صحيفة الوطن العمانية تنشر أول رواية بعثية عن ما حدث في معركة سقوط بغداد
يرويها د. قاسم سلام عضو القيادة القومية:
صدام حسين قاد معركة المطار ميدانيا جراء تخاذل
الحرس الجمهوري وطيران الجيش رفض إسناده
استقل الدبابة الأولى وقاتل معه الفدائيون والحزبيون
وقتلوا آلاف الجنود الأميركيين وطهروا المطار وأبو غريب
كتيبة صدام طهرت نفق الشرطة وساحة الإحتفالات
في الكرخ من دبابات أنزلت في عدة مواقع داخل بغداد
(التلاعب) بدأ في البصرة.. ضباط الجيش تركوا
الفدائيين بمفردهم وانسحبوا لدى قصف الطيران معسكراتهم
قوات الحرس الجمهوري اختفت من مواقعها بعد
معركة المطار والتململ الذي بدأ في البصرة انتقل لبغداد
حاوره في صنعاء ـ شاكر الجوهري: اسرار.. بل الغاز الإحتلال الأميركي لبغداد، هي العنوان الأبرز لهذا الحوار بالغ الأهمية مع الدكتور قاسم سلام العضو اليمني في القيادة القومية لحزب البعث العربي الإشتراكي.
كان طنين انفجار الصواريخ والقنابل لا يزال يتواصل في أذني الدكتور سلام حين التقينا به في العاصمة اليمنية صنعاء، بعد اسبوع من وصوله إليها.. حيث غادر بغداد في الثاني عشر من ابريل بعيد سقوطها.
وقد كشف لنا العضو القيادي البارز في الحزب الذي كان يحكم العراق جانبا شديد الأهمية من الأسرار. فقد كانت معركة المطار هي المعركة الفاصلة في الحرب.. بل هي (أم الحواسم) كما اسماها، غير أنه سبقها ظهور بوادر تململ في صفوف الجيش العراقي في البصرة، حيث عمد بعض كبار الضباط إلى تصرفات تهدف إلى التخلص من الفدائيين والمتطوعين العرب.. وعندما تم الإنزال الأميركي في مطار صدام الدولي، امتنع الحرس الجمهوري عن التوجه للقتال في المطار، ما دفع الرئيس صدام حسين إلى قيادة احدى كتائب الحرس شخصيا، مستقلا الدبابة الأولى التي هاجمت القوات الأميركية في المطار مسنوداً بقوات المتطوعين العرب والفدائيين، حيث تمكن بهذه القوات من تحرير المطار وأبو غريب، وقتل الآلاف من الجنود الأميركيين، رغم أن طيران الجيش امتنع عن توفير غطاء جوي له..!
بعد هذه المعركة الفاصلة التي حسمت لصالح العراق، وبدلا من أن ترتفع المعنويات.. بدأ فصل جديد من المؤامرة تمثل في ازدياد كثافة عمليات انزال اعداد محدودة من الدبابات الأميركية داخل مواقع متعددة داخل بغداد، وانزال افراد معارضة عراقية بواسطة المروحيات الأميركية، وقد جيىء بهم من خارج العراق ليقوموا بإلقاء الورود على المحتلين الأميركان ونهب المؤسسات العامة بدءا من الثامن من ابريل بهدف خلخلة الجبهة الداخلية للعراق.
وترافق هذا مع اشاعة خبر مقتل الرئيس صدام حسين بعد توقف الإذاعة والتليفزيون العراقيين.
ومهد كل ذلك للصفحة الرئيسة متمثلة في تخاذل قيادة الصف الأول في الحرس الجمهوري، التي اعطت تعليمات لقادة الصف الثاني، مرروها بدورهم نزولا إلى الجنود، تفيد بانتصار الأميركان وانتهاء المعركة، ووجوب الإنسحاب والاختفاء استعدادا لمعركة المقبلة طويلة الأمد، مخلفين وراءهم اسلحة تكفي لخوض حرب تستمر لسنة ونصف.
كان السؤال الأول في هذا الحوار:
* ما هي الاستعدادات التي اتخذتموها في القيادة القومية لحزب البعث عشية الحرب للتعامل مع الحدث المقبل..؟ هل كنتم واثقون من حتمية الحرب..؟
ـ كانت القيادة واثقة ومتأكدة من حتمية الحرب. وفي آخر اجتماع مشترك للقيادتين القومية والقطرية ومجلس قيادة الثورة انعقد في الثامن من مارس، كان هنالك تأكيد بأن الحرب قادمة، وأن القيادة في العراق وضعت حساباتها لكل الإحتمالات. وقال الرئيس صدام حسين في ذلك الاجتماع: لقد هيأنا انفسنا لكل الإحتمالات.
* وما هي هذه الإحتمالات..؟
ـ كان من بين تلك الإحتمالات لجوء اميركا لاستخدام اسلحة الدمار الشامل، والقيام بإنزال جوي للقوات، بما في ذلك انزال جزئي في مواقع مختارة.. والقصف الجوي والصاروخي.. واحتمال مهاجمة العراق بقوات برية من جميع الحدود مع دول الجوار.
كل هذه الإحتمالات كانت قائمة، غير أن الاحتمال الأكبر كان يتمثل في شن الهجوم البري الرئيسي من الجنوب.. ذلك أن الكويت كانت قد تحولت إلى قاعدة اميركية رئيسية، بعد أن رفضت تركيا السماح للقوات الأميركية بمهاجمة العراق من اراضيها.
وأكد الرئيس صدام حسين قائلا: نحن سننتصر بإذن الله لأننا ندافع عن ارضنا وكرامتنا واستقلالنا وحريتنا فوق اراضينا. ونحن لم نذهب لنبحث عن اميركا وقواتها داخل حدودها حتى نبالغ بالقول إننا سننتصر عليها داخل اراضيها.. إننا سننتصر عليها داخل اراضينا، وقد وضعنا كل الحسابات من حيث العدة والعدد، وقد تستمر المعركة لستة اشهر في أقل تقدير، وقد وضعنا حساباتنا وخططنا على هذا الأساس، وهيأنا كل متطلبات المعركة، اضافة إلى أنه تم توزيع تموين ومواد غذائية على جميع افراد الشعب تكفيه لمدة ستة أشهر.
كذلك قال الرئيس: إن حسابات القيادة في العراق كانت تأخذ في اعتبارها احتمالات تركيز الهجوم الأميركي على منطقة دون أخرى خلال العمليات العسكرية، وبالتناوب، وذلك بهدف خلخلة الدفاعات العراقية. ولهذا تم تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق رئيسية، اضافة إلى منطقة الوسط. وقد اعطيت صلاحيات كاملة لقيادة القطاعات، بحيث لا تتكرر تجربة حرب 1991، حين كانت مركزية القيادة شديدة، وفوجئت القيادة العراقية بأعمال الغوغاء في المحافظات الجنوبية.
* ذكر أنه في اطار الإستعدادات والإحتمالات التي تم تدارسها، أنه في حال انتصار القوات الأميركية، سيتم نزول الحزب تحت الأرض ليواصل المقاومة المسلحة، وممارسة الكفاح المسلح..؟
ـ لا يزال هذا قائما. وفي الأساس اتخذ قرار بأن يقاتل مناضلو الحزب وفدائيو صدام وجيش القدس، ويتصدوا للقوات المعتدية، فيما تتم المحافظة على الجيش لخوض المواجهة الإستراتيجية الكبيرة.
وبالفعل، فإن المناوشات والضربات الأولى التي وجهت للأميركان كانت من جيش القدس والفدائيين ومناضلي الحزب. وقد حدث ذلك في جميع المحافظات.. في الناصرية والبصرة والفاو وأم قصر والحلة والنجف وكربلاء.
البصرة بداية التلاعب
* لكن الجيش، وكذلك الحرس الجمهوري، لم يخوضا المعركة الإستراتيجية..لماذا..؟!
ـ هذا هو السر الغامض الذي نريد أن نقف امامه الآن، بخلاف الطريقة التي تم تناوله فيها من قبل بعض وسائل الإعلام من إذاعات وفضائيات وصحف.. وبعض المزورين الذين اسموا انفسهم بشهود على التاريخ.
التلاعب بدأ في البصرة..! وعبر الاحساس بأن شيئا من التململ بدأ يصيب الجيش ويظهر على سلوكيات بعض ضباط وقيادات الصف الأول في الجيش، وليس في صفوف كل الجيش، حتى لا نظلم الجيش. وقد رويت لي بعض الروايات، من قبل بعض الرفاق، تقول انه في احدى المواجهات التي وقعت في البصرة، كان هنالك ثلاثة من الفدائيين العرب واثنان من العراقيين هوجموا وتمت السيطرة عليهم وأسرهم من قبل القوات الأميركية. وعندها خاطب أحد الفدائيين ضابطا في الجيش العراقي متسائلا: كيف يأسرون رفاقنا ونحن نتفرج..؟! اجابه الضابط: ما عليك..! هنا قام الفدائي بإطلاق الرصاص من رشاشه على السيارة الأميركية التي كانت تقل الفدائيين الخمسة كأسرى، ما ادى إلى انقلابها. وتم تحرير الأسرى. وانضم المقاتلون العراقيون إلى الفدائي العربي وحرروا الفدائيين الأسرى، وقتلوا الجنود الأميركان الذين كانوا قد اسروا الفدائيين.
هذه الرواية تشكل مؤشراً إلى أن هذا الضابط العراقي كان يريد ايهام الفدائيين بوجود كمين غير مرئي للجيش العراقي سيقوم باعتراض السيارة الأميركية التي كانت تقل خمسة من الفدائيين أسرى، في حين أنه كان يكذب.. كان يريد للأميركان أن يأسروا الفدائيين العرب.
* هل كانت هنالك حساسية بين الجيش والفدائيين والمتطوعين العرب والعراقيين، ومقاتلي الحزب، على غرار الحساسية التي حدثت بين الجيش والحرس القومي للحزب في تجربة 1963..؟
ـ هي ليست حساسية. كانت هنالك لعبة تخاذل عند البعض، الذي سقط وضعف، لأن الضابط الشريف والمقاتل.. الضابط العربي عندما يرى الفدائي العربي المتطوع يتقدمه ليقدم روحه من أجل الوطن، يفترض أن يفرح. هذا الفدائي لا يحتل مكانة الضابط، بل هو رديف له.. بل هو طليعة له.
كان يفترض أن يفرحوا لشجاعة الفدائيين الذين قدموا ارواحهم دفاعا عن العراق، وفداء له. وقد جاءوا من مختلف الأقطار العربية، اضافة إلى الفدائيين العراقيين الذين كانوا يرمون بأنفسهم إلى الموت، فيهرب الموت منهم.
ازاء حالة التململ التي بدأت في صفوف قادة الصف الأول في الجيش، بدأنا نشعر بوجود ثغرة في السيطرة.
الجيش ترك الفدائيين وحدهم
*
هل حدثت حالات أخرى مماثلة..؟
ـ تعرض معسكر للفدائيين العرب لقصف المروحيات الأميركية، وكان المعسكر يقع في أرض مفتوحة. ولم يكن في حوزة الفدائيين مضادات للطيران أو مدافع ميدان. وكان أن انسحب ضباط الجيش المشرفون على المعسكر دون اصدار أية اوامر، وقد اختفوا تماما. وأدى ذلك إلى سقوط الكثير من الشهداء والجرحى.
غير أنه ظلت المقاومة في بقية المحافظات تشدنا للتقدم للأمام في توجيه الضربات الموجعة للقوات الأميركية والبريطانية المعتدية. ولهذا، فإن القوات الأميركية، وبعد الضربات التي تلقتها، ظلت اسبوعا كاملا لا تقوم بأي هجمات تذكر، وتحاول استدراج الجيش العراقي إلى خارج تحصيناته، لكنه لم يخرج. اما الفدائيون فقد واصلوا عمليات الكر والفر.. الهجوم والإنسحاب، ما أدى إلى الحاق أذى كبيرا بالقوات الأميركية.
هنا، بدأت القيادة الأميركية تفكر بأنه إذا استمر القتال على هذا النحو، فإن الحرب ستطول، وفقا للمخطط الذي وصفه الرئيس صدام حسين، وعلى نحو ينهك القوات الأميركية، ويتعبها، وهي خارج اراضيها، في حين أن المقاومة العراقية موجودة في ارضها.
ازاء ذلك، أحضرت القيادة الأميركية قوات اضافية كبيرة عبرت، مع كل الأسف المياه والمضائق العربية.. قناة السويس، باب المندب، مضيق هرمز.. وصولا إلى الكويت ومنها للعراق، فيما العرب يتفرجون، وكأن القضية لا تعنيهم، وأن هذه القوات ذاهبة في نزهة إلى العراق. هذه المسألة كانت تمثل غصة في نفسية المواطن العراقي، وخاصة بعد أن قطعت الكهرباء والمياه، والإتصالات الهاتفية، ما اوقف التواصل بين العراقيين الذين كانوا يتساءلون: أين اخوتنا العرب..؟
في ظل هذه الأجواء مثل الإنزال الأميركي في مطار بغداد يوما فاصلا في الحرب، ومجرياتها. حدث ذلك الإنزال في الخامس من ابريل. وفي اليوم التالي كان صدام حسين شخصيا يقود المقاومة العراقية في المطار، بخلاف الكلام الفارغ والسخيف والمغرض والمحبط للنفوس الذي تم الترويج له بشأن حدوث صفقة.
لقد تم انزال قوات اميركية مدرعة في المطار، وفي أبو غريب غرب بغداد، وكذلك في نفق الشرطة، وفي ساحة الإحتفالات في الكرخ. لقد تم انزال الدبابات بواسطة الطائرات، ولم تتقدم من البصرة كما زعموا.
اميركا دولة عظمى، وكذلك بريطانيا، دون أن نستهين بقدرات اسرائيل التي شاركت كذلك في هذه الحرب العدوانية، وعمليات الإنزال الجوي التي تمت في المطار.
لا استطيع القول أن هناك من أكد لي أن الرئيس طلب من الحرس الجمهوري التقدم إلى المطار، وأن تخاذلا قد حدث، وأن الرئيس قاد معركة المطار بنفسه، وأنه استقل الدبابة الأولى في الهجوم العراقي المضاد.. لا استطيع أن اقول هذا الكلام، لكن هذا ما حدث..!
ـ تعرض معسكر للفدائيين العرب لقصف المروحيات الأميركية، وكان المعسكر يقع في أرض مفتوحة. ولم يكن في حوزة الفدائيين مضادات للطيران أو مدافع ميدان. وكان أن انسحب ضباط الجيش المشرفون على المعسكر دون اصدار أية اوامر، وقد اختفوا تماما. وأدى ذلك إلى سقوط الكثير من الشهداء والجرحى.
غير أنه ظلت المقاومة في بقية المحافظات تشدنا للتقدم للأمام في توجيه الضربات الموجعة للقوات الأميركية والبريطانية المعتدية. ولهذا، فإن القوات الأميركية، وبعد الضربات التي تلقتها، ظلت اسبوعا كاملا لا تقوم بأي هجمات تذكر، وتحاول استدراج الجيش العراقي إلى خارج تحصيناته، لكنه لم يخرج. اما الفدائيون فقد واصلوا عمليات الكر والفر.. الهجوم والإنسحاب، ما أدى إلى الحاق أذى كبيرا بالقوات الأميركية.
هنا، بدأت القيادة الأميركية تفكر بأنه إذا استمر القتال على هذا النحو، فإن الحرب ستطول، وفقا للمخطط الذي وصفه الرئيس صدام حسين، وعلى نحو ينهك القوات الأميركية، ويتعبها، وهي خارج اراضيها، في حين أن المقاومة العراقية موجودة في ارضها.
ازاء ذلك، أحضرت القيادة الأميركية قوات اضافية كبيرة عبرت، مع كل الأسف المياه والمضائق العربية.. قناة السويس، باب المندب، مضيق هرمز.. وصولا إلى الكويت ومنها للعراق، فيما العرب يتفرجون، وكأن القضية لا تعنيهم، وأن هذه القوات ذاهبة في نزهة إلى العراق. هذه المسألة كانت تمثل غصة في نفسية المواطن العراقي، وخاصة بعد أن قطعت الكهرباء والمياه، والإتصالات الهاتفية، ما اوقف التواصل بين العراقيين الذين كانوا يتساءلون: أين اخوتنا العرب..؟
في ظل هذه الأجواء مثل الإنزال الأميركي في مطار بغداد يوما فاصلا في الحرب، ومجرياتها. حدث ذلك الإنزال في الخامس من ابريل. وفي اليوم التالي كان صدام حسين شخصيا يقود المقاومة العراقية في المطار، بخلاف الكلام الفارغ والسخيف والمغرض والمحبط للنفوس الذي تم الترويج له بشأن حدوث صفقة.
لقد تم انزال قوات اميركية مدرعة في المطار، وفي أبو غريب غرب بغداد، وكذلك في نفق الشرطة، وفي ساحة الإحتفالات في الكرخ. لقد تم انزال الدبابات بواسطة الطائرات، ولم تتقدم من البصرة كما زعموا.
اميركا دولة عظمى، وكذلك بريطانيا، دون أن نستهين بقدرات اسرائيل التي شاركت كذلك في هذه الحرب العدوانية، وعمليات الإنزال الجوي التي تمت في المطار.
لا استطيع القول أن هناك من أكد لي أن الرئيس طلب من الحرس الجمهوري التقدم إلى المطار، وأن تخاذلا قد حدث، وأن الرئيس قاد معركة المطار بنفسه، وأنه استقل الدبابة الأولى في الهجوم العراقي المضاد.. لا استطيع أن اقول هذا الكلام، لكن هذا ما حدث..!
صدام قاد معركة المطار
*
ما الذي حدث..؟
ـ الذي حدث أن الرئيس صدام حسين قاد كتيبة من الحرس الجمهوري توجهت إلى المطار، وقاتلت القوات الأميركية التي انزلت فيه، وأنه تولى قيادة الدبابة الأولى في هذه الكتيبة.
* هل رفض الحرس الجمهوري التوجه إلى المطار وخوض القتال مع القوات الأميركية..؟
ـ هذه هي المشكلة. صدام حسين خرج على رأس كتيبة من الحرس الجمهوري. ويقال، والعهدة على الراوي.
* ومن هو الراوي..؟
ـ هو مسؤول عراقي روى لي أن الرئيس صدام حسين طلب تغطية عمليات الكتيبة التي يقودها من قبل طيران الجيش، لكن طيران الجيش لم يحضر، ما جعل الدبابات العراقية مكشوفة، وصدام حسين مكشوفاً.. غير أن السماء وفرت الغطاء له.. إذ ثارت عاصفة رملية لم يعرف العراق مثلها من قبل. وشكلت هذه العاصفة ستاراً لكتيبة الحرس الجمهوري التي يقودها صدام حسين. فإلى جانب الظلام الدامس الذي ساد في الحادية عشرة من مساء السادس من ابريل، جاءت العاصفة الرملية لتكمل انجاز مهمة ستر الكتيبة العراقية التي يقودها صدام.
وقد فوجئت القوات الأميركية بقوات من الفدائيين العرب تهاجمهم في المطار، وبصدام حسين على رأس كتيبة دبابات فوق رؤوسهم. ولم تبق تلك المعركة احدا من افراد القوات الأميركية في المطار، لقد دمر كل ما كان موجوداً من القطع العسكرية والأسلحة والبشر. وحاولت اميركا التقاط انفاسها عبر سحب بعض الجرحى والهرب من ذلك الجحيم، بواسطة طائراتها التي حلقت في السماء. وقد تم تحرير المطار، كما تم تحرير أبو غريب.. وعاد الرئيس إلى نفق الشرطة وتمت تصفية الدبابات التي انزلت هناك، وكذلك الدبابات التي انزلت في ساحة الإحتفالات، وكان عددها ست دبابات.
وعلى ذلك، فقد كان كل شيء يوم السابع من ابريل تحت السيطرة.
* كيف انقلبت الموازين إذاً..؟
ـ فجأة، اختفى الحرس الجمهوري الذي كان متحصنا في البساتين، وذلك جراء تعليمات من قادة الصف الأول في الحرس، إلى قادة الصف الثاني، أن ابلغوا افراد الحرس بأنه كي نتمكن من تنظيم المواجهة في معركة مفتوحة طويلة الأمد، فإن أفضل ما يمكن فعله الآن هو الإختفاء.
اضافة إلى ذلك، فقد تم ترويج اشاعة تقول أن صدام حسين قد قتل.
ـ الذي حدث أن الرئيس صدام حسين قاد كتيبة من الحرس الجمهوري توجهت إلى المطار، وقاتلت القوات الأميركية التي انزلت فيه، وأنه تولى قيادة الدبابة الأولى في هذه الكتيبة.
* هل رفض الحرس الجمهوري التوجه إلى المطار وخوض القتال مع القوات الأميركية..؟
ـ هذه هي المشكلة. صدام حسين خرج على رأس كتيبة من الحرس الجمهوري. ويقال، والعهدة على الراوي.
* ومن هو الراوي..؟
ـ هو مسؤول عراقي روى لي أن الرئيس صدام حسين طلب تغطية عمليات الكتيبة التي يقودها من قبل طيران الجيش، لكن طيران الجيش لم يحضر، ما جعل الدبابات العراقية مكشوفة، وصدام حسين مكشوفاً.. غير أن السماء وفرت الغطاء له.. إذ ثارت عاصفة رملية لم يعرف العراق مثلها من قبل. وشكلت هذه العاصفة ستاراً لكتيبة الحرس الجمهوري التي يقودها صدام حسين. فإلى جانب الظلام الدامس الذي ساد في الحادية عشرة من مساء السادس من ابريل، جاءت العاصفة الرملية لتكمل انجاز مهمة ستر الكتيبة العراقية التي يقودها صدام.
وقد فوجئت القوات الأميركية بقوات من الفدائيين العرب تهاجمهم في المطار، وبصدام حسين على رأس كتيبة دبابات فوق رؤوسهم. ولم تبق تلك المعركة احدا من افراد القوات الأميركية في المطار، لقد دمر كل ما كان موجوداً من القطع العسكرية والأسلحة والبشر. وحاولت اميركا التقاط انفاسها عبر سحب بعض الجرحى والهرب من ذلك الجحيم، بواسطة طائراتها التي حلقت في السماء. وقد تم تحرير المطار، كما تم تحرير أبو غريب.. وعاد الرئيس إلى نفق الشرطة وتمت تصفية الدبابات التي انزلت هناك، وكذلك الدبابات التي انزلت في ساحة الإحتفالات، وكان عددها ست دبابات.
وعلى ذلك، فقد كان كل شيء يوم السابع من ابريل تحت السيطرة.
* كيف انقلبت الموازين إذاً..؟
ـ فجأة، اختفى الحرس الجمهوري الذي كان متحصنا في البساتين، وذلك جراء تعليمات من قادة الصف الأول في الحرس، إلى قادة الصف الثاني، أن ابلغوا افراد الحرس بأنه كي نتمكن من تنظيم المواجهة في معركة مفتوحة طويلة الأمد، فإن أفضل ما يمكن فعله الآن هو الإختفاء.
اضافة إلى ذلك، فقد تم ترويج اشاعة تقول أن صدام حسين قد قتل.
اختفاء الحرس الجمهوري
* حدث ذلك نهار السابع من ابريل..؟
ـ نعم.. وفي اليوم التالي بدأ يختفي الحرس الجمهوري من مواقعه. وبدأت اعمال الغوغاء المنظمة التي أتي بها من تشيكوسلوفاكيا ورومانيا والكويت والسعودية، وبولندا وبلغاريا.
كانت البداية في دخول هؤلاء الغوغاء الذين اسموا انفسهم بـ(المعارضة) إلى مطار المثنى، حيث كان يوجد آلاف السيارات التي استوردتها الدولة لتباع للمواطنين بأسعار مخفضة.. وقد تم نهب هذه السيارات.
أعقب ذلك استئناف عمليات الإنزال الجوي الأميركي داخل بغداد.. كانت البداية انزال 8 دبابات امام جامع (ابن بنية) في العلاوي داخل الكرخ. وقد قصفت هذه الدبابات ودمرت بالكامل خلال لحظات، ولم يخرج منها اميركي واحد ليخبر بما جرى. وكان يوجد داخل كل دبابة ثمانية افراد.
اعقب ذلك انزال ناقلة جنود مدرعة كانت تقل 27 جنديا، وتمت ابادتهم على الفور.
وتكررت محاولة الإنزال في نفق الشرطة، حيث تم انزال ناقلتين مدرعتين كانتا تقلان ستين جنديا استراليا. وقد تعرضوا كذلك للضرب والإبادة.
كانت المقاومة شديدة، وكانت اليقظة كبيرة، وكان الوعي متقدا لدى ابناء العراق.. كان الكل يتسابق نحو الشهادة.. الكل يريد أن يستشهد..رجال ونساء.. شباب وشيوخ.
ادركت اميركا أن مثل هذا النوع من المعارك من شأنه أن ينهكها وقواتها، خاصة مع وجود الإعلام العراقي، وتميز أداء محمد سعيد الصحاف.. فكان أن تم قصف الإذاعة والتليفزيون العراقيين من جديد، وكذلك قبة جامع الإمام الكاظم لوجود صحن فوقها. وبدأوا يدخلون مستنقعا قذراً، وبدأوا يتصرفون بانهيار.
لقد كانت القوات الأميركية غاية في الإرتباك خلال ايام السابع والثامن والتاسع من ابريل، وكان الرعب يزداد في نفوس افرادها.. غير أنها نجحت في وقف البث الإذاعي والتليفزيوني العراقي، حيث تم تدمير مباني القنوات الأولى والثانية والثالثة.. واصبحنا نسمع الصوت دون مشاهدة الصورة، بعد أن بدأ البث من مقر تحت الأرض ما لبث أن توقف. وفي ظل هذه الظروف تم ترويج اشاعة مفادها أن الرئيس قد استشهد، فكان أن ظهر يوم 8 ابريل في الوزيرية والكاظمية، وظهر لهم ثانية في اليوم التالي في شارع 14 رمضان. وقد رأيته بنفسي في الوزيرية.
ظهور صدام
*
ما الحديث الذي دار بينكما..؟
ـ لم اتمكن من محادثته.. كانت بيننا مسافة طويلة. كان هو خارجاً من منطقة كانت فيها دبابات اميركية، وكنت انا خارجا من منطقة أخرى كانت فيها دبابات.. ذلك أنه بعد ضرب الدبابات التي انزلت امام جامع (ابن بنية)، بدأ الأميركيون في انزال دبابات فوق الجسور بهدف السيطرة عليها، وكان مفترضا أن يتم تدمير الجسور من قبل القوات العراقية، غير أن هذا لم يحدث.
عندما شاهدت الرئيس كان محاطاً بعدد كبير من الفدائيين، ولم يكن ممكنا التحدث معه. وقد حاول عدد من الرفاق اليمنيين اختراق الحشد للسلام عليه، فلم يتمكنوا من ذلك.
في تلك الليلة نمت أنا في الوزيرية شمالي بغداد. وكانت ليلة من ليالي الجحيم.. إذ استمر القصف الأميركي على تلك المنطقة من السابعة والنصف مساء حتى السابعة والنصف من صباح التاسع من ابريل، دون أن يتوقف ولو لدقيقة واحدة. وكانت تشارك في ذلك القصف الطائرات والصواريخ، ويرافق ذلك انزال جوي للدبابات.
صباح التاسع من ابريل كانت ساحة المنزل الذي نمت فيه قد أصبحت مليئة بمختلف انواع الشظايا. طلبت من الرفاق أن يستطلعوا الشارع الرئيسي الذي كانت تفصلنا عنه فقط اربع عمارات، فعادوا ليخبروني بوجود ارتال دبابات خضراء اللون قادمة من الجسر، فاعتقدت انها بريطانية. والجسر المقصود يلتقي مع عدة جسور تؤدي إلى علي الصالح والمنصور والموصل. واخبرني الرفاق بوجود اناس يلقون ورودا على الدبابات. فارتأيت أن اتأكد من هوية الدبابات، إذ أنها قد تكون عراقية، مع أن الدبابات العراقية ليست خضراء. وكان أن تبين لي أن الذين يقومون بالقاء الورود على الدبابات هم من افراد ما يسمى بالمعارضة، يتم انزالهم بواسطة المروحيات في الشوارع، ويقومون بالإصطفاف والقاء الورود على الدبابات الأميركية. لقد جيىء بهؤلاء من الكويت والسعودية حيث تم تدريبهم هناك.
ازاء هذا المشهد، قدرت أن هذا الشارع لم يعد آمنا، فقررت مغادرته، وتم ذلك بواسطة سيارة أمنها لي الرفاق العراقيون العاملون في مكتبي، حيث تم نقلي إلى المنصور، وأقمت في منزل يعود لأحد الرفاق الذي سلمني مفتاح منزله.
في طريقي إلى المنصور صباح التاسع من ابريل، شاهدت معركة طاحنة في مدخل الحي عند الأسواق المركزية بين الدبابات الأميركية والفدائيين الذين كانوا مزودين بقاذفات R.B.J. وازاء ذلك اضطررنا إلى الإلتفاف حول موقع الإشتباك وصولا إلى المنزل المقصود الذي كانت تفصله عن مكان المعركة فقط مسافة قصيرة يوجد فيها (بلوكين) بناء. وقد مكنني قربي من الأسواق المركزية من رؤية اعمال النهب والسلب التي استهدفتها من قبل غوغاء المعارضة، الذين نهبوا كل شيء في الأسواق. وفي الليل احالت ثلاثة صواريخ هذه الأسواق إلى اكوام من الردم.
ـ لم اتمكن من محادثته.. كانت بيننا مسافة طويلة. كان هو خارجاً من منطقة كانت فيها دبابات اميركية، وكنت انا خارجا من منطقة أخرى كانت فيها دبابات.. ذلك أنه بعد ضرب الدبابات التي انزلت امام جامع (ابن بنية)، بدأ الأميركيون في انزال دبابات فوق الجسور بهدف السيطرة عليها، وكان مفترضا أن يتم تدمير الجسور من قبل القوات العراقية، غير أن هذا لم يحدث.
عندما شاهدت الرئيس كان محاطاً بعدد كبير من الفدائيين، ولم يكن ممكنا التحدث معه. وقد حاول عدد من الرفاق اليمنيين اختراق الحشد للسلام عليه، فلم يتمكنوا من ذلك.
في تلك الليلة نمت أنا في الوزيرية شمالي بغداد. وكانت ليلة من ليالي الجحيم.. إذ استمر القصف الأميركي على تلك المنطقة من السابعة والنصف مساء حتى السابعة والنصف من صباح التاسع من ابريل، دون أن يتوقف ولو لدقيقة واحدة. وكانت تشارك في ذلك القصف الطائرات والصواريخ، ويرافق ذلك انزال جوي للدبابات.
صباح التاسع من ابريل كانت ساحة المنزل الذي نمت فيه قد أصبحت مليئة بمختلف انواع الشظايا. طلبت من الرفاق أن يستطلعوا الشارع الرئيسي الذي كانت تفصلنا عنه فقط اربع عمارات، فعادوا ليخبروني بوجود ارتال دبابات خضراء اللون قادمة من الجسر، فاعتقدت انها بريطانية. والجسر المقصود يلتقي مع عدة جسور تؤدي إلى علي الصالح والمنصور والموصل. واخبرني الرفاق بوجود اناس يلقون ورودا على الدبابات. فارتأيت أن اتأكد من هوية الدبابات، إذ أنها قد تكون عراقية، مع أن الدبابات العراقية ليست خضراء. وكان أن تبين لي أن الذين يقومون بالقاء الورود على الدبابات هم من افراد ما يسمى بالمعارضة، يتم انزالهم بواسطة المروحيات في الشوارع، ويقومون بالإصطفاف والقاء الورود على الدبابات الأميركية. لقد جيىء بهؤلاء من الكويت والسعودية حيث تم تدريبهم هناك.
ازاء هذا المشهد، قدرت أن هذا الشارع لم يعد آمنا، فقررت مغادرته، وتم ذلك بواسطة سيارة أمنها لي الرفاق العراقيون العاملون في مكتبي، حيث تم نقلي إلى المنصور، وأقمت في منزل يعود لأحد الرفاق الذي سلمني مفتاح منزله.
في طريقي إلى المنصور صباح التاسع من ابريل، شاهدت معركة طاحنة في مدخل الحي عند الأسواق المركزية بين الدبابات الأميركية والفدائيين الذين كانوا مزودين بقاذفات R.B.J. وازاء ذلك اضطررنا إلى الإلتفاف حول موقع الإشتباك وصولا إلى المنزل المقصود الذي كانت تفصله عن مكان المعركة فقط مسافة قصيرة يوجد فيها (بلوكين) بناء. وقد مكنني قربي من الأسواق المركزية من رؤية اعمال النهب والسلب التي استهدفتها من قبل غوغاء المعارضة، الذين نهبوا كل شيء في الأسواق. وفي الليل احالت ثلاثة صواريخ هذه الأسواق إلى اكوام من الردم.
الفدائيون تصدوا للناهبين
*
إذاً المعارضة هي التي قامت بأعمال النهب..؟
ـ نعم.. نعم. إنه ليس الشعب، فعلى مدى عشرين يوما من الحرب لم يحدث شيء من هذا مطلقا. على العكس من ذلك، فإنه سقط شهداء في احياء الشعلة والرحمانية والثورة التي كانت يتوقع الأميركان أن تشهد اعمالا معارضة للنظام، يشكل مفاجأة للحزب ونظام الحكم.
اعمال النهب نفذها رجال المعارضة الآتون من الخارج، دون أن نتمكن من نفي أنهم كانوا يستقطبون معهم بعض العناصر الداخلية.. لكن الذين كانوا يتقدمون الصفوف هم الآتون من الكويت والسعودية وبلغاريا ورومانيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وايران. لقد دخل خمسة آلاف مسلح من ايران.
* وأين كانت قوات الحكومة..؟
ـ لقد تعامل الفدائيون بقسوة مع منفذي اول عملية نهب، وعند ذلك تدخلت الدبابات الأميركية لحمايتهم. كان يتم تسيير دبابات اميركية على شكل دوريات في المناطق المستهدفة بالنهب، أو يتم وضع دوريات ثابتة من الدبابات على شكل حواجز لتوفر الحماية لمن ينفذون اعمال النهب والحرق. وكانت الدبابات تسحب بعد الانتهاء من النهب والحرق.
وكان جانب من اهداف اعمال النهب والحرب ارباك الجبهة الداخلية العراقية. ولم يترك هؤلاء الغوغاء مصنعا او مؤسسة أو متجراً حكوميا إلا دمروه، وكأنهم ارادوا الإنقضاض على كل ما بناه صدام حسين خلال 35 سنة من حكمه للعراق.
* حدث ذلك صباح التاسع من ابريل..؟
ـ نعم. وعصر ذلك اليوم ظهر لهم الرئيس صدام في حي المنصور.. في ذات المكان الذي جرت فيه المعركة واعمال النهب في الصباح، حيث صافح الناس الذين التقوا من حوله مؤكدا لهم حتمية النصر بإذن الله، طالبا منهم عدم القلق، واعتبار ماحدث في حيهم سحابة صيف.
* هل رأيت الرئيس في المنصور..؟
ـ لا.. لم أره، لكن الرفاق الذين رأوه ابلغوني. وفي ذلك اليوم اشاع الغوغاء أن حي المنصور سيضرب خلال الليلة المقبلة بقنبلتين من طراز (أم القنابل). وهذا ما حدث فعلاً، إذ القيت واحدة منهما على منزل كان الأميركان يعتقدون أن عدي ابن الرئيس كان موجودا فيه. والقيت القنبلة الأخرى على مكان كان الأميركان يعتقدون بوجود فدائيين فيه.
* بم شعرت أثناء القاء هذا النوع من القنابل..؟
ـ لقد شعرت أن السرير الذي كنت راقدا عليه قد ارتفع بي في الهواء من شدة الإنفجار. إن هذا النوع من القنابل تعادل الواحدة منه ثلثي القنبلة الذرية التي القيت على نجازاكي وهيروشيما في الحرب العالمية الثانية.
يوم العاشر والحادي عشر من ابريل كانت شدة القصف لا توصف. وقد تكرر قصف القصور التي سبق أن قصف كلا منها بما بين خمسة إلى ستة صواريخ من طراز كروز خلال ايام التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر من ابريل، وعلى نحو جعل كل بغداد تهتز. وكان الأميركان يبررون تكرار القصف بالقول إن هذه القصور ربما تكون مواقع للحرس الجمهوري، بينما كان الحرس الجمهوري متمركزا في البساتين. وللأسف الشديد، فإن الأسلحة التي تركها الحرس لدى انسحابه تكفي للمقاومة لمدة سنة ونصف.. فقد كانت هناك اعدادا كبيرة من الدبابات والصواريخ والمدافع العملاقة والذخيرة والمؤن.
شيء لا يصدقه العقل.. لقد ترك كل ذلك في البساتين. وكانت توجد إلى جانب ذلك كتائب من الحرس الجمهوري تحت الجسور، يردفها الفدائيون ومقاتلو الحزب، ولحماية قوات الحرس من أي محاولة تخريب قد تأتي من الداخل. كانت الإستعدادات لمواجهة غير عادية. ولهذا، فإن الرئيس صدام حسين، عندما قال: إن الغزاة سيندحرون عند اسوار بغداد، كان واعيا لما يقوله، ومؤمنا بما يقوله، ومدركا لمعانيه. لكن حالة التململ التي بدأت في الصف القيادي الأول في البصرة انتقلت إلى بغداد، مع التأكيد على أن الصف القيادي الأول في الحرس الجمهوري هو الذي لعب اللعبة الكبيرة.
* لماذا الحرس وليس الجيش..؟
ـ يبدو لي أنه حتى لو كان هنالك واحدا او اثنين من قادة الجيش يفكران في فعل أمر من هذا القبيل، فإنهما يظلان مترددين..لكن عندما رأى الجيش الحرس الجمهوري الذي يشكل الحلقة الأهم في المعادلة قد اختفى.. اقتدى الجيش به
ـ نعم.. نعم. إنه ليس الشعب، فعلى مدى عشرين يوما من الحرب لم يحدث شيء من هذا مطلقا. على العكس من ذلك، فإنه سقط شهداء في احياء الشعلة والرحمانية والثورة التي كانت يتوقع الأميركان أن تشهد اعمالا معارضة للنظام، يشكل مفاجأة للحزب ونظام الحكم.
اعمال النهب نفذها رجال المعارضة الآتون من الخارج، دون أن نتمكن من نفي أنهم كانوا يستقطبون معهم بعض العناصر الداخلية.. لكن الذين كانوا يتقدمون الصفوف هم الآتون من الكويت والسعودية وبلغاريا ورومانيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وايران. لقد دخل خمسة آلاف مسلح من ايران.
* وأين كانت قوات الحكومة..؟
ـ لقد تعامل الفدائيون بقسوة مع منفذي اول عملية نهب، وعند ذلك تدخلت الدبابات الأميركية لحمايتهم. كان يتم تسيير دبابات اميركية على شكل دوريات في المناطق المستهدفة بالنهب، أو يتم وضع دوريات ثابتة من الدبابات على شكل حواجز لتوفر الحماية لمن ينفذون اعمال النهب والحرق. وكانت الدبابات تسحب بعد الانتهاء من النهب والحرق.
وكان جانب من اهداف اعمال النهب والحرب ارباك الجبهة الداخلية العراقية. ولم يترك هؤلاء الغوغاء مصنعا او مؤسسة أو متجراً حكوميا إلا دمروه، وكأنهم ارادوا الإنقضاض على كل ما بناه صدام حسين خلال 35 سنة من حكمه للعراق.
* حدث ذلك صباح التاسع من ابريل..؟
ـ نعم. وعصر ذلك اليوم ظهر لهم الرئيس صدام في حي المنصور.. في ذات المكان الذي جرت فيه المعركة واعمال النهب في الصباح، حيث صافح الناس الذين التقوا من حوله مؤكدا لهم حتمية النصر بإذن الله، طالبا منهم عدم القلق، واعتبار ماحدث في حيهم سحابة صيف.
* هل رأيت الرئيس في المنصور..؟
ـ لا.. لم أره، لكن الرفاق الذين رأوه ابلغوني. وفي ذلك اليوم اشاع الغوغاء أن حي المنصور سيضرب خلال الليلة المقبلة بقنبلتين من طراز (أم القنابل). وهذا ما حدث فعلاً، إذ القيت واحدة منهما على منزل كان الأميركان يعتقدون أن عدي ابن الرئيس كان موجودا فيه. والقيت القنبلة الأخرى على مكان كان الأميركان يعتقدون بوجود فدائيين فيه.
* بم شعرت أثناء القاء هذا النوع من القنابل..؟
ـ لقد شعرت أن السرير الذي كنت راقدا عليه قد ارتفع بي في الهواء من شدة الإنفجار. إن هذا النوع من القنابل تعادل الواحدة منه ثلثي القنبلة الذرية التي القيت على نجازاكي وهيروشيما في الحرب العالمية الثانية.
يوم العاشر والحادي عشر من ابريل كانت شدة القصف لا توصف. وقد تكرر قصف القصور التي سبق أن قصف كلا منها بما بين خمسة إلى ستة صواريخ من طراز كروز خلال ايام التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر من ابريل، وعلى نحو جعل كل بغداد تهتز. وكان الأميركان يبررون تكرار القصف بالقول إن هذه القصور ربما تكون مواقع للحرس الجمهوري، بينما كان الحرس الجمهوري متمركزا في البساتين. وللأسف الشديد، فإن الأسلحة التي تركها الحرس لدى انسحابه تكفي للمقاومة لمدة سنة ونصف.. فقد كانت هناك اعدادا كبيرة من الدبابات والصواريخ والمدافع العملاقة والذخيرة والمؤن.
شيء لا يصدقه العقل.. لقد ترك كل ذلك في البساتين. وكانت توجد إلى جانب ذلك كتائب من الحرس الجمهوري تحت الجسور، يردفها الفدائيون ومقاتلو الحزب، ولحماية قوات الحرس من أي محاولة تخريب قد تأتي من الداخل. كانت الإستعدادات لمواجهة غير عادية. ولهذا، فإن الرئيس صدام حسين، عندما قال: إن الغزاة سيندحرون عند اسوار بغداد، كان واعيا لما يقوله، ومؤمنا بما يقوله، ومدركا لمعانيه. لكن حالة التململ التي بدأت في الصف القيادي الأول في البصرة انتقلت إلى بغداد، مع التأكيد على أن الصف القيادي الأول في الحرس الجمهوري هو الذي لعب اللعبة الكبيرة.
* لماذا الحرس وليس الجيش..؟
ـ يبدو لي أنه حتى لو كان هنالك واحدا او اثنين من قادة الجيش يفكران في فعل أمر من هذا القبيل، فإنهما يظلان مترددين..لكن عندما رأى الجيش الحرس الجمهوري الذي يشكل الحلقة الأهم في المعادلة قد اختفى.. اقتدى الجيش به