي وبشكل ملحوظ، الزم نفسه بخفض الانبعاثات بمقدار 30 بالمائة لو كانت الاتفاقية في مجملها قوية. وطرح آخرون، منهم أستراليا واليابان، عروضا مماثلة. لذا في كوبنهاجن نحتاج الى ضمان ان تنتقل كل الدول إلى أعلى مستوى من مستويات الطموح، ومن ثم تساعد الدول هذه بعضها البعض في نوع من أنواع التعزيز المتبادل.

      ثانيا نحن بحاجة إلى اتفاقية تمويل تمكن الدول النامية من التعامل مع التغير المناخي. فحتما هناك حاجة إلى المال من أجل التوائم مع التغير المناخي- الاستثمار في الطاقة المنخفضة الإنتاجية من الكربون، وفي الطاقة ذات الكفاءة، وفي التكنولوجيا الخضراء- حت نتمكن من تحقيق خفض جذري في منحنى القضاء على الغابات في الدول التي بها غابات مطيرة. وهذا هو السبب وراء اقتراحي في اجتماع الكومنولث الأخير تأسيس صندوق لكوبنهاجن، ووافق الكومنولث، من أجل توفير المساعدات المالية للدول النامية- وليس في 2013، بل الآن، لنبدأ من العام المقبل، ولنزيد موازنة الصندوق قرابة 10 مليار دولار كل عام بحلول العام 2012. وأنا سعيد لأن الرئيس باراك أوباما لم يأت إلى كوبنهاجن لكي يساعد في الوصول إلى اتفاقية، بل جاء ليقود الطريق بنفسه. فلقد التزم الرئيس الأمريكي، ومعه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بأن تدفع دولته حصتها العادلة. وأنا سأطلب من كل أوروبا أن تحذو حذوه. وكما هو في بيانننا المشترك، نحن أيضا في حاجة إلى مخاطبة الحاجة إلى التمويل على المدى البعيد، لندعم التوائم مع التغيرات المانخية في العالم النامي.

      إن العالم في حاجة إلى أن يضمن أن الاتفاقية ستؤمن المستوى المطلوب من الخفض في انبعاثات الكربون على مستوى العالم. لكن هذا معناه أن الدول النامية عليها أن تمتلك القدرة على تخطيط استثماراتها بثقة. لذا علينا التفكير في نظام "للمكافأة على النتائج" ، نمول من خلاله خطط الحفاظ على الغابات وخطط الحد من الانبعاثات على المدى الطويل وفق مقدار الخفض الذي تمكنت من إحداثه. ثالثا علينا تصميم "آلية شفافية" من خلالها يمكن لكل الدول أن ترى بوضوح الذي يحدث، ليس فقط في الداخل لدى كل دولة، بل في الدول الأخرى. ففي مشروع طموح متبادل عالمي عظيم، نحتاج جميعا لأن نثق في بعضنا البعض. وعندما قلت في المرة الأولى إنه على القادة أن يذهبوا إلى كوبنهاجن، كنت أريد أن أضمن أن يكون هناك مساحة محدودة للفشل قدر ما أمكن. وإلا في كوبنهاجن هناك أكثر من 100 قائد. ولن لم نتمكن قبل نهاية الأسبوع المقبل من الوصول إلى اتفاقية طموحة، سيكون هذا عار على جيلنا، وفشل ذريع لن يسامحنا عليه أحفادنا فى الغد.

      وسأبذل كل جهدي لأضمن أن ننجح في هذا. وهناك الكثير من نقاط التحول في التاريخ. ويجب أن يكون العام 2009، ولمصلحتنا، نقطة تحول.
    • التغير المناخي بين الوهم والحقيقة



      توماس فريدمان



      12/13/2009
      توماس فريدمان

      في العام 2006، نشر رون سوسكيند كتاب عنوانه "عقيدة الواحد بالمائة"، وهو كتاب تناول الحرب الأمريكية على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر. وكان العنوان مستوحى من تقييم قام به نائب الرئيس الأمريكي وقتها، ديك تشيني، والذي في وجه المخاوف من أن يكون أحد العلماء الباكستانيين يقدم المعرفة المتعلقة بالأسلحة النووية للقاعدة، أعلن في تقرير له أنه: "لو أن هناك فرصة مقدارها واحد بالمائة أن يكون علماء باكستانيين يساعدون القاعدة في بناء أو تطوير سلاح نووي، علينا أن نتعامل مع هذا كحقيقة وواقع عند ردنا عليه." وواصل تشيني كلامه قائلا إن أمريكا اضطرت لمواجهة خطر من نوع جديد :" منخفض الاحتمالية، عالي الأثر." وسريعا بعد صدور الكتاب، أشار الباحث القانوني كاس سنشتين، الذي كان وقتها في جامعة شيكاجو، أشار إلى أن تشيني بدا أنه يساند "مبدأ الاستباق" الذي يحرك أيضا نشطاء البيئة. كتب الباحث القانوني على مدونته:" طبقا لمبدأ الاستباق، من المناسب أن تتم الاستجابة بدعوانية للأحداث منخفضة الاحتمالية عالية التأثير- مثل التغير المناخي. وهناك نائب رئيس آخر – هو آل جور- يمكن أن نفهمه وهو يجادل في ضرورة تطبيق المبدأ الاستباقي فيما يتعلق بالتغير المناخي ( على الرغم من أنه يعتقد أن فرصة وقوع الكارثة في هذا الشأن أكثر من الواحد بالمائة).

      وبالطبع ما كان تشيني أبدا ليقبل بهذه المقارنة (موضوعه بموضوع جور) وحقا، يقول لنا الكثير من أنصار عقيدة الواحد بالمائة النووية لدى تشيني ألا نقلق بخصوص الانحباس الحراري العالمي الكارثي، حيث نسبة الاحتمالات ، في الواقع، ستكون أكبر من الواحد بالمائة بكثير، لو واصلنا أعمالنا كالعادة. وهذا من سوء الحظ، لأن غريزة تشيني، هي إطار العمل المناسب لنفكر من خلاله في قضية المناخ- وفي كل الجدل حوله أيضا. لقد تم إشعال فتيل الجدل حول المناخ في 17 نوفمبر عندما سطى شخص غير محدد الهوية على الرسائل عبر البريد الإلكتروني وملفات البيانات من وحدة بحوث المناخ في جامعة إيست أنجليا- وهذه الوحدة هي أحد المراكز البحثية الرائدة في العالم في هذا المجال- بعدها أرسل هذا الشخص ما سطى عليه إلى مواقع عديدة في الإنترنت. وفي مواقف قليلة (في تلك الرسائل والملفات) انكشف ما حاول بعض علماء المناخ الكبار فعله من (تشكيل) البيانات لتظهر المزيد من الاحتباس الحراري.

      وبصراحة، وجدت الأمر محبطا كثيرا، عندما أقرأ ما كتبه عالم مناخ بارز حول قيامه باستخدام "حيلة" "ليخبئ" انخفاضا مفترضا في درجات الحرارة ، أو محاولته الإبقاء على الأبحاث التي جاءت بنتائج متضاربة بعيدا عن العامة. وحقيقي أن جماعة المشككين في التغير المناخي، والممولين من قبل إمبراطوريات النفط الضخمة، ينشرون منذ سنوات كافة أنواع المنشورات والأبحاث التي تؤيد موقفهم، لكن هذا ليس بعذر لكي لا يلتزم العلماء الكبار بأعلى معايير البحث العلمي. فما فعله هؤلاء العلماء يقول :" الدليل على أن كوكبنا، منذ الثورة الصناعية، يمر باحترار واسع النطاق تجاوز الأنماط المتنوعة الطبيعية- مع فترات برودة محدودة- تم توثيقه من قبل العديد من المراكز البحثية المستقلة. وكما جاء في النيويورك تايمز" على الرغم من الانخفاض المتذبذب والواهن في درجات الحرارة على مستوى العالم عاما بعد عام، توضح اتجاهات الاحترار العالمي أنه ما من علامة على توقف ارتفاع درجات الحرارة بأي شكل من الأشكال وعودتها إلى الانخفاض.

      وليس هذا الأمر معقدا كما يبدو. نحن نعرف أن كوكبنا مغلف بغطاء من غازات الصوبة الزجاجية، التي تبقى على الأرض محاطة بدرجة حرارة ملائمة. ومع بثنا المزيد من أكسيد الكربون وغازات الصوبة الزجاجية الأخرى إلى داخل ذلك الغطاء ( الغلاف الجوي) من خلال عوادم السيارات والبناء والزراعة والغابات والصناعة، نجد أن المزيد من الحرارة محصورة في الغلاف الجوي. وما لا نعرفه، لا، النظام المناخي معقد جدا، هو العوامل الأخرى، التي مع مرور الوقت، ربما تعوض عن الفعل البشري وما يسببه من احترار، ولا بأية سرعة سترتفع درجات الحرارة، أو يذوب الجليد، ويرتفع مستوى البحر. الأمر كله لعبة احتمالات. ولم نمر بمثل هذا الموقف من قبل. فنحن نعرف أمرين فقط: الأمر الأول هو أن ثاني أكسيد الكربون الذي نبثه في الغلاف الجوي يبقى هناك لسنوات عديدة، لذا هو "لا يمكن عكسه". والأمر الثاني هو أن تراكم ثاني أكسيد الكربون لديه القدرة على التسبب في احترار "كارثي".

      ولو أننا نستعد للتغير المناخي من خلال بناء اقتصاد يقوم على الطاقة النظيفة، لكن التغير المناخي اتضح أنه خدعة، ما الذي سيحدث؟ حسنا، خلال الفترة الانتقالية ستكون لدينا أسعار مرتفعة للطاقة. لكن بالتدريج، يمككنا أن نركب سيارات تعمل بالبطارية الكهربائية، والمزيد والمزيد من منازلنا ومصانعنا ستعمل عبر الطاقة المولدة من الرياح والطاقة الشمسية والطاقة النووية، والوقود البيولوجي من الجيل الثاني. وسنكون أقل اعتمادا على النفط ومحتكريه، الذين هم شوكة في ظهورنا.

      وسيتحسن مقدار العجز التجاري لدينا وسيزداد الدولار قوة، وسيصبح الهواء الذي نتنفسه أنظف. باختصار، سنكون ، كدولة (امريكا)، أكثر قوة وأكثر ابتكارا، وأكثر استقلالية في مجال الطاقة. لكن إن لم نستعد، واتضح أن التغير المناخي حقيقة، يمكن أن تتحول الحياة على ظهر هذا الكوكب جحيما. لذا، أنا مع مبدأ تشيني المتعلق بالاستعداد للخطر النووي، حتى لو كانت نسبة احتمال وقوعه واحد بالمائة، لكني مع هذا فيما يتعلق بالتغير المناخي.
    • تركيا .."عثمانية جديدة" !



      سوات كينيكليوجلو



      12/13/2009
      سوات كينيكليوجلو :

      في أيامنا هذه أصبحت وسائل الإعلام مهووسة بمسألة من "فقد" تركيا وماذا قد تعني هذه الخسارة بالنسبة لأوروبا والغرب. والأكثر من هذا إزعاجاً أن بعض المعلقين شبهوا سياسة الجوار التركية بإحياء الإمبراطورية العثمانية. ومؤخراً، ذهب أحد كبار كتاب الأعمدة في تركيا إلى حد ذِكر عبارة بلسان وزير الخارجية أحمد داوود أوجلو فزعم أنه قال: "نحن في الواقع عثمانيون جُدد".

      وباعتباري أحد الحضور حين قدم داوود أوجلو عرضه أمام الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، فمن واجبي أن أشهد بأنه لم يستخدم هذا المصطلح. في الواقع، لا داوود أوجلو ولا أي منا في دوائر السياسية الخارجية في حزب التنمية والعدالة قد سبق له استخدام هذا المصطلح، وذلك لأنه ببساطة يشكل إساءة تمثيل لموقفنا.

      لقد صُمِّمَت سياسة الجوار التركية بهدف إعادة إدماج تركيا في جيرتها المباشرة، بما في ذلك مناطق البلقان، والبحر الأسود، والقوقاز، والشرق الأوسط، وشرق البحر الأبيض المتوسط. ونحن نهدف إلى تعميق حوارنا السياسي، وزيادة تجارتنا، وزيادة الصلات بين شعبنا والشعوب الأخرى في البلدان المجاورة لنا في هيئة أنشطة رياضية، وسياحية، وثقافية. وحين عمل إيجون بار على صياغة "مبدأ التقارب" في ستينيات القرن العشرين فلم يسأل أحد ويلي برانت ما إذا كانت ألمانيا قد فُقِدَت.

      لقد أنعم الله على تركيا بموقع جغرافي يتطلب منا في الأساس أن نتعامل مع الشرق والغرب، والشمال والجنوب. وهذا ليس خياراً ولا ترفاً ـ بل هو ضرورة.

      إن الرمز الذي استخدمته الإمبراطورية البيزنطية وإمبراطورية السلاجقة، والتي كانت كل منهما تحتل تقريباً نفس المساحة الجغرافية التي تحتلها تركيا اليوم، كان عبارة عن نسر ذي رأسين ينظر نحو الشرق والغرب. وليس من العجيب أن تسعى تركيا أيضاً إلى الارتباط بكل من طرفي أراضيها وأن تحرص على تعضيد أمنها بتقليص المخاطر التي قد تتعرض لها جنباً إلى جنب مع جيرانها.

      لذا فنحن نرى أن المناقشة الدائرة حالياً بشأن توجهات تركيا زائدة ولا ضرورة لها، وقد تكون في بعض الأحيان نابعة من سوء نية. إن سياسة الجوار التي تتبناها تركيا تحتاج إلى الدعم وليس الانتقاد. إن تركيا تشكل أصلاً لا يقدر بثمن في تركيبة المناطق المحيطة بنا، ولقد بدأت بالفعل في تغيير الوضع الراهن لصالح المزيد من الاستقرار. وجهودنا الرامية إلى تطبيع العلاقات مع أرمينيا، على سبيل المثال، تتجه نحو جلب التغيير إلى جنوب القوقاز بأسره. ونحن نقوم بواجبنا فيما يتصل بتقاسم الأعباء. ومن المؤكد أن الأوروبيين الواعين يدركون هذه الحقيقة.

      لا شك أن بعض جيراننا يتسمون بقدر كبير من الصعوبة. ولكن لا يوجد بلد على ظهر الأرض يتمتع بترف اختيار جيرانه. إن سياسة الجوار التركية شديدة الواقعية، وهي تستند إلى مصالح حقيقية، ولا تشكل حنيناً رومانسياً عثمانياً جديداً، كما اقترح بضعة معلقين دوليين. صحيح أن المجال الثقافي يشهد صحوة عثمانية جديدة، وصحيح أن مواطنينا يتوقون إلى إعادة اكتشاف الحياة العثمانية وثقافتها وممارساتها. وفي حين تسعى تركيا إلى التطبيع على المستوى الداخلي، فهي تسعى أيضاً إلى إعادة تفسير سردها التاريخي الوطني. وهذا نتاج طبيعي لمساعينا الرامية إلى توطيد ديمقراطيتنا. ولكن محاولة تلوين مبادراتنا المدرسة بدقة في السياسة الخارجية بألوان استعمارية إمبراطورية لا تشكل سوء تفسير صارخ فحسب، بل وتشكل أيضاً إجحافاً شديداً لجهودنا المبنية على حسن النوايا لدعم وتعزيز الاستقرار في منطقتنا.

      في الأساطير الرومانية القديمة، كان يانوس إله البوابات، والمداخل، والبدايات، والنهايات. وتركيا اليوم تجسد الجغرافية الأشبه بالإله يانوس، والتي تعمل كبوابات ومداخل إلى الشرق والغرب. وهي تعرض البدايات والنهايات على القوقاز، والبحر الأسود، والبلقان، ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.

      وبهذا الوصف، فإن تركيا تكَمِّل وتسهم في إيجاد ممرات انتقال فريدة من نوعها بين مناطق كان ليصعب التواصل بينها بأي سبيل آخر، فهي ترمز إلى قرون طويلة من التعايش والتكيف. والسياسة التركية الخارجية تساهم في التقريب بين جيرانها المباشرين وتساعد في الاتصال فيما بينهم.

      وخلافاً للاتهامات الأخيرة، فإن صناع القرار السياسي الخارجي لا يسعون إلى إحياء الإمبراطورية العثمانية. بل إننا نسعى بدلاً من هذا إلى إعادة إدماج تركيا على مستوى تاريخي في جيرتها المباشرة، وبالتالي تصحيح الوضع الشاذ الذي خلقته سنوات الحرب الباردة. ولا شك أن هذا من شأنه أن يفيد الاتحاد الأوروبي وحلفاءنا الغربيين في منظمة حلف شمال الأطلنطي. ولا أظن أن أياً منهم لديه أي سبب للأعراب عن عدم ارتياحه لتركيا.
    • دبي .. من سيحميها؟



      أحمد إبراهيم



      12/13/2009
      أحمد إبراهيم

      يقال أن ثقب الأمازون قريب منا والاحتباس الحراري أقرب من الكون، ولكني أعيش في دبي، فهل أنا على كون مثقوب قريب الانهيار،خاصة وأنا لا أملك قلما يكتب باللون الأخضر .. فأين أوجّه رأسه كى يستمدّ وقودا أخضر صديقا للبيئة لأكتب عن المناخ؟ .. طبعا أوجهه إلى كوبنهاجن حيث قمّة المناخ.

      لكن القلم لم يتوافق رأسه رأس البشر في منطقة أقطنها ويسودها اللون الأحمر، فأسواق الخليج المالية تتبادل بعضها البعض اللون الأحمر لفساتين عيد الحب بنزيف بورصاتها وأسعار أسهمها الهابطة يوما بعد يوم ذلك الهبوط غير المبرر في منطقة أنعم الله عليها خير المال ونعم الرجال، وتلك المنطقة التي أخضرّت وأثمرت فأينعت ثمارها دون بخل إلا المزيد جودا وكرما، وهؤلاء الرجال الذين آمنوا بالعلم والعمل فتسلّحوا بهما وعملوا بالحكمة والاتزان محققين في عقدين أو ثلاثة عقود ما لم يحققه الكثيرون في قرون ودهور.

      واللون الأحمر كما هو السائد في الداخل كذلك هو الذي بات يلاحقنا من الخارج برائحة الدماء العربية من الصومال واليمن، والإسلامية من باكستان الشقيقة بالتفجيرات الأخيرة التي تركزت على الجوامع وخطب الجمعة تحول الصفوف المتراصة تجاه القبلة إلى حمامات شلالاتها تطفو من مقديشو إلى إسلام أباد، وأخرى من بغداد بخمسة تفجيرات دموية لن تكون الأخيرة التي اشتهرت بتفجيرات الثلاثاء بدأت قرب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في منطقة القاهرة، وتواصلت الى حي الأعظمية قرب المبنى الجديد لوزارة المالية في سوق الرصافي ثم وفي جوار محكمة الكرخ في المنصور وفي النهضة قرب مكتب تابع لوزارة الداخلية، بسلسلة من السيارات المفخخة التي هزت العاصمة العراقية يوم الثلاثاء الماضي متجاوزا قتلاه 127 شخصا وجرحاه 500 شخص، إنه ثلاثاء عظيم لأبطاله مصاصي الدماء الذين افتخروا فيما افتخروا بأنهم أنجزوا في يوم واحد ما لم ينجزه الغير في كل الشهور الأخيرة.! إنه فخر جديد أضيف إلى مفردات قاموس بغداد الرشيد، بعد أن كان محصورا على الوحوش المفترسة في الغابات.

      وبعد هذا القدر من الإغراق باللون الأحمر في الشوارع والأسواق والمستبيح لأرواحنا وأموالنا لا أعتقد أني سأحصل على ذلك القلم الذي يكتب بمداد أخضر عن الغارقين في قاعات كوبنهاجن المناخية، دون أن أسمح لنفسي بالتحول إلى مناخ آخر وأنا من أوائل غرقاه، إذ أن القارئ الكريم قد لايسامحني أن أتجاهل واجباتي كجندي في بلادي (الإمارات الحبيبة) وما يغزوها وجوارها الخليجية الشقيقة من الزحف باللون الأحمرليشطب على ما بنته من السمعة والإستراتيجيات بالبنى الأساسية ورساميل المال، كيف أتركها وأتجه إلى دهاليز كوبنهاجن بالدنمارك، إنها الخيانة العظمى تجاه الدين والوطن أن أنسى أو أتناسى الأوطان وعطاءاتها وانضم الى طابور هؤلاء الشامتين الحاقدين الحاسدين الذين أكلوا وشربوا من بلادي أكثر مني ومن ابن عمي، وكما كانوا السبّاقين الملتهمين ما لذّ لهم وطاب من خيراتها بنهم، كانوا كذلك هم السبّاقون الشامتون المشهرون بها دعاية وتضليلا، لا والله لن أحمل قلما إلا وهو سيف في وجه الشامتين الحاقدين على دولة الإمارات الحبيبة وعلى دانة الدهر دبي الحبيبة

      المعروف ان بين القارئ والكاتب روابط تقودهما إلى ميدان (الصاد: الصداقة، الصراع أوالصلح) فليتصالح معي كل من يخالفني الرأي قراءة أو كتابة، لنتفق ولو افتراضيا على أن ما يحيط بدبي من الدعاية المضللة لاتقدم تصورا مفهوما لمن ينظر إليها برؤية العقل والبصيرة، والإمارات إن كانت وستبقى جسما سليما في الوطن الكبير، فإن دبي كذلك ستبقى أقوى وأنجح عضو في ذلك الجسم السليم، إي والله إنه الحق والحق يقال، والعاجز عن فهم منجزات دبي في عقدين عجزت عنها الدول والأقاليم في دهور وقرون يكون هو الآخر العاجز قاصر النظر أو مغمّض العينين، إنّ مجرد خبر إعادة جدولة ديون شركة واحدة كان له من الضجيج والصدى مما يؤكد على الكمين بأعلى المستويات، وبطابور من المفترين الحاسدين من كل الجبهات، والمؤسف جدا أن بعض هذه الطبول كانت عربية الهوية وعدائية الهوى ناهيك عن بعضها الخليجية رغم إدراكها بوحدة المصير الإقليمي والإستراتيجي، ورغم ذلك ظلت تصب الزيت بالحمم والبارود وبدم بارد على ما ساد أسواق الإمارات من اللون الأحمر في الفترات الأخيرة .

      إنه الحقد من الحاقدين وإنه الحسد من القاصدين، وظلم على الغفلة السائرين خلف القطيع دون علم و قصد، لكن دبي بإماراتها الشامخة والإمارات بدبي اللامعة أكبر من أن توضع على ىشفى الانهيار أو يقال عنها "مظلومة"، لا والله هناك ظالم دون نيله، هو ذلك الظالم الذي لن ينال من هدفه ليسحقه فيصنعه، كثير من عظماء العالم صنعتهم الأزمات المفتعلة ورفعتهم الكمائن المترصدة، إن من غزانا باللون الأحمر المؤقت المفتعل كمن أراد أن يطعن فينا من الخلف، فأيقظنا من السقوط على الوجه إلى القفزة نحو الأمام، هذه الأيام القلائل المتبقية من العام الحالي ما هي إلا السويعات المتبقيّة لساعة صفر الانطلاق، إنها سويعات لاتختلف عن تلك السويعات التي دونها غاندي في مذكراته قبيل نهضته بالهندي المصفوف في ذهن الإنجليز بالدرجة الثالثة للقطار وإن دفع تذكرة الدرجة الأولى، فقام واستيقظ وأيقظ معه مليارا من البشر بأنهم القادرون على كل شيء بألوانهم الهندية الدكناء، ودون اللون الأبيض الدخيل، وهذا ما أثبتته دبي في مسيرتها القصيرة، إذ حققت بسواعدها المحلية وقياداتها فقد أنجزت ما لم تنجزه الأوروبيتان بأقاليمهما وأساطيلهما.

      هذه الهزة التي لم تقصم ظهر البعير هي التي ستقوينا أكثر إن شاء الله، هذه النسمة العابرة التي أسقطت القناع عن الكثير هي التي أقنعتنا أن نتحول من دبي هادئة الى ثائرة في تلك الوجوه، "أشدّاء على الكفار رحماء بينهم"، لاخوف من ذلك الكابوس الوهمي، الذي رفع عنه الستار فسقطت كل جيوشه، تماما كما فعل غاندي بإنزال أكبر إمبراطورية عن عرشها دون أن يطلق رصاصة، فجعلها تفلس وتعاني من البطالة والكساد الاقتصادي أمام (الهند) التي كانت في يومه أفقر دولة في العالم.

      والإمارات اليوم أغنى دولة في العالم، أغنى بمعنى أنها لم تركع يوما ولن تركع، لم تيأس يوما وهي لاتملك سلاح المال والرجال فلن تيأس اليوم وهي تملكهما في كل الميادين وعلى كل المحطات، وهي القادرة بإيمانها وثباتها أن تسحق الحشرة في الطريق بالقدمين قبل اليدين، من حفر القبر لمن أحسن إليه، قد يدفنه الله فيه قبل ان يخرج من حفرته ، لأنها مقبرة الظالمين الحاقدين الحاسدين الذين ليس لهم إلا وساوس الشيطان بكيدهم في جحورهم، وللبيت رب يحميه (اللهم آمين آمين).

      كاتب إماراتي
    • احذر... الكاميرا تراقبك في كل مكان!



      د. فيصل القاسم



      12/13/2009
      د. فيصل القاسم :

      يتفاخر الأوروبيون والأمريكيون عادة بما يسمونه الخصوصية التي يعتبرونها ركناً أساسياً من الحرية الشخصية، فهم يرفضون رفضاَ قاطعاَ أي تدخل من الدولة في شؤونهم الذاتية. وطالما رفض البريطانيون مثلاً - وما زالوا يرفضون بشدة - إصدار هويات شخصية لسكان بريطانيا على اعتبار أنه من حق البريطانيين أن يحتفظوا ببياناتهم الشخصية وعدم اطلاع الدولة أو المؤسسات على أسرارهم، بما فيها تاريخ ميلادهم، ومكان ولادتهم أو إقامتهم، ونسبهم، وزمرة دمهم، وهلم ما جرى. باختصار فهم يعتبرون حمل بطاقة الهوية اعتداء على حريتهم الشخصية المقدسة التي طالما تفاخروا بها.

      إن رفض بعض الأوربيين استصدار مثل تلك البطاقات يذكرنا بتلك الفتاة التي أبت أن يرى الرجال وجهها، فقامت برفع فستانها كي تغطي به محياها، فظهرت عورتها الأفظع. وكذلك الأمر بالنسبة لمن يتباهون ويدافعون عن الحرية الشخصية في الغرب. ففي الوقت الذي يزعمون بأنهم يحمون حرياتهم الشخصية برفض حمل البطاقة الشخصية، تتعرض حرياتهم الشخصية في واقع الأمر لانتهاكات لم يسبق لها مثيل، وتكاد تكون أخطر بكثير من انتهاك الحريات في عالمنا العربي المفترض أنه مكبل بالقيود الأمنية والبوليسية. وليتهم قبلوا بالهويات الشخصية، فهي أهون الشرّين.

      لا أريد القول هنا بأي حال من الأحوال إن الإنسان العربي يتمتع بحرية شخصية أكبر من مثيلاتها في الغرب. معاذ الله! لكن نظراً لأن الأجهزة الأمنية في بلادنا على براعتها ما زالت متخلفة تكنولوجياً ولوجستياً من حيث المراقبة والمتابعة مقارنة بمثيلاتها الغربية، فإن الإنسان العربي يبدو وكأنه أكثر قدرة على الإفلات من منظار أجهزة الرصد بسبب تخلفها النسبي. ففي الغرب الذي يتفاخر بأنه واحة للحرية الشخصية، أصبح الإنسان تحت المراقبة على مدار الساعة، فالأخ الأكبر الذي طالما حذرنا منه الروائي البريطاني الشهير جورج أوريل يقف له بالمرصاد بطريقة لم يسبق لها مثيل عبر التاريخ، وذلك نظراً للتقدم التكنولوجي الهائل في مجال مراقبة الشعوب وتسجيل حركاتها وتحركاتها لحظة بلحظة. وبالتالي فإن الأجواء التي سادت في الاتحاد السوفييتي السابق والتي صورها أورويل خير تصوير في رواياته، عادت لتسود المجتمعات الغربية التي كانت تسخر من الطريقة الشيوعية القائمة على مبدأ "الكل يتجسس على الكل".

      قلما تجد شارعاً رئيسياً أو طريقاً فرعياً في أوروبا إلا وانتصبت فيه مئات الكاميرات المخفية والظاهرة للعيان التي ترصد دبيب النمل؟ فهناك في مدينة لندن لوحدها أكثر من أربعة ملايين كاميرا تصور تحركات الناس على مدار الثانية؟ وقد سمعت من أحد الأشخاص الذين يزورون العواصم الأوروبية باستمرار بأنه أصبح يتجنب حك المناطق الحساسة في جسمه إذا شعر بحكة مفاجئة مخافة أن يتم تصويره، فيفتضح أمره. لذلك فهو يشعر بالحرج، ويترك المنطقة التي تحكه في جسده حتى يجد مكاناً آمناً بعيداً عن عيون الكاميرات، فيحكها مرتاحاً. ويقول أحد السياح ساخراً: "إذا سافرت ذات يوم إلى أوروبا ونسيت أن تأخذ معك آلة تصوير، فلا تحزن، فهناك ملايين الكاميرات التي تصورك أينما ذهبت، وبالتالي ما عليك سوى الاتصال بالأجهزة المسؤولة عن إدارة شبكات كاميرات المراقبة العنكبوتية، فلديهم ربما مئات الصور التي ترصد زياراتك لكل الأماكن السياحية وحتى إلى دورات المياه". ويحدثونك عن الحرية الشخصية.

      وطالما شاهدنا صور المجرمين تـُنشر على شاشات التلفزيون بعد دقائق من وقوع الجريمة في هذه المدينة الغربية أو تلك. لماذا؟ لأن الكاميرات منصوبة في كل حدب وصوب تتجسس على الجميع. ولا ضير في ذلك أبداً، فمن الرائع أن تحافظ الدول على أمنها ضد المخربين والمجرمين والإرهابيين. لكنها في الآن ذاته تصور الجميع في طريقها حتى أولئك الذين يحاولون حك مؤخراتهم.

      و لا ننس أيضاً أن هناك بنوكاً في بعض العواصم الغربية تحتوي مادة الحمض النووي لملايين الأشخاص الذين يدخلون أوروبا، بمن فيهم الأوروبيون أنفسهم، ناهيك عن أن هناك كاميرات تصور بصمات العين.

      ولا يقل الأمر خطورة في بلاد العسل والحليب فهم يراقبون الطيور الطائرة، فما بالك بكل من يمشي على قدمين أو أربعة. وللتدليل على أن الجميع أصبح في دائرة المراقبة في بلاد العم سام، كتب أحدهم تفاصيل حوار دار عبر الهاتف بين مواطن أمريكي وعاملة في مطعم للبيتزا. فتسأله العاملة عن اسمه، فيعطيها إياه، ثم تقوم العاملة بعد ذلك بسرد قائمة طويلة من المعلومات حول ذلك المواطن للتأكد من هويته. ويظهر لنا من خلال المحادثة الهاتفية بأن مطعم البيتزا يعرف عن الشخص تاريخ ميلاده، ومكان ولادته، ومكان البناية، ورقم الطابق، ورقم الشقة، وديانته، ورقمه الوطني، والبنك الذي يودع فيه أمواله، وآخر مشترياته، ومخالفاته المرورية، وهواياته الشخصية، وعدد أولاده وبناته، واسم زوجته الحالية والمطلقة، وناديه الرياضي المفضل، والديسكو الذي يرتاده، والحانة التي يزورها في نهاية الأسبوع، وزمرة دمه، والأمراض التي يعاني منها. لا بل إن عاملة المطعم تنصحه بالابتعاد عن أكل البيتزا لأن بياناته المدونة على جهاز الكومبيوتر في المطعم تظهر بأنه يعاني من ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، وعليه بالتالي أن يخفف من تناول الأجبان. ويتباهون بالحرية الشخصية.

      ويبدو أن العم سام لم يعد يكتفي بمراقبة مواطنيه فقط، بل يريد أن يراقب العالم بأكمله. ولا داعي لذكر مراكز التنصت والتجسس الأمريكية المنتشرة في معظم أصقاع العالم والتي تراقب حتى مكالماتنا الهاتفية في طول العالم العربي وعرضه، ناهيك عن الأقمار الصناعية التي تستطيع أن تحدد مكان نومنا في هذه الغرفة أو تلك.

      وأخيراً أريد أن أبارك للمدافعين عن الحرية الشخصية في أوروبا بالقانون الأوروبي الجديد الذي يتيح لوكالة الاستخبارات الأمريكية التجسس بشكل قانوني على كل الحسابات البنكية لمواطني أوروبا والاحتفاظ ببياناتهم المصرفية لمدة خمس سنوات قبل حذفها من ذاكرة الكومبيوترات العملاقة. ففي خطوة يجدها مراقبون مثيرة للغاية يمنح قانون أوروبي جديد لمكافحة الإرهاب وكالة "'سي آي أيه" الأمريكية سلطة للحصول على معلومات عن حسابات ملايين البريطانيين ووضعها في بنك معلوماتها. وبموجب القانون الذي وقع في بروكسل وسيجري العمل به بعد شهرين لمكافحة الإرهاب سيطلب من الدول الأعضاء الـسبعة والعشرين في الاتحاد الأوروبي الاستجابة لطلبات تتقدم بها الولايات المتحدة للحصول على معلومات عن حسابات مصرفية وذلك بموجب قانون لملاحقة أموال وتمويل الإرهاب. وفي بند لم يتم الإعلان عنه يشير إلى أن الدول الأوروبية ستكون مجبرة على الإفراج عن معلومات لـ" سي آي أيه" بناء على إجراء "عاجل واضطراري".

      آه لو عشت حتى وقتنا هذا يا مستر جورج أورويل لاعتذرت للسوفييت، ولتمنيت لو ظل التجسس على البشر بالطريقة الشيوعية المتخلفة!
    • اليابان..صداع فى رأس أوباما

      12/13/2009
      روجر كوهين :

      لدى الرئيس أوباما مشكلة مع اليابان، وأعرف أنها ليست بالقضية التي تأرق مضجعه. لكن عندما تتدهور العلاقات الأمريكية بأهم حليف آسيوي بسبب الأمن وليس أشباه الموصلات، فلابد أن العالم بالفعل يتغير. وبالتأكيد اليابان تتغير. فبعد أن أطاح الناخبون اليابانيون بالحزب الديموقراطي الليبرالي، الذي تقلد مقاليد السلطة لأكثر من نصف قرن، وأعلنوا الحرب على البيروقراطية التي نتج عنها كل تلك الاتفاقيات مع أمريكا في العهد القديم، ينظر اليابانيون إلى تلك القوة التي كتبت لهم دستورهم، وهي أمريكا، نظرة جديدة. والنتيجة وجود مشاكل، وصارت اليابان الموثوق بها يابان عنيدة. وصارت تتحدث عن شراكة بها المزيد من المساواة مع أمريكا. وأنا أجد في ماضي اليابان عبر تغير سياسي راديكالي في طريقته كما هو الحال في القضاء على أي هيمنة لحزب واحد بعد الحرب الباردة على مقاليد الحكم، أقول أجد هذا طبيعيا.

      رغم هذا، تثبت المشاكل بين أكبر اقتصادين في العالم أنها وبشكل غير متوقع مشاكل حادة. فالوزراء الأمريكان يهزون رأسهم ويتمتون " الوضع سيىء حقا". وفي وجه تلك المشاكل نجد أن الرئيس أوباما ورئيس وزراء اليابان هاتوياما، والذي قاد نهضة الحزب الديموقراطي لانتصار كبير في سبتمبر الماضي، لديهما الكثير مما هو مشترك، ومن بين ذلك التغيير نفسه. فكلا الزعيمين اكتسح الطريق للمنصب بدعم الطبقة المتوسطة وأزمتها مع الدخول المنهارة والوظائف المفقودة. وكلاهما يمر بعقد متخم بالمشاكل. وكلاهما يتأرجحان في الوسط (السياسي) على الرغم من تعلقهما بيسار الوسط والمثالية. وكلاهما يواجه مهمة الصعود ببلده إلى المستوى المنتظر منها في العالم، الذي فيه تتضاءل قوة كل من البلدين. وحقيقي أن أوباما جاء إلى البيت الأبيض من الخارج (من خارج رجاله) بينما هاتوياما هو سليل سلالة سياسية حاكمة شبيهة بسلالة كينيدي. لكن المخاوف المشتركة ربما تتمكن من التفوق على اختلافات بينهما في الخلفية التي جاءا منها.

      رغم هذا تفككت الثقة بشكل سريع، وكانت الشرارة هي الجدل حول مستقبل محطة المارينز الأمريكي الجوية في جزيرة أوكيناوا جنوبي اليابان، حيث ضجر السكان المحليون هناك من الضوضاء العالية والجريمة والتلوث المصاحبين للوجود العسكري الأمريكى هناك. والقضية الأعمق أكثر تعقدا: تزايد ضجر اليابانيين من اعتمادهم منذ نهاية الحرب الباردة على واشنطون، ذلك الاعتماد الذي أكثر رمز له واضح في اليابان هو هؤلاء الأمريكان العسكريون البالغ عددهم 37 ألف فرد. وساند هاتوياما ذلك الغضب الياباني. وخاض حملته الانتخابية متعهدا للناخبين بفتح ملف اتفاق العام 2006 القاضي بنقل تلك القاعدة الجوية الأمريكية إلى مكان آخر شمال الجزيرة أقل كثافة سكانية. هذا بينما يقترح نشطاء البيئة في حزبه نقل القاعدة إلى خارج الجزيرة كلها أو إلى خارج اليابان. أيضا وعد هاتوياما بمراجعة الدستور الياباني، الذي تقول المادة تسعة فيه بعدم أحقية اليابان بامتلاك عسكرية كاملة الأركان. قال أكيهيسا ناجاشيما، نائب وزير الدفاع الياباني:" نحن نتعامل مع التحالف الياباني الأمريكي بجدية، فهو قلب سياسة البلاد الخارجية، حتى ولو تحدث رئيس الوزراء عن تحالف مع أمريكا بلا قواعد عسكرية أمريكية على أرض اليابان."

      لكن الشكوك تغلغلت في الجانب الأمريكى. وتضاعفت تلك الشكوك بسبب سوء الفهم. وعندما كان الرئيس الأمريكى في اليابان الشهر الماضي، طلب هاتوياما من أمريكا الثقة في اليابان، وأكد أوباما على أنها موجودة بالفعل. لكن الاثنين لم يتفقا على هذه الثقة بشأنه. بالنسبة لهاتوياما، كانت تلك الثقة بخصوص مستقبل التحالف. بالنسبة لأوباما، كانت هذه الثقة بخصوص تطبيق اتفاقية أوكيناوا الموقعة عام 2006، والتي قيمتها 26 مليار دولار. وكان هذا غموض في المواقف كارثى. والآن الكل غير سعيد بالموقف. وأشارت العديد من المناقشات إلى أن هاتوياما لن يقوم يتخذ أي قرار نهائي قبل شهور، ربما ليس قبل إجراء الانتخابات البرلمانية اليابانية في يوليو المقبل، التي من الممكن أن تحرر الرجل من شركائه الصغار في جناح اليسار. أما ريتشارد أرميتيج، نائب خارجية سابق، هو التعبير الوحيد المرأى عن نفاد صبر أمريكا. وهو حاليا في طوكيو. وقد قال ناجاشيما، مشيرا إلى الضغط المتزايد على الحكومة وإلى غضب سكان جزيرة أوكيناوا، قال: "لا يمكنني تغيير الموقف السياسي هنا، وأنا أريد بالفعل أن يواصلوا العمل معنا رغم هذه الصعوبات."

      وبعد قضائه تسعين يوما لكي يتخذ قراره بخصوص أفغانستان، لا يمكن لأوباما أن يتعامل بعصبية مع هاتوياما. فالأخير يدير الآن الأنقاض التي تخلفت من نصف قرن من حكم الحزب الديموقراطي الليبرالي للبلاد. وهو يحتاج إلى الوقت، كما أن الفضيحة المالية المتعلقة بحملته الانتخابية حدت من قدراته. فاليابان مثلها مثل ألمانيا من قبلها، هي تريد الخروج من تبعية وسيطرة أمريكا. وبخلاف ألمانيا، تقع اليابان في جزء من العالم حيث لا تزال للحرب الباردة أثر- كوريا الشمالية المسلحة نوويا- بالإضافة إلى صين سريعة النهضة والنمو، مع عسكرية ضخمة جدا قريبة جدا من اليابان. باختصار، الحاجة إلى تحالف ياباني أمريكي هو واقع حتى لو كان اليابانيون يطالبون بالتحرر من الاعتماد على أمريكا، وحتى لو كانت مطالبتهم تلك تنمو بشكل أسرع عن أي وقت مضى. وهذا يدعو للطمأنينة. لذا لتزيح الدولتان مسألة القاعدة العسكرية تلك جانبا، وتركزان على العلاقات الاستراتيجية التي تربط بينهما.
    • نوبل أوباما في عيون العرب

      12/13/2009
      نيكولاس بلانفورد

      يرى الكثير من العرب الغاضبين من زيادة أعداد القوات في أفغانستان ومن تجمد عملية السلام الاسرائيلية الفلسطينية، أن منح نوبل للسلام في نسختها الأخيرة للرئيس الأمريكي باراك أوباما هو أمر جانب اللجنة المانحة التوفيق فيه. ويجمع المنتقدون والمساندون على أن التوقيت هو الخط الفارق، فأوباما يستحقها، لكن ربما كان ذلك فى وقت قادم فى رئاسته.

      في عيون العرب، حصل الرئيس أوباما على نوبل في وقت غير مناسب بالمرة، فهو قبل أياما من توجه الى أوسلو لحفل تسلم الجائزة، كان قد اتخذ قراره بارسال 30 ألف من القوات الاضافية إلى افغانستان، الأمر الذي يتناقض مع وضعية رجل يتقلد جائزة سلام. بالاضافة الى مسألة افغانستان، هناك السلام في الشرق الأوسط، والذي تجمد بعد مرور شهرين على أوباما في البيت الأبيض. جراء رفض اسرائيل القاطع تحقيق ما طالب به أوباما من وقف تام للمستوطنات على الاراضي المحتلة، مقترحة بدلا من ذلك تجميدا "محدودا". يقول خضر حايك، رجل أعمال من جنوب بيروت:" أوباما محبط، هو لم يفعل شيئا، لو كان جادا لفعل شيئا حتى الآن. هو طالب اسرائيل بتجميد المستوطنات، لكن اسرائيل لم تكترث له، لا أحد يسمع له." لكن هناك آخرين من العرب مع اعطاء اوباما فرصة، هم يرون ان فترة 11 شهر في المنصب ليست كافية. يقول رامي خوري، مدير احد المراكز البحثية في لبنان: أظننا لم نعرف حتى الان كيف هي سياسته بخصوص الشرق الأوسط، ولا أظن أنه أظهر كل أوراقه، فلقد جاء للبيت الأبيض وهو مشغول بقضايا أخرى كثيرة، مثل الاقتصاد والرعاية الصحية وكوريا الشمالية وايران وافغانستان. وهذه كلها مسائل أكثر اهمية من وجهة نظره.

      لو كنت مكانه

      يرى البعض ان اوباما يستحق الجائزة، لكنهم سواء كانوا من المنتقدين أم من المؤيدين هم يرون أن ذلك كان من الافضل له أن يكون فى وقت قادم، بعد مضي فترة لا بأس بها له في المنصب. يقول فرانسوا كرم، حلاق من حي الشرفية في بيروت، :ان شاء الله سيكون قادر على مساعدتنا في السنوات الثلاثة القادمة، لكني لا افهم لماذا تم منحه جائزة نوبل، لو كنت مكانه ما قبلتها. ويعتبر تحدى عملية السلام في الشرق الاوسط هو العقبة التى تكرر وجودها مع كل الرؤساء الامريكان الذين تعاقبوا على البيت الأبيض، منذ أن تمكن جيمي كارتر من الدفع باسرائيل ومصر الى عقد اتفاقية السلام بينهما عام 1979، والمعروفة باسم معاهدة كامب ديفيد. أما رونالد ريجان فقد ساد الفترتين الرئاسيتين له عقبات كثيرة في الصعيداللبناني. أما جورج بوش الأب فكان هو من أطلق عملية السلام في الشرق الاوسط من خلال تمكنه من التوصل الى اتفاقية مدريد عام 1991 بين اسرائيل وفلسطين، لكن بعد ستة اشهر فقط خرج من البيت الأبيض بنهاية مدته الثانية. وصارت عملية السلام الشغل الشاغل للرئيس بيل كلينتون في فترتيه الرئاسيتين. وشهد انتصارات عديدة على صعيد السلام بين فلسطين واسرائيل، وتجلى ذلك في اتفاقية أوسلو بين الطرفين التى تم التوصل اليها عام 1993، بالاضافة الى معاهدة السلام بين الأردن واسرائيل التى تم التوصل إليها عام 1994. وبعد دخول بوش الابن البيت الأبيض تجاهل تماما عملية السلام في الشرق الأوسط حتى وقوع احداث 11 سبتمبر. وبعدها نظر الى الشرق الاوسط وعملية السلام فيه من منظور "الحرب على الارهاب". والآن، نجد أن اوباما قد ورث كل الميراث الذي لا يحتمل ولا يطاق الذي خلفه له أسلافه من الرؤساء، من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، الى الحرب في افغانستان، الى الأمن في العراق ، وبلا شك، طموح إيران النووي.

      بداية بلا لون

      عندما تولى الرئيس اوباما مقاليد الحكم في يناير الماضي، كانت توقعات العرب بأن يثمر مقدم رئيس امريكي جديد عن علاقات اكثر دفئا بين أمريكا والعالم العربي بعد فترة من الانحياز الامريكي في عهد بوش، كانت مرتفعة جدا. وبدا كل شيء يسير بشكل جيد في الشهور الثلاثة الأولى من رئاسة اوباما، على وجه الخصوص، عندما أعلن أوباما علانية عن مطالبته لاسرائيل بوقف وتجميد الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية بشكل كامل. وفي يونيو الماضي سافرالى القاهرة ليلقي منها خطابه الى العالم العربي، والذي تعهد فيه "ببداية جدية بين امريكا والعالم الاسلامي". لكن تحركات واشنطن قوضت حسن النية التى أسست لها كلمات أوباما، وعندما وقفت إسرائيل على أصابع قدميها في رد منها على مطالبات اوباما لها بالتجميد الكامل للاستيطان، طارحة عرض بالتجميد "المحدود" للمستوطنات، وجدنا هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية، تلح على محمود عباس الرئيس الفلسطيني ليتخلى عن مطالبته بالتجميد الكامل للمستوطنات كشرط مسبق لعودة محادثات السلام مع اسرائيل، واصفة العرض الاسرائيلي بانه "غير مسبوق". أكثر من ذلك، أُحبط الفلسطينيون من تناول أمريكا لتقرير جولدستون- تقرير لجنة تقصي الحقائق الأممية في جرائم الحرب التي ارتكبت في العدوان الأخير على غزة، والتى ترأسها القاضي الجنوب أفريقي، ريتشارد جولدستون، والذي خلص الى ان اسرائيل ارتكبت جرائم حرب ذلك الهجوم. فلقد كانت التناول الامريكي للتقرير فاترا.

      النوايا الطيبة

      ربما تكون نوايا أوباما طيبة. لكن هذا ليس كاف للدفع بجدية بعملية السلام في الشرق الأوسط. ويقول سامي مبيض، مؤلف ومحلل سياسي سوري:" من الزاوية التى ترى بها سوريا الأمور، سيتم الحكم على اداء اوباما من منطلق جهوده المتعلقة بقضية مرتفعات الجولان السورية المحتلة. وحتى الآن، لم نر شيئا ملموسا وصلبا، وذلك بفضل الحكومة الاسرائيلية اليمينية المتشددة في اسرائيل، والكونجرس الامريكي غير المتعاون، والذي جعل الأحد عشر شهرا الأولى لأوباما في الحكم بلا لون فيما يتعلق بالشرق الأوسط." وكانت سوريا وإسرائيل مؤخرا قد بدأتا في التحرك نحو عودة محادثات السلام بينهما. وظلت تركيا لشهور ترعى العديد من المحادثات غير المباشرة بين اسرائيل وسوريا في العام 2008 حتى انسحبت دمشق من العملية ردا منها على العدوان الاسرائيلي على غزة. وثبت في عملية السلام السورية الاسرائيلية تباطؤ أمريكا على الرغم من انها سعت لاسترداد علاقاتها مع سوريا. كما أن قرار اوباما ارسال 30 ألف من الجنود الأمريكان الى أفغانستان، مع تعهده بسحب القوات من هناك بحلول يوليو 2011، قابله القليل من الحماسة والمساندة في الشارع العربي. ففي صحيفة القدس العربي، مقرها لندن، جاء في عددها الصادر يوم الثالث من ديسمبر الجاري أن" الرئيس اوباما قال أن عصر هيمنة أمريكا على الشعوب قد ولى. ولو كان هذا صحيحا، الخطوة الأولى الصحيحة لترجمة تلك الرؤية الى واقع هي الانسحاب من افغانستان، اعترافا من أمريكا بخطئها، ومحاولة لوقف حمامات الدم التى أراقتها عسكريتها هناك."
    • رجل الأمن العالمي سيدفع الثمن باهظا



      وليام فاف



      12/13/2009
      وليام فاف

      وصف كاتب العمود بصحيفة نيويورك تايمز، روجر كوهين، في مقاله الأخير، الولايات المتحدة بصفتين: أنها "الضامن الأكبر للأمن العالمي" وأنها "أكبر مدين عالمي"؛ ومدح خطاب الرئيس باراك أوباما الذي ألقاه في الأول من ديسمبر على قوله فيه إن الولايات المتحدة لا يمكنها الاستمرار في الاتصاف بهاتين الصفتين إلى الأبد، وأن الوقت قد حان للتراجع قليلا. "إن الأمة التي يقع بناؤها في مقدمة اهتماماتي هي أمتنا نحن،" كما قال الرئيس، وأقدم أنا وروجر كوهين له التصفيق على ذلك! ولكن هل يمكن أن يحدث هذا؟

      هذه الخطوة المأمولة تلاقي شعبية في الولايات المتحدة، حيث تظهر معظم استطلاعات الرأي حول الحربين الأمريكيتين الراهنتين والسياسة الخارجية بصفة عامة أن أغلبية الأمريكيين يؤيدون البقاء في الداخل والانشغال بأمور أمريكا، وخاصة الآن في الوقت الذي لم يعد من الممكن فيه التعامل مع عجز الموازنة القومي على أنه أمر لا يهم، وفي الوقت الذي قام فيه الرئيس بإصدار أوامره بتعزيزات أخرى لحرب أفغانستان.

      يقول الرئيس أوباما إن القوات ستبدأ في التدفق عائدة إلى وطنها في منتصف عام 2011، ولكني يجب أن أظن أن الأمريكيين يتشكّكون في أن هذه العودة لن تكون سوى مثل قطرات المياه وأنها ستستمر لوقت طويل إلى ما بعد يوليو عام 2011 بوقت كبير – ناهيك عمن يعودون إلى الوطن في صناديق، أو في حالة عجز دائم مدى الحياة.

      لماذا إذن - إذا كانت الجماهير أقل من متحمسة لتقديم ضمان الأمن العالمي وتود أن ترى آخرين يقدمون ضماناتهم أيضا - تصر واشنطن على دورها؟ حتى الآن، كما أستطيع أن أفهم، القيادة السياسية للبلاد غير جاهزة للتخلي عن هذا الدور. إنه أمر ممتع، ومفيد للأعمال التجارية الأمريكية، أن تكون الزعيم الأكبر.

      بل إن الرئيس يمزج حذره من أن ذلك لا يمكن أن يستمر للأبد بتحذيرات من أن "مصداقيتنا" أصبحت على المحك في أفغانستان، كما أصبح على المحك كذلك "أمن حلفائنا وأمن العالم أجمع."

      هل أصبح كل ذلك على المحك وفي خطر حسب ما إذا كان بإمكاننا أن نمسك بأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة؟ لقد مرت تسع سنوات الآن ونحن نحاول الإمساك به، ولكن روبرت جيتس، وزير الدفاع الأمريكي، صرح لجماهير التليفزيون القومي يوم الأحد الماضي – بعد خمسة أيام من خطاب الرئيس – قائلا إنه "مرت سنوات" منذ أن كانت الاستخبارات الأمريكية تمتلك فكرة جيدة عن مكان وجود أسامة بن لادن. لماذا إذن يتم إرسال 30000 من القوات الإضافية، و100000 آخرين بحلول منتصف عام 2011، للبحث عنه في أفغانستان؟

      هل تخدع واشنطن شعبها؟ هذه القوات يتم إرسالها على أمل أن يصبح برنامج "التطهير والسيطرة" القديم الحديث الذي يتبناه القادة الجدد المسؤولون عن حروب أمريكا في وسط وجنوب آسيا قادرا على "تطهير" منطقة الحدود الباكستانية الأفغانية من طالبان ومنعها من إحداث الانهيار قريب المدى لحكومتي هاتين الدولتين.

      أما عن "السيطرة" للإبقاء على طالبان بعيدة عن المناطق الحساسة، فلو كان ذلك ممكنا بأي شكل فإنه سيأخذنا أبعد من الحد الذي وضعه سيناريو الجنرال ستانلي ماكريستال للوصول إلى النجاح الكامل، والذي حدده – إن لم تخني الذاكرة – بفترة خمسين عاما.

      ولكني أفترض أن الخطة الواقعية هي أن القوات الأمريكية والسلطات الأفغانية سيجدون طريقة للتعامل مع الوضع الأمني بطريقة تعترف بأن السبب الحقيقي لانعدام الأمن والقتال هو أن الولايات المتحدة قامت عام 2001 بطرد طالبان البشتونية من منطقة من البلاد تنتمي إليهم. وهم يريدون استردادها.

      لقد نصّبت واشنطن حكومة وطنية تتكون أساسا من الطاجيك، المنافس العرقي للبشتون. وكان الطاجيك يكوّنون بشكل كبير الحلف الشمالي، والذي تحالفت معه الولايات المتحدة لإسقاط حكومة طالبان عام 2001. والرئيس حامد كرزاي هو قائد قبلي بشتوني، ولكنه أيضا رجل واشنطن.

      أو هو كان كذلك حتى جاءت الفضائح الانتخابية التي أفقدت الانتخابات القومية مصداقيتها. يقال إن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قد أعطت كرزاي مرتبة الرجل الجيد في الحوار، ويعد بأنه سيكون الآن رئيسا نزيها. يشك المرء في أن هذا لن يكون كافيا. مازالت واشنطن مصرة على أن تلعب دور ضامن الأمن العالمي الأكبر، وسيدفع باراك أوباما ثمنا لهذا الدور.
    • احتمالات الغضب الروسي على إيران



      أحمــد المرشــد



      12/12/2009
      أحمــد المرشــد

      تضاربت المواقف الأمريكية حيال الملف النووي الإيراني، فالدبلوماسي والسياسي احتلا مكان العسكري، والعكس صحيح. فالجنرالات احتلوا مقاعد الدبلوماسيين وتخلوا عن اللغة العسكرية الجامدة، وهذا في خلطة عجيبة للإدارة الأمريكية.

      فمثلا، الجنرال جيمس جونز مستشار الأمن القومي الامريكي أعلن أن الباب سيظل مفتوحا أمام إيران للتعاون مع المجتمع الدولي حول برنامجها النووي. هذا رغم وصفه الوضع الحالي بأنه ليس جيدا.

      ويتوافق مع رأي جيمس جونز تقريبا موقف الجنرال ديفيد بترايوس قائد القيادة الأمريكية الوسطي، عندما أشار إلى أن مجموعة كبيرة من الخبراء شككوا في قدرة إيران على تنفيذ بناء 10 منشآت جديدة للتخصيب وهو ما استدعى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى الإسراع بالرد بأن إعلان بلاده عن خطة لبناء تلك المفاعلات " ليس بدعة". ورفض نجاد أن يكون إعلان طهران لمجرد الضغط على الغرب بعد إدانة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإيران لقيامها ببناء منشأة نووية ثانية في مدينة قم.

      نعود إلى التباين في المواقف الامريكية، فبينما يتخذ العسكريون وأجهزة المخابرات مواقف لينة ودبلوماسية، نرى دبلوماسيون مثل سفير أمريكا الجديد لدى وكالة الطاقة الذرية جلين ديفيز يشدد على أن أمريكا لن تسمح لإيران ببناء المفاعلات المذكورة. والدبلوماسي رغم أنه كان حري به اختيار كلماته بعناية شديدة، تخلى عن لغة الكياسة والتهدئة، واستخدم ألفاظا كلها وعيد وتهديد ربما تؤدي إلى انهيار فرص الحل الدبلوماسي المتمثل في الحوار . ولم يكن ديفيز أيضا موفقا بقوله أن إيران تسير في الاتجاه الخاطئ وأن عليها أن تتحرر من الماضي، فمثل هذه الكلمات لا تخرج سوى من جنرالات وليس من أفواه دبلوماسيين !!.

      إن مشكلة الغرب وأمريكا مع إيران هب أنهما لم يتلاقا عند نقطة وسط ولم يستطعا حشد تأييد روسيا والصين لمواقفها حيال الملف النووي الإيراني. فطهران تتعامل مع الغرب على أن المواجهة حتمية وقادمة لا محالة ، هو هكذا تصور إيران الوضع للداخل لديها حتى تخفف من الاحتقان السياسي بين المحافظين والإصلاحيين والتنويريين وثورتهم على القيادتين السياسية والدينية التي تقترب من الانفجار.

      وكان على الغرب أن يعرف أن التصريحات الإيرانية سواء كانت تهديدية أو الخاصة ببناء مفاعلات جديدة، إنما جزء كبير منها ينصب نحو امتصاص غضب الإصلاحيين ومناصريهم، ومن جهة أخرى لإظهار الملالي ومؤسسة الرئاسة على أنهم الذين يدافعون عن كرامة البلاد وكينونتها، وأن الجميع يتربص بإيران، وأنه من الواجب أن تتراص كل الصفوف الإيرانية لمواجهة هذا العدو الخارجي.

      وليس هنا شكل العدو، والأهم هو أن هناك شيطانا أو عدوا للبلاد منذ انطلاق الثورة الإسلامية. هذا العدو كان العراق يوما ما، ثم أصبح إسرائيل وأمريكا ، والآن يتسع هذا العدو ليكون ربما كل العرب أو حتى المسلمين ولاحقا روسيا والصين. ولنا أن نتريث قليلا في دراسة الموقف الإيراني تحديدا من روسيا الذي توقف دورها في السابق على تفضيل خيار التفاوض مع إيران لحل أزمتها النووية مع الغرب. ولكن هذا الموقف الروسي لم يكف موسكو ويجعلها تتراجع عن الوقوف بجانب قرار الوكالة الدولية بإدانة إيران بسبب بناء المنشآت النووية. فروسيا مؤخرا غيرت بوصلتها ومواقفها وأعلنت أن حيازة إيران للسلاح النووي يتعارض مع مصالح موسكو ومصالح واشنطن في نفس الوقت..وهوالموقف الروسي الجديد خاصة بعد تولي الرئيس الامريكي باراك اوباما مهام منصبه في البيت الأبيض.

      ومن هنا برز الخلاف بين موسكو وطهران، وهو الخلاف الذي يتصاعد خاصة بعد قرار روسيا تجميد صفقة بيع صواريخ "إس-300" والتي تحتاجها إيران لحماية منشآتها النووية من أي هجوم إسرائيلي أمريكي محتمل. وزاد من حدة الخلاف الإيراني – الروسي ، تهديد طهران بأنها ستقاضي روسيا أمام المحكمة الدولية لتجميدها صفقة الصواريخ. وقد قاد هذا التهديد بصورة كبيرة إلى تبديد أي أمل إيراني بالمراهنة على موقف روسي مساند لطهران في مجلس الأمن ينقض مشروع قرار فرض عقوبات جديدة قاسية على إيران.

      حتى وإن نجحت إيران في إنتاج صواريخ بديلة للصواريخ الروسية كما أعلن مسؤولوها العسكريون في أكثر من مناسبة، فهذا يتطلب الكثير من الوقت والأموال والجهد للانتهاء من مرحلة الإنتاج ثم إجراء الاختبارات اللازمة، والأهم أن إيران تعتقد أن روسيا باعتها لـ " للصهيوينة العالمية" وتخلت عن حليفتها إيران رغم أن دفعت ثمن الصفقة مسبقا. نقطة أخرى تجعل روسيا غير راغبة في معاداة الغرب من أجل اكتساب ود إيران، وهو انكماش حجم التبادل التجاري بين البلدين، فلا يبدو أن العقوبات ستؤثر على روسيا. بعكس الصين التي تربطها علاقات اقتصادية قوية مع إيران التي تعد ثاني مصدر للنفظ والغاز إلى الصين بنسبة 12% من احتياجات الصين، كما تساهم شركات صينية عديدة في مشاريع ضخمة للتنقيب عن النفط والغاز في إيران باستثمارات تصل إلى نحو 6,6 مليار دولار. كما تبيع شركات صينية البنزين إلى إيران التي تفتقر إلى القدرة على التكرير لتلبية الطلب المحلي على الوقود رغم احتياطياتها الضخمة من النفط الخام. وساهمت الشركات الصينية في سد الفراغ الذي خلفه رفض الشركات الأوروبية عن إمداد إيران بالوقود تحسبا لفرض عقوبات جديدة عليها.

      وتستفيد إيران مليا من هذا التبادل التجاري خاصة في مجال النفط، فالصين عضو دائم في مجلس الأمن، وهذا يفيد إيران، خاصة في حالة تصويت الصين ضد أي قرار من مجلس الأمن لفرض عقوبات على إيران. هذا بالإضافة على عامل سياسي مهم للغاية يربط بين إيران والصين، وهو شعورها معا بالاستياء البالغ من الانتقادات الغربية لأوضاع حقوق الإنسان فيهما والتي يصفانها بأنها غير مبررة ولها دوافع سياسية.

      أمام الصين مهلة من الوقت لتحديد موقفها النهائي من إيران، وهي تنتظر مدى جدية موقف الغرب من نية فرض العقوبات، وكذلك تنتظر موقف روسيا من مشاركة الغرب آرائه ومواقفه..وفي النهاية تعتقد الصين أنها لن تتغيب كثيرا عن الموقف الدولي، حتى وإن اضطرت إلى توجيه اللوم إلى إيران بسبب تعنتها في صفقة تسليم اليورانيوم لروسيا، وهي الصفقة التي تراجعت عن طهران في اللحظات الأخيرة ، وما زال الغرب ينتظر موقفها النهائي في مهلة جديدة تنتهي بنهاية هذا العام. عدم الغياب الصيني عن الموقف الدولي لا يعنى أن بكين ستبيع طهران بسرعة..فمعروف أن الصين تتبنى أكثر المواقف تشددا في حالة رأت أن الغرب يتخذ مواقف مناقضة لسياستها التي تتعلق بعدم التدخل في شؤون الآخرين.. وبكين ترى حتى الآن أن الغرب وأمريكا يتدخلان في شؤون إيران الداخلية، وبكين أيضا لا ترى حتى الآن أن إيران في طريقها نحو إنتاج القنبلة النووية. وهي لذلك تتأنى في تبني مواقف ضد إيران.

      كاتب ومحلل سياسي بحريني
    • احتمالات الغضب الروسي على إيران



      أحمــد المرشــد



      12/12/2009
      أحمــد المرشــد

      تضاربت المواقف الأمريكية حيال الملف النووي الإيراني، فالدبلوماسي والسياسي احتلا مكان العسكري، والعكس صحيح. فالجنرالات احتلوا مقاعد الدبلوماسيين وتخلوا عن اللغة العسكرية الجامدة، وهذا في خلطة عجيبة للإدارة الأمريكية.

      فمثلا، الجنرال جيمس جونز مستشار الأمن القومي الامريكي أعلن أن الباب سيظل مفتوحا أمام إيران للتعاون مع المجتمع الدولي حول برنامجها النووي. هذا رغم وصفه الوضع الحالي بأنه ليس جيدا.

      ويتوافق مع رأي جيمس جونز تقريبا موقف الجنرال ديفيد بترايوس قائد القيادة الأمريكية الوسطي، عندما أشار إلى أن مجموعة كبيرة من الخبراء شككوا في قدرة إيران على تنفيذ بناء 10 منشآت جديدة للتخصيب وهو ما استدعى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى الإسراع بالرد بأن إعلان بلاده عن خطة لبناء تلك المفاعلات " ليس بدعة". ورفض نجاد أن يكون إعلان طهران لمجرد الضغط على الغرب بعد إدانة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإيران لقيامها ببناء منشأة نووية ثانية في مدينة قم.

      نعود إلى التباين في المواقف الامريكية، فبينما يتخذ العسكريون وأجهزة المخابرات مواقف لينة ودبلوماسية، نرى دبلوماسيون مثل سفير أمريكا الجديد لدى وكالة الطاقة الذرية جلين ديفيز يشدد على أن أمريكا لن تسمح لإيران ببناء المفاعلات المذكورة. والدبلوماسي رغم أنه كان حري به اختيار كلماته بعناية شديدة، تخلى عن لغة الكياسة والتهدئة، واستخدم ألفاظا كلها وعيد وتهديد ربما تؤدي إلى انهيار فرص الحل الدبلوماسي المتمثل في الحوار . ولم يكن ديفيز أيضا موفقا بقوله أن إيران تسير في الاتجاه الخاطئ وأن عليها أن تتحرر من الماضي، فمثل هذه الكلمات لا تخرج سوى من جنرالات وليس من أفواه دبلوماسيين !!.

      إن مشكلة الغرب وأمريكا مع إيران هب أنهما لم يتلاقا عند نقطة وسط ولم يستطعا حشد تأييد روسيا والصين لمواقفها حيال الملف النووي الإيراني. فطهران تتعامل مع الغرب على أن المواجهة حتمية وقادمة لا محالة ، هو هكذا تصور إيران الوضع للداخل لديها حتى تخفف من الاحتقان السياسي بين المحافظين والإصلاحيين والتنويريين وثورتهم على القيادتين السياسية والدينية التي تقترب من الانفجار.

      وكان على الغرب أن يعرف أن التصريحات الإيرانية سواء كانت تهديدية أو الخاصة ببناء مفاعلات جديدة، إنما جزء كبير منها ينصب نحو امتصاص غضب الإصلاحيين ومناصريهم، ومن جهة أخرى لإظهار الملالي ومؤسسة الرئاسة على أنهم الذين يدافعون عن كرامة البلاد وكينونتها، وأن الجميع يتربص بإيران، وأنه من الواجب أن تتراص كل الصفوف الإيرانية لمواجهة هذا العدو الخارجي.

      وليس هنا شكل العدو، والأهم هو أن هناك شيطانا أو عدوا للبلاد منذ انطلاق الثورة الإسلامية. هذا العدو كان العراق يوما ما، ثم أصبح إسرائيل وأمريكا ، والآن يتسع هذا العدو ليكون ربما كل العرب أو حتى المسلمين ولاحقا روسيا والصين. ولنا أن نتريث قليلا في دراسة الموقف الإيراني تحديدا من روسيا الذي توقف دورها في السابق على تفضيل خيار التفاوض مع إيران لحل أزمتها النووية مع الغرب. ولكن هذا الموقف الروسي لم يكف موسكو ويجعلها تتراجع عن الوقوف بجانب قرار الوكالة الدولية بإدانة إيران بسبب بناء المنشآت النووية. فروسيا مؤخرا غيرت بوصلتها ومواقفها وأعلنت أن حيازة إيران للسلاح النووي يتعارض مع مصالح موسكو ومصالح واشنطن في نفس الوقت..وهوالموقف الروسي الجديد خاصة بعد تولي الرئيس الامريكي باراك اوباما مهام منصبه في البيت الأبيض.

      ومن هنا برز الخلاف بين موسكو وطهران، وهو الخلاف الذي يتصاعد خاصة بعد قرار روسيا تجميد صفقة بيع صواريخ "إس-300" والتي تحتاجها إيران لحماية منشآتها النووية من أي هجوم إسرائيلي أمريكي محتمل. وزاد من حدة الخلاف الإيراني – الروسي ، تهديد طهران بأنها ستقاضي روسيا أمام المحكمة الدولية لتجميدها صفقة الصواريخ. وقد قاد هذا التهديد بصورة كبيرة إلى تبديد أي أمل إيراني بالمراهنة على موقف روسي مساند لطهران في مجلس الأمن ينقض مشروع قرار فرض عقوبات جديدة قاسية على إيران.

      حتى وإن نجحت إيران في إنتاج صواريخ بديلة للصواريخ الروسية كما أعلن مسؤولوها العسكريون في أكثر من مناسبة، فهذا يتطلب الكثير من الوقت والأموال والجهد للانتهاء من مرحلة الإنتاج ثم إجراء الاختبارات اللازمة، والأهم أن إيران تعتقد أن روسيا باعتها لـ " للصهيوينة العالمية" وتخلت عن حليفتها إيران رغم أن دفعت ثمن الصفقة مسبقا. نقطة أخرى تجعل روسيا غير راغبة في معاداة الغرب من أجل اكتساب ود إيران، وهو انكماش حجم التبادل التجاري بين البلدين، فلا يبدو أن العقوبات ستؤثر على روسيا. بعكس الصين التي تربطها علاقات اقتصادية قوية مع إيران التي تعد ثاني مصدر للنفظ والغاز إلى الصين بنسبة 12% من احتياجات الصين، كما تساهم شركات صينية عديدة في مشاريع ضخمة للتنقيب عن النفط والغاز في إيران باستثمارات تصل إلى نحو 6,6 مليار دولار. كما تبيع شركات صينية البنزين إلى إيران التي تفتقر إلى القدرة على التكرير لتلبية الطلب المحلي على الوقود رغم احتياطياتها الضخمة من النفط الخام. وساهمت الشركات الصينية في سد الفراغ الذي خلفه رفض الشركات الأوروبية عن إمداد إيران بالوقود تحسبا لفرض عقوبات جديدة عليها.

      وتستفيد إيران مليا من هذا التبادل التجاري خاصة في مجال النفط، فالصين عضو دائم في مجلس الأمن، وهذا يفيد إيران، خاصة في حالة تصويت الصين ضد أي قرار من مجلس الأمن لفرض عقوبات على إيران. هذا بالإضافة على عامل سياسي مهم للغاية يربط بين إيران والصين، وهو شعورها معا بالاستياء البالغ من الانتقادات الغربية لأوضاع حقوق الإنسان فيهما والتي يصفانها بأنها غير مبررة ولها دوافع سياسية.

      أمام الصين مهلة من الوقت لتحديد موقفها النهائي من إيران، وهي تنتظر مدى جدية موقف الغرب من نية فرض العقوبات، وكذلك تنتظر موقف روسيا من مشاركة الغرب آرائه ومواقفه..وفي النهاية تعتقد الصين أنها لن تتغيب كثيرا عن الموقف الدولي، حتى وإن اضطرت إلى توجيه اللوم إلى إيران بسبب تعنتها في صفقة تسليم اليورانيوم لروسيا، وهي الصفقة التي تراجعت عن طهران في اللحظات الأخيرة ، وما زال الغرب ينتظر موقفها النهائي في مهلة جديدة تنتهي بنهاية هذا العام. عدم الغياب الصيني عن الموقف الدولي لا يعنى أن بكين ستبيع طهران بسرعة..فمعروف أن الصين تتبنى أكثر المواقف تشددا في حالة رأت أن الغرب يتخذ مواقف مناقضة لسياستها التي تتعلق بعدم التدخل في شؤون الآخرين.. وبكين ترى حتى الآن أن الغرب وأمريكا يتدخلان في شؤون إيران الداخلية، وبكين أيضا لا ترى حتى الآن أن إيران في طريقها نحو إنتاج القنبلة النووية. وهي لذلك تتأنى في تبني مواقف ضد إيران.

      كاتب ومحلل سياسي بحريني

      E-Mail: amurshed2030@gmail.com
    • توسط مكة من اليابسة



      د. زغلـول النجـار



      12/12/2009
      د. زغلـول النجـار

      كانت حركة الاستشراق في جذورها حركة استخبارية‏,‏ تجسسية حقيرة‏,‏ معادية للإسلام والمسلمين‏,‏ حريصة على تصيد كل فرصة لمهاجمة دين الله الخاتم بدون وجه حق‏,‏ ومن القضايا التي أثاروها ـ زوراً ـ اقتطاع هذا النص الكريم الذي نحن بصدده " وَلِتُنذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا " من القرآن كله وقصره على أهل مكة وبعض القرى من حولها‏,‏ واعتباره معارضاً للعديد من النصوص القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد عالمية الرسالة الخاتمة ، مثل قول الحق ـ‏ تبارك وتعالى ـ مخاطباً خاتم أنبيائه ورسله‏ ـ‏ صلى الله عليه وسلم ـ :‏ " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ "‏ (‏ الأنبياء‏:107)‏، وقوله‏ ـ عز من قائل‏ ـ :‏ " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ‏ " (‏ سبأ‏:28) .‏

      وقول المصطفى ‏ـ صلى الله عليه وسلم ـ :‏ " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي, وذكر منهن‏ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً "‏.‏ (رواه البخاري)

      وفي محاولة علمية جادة لتحديد الاتجاهات الدقيقة إلى القبلة ـ أي إلى الكعبة المشرفة‏ ـ من المدن الرئيسية في العالم باستخدام الحاسوب ‏(‏ الكمبيوتر‏)‏ ذكر الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين ـ رحمه الله برحمته الواسعة‏ ـ (‏ الذي شغل درجة الأستاذية لمادة المساحة بكلية الهندسة في عدد من الجامعات والمعاهد العليا مثل جامعات القاهرة‏,‏ وأسيوط‏,‏ والرياض‏,‏ وبغداد‏,‏ والأزهر الشريف‏,‏ والمعهد العالي للمساحة بالقاهرة‏)‏ أنه لاحظ تمركز مكة المكرمة في قلب دائرة تمر بأطراف جميع القارات‏,‏ أي أن اليابسة على سطح الكرة الأرضية موزعة حول مكة المكرمة توزيعاً منتظماً‏,‏ وأن هذه المدينة المقدسة تعتبر مركزاً لليابسة‏,‏ وصدق الله العظيم إذ يقول ‏:‏ " وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِياًّ لِّتُنذِرُ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ " (‏الشورى‏:7) .

      وقد ثبت علمياً أن القارات السبع التي تكون اليابسة على أرضنا في هذه الأيام كانت في الأصل قارة واحدة، ثم تفتتت بفعل الصداع والخسوف الأرضية إلى تلك القارات السبع التي أخذت في التباعد عن بعضها البعض ولا تزال تتباعد‏,‏ وبمتابعة جهود الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين ـ رحمه الله برحمته الواسعة ـ وجدت أنه في كل الحالات واليابسة قطعة واحدة‏,‏ وبعد تفتتها إلى القارات السبع مع قربها من بعضها البعض ، وفي كل مراحل زحف هذه القارات ببطء شديد متباعدة عن بعضها البعض حتى وصلت إلى أوضاعها الحالية‏,‏ في كل هذه الحالات كانت مكة المكرمة دائماً في وسط اليابسة ‏.

      وقد ثبت علمياً أيضاً أن أرضنا في مرحلة من مراحلها الابتدائية كانت مغمورة غمراً كاملاً بالماء‏,‏ ثم فجَّر الله‏ ـ‏ تعالى‏ ـ‏ قاع هذا المحيط الغامر بثورة بركانية عارمة عن طريق تصدع وخسف هذا القاع‏,‏ وأخذت الثورة البركانية تلقي بحممها فوق قاع هذا المحيط لتبني سلسلة من سلاسل جبال أواسط المحيطات‏,‏ ومع ارتفاع أعلى قمة في تلك السلسلة فوق مستوى سطح ماء هذا المحيط الغامر تكونت أول مساحة من اليابسة على هيئة جزيرة بركانية تشبه العديد من الجزر البركانية المتكونة في أواسط محيطات اليوم كجزر اليابان‏,‏ الفلبين‏,‏ إندونيسيا‏,‏ هاواي‏,‏ وغيرها‏ .‏

      ويروى عن رسول الله‏ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله الشريف‏ :‏ " كانت الكعبة خشعة على الماء فدحيت منها الأرض " وهذا الحديث ذكره الهروي في غريب الحديث‏ (362/3)‏ وذكره الزمخشري في الفائق في غريب الحديث‏(371/1) ؛‏ وذلك لأن مدلوله العلمي سابق لزمانه بألف وأربعمائة سنة‏،‏ والخشعة هي الأكمة المتواضعة، فهل يمكن أن تكون أرض الكعبة المشرفة أول جزء من اليابسة ظهر فوق سطح المحيط الذي غمر الأرض في مراحلها الأولى؟ هذا سؤال لم تكتمل الإجابة عليه بعد‏ .‏

      خصوصية انتفاء الانحراف المغناطيسي عند خط طول مكة المكرمة : أضاف الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين ـ رحمه الله رحمة واسعة ـ‏ في بحثه القيم المُعَنْوَن " إسقاط الكرة الأرضية بالنسبة لمكة المكرمة " والمنشور في العدد الثاني من المجلد الأول لمجلة البحوث الإسلامية الصادرة بالرياض سنة‏1396/1395‏ هـ ‏(‏ الموافق‏1976/1975‏ م‏)‏ أن الأماكن التي تشترك مع مكة المكرمة في نفس خط الطول‏(39,817‏ شرقا‏),‏ تقع جميعها في هذا الإسقاط على خط مستقيم‏,‏ هو خط الشمال الجنوب الجغرافي المار بها، أي إن المدن التي تشترك مع مدينة مكة المكرمة في خط الطول يكون اتجاه الصلاة فيها إلى الشمال أو الجنوب الجغرافي تماماً ، والمدن التي تتجه في الصلاة إلى الجنوب الجغرافي تبدأ من القطب الشمالي للأرض إلى خط عرض مكة المكرمة‏(437‏ و‏21‏ شمالا‏)،‏ وأما المدن التي تقع على خطوط العرض الممتدة من جنوب مكة المكرمة إلى القطب الجنوبي فإن اتجاه القبلة فيها يكون ناحية الشمال الجغرافي تماماً .‏

      وكذلك الحال على خط الطول المقابل لخط طول مكة المكرمة‏ ـ‏ وهو خط الطول المرقم‏ 183‏ و‏140‏ درجة غرباً ـ‏ فإن المدن الواقعة عليه تصح الصلاة فيها نحو الشمال الجغرافي أو الجنوب الجغرافي تماماً حسب موقع خط عرض كلٍ منها بالنسبة إلى خط عرض مكة المكرمة‏ ،‏ فالمدن الواقعة إلى الجنوب من خط العرض المقابل لخط عرض أم القرى ـ أي من خط عرض‏21,437‏ جنوباً إلى القطب الجنوبي ـ تتجه في صلاتها إلى الجنوب الجغرافي تماما‏,‏ والمدن الواقعة شمالاً من خط العرض ذلك إلى القطب الشمالي تتجه في صلاتها إلى الشمال الجغرافي تماما‏.‏

      أما المدينة الواقعة على خط الطول المقابل لمكة المكرمة تماماً وعلى خط عرضها تماماً فإن الصلاة تجوز فيها نحو أي من الشمال أو الجنوب الجغرافيين تماماً‏,‏ كما تجوز في كل الاتجاهات الأخرى شرقاً وغرباً‏,‏ وذلك لوقوع تلك المدينة على امتداد قطر الكرة الأرضية المار بمكة المكرمة‏ .‏

      معنى هذا الكلام أنه لا يوجد انحراف مغناطيسي عند خط طول مكة المكرمة‏ ، ‏وعند جميع الخطوط الموازية له‏‏ باستثناء حالة واحدة ‏.‏

      والسبب في ذلك أن قطبي الأرض المغناطيسيين في تجوال مستمر حتى يتم انقلابهما، فيصبح القطب الشمالي جنوباً والقطب الجنوبي شمالا‏,‏ وعند ذلك يحدث الكثير من الكوارث الطبيعية واندثارات الحياة‏,‏ وقد ثبت حدوث مثل هذه الانقلابات المغناطيسية في تاريخ الأرض عدة مرات‏ .

      ‏ وتعلل المغناطيسية الأرضية بوجود مغناطيسي كبير يمر بمركز الأرض‏,‏ ويميل محوره حاليا بمقدار ‏11,5‏ درجة بالنسبة للمحور القطبي الجغرافي للكرة الأرضية‏,‏ ويُعتقد بأن هذا المجال المغناطيسي ناتج عن حركة لب الأرض المائع مع دوران كوكبنا حول محوره ‏.‏

      وعلى ذلك فإن الاتجاه المغناطيسي الذي يحدد بالبوصلة أو بغيرها من الأجهزة المساحية التي تستخدم الإبرة الممغنطة تختلف عن الاتجاه الحقيقي بزاوية تعرف باسم زاوية الانحراف المغناطيسي‏,‏ وهي تحدد على جميع أنواع الخرائط لكي يحسب الاتجاه الحقيقي بمعرفة كلٍ من الاتجاه المغناطيسي وزاوية الانحراف المغناطيسي‏ .‏

      ومن الثابت تاريخياً أن خط طول جرنيتش قد فرضته بريطانيا بالقوة إبان هيمنتها على العالم في سنة‏1884‏ م أثناء مؤتمر عقد في واشنطن‏/‏ كولومبيا لتحديد خط طول الأساس، وكان اختباراً سيئاً فرضته الهيمنة البريطانية الغاشمة في العقود المتأخرة من القرن التاسع عشر الميلادي؛ لأن زاوية الانحراف المغناطيسي في الجزر البريطانية كما قيست في سنة‏1972‏ كانت في حدود‏8,5‏ درجة إلى الغرب من الشمال، وهذه القيمة تتناقص بمعدل نصف درجة تقريباً كل أربع سنوات إذا بقيت تلك المعدلات ثابتة ،‏ يظهر ذلك خصوصية خط طول مكة المكرمة بانطباق الشمال المغناطيسي على الشمال الحقيقي‏,‏ ومن هنا كان اختيار الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين ـ رحمه الله ـ لخط طول مكة المكرمة كخط طول أساسي للكرة الأرضية، وإعادة إسقاط خطوط طول الكرة الأرضية بدءاً منه ـ أي بالنسبة إلى مكة المكرمة ـ لتماثل خطوط الطول حول خط طول تلك المدينة المقدسة تماثلاً مذهلاً .

      وتذكر المراجع العلمية أن هناك خطاً من خطوط الطول يمر بمدينة سنسنائي أوهايو تتضاءل عنده زاوية الانحراف المغناطيسي إلى قرابة الصفر، ويعرف باسم خط انعدام زاوية الانحراف المغناطيسي ‏(The Agonicline) ،‏ وعلاقة هذا الخط بخط طول مكة المكرمة لم تدرس بعد‏ .‏
    • أوباما بين أفغانستان والداخل الأمريكي



      روجر كوهين



      12/12/2009
      روجر كوهين

      لم يكن السطر الأهم في خطاب الرئيس أوباما حول أفغانستان متعلقا بسياسة أفغانستان/باكستان، بل كان متعلقا بالوضع المحلي في أمريكا: " لا يمكن لالتزام قواتنا في أفغانستان أن يكون مفتوح النهاية، لأن الدولة التي أهتم أكثر ببنائها هي دولتنا". ولو نظرنا لخطاب أوباما هذا كاستراتيجية للفوز بحرب، نجده قليل المعنى. ولا يحتاج المرء لأن يكون خبيرا ليعرف أن الالتزام بإرسال 30 ألفا من القوات الإضافية مع تحديد تاريخ تقريبي لبدء سحبهم لن يكسر إرادة العدو أو يدمر مركز الجاذبية لديه. لكن كبيان سياسي، وكإقرار بقصور القوة الأمريكية بعد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نجد أن هذا الخطاب خطابا بارعا. فالقول أن يحب القوات الإضافية هذه سيبدأ في يوليو 2011، دون تحديد بأي معدل سيكون هذا أو بأي مدى، ليس بالطريقة السيئة للضغط على حامد كرزاي ليكون مستعدا لتنفيذ البرنامج بينما تترك الخيار مفتوحا لأمريكا لقلب مسار ما هو الأسوأ على الإطلاق في منطقة يُقدَرُ أن بها من 80 إلى 100 من الرؤوس الحربية النووية.

      والرؤوس الحربية والتيارات السياسية المعادية للغرب هناك يعنيان أن القوافل الأمريكية لن تُسحب تماما من هناك لوقت طويل. وكما قال وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس بعد خطاب أوباما: "لا يجب علينا أن نكرر خطأ عام 1989، وندير ظهرنا للمنطقة." لكن أيضا، لا يمكن لأمريكا أن تدير ظهرها لنفسها. لا يمكن لأمريكا أن تظل للأبد تعاني في أرض أفغانستان / باكستان حيث لا يتواجه أبدا أكبر ضامن للأمن العالمي وأكبر مدين في العالم مع بعضهما البعض، ضاخة بيدٍ المليارات للإنفاق على العمليات هناك، وباليد الأخرى توجه الإدانة للجيل الأمريكي القادم. فالطالبان أبدا لن ينمحوا، لكنهم قد يُنومُون، لكن الدين ليس كذلك. لذا، ومع إنزال العقد الأول الهائج هذا ستائره – هو فترة أطلقت أمريكا الهائجة من محبسها بسبب أحداث 11 سبتمبر، وفيها أنفقت أمريكا قرابة تريليون دولار في حربي العراق وأفغانستان- نجد أن واقعية أوباما محل ترحيب. هو يعتاد عليها، رغم أن المثالية هي التي تسيره. فالصفات الثلاث: الهدوء والسيطرة على النفس والتفكير العقلاني، والتي لا بد أن تتوافر في الرؤساء، تلقى من الناس القبول. هي كانت كذلك معي في أوقات عديدة. وأوباما لا يزال على حق: فأمريكا في حاجة إلى جرعة كبيرة من بناء الأمة في الداخل، ذلك البناء الذي يكون أكثر صعوبة مع كل تصعيد للالتزام العسكري.

      فأمريكا مطمورة في الدين المستحق عليها، بكل أشكاله، بعد عقد انخفضت فيه الدخول المتوسطة للعامل العادي، وفيه صار المزيد من الأمريكان تحت خط الفقر، وفيه ارتفع عدد الأمريكان ممن لا غطاء تأمين صحي لهم. وصارت معدلات البحث عن عمل في أمريكا أعلى من مثيلاتها في فرنسا، لكن في أمريكا من دون الرعاية الاجتماعية التي تقدمها فرنسا لمواطنيها. والكثير من الأمريكان يأكلهم القلق الآن. فالقروض البنكية الميسرة التي كان يعتمد عليها الأمريكان لم يعد لها وجود. ولكي تظل أمريكا تقود العالم كنموذج يحتذى به عليها أن تفعل شيئا. ولو كانت الحكومة لا تكترث لهذا، الشعب أيضا لن يكترث- وتدهور قيمة الدولار سيصير مشكلة لا يمكن عكس مسارها. وتكفينا نظرة إلى حركة العرض والطلب وإقبال الناس على التسوق منذ العام 2001. في مسرحية هاملت أعطى بولونيوس نصيحة للارتيس، قال فيها: "لا تُقرض المال ولا تقترضه، فالقرض في أغلب الأحوال، مع من أقرضته أو اقترضت منه ستخسره." أو كما جاء في سفر الأمثال: " يتحكم الغني في الفقير، والمقترض عبد لمن أقرضه".

      وكل شيء من علاقة أمريكا بالصين إلى قرارات الأمريكان المتعلقة بالشراء في موسم الإجازة هذا متأثر بتلك القاعدة السلوكية الجليلة. ولا يمكن للرئيس أوباما أن يكون محصنا منها. هو بشكل خاص لا يمكن أن يكون محصنا منها لأن الإنقاذ المالي الكبير الذي تكشف على يديه استعبد بورصة وول ستريت وعلاواتها المالية الإضافية بينما فعل القليل لصالح بورصة مين ستريت وإيجاد الوظائف. وصار دفع ثمن الأخطاء مقسم بشكل ظالم. ففريق يتعجب مما حدث للتصنيع، أوباما في لحظة الصدق مع نفسه، يطالب نفسه ببذل ما هو أفضل من الجهد. وبدأ هذا كله ببرنامج إصلاح الرعاية الصحية الذي قام على أساس المشاركة في المخاطرة. والذي انطوى على إعادة تعلمنا الاقتصاد في النفقة. وسيتطلب الابتكار والتعليم والتفكير على المدى الطويل. وبالطبع ستكون هناك أشكال عديدة من العجز. وفي اعترافه بالأشكال العديدة للعجز هذه، وجاعلا العالم يعرف بقدرات أمريكا المستقبلية كضامن للأمن العالمي، حول أوباما خطابه حول أفغانستان إلى ما يمكن أن يكون الإعلان المحلي الأكثر أهمية في رئاسته.
    • التعليم الإلكتروني طفرة هائلة نحو التقدم



      ناصر اليحمدي



      12/12/2009
      ناصر اليحمدي

      السياسة الحكيمة التي تنتهجها حكومتنا الرشيدة وفق التوجه السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- بتفعيل التقانة الحديثة في الدوائر الحكومية والمدارس ونشر ثقافة البريد الإلكتروني خير دليل على سير دولتنا للأخذ بركب التقدم والحضارة والتكنولوجيا الحديثة .. حيث تسهم تكنولوجيا المعلومات في النهوض بالمجتمع وتحقيق التنمية المستدامة والوصول إلى الأهداف التنموية وذلك عن طريق ربط تطور تكنولوجيا الاتصال الحديثة بكافة قضايا التنمية وتطوير التعليم ومحو الأمية وتوفير التعليم الأساسي للجميع بهدف بناء مجتمع معلوماتي .. ومع دخول الكمبيوتر في صميم حياتنا اليومية وظهور الانترنت اختصر الوقت والجهد إلى جانب سهولة البحث بالكلمة عن أية معلومة أو صورة وسهولة نقل وإرسال المعلومات والصور بالبريد الإلكتروني وغيرها من المميزات الأخرى.

      لاشك أن الحكومة الإلكترونية لها من الإيجابيات ما يسهم في خدمة الوطن والمواطن بصورة أدق وأسرع واحتمال أقل للخطأ .. كما أن التعليم الإلكتروني ينشئ جيلا واعيا ممسكا بتلابيب التقنيات الحديثة مواكبا للعالم الخارجي في مختلف المجالات المعرفية والعلمية قادرا على النهوض بمجتمعه.

      إن استخدام الحاسب الآلي محل الوسائل التعليمية التقليدية ووجود التقانة في مختبرات العلوم وغرف مصادر التعلم واستخدام السبورات الضوئية والإلكترونية وأجهزة العرض سهل على المعلم إلقاء المعلومة وتوضيحها وعلى الطالب استيعابها وفهمها .. كما أن التعليم الإلكتروني يساعد على تنمية القدرات العقلية للطالب نتيجة استفادته من خبرات الآخرين الذين يتبادل معهم المعلومات والمعرفة بالانترنت حيث إن العالم أصبح قرية صغيرة يستطيع من في أقصى الشرق أن يتحادث مع من هو في أقصى الغرب ويتعرف على ثقافته ومعارفه وبالتالي فإن الانترنت بسط لغة التفاهم بين الطلاب في جميع أنحاء العالم.

      لاشك أن استخدام التقانة يعتبر طفرة تعليمية أعطى للعملية التعليمية شكلا أكثر حداثة يتفق ومظاهر التقدم العصري وأثرى البيئة المدرسية بكمٍّ هائل من المعارف والمعلومات ستزود الأجيال الناشئة بالمهارات العلمية والبحثية اللازمة لمواكبة تطورات العصر الحديث واستخدام الأجهزة الحديثة وكما أنه يمثل عنصر جذب للطالب لإيصاله المعلومة بطريقة مختلفة ومثيرة ومتجددة تتيح له الحصول على المعلومة من أكثر من مصدر فتجعله واسع الاطلاع وتعمل على ترسيخ المعلومة في ذهنه بطريقة أفضل .. كذلك لهذا النوع من التعليم أثره على المعلم أيضا لأنه يعمل على توسيع مداركه وتطوير قدراته وتوجيهه لأداء رسالته بصورة مثالية وبسيطة ومتطورة ويزيد من التفاعل بينه وبين الطالب.

      إن استخدام التقانة في مجال التعليم يتيح للمسؤولين متابعة المعلم والطالب بشكل أفضل وأسرع ومعرفة مستوى الطالب العلمي بطريقة أكثر شفافية كما أنه من الناحية الاقتصادية يعد أقل تكلفة نظرا لتقديمه المعلومة على شكل محوسب وليس على شكل كتب مطبوعة تكلف الكثير في سبيل طبعها.

      لاشك أن بناء القدرات التكنولوجية يحتاج إلى وجود أجيال قادرة على تحمل أعباء البناء .. ومن أجل ذلك يجب أن نعمل على بناء جيل يتوافر فيه حب العلم والقدرة على استيعاب مستجداته وعلى حل المشكلات العلمية والتكنولوجية والإبداع والاختراع العلمي والتكنولوجي .. ومن أجل هذا الهدف أقيمت في الغرب المؤسسات الأهلية لرعاية المؤسسات التعليمية والعلمية من مدارس وجامعات ومعاهد بحثية بحيث لا تظل العملية التعليمية خاضعة لتقلبات السياسة وتحت رحمة الروتين الذي يستطيع أن يميت أكثر الأفكار حيوية.

      إن الحكومة مشكورة على جهودها في توفير التقانة في بعض مدارس السلطنة وتذليل كافة المعوقات التي تقف في سبيل تحقيق هذا الهدف السامي ونتمنى أن تعم الفكرة جميع مدارس السلطنة سواء على مستوى تقنيات التعليم والتعليم الإلكتروني أو على مستوى تفعيل البريد الإلكتروني والبوابة التعليمية حتى يستفيد منها جميع الطلبة.

      * * *

      ظاهرة غريبة على مجتمعاتنا العربية

      ماذا يحدث هذه الأيام ؟.. جزار مصري يلجأ للشرطة لتحميه من اعتداءات وضرب زوجته له .. وصيني لم يجد وسيلة للاحتماء من "بطش" زوجته التي تتلقى دروساً في الفنون القتالية سوى إبرام عقد رسمي معها يتيح لها ضربه مرة واحدة في الأسبوع وإلغاء العقد السابق الذي كانت تضربه فيه 3 مرات في الأسبوع .. وغيرها من الأخبار التي تطالعنا بها الصحف كل يوم عن حوادث مشابهة لضرب الزوجات لأزواجهن دون حياء.

      إن الحياة الزوجية لا تخلو من المشاكل البسيطة التي تترك تراكمات لدى الأزواج .. فالمشاكل اليومية تختلف وتتعدد مثل الاختلاف على إدارة بيت الزوجية أو الأمور المالية وهذا الوضع عادي للغاية ومع أنه مثير للأعصاب ويؤدي إلى الشعور بالضيق إلا أنه حدث عادي خاصة في السنين الأولى للزواج حيث إن الزوجين يقومان بالتعود على بعضهما في هذه المرحلة لكن للأسف الخلافات الزوجية كثرت بين الأسر هذه الأيام بشكل لم يسبق له مثيل ولعل ذلك يرجع لتعدد مصادر الضغوط اليومية التي يمر بها الفرد في العمل والمنزل وفي الحياة بصفة عامة مما أدى إلى تولد العنف داخل الأسرة الذي يختلف في شدة التعبير عنه من ألفاظ جارحة حتى أنه قد يصل إلى حد الضرب.

      لاشك أن بناء الأسرة يقوم على التفاهم والمودة والرحمة لا على العنف والعناد والسيطرة التي لا يجني الزوجان منها سوى التحطيم النفسي بالإضافة إلى التغيير السلبي لنظرة الأبناء إلى الآباء من التقدير والاحترام إلى الاستهانة بهم .. والزواج السعيد ليس بالضرورة أن يكون مثاليا حيث إنه من النادر وغير الطبيعي ألا يمر الزوجان بأي مشاكل وصعوبات على امتداد عمر العلاقة الزوجية فالأزواج السعداء أيضا يخوضون مشاجرات من وقت لآخر بل إن حدوث شجار يرتبط بعلاقة صحية بين الشريكين مثل الضحك والحلم تماما.

      إن المعاشرة بالمعروف أساس متين لصرح الأسرة الشامخ والتي تقتضي قيام كل واحد من الزوجين بأداء ما عليه من واجبات هي في ذاتها حقوق الآخر وتعتبر عنوانا للاحترام المتبادل الذي يجب أن يسود الحياة الأسرية حتى تعم السعادة جميع أفرادها لأن غياب ذلك الاحترام يعد من أخطر ما يعكر صفو الحياة الأسرية.. ومما لاشك فيه أن أهم ما تسعى إليه المرأة والرجل على حد سواء هو سعادة الأسرة أو السعادة الزوجية لأن بتحقيقها يتحقق سعادة الأبناء وبالتالي سعادة المجتمع وصلاحه .. والزوجة الحكيمة هي التي تغض الطرف عن تصرفات الزوج التي لا تعجبها حيث لا يخلو شخص من نقص ومن المستحيل على أي من الزوجين أن يجد كل ما يريده في الطرف الآخر يل يجب أن تضع صفاته الرائعة أمام ناظريها حتى تسير حياتهما ممتعة سعيدة.

      ونصيحة أقدمها للزوجة انظري نظرة واقعية لأي خلاف يحدث بينك وبين زوجك أو أي فرد من أفراد العائلة فربما هذه الخلافات ستقودك إلى حل إيجابي ونتائج إيجابية إذا أحسنتِ التعامل معها بكل هدوء .. فهذه الخلافات غالبا ما تضفي جوا من الصراحة والحوار المفتوح فيُظهر الشخص ما في داخل نفسه من مسائل وقضايا مؤجلة مما يتيح مناقشتها وإيجاد الحل المناسب لها.

      في رأيي أن المسؤولية هي عنصر أساسي من عناصر الحياة الزوجية وتعتمد على مسؤولية الاستيعاب في الحياة بشكل عام وهو الأمر الذي لا يعتمد على ثقافة أو درجة عالية من التعليم ولكنه يعتمد في المقام الأول على المستوى الإنساني الواعي بالطرف الآخر المدرك لفنون التواصل ومسؤولية الزوج هي إدراك هذا الفن المهم الذي يغير معنى الحياة ويعمق العلاقة ويصنع التوازن الجيد في العلاقة الزوجية لتعم السعادة على الطرفين. وفق الله كل زوجين لما فيه سعادتهما واستقرار حياتهما.

      * * *

      من فيض الخاطر

      قديما قيل :( قل لي من ترافق أقُلْ لك من أنت) .. مقولة ظلت راسخة في ذهني منذ أن سمعتها من معلمي في المرحة الابتدائية .. إلا أنها كانت تطفو أحيانا على سطح الشعور وتغيب أحيانا أخرى في غيابات اللاشعور.

      واليوم وبعد أن لازمتني ردحا من الزمن .. عاودتني الفكرة وأصبحت أستشعرها أكثر من أي وقت مضى لما تنبهت بل حصلت لي القناعة بأن آفة العصر ومصيبتها مصاحبة الأشرار ومخالطة رفقاء السوء الذين يدفعونه إلى ارتكاب أنواع مختلفة من الفساد .. وكلنا يعلم مدى المعاناة النفسية والمادية التي يعيشها الآباء والأمهات من جراء انحرافات سلوك أبنائهم نتيجة معاشرة الأشرار ذوي السريرة الخبيثة.

      ولكن مخالطة الغير يجب أن تكون في الخير الذي يعود على الفرد ومن يخالط بالنفع والصلاح وما يرضي الله. إن المخالطة في حد ذاتها ضرورية للإنسان ضرورة الملح للطعام .. لأن الإنسان مدني بطبعه اجتماعي بالغريزة.

      * * *

      آخر كلام

      يمتلك المعلم أعظم مهنة .. إذ تتخرّج على يديه جميع المهن الأخرى.
    • " الخط الأحمر الأخير



      جيمس دينسيلو



      12/12/2009
      جيمس دينسيلو

      قال وزير الخارجية البريطاني دافيد ميلباند لصحيفة "دايلي ستار" اللبنانية هذا الأسبوع إنه يعتقد أن "الاتصال الواعي مع ساسة حزب الله بما فيهم النواب في البرلمان هو أفضل السبل لتحريك أهدافنا الرامية إلى نبذ حزب الله للعنف من أجل لعب دور بناء في السياسة اللبنانية."

      وحزب الله يقود مجموعة المعارضة في حكومة الوحدة الوطنية المشكّلة حديثا، والتي استغرقت خمسة أشهر من الخلاف السياسي من أجل الموافقة عليها. ويمكن أن يكون الارتباط بالحزب الشيعي محاولة براجماتية لترسيخ الدولة في مقابل شبه الدولة.

      من الوهلة الأولى، تبدو دوافع ميلباند جيدة – لو أمكن جذب حزب الله إلى التيار السائد فإن ذلك سيقلل من احتمال تجدد الصراع مع إسرائيل، وسيسمح بممارسة مزيد من الضغط على المجموعات الأصولية التي تكوّن شبه دول مثل فروع تنظيم القاعدة في لبنان، وكذلك سيضع بعض الوضوح بين حزب الله وداعمته - إيران.

      ليس هناك من شك في صعوبة هذه المهمة. فعلى أي حال، حزب الله كان في الأصل صناعة إيرانية، وكانت نيته المعلنة في بيانه الرسمي الأول عام 1985 هي إقامة جمهورية إسلامية. ولكن على مدى السنين أصبح حزب الله منظمة قومية أكثر منه إسلامية، متمحورا حول السياسة اللبنانية كما انعكس ذلك في بيانه الثاني. ومع ذلك فما زال يعتمد بقوة على الدعم المالي والعسكري الإيراني والسوري، وهو بلا شك يستجيب للقضايا ذات الاهتمام المشترك. في الحقيقة، تعهدت إيران مؤخرا بزيادة تمويلها للمجموعات الخارجية بمقدار 20 مليون دولار، رغم أن وكالة أخبار الأسوشيتد برس قالت في تقرير لها إن ذلك لا يشمل فقط الحلفاء التقليديين مثل حزب الله، ولكن أيضا مجموعات تستطيع "التحقيق في الانتهاكات الأمريكية والبريطانية لحقوق الإنسان."

      في الوقت الذي تستمر فيه الحرب الباردة بين إيران والغرب، والتي تشبه مباراة القط والفأر، حول برنامج إيران النووي، يبتهج النقاد اليمينيون بما يبدو وكأنه صواب مثبت بشأن عدم فاعلية الارتباط مع إيران. في الوقت الراهن، يبدو مسار الارتباط هشا. وفي نفس الأسبوع الذي أعلن فيه الرئيس أوباما عن إرسال 30000 من القوات الإضافية إلى جارة إيران الشرقية، أوضحت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة قائلة: "حيث إن إيران تقوم بخيارات تبدو أنها تبين من خلالها أنها لا ترغب في المرحلة الحالية النظر في العروض المقدمة لها بمسار الارتباط، إذن فنحن سنركز على مسار الضغط." ولو قاد مسار الضغط في النهاية إلى هجمات على منشآت إيران النووية، ستصبح أسلحة حزب الله فجأة في غاية الأهمية في قياس الضربة الإيرانية المضادة.

      إنها في الحقيقة محاولة لنزع سلاح حزب الله هي التي تقع بالفعل في قلب استراتيجية بريطانيا بالارتباط منخفض المستوى. وقد أشير إلى ذلك في وقت مبكر من هذا العام عندما ذكر وزير الدولة بالخارجية البريطانية آنذاك، بيل راميل، في شهر مارس قائلا "لقد أعدنا النظر في الموقف ... في ضوء تطورات أكثر إيجابية في لبنان." وقد أوضح ميلباند نفسه في ذلك الوقت كيف "نستطيع أن نوضح بشكل تام عزمنا على أن نرى قرار مجلس الأمن رقم 1701، والذي يدعو إلى حل الميليشيات من بين أشياء أخرى في لبنان، وهو يسير قدما بسرعة حقيقية."

      ولكن أسلحة حزب الله تعتبر الخط الأحمر الأخير. لقد كانت محاولات قوى الرابع عشر من آذار الموالية للغرب عام 2008 الرامية إلى تعطيل القدرات الذاتية لحزب الله هي التي قادت الحزب إلى الاستيلاء على بيروت. والتهديد قوي رغم أن السرية تكتنفه؛ فمن المقدر أن حزب الله لديه المقدرة على تعبئة أكثر من 40000 مقاتل، وقد قدمت حرب عام 2006 الدليل على استخدامه البارع للأسلحة المضادة للدبابات والمضادة للسفن وتكنولوجيا الطائرات بلا طيار وقدرات القتال ليلا. ومازالت إسرائيل أكثر قلقا بشأن نطاق الصواريخ التي تم إعادة إمداد الحزب لها، في ظل إثارة الأحداث الأخيرة من تفجير لمخابئ الأسلحة واكتشافات البنية الأساسية للاستخبارات الإسرائيلية للتوتر حول "الخط الأزرق".

      لو أن ميلباند يظن أن الارتباط مع حزب الله على أساس نزع سلاحه سوف يجدي، فإنه قد يكون فوجئ عند سماع كيف أن ائتلاف الرابع عشر من آذار الموالي للغرب قد تراجع عن هذا المطلب كجزء من تكوين الوزارة. قالت وكالة أنباء فرانس برس إن وزير الإعلام اللبناني طارق متري قد أكد على حق "لبنان وحكومتها وشعبها وجيشها ومقاومتها في تحرير كل الأراضي اللبنانية (أي مزارع شبعا).

      إن الارتباط منخفض المستوى مع حزب الله يعكس اعترافا بموقفه القوي داخل الدولة اللبنانية المنقسمة. ومع ذلك، فإن الدعوات لنزع سلاحه ستلقى آذانا صماء ما لم تحدث مجموعة من العوامل الأخرى مسبقا. هذا ليس جدلا ضد الارتباط، ولكنه دعوة للواقعية التي تدرك أن الموافقة ببساطة على اللقاء بعدوك لا تعطيك السلطة لإملاء شروطك.
    • الانفصال بين الدين والثقافة في أوروبا

      12/12/2009
      ألكساندر ستومفول

      من المستحيل أن نفهم تاريخ أوروبا دون الرجوع إلى الدين. ولكن الأقل صعوبة أن نفهم المجتمع الأوروبي المعاصر من ناحية علمانية بحتة. هناك قراران سياسيان وقانونيان مثيران للجدل تم اتخاذهما في الآونة الأخيرة يتعلقان بالصليب المسيحي والمئذنة الإسلامية في أوروبا يوضحان انفصالا متزايدا بين الدين والثقافة.

      كان القرار الأول هو إصدار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورج بفرنسا قرارا يقضي بأن وجود الصليب في الفصول الدراسية الإيطالية يعد انتهاكا للميثاق الأوروبي عام 1950 حول حقوق الإنسان. وفي قلب القرار كان السؤال حول ما إذا كان الصليب يعد رمزا ثقافيا أم دينيا. جادلت الحكومة الإيطالية بأن الصليب هو رمز ثقافي يرمز للقيم الجوهرية للديمقراطية الحديثة والدولة الإيطالية.

      لم تتفق معها المحكمة، وجادلت بأن الصليب هو في الغالب رمز ديني يعد وجوده في الفصول الدراسية خرقا لحرية التلاميذ غير المؤمنين في الفكر والضمير والدين، وحقهم في تعليم يحترم معتقداتهم الشخصية.

      أما القرار الثاني فهو الاستفتاء الذي قرر فيه السويسريون بأغلبية 57.5% (بنسبة إقبال 53.4%) تأييد تعديل دستوري يحظر بناء المآذن. وكان المتطرفون اليمينيون هم الذين بدأوا ودفعوا الحملة من أجل هذا الحظر. وقد عارض هذا الحظر كل من الحكومة السويسرية والبرلمان والمنظمات غير الحكومية مثل منظمة العفو الدولية. والأمر البارز هو أن كلا من الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والاتحاد البروتستانتي السويسري عارضا الحظر على أساس أنه تمييزي ولا يتفق مع القيم المسيحية المتمثلة في حرية الأديان والتسامح.

      غير أن الخوف من الإسلام والمهاجرين ساد في أذهان المصوتين السويسريين. فحظر بناء المآذن هو مثال على تراجع نفوذ المسيحية في سويسرا، وليس على قوتها.

      لقد كان بعض المفكرين المسيحيين يريدون من المسيحية أن تتخذ موقفا "ضد" الثقافة. فقد أراد البعض من أمثال تولستوي أو سانت بندكت، ممن يرون العالم مكانا مظلما آثما، من المسيحية أن تبقى بمعزل عن الثقافة السائدة من أجل نقدها وتشكيلها من بعد نقدي.

      أما الآخرون، وبصفة خاصة البروتستانت الليبراليون، فقد رأوا المسيحية كجزء من الثقافة. وحيث إن هذا الاتجاه لا يشعر بتوتر كبير بين الكنيسة والعالم فإنه يميل إلى المواءمة بين الدين والثقافة، مركزا على الجوانب الثقافية التي تنسجم كثيرا مع المبادئ المسيحية. على مدى قرون، كانت المسيحية مرتبطة ارتباطا لا فكاك منه بالثقافة الأوروبية، بطرق جيدة وسيئة على حد سواء. فقد جلبت لأوروبا كاتدرائيات مدهشة وفنا رائعا وقيما مثل الكرامة الإنسانية والحب، ولكنها جلبت لها كذلك الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش والحروب الدينية والإمبريالية.

      ولكن بعد حركة التنوير والثورة الفرنسية وظهور الإلحاد، أصبحت أوروبا المعاصرة علمانية بعمق. وأصبح الحضور للكنيسة والممارسات الدينية في انحدار؛ وتبدو الكاتدرائيات وكأنها متاحف وليس أماكن عبادة؛ ويجد القادة المسيحيون من الصعوبة إقناع شعوبهم بمذاهبهم وقيمهم الاجتماعية الرسمية.

      وكشاب مسيحي كاثوليكي، أستطيع أن أفهم لماذا ينزعج المثقفون الكاثوليك والسياسيون الإيطاليون من قرار محكمة حقوق الإنسان الأوروبية. كما أنني ينتابني نفس القلق السياسي والقانوني والديني بشأن حظر بناء المآذن وتأثيره السلبي المحتمل على وضع المسيحيين الذين يواجهون التمييز أو الاضطهاد في البلاد الإسلامية.

      ومع ذلك، فأنا في حيرة من ذلك الحد الذي وصل إليه المسيحيون في كل أنحاء أوروبا في دفاعهم عن التفسير الثقافي للصليب. وكما توضح الموافقة على حظر بناء المآذن في سويسرا في مقابل رؤى الكنائس المسيحية، فإن النظرة بأن أوروبا ذات "هوية مسيحية" أصبحت رؤية قد عفا عليها الزمن.

      في معرض دفاعها عن وجود الصليب في الفصول الدراسية، ذكرت الحكومة الإيطالية أن "الصليب هو في الحقيقة موجود في الفصول الدراسية ولكن غير مطلوب أبدا أن يقوم المعلمون أو التلاميذ بإبداء أي تصرفات توحي بالتحية أو التبجيل له. بل إنه غير مطلوب تلاوة الصلوات في الفصل الدراسي. في الحقيقة، غير مطلوب منهم حتى مجرد الانتباه إلى الصليب." وبما أني قد عشت ودرست ومارست العبادة في العديد من الدول الأوروبية، فما يقلقني حقا هو أن هذا الدفاع قد يكون جدلا نظريا أقل منه وصفا تجريبيا دقيقا لحالة المسيحية في أجزاء كبيرة من أوروبا، بما في ذلك أجزاء من إيطاليا. وما وجدت أنه أمر فاضح ليس هو غياب الصلبان في الفصول الدراسية، ولكن الطريقة التي تجرد بها الممارسات العلمانية وتفرغ الصليب من معناه العقدي السياسي بتحويله إلى حالة رمز ثقافي يمكن أن يتم تجاهله بشكل آمن.

      قبل كل شيء، يمثل الصليب إيمانا بموت وبعث المسيح ورسالته بالتضحية بالنفس وحبه لعدوه. إنه ليس رمزا ثقافيا دافئا ولكنه يجب أن يقدم تحديا مهما لأنانيتنا وحبنا للذات والمظالم الاجتماعية والاقتصادية العالمية. وتحويل الصليب إلى مجرد ثقافة لا يقدم العدالة كذلك إلى الشخصية العلمانية لثقافة أوروبا. إن المسيحية تلعب دورا ضئيلا، إن لم يكن لا دور بالمرة، في حياة معظم الأوروبيين. إنها إما متجاهَلة أو مطلوبة فقط لمناسبات محددة مثل التعميد أو الزواج أو الجنازة.

      إن التبخر التدريجي للقيم المسيحية في أوروبا يساعد أيضا على تفسير لماذا يقوم اليمين السياسي المتطرف بشكل متزايد باستغلال الرموز الدينية المسيحية والإسلامية من أجل تحقيق مصالحه الشخصية الضيقة، كما حدث في النمسا وسويسرا وإيطاليا.

      لم تعد أوروبا تمتلك ثقافة مسيحية مهيمنة. إنها الآن أرض التبشير العلماني. ومن أجل المضي قدما، يحتاج المسيحيون في البداية إلى قبول هذا الواقع بدلا من الاستغراق في حنين الذكريات عن الجذور المسيحية في أوروبا. إن حاضر ومستقبل المسيحية هو الأهم كثيرا من ماضيها.

      هناك إجماع صاعد على أن مستقبل المسيحية في أوروبا قد يشبه أكثر حياة المجتمعات المسيحية المبكرة في القرون الأولى. وربما تكون الحركات والمجموعات والأبرشيات الأكثر انضغاطا وحيوية وديناميكية حقا في وضع أفضل لتتصرف كملح مسيحي لكوكب الأرض في بيئة علمانية.

      غير أن زعماء المسيحية عالقون في نقلة نوعية صعبة ومؤلمة. فمن ناحية، يريدون المضي قدما في إعادة تنصير أوروبا وحشد الهوية المسيحية. ومن ناحية أخرى، يبدون خائفين من ترك الماضي يُولّي.

      وأنا أتساءل عن قيمة وجود صلبان في الفصول الدراسية عندما يكون جزءا كبيرا من الجميع لا يشعر بأي ارتباط ديني بالصليب ورسالته. يجب أن يتم تفسير إزالة الصليب على أنه دعوة للاستيقاظ لمسيحي أوروبا الراضين عن ذواتهم. لا يعني هذا أن تقتصر المسيحية على مشروع نخبوي من قلة ملتزمة. ولكن المثقفين المسيحيين يحتاجون إلى إدراك أن العقيدة والممارسة الدينية هما اللذان يعززان الثقافة المسيحية، وليس أي طريق آخر. ويجب ألا يخدع المسيحيون الملتزمون أنفسهم بعقيدة الرضا الذاتي لديهم بأن ثقافتنا هي ثقافة مسيحية. إن ما يهمنا هو أننا أصبحنا شاهدين ومبشرين ومشكلين نقديين مسيحيين للثقافة الاجتماعية السياسية طبقا لتقاليدنا وقيمنا ومعتقداتنا.

      لن يتم تقرير مستقبل المسيحية والإسلام في أوروبا في قاعات المحاكم ولا عن طريق صناديق الاقتراع ولا داخل جدران الفصول الدراسية. ولكن الصراع الحقيقي سيكون في قلوب وعقول المواطنين الأوروبيين، وفي حواراتنا السياسية والعقائدية، وفي التفكر الأعمق فيما يعنيه أن تكون مسيحيا أو مسلما صالحا في أوروبا المعاصرة.
    • حربٌ على الفساد ..!!



      عبدالله العييدي



      12/12/2009
      عبدالله العييدي

      يـُصادف التاسع من ديسمبر يوماً دولياً لمكافحة الفساد، بموجب القرار الأممي رقم 584 والذي أعلنته الجمعية العامة في الأمم المتحدة. وقد تم اتخاذ هذا القرار لتعزيز وإذكاء الوعي بمشكلة الفساد ومحاربته ومنعه، وعمل كافة التدابير الرامية للحد من إنتشاره، من خلال المسائلة والمحاكمة للمتورطين.

      وقد جاء في المادة الأولى من الفصل الأول في الأحكام العامة أغراض هذه الاتفاقية والتي جاءت على ما يلي : أ‌- ترويج وتدعيم التدابير الرامية إلى منع ومكافحة الفساد بصورة أكفأ وأنجع.

      ب‌- ترويج وتيسير ودعم التعاون الدولي والمساعدة التقنية في مجال منع ومكافحة الفساد، بما في ذلك في مجال استرداد الموجودات.

      ج‌- تعزيز النزاهة والمساءلة والإدارة السليمة للشؤون العمومية والممتلكات العمومية. كما جاء في أحد بنود المادة 52 من نفس الاتفاقية المـُشار إليها ( تتخذ كل دولة طرف، دون إخلال بالمادة 14 من هذه الاتفاقية، ما قد يلزم من تدابير، وفقا لقانونها الداخلي، لإلزام المؤسسات المالية الواقعة ضمن ولايتها القضائية بأن تتحقق من هوية الزبائن, وبأن تتخذ خطوات معقولة لتحديد هوية المالكين المنتفعين للأموال المودعة في حسابات عالية القيمة، وبأن تجري فحصا دقيقا للحسابات التي يطلب فتحها أو يحتفظ بها من قبل، أو نيابة عن، أفراد مكلّفين أو سبق أن كلفوا بأداء وظائف عمومية مهمة أو أفراد أسرهم, أو أشخاص وثيقي الصلة بهم. ويصمم ذلك الفحص الدقيق بصورة معقولة تتيح كشف المعاملات المشبوهة بغرض إبلاغ السلطات المختصة عنها، ولا ينبغي أن يؤول على أنه يثني المؤسسات المالية عن التعامل مع أي زبون شرعي أو يحظر عليها ذلك.) ا.هـ – موقع الأمم المتحدة – أشارت إحدى الدراسات والتي قامت على تصويت نحو 73 ألف شخص في 69 دولة، والتي ذكرت أن من أهم أسباب انتشار الفساد في القطاعات والخدمات الحكومية، %93 من أولئك الذين شملتهم الدراسة أرجعوا السبب إلى غياب العقوبات، ويرى %84 أن السبب هو الرغبة في الحصول على الثروة الشخصية، كما يرى %78 أن السبب سوء استغلال السلطة، ويرى %66 أن السبب هو عدم وجود معايير واضحة للسلوك، ويرى %57 أن السبب هو ضغوط من المديرين أو أشخاص في مراكز عليا، ويرى %81 أن السبب هو انعدام الشفافية. يشار إلى أن المنظمة تنشر منذ عام 1995 مؤشراً للفساد على أساس تصنيف 180 دولة وفقا لتحليل مجموعة دولية من رجال الأعمال والخبراء والجامعيين من عدّة دول، وزعمت أن نيوزيلندا والدنمارك وسنغافورة والسويد هي الدول الأقل فسادا في العالم ، في حين أن الصومال وأفغانستان وميانمار تعتبر من أكثر البلدان فسادا في العالم. المذهل في تقرير منظمة الشفافية الدولية أن العالم ينفق ما بين 20 و40 مليار دولار على الرشاوى سنويا، وتعادل قيمة هذه الرشاوى حوالي %20 الى %40 من المساعدات التنموية الرسمية. للدول النامية، وهو ما يلحق الضرر بالتجارة والتنمية والمستهلك.

      ما سبق أيها السادة والسيدات هو تضمين البنود والقرارات والدراسات التي خلـُص إليها بعض المهتمين بهذا الشأن، كما أنها تقف على بعض المسببات والنتائج جراء " الفساد " وماجعلني أطرح هذا الموضوع، المناسبة آنفة الذكر " اليوم العالمي لمكافحة الفساد " وأيضاً ماجاء في القرار التاريخي " لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية – حفظه الله – " في " محاسبة المتسببين في – كارثة جدة – والتي حصدت الكثير من الأرواح والممتلكات وجاءت على الكثير من البنى الأساسية مما نتج عنها خسائر تـُقدّر بمليارات الدولارات " إن ولاة الأمر ومن خلال القرارات التي من شأنها منع استشراء هذا الداء وهو الفساد، إنما يحاولون جاهدين بأن يكون حق الوطن والمواطن فوق كل اعتبار، وقد أثلج صدور جميع المواطنين ذلك القرار من " خادم الحرمين الشريفين " إذ إنه يأخذ على يد كل متطاول على حق الوطن ومقدّراته، ونحن كمواطنين ومقيمين في المملكة نتطلـّع إلى نتائج " اللجنة " التي تم تشكيلها برئاسة إداري محنّك مثل صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، والذي عـُرف عنه عدم التهاون في مثل هذه الأمور، خاصة فيما يتعلـّق بالمساس بمقدّرات الوطن والمواطن.

      كاتب سعودي

      aloyaidi@gmail.com
    • جبال .. ومآذن



      إيان بوروما



      12/10/2009
      إيان بوروما

      نيويورك ـ في سويسرا أربعة مساجد لها مآذن. وهناك نحو 350 ألف مسلم، أغلبهم أوروبيون من البوسنة أو كوسوفو، ومنهم حوالي 13% يؤدون الصلاة بانتظام. قد يتصور البعض أن الأمر برمته ليس بالمشكلة الضخمة. ورغم ذلك فإن 57,5% من الناخبين السويسريين اختاروا في استفتاء عام الموافقة على حظر بناء المآذن، زاعمين أن قرارهم هذا يستند إلى مخاوفهم من "الأصولية" و"الأسلمة البطيئة" لسويسرا.

      تُرى هل نستطيع أن نعتبر السويسريين أشد تعصباً من غيرهم من الأوروبيين؟ لا أظن ذلك. إن الاستفتاءات العامة تشكل أداة لقياس المشاعر الشعبية الدفينة، وليس الآراء المستندة إلى دراسة متروية، والمشاعر الشعبية نادراً ما تكون ليبرالية. والواقع أن الاستفتاء على هذه القضية في بلدان أوروبية أخرى قد يؤدي إلى نتائج مشابهة بشكل مذهل.

      إن إرجاع هذا التصويت السويسري على حظر بناء المآذن ـ وهي الفكرة التي أتى بها حزب الشعب السويسري اليميني، من دون مشاركة من جانب أي حزب سياسي آخر ـ إلى "الإسلاموفوبيا" (الخوف من الإسلام) قد يكون في غير محله. من المؤكد أن تاريخاً طويلاً من العداوة المتبادلة بين المسحيين والمسلمين، فضلاً عن الحالات الأخيرة من العنف الإسلامي المتعصب، حَمَل العديد من الناس على الخوف من الإسلام على نحو لن نجد له مثيلاً تجاه الهندوسية أو البوذية على سبيل المثال. فالمئذنة التي تخترق السماء وكأنها صاروخ، يسهل تصويرها باعتبارها شيئاً مخيفاً.

      ولكن إذا كان السويسريون وغيرهم من الأوروبيين على يقين من هوياتهم، فما كان لإخوانهم من مواطنيهم المسلمين أن يثيروا مثل هذا النوع من الخوف في قلوبهم. وقد يكون هذا هو أس المشكلة. فمنذ وقت ليس بالبعيد كان أغلب المواطنين في الغرب يعتزون بأمور خاصة ليست محل نقاش ترمز إلى عقيدتهم وهويتهم الجمعية. وأبراج الكنائس المنتشرة في العديد من المدن الأوروبية ما زالت تعني شيئاً في نظر أغلب الناس. وقليلون هم الذين تزوجوا من خارج ديانتهم.

      وحتى وقت قريب أيضاً كان العديد من الأوروبيين يعتقدون في ملوكهم وملكاتهم، وكانوا يلوحون بالأعلام الوطنية، وينشدون أناشيدهم الوطنية، ويلَقَنون في المدارس نسخاً بطولية من تاريخهم الوطني. وكان الوطن هو الوطن. وكان السفر إلى الخارج للجنود، والدبلوماسيين، والأثرياء فقط. ولم تكن "الهوية" حتى ذلك الوقت تمثل مشكلة.

      ولكن الكثير من هذا قد تغير، وذلك بفضل الرأسمالية العالمية، والتكامل الأوروبي، ووصمة المشاعر الوطنية الناتجة عن حربين مأساويتين، وربما كان الأهم من كل ذلك، تراجع الإيمان بالعقائد الدينية على ناطق واسع. إن أغلبنا يعيشون في عالم علماني ليبرالي متحرر من الأوهام. ولقد أصبحت حياة أغلب الأوروبيين الآن أكثر تحرراً من أي وقت مضى. ولم يعد هناك من يستطيع أن يخبرنا ماذا يتعين علينا أن نفعل أو كيف نفكر، سواء كان قسيساً أو شخصاً يعلونا على درجات السلم الاجتماعي. وحين يحاول أي منهم ذلك فإننا نميل إلى تجاهله.

      ولكن الحياة في عالم متحرر لم تكن بلا ثمن. فالتحرر من العقيدة الإيمانية والتقاليد لم يكن دوماً السبيل إلى الشعور بقدر أعظم من الرضا. بل كان على العكس من ذلك سبباً في انتشار الحيرة، والمخاوف، والاستياء. ورغم أن مظاهر الهوية الجمعية لم تختف بالكامل من حياتنا، إلا أنها أصبحت محصورة في ملاعب كرة القدم، حيث قد ينقلب الاحتفال بالنصر (أو الإحباط) بسرعة إلى أعمال عنف وتعبير عن السخط والاستياء.

      إن الشعوبيين من زعماء الدهماء كثيراً ما يوجهون اللوم إلى أهل النخبة السياسية والثقافية والتجارية ويحملونهم المسؤولية عن كل أسباب القلق والجزع في العالم الحديث. والواقع أنهم متهمون، وليس من دون سبب في كل الأحوال، بالتسبب في الهجرات الجماعية، والأزمات الاقتصادية، وفقدان الهوية الوطنية بين المواطنين العاديين. ولكن إذا كان أهل النخبة مكروهين لأنهم السبب وراء ضيقنا واعتلال مزاجنا في العصر الحديث، فلابد وأن نحسد المسلمين لأنهم ما زالوا متمسكين بإيمانهم، ولأنهم يعرفون من هم، ولأنهم ما زال لديهم ما يستحق أن يضحوا بحياتهم من أجله.

      ليس من المهم أن العديد من المسلمين الأوروبيين على نفس القدر من العلمانية والتحرر من الوهم كمثل مواطنيهم من غير المسلمين. فالمهم هنا هو المفهوم. إن هذه المآذن المرتفعة، وأغطية الرأس السوداء، تشكل تهديداً لأنها تنثر الملح على جراح هؤلاء الذين يشعرون بخسارة إيمانهم.

      وليس من المستغرب أن تجد الشعوبية المعادية للمسلمين بعضاً من أشد مؤيديها شراسة بين اليساريين السابقين، وذلك لأنهم أيضاً خسروا إيمانهم ـ في الثورة العالمية أو ما إلى ذلك. والعديد من هؤلاء اليساريين ينتمون إلى خلفيات متدينة، قبل أن يتحولوا إلى الثورة. لذا فإن خسارتهم كانت مزدوجة. وفي عدائهم للإسلام يحبون أن يتحدثوا عن الدفاع عن "قيم التنوير"، في حين أنهم في الحقيقة يندبون انهيار الإيمان، سواء كان ذلك الإيمان دينياً أو علمانياً.

      للأسف، لا وجود لأي علاج فوري لهذا النوع من العلل الاجتماعية التي فضحها الاستفتاء السويسري. لا شك أن البابا لديه إجابة جاهزة. فهو يود لو يعود الناس إلى أحضان روما. والمبشرون الإنجيليون أيضاً لديهم وصفة للخلاص. والمحافظون الجدد من جانبهم يرون أن اعتلال أوروبا يُعَد شكلاً من أشكال انحطاط العالم القديم، أو حالة جمعية من العدمية التي أفرزتها دولة الرفاهية الاجتماعية والاعتماد الناعم على القوة الأمريكية الصارمة. والحل في نظرهم يتلخص في إحياء العالم الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة في حملة مسلحة لنشر الديمقراطية في العالم.

      ولكن ما لم يكن المرء كاثوليكياً، أو مسيحياً ولِد من جديد، أو إذا لم يكن منتمياً إلى المحافظين الجدد، فإن كل هذه الأفكار تصبح بلا جدوى. إن أفضل ما قد نرجوه هو أن يتمكن الديمقراطيون الليبراليون من الخروج من هذه الفترة الكئيبة التي يسودها عدم الارتياح ـ وأن يقاوم الناس إغراءات الغوغائية، وأن يعملوا على احتواء النزوات العنيفة. والأمر المؤكد هو أن الأنظمة الديمقراطية نجحت في التغلب على أزمات أسوأ في الماضي.

      وبعد كل ما قيل، فسوف يكون من المفيد لو نتمكن من الحد من الاستفتاءات الشعبية. إذ أنها، على النقيض مما قد يتصوره بعض الناس، لا تعزز الديمقراطية. بل إنها تعمل على إضعافها لأنها تضعف مكانة ممثلينا الذين انتخبناهم، والذين تتلخص وظيفتهم في الاجتهاد وإحكام العقل والفكر وليس الإعراب عن المشاعر الدفينة لشعب قلق غاضب.
    • مآذن أوروبا



      روس دوثات



      12/10/2009
      روس دوثات

      بحلول يوم الثلاثاء الماضي صارت معاهدة لشبونة نافذة، جاعلة دول الاتحاد الأوروبي أقرب بخطوة إلى الوحدة التي ظلت تعمل النخبة في القارة على تحقيقها منذ أكثر من خمسين عاما. لكن تطبيق المعاهدة سقط، بعد أيام قليلة من وقوع حدث آخر مهم من نوع مختلف: وهو الاستفتاء الشعبي في سويسرا، ذلك البلد المعروف بتسامحه الديني، والذي اختار فيه 57.5 بالمائة من المصوتين في الاستفتاء حظر بناء المآذن. وعلى الرغم من أن سويسرا ليست دولة عضو في الاتحاد الاوروبي، من الممكن لمسألة المآذن هذه أن تتكرر في أي مكان في أوروبا هذه الأيام في فرنسا، حيث طرح المسؤولون احتمالية حظر ارتداء البرقع، وفي بريطانيا، والتي انتخبت اثنين منها ينتميان للحزب القومي البريطاني، الفاشيستي المناهض للإسلام، لعضوية البرلمان الاوروبي في الربيع الماضي، وفي ايطاليا، حيث هناك مشروع قانون تم طرحه هذا العام من شأنه أن يمنع في حال تمريره، بناء المساجد، ويقيد رفع الأذان.

      ولو أن الاتحاد الأكثر اكتمالا، الذي وعدت به معاهدة لشبونة هو أعظم انتصار للنخبة في اوروبا، يمثل الفشل في دمج الملايين من المهاجرين المسلمين بنجاح، يمثل أكبر فشل له. والاثنان متداخلان: كلاهما ثمرة المدخل العالي المستوى، والذي هو في الأغلب غير محلي إلى السياسات التي نماها قادة أوروبا في سعيهم للوحدة. وما كان للاتحاد الاوروبي في الأغلب سيوجد بشكله الحالي لو أن نخبة اوروبا لم يكونوا راغبين في تجاهل الاستياء الشعبي.( فمعاهدة لشبونة، على سبيل المثال، تم تصميمها عن عمد ليتم تجنب معظم الناخبين الاوروبيين، بعدما تم تدمير دستور الاتحاد الاوروبي على يد الاستفتائين الذين جريا في فرنسا وهولندا في 2005.) لكن هذا الأسلوب السياسي- صياغة الإجماع في المؤسسات، وافتراض إمكانية الاحتواء لأية مصادمات تتطور- هو أيضا الطريقة التي وصلت بها القارة لقبول الملايين من المهاجرين المسلمين، على الرغم من غياب الإجماع الشعبي من الموضوع، أو غياب خطة لدمجهم.

      لقد جاء المهاجرون الى اوروبا في البداية كعمالة وافدة، تم الاستعانة بهم بعد الحرب العالمية الثانية لسد العجز في اليد العاملة، بعدها صاروا من المستفيدين من القوانين السخية للجوء ولم شمل الأسرة، والتي تم تصميمها للتهدئة من حدة الشعور الجماعي الذى انتشر في أوروبا ما بعد الحقبة الاستعمارية. فلقد افترضت النخبة في أوروبا أن الانقسام بين الغرب والإسلام عتيق كالاختلاف بين السيوف المعقوفة والسيوف المفلطحة، وأن اتحاد بعد مسيحي متعدد الثقافات وليبرالي لن يجد صعوبة في امتصاص القادمون الجدد من المجتمعات الأكثر تقليدية. وهم قرروا أيضا- كما كتب كريستوفر كالدويل في كتابه " تأملات في الثورة في أوروبا" – وهو كتاب تأريخي رائع لمعضلة المسلمين في اوروبا- فسياسات الهجرة الليبرالية "انطوت على نوع الواجبات الأخلاقية التي لا تفاوض فيها التي لا تصويت عليها." وكان من الأفضل أن تترك النخبة الناخبين يختارون. ربما كان حينها معدل الهجرة أبطأ، وجهود دمج القادمون الجدد أكثر نفعا. لكن بدلا من هذا، انتهى المطاف بقادة أوروبا إلى إيجاد تصادم حضارات داخل حدود بلادهم الجغرافية.

      لقد قبل الملايين من المسلمين المعايير والأحكام الأوروبية. لكن الملايين منهم أيضا لم يفعلوا ذلك. وهذا كان معناه تعدد الزوجات في السويد، و مساجد راديكالية في مدن بريطانيا الصناعية المتلاشية، و شغب في الدنمارك بسبب الرسوم الكارتونية، و جريمة قتل مدفوعة دينيا في هولندا. هذا معناه الإرهاب وخطر الإرهاب من لندن إلى مدريد. ومعناه إثارة المصادمات، والتي حيالها يساند الناخبون الأوروبيون القوانين المتطرفة والأحزاب المتطرفة، لأن ساستهم لا يبدو أن عندهم شيء يقولونه بخصوص المشكلة. فهؤلاء الساسة غير قادرين على تفكيك قرون من الهجرة. والأقلية المسلمة الكبيرة في اوروبا لن ترحل. والمثابرة مع المدخل المؤسساتي له معنى مؤكد: عدم تعرية التحيز و الانقضاض على التطرف ووجود الأمل في أن يحول الزمن المهاجرين المسلمين إلى الليبرالية أكثر، ويقضي على الصراع. أو على الأقل يبقى على الموضوع ملفا ممكن إدارته.

      ويعتبر كتاب كالدويل هو الأفضل في الموضوع حتى تاريخه، بنبرة متفائلة جدا، لكنه ينصرف عن التوقعات المحددة بخصوص مستقبل اوروبا. وهناك كتاب آخرون أقل حذرا، حيث يصورون في كتاباتهم اوروبا بأغلبية مسلمة، تكون الشريعة الإسلامية فيها المذهب السائد مثلها مثل الليبرالية. لكن حتى في حال وجود غرب منحط ومتفسخ، هو سيكون أفضل حالا مما عليه الآن. فالسيناريو الأكثر احتمالا أن تمر به اوروبا هو فترة طويلة من التوترات بها فترات زمنية رئيسية من العنف الذي يجعل القارة مكانا غير سارا إن لم يكن هناك تغيير جذري. رغم هذا، هذا السيناريو يمكن أن نقول إنه "هادىء" إلى حد ما ، لو وضعنا في النظر الاضطرار الى العيش في ظل العنف. ولنسأل السويسريين، الذين قضوا الاسبوع الماضي كاملا قلقين من احتمالية أن يجعلهم التصويت على المآذن هدفا للمتطرفين.
    • الخدعة والكذبة الإسرائيلية الكبرى



      غازي السعدي



      12/10/2009
      غازي السعدي :

      البيان الدراماتيكي المسرحي الهزلي الذي أدلى به رئيس وزراء إسرائيل والذي أعدت له وسائل الإعلام بشكل موسع ونعتته بالبيان المهم شبهه البعض بالمثل القائل" تمخض الجبل فولد فأرا"، فالبيان مفاده تجميد البناء في المستوطنات مع استثناءات، ودون شمل القدس الشرقية في هذا التجميد، هو بيان إعلامي مكرر موجه في الأساس للإدارة الأمريكية، ومنسق معها سلفا. وحصر هذا التجميد بمدة عشرة أشهر فقط، يتواصل خلالها بناء آلاف الوحدات السكنية، وبعد أن كان الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" يشترط على الحكومة الإسرائيلية، وقف جميع أشكال البناء بما في ذلك في القدس الشرقية، تراجع عن هذا الموقف الذي أعلنه خلال خطابه في جامعة القاهرة، وتصريحات بمناسبات أخرى والتي لاقت صدى إيجابيا لدى العرب والمسلمين فقد خاب أملهم به.

      المبعوث الشخصي للرئيس الأمريكي "جورج ميتشل"، رحب على الفور بالبيان الإسرائيلي، وهذا دليل على أنه منسق مع الإدارة الأمريكية، لكنه ولإرضاء العرب أضاف بأنه غير كاف، ومن كلامه فإنه أراد الضغط على الفلسطينيين، لاستئناف مفاوضات السلام مع إسرائيل، وهنا مربط الفرس، فيريدون المفاوضات من أجل المفاوضات وليس من أجل تحقيق السلام، ويقول المراقبون بأن التحول غير المبرر في الموقف الأمريكي يعود لضغوطات اللوبيات الصهيونية على الإدارة الأمريكية، على حساب المبادئ والقيم التي تحدث عنها "أوباما"، ويبررون هذا التراجع أيضا لأسباب تعانيها الإدارة الأمريكية على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهناك تقارير تفيد بأن "أوباما" خضع لطلب "نتانياهو" وكما جاء في الخطوط العريضة لحكومته فإن الأولوية للموضوع الإيراني، بينما كان موقف الإدارة الأمريكية بأن الأولوية للموضوع الفلسطيني، وقد يكون من بين أسباب هذا الخضوع، التزام إسرائيل بعدم القيام بضربة عسكرية لإيران، دون موافقة أمريكية، مقابل منح إسرائيل مواصلة البناء في المستوطنات، وإرجاء عملية السلام مع الفلسطينيين إلى ما شاء الله، وهذا يعني بأن "نتانياهو" نجح في لي ذراع "أوباما" وليس العكس، فالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لم ولن تحترم القرارات الدولية، ولا الاتفاقيات الموقعة، طالما أنها محمية من قبل الولايات المتحدة.

      إن الحملة الإعلامية التي تثيرها إسرائيل حول تجميد البناء في المستوطنات، تهدف إلى جر الفلسطينيين لاستئناف المفاوضات، وأن تمسك الفلسطينيين بالتجميد الكامل للبناء، كشرط لاستئناف المفاوضات، ستستغله إسرائيل في إعلامها الخارجي، مدعية أن الكرة في الملعب الفلسطيني، وأنهم يرفضون المفاوضات السلمية، لكن هذه الحملة ستفشل، بل أنها فشلت منذ إعلان التجميد، فالعالم أصبح أكثر علما ومعرفة بأساليب الخداع الإسرائيلية.

      إن رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتانياهو" يستفيد من غضب ومعارضة المستوطنين لقرار التجميد الوهمي، فالحكومة ترسل المفتشين والمراقبين لوقف البناء، مصحوبين بالصحفيين والقنوات الفضائية التي تبث الصدامات بين المفتشين والمستوطنين، وتلتقط الصور، وتبثها في أنحاء العالم، التي لا تعدو جزءا من المسرحية، وكأن "نتانياهو" يريد، وأنه غير قادر ولا يستطيع وقف البناء، ولاستخدام هذه المشاهد والمعارضة في حواراته مع الإدارة الأمريكية ومع العالم، لكنه كشف عن حقيقته فورا إذ إنه بعد الأشهر العشرة الصورية للتجميد، ستستمر عملية البناء بشكل يفوق ما هو عليه حاليا، وأن هذا التجميد مؤقت ولمرة واحدة فقط ولن يمدد، فعندما تأتي هذه الأقوال وغيرها بعد أسبوع واحد من قرار التجميد، في محاولته خداع الإدارة الأمريكية ودون التورط معها، وفي نفس الوقت تهدئة غضب المستوطنين المعارضين لهذا التجميد جملة وتفصيلا، فمن سيصدقه ويثق به؟، ولا حتى من أبناء جلدته العاقلين وغير العاقلين، حتى أنه يناقض نفسه بنفسه، عن قصد أو دون قصد، بقوله بأن قرار التجميد يصب في صالح المستوطنين، وهذا أدى إلى إسراع وزير خارجيته "أفيجدور ليبرمان" بالترحيب بتصريحات واستراتيجية "نتانياهو".

      "نتانياهو" يريد بناء قنوات حوار وتنسيق مع رؤساء مجالس المستوطنات، فيعمل على الاجتماع بهم، لطمأنتهم والتخطيط معهم لإرضائهم، فالوزير "بيجن الابن" المعروف بتطرفه وصراحته، خرج من اجتماع الحكومة التي قررت التجميد، ليقول لوسائل الإعلام وبالحرف الواحد: "إن الطاقم الوزاري للأمن القومي، لم يتخذ قرارا يقضي بتجميد البناء في "يهودا والسامرة"الضفة الغربية المحتلة، ولا حتى لعشرة أشهر مقبلة، وإنما تقرر فرض تقييدات على تراخيص البناء فقط"، وهذه الحقيقة المعلنة على لسان المسؤولين الإسرائيليين، ودون إخفائها أو التستر عليها، فإن اللعبة مكشوفة، وأن آلاف المساكن ستبنى خلال الأشهر العشرة المعلن عنها، إضافة إلى المرافق العامة تحت ذريعة ضمان الحياة الطبيعية للمستوطنين، وبناء كل ما يتعلق بنسيج الحياة لهم، حتى أن "نتانياهو" طمأن المستوطنين بأنه يجري حاليا بناء ما لا يقل عن ثلاثة آلاف وحدة سكنية، وأن هناك (2500) وحدة أخرى يتم بناؤها بقرار من الحكومة السابقة، إضافة إلى (500) وحدة أقرتها الحكومة الحالية، كذلك بناء (28) مؤسسة عامة في المستوطنات، من مدارس ومراكز ترفيه وغيرها، وهذا كله يجري في الأسبوع الأول من قرار خدعة التجميد والحبل على الجرار.

      وسائل الإعلام العالمية والمنابر الدولية، تحاول التخفيف من الانتقادات الموجهة "لنتانياهو"، بسبب صعوبة ائتلافه الحكومي وتركيبة الحكومة اليمينية التي كانت قد فرضت عليه، وهذا غير صحيح، فهو الذي اختار اليمين المتطرف لضمه لحكومته، فالأقوال المخففة على نتانياهو أقوال مشوهة ومضللة من الدرجة الأولى، "فنتانياهو" ليس بحاجة إلى من يضغط عليه كي يتطرف، بل أنه متطرف منذ ولادته، وأن سياسته ونهجه أكبر دليل على ذلك، وهذا ما كشف عنه والده العجوز، الذي قال مؤخرا إن نجله حين أعلن عن موافقته لإقامة دولة فلسطينية مسلوخة ومفروزة كليا، فإن هذا يهدف لتخفيف الضغط الدولي عليه، أما هو فإنه لا يقصد ما قاله فعلا، فهذه المناورة الإسرائيلية، والترحيب الأمريكي بقرار تجميد البناء، خاصة على لسان وزيرة الخارجية "هيلاري كلينتون"، يؤكد الانقلاب الذي حصل في الموقف الأمريكي الرسمي، مقارنة مع ما كان عليه هذا الموقف قبل ستة أشهر، ولهذا يتطلب من الفلسطينيين والعرب التمسك بمواقفهم من تجميد كلي للاستيطان، وفي إقامة الدولة الفلسطينية، وبخاصة التركيز على القدس الشرقية ولا قيمة لأي تجميد للاستيطان إن حصل دون تجميده في القدس فهي الأساس، وكذلك رفض الضغوط لاستئناف المفاوضات وتجنب أية خدعة جديدة للضغط على الجانب الفلسطيني مجدداً، للانخراط في مسار تفاوضي عقيم لا فائدة ولا مبرر له، ومن يريد معرفة أفكار ونوايا "نتانياهو"، عليه قراءة كتابه الذي يحمل عنوان "مكان تحت الشمس".

      إن المجتمع الإسرائيلي عامة، والاستيطاني خاصة، مصاب بالتطرف والعنصرية والفاشية، ولا يكترثون بالتعهدات أمام الأسرة الدولية، مثل تعهد الحكومة الإسرائيلية بإخلاء البؤر الاستيطانية، فالمستوطنون يعتدون على الفلسطينيين يومياً، ويستولون على أراضيهم وممتلكاتهم، يحرقون مزارعهم، ويسرقون زيتونهم، ويقطعون أشجارهم، ويهدمون منازلهم، ويطردون المقدسيين من بيوتهم ليستولوا عليها خاصة في القدس، ويسحبون هويات المقدسيين، وكل ذلك يجري بتوجيهات حكومية، وبحماية قوات الجيش الإسرائيلي، ويتم ذلك بفتاوى وترخيص ديني من الحاخامات، فالمشهد الذي شاهدناه مؤخراً على شاشات التلفاز، بإطلاق المستوطنين النار على شاب خليلي في الـ (21) من عمره، بجانب مستوطنة كريات أربع، وقيام مستوطن بعد إطلاق النار على المواطن الفلسطيني، بدهسه بسيارته عدة مرات وأوقف مركبته على جسده، فإنه لمشهد صعب جداً على من يشاهده، فحالة الفلسطيني حرجة جداً، أما المستوطن فيقولون إنه وضع في بيته تحت الإقامة الجبرية وليس بالسجن، وكل ذلك يجري أمام نظر قوات الجيش التي لم تتدخل وبقيت متفرجة على المشهد، والغريب وليس هناك غريب في إسرائيل، فإن أحداً من المسؤولين الإسرائيليين لم يندد بهذه الجريمة أو حتى استنكارها، فهل من الممكن التعايش مع مثل هذا المجتمع؟ لقد أهدرت إسرائيل جميع فرص السلام والأيادي الممدودة، ويبقى السؤال: ما العمل؟.
    • أزمة دبي المالية .. زوبعة في فنجان



      ناصر اليحمدي



      12/10/2009
      ناصر اليحمدي :

      يبدو أن الهزة العنيفة التي أصابت الاقتصاد العالمي منذ فترة أصابت الاقتصاديين بالفزع والذعر من حدوث أية تداعيات أو توابع لهذا الزلزال الذي أصاب جميع الدول تقريبا وانهارت على إثره العديد من البنوك والشركات العالمية.

      لقد ارتبكت أسواق المال مؤخرا وتراجعت العديد من البورصات العربية والعالمية نتيجة إعلان شركة "دبي العالمية" إعادة هيكلة شركة "نخيل" العقارية التي تعد واحدة من أكبر شركاتها القابضة وتعليق سداد بعض السندات التي تبلغ قيمتها 3.5 مليار دولار وتستحق في 14 ديسمبر إلى مايو لتثبت للعالم أن ما يواجهه السوق العالمي الآن ليس أزمة سيولة كما تدعي البنوك الأمريكية بل أزمة إيفاء الديون.

      الغريب أن إعادة الهيكلة وبالتالي طلب تأجيل الديون هو أمر طبيعي في عالم المال والأعمال تقوم به معظم الشركات الاستثمارية ولا حرج على دبي طالما أنها تتعامل مع العالم المالي العالمي أن تتخلف عن سداد أقساط ديون بل وتشهر إفلاس شركاتها الخاسرة غير القابلة لإعادة الهيكلة .. فلماذا كل هذه الضجة التي أثيرت عندما جاء طلب تأجيل سداد الديون من شركة دبي وأثر بالسلب على البورصة الإماراتية والعربية ؟!.. وهل تناسى هؤلاء أن "دبي العالمية" قد سددت ما قيمته 59 مليار دولار من إجمالي ديونها البالغة 80 مليارا فهل ستعجز عن سداد هذا المبلغ البسيط الذي لن يهز الاقتصاد العالمي مقدار أنملة؟.

      لاشك أنه مما ساعد على انتشار هذه المخاوف هو تبخر أحلام الغربيين الذين اشتروا عقارات فخمة في دبي على أمل بيعها بعد فترة وجيزة بضعف الثمن وكسب الملايين من ورائها حيث انكشف سوق العقارات العالمي وظهرت خديعة تضخيم الأصول ليفر هؤلاء الغربيون وهم يشيعون بأن البلد قد انهار.

      لقد أثبتت إمارة دبي صمودا كبيرا أمام الأزمة المالية العالمية ومن واجب المستثمرين الوقوف بجانبها حتى تحافظ على مكانتها المالية المرموقة والتي يعتز بها كل عربي وحسنا فعل المصرف المركزي الإماراتي حينما دعم الشركة القابضة بالسيولة اللازمة لاستمرار تداولاتها.

      إن الاقتصاد الإماراتي اقتصاد قوي ولا تهزه هذه الريح البسيطة و إن شاء الله سوف يعبر الأزمة بأقل الخسائر .. وإعطاء الموضوع أكبر من حجمه والتهويل الذي لا أساس له سوف يوجد القلق والخوف لدى المستثمرين مما يزيد من تداعيات الأزمة .. وأزمة دبي لا تستحق أن تسبب أزمة عالمية واسعة النطاق مثل تلك التي حدثت نتيجة انهيار بنك ليمان براذرز الأمريكي . كما أن الاقتصاد العالمي خرج من الأزمة السابقة وهو أشد قوة تجعله قادرا على التعامل بحكمة مع مثل هذه الأزمات البسيطة.

      للأسف التهويل الإعلامي أظهر النموذج الاقتصادي لإمارة دبي وكأنه فشل وهوى وذكر الناس بالأزمة المالية التي عصفت بالاقتصاد العقاري الأمريكي وأثرت على الاقتصاد العالمي ككل مع أن شركات دبي لديها ديون بالمليارات منذ فترة ولم تكن هناك أي مشكلات مما يجعلنا نتساءل : لصالح من هذا التجريح والتهويل خاصة وأن المبلغ الذي طلبت تأجيل سداده ليس ضخما بل قدر يسير بالنسبة للدين ككل ؟.

      لاشك أن الوضع المالي الصعب للبنوك المدينة في بريطانيا وأمريكا هو ما زاد من ردود الأفعال على قرار الشركة القابضة في دبي خاصة وأن الاقتصاد العالمي ينظر لمنطقة الخليج دائما على أنها قادرة على توفير الأموال لإنقاذ العالم من أزماته باعتبارها الأغنى عالميا فجاء إعلان شركة دبي ليصيب هؤلاء بالإحباط والخوف بالرغم من أن ما أعلنته هو مجرد هيكلة لإحدى شركاتها وليس عجزا عن السداد.

      إن كل عربي يعز عليه أن يرى أية بورصة عربية تتأثر ولو بنسبة بسيطة بحدوث أزمة مالية ويتمنى أن تحافظ أسواق المال على استقرارها وانتعاشها لأنه بكل تأكيد سينعكس بالإيجاب على المجتمعات العربية .. ونتمنى أن تكون أزمة دبي مجرد فقاعة على السطح أو زوبعة في فنجان تنتهي سريعا دون حدوث خسائر تذكر وليست زلزالا يهز اقتصادها وتستطيع أن تجتاز الأزمة وتبحر بسلام وتصل إلى بر الأمان وتعيد النظر بنموذجها الاقتصادي حتى تصل لنموذج أكثر قوة وثباتا لا يتأثر بأية أزمة مقبلة.

      * * *

      حظر المآذن في سويسرا .. عنصرية بغيضة

      الاستفتاء الشعبي السويسري الذي جرى مؤخرا على حظر بناء المآذن رغم أنه في ظاهره يمثل نموذجا للديمقراطية بإجراء التصويت والمثول لرغبة الشعب إلا أنه في باطنه على النقيض تماما حيث كشف مدى العنصرية البغيضة التي يعاني منها المجتمع الأوروبي.

      إن الغرب دائما ما يتشدق بحقوق الإنسان والحرية في ممارسة العقائد وعندما أهانوا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بالرسوم المسيئة اعتبروا ذلك حرية تعبير والآن يحجرون على المسلمين حرية اعتقادهم ويقيدونهم تحت مزاعم واهية فهل الحرية مكفولة فقط لغير المسلم ؟.. أليس من الأجدر بالحكومة السويسرية كما منعت المآذن في المساجد أن تمنع أبراج الكنائس ؟.. وهل لو حدث ومنعت إحدى الدول المسلمة أبراج الكنائس وفق استفتاء شعبي كما حدث بسويسرا هل كان سيتقبله العالم كما تقبل موضوع المآذن أم أن الدنيا كانت ستقوم ولن تقعد وتنعت الدولة المسلمة بأبشع التهم ؟.

      إن منع المآذن يعد إهانة للمسلمين ويجرح شعورهم ويقلل من فرص اندماجهم في المجتمع الغربي فمن حقهم أن يظهروا شعائر دينهم مثل باقي الديانات ومثل هذا القرار سيوسع الهوة بين الحكومات الأوروبية والجاليات المسلمة بل إنه من الممكن أن يعمق الشعور بالكراهية والتمييز ضد المسلمين خاصة وأن باقي الديانات الأخرى لم تتعرض لمثل هذا التقييد.

      لقد استوعب العالم الإسلامي آلاف الكنائس كما أن هناك أقليات تمارس شعائرها الدينية بحرية كاملة دون أي تقييد وتعيش في أمن وطمأنينة مما يدل على مدى تسامح وإنسانية وديمقراطية ديننا الإسلامي وليس كما يدعي المتطرفون من أنه دين إرهاب وكراهية وعداوة.

      لاشك أن مما يظهر عنصرية اليمين المتطرف الذي دعا لهذا الاستفتاء وأثر على الرأي العام السويسري هو اللوحات الدعائية التي استخدموها لحث المواطنين على المشاركة في الاستفتاء حيث ظهر فيها علم سويسرا وفوقه مآذن سوداء تنتصب كصواريخ على هذا العلم وامرأة منتقبة بالسواد وجميعها تدل على العنصرية البغيضة الذي يتبعها هذا الحزب.

      المشكلة ليست في المآذن ولكن الخوف كل الخوف من أن يكون حظر المآذن بداية لتقليص الوجود الإسلامي في أوروبا وذلك بحظر المساجد بعدها ثم التشديد على المسلمين في ممارسة شعائر دينهم خاصة أن اليمين المتطرف استطاع أن يحول الدفة من مجرد التصويت على رمزية المآذن إلى الخطر الإسلامي على المجتمع السويسري ومحاور ليس لها علاقة بالمشكلة الأصلية من غزو ثقافي إسلامي وإرهاب وإهانة للمرأة وسيطرة للثقافة الذكورية وغيرها من المفاهيم المغلوطة.

      إن نتيجة الاستفتاء تدل على مدى تنامي تأثير اليمين المتطرف على الرأي العام الأوروبي وعلى مدى خوفهم من انتشار الإسلام وهنا لا ألوم الشعب السويسري بل ألوم المسلمين الذين لم يشرحوا مبادئ الدين الحنيف ويوضحوا الصورة الصحيحة للإسلام للشعب السويسري كي يقف بجوارهم خاصة وأنهم يمثلون نصف مليون مسلم في سويسرا أي أن عددهم ليس بالقليل.

      للأسف القرار السويسري بحظر بناء المآذن شجع العديد من الأحزاب اليمينية الأوروبية على اتخاذ نفس المبادرة في بلدانها والدعوة لاستفتاء مماثل مما يشكل اضطهادا لجميع الجاليات المسلمة في أوروبا.

      الحل يكمن في رفع حالة الوعي لدى الشعوب الأوروبية حول الأديان وتعريفها بمبادئ الدين الإسلامي المتسامح وتصحيح الصورة المغلوطة التي يروج لها اليمين المتطرف حتى يكون الحكم الناتج عن أي استفتاء خاص بالمسلمين حكما عادلا نابعا من معرفة ووعي.

      كل ما نتمناه أن يأتي الاستفتاء بنتيجة عكسية كما حدث مع الرسوم المسيئة ويدفع الأوروبيين للقراءة عن الإسلام ومعرفة حقيقته الأمر الذي قد يؤدي لاعتناقه أو أن يؤدي هذا الاستفتاء لتوحد المسلمين وتقاربهم لمواجهة هذا التآمر.

      على الأوروبيين عامة والسويسريين خاصة أن يتحلوا بالتسامح وأن يعاملوا المسلمين كما يعاملون أتباع الديانات الأخرى حتى يكسبوا محبتهم ويشعروهم بالأخوة والمساواة وحتى تتحقق مبادئ الاندماج والمشاركة داخل المجتمعات الأوروبية .. وعلى المسلمين هناك ضبط النفس وعدم اتخاذ أية ردود أفعال عنيفة فكل هذه الاستفزازات يجب ألا تؤثر على علاقتهم بالمجتمع الذي يعيشون فيه بل يجب أن يكونوا نموذجا للمسلم الحق الخلوق المتسامح وعليهم بالحوار الذي به تحل كل المشاكل والتعريف بحقيقة الدين الصحيح وفي نهاية الأمر قد يلجأون للطرق القانونية التي ترد لهم حقوقهم وتلغي نتائج الاستفتاء.

      * * *

      آخر كلام

      من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومن من أساء به الظن.
    • دبي لا تكذب.. ولكنها تتجمل !!



      سمير الجمل



      12/10/2009
      سمير الجمل :

      هل أصابت سهام الترفيه والرفاهية قلب"دبي" فسالت الدماء وظهرت الديون وترنحت الأمبراطورية المالية الكبرى التي كان العرب والعجم يتخذونها مثلا ونموذجا.؟! حتى أن محاوله شراء ميناء في أمريكا تحولت إلى هياج سياسي بالغ من مؤسسات عديدة خوفا من هذا العملاق العربي الذي يعلن عن نفسه بقوه في أرجاء العالم ويتعامل مع الغرب رأسا برأس.. "دبي" لم تذهب وتطرق أبواب أوروبا وأمريكا بل أنها أحضرتها الى الخليج حتى قيل انك تخرج من بيتك في دبي صباحا ثم تعود فى المساء فتجد الشارع تغير وتبدل ..!!

      "دبي" التي بلغت القمة في مضمار الترفيه والمعمار والاحتفاليات والرياضة والفنون والإعلام والتجارة ما الذي احاط بها مؤخرا ؟! وهل أصابتها الأزمه المالية العالمية في مقتل؟! وحتى ندرك قيمة تأثيرها علينا أن نعرف أصداء الأنباء التي اهتزت لها كبريات البورصات في الشرق والغرب على إثر ما تردد عن مطالبة شركة دبي العالمية بجدوله ديونها والغريب أن المدينة الأقرب اليها كانت الأكثر هدوءا واتزانا والدنيا تغلي شمالا وجنوبا وشرقا وغربا كانت "أبو ظبي" تؤكد على لسان مسؤوليها أن أزمة دبي سوف تنتهي في دبي وبدون تدخل "أبو ظبي" لأن قانون الإمارات العربية المتحدة يعطي لكل إمارة من الإمارات السبع تمام الاستقلال عن شقيقاتها ( الشارقة، عجمان، رأس الخيمة ، دبي،أبو ظبي ، الفجيرة، ام القيوين) الخبراء في مجال المال والاستثمار يربطون ربطا وثيقا بين أزمة أمريكا وبين ما جرى مؤخرا في المدينة الخليجية الدولية حتى أصبح الدولار غريبا في مهده وفي بيته وترنح عرشه وبدأ صوت اليورو يعلو وهؤلاء الخبراء هم أنفسهم الذين نظروا بكل التشاؤم الى ما جرى في دبي واعتبره بعضهم بداية الانهيار وهو على عكس ردود الأفعال التي خرجت من دبي نفسها ومن الإمارات الشقيقة الأخرى بل ومن دول الخليج التي يربطها جميعا مجلس التعاون الخليجي وعلى اجندته توحيد"العملة" مثلما جرى في اوروبا حاكم البلاد الشيخ خليفة نظر الى الموضوع بثقه تصل الى درجة الاستخفاف ونائبه الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي ونائب رئيس الدولة جاءت تصريحاته ايضا بنفس الهدوء وكأن الأمر لا يعنيه وكانت مبررات الثقة أن شركة دبي العالمية هي كيان اقتصادي لا علاقه له بميزانية حكومة دبي نفسها حتى إن كان الشركاء وأصحاب رأس المال في الشركة هم انفسهم اعضاء الحكومة وأنا شخصيا استوقفني رقم يقول بأن المديونية هي 26 مليار دولار.. ولأنني أعرف بأن حاكم دبي قد رصد مبلغ 10 مليارات من أجل التنمية الثقافية والتعليمية فقط ...

      والعقل هنا أن هذا البند وحده يوازي تقريبا نصف المديونية وبالتأكيد هناك عدة محاور أخرى يمكنها بشكل أو بآخر ان تنتشل دبي من وعكتها هذه؟.. أم أن المسألة برمتها مجرد بالون اختبار ليعرف العالم كله كيف أن "دبي" أصبحت عاصمة عالميه للمال إذا جرحت يدها سالت الدماء في نيويورك ولندن وباريس وبرلين وزيورخ وسائر اسواق المال ومع ذلك كان هناك من العرب والعجم من ظهرت عليه علامات التشفي لسقوط دبي .. وتصوروا أنها النهاية .. الأجانب يخافون من نهضة هذه المدينة لأسباب نعرفها جميعا مهما حاولوا التمويه أو الإيحاء بعد ذلك .. والعرب ربما عندهم بعض الغيرة والحسد لأن نهضة هذه المدينة العالمية أثبتت أن العيب ليس في عروبتنا ولا اسلامنا لكن في عقول الغالبية منا التي أدمنت أن تكون تابعة للخواجات ولا تستطيع أن تتمرد وتعلن عن نفسها بندية وجدية كما رأينا في تجربي دبي.

      لا التهويل مطلوب ولا التهوين ايضا .. لكن في الأمور الاقتصادية يجب أن نترك الأرقام هي التي تتكلم وتقول بالبرهان القاطع والضوء الساطع..

      الأرقام تقول على سبيل المثال إن حجم الاستثمارات البريطانية في الإمارات كلها يزيد على 150 مليون دولار بخلاف الشركات العالمية الأخرى وكلها تلعب في السوق الإماراتي بأرقام كبيرة وبالعقل والمنطق سنجد أن مسألة جدولة الديون تعني لشركة دبي المزيد من حرية الحركة وليس التهرب أو الإفلاس .. بعيدا عن ضغوط وفوائد الديون.. وهي مناورة ذكية أيضا للإعلان عن قوة المركز المالي لدبي كلها الحكومة والشركة العالمية وعلى مقربه منها "أبو ظبي" المحفظة المالية الأضخم في العالم وهنا نقول بأن القسط المستحق من الديون عن ديسمبر هو مبلغ 3,5 مليار دولار .. وهو يستطيع ان يسدده بمفرده أي مستثمر وعندهم كوكبة من أغنى اغنياء العالم كما تقول لائحه فوربس..

      فهل هي مؤامرة لضرب "دبي" وقد اظهرت تماسكا وقوة خلال الأزمة المالية العالمية لأنها كمدينة عربية لها من السقف او الحد الأقصى خطا لا ينبغي أن تتجاوزه او تتخطاه.. والبنوك الكبرى التي تتعامل مع شركه دبي العالمية جددت ثقتها في المديونية وفي إمكانية تجاوز هذه الأزمة بدون آثار جانبية فادحة لا على البنوك او على الشركه نفسها وهذا الهلع او الخوف المبالغ فيه ليس له ما يبرره إلا إذا كانت المسألة فيها شبهة تعمد او ترصد..

      دبي التي تعتمد على السياحة والمعمار لا تملك نفطا مثل غيرها لكنها بلغت ما بلغت وحققت ما تجاوز ثروات الإمارات الأخرى بفعل العقلية الفذة والتفكير السديد والرؤيا بعيدة المدى حتى أنها بلغت في ميدانها ما فاق وتجاوز طموحات أوروبية وامريكية وكان واضحا ان الكل يلهث خلفها وأنها تنمو وتزدهر بشكل مدهش وبالتأكيد هي تأثرت بالأزمة المالية العالمية الأخيرة ومن قبيل الصدفة أنها اندلعت في الجمعة الأخيرة من نوفمبر أو الجمعة الأسود كما أطلقوا عليها بعد ذلك ...وأزمة دبي ايضا اندلعت او تم الكشف عنها في نفس التوقيت تقريبا وكانت العقارات هي القشة التي قسمت ظهر البعيرالمالي في امريكا..وهي ايضا نفس القشة في دبي التي توغلت في البحر وتلاعبت بأعماقه وامواجه لصالح نهضة عقارية خرافية ويخطئ من يظن ان "ابو ظبي" يمكنها ان تتخلى عن شقيقتها "دبي" في ازمتها تلك مهما قيل وتردد في هذا المجال حتى أن الشيخ محمد بن راشد انفعل غضبا ضد من رددوا هذه الأقاويل..

      ومن الواضح أن هذه الأزمة لن تزيد دبي إلا قوة في السوق العالمية لأن كل شيء يحيط بها يؤكد على امكانية تجاوزها بل اكثر من ذلك ستؤكد مكانة دبي الدولية.. وستخرج من هذا الامتحان أكثر صلابة في وقت ترنحت فيه اقتصادات الدولة الكبرى التي انفقت الأموال على الحروب والتسليح ومعارك خاسرة بكل المقاييس .. وانتظروا "دبي" بعد "الجدولة" أكثر شموخا ووعيا بمن هو العدو ومن هو الصديق وتلك هي ميزة الأزمات ورب ضارة نافعة.
    • التعليم مقابل البندقية !

      12/10/2009
      تود ويلكنسون :

      النجاح في أفغانستان يكمن في بناء الثقة وبناء المدارس في المناطق الريفية والرعوية، هذه هي وجهة نظر جريج مورتينسون، مؤلف كتاب "ثلاثة فناجين من الشاي" الشهير. ويعتمد النجاح الذي حققه متسلق الجبال سابقا، الذي تحول إلى بناء مدارس في باكستان وأفغانستان – تم ترشيحه مؤخرا لنيل جائزة نوبل للسلام- على ما يسميه هو "إبداء حسن النية". وهذا المبدأ استقاه هو من زياراته الكثيرة التي قام بها لأطفال المدارس في أمريكا وفي أفغانستان وحديثه معهم. ففي الشهور القليلة الماضية تحدث إلى عشرات الأطفال منهم. هو يقول:" دوما أسأل أطفال المدارس في امريكا عن كيف يكون حديثهم في الغالب مع أجدادهم فيما يتعلق بأحداث التاريخ في الماضي. وكان يستجيب لي قرابة عشرة بالمائة فقط." وفي الأقاصي المنعزلة في أفغانستان، حيث تمكن من بناء قرابة 80 مدرسة جديدة، معظمها للفتيات، أعاد الرجل طرح السؤال على أطفال المدارس الأفغان. وكانت الإجابات التي يتلقها هناك انعكاسا لصحة المجتمع في تلك المناطق. ففي القرى البعيدة التي لا يمارس الطالبان فيها حكمهم على الناس، كان رد قرابة ثمانين بالمائة من الأطفال الذين سألهم مورتيسون السؤال ذاته ردا توكيديا. قال هؤلاء إنهم غالبا ما يتحدثون مع أجدادهم عن أحداث التاريخ في الماضي. لكن في المناطق التي أسس بها مقاتلون الطالبان الأجانب والمحليون معاقل لهم، وفي الغالب تكون على صلة بالقاعدة، تقريبا ولا طالب، كما يقول مورتيسون، يقول بأنه يفعل ذلك.

      ومع تعهد أوباما بإرسال 30 ألفا آخرين من الجنود الأمريكان، لاستئصال شأفة الإرهاب في أفغانستان، يشير مورتيسون إلى أن الجهود المبذولة يجب أن تسير يدا في يد وجنبا إلى جنب مع شيء آخر، هو التعليم. لكن نهضة التعليم في أفغانستان ممكنة فقط لو أن للسكان المحليين نصيبا فيها. يقول مورتيسون:" لقد نجح الطالبان لأنهم أربكوا النظام الاجتماعي على المستوى المحلي من خلال كونهم هم من يقدم التعليم للأطفال. وعند تأسيس المدارس للأطفال يمكن محو جهود الطالبان في التأثير على الأطفال والتلاعب بعقولهم وتشكيل التاريخ في ذهنهم حسبما يرون." والأكثر أهمية من مستوى القوات العسكرية أو موازنة الحرب هو الفوز بثقة الناس على المستوى المحلي. كما أن الطريقة التي ستتعامل بها أمريكا مع المرحلة القادمة هي التي ستحدد مغادرة أمريكا أفغانستان وهل ستضطر للعودة مرة أخرى أم لا. فكما هو واضح من عنوان كتاب مورتيسون الصادر عام 2006،" ثلاثة فناجين من الشاي"، بالإضافة إلى كتابه الجديد " أحجار ومدارس"، العلاقة مع الأفغان تبني ببطء، يبني خلال جلسة لتناول الشاي. وهذه رسالة أحدثت نقلة كبيرة في توجه كبار قادة العسكرية الأمريكية، النقلة التي اشتعل فتيلها في السنوات الأخيرة من حكم بوش.

      لقد وجد الأدميرال مايك مولين، رئيس هيئة الأركان المشتركة في الدفاع الأمريكية، نسخة من "ثلاثة فناجين من الشاي" في انتظاره. كانت السبب في ذلك زوجته ديبوره، والتي جلبت نسخة من الكتاب إلى المنزل. أيضا نسخة أخرى من الكتاب وصلت يد الجنرال ديفيد بيترايوس، قائد القيادة الأمريكية الوسطى، والجنرال ستانلي ماكريستال، الذي طلب مؤخرا تزويده بقرابة 40 ألف جندي. ومن اللازم على الضباط الأمريكان في المنطقة قراءة الكتاب. من جانبهما طلب كل من بيترايوس ومولين لقاء مورتينسون في البنتاجون، واستخدم المؤلف خرائطه ليذهب بهما في جولة عملية في أفغانستان، مشيرا لهما إلى بعض الأماكن بعينها العصية على القوات الأرضية الأمريكية، وذاكرا لهم بالاسم، أسماء القادة الدينيين والسكان الأفغان الذين يحتاج الأمريكان للتواصل معهم للسيطرة على هذه الأماكن. قال لهما مورتيسون:" الكثير من القادة المحليين الأفغان ممن أعرفهم غضبى بحق من الأمريكان، وهذا له صلة محدودة بوجودنا، وصلة أكبر بما نسببه من خسائر بالهجمات الجوية والتفجيرات والطائرات بلا طيار عندما نهاجم الطالبان المشتبه بهم."

      فأعضاء مجالس الشورى القبائلية ( وهي من كبار رجال القبيلة سنا) ترى أنه من الممكن قبول فكرة محو الإرهاب من بلادهم، لكنهم أبدا لا يتسامحون مع ما فعله بوش من خراب ودمار بلادهم ولأهلهم. وما يسحر مايك مولين هو ان مورتيسون قادر الآن على بناء مدارس في مناطق لاقت فيها القوات الأمريكية المقاومة الأعنف والأضرى، ولحقت بها فيها الإصابات الأخطر. ومدرسة واحدة فقط من مدارسه هي التي تعرضت لهجوم الطالبان عندما اعترضوا على مسالى تمكين المرأة. ومنذ العام 2007، طبقا لليونيسيف، تم تفجير وإحراق 850 مدرسة في أفغانستان، و600 في باكستان. وقد قال الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون عن موريتسون إنه نشط في مناطق لا تحظى فيها أمريكا بأية شعبية لأنه يتواصل مع الناس من خلال كونهم وكونه بشر. ولقد كان مورتيسون بالفعل يبنى المدارس في باكستان وأفغانستان قبل 11 سبتمبر. وفي السنوات التي تلت ذلك التاريخ قام بأكثر من ثلاثين رحلة إلى تلك المنطقة.

      يقول الرائد جون كيربي، الذي يرافق الأدميرال مولين في سفرياته كناطق باسمه، يقول إن رئيس الأركان المشتركة أذهله تمكن مورتيسون من الحوار مع القبائل، وأن الرجلين في الغالب يتبدالان الرسائل الإلكترونية. ويقول إن مولين سأل مورتيسون ذات مرة عن كيف يتمكن من تحقيق النجاح والتقدم هذا، فرد الأخير طالبا منه أن يأتي ليرى بنفسه. وقبل مولين دعوة مورتيسون لافتتاح مدرسة لتعليم الفتيات في يوليو الماضي في إقليم وادي بنجاشار، ورأى بنفسه أثر ذلك في التواصل مع الأفغان- لكنه فقط بعدما جلس في دائرة محاطا بكبار السن من القبائل التي تسكن الاقليم وتناول معهم الشاي وأطراف الحديث. يقول مورتيسون:" نحن بحاجة إلى أن نجعل الوجوه البشرية تنظر إلى بعضها البعض، ولم يذهب الادميرال مولين إلى هناك ليلتقط له المصورون الصور بل ذهب لكي يرى الأمور وهو جالس على الأرض في المدارس المتواضعة، ليرى الصورة من هناك لكل شيء كيف هي."

      ويقدم معهد آسيا الوسطى، المنظمة غير الربحية التي يديرها مورتيسون، قرابة 50 بالمائة من التمويل، والذي يتم دعمه بما يسمى الإسهامات المحلية التي يسهم بها السكان من مواد بناء وخدمات وغيرها. يقول مورتيسون:" يجب أن يكون المجتمع راغبا في وجود المدرسة، ونحن لا يمكننا أن نعطيهم تلك الرغبة، هي شيء يخرج منهم هم، لكن بتشجيعنا لهم. أن نفهم أن ما يفعلونه هو اختيار مستقبلهم بأيديهم." لكن مورتينسون توقف دون أن يدين رئيس أفغانستان حامد كرزاي، الذي وصم انتخابه بالتزوير. وحكومة كرزاي مرفوضة خارج كابول لأن علماء الدين وكبار رجال القبائل ومجالس الشورى القبلية يرون أنها غارقة في الفساد. ويقول وكيل كريمي، الذي يرتب عملية الاتصال بين مورتيسون ومجالس الشورى القبلية، يقول:" الله لا يحب الإرهابيين، والإرهاب ينهى عنه القرآن". ويقول أحد سكان قليم وارداك في وسط أفغانستان عن الإرهابيين:" هم ليسوا أعداء أمريكا فقط، هم أعداؤنا نحن أيضا، وعلينا جميعا أن نعمل معا لوقفهم." أما جمال مير،أحد كبار أعضاء أحد مجالس الشورى في إقليم باكتيا، في الشرق من أفغانستان، إنه لو تم إرسال المزيد من جنود القوات الأمريكية عليهم أن يتركزوا على امتداد الحدود مع باكستان، لكن لو تم إرسال النوع الآخر من الجنود- يقصد جنود الحرس الوطني الخبراء في الهندسة المدنية والزراعة- فإن وجودهم كمعلمين ومدربين محل ترحيب.

      وجزء من طلب ماكريستال قوات إضافية مخصص لجنود لديهم مهارات أخرى غير القتال. ويرى الكولونيل كريستوفر كوليندا، من فرق المهام الخاصة، والذي يتبع ماكريستال مباشرة، يرى أن كبار السن يفهمون بشكل أفضل من أي شخص آخر ما الذي حدث لمجتمعهم، والكثير من الشباب والفتيات يكبرون بلا مدارس طوال السنوات الثلاثين الماضية، وهو يقول إنه بصدق يؤمن بأن التعليم هو الحل على المدى الطويل للإرهاب والعنف والتطرف. فغالبا ما يبدو على الفور أنه حل من وجهة نظر عسكرية - القضاء على الإرهابيين- ربما يحل مشكلة واحدة لكنه يوجد الكثير من المشاكل الأخرى. ويشرح لنا الكولونيل تأثير موتيسون من خلال قصة قال فيها: "عندما تم نشر وحدتي للمرة الأولى في صيف 2007، كانت الهجمات الصاروخية تُشن علينا يوميا من وادٍ على الجانب الشرقي من نهر كونار بالقرب من الحدود الباكستانية، أحد معاقل القاعدة، ولم تكن عرباتنا المدرعة قادرة على عبور الجسر الضيق فوق النهر، كنا سنصبح في العراء تماما. وكان الحل الوحيد للموقف هو البحث عن تحصينات في القرية القريبة أثناء الليل. لكن ضباط القوات الأمريكية طلبوا لقاء رجال الشورى في القرية وجها لوجه. وقال لهم كبار السن إنه في وقت سابق اقتحمت وحدة تابعة للقوات الأمريكية القرية والقرى المحيطة وفتشوا المنازل منزلا تلو الآخر وأهانوا الناس كثيرا، وكان ذلك كله في منتصف الليل.ومن ثم، انهالت القذائف على إحدى النقاط العسكرية الأمريكية القريبة." بعدها تحول الموضوع إلى التعليم ، كما يخبرنا الكولونيل، وبدلا من دخول الجنود تلك القرية وهم مدججون بالسلاح والعتاد، دخلوها ومعهم شاحنات كاملة ملئية باحتياجات المدارس. وتغير الأمر على الفور، بل إن كبار السن في القرية والذين كانوا على أشد المعاداة للقوات الأمريكية، ذهبوا بأنفسهم إلى القاعدة العسكرية الأمريكية القريبة منهم. يقول الكولونيل إنه كان قد اتصل بمورتيسون وبحث معه إمكانية افتتاح مدرسة في تلك المنطقة، وبالفعل كانت هي المدرسة الأولى التي يتم تشييدها في إقليم كونار كاملا. وبمجرد أن بدأت الدراسة، توقفت القذائف من نفسها.

      وفي سبتمبر الماضي، انضم وتيسون إلى بعض القادة الدينيين الأفغان في بناء مدرسة في اقليم اوروزجان ، جنوب وسط افغانستان، وهو اقليم معزول للغاية، وكان منطقة ملاذ آمن للقائد الطالباني محمد عمر. أراد القادة الدينيون الأفغان أن يزوروا مدرسة أخرى موجودة بالفعل ليأخذوا فكرة عن الأمر. لذا ذهبوا مع مورتيسون إلى أقرب مدرسة منهم. وعندما ذهبوا إلى المدرسة، طافوا بملعبها وفنائها ، ووجدوا أرجوحات للأطفال، فجلس عليها القادة الدينيون يتأرجحون قليلا، والابتسامات تعلو وجوههم القاسية في العادة، والنسيم يداعب ملابسهم ولا ينهروه – حسبما جاء في الصور الفوتوغرافية التي التقطها مورتيسون لهم في تلك الزيارة- ووجدوا أن المدارس يمكن أن تكون شيئا آخر ، لا خطر منه، بل إنها جعلتهم يعيشون لحظات لم يروها وهم أطفال. وبهذا يكون للتعليم وليس للعسكرية ولا القتال الأثر الأكبر في حل المشكلة في افغانستان.
    • غضب الديمقراطي

      12/10/2009
      ديفيد بروكس :

      الكثير من الديمقراطيين يشعرون الآن بالحنين إلى حملة الرئيس باراك أوباما الانتخابية في عام 2008- الحنين إلى العاطفة والوضوح والحماسة. هم يرون أن هذه الأمور مفقودة في بيت أبيض حذر خال من العاطفة والتوهج. لكن حملة أوباما الانتخابية، ككل الحملات الرئاسية، قامت على سلسلة من القصص. القصة الأولى كانت أن الحكومة هي سباق بين الحقيقة والخطأ. على أرض الواقع، الحكومة عادة هي سباق بين المنافسة والحقائق غير المتساوية. والقصة الثانية هي أنه ولكي تدعم سياسة ما عليك أن تجعلها تحدث. في الواقع، في الحكومة، السلطة يمارسها آخرون. فقط من خلال الملاطفة والحث والتنازلات يتمكن أوباما من إتمام الأمور. والقصة الثالثة هي أننا يمكن أن نبدأ العالم من جديد. وفي الواقع، كل المشكلات تناولتها الآلاف من الأيادي، وفي الغالب لا جديد يمكن إضافته. فالرؤساء مضطرون للعمل على مادة موجودة أمامهم بالفعل. والقصة الرابعة كانت هي معرفة القادة بالطريق. وفي الواقع هم لديهم أهداف عامة لكن لا منفذ للطريق للأمام، وكل شييء مغلف بضبابية عدم اليقين.

      وكل الرؤساء عليهم أن يتواءموا مع هذه الحقائق عندما يذهبون إلى البيت الأبيض. والمفاجأة الوحيدة التي عملها أوباما هي مدى الحماسة التي بها انتقل إلى البيت الأبيض. فالانتخبات هيمنت عليها المسيرات الحماسية العاطفية، لكن البيت الأبيض في عهد أوباما تهيمن عليه ثقافة الجدل. فهو يتقن النقاشات التحليلية، ما يجعل وجهات النظر المتنافسة ذات قوة فاعلة. بل إن أوباما يترأس الجدل والمناظرات كما لو كان قاضيا ينظر في دعوى. وسياساته في الأغلب متوازنة، لأنه يحاول أن يوفق بين وجهات النظر المختلفة. هو لا يصدر عموما الأوامر العليا. وفي المسائل الخارجية والمحلية، يبدو أنه يقضي معظم وقته في ملاطفة الناس. وأسلوبه في الحكم، باختصار، يميل إلى التعقد.

      ولم يكن هذا الأسلوب أكثر وضوحا قدر ما كان في قراره بتوسعة الحرب في أفغانستان. إن مريكا تقليديا تخوض حروبها بروح الحماسة المعنوية. ومعظم رؤساء الحروب يظهرون أنفسهم كأبطال معتقدين أنهم متوجهون نحو نصر مبين. لكن أوباما من الناحية الأخرى، بدأ وكأنه أدخل نفسه في دائرة الاعتدال. وقراره بتوسيع الحرب هو القرار المعنوي الأكثر أهمية خلال الرئاسة، لكن ومع ارتفاع الروح المعنوية، نجد أن عاطفة أوباما نفسه هدأت حتى أنه يمكن القول إنها وصلت إلى ما دون التجمد قليلا. هو تحدث ليلة الثلاثاء الماضي بطريقة المتطوع غير الراغب في تطوعه، موازنا الحجج داخل إدارته من خلال الغوص بأمته إلى مستوى أعمق، وفي نفس الوقت يشير إلى المخرج.

      وعلى الرغم من تكافؤ الضدين، تمكن أوباما من أن يتحرك ويفعل. وهذا ليس خليطا. فبزيادة إعداد القوات في أفغانستان مرتين، هو أضاف أكثر من الضعف لإعداد القوات الأمريكية في أفغانستان. وكما أشار أندرو فيرجوسون، من صحيفة ويكلي ستاندرد، هو أول رئيس ديموقراطي في أربعين سنة يأمر بنشر عدد كبير من القوات الأمريكية في منطقة حرب. وهذه القوات الجديدة ليست في ذاتها استراتيجية: هي (عناصر) تمكن من تطوير استراتيجية. فخلال العام المقبل، سيكون هناك كوارث وأخطاء ومفاجآت- كما هو الحال في كل الحروب. لكن الجنرالات سيكون لديهم المزيد من الموارد والمصادر من خلالها يتم التعامل مع الموقف والاستجابة له.

      ولو وجد الجنرالات أن وضع القوات في قرى إقليم هيلمند سيؤدي إلى إعادة الحياة في المجتمع الأفغاني، سيكون لديهم المزيد من القوات لفعل المزيد من ذلك. ولو استمر الجنرالات في رأيهم بأن النظام يمكن الحفاظ عليه فقط لو أن التنمية الاجتماعية صاحبت التحرك العسكري، سيكون لديهم المزيد من القوات من أجل ذلك. وليس هناك من طريقة لنعرف كيف سيتم استخدام هذه القوات. وليس لدينا من مؤشر على أنه سيكون من الحكمة سحبهم في يوليو 2011. وميزة أسلوب أوباما في الحكم هي أن المنظمة (الإدارة) المبنية على الحجج، هو تنظيم نتعلم منه. فوسط سيل المذكرات والخلافات والبراهين المتضاربة، نجد أن إدراة أوباما قادرة على التكيف والاستجابة بشكل أسرع من لنقل مثلا، إدارة بوش.

      أما العيب في أسلوب حكم أوباما فهو الميل إلى تناول الحرب من منظور بيروقراطي. فالصراعات المسلحة تكون بخصوص الأخلاق والدافع والشرف والخوف وكسر إرادة العدو. والخطر هو أن يتجاهل أسلوب الطابع التحليلي الأمور غير الملموسة، التي هي جوهر القتال. فذلك سيفشل في توفير الراحة والإلهام. فالجنود والمارينز ليس في متناولهم رفاهية تبني موقف أوباما القائم على التمحيص، طالما أنهم مطالبون بالتضحية عن طيب خاطر بكل شيء. ولا يمكننا أن ندمج القدرة التحليلية لدى أوباما بعاطفة بوش المشتعلة. لكن علينا أن نظل سعداء بأنه يحكم بالطريقة التي هو عليها. لكن وسط المشكلات، مثل أفغانستان والرعاية الصحية، لن يكون هناك نفع من إلقاء الخطابات الرنانة في معنى الأمل. فادرة الحكومة بطريقة المنتديات هو أمر من طبيعة أوباما. وعلينا أن نتبنى التعقيد في التناول. ونتعلم كيف نعيش بلا عاطفة مشتعلة.
    • البيئة وأثرها على الفرد والمجتمع "1 من2"



      تركية البوسعيدية



      12/9/2009
      تركية البوسعيدية :

      1) منذ أن خلق الله جلت قدرته الإنسان على الأرض وهو يؤثر ويتأثر بالبيئة المحيطة به ويتفاعل معها بتفاعلات تتسم بالإيجابية أحيانا والسلبية أحيانا أخرى ... ومما لا شك فيه أن أثر البيئة على الفرد كبير وملحوظ ليس فقط فيما يتعلق بالناحية الصحية التي تؤدي إلى وجود أفراد أصحاء أقوياء قادرين على العطاء والإسهام بفعالية في الإنتاج القومي، إذ أن وجود بيئة ملوثه تؤدي إلى إيجاد أفراد غير أصحاء غير أقوياء لا يستطيعون تقديم الخدمة الواجب لوطنهم فأثر البيئة كبير على تفكير الفرد وتنمية مواهبه.

      لقد شهدت السلطنة تطويرا حضاريا كبيرا شمل النواحي العمرانية والصناعية والتجارية منذ فجر النهضة المباركة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المفدى ــ حفظه الله ــ وقد صاحب هذا التطور السريع، خصوصا في السنوات الأولى بعض المشاكل البيئية لعدم وجود القوانين المختصة بحماية البيئة وعدم وجود الجهة المختصة والتي تتمتع بالصلاحيات اللازمة بمراقبة وحماية البيئة من التلوث مما أدى ذلك إلى تعرض عناصر البيئة الرئيسية كالماء والهواء والتربة الطبيعية بشكل عام لمشاكل التلوث المختلفة، إن ازدياد الكثافة السكانية في المناطق الحضرية بالسلطنة وتضاعف أعداد المركبات عدة مرات لا شك أنه ترك تأثيرا في تلوث الهواء، كما أن انتشار الصناعات بصورة عشوائية بالقرب من التجمعات الحضرية دون استعمال الوسائل التقنية الفعالة قد أثر سلبيا في صحة الإنسان والحيوان والنبات بصورة أو بأخرى، وعلى صعيد الانتشار العمراني والصناعي غير المبرمج في السنوات الأولى أدى إلى توسع تلك النشاطات على حساب الرقعة الزراعية وتقليصها كما أن المد العمراني داخل وخارج المناطق الحضرية قد أدى نوعا ما إلى التهام بعض المناطق الخضراء.

      ولا يفوتنا ما كان لذلك من ضرر كبير على الثروة الحيوانية والسمكية أيضا وقد اختلفت تلك الصورة الآن وتباينت مع الـواقـع الـمـزدهـر إذ شهدت السنوات الأخيرة تركيزا كبيرا على الاهتمام بالصحة العامة وحماية البيئة ومكافحة التلوث بها وقد تدرج هذا الاهتمام حتى وصل قمته بإنشاء أول وزارة للبيئة على مستوى الوطن العربي التي اعتبرها الكثيرون نقلة تاريخية على طريق التقدم خاصة وأن السلطنة هي الدولة الوحيدة التي شمل جهازها التنفيذي وزارة تختص بهذا المجال الحيوي ولا شك أن الوزارة تبذل جهودا مرموقة في مجال حماية البيئة ومجالات البحث والتكنولوجيا بالتعاون مع الجهات المختصة بالسلطنة فقد تم نقل الكسارات ومصانع الطابوق بمواقع صناعية خاصة بعيدة عن العمران السكاني نظرا لما لهذه الصناعات من تأثيرات ضارة على الصحة العامة ... كما تم التوصل لأساليب للتخلص من النفايات وإنشاء محطات معالجة مياه المجاري لإعادة استخدامها في الزراعة إضافة إلى إنشاء شبكات المجاري الرئيسية بمسقط والمدن الأخرى بالسلطنة... ونلاحظ جميعا أن التقدم الصناعي قد اتبع الوجهة الصحيحة من الناحية البيئية حيث تتم دراسة المواقع المقترحة للمصانع الجديدة قبل الترخيص لها بممارسة أعمالها على أن تتقيد بقواعد وشروط حماية البيئة ومنع الأضرار التي قد تتعرض لها الصحة العامة كالغبار والغازات الملوثة والمواد الكيماوية المتطايرة عن عمليات تشغيل تلك المصانع.

      ولا يفوتنا التنويه إلى ما حققته وزارة البيئة والشؤون المناخية من تقدم كبير في ميدان تقدير المزايا الاقتصادية للتنمية، وذلك باستخدام معايير عامة وقواعد وأنظمة في استغلال الأراضي واستخدام الموارد وسلامة البيئة، وذلك بالتعاون مع الجهات المختصة في هذه المجالات.

      2) كيفية مكافحة التلوث البيئي لا شك أن تلوث البيئة بأنواعه المتعددة يمثل خطرا متزايدا على صحة الإنسان ورفاهيته في المجتمع، إضافة إلى ما يمثله من أخطار متنوعة على البيئة ذاتها.

      وندرك جميعا جهود الوزارة في تقدير أهمية تلوث البيئة بشكل عام ليس فقط بوصفه خطرا على الصحة ولكن أيضا لما يمثله من احتمالات التقليل من السمات التي تتصف بها البيئة الطبيعية العمانية من مميزات فريدة وتبذل الوزارة أقصى الجهود لتقدير الأخطار الفعلية القائمة والخاصة بتلوث البيئة ومن ثم العمل على معالجتها بالسبل المناسبة بما لديها من إمكانيات المكافحة من الناحيتين التكنولوجية والاقتصادية.

      ومن الطبيعي وجود علاقة وثيقة بين التنمية وتلوث البيئة الناتج عن الآثار السلبية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية حيث تؤدي التنمية أحيانا إلى نمو غير منتظم وكذلك إنشاء مجتمعات حضرية وصناعية قد تؤدي إلى تلوث الهواء ومصادر المياه وكذلك الشواطئ وبالتالي تؤثر على صحة العاملين وفقدان مناطق واسعة من الأرض الزراعية الجيدة.

      إن الصحة تُعدُ اعتبارا مهما من اعتبارات التنمية مما يستوجب إعطاءها أولوية قصوى دون عوامل أخرى مثل توفر الأغذية والماء غير الملوث والبيئة النظيفة والمأوى اللائق، والتنمية إذا لم تراع الضمانات الصحية والبيئية مراعاة كافية فإنها يمكن أن تكون عقبة في سبيل تحسين المعيشة للمواطنين المستهدفين أصلا بالجهد الإنمائي.

      لقد أثبتت الدراسات التي أجرتها المنظمات الدولية أن الرغبة في تحقيق تقدم اقتصادي قد يغري الحكومات على اتخاذ خطوات متعجلة في التنمية ويفوتها في الوقت نفسه اتخاذ التدابير المناسبة لمنع التلوث البيئي ويلاحظ نشوء تعارض بين التنمية المنشودة وبين المحافظة على نوعية البيئة.

      لقد أحرزت السلطنة تقدما كبيرا على طريق إزالة مثل هذا التناقض بما تتخذه من إجراءات تصاحب التنمية والعمران وصولا إلى تنمية متوافقة وعمران يضع في الاعتبار أهمية المحافظة على الصحة والبيئة والطبيعة.

      إن تلوث البيئة يعني وجود المواد البيولوجية والكيميائية والفيزيائية التي تدخل في البيئة والناتجة عن النشاط الإنساني فمن هذا المجال نجد أن السلطنة تحقق توازنا ملحوظا ليس فقط في علاقتها الدولية مع منظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي لحماية الطبيعة والموارد الطبيعية وغيرها .. ولكن أيضا في تحقيق التنسيق والتعاون المثمر بين كـافـة القطاعـات المعنية بالبيئة بالسلطنة سـواء بشكل مباشر أو غير مباشر ويتجلى هذا التعاون بين وزارة الزراعة ووزارة الثروة السمكية ووزارة التجارة والصناعة ووزارة الإسكان وأخيرا بلدية مسقط.
    • الشكوك الضارة بين تركيا و "الأوروبي"



      سيفكيت باموك



      12/9/2009
      سيفكيت باموك :

      سيجتمع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل هذا الأسبوع للاحتفال بانتهاء الرئاسة السويدية للاتحاد. وأحد البنود المهمة على أجندتهم سيكون مراجعة العلاقات مع تركيا.

      كان الاتحاد الأوروبي قد قبل رسميا تركيا كمرشح للعضوية في نهاية عام 2004. وبعد ذلك مباشرة، بدأ القادة في فرنسا وألمانيا في الإعلان أنه يجب عدم قبول تركيا مطلقا عضوا في الاتحاد الأوروبي. والاتحاد الأوروبي الآن عاجز عن أن يقول ما إذا كانت تركيا ستصبح عضوا حتى وإن حققت معايير كوبنهاجن. وكما يوضح آخر تقرير تقدم أعده الاتحاد الأوروبي، ظلت عملية انضمام تركيا بطيئة تحت هذه الظروف. كما أن الحركة قليلة حول القضايا الكبيرة، مثل قبرص.

      ومازال كثير من فصول مفاوضات الانضمام لم يُفتَح، أو أنه محجوب بواسطة بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. لم ينتج عن انقلاب التزام الاتحاد الأوروبي نتائج جيدة في السياسة الداخلية لتركيا. فبعد نجاحات السنوات المبكرة، لم تحرز حكومة حزب العدالة والتنمية سوى تقدما محدودا في الإصلاحات السياسية خلال الخمس سنوات الأخيرة. ومما عقد الأمور أكثر أن المعارضة الداخلية لعضوية تركيا تزايدت حتى بين الطبقات الوسطى العلمانية.

      وفي الآونة الأخيرة، ظلت الحكومة ترسل إشارات مختلطة عن الإصلاحات. من ناحية، هي تبحث عن حل سياسي للحرب المستمرة منذ عقود ضد المقاتلين الأكراد في الجنوب الشرقي للبلاد. وقد قامت بمحاولات غير مسبوقة من أجل انفتاح النظام السياسي للبلاد ليس فقط للأكراد ولكن أيضا للأقليات من الشيعة العلوية ومن غير المسلمين. وفي نفس الوقت، فرضت عقوبة ضريبية شديدة على إعلام المعارضة القيادي. ليس من شك في أنه على تركيا أن تقوم بالكثير من الواجبات من أجل تحسين نظامها السياسي ومؤسساتها، بما في ذلك حرية التعبير وحرية الصحافة. وفي حالة التأييد الأوروبي لعضويتها، من المحتمل أن تتحرك الحكومة والمعارضة الرئيسية بثبات خلف وراء عملية الانضمام، وستكون هذه الإصلاحات بلا شك أسهل كثيرا.

      كما أن سياسة تركيا الخارجية ظل ينقصها الوضوح منذ فترة. وبدعم كامل من جانب الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، قامت تركيا بالتوقيع على اتفاقية مع أرمينيا تهدف إلى التعامل مع القضايا الخلافية التي يرجع تاريخها إلى مذابح الأرمن في العهد العثماني. كما قامت تركيا أيضا بتحسين علاقاتها مع جيرانها الآخرين – سوريا وروسيا، والأهم إيران. ولكن على النقيض من ذلك، انهارت علاقاتها مع إسرائيل بشكل ملحوظ على مدى العام الماضي. لقد دفعت التطورات الأخيرة كثيرين للتساؤل عما إذا كانت تركيا تتحرك بعيدا عن الغرب. مرة أخرى، ليس هناك شك في أن تركيا التي ترسو بثبات في أوروبا ستتحرك بشكل أقرب نحو الاتحاد الأوروبي، وكثير من هذه الحركات في السياسة الخارجية ستساعد فعلا الاتحاد الأوروبي والغرب.

      في كثير من أجزاء أوروبا، يُنظَر إلى انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي على أنه عملية طويلة ومكلفة، في أحسن الأحوال. ولكن في المقابل، يجب النظر إلى عضوية تركيا على أنها فرصة كبيرة لأوروبا. والفوائد الاقتصادية من وراء هذه العضوية واضحة. فتركيا تمتلك بالفعل اقتصاد سوق يعمل بشكل جيد، نجح في تجنب أسوأ نتائج الأزمة الاقتصادية الأخيرة. كما أن ترتيبات توحيد جماركها مع الاتحاد الأوروبي عملت بشكل جيد على كلا الجانبين على مدى خمسة عشر عاما، وفي السنوات الأخيرة بدأت أوروبا في جذب مبالغ ضخمة من أموال الاستثمار الأوروبي المباشر. غير أن التكاليف المالية التي سيتكلفها الاتحاد الأوروبي جراء عضوية تركيا قد تمت المبالغة فيها بشكل كبير. وعلاوة على ذلك، فإن الأتراك يكبرون في السن، ودولهم ترتفع. وبحلول الوقت الذي يتم السماح لهم في النهاية، في غضون عقدين أو ثلاثة، بالتحرك بحرية داخل أوروبا، سيكون قليل جدا منهم صغار في السن لدرجة قد لا تكون لديهم الرغبة في الذهاب إلى أي مكان.

      وعلاوة على ذلك، ستعزز عضوية تركيا بشكل كبير وجود الاتحاد الأوروبي وقدراته خارج حدوده. تستطيع تركيا أن تسهم بعدة طرق في سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية في القوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط. كما أنها ستساعد على تنويع مصادر طاقة الاتحاد الأوروبي وأمنه. والهوية الأوروبية المتجذرة بعمق ليس في دين واحد ولكن في قيم سياسية مشتركة ستجعل الاتحاد الأوروبي لاعبا ذا مصداقية وأكثر فاعلية ليس فقط تجاه العالم الإسلامي ولكن في كل أنحاء المعمورة أيضا. ولكي تصبح كل هذه الفوائد أكثر وضوحا، ربما تحتاج أوروبا إلى النظر للخارج والتصرف كلاعب عالمي. ليس أمام تركيا أي بديل جاد للاتحاد الأوروبي والغرب. غير أن الريبة والشكوك الراهنة بدأت تظهر آثارها السلبية على العلاقة. بالتأكيد تحتاج تركيا إلى الاضطلاع بالإصلاحات السياسية وتحقيق معايير العضوية للاتحاد الأوروبي، تماما مثل كل المرشحين السابقين.

      ولكنها تحتاج أيضا وتستحق نفس الدعم ونفس المستوى من ميدان التنافس الذي تم منحه للمرشحين السابقين. من الجدير بالتذكر أن الدعم الأوروبي لعب دورا رئيسيا في انضمام ليس فقط وسط وشرق أوروبا ولكن أيضا في التحول الناجح لدول جنوب أوروبا إلى الديمقراطية. وسحب هذا الدعم من تركيا الآن سيضر ليس فقط بتحولها السياسي ولكن أيضا بالمصداقية الأوروبية حول العالم.
    • كيف ترى الأطراف المختلفة خطة أوباما؟



      ترودي روبين



      12/9/2009
      ترودي روبين :

      ربما لم يكن أمام الرئيس أوباما خيار سوى أن يقول إنه سيبدأ الانسحاب من أفغانستان خلال 18 شهرا. وربما كان الشعب الأمريكي الذي أجهدته الحرب سيرفض التزاما ذا نهاية مفتوحة فيما يخص القوات. ولكن في محاولته لتهدئة جماهيره بالداخل، ربما يكون أوباما قد فقد الجمهور الأكثر أهمية لإنجاح سياسته، وأعني به الشعب الأفغاني والجيش الباكستاني – والذين بدون تعاونهم لن تجدي هذه الاستراتيجية.

      ربما كان لوضع هذا الموعد النهائي معنى من الناحية الداخلية؛ فهو سيهدّئ من روع بعض الأمريكيين الذين يخشون من فيتنام أخرى (رغم أن القياس خاطئ). وعلاوة على ذلك، كما أشار أوباما مؤخرا في خطابه، هناك توضيح لتأكيد هذا التاريخ: سيكون مرتكزا على "الأوضاع على الأرض"، بمعنى أنه يمكن تمديده في حالة عدم تحسن الوضع الأفغاني بالسرعة التي يأملها الرئيس.

      ولكني أخشى أن ذكر تاريخ محدد للبدء في الانسحاب – يوليو 2011 – قد يرسل إشارات خاطئة للأفغان والباكستانيين. فهم لن يلتفتوا إلى التوضيحات والفوارق الدقيقة. ولكن الأكثر احتمالا أنهم سيستنتجون أن أعين الأمريكيين على الخروج، وأن طالبان ستعود للحكم في غضون 18 شهرا.

      يقول البعض إن التاريخ المحدد هو أمر ضروري للضغط على الرئيس الأفغاني حامد كرزاي لإصلاح حكومته، التي يغذي فسادها المتفشي مكاسب طالبان. ولكن، في الواقع العملي، كان المسؤولون العسكريون والمدنيون الأمريكيون يخططون بالفعل لإجراء جولة نهائية حول كرزاي بالعمل بشكل أكبر مع المسؤولين الإقليميين والمحليين. فقد ظل وزير الدفاع روبرت جيتس يستشهد مرارا بتاريخ أفغانستان على أنها دولة لامركزية ذات حكومة مركزية ضعيفة.

      في الحقيقة، تعتمد استراتيجية الجنرال ستانلي ماكريستال على كسب ثقة الأفغان التقليديين. ولو أن تعزيز القوات الأمريكية أقنع الأفغان أن الموجة قد انقلبت ضد انتصار طالبان – وأن الأمريكيين لن يتركوهم معلقين – فإن أمورا إيجابية كثيرة يمكن أن تحدث.

      من ناحية، قد يقرر القرويون أو رجال القبائل تشكيل قوات دفاع خاصة بهم لإبعاد طالبان. وكما أشار جيتس في شهادته أمام الكونجرس الأسبوع الماضي، قد تثبت هذه القوات المحلية أهميتها في صد طالبان مثل الجيش الوطني الأفغاني، والذي من المحتمل أن يستغرق سنوات لتدريبه وتماسكه.

      ومن ناحية أخرى، قد يقرر كثير من أفراد طالبان متوسطي ومنخفضي المستوى الرجوع عن مسارهم، يشجعهم على ذلك البرامج الأمريكية والأفغانية بإعادة دمجهم في المجتمع. وإعادة الاندماج هذه هي جزء في غاية الأهمية من خطة ماكريستال.

      غير أن بروز قوات الدفاع المحلية وأي خطط لإعادة الاندماج يعتمد على تصور الأفغان للموقف ككل. فلخوفهم من طالبان، قد يرغب كثير من القرويين الأفغان في التحالف مع الجانب الذي يعتقدون أنه سيظهر منتصرا. فلو اعتقد القرويون أن الالتزام الأمريكي هو أمر عابر، فإنهم سيترددون في نبذ مقاتلي طالبان. وهؤلاء المحاربون سيفكرون مرارا في تغيير مواقفهم.

      كما أن مكونا آخر من مكونات الاستراتيجية الأمريكية سيضعفه تصور أن القوات الأمريكية موجودة لوقت قصير. وأفضل أمل طويل المدى بإنهاء الصراع الأفغاني قد يكمن في تسوية سياسية يقوم من خلالها بعض كبار قادة طالبان بالانفصال عن القاعدة وإعادة الانضمام إلى العملية السياسية الأفغانية. هذا هدف يسعى إليه القادة الأفغان، ويريده شعبهم، ولم يستبعده المسؤولون الأمريكيون.

      ومع ذلك ليست هناك فرصة لمثل هذه المحادثات في الوقت الذي يعتقد فيه قادة طالبان أنهم يستطيعون الفوز عن طريق القتال. وفي حالة اعتقاد طالبان أن الأمريكيين سيغادرون في تاريخ محدد، لن يكون لديهم أي حافز أو دافع للتسوية. "في وجود هذا الموعد المحدد، سيكون من غير المحتمل تماما أن تستجيب قيادتهم للحوار،" كما يقول أحمد رشيد، الخبير في شؤون طالبان ومؤلف كتاب "الانزلاق إلى الفوضى". "إنهم سيعتقدون أن باستطاعتهم الانتظار".

      لذا كنت أتمنى لو أن الرئيس أوباما قد أومأ إلى هدف الانسحاب بدون هذا التحديد، وذلك أيضا بسبب التأثير الذي قد يكون لهذا التاريخ داخل باكستان. إن الإدارة تطلب من باكستان، التي قام جيشها أخيرا بمهاجمة طالبان باكستان، بشن حملة على قادة طالبان أفغانستان المختبئين في محافظة بلوشستان في الجنوب، حيث يعتقد أنه من هناك يقوم الملا محمد عمر ورجاله بتوجيه هجماتهم في محافظتي هيلماند وقندهار، عبر الحدود، حيث يتوجه معظم تعزيزات القوات الأمريكية.

      ومع ذلك فمن غير المحتمل أن يشن الجيش الباكستاني حملة ضد طالبان أفغانستان لو أنه يعتقد أن قوات الناتو ستغادر سريعا. إن الجيش الباكستاني يريد حكومة صديقة في كابول، كما أن لديه مخاوف عميقة من فوضى ما بعد مغادرة الناتو. وقد يقنع تاريخ المغادرة الذي حدده أوباما هؤلاء بأن أفضل خيار أمامهم هو مساعدة طالبان أفغانستان، الذين كانوا في يوم من الأيام حلفاء لهم، بمعاودة السيطرة على السلطة بجوارهم.

      لذا فقد أصبح أوباما عالقا في التزام لا يصدق. يجب عليه إقناع الأفغان والباكستانيين أننا لن نغادر سريعا وبشكل متهور ونتركهم في فوضى. وإلا فلن يحصل على التعاون اللازم لتفعيل استراتيجيته. ولكنه يجب أن يقنع الأمريكيين كذلك بأن القوات ستعود إلى الوطن في أسرع وقت.

      لو كان بإمكان أوباما حل هذه المعادلة الصعبة، قد تظل استراتيجيته تحظى بفرصة للنجاح (وأنا أعتقد أنه ليس أمامه من خيار سوى محاولة ذلك). ولكنه قد يندم على وضع هذا التاريخ المحدد للخروج.
    • الأسئلة القاسية في باكستان

      12/9/2009
      سابرينا تافرنيس :

      الكثير من الأوقات المليئة بالعواطف المتضاربة تمر بها باكستان الآن، خاصة بعدما أخبر الرئيس أوباما قادتها الأسبوع الماضي بأن يجتهدوا في قتالهم المتطرفين، وبعدما مدد أوباما برنامج الهجمات الجوية غير المعلن عنها والذي لا يحظى بأي قبول في باكستان. وبعد خطاب أوباما في ويست بوينت، كانت الصحف والبرامج الحوارية مليئة بالتعليقات الحامية الوطيس بأن هاذين المطلبين سيدفعان باكستان أكثر نحو كارثة محققة. وبعض من هذه المشاعر ليس صعبا أن نفهمه. فمن يريد أن تستهدف دولة أجنبية أهدافا لها على أرض بلاده؟

      لكن هناك شيئا آخر، هو حالة من مناهضة أمريكا لا يمكن استيعاب كثافتها ولا عمقها. لذا ولكي أفهم ما يدور بذهن الباكستانيين، استعنت بأحد المتخصصين في الطب النفسي من الباكستانيين. وما حصلت عليه من خلال لغة الطبيب النفسي المتسارعة غضبا، كما هي العادة عندما يناقش الباكستانيون أي أمر متعلق بكراهيتهم لأمريكا، لم يكن شرحا قدر ما كان مجرد توضيح- ما كان بمثابة الدليل على مدى اختلاف فهم أمريكا لباكستان عن فهم الأخيرة لذاتها. حيث قال الطبيب النفسي الباكستاني، مالك مبشر، نائب رئيس جامعة العلوم الصحية، التي في لاهور، قال إن الارهابيين الحقيقيين ليسوا هم هؤلاء الرجال ذوي العمامات الذين نراهم على قناة الجزيرة الفضائية.

      هم حسب قوله، يرتدون البذات الغربية ماركة جوتشي (الماركة الإيطالية الشهيرة) وقبعات بريت (قبعات بريطانية شهيرة). وأكد لي: "هم رجال دولتك سيدتي." فسألته أن يوضح الأمر، فقال:" هم قادمون الينا من أمريكا، يهودا وغيرهم، هم محور الشر الذي ترعونه أنتم: الشعب."

      وهذه ليست مجرد وجهة نظر غير عادية، حتى لو كانت نبرة الكلام صلبة بلا شك. فباكستان وعمرها الآن 62 عاما، تعتبر دولة حديثة العهد بجوار الأمم الأخرى، حتى في الإطار الذهني الذي تسير وفقه- شعورها بذاتها وكونها تسوقها العاطفة وسرعة صب اللوم على الآخرين حال وقوع أي مشكلة.

      لقد ولدت باكستان في 1947، في عملية الفصل الدامية التي جرت بينها وبين الهند، والتي مات جراءها مئات الآلاف. ولقد خلف هذا الحدث المأساوي الرهيب ندوبا عميقة في نفسية كلا الدولتين، وجعل الدولتين تعلقان في تنافس، بطريقة غالبا يفشل المراقبون الخارجيون في فهمها. لكن بينما انغلقت الهند على نفسها وقلصت من النظام الإقطاعي لديها قدر الإمكان وطورت من اقتصادها، نجد أن باكستان أبقت على نظام الإقطاع ومضت في طريق الانقلابات طوال عقود من تاريخها. ولاتزال الهند تحتل جزءا كبيرا من ذاكرة باكستان الجماعية.

      تقول إيشما الفي، طبيبة نفسي من كراتشي: "لم تعالج باكستان نفسها جيدا بعد الفصل، لأنها لم تتعامل معه." لذا من الطبيعي أن تنصب مخاوف باكستان الأمنية أكثر على حدودها الشرقية مع الهند، حيث تشتعل المنافسة على السيطرة على إقليم كشمير، وأقل تركيزا على الحدود الغربية مع أفغانستان- وهي الدولة الأصغر بكثير التي كانت باكستان دوما قادرة على التأثير عليها.

      وهذا التركيز هو الذي تطالب أمريكا باكستان بتغييره، وليست مقاومة باكستان لهذا الأمر بالأمر غير العقلاني. فباكستان والهند خاضتا ضد بعضهما البعض ثلاثة حروب ( أو أربعة، وهذا يعتمد على من يعد) والهند تبقى قوة كبيرة جدا على حدودها مع باكستان.

      أيضا الهند تضخ أموالا إلى أفغانستان، ما يثير القلق على هذا الجانب الحدودي. وهذه هي حقائق يعتقد الباكستانيون أن أمريكا تتجاهلها مع سعيها بعقلها هي فقط إلى تحقيق مصالحها، كما فعلت في الثمانينيات، عندما كانت تواجه السوفييت. وواشنطن الآن ترى طالبان والقاعدة على أنهما الخطر الأكبر في المنطقة وهي مستاءة من أن باكستان ترى الأمور بشكل مختلف.

      وتقول مليحة لودي، سفيرة باكستان السابقة في أمريكا:" هناك تصادم في الروايات." ولأنها دبلوماسية هي تتحدث بشكل غير صريح. لكن المبشر، الطبيب النفسي، والذي تبدو وطنيته وكأن بها خلل نفسي من منظور أي أمريكي، لكن الكثير من الباكستانيين يشاركونها فيها، يذهب إلى أبعد مدى في التصريح.

      وقد أكد على أن شركة الحراسات الأمنية الخاصة، المعروفة باسم بلاك ووتر، وهي هدف محبب بالنسبة للقوميين المتطرفين كموضع انتقاد، أكد على أن الشركة استأجرت منزلا بجوار منزله، وأن موظفيها حاولوا إغواء خدمه من خلال تقديم الحلوى والكحول ومأكولات ماكدونالد لهم. أما نظريات التآمر فنجدها منتشرة جدا في باكستان، ولهذا قدمت ألفي توضيح.

      قالت إن هذه النظريات إسقاط آلية للدفاع تحمي نفسية الفرد من شيء صعب عليه جدا أن يتقبله. هي إنكار للمسؤولية الشخصية، ذلك الإنكار الذي يمضي طويلا مع الفرد الباكستاني.

      وفي الشهور الأخيرة، بدأت باكستان في تحدي المتطرفين على حدودها، وحول المتطرفون قنابلهم ضد المدنيين الباكستانيين، وضد المؤسسات الباكستانية. وعلى الرغم من هذا، تؤيد الميديا الباكستانية القوية بشكل عدواني نظريات التآمر هذه، بحيث أنك في أي صحيفة تلتقطها أو محطة تلفزيون تشاهدها ستجدها.

      لكن هناك استثناءات، وهذه الاستثناءات وجدتها في أبعد شخص محتمل في باكستان، والد أحد الجهاديين. هو عامل بدالة متقاعد يعيش في منطقة تهيمن عليها الطبقة العاملة في إسلام أباد، وهذا الرجل يلوم طرق ابنه وليس الهند أو أمريكا.

      تحدث الرجل بلهجة منكسرة حزينة عن فقده ابنه، لكنه قال لي بطريقته، إن الأجانب بغض النظر عن دينهم دوما محل ترحيب في منزله.

      وقال:" الإسلام يتعامل مع الغرباء طبقا لنواياهم، الأمر ليس له علاقة بما يقوله هؤلاء الناس (الإرهابيون)، علينا أن نتعامل مع الجميع نفس المعاملة، يهودا كانوا أو نصارى أو مسلمين."

      وقد بدأت باكستان مؤخرا في توجيه أسئلة قاسية إلى نفسها عن هويتها: عن ماهيتها ومن هي وكيف هي. فلقد فتح فك القيود من على الميديا البوابات أمام الفيضان. والموسيقيون والفنانون من كل لون وشكل يناضلون الآن لتحديد الهوية الباكستانية، بطرق جديدة، وكلهم وعي بذاتهم.
    • يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير!



      زاهر بن حارث المحروقي



      12/8/2009
      زاهر بن حارث المحروقي :

      " 1 "

      لقد أثار الأخ راشد بن شنون السيابي موضوعا مهما عندما كتب مقالة تحت عنوان ( إيش سويت.. يامعلق! ) انتقد فيها معلق مباراة منتخبنا الوطني مع المنتخب الأسترالي والتي أقيمت في مجمع السلطان قابوس الرياضي ببوشر يوم 14/11/2009 تناول فيها راشد تواضع مستوى المعلق والأخطاء الكبيرة التي وقع فيها وقال إذا كان المنتخب قدم أسوأ مبارياته منذ استلم كولود لوروا دفة الفريق فإن القائمين على البرنامج الثاني لم يوفقوا في اختيار معلق المباراة بعد أن أحرق أعصاب الجماهير من خلال التعليق المتواضع سواء في اختياره الكلمات أو حتى في أسماء اللاعبين بعد أن ( أشبعنا ) بأبو فلان وأبو فلان بينما كانت الفرص الثمينة لمنتخبنا تهدر الواحدة تلو الأخرى كما أنه كان يذهب بعيدا عن التعليق عن المباراة حينما أشار أن مباراة المنتخب الجزائري والمصري والمنتخب البرازيلي والإنجليزي هي الأهم وتناسى أن منتخبنا يخوض أحد أهم اللقاءات في تصفيات آسيا .

      ويقول الأخ راشد في مقالته تلك إن هناك من يعتقد أن كل من أمسك (بناقل الصوت) أصبح معلقا ويمكن أن يعلق كما يحلو له دون مراعاة لظروف المباراة ومشاعر الجماهير التي ألغت كل ارتباطاتها للجلوس أمام شاشة التلفاز لكنها تصطدم بتعليق يزيد من الضعط الكروي الذي أظهره منتخبنا في تلك المباراة وإن الاتصالات التي تلقاها القسم الرياضي وهي تبدي استياءها من طريقة الأسلوب والطرح في التعليق والأداء المتواضع الذي ظهر به المنتخب كانت أكثرها في محلها بدرجة لا تقبل الجدال أو الاختلاف في الرأي حول مستوى المنتخب أو مستوى التعليق .

      " 2 "

      إن الأخ راشد طرح موضوعا كبيرا كان يجب أن يطرح من فترة طويلة وهو موضوع تأهيل الكوادر العمانية في المجالات كافة وليس في مجال الإعلام وحده لأن سياسة التعمين بقدر ما هي جيدة وهدفها نبيل على المدى القصير والبعيد إلا أنه يجب أن نعترف أن هناك أخطاء كثيرة رافقت التنفيذ منها سرعة الإحلال قبل التأهيل الجيد حيث كان من نتيجة ذلك مثلا في مجال التجارة أن كثيرا من المحلات التي تولى العمانيون إدارتها أغلقت وكثيرا من البضائع اختفت مع ما رافق ذلك من غلاء فلم يبق للإنسان إلا أن يذهب إلى المتاجر الكبيرة فقط مما أضر بالمتاجر الصغيرة وبالتالي خسر التجار العمانيون . وما حصل مع التجارة حصل مع التعليم والصحة والإعلام وكل القطاعات التي تم تعمينها إذ إن الخطأ ربما كان في سرعة التعمين أو قلة التأهيل مع العلم بأن الدولة تكلفت مبالغ كثيرة لمساندة العمانيين مثلما هو حاصل في مشروع سند وغيره من المشروعات مما يستدعي الآن إعادة تقييم التجربة ومعرفة مكامن الخطأ فيها حتى يأخذ العماني مكانه وحتى يتم التقليل من العمالة الوافدة التي تشكل مشكلة كبرى ليس على مستوى السلطنة فقط بل على مستوى المنطقة ككل، لأن التعمين إذا كان مطلوبا وهو هدف وطني ونبيل فيجب أيضا على العمانيين أن يكونوا أهلا للمسؤولية في أي عمل يقومون به حتى تختفي العبارات التي تتردد بأننا قد خسرنا الكثير عندما تم تعمين كل المهمين وهو كلام قد تردد بالفعل .

      " 3 "

      ويبقى أن الإعلام في أي مكان في العالم هو المرآة الحقيقية لأي بلد والإعلامي يعتبر أيضا سفيرا لأي بلد ، وتستطيع أن تحكم على أي بلد من البلدان من خلال إعلامه وما يبثه ومن خلال ثقافة وسلوك الإعلاميين فإن كانوا مثقفين فيمكن أن تحكم أن شعوبهم مثقفة وكذلك إن كان سلوكهم جيدا فهو مؤشر للسلوك العام لذلك البلد - أو أن هذا هو الذي يجب أن يكون - ، ولذا فإن الحديث عن الإعلام يجب أن يحتل الأولوية بعد أن أصبح لنا قنوات فضائية مرئية ومسموعة .

      فإذا كانت الرياضة قد تطورت عندنا وأصبحت منتخباتنا تحقق نتائج جيدة فهي بذلك قد حققت دعاية جيدة للسلطنة ويكفي ما فعلته قناة الجزيرة الرياضية من دعاية للسلطنة أيام كأس الخليج ويكفي أيضا ما فعله المنتخب العماني لكرة القدم من تعريف بالسلطنة بعد فوزه بالكأس ولكن هل الإعلام العماني قد ساير تلك الإنجازات ؟ بمعنى آخر هل حقق شيئا من أهدافه بتعريف السلطنة للعالم ؟

      أظن أننا تسرعنا عندما أنشأنا قناة فضائية ثانية في وقت كان يجب فيه أن ينصبّ الجهد في تطوير القناة الأصلية وفي تكوين الكوادر الإعلامية وتأهيلها التأهيل الجيد حتى تحل محل الخبرات التي انتقلت إلى الفضائيات الأخرى أو أن تحل على الأقل تدريجيا محل الخبرات العمانية التي أعطت الكثير منذ سنوات التأسيس ويكاد يختفي دورها الآن وما ينطبق على التلفاز ينطبق تماما على الإذاعة التي تبث في اليوم الواحد أكثر من 60 ساعة إرسال ما بين البرنامج العام والشباب والقرآن الكريم هذا بخلاف البرنامج الأجنبي وهي مدة طويلة بكل المقاييس قد تكون على حساب الكيف .

      إن السياسة الإعلامية العمانية سياسة جيدة تنبع من حكمة جلالة السلطان المعظم التي ترتكز على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير وعلى عدم التهويل والمبالغة وعلى الهدوء في كل شيء مع التركيز على الشأن المحلي كما أنها تعتمد أيضا على الكوادر العمانية في كل شيء وهذا شيء جيد يحسب لنا ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح هل استطعنا أن نكسب مشاهدين ولا أقول متابعين ؟

      وبما أننا نبث فضائيا فإننا لا نستطيع أن نغرد وحدنا خارج السرب لذا يتعين علينا أن نعلم ماذا يريد المشاهد العربي من معرفته عن عمان ، والشواهد تدل على أن عمان لها سحرها وخصوصيتها لدى قطاع كبير من الناس كما أن الغموض يكتنف البعض وكل هذا يمكن أن يجعل من قنواتنا قنوات متابعة إذا أحسنّا عرض ما عندنا وهو كثير ولكن ذلك يحتاج إلى تأهيل الكوادر تأهيلا جيدا خاصة في القناة الثانية ويدخل في ذلك المعلقون الرياضيون لأن الإعلام الرياضي له جمهور كبير وله تأثيره على الناس وربما خير مثال على ذلك ما قام به الإعلام الحكومي والخاص من تأجيج نار الكراهية بين شعبي مصر والجزائر بسبب مباراة في كرة القدم ، والشعوب العربية للأسف الشديد بوجود إعلام ليس له رسالة أو هدف أصبحت تختصر الوطنية في كرة القدم فقط أو في الرياضة عموما ، فليس مهما أن تكون الأمة مهزومة في الميادين كافة ولكن المهم هو الفوز في الكرة التي أصبحت تلخص الكرامة والعزة .

      وإذا كنت أركز على قضية التأهيل وهي قضية يتحمل مسؤوليتها المسؤولون فإن على الجيل الجديد أيضا مسؤولية أكبر في تأهيل نفسه وتثقيفه لأن الثقافة لا تلقّم أبدا ، وكما قال الأخ راشد السيابي إن ليس كل من مسك ناقل الصوت أصبح معلقا كذلك ليس كل من مسك ناقل الصوت أصبح مذيعا ، فلا معنى أبدا أن نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير بمعنى آخر أنه يجب علينا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون لا أن نبدأ من حيث بدأ الآخرون .!

      والحديث عن الإعلام حديث ذو شجون وقد يجرنا إلى نقاط كثيرة ولكن بما أن كل تجربة تحتاج إلى تقييم فأرى أنه حان الأوان أن نسأل هل أضافت القناة الفضائية الثانية شيئا للسلطنة أو للإعلام العماني ؟ لقد قال لي أحد الإعلاميين في إذاعة البي بي سي كان الأولى أن يتم التركيز على إنجاح القناة الأولى حتى تكون مشاهدة على مستوى العالم العربي وهو الذي قال لي إن لعمان خصوصيتها وتميزها عن الآخرين بتاريخها وحضارتها ونهضتها وكفاحها ولكن من يشاهد القناتين فإنه لن يلحظ ذلك أبدا ، وعندما سألته هل معنى كلامك أننا لا نبث شيئا ذا بال أبدا ؟ قال لي إنه وكثير من زملاءه لا يشاهدون من التلفزيون العماني إلا معزوفات الأروكسترا السيمفوني السلطاني التي يتميز بها بالفعل التلفزيون العماني وإنه لحبه لعمان ولعلاقته الجيدة بالمسؤولين في وزارة الإعلام حاول أن يتابع القناة الثانية فإذا بها لم تضف شيئا لعمان أو للإعلام العماني ، وأضاف أنه إذا كانت معزوفات الأوركسترا السيمفوني السلطاني هي أفضل ما يقدمه التلفزيون العماني فإنه سئل في مصر يوما عن أفضل ما تقدمه القنوات المصرية الرسمية فقال فورا أذان قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت رحمه الله ومع ذلك توقف ذلك الأذان .

      " 4 "

      إننا نعيش الآن عالم الفضاء وعالم الإعلام من إذاعة وتلفزيون وصحافة وأنترنت ومواقع حوار وإن العنصر الفعال في نجاح كل ذلك هو العنصر البشري والمادي فإذا أردنا فعلا أن نعكس الصورة الجيدة عن السلطنة يجب أن نهتم بتأهيل ذلك الكادر مع إحلال العناصر الجديدة تدريجيا حتى نصل إلى الناس ونكون مقتنعين ففي الأول وفي النهاية فإن السلطنة تستاهل كل خير وحققت إنجازات كثيرة في العهد الزاهر ويجب أن تستمر تلك الإنجازات في كل المجالات ، وكما أردد دائما في معظم مقالاتي ليس عيبا أبدا أن نقف ونقيم الفترة الماضية ونعيد ترتيب الأوراق فإن أي تجربة لا بد أن يكون لها صوابها ولها أخطاؤها.
    • كيف نلتف حول كرزاي؟



      ترودي روبين



      12/8/2009
      ترودي روبين :

      أحد الانتقادات الرئيسية الموجهة إلى لخطة أوباما الجديدة في أفغانستان هو أنها تعتمد على أهواء الرئيس حامد كرزاي وعصابته في كابول. لماذا إرسال مزيد من القوات الأمريكية، هكذا يسير الجدل، إذا كان فساد الحكومة الأفغانية يواصل تغذيته للتمرد؟ في الحقيقة، ربما يهدف تعهد أوباما ببدء الانسحاب في غضون 18 شهرا – وهو الجدول الزمني الذي يمكن أن يضر بالجهود العسكرية – إلى انتزاع الإصلاحات من كرزاي أكثر من إرساء استقرار قاعدته الديمقراطية. أما وقد عدت لتوي من أفغانستان، فإني أؤمن أن الإدارة الأمريكية يمكنها الالتفاف حول كرزاي. لقد اقترح أوباما ذلك كثيرا في أحاديثه، ولكن قليلين هم من لاحظوا فكرته. "سنساند الوزراء والمحافظين والقادة المحليين الأفغان الذين يحاربون الفساد ويقومون بخدمة الناس،" كما قال الرئيس. وقد كررت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون نفس الفكرة في شهادتها أمام الكونجرس بالأمس القريب، قائلة: "لدى كرزاي بعض الوزراء الجيدين للغاية في الحكومة. وهناك حاجة لوجود المزيد من هؤلاء."

      بعبارة أخرى، سينتهج المسؤولون الأمريكيون استراتيجية من أسفل إلى أعلى لمساعدة الوزراء والمحافظين والمسؤولين المحليين الفعالين الذي يقدمون الخدمات للناس. وسوف يقومون بالضغط على كرزاي لتعيين المزيد من هؤلاء المسؤولين في فترته الرئاسية الثانية. "عندما نرى حاكما جيدا في الحكومة ... يمكن أن يتحول الموقف في غضون أشهر قليلة، وقد رأينا قليلا جدا من هؤلاء،" كما قال وزير الدفاع روبرت جيتس في شهادته أمام الكونجرس أيضا.

      لقد ساعد محافظون، مثل جولاب مانجال، في محافظة هيلماند المضطربة، على إحراز نتائج إيجابية، ساعدهم في ذلك القوات الأمريكية ومساعدة التنمية. لقد انخفض إنتاج الأفيون بحوالي الثلث في محافظة هيلماند في العام الماضي.

      وبنفس القدر من الحساسية وزراء الحكومة الذين يتعاملون مع القضايا الاقتصادية التي تؤثرعلى حياة الأفغان في المناطق الريفية، حيث ظلت طالبان تكسب زخما. قد يعتمد نجاح الولايات المتحدة على هؤلاء الذين لم يسمع بهم معظم الأمريكيين أبدا، مثل محمد إحسان ضياء، وزير إعادة التأهيل والتنمية الريفية.

      تقوم وزارة ضياء بإنفاق أموال المساعدات الدولية على مشروعات التنمية الريفية، مثل المدارس والطرق والجسور، التي تختارها مجالس التنمية المجتمعية المنتخبة. ويعني ذلك أن القرويين المحليين لديهم اهتمام راسخ بنجاح هذه المشروعات، كما أن لديهم العزم على الدفاع عنها في مواجهة المتمردين. ويقوم البنك الدولي بإدارة الأموال لتجنب سوء الاستخدام.

      قال ضياء في حوار معه إن المسؤولين الأمريكيين يجرون مشاورات كثيرة مع وزارته حول تصميم المساعدة – ويقومون بزيادة التمويل لوزارته. "لقد أعطى ذلك الأمل في أننا سنعمل على قدم المساواة من أجل تنمية أفغانستان." ويود الوزير أن يرى مزيدا من الموارد الدولية تذهب إلى تدريب العاملين بوزارته في كابول والمناطق المجاورة لها. والاستعانة بأفغان مؤهلين للإشراف على مشروعات التنمية سيكون أرخص كثيرا وأكثر فاعلية من الاستعانة بمقاولين دوليين مرتفعي التكلفة، أو حتى عاملين بوزارة الخارجية لا يعرفون اللغة ولا يستطيعون في الغالب السفر إلى المناطق الخطرة.

      "لو ساعدتم حكومة أفغانستان في الوقوف على أقدامها، فإن هذه خطوة ضرورية للأمام لخروجكم من البلاد،" كما يقول ضياء ويضيف أن أموال المساعدات المدنية الأمريكية مازالت تصل ببطء شديد، كما أن التعزيز الموعود به من الخبراء الفنيين الأمريكيين لم يصل بعد. لو أن القوات الأمريكية قامت بتطهير منطقة ما من المسلحين ولم تبدأ إعادة البناء على الفور فإن المكاسب يمكن أن تفقد.

      ومع ذلك، يقوم الجيش الأمريكي بمسارعة التعاون مع وزارة ضياء، حيث يجهز لتوصيل حوالي 50 مليون دولار لتمويل مشروعات تختارها مجالس المجتمعات. وفي المناطق التي تصل فيها القوات الأمريكية حديثا، مثل محافظتي هيلماند وفاراه، يقوم القادة بالتشاور مع مهندسي الوزارة حول خطط التنمية. وهنا يكمن الارتباط الجاد بين القوات الأمريكية التي تطهر منطقة ما والوزارة الأفغانية الفعالة التي تستطيع المساعدة في إعادة البناء.

      هذا المنهج من أسفل إلى أعلى يجب تكراره حيثما أمكن. كما يطالب أحد المتمرسين الموهوبين الآخرين، وهو محمد آصف رحيمي، وزير الزراعة والري والثروة الحيوانية، بالمزيد من الموارد لتعزيز التنمية الزراعية كحل لمواجهة زراعة المخدرات. (سأقدم المزيد عن رحيمي في مقال آخر.)

      لو يستطيع المسؤولون الأمريكيون الضغط على كرزاي من أجل تعيين مسؤولين أكفاء من أمثال هؤلاء في وزارات التنمية الرئيسية – بجانب العديد من المحافظين الفعالين – يمكن إحراز التقدم على الرغم من الفساد الموجود في مركز الحكومة. وقد تكون المكاسب التي تأتي من أسفل إلى أعلى هي الطريقة الوحيدة لانتزاع الإصلاحات من الرئيس الأفغاني على قمة الهرم.
    • هذه الاستراتيجية تمت تجربتها ولم تنجح



      روبرت فيسك



      12/8/2009
      روبرت فيسك

      "إنهم يطلقون الرصاص على الروس". هكذا قال لي جندي المظلات الشاب. كان الجو باردا. وقد مررنا مصادفة عبر وحدته، الكتيبة السوفييتية رقم 105 المحمولة جوا، بالقرب من شاريكار شمال كابول، وكان يمد يدا بها جراح تسيل منها الدماء، ملطخمة أكمام زيه العسكري. كان هذا شابا صغيرا ذا شعر ناعم وعينين زرقاوين. كان بجوارنا شاحنة نقل سوفييتية، جزؤها الخلفي مهشم إلى قطع بسبب لغم – نعم، "عبوة ناسفة"، رغم أننا لمن نكن نسميها هكذا بعد – ترقد محطمة في حفرة. وبألم رفع الشاب يده مشيرا إلى قمم الجبال حيث كانت تحوم مروحية سوفييتية. هل كان يمكن أن أتخيل مطلقا أن كلا من بوش وبلير سيهبطان بنا في نفس مقبرة الجيوش بعد ذلك بثلاثة عقود؟ أو أن يقوم رئيس أمريكي أسود شاب بفعل نفس ما فعله الروس منذ كل هذه السنوات؟

      وفي غضون أسابيع، رأينا الجيش السوفييتي يؤمّن كابول والمدن الكبرى في أفغانستان، تاركا المناطق الواسعة من الجبال والصحراء لـ "الإرهابيين"، مُصرا على أنه يستطيع دعم حكومة علمانية غير فاسدة في العاصمة وتقديم الأمن للناس. وبحلول ربيع عام 1980، كنت أشاهد الجيش السوفييتي وهو يقدم "التعزيزات". هل هذا يبدو مألوفا؟ أعلن الروس عن تدريب جديد للجيش الأفغاني. هل يبدو هذا مألوفا؟ كانت نسبة 60% فقط من القوات تتبع الأوامر في ذلك الوقت. نعم، يبدو ذلك مألوفا.

      كتب فيكتور سيبستيان، الذي ألف كتابا عن سقوط الإمبراطورية السوفييتية، بشكل مطول عن هذه الأيام المتجمدة بعد أن اقتحم الجيش الروسي أفغانستان بعد كريسماس عام 1979. يقتبس سيبستيان من كلام الجنرال سيرجي أخرومييف، قائد القوات المسلحة السوفييتية، وهو يخاطب المكتب السياسي السوفييتي عام 1986: "ليس هناك أي بقعة في أفغانستان لم يحتلها أحد جنودنا في وقت ما أو آخر. ورغم ذلك ما زالت معظم الأراض في قبضة الإرهابيين. إننا نسيطر على المراكز الإقليمية، ولكننا لا نستطيع الإبقاء على السيطرة السياسية على الأراضي التي نستولي عليها".

      وكما يشير سيبستيان، طالب الجنرال أخرومييف بمزيد من القوات – وإلا ستستمر الحرب في أفغانستان "لوقت طويل جدا." وكيف ترى هذا في مقابل اقتباس من كلام، مثلا، أحد القادة الأمريكيين في هيلماند اليوم؟ "يجب عدم إلقاء اللوم على جنودنا. لقد حاربوا بشجاعة منقطعة النظير في الظروف الصعبة. ولكن احتلال المدن والقرى بصفة مؤقتة ليس له قيمة كبيرة في مثل هذه الأرض الواسعة حيث يستطيع المتمردون الاختفاء بين التلال." نعم، بالطبع، كان هذا الجنرال أخرومييف عام 1986.

      لقد شاهدت المأساة تتكشف في تلك الأشهر القاتمة في أوائل عام 1980. في قندهار، كان الناس يصيحون "الله أكبر" من فوق أسطح المنازل وعلى الطرق خارج المدينة، وقابلت المتمردين – طالبان ذلك الوقت – وهم يقصفون القوافل السوفييتية.

      وفي شمال جلال أباد، أوقف المتمردون الحافلة التي كنت أستقلها ببنادق كلاشينكوف في فوهتها ورود حمراء، مصدرين أوامرهم للطلاب الشيوعيين بالهبوط من المركبة. لم أهتم بالتفكير في مصيرهم. لا فرق، هكذا خمنت، بين أولئك وبين الطلاب الأفغان الموالين للحكومة الذين تأسرهم طالبان اليوم. وخارج المدينة، أُخبرت أن المجاهدين – "المحاربين من أجل الحرية" المفضلين لدى الرئيس رونالد ريجان – قد حطموا مدرسة لأنها كانت تعلم الفتيات. صحيح تماما. وتم تعليق ناظر المدرسة وزوجته بعد حرقهما على شجرة.

      اقترب منا الأفغان بقصص غريبة. كان يتم أخذ السجناء السياسيين من أفغانستان ويتم تعذيبهم داخل الاتحاد السوفييتي. ترحيل سري. وفي قندهار، اقترب مني في الشارع صاحب محل تجاري، وهو رجل متعلم في الخمسينات من عمره يرتدي معطفا أوروبيا وعمامة أفغانية. وما زلت أحتفظ بمذكرات حواري معه: "كل يوم تقول الحكومة إن أسعار الغذاء تنخفض. كل يوم يخبروننا أن الأمور تتحسن بفضل تعاون الاتحاد السوفييتي. ولكن هذا غير صحيح. هل تدرك أن الحكومة لا تستطيع حتى السيطرة على الطرق؟ عليهم اللعنة. إنهم لا يستطيعون سوى السيطرة على المدن." غزا المجاهدون محافظة هيلماند وظلوا يعبرون الحدود مع باكستان ذهابا وإيابا، تماما كما يفعلون اليوم. بل إن مقاتلة "ميج" سوفييتية عبرت الحدود في أوائل عام 1980 لمهاجمة العصابات. وقامت الحكومة الباكستانية – والولايات المتحدة بالطبع – بشجب هذا الانتهاك الصارخ لسيادة باكستان. حسنا، قولوا ذلك للأمريكيين الذين يتحكمون في الطائرات بدون طيار التي تعبر تكرارا الحدود اليوم لمهاجمة العصابات.

      في موسكو بعد ذلك بحوالي ربع قرن، ذهبت لمقابلة الغزاة الروس السابقين لأفغانستان. كان بعضهم قد أصبح الآن مدمنا للمخدرات، وبعضهم يعاني مما نطلق عليه اضطراب الإجهاد.

      وفي هذا اليوم التاريخي – عندما يغرق الرئيس أوباما في الفوضى أعمق وأعمق – دعنا نتذكر التقهقر البريطاني من كابول وتدميرها عام 1842.