البروتوكول الثامن عشر..
حينما يتاح لنا الوقت كى نتخذ إجراءات بوليسية خاصة بأن نفرض قهراً نظام " أكهرانا
– Okhrana " الروسى الحاضر ( أشد السموم خطراً على هيبة الدولة ) – حينئذ سنثير اضطرابات تهكمية بين الشعب * أو نغريه بإظهار السخط المعطل Protracted و هذا ما يحدث بمساعدة الخطباء البلغاء . إن هؤلاء الخطباء سيجدون كثيراً من الأشياع Sympathizers (( أى من يشاركونهم مشاركة وجدانية فى إحساسهم و نزعاتهم )) * و بذلك يعطوننا حجة لتفتيش بيوت الناس * و وضعهم تحت قيود خاصة * مستغلين خدمنا بين بوليس الأمميين . و إذ أن المتآمرين مدفوعون بحبهم هذا الفن : فن التآمر * و حبهم الثرثرة – فلن نمسهم حتى نراهم على أهبة المضى فى العمل . و سنقتصر على أن نقدم من بينهم – من أجل الكلام – عنصراً إخبارياً Reporting element . و يجب أن نذكر أن السلطة تفقد هيبتها فى كل مرة تكتشف فيها مؤامرة شعبية ضدها . فمثل هذا الاكتشاف يوحى الى الأذهان أن تحدس و تؤمن بضعف السلطة * و بما هو أشد خطراً من ذلك ؛ و هو الاعتراف بأخطائها . و يجب أن يعرف أننا دمرنا هيبة الأمميين الحاكمين متوسلين بعدد من الاغتيالات الفردية التى أنجزها وكلاؤنا : و هم خرفان قطيعنا العميان الذين يمكن بسهولة إغرائهم بأى جريمة * مادامت هذه الجريمة ذات طابع سياسى . (( يفرق فى الأمم لاسيما الديمقراطية بين الجريمتين العادية و السياسية إطلاقاً * فيترخص مع الثانية فى العقاب دون الأولى .. و الحق أن التفرقة بينهما من أعوص المشكلات و أدقها أمام رجال القانون فقهاء و قضاة و محامون و غيرهم . و من الواجب التفرقة بين العادية الخالصة * فقد تظهر الجريمة سياسية و ليس لها من السياسة إلا الطابع لا الجوهر * و إن اتخاذها الصورة السياسية يهون على صاحبها ارتكابها * إذ يجعله فى نظر نفسه و نظر الناس بطلاً * بينما هو فى دخيلة نفسه ممسوخ الطبيعة ملتوى العقل * شرير بفطرته * و إن إجرامه كامن يكفى أن يهيجه فيه أن الجريمة سياسية الطابع * و لا بأس بالترخص مع الجريمة السياسية عنصراً و طابعاً يرتكبها إنسان فاضل تكرهه الظروف إكراهاً على ارتكابها و هو فى ذاته أريحى كريم نبيل الدوافع أولاً * و مسوغ الغاية بعد ذلك . و الأمر الذى يجب أن يدرس أولاً هو الدوافع ثم الغاية * لأن الدوافع لا الغايات هى محركات الحياة * و رب جريمة يفلت المجرم فيها من العقاب و هو مجرم بفطرته * لأنه يرتكبها باسم العدل أو باسم المحافظة على الأمن أو نحو ذلك * كما فعل عبيد الله بن زياد و أعوانه مع الحسين * و كما يفعل كثير من أولى الأمر مع المحكومين فى بعض البلاد * منذ قام الحكم بين الناس * و كذلك يفعل كثير من المدرسين أو الآباء مع الصغار * و نحو ذلك )) إننا سنكره الحاكمين على الاعتراف بضعفهم بأن يتخذوا علانية إجراءات بوليسية خاصة * " أكهرانا Okhrana " و بهذا سنزعزع هيبة سلطاتهم الخاصة . و إن ملكنا سيكون محمياً بحرس سرى جداً * إذ لن نسمح لإنسان أن يظن أن تقوم ضد حاكمنا مؤامرة لا يستطيع هو شخصياً أن يدمرها * فيضطر خائفاً الى إخفاء نفسه منها . فإذا سمحنا بقيام هذه الفكرة – كما هى سائدة بين الأمميين – فإننا بهذا سنوقع صك الموت لملكنا : إن لم يكن موته هو نفسه فموت دولته Dynasty (( المراد بالدولة ليس رقعة الأرض المحكومة أو الناس عليها * و إنما سلسلة الحاكمين المنتسبين إليها مثل أمية فى الدولة الأموية * و العباس فى الدولة العباسية * و فاطمة فى الدولة الفاطمية )) . و بالملاحظة الدقيقة للمظاهر سيستخدم ملكنا سلطته لمصلحة الأمة فحسب * لا لمصلحته هو و لا لمصلحة دولته . و بالتزامه مثل هذا الأدب سيمجد رعاياه و يفدونه بأنفسهم : إنهم سيقدسون سلطة الملك Sovereign مدركين أن سعادة الأمة منوطة بهذه السلطة " لأنها عماد النظام العام " . إن حراسة الملك جهاراً تساوى الاعتراف بضعف قوته . و إن حاكمنا دائماً وسط شعبه * و سيظهر محفوفاً بجمهور مستطلع من الرجال و النساء يشغلون بالمصادفة – دائماً حسب الظاهر – أقرب الصفوف إليه (( أى هذا الحرس سيكون سرياً لا يحمل شارات تدل عليه فيسير حول الملك فى مسيرته و كأن الملك بلا حرس بين رعيته * فيعتقد الناس الذين يجهلون هذا السر أن الملك بلغ من ثقته بالشعب و من حب الشعب إياه أنه لا يخاف من مسيرته بين رعيته مجرداً من الحراس )) مبعدين بذلك عنه الرعاع * بحجة حفظ النظام من أجل النظام فحسب . و هذا المثل سيعلم الآخرين محاولة ضبط النفس . و إذا وجد صاحب ملتمس بين الناس يحاول أن يسلم الملك ملتمساً * و يندفع خلال الغوغاء * فإن الناس الذين فى الصفوف الأولى سيأخذون ملتمسه * و سيعرضونه على الملك فى حضور صاحب الملتمس لكى يعرف كل إنسان بعد ذلك أن كل الملتمسات تصل الملك * و أنه هو نفسه يصرف كل الأمور . و لكى تبقى هيبة السلطان يجب أن تبلغ منزلتها من الثقة الى حد أن يستطيع الناس أن يقولوا فيما بين أنفسهم : " لو أن الملك يعرفه فحسب " أو " حينما يعرفه الملك " (( المعنى أن الناس سيقولون : لو أن الملك يعرف هذا الضرر المشكو منه لما وافق عليه أو لعاقب عليه إذا كان جرى * و حاول إزالة آثاره الضارة * و حينما يعرف الملك هذا الأمر سيعمل لما فيه الخير و المصلحة من وجهة نظر صاحبه )) . إن الصوفية Mysticism التى تحيط بشخص الملك تتلاشى بمجرد أن يرى حرس من البوليس موضوع حوله . فحين يستخدم مثل هذا الحرس فليس على أى مغتال Assassin إلا أن يجرب قدراً معينا من الوقاحة و الطيش كى يتصور نفسه أقوى من الحرس * فيحقق بذلك مقدرته * و ليس عليه بعد ذلك إلا أن يترقب اللحظة التى يستطيع فيها القيام بهجوم على القوة المذكورة . إننا لا ننصح الأمميين ( غير اليهود ) بهذا المذهب و أنتم تستطيعون أن تروا بأنفسكم النتائج التى أدى إليها اتخاذ الحرس العلنى . أن حكومتنا ستعتقل الناس الذين يمكن أن تتوهم منهم الجرائم السياسية توهماً عن صواب كثير أو قليل . إذ ليس أمراً مرغوباً فيه أن يعطى رجل فرصة الهرب مع قيام مثل هذه الشبهات خوفاً من الخطأ فى الحكم . و نحن فعلاً لن نظهر عطفاً لهؤلاء المجرمين . و قد يكون ممكناً فى حالات معينة أن نعتد بالظروف المخففة Attenuating circumstances عند التصرف فى الجنح Offences الإجرامية العادية * و لكن لا ترخص و لا تساهل مع الجريمة السياسية * أى لا ترخص مع الرجال حين يصيرون منغمسين فى السياسة التى لن يفهمها أحد إلا الملك * و أنه من الحق أنه ليس كل الحاكمين قادرين على فهم السياسة الصحيحة .
يتبع ..