من مكتبة الأخت ورد المنى الإسلامية اعجبني أن انقل هذه المحاضرة لتكون في الواجهة :
في ذكر مولد الرسول عليه الصلاة والسلام
محاضرة لسماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أكرم أمة الإسلام بمسك الختام وبدر المتام سيدنا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه وأومن به وأتوكل عليه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله اصطفاه الله من بين خلقه لإنقاذ الخلق بتبصيرهم مسالك الحق صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
إن العالم الإسلامي اليوم تجلله ذكرى غالية عزيزة على نفس كل مؤمن فتغشاها بالرجاء الذي يحطم منها اليأس وتشرق عليها بالنور الذي يبدد الظلام وتضفي عليها ما هي بحاجة إليه من أمل الانتعاش من كبوتها والنهوض من عثرتها وهي ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حطم عن رقاب هذه الأمة الأغلال التي كانت على الأمم علي من قبل ورفع الأصار بإذن الله سبحانه وتعالى فكانت السماحة شعار شريعتها الغراء وأورثها الله سبحانه وتعالى بدعوته عليه أفضل الصلاة والسلام مواريث النبوات من قبل، كيف وتلكم النبوات كانت تمهيدا لهذه النبوة كما يؤذن بذلك القرآن الكريم إذ أخذ الله سبحانه وتعالى الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا بهذا النبي العظيم صلوات الله وسلامه عليه وليس هذا الميثاق في حقيقته إلا الرسالة الجامعة وتجتمع تحت لوائها إمتثالا لأمر الله فالله سبحانه وتعالى يقول:] وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ[ وقد بين سبحانه وتعالى أن دعوات المرسلين من قبل كانت مبشرة بهذه الرسالة وبرسولها العظيم صلوات الله وسلامه عليه فالله سبحانه وتعالى يقول:] الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ[ فإذا تلك الرسالات كانت تمهيدا لهذه الرسالة فهي بأسرها داعية إلى توحيد الله سبحانه وتعالى الذي تدعو إليه الرسالة وكذلك هي داعية إلى مكارم الأخلاق، ولئن كانت شرائعها مختلفة باختلاف البيئات والظروف فإن محاسن تلك الشرائع بأسرها قد اجتمعت في هذه الشريعة التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسالته عليه أفضل الصلاة والسلام كانت إيذانا بحياة تحياها هذه الأمة بعد موتها فإن الله سبحانه وتعالى يقول:] أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا[ فالانسانية كانت ميته بسبب عماها عن الحق وانغماس الحقيقة في قرارة نفسها إذا لم تكن تدري ما هذه الحياه وإنما كانت أمامها لغزا من الألغاز حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الرسالة الجامعة المانعة التي كشفت اللبس وحلت اللغز وبعثت في هذه النفوس الحياة فميلاده صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن ميلاد فرد وإنما كان ميلاد أمة هي خير أمة أخرجت للناس بنص القرآن الكريم ولما أن السلف الصالح كانوا على مقربة من هذا الحدث التاريخي العظيم وكانوا على إلمام بسيرته صلى الله عليه وسلم ومعطياتها الجمة كانوا دائما على صلة به صلى الله عليه وسلم وبشريعته الغراء وبدعوته الجامعة وبمعجزته الساطعة وببراهينه القاطعة فلذلك كانت نفوسهم حية باستمرار ولم يكونوا بحاجة إلى أن تجدد لهم ذكرى هذا الحدث العظيم حتى تتجدد في نفوسهم الصلة به صلى الله عليه وسلم لأن نفوسهم كانت موصولة به عليه أفضل الصلاة والسلام بإستمرار فهكذا كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهكذا كان التابعون لهم بإحسان وبسبب بعد العهد أصبحت العواطف بحاجة إلى ما يحركها وأصبحت هذه النفوس في ظلمات هي بحاجة إلى ما يبددها من اشراق نور يسطع من مشرق سيرته صلى الله عليه وسلم، فلذلك كان الناس يجسدون هذا الولاء له صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الاحتفالات ولكن ذلك لا يكفي لأن يكون معبرا عن الحب الصادق له صلى الله عليه وسلم، إذ المحبة الصادقة تقتضي أن يفني الإنسان هواه في هوى من يحب وأن يحرص على التأسي به كما هو معلوم للناس فإن الناس من عادتهم عندما يحبون أحدا من العظماء كثيرا ما يتأسون به ويجسدون معالم سيرته في سلوكهم وفي أقوالهم ونحن لا يمكننا أن نجد سيرة رجل عبر التاريخ البشري منذ خلق الله آدم وإلى أن يرث الله هذا الكون بأسره كسيرة الرسول e في عطائها المدرار وفي أنوارها اللامعة وفي استقامتها على الفطرة لأن شخصية الرسول e اصطفاها الله سبحانه وتعالى لحمل أمانة في رحمة للإنسانية بأسرها كما يعبر عن ذلك القرآن عندما يقول الله عز وجل:] وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[ فإذا علينا أن نستلهم جميع شئون حياتنا من هذه السيرة وأن نحرص على أن نقتفي أثره e وذلك من معالم الإيمان بالله واليوم الآخر فإن الله عز وجل يقول] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً[ على أنه من المعلوم بأن كلا منا مطالب بأن يطبق القرآن الكريم والقرآن الكريم كانت سوره حية تتجلى في سلوكه e كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها عندما سئلت عن خلقه عليه أفضل الصلاة والسلام فقالت:' كان خلقه القرآن' فإذا علينا أن نتخلق بهذا الخلق العظيم e وأن نحرص بأن نلم بما يمكننا أن نلم به من جزئيات سيرته e فضلا عن كلياتها وعلينا بجانب ذلك أن ندرك الأمانة الكبيرة الملقاه على عواتقنا وهي أمانة النهوض بهذه الأمة أمته e من كبوتها وهذا النهوض لا يمكن أبدا إلا الله بإقامتها على الطريقة السواء التي كان عليها e وكان عليها السلف الصالح من الصحابة والتابعين فإن الصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم بالنظر إلى الأمم التي كانت تكتنفهم كانوا قلة ولكن مع ذلك كله استطاعوا بما أتاهم الله سبحانه وتعالى من قوة الإيمان والهمم المتوقدة بين جوانحهم والعزائم الحية التي كانت تملأ نفوسهم استطاعوا أن يكتسحوا كل مد للجاهلية وأن يقفوا أمام كل تحد من قبل أعداء الإسلام حتى وصلوا بهذه الدعوة إلى حيث وصلوا من مشارق الأرض ومغاربها فدانت لهم رقاب الجبارين وأنزل الله سبحانه وتعالى أولئك المتألهين من عليائهم وسخر رقابهم لهم فأنفذوا فيهم حكم الله سبحانه وتعالى وأذاقوا الإنسانية البائسة المحرومة طعم العدل والمساواة والانصاف فعرفت الانسانية قيمتها وأدركت مكانتها في هذا الكون والعالم اليوم بأسره من أقصاه إلى أقصاه هو بحاجة إلى هذه النهضة التي لا يمكنه أن تكون في العالم إلا بعد ما تكون في هذه الأمة، والأمة اليوم لم تؤت من قلة فإن كثرتها كاثرة ولكن مع ذلك ما هي إلا غثاء كغثاء السيل، صدق عليها وصف الرسول e عندما قال عليه أفضل الصلاة والسلام:' يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها قالوا: ومن قلة يا رسول الله، قال: لا إنكم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله المهابة من قلوب أعدائكم وليقذفن الوهن في صدوركم، قيل له وما الوهن يا رسول الله قال: حب الدنيا وكراهة الموت' فالوهن الذي أصاب هذه الأمة ما جاء من هذه الناحية أصبحت الأمة ضعيفة ذليلة تنقاد للأمم وتملي عليها أراده غيرها من الأمم مع أنها أمة يجب عليها أن تملي إرادتها على غيرها من الأمم كما يقول أحد المفكرين الإسلاميين في وصف المسلم الحق: ( إن المسلم لم يخلق ليندفع مع التيار ويساير الركن البشري حيث اتجه وسار، ولكنه خلق ليوجه العالم والمجتمع والمدينة ويفرض على البشرية اتجاهه ويملي عليها ارادته لأنه صاحب الرسالة وصاحب الحق اليقين. ولأنه مسئول عن هذا العالم وسيره فليس مقامه مقام تقليد والاتباع أن مقامه مقام الإمامة والقيادة مقام الارشاد والتوجيه مقام الأمر والنهي وإذا تنكر له الزمان، وعصاه المجتمع وتنكب عن الجاده لم يكن له أن يضع أوزاره ويسالم الدهر بل عليه أن يثورعليه وينازله ويضل في صراع معه وعراك حتى يقضي الله في أمره. إن الخضوع والاستكانة للأحوال القاسرة والأوضاع القاهرة والاعتذار بالقضاء الله والقدر من شأن الضعفاء والاقزام، أما المؤمن القوي فهو نفسه قضاء الله الغالب وقدره الذي لا يرد. بمثل هذه الفكرة يمكن لهذه الأمة أن تستعيد مكانتها فقبل كل شيء يجب على هذه الأمة أن تدرك أنها أمة قيادية عليها أن تتبوأ مكان الصدارة بين الأمم وأن تمسك بزمام قافلة البشرية لتسير بها في الطريق الصحيح ، الطريق الذي يؤدي إلى السلامة في هذه الحياة الدنيا وإلى السعادة في الدار العقبى وعليها أن تدرك أنها لا تملك أن تصلح حال غيرها مع الحاجة الملحة إليها من قبل الأمم جميعا إلى ما في هذه الأمة من خير وإلى ما في دينها من عطاء مدرار لا يمكنها أن تصلح حال غيرها إلا عندما تصلح حال نفسها. فعليها قبل كل شيء أن ترجع إلى المنهج المستقيم عقيدة وشريعة وسلوكا وخلقا وعندئذ تتبوأ مكان الصدارة بين الأمم فإن ثراء هذه الأمة ليست في ارصدتها المالية ولا في قواها العسكرية ولا في مكانتها التقنية ولا في أي شيء نحو هذا القبيل مع أنها مطالبة بأن تكون في ذلك كله في مقدمة الأمم وإنما ثروتها قبل كل شيء في عقيدتها وفي استقامة سلوكها وفي حسن أخلاقها عندما تكون بهذه الطريقة السواء تتهيأ الظروف لأن تتبوأ المكانة اللائقة بها بين الأمم وتتهيأ الظروف لأن تستعيد قوتها سواء من حيث القوى العملية أو الامكان التقني أو الارصدة المالية فإن الله سبحانه وتعالى سيسخر لها مواريث الخير كله باستمساكها بهذا الحبل المتين. وعندما تكون معوجة عن اتباع هذا الصراط المستقيم وتكون معوجة في سلوكها، تكون بذلك قد ظلمت نفسها وظلمت الأمم التي تتطلع اليوم إلى ما عندها من العطاء العظيم فإن الإنسانية اليوم هي بأسرها بحاجة إلى هذا العطاء الذي عند هذه الأمة، هي بحاجة إلى منهج قرآني، ولكن لا يعني ذلك أن يبقى القرآن في الرفوف وأن يبقى محفوظا في الصدور وأن يتلى بالأنغام الشجية في افتتاح المؤتمرات والندوات واللقاءات والمحاضرات مع ترك العمل به وإنما يجب أن يتجسد هذا القرآن في كل جزئية من جزئيات حياة هذه الأمة فعلينا أن نضع القرآن العظيم نصب أعيننا نجمع به شأننا ونرص به صفنا ونرأب به صدعنا ونوحد كلمتنا عندئذ نكون بمشيئة الله سبحانه وتعالى أهلا للقيادة والزعامة ما بين الأمم بأسرها ... --------->
في ذكر مولد الرسول عليه الصلاة والسلام
محاضرة لسماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أكرم أمة الإسلام بمسك الختام وبدر المتام سيدنا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه وأومن به وأتوكل عليه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله اصطفاه الله من بين خلقه لإنقاذ الخلق بتبصيرهم مسالك الحق صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
إن العالم الإسلامي اليوم تجلله ذكرى غالية عزيزة على نفس كل مؤمن فتغشاها بالرجاء الذي يحطم منها اليأس وتشرق عليها بالنور الذي يبدد الظلام وتضفي عليها ما هي بحاجة إليه من أمل الانتعاش من كبوتها والنهوض من عثرتها وهي ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حطم عن رقاب هذه الأمة الأغلال التي كانت على الأمم علي من قبل ورفع الأصار بإذن الله سبحانه وتعالى فكانت السماحة شعار شريعتها الغراء وأورثها الله سبحانه وتعالى بدعوته عليه أفضل الصلاة والسلام مواريث النبوات من قبل، كيف وتلكم النبوات كانت تمهيدا لهذه النبوة كما يؤذن بذلك القرآن الكريم إذ أخذ الله سبحانه وتعالى الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا بهذا النبي العظيم صلوات الله وسلامه عليه وليس هذا الميثاق في حقيقته إلا الرسالة الجامعة وتجتمع تحت لوائها إمتثالا لأمر الله فالله سبحانه وتعالى يقول:] وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ[ وقد بين سبحانه وتعالى أن دعوات المرسلين من قبل كانت مبشرة بهذه الرسالة وبرسولها العظيم صلوات الله وسلامه عليه فالله سبحانه وتعالى يقول:] الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ[ فإذا تلك الرسالات كانت تمهيدا لهذه الرسالة فهي بأسرها داعية إلى توحيد الله سبحانه وتعالى الذي تدعو إليه الرسالة وكذلك هي داعية إلى مكارم الأخلاق، ولئن كانت شرائعها مختلفة باختلاف البيئات والظروف فإن محاسن تلك الشرائع بأسرها قد اجتمعت في هذه الشريعة التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسالته عليه أفضل الصلاة والسلام كانت إيذانا بحياة تحياها هذه الأمة بعد موتها فإن الله سبحانه وتعالى يقول:] أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا[ فالانسانية كانت ميته بسبب عماها عن الحق وانغماس الحقيقة في قرارة نفسها إذا لم تكن تدري ما هذه الحياه وإنما كانت أمامها لغزا من الألغاز حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الرسالة الجامعة المانعة التي كشفت اللبس وحلت اللغز وبعثت في هذه النفوس الحياة فميلاده صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن ميلاد فرد وإنما كان ميلاد أمة هي خير أمة أخرجت للناس بنص القرآن الكريم ولما أن السلف الصالح كانوا على مقربة من هذا الحدث التاريخي العظيم وكانوا على إلمام بسيرته صلى الله عليه وسلم ومعطياتها الجمة كانوا دائما على صلة به صلى الله عليه وسلم وبشريعته الغراء وبدعوته الجامعة وبمعجزته الساطعة وببراهينه القاطعة فلذلك كانت نفوسهم حية باستمرار ولم يكونوا بحاجة إلى أن تجدد لهم ذكرى هذا الحدث العظيم حتى تتجدد في نفوسهم الصلة به صلى الله عليه وسلم لأن نفوسهم كانت موصولة به عليه أفضل الصلاة والسلام بإستمرار فهكذا كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهكذا كان التابعون لهم بإحسان وبسبب بعد العهد أصبحت العواطف بحاجة إلى ما يحركها وأصبحت هذه النفوس في ظلمات هي بحاجة إلى ما يبددها من اشراق نور يسطع من مشرق سيرته صلى الله عليه وسلم، فلذلك كان الناس يجسدون هذا الولاء له صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الاحتفالات ولكن ذلك لا يكفي لأن يكون معبرا عن الحب الصادق له صلى الله عليه وسلم، إذ المحبة الصادقة تقتضي أن يفني الإنسان هواه في هوى من يحب وأن يحرص على التأسي به كما هو معلوم للناس فإن الناس من عادتهم عندما يحبون أحدا من العظماء كثيرا ما يتأسون به ويجسدون معالم سيرته في سلوكهم وفي أقوالهم ونحن لا يمكننا أن نجد سيرة رجل عبر التاريخ البشري منذ خلق الله آدم وإلى أن يرث الله هذا الكون بأسره كسيرة الرسول e في عطائها المدرار وفي أنوارها اللامعة وفي استقامتها على الفطرة لأن شخصية الرسول e اصطفاها الله سبحانه وتعالى لحمل أمانة في رحمة للإنسانية بأسرها كما يعبر عن ذلك القرآن عندما يقول الله عز وجل:] وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[ فإذا علينا أن نستلهم جميع شئون حياتنا من هذه السيرة وأن نحرص على أن نقتفي أثره e وذلك من معالم الإيمان بالله واليوم الآخر فإن الله عز وجل يقول] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً[ على أنه من المعلوم بأن كلا منا مطالب بأن يطبق القرآن الكريم والقرآن الكريم كانت سوره حية تتجلى في سلوكه e كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها عندما سئلت عن خلقه عليه أفضل الصلاة والسلام فقالت:' كان خلقه القرآن' فإذا علينا أن نتخلق بهذا الخلق العظيم e وأن نحرص بأن نلم بما يمكننا أن نلم به من جزئيات سيرته e فضلا عن كلياتها وعلينا بجانب ذلك أن ندرك الأمانة الكبيرة الملقاه على عواتقنا وهي أمانة النهوض بهذه الأمة أمته e من كبوتها وهذا النهوض لا يمكن أبدا إلا الله بإقامتها على الطريقة السواء التي كان عليها e وكان عليها السلف الصالح من الصحابة والتابعين فإن الصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم بالنظر إلى الأمم التي كانت تكتنفهم كانوا قلة ولكن مع ذلك كله استطاعوا بما أتاهم الله سبحانه وتعالى من قوة الإيمان والهمم المتوقدة بين جوانحهم والعزائم الحية التي كانت تملأ نفوسهم استطاعوا أن يكتسحوا كل مد للجاهلية وأن يقفوا أمام كل تحد من قبل أعداء الإسلام حتى وصلوا بهذه الدعوة إلى حيث وصلوا من مشارق الأرض ومغاربها فدانت لهم رقاب الجبارين وأنزل الله سبحانه وتعالى أولئك المتألهين من عليائهم وسخر رقابهم لهم فأنفذوا فيهم حكم الله سبحانه وتعالى وأذاقوا الإنسانية البائسة المحرومة طعم العدل والمساواة والانصاف فعرفت الانسانية قيمتها وأدركت مكانتها في هذا الكون والعالم اليوم بأسره من أقصاه إلى أقصاه هو بحاجة إلى هذه النهضة التي لا يمكنه أن تكون في العالم إلا بعد ما تكون في هذه الأمة، والأمة اليوم لم تؤت من قلة فإن كثرتها كاثرة ولكن مع ذلك ما هي إلا غثاء كغثاء السيل، صدق عليها وصف الرسول e عندما قال عليه أفضل الصلاة والسلام:' يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها قالوا: ومن قلة يا رسول الله، قال: لا إنكم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله المهابة من قلوب أعدائكم وليقذفن الوهن في صدوركم، قيل له وما الوهن يا رسول الله قال: حب الدنيا وكراهة الموت' فالوهن الذي أصاب هذه الأمة ما جاء من هذه الناحية أصبحت الأمة ضعيفة ذليلة تنقاد للأمم وتملي عليها أراده غيرها من الأمم مع أنها أمة يجب عليها أن تملي إرادتها على غيرها من الأمم كما يقول أحد المفكرين الإسلاميين في وصف المسلم الحق: ( إن المسلم لم يخلق ليندفع مع التيار ويساير الركن البشري حيث اتجه وسار، ولكنه خلق ليوجه العالم والمجتمع والمدينة ويفرض على البشرية اتجاهه ويملي عليها ارادته لأنه صاحب الرسالة وصاحب الحق اليقين. ولأنه مسئول عن هذا العالم وسيره فليس مقامه مقام تقليد والاتباع أن مقامه مقام الإمامة والقيادة مقام الارشاد والتوجيه مقام الأمر والنهي وإذا تنكر له الزمان، وعصاه المجتمع وتنكب عن الجاده لم يكن له أن يضع أوزاره ويسالم الدهر بل عليه أن يثورعليه وينازله ويضل في صراع معه وعراك حتى يقضي الله في أمره. إن الخضوع والاستكانة للأحوال القاسرة والأوضاع القاهرة والاعتذار بالقضاء الله والقدر من شأن الضعفاء والاقزام، أما المؤمن القوي فهو نفسه قضاء الله الغالب وقدره الذي لا يرد. بمثل هذه الفكرة يمكن لهذه الأمة أن تستعيد مكانتها فقبل كل شيء يجب على هذه الأمة أن تدرك أنها أمة قيادية عليها أن تتبوأ مكان الصدارة بين الأمم وأن تمسك بزمام قافلة البشرية لتسير بها في الطريق الصحيح ، الطريق الذي يؤدي إلى السلامة في هذه الحياة الدنيا وإلى السعادة في الدار العقبى وعليها أن تدرك أنها لا تملك أن تصلح حال غيرها مع الحاجة الملحة إليها من قبل الأمم جميعا إلى ما في هذه الأمة من خير وإلى ما في دينها من عطاء مدرار لا يمكنها أن تصلح حال غيرها إلا عندما تصلح حال نفسها. فعليها قبل كل شيء أن ترجع إلى المنهج المستقيم عقيدة وشريعة وسلوكا وخلقا وعندئذ تتبوأ مكان الصدارة بين الأمم فإن ثراء هذه الأمة ليست في ارصدتها المالية ولا في قواها العسكرية ولا في مكانتها التقنية ولا في أي شيء نحو هذا القبيل مع أنها مطالبة بأن تكون في ذلك كله في مقدمة الأمم وإنما ثروتها قبل كل شيء في عقيدتها وفي استقامة سلوكها وفي حسن أخلاقها عندما تكون بهذه الطريقة السواء تتهيأ الظروف لأن تتبوأ المكانة اللائقة بها بين الأمم وتتهيأ الظروف لأن تستعيد قوتها سواء من حيث القوى العملية أو الامكان التقني أو الارصدة المالية فإن الله سبحانه وتعالى سيسخر لها مواريث الخير كله باستمساكها بهذا الحبل المتين. وعندما تكون معوجة عن اتباع هذا الصراط المستقيم وتكون معوجة في سلوكها، تكون بذلك قد ظلمت نفسها وظلمت الأمم التي تتطلع اليوم إلى ما عندها من العطاء العظيم فإن الإنسانية اليوم هي بأسرها بحاجة إلى هذا العطاء الذي عند هذه الأمة، هي بحاجة إلى منهج قرآني، ولكن لا يعني ذلك أن يبقى القرآن في الرفوف وأن يبقى محفوظا في الصدور وأن يتلى بالأنغام الشجية في افتتاح المؤتمرات والندوات واللقاءات والمحاضرات مع ترك العمل به وإنما يجب أن يتجسد هذا القرآن في كل جزئية من جزئيات حياة هذه الأمة فعلينا أن نضع القرآن العظيم نصب أعيننا نجمع به شأننا ونرص به صفنا ونرأب به صدعنا ونوحد كلمتنا عندئذ نكون بمشيئة الله سبحانه وتعالى أهلا للقيادة والزعامة ما بين الأمم بأسرها ... --------->