[B]4) أدونيس " علي أحمد سعيد " (1930-) :
سوري ، شاعر وناقد ومحرر ومؤرخ أدبي ، نال درجة الماجستير في الأدب من الجامعة السورية في دمشق ، وشهادة الدكتوراه من معهد الآداب الشرقية في جامعة القديس يوسف في بيروت عام (1973) .
غادر مع زوجته الناقدة الأدبية خالدة سعيد إلى لبنان ، عاش هناك حتى عام (1968) حيث نال الجنسية اللبنانية .
استطاع أن يستأصل اللغة العربية الأدبية الرنانة ويُحل محلها لغة حديثة قوية دقيقة في تناغمها وهو في المقام الأول من بين المنظرين المعاصرين في الشعر الحر الموزون ، كما خاض بنجاح تجربة القصائد النثرية الطويلة .
تضم كتبه الشعرية : ( أوراق في الريح 1958) ، ( أغاني مهيار الدمشقي 1961) ، ( كتاب التحولات والهجرة في أقاليم الليل والنهار1965) ، ( المسرح والمرايا 1968) ، ( وقت بين الرماد والورد 1970) ، ( مفرد بصيغة الجمع 1975) ، ( كتاب القصائد الخمس 1980) ، ( كتاب الحصار 1985) .
أيام الصقر
هدأتْ فوق وجهي بين الفريسةِ والفارس والرِّماحُ
جسدي يتدحرجُ والموتُ حُوذيهُ والرياحُ
جثثٌ تتدلى ومرثيةٌ ..
حجرٌ يثقبُ الحياةْ
وكأنَّ النهارْ
عرباتٌ من الدمع .
غَيِّرْ رنينكَ يا صوت ،
أسمعُ صوتَ الفرات :
-( قريش ...
قافلةُ تُبحر صوبَ الهندْ
تحملُ نارَ المجد ) .
... والسماء على الجرح ممدودة ، والضفاف
تتهامس ،تمتد :
بيني وبين الضفافْ
لغةٌ ، بيننا حوارْ
حضنتهُ الكراكي ، طافتْ به كالشراعْ
بيننا ،-
وافرتاهُ ، كنْ لي جسرا ، وكن لي قناع .
وترسبتْ ،
غيّرْ رنينكَ يا صوت ، وأسمع صوتَ الفرات :
-( قريش ...
لؤلؤةٌ تشعُّ من دمشقْ
يُخّبِها الصندلُ واللبانْ
أرقُّ ما رقَّ له لبنانْ
أجملُ ما حدَّثَ عنه الشرقْ ...)
... وأنا في فضاء الجنادبِ تحتَ الغيوم الجريحهْ
حجرٌ ميتُ القوادم ،
والموتُ يُسرجُ أفراسه ،
والذبيحه
بجع يتخبط ،
غير دويك يا صوت
أسمع صوت الفرات :
- ( قريش ...
لم يبق من قريش
غير الدم النافر مثل الرمح
لم يبق غير الجرح )
افتحي يا براري مصاريع أبوابك الصدئات :
ملك والفضاء خراجي ومملكتي خطواتي
ملك أتقدم أبني فتوحي
فوق هذا الجليد المؤصل ، فوق الجموح
أعرف أن أجرح الرمل ، أزرع في جرحه النخيلا
أعرف أن أبعث الفضاء القتيلا ،
والطريق يدحرج أهواله ويضيق
والطريق مرايا
كتب ومرايا
أتقرى تجاويفها
أتفرس
ألمس فيها بقايا
فارس عاشق الخطى
أقرأ الخطوة والعشب والنخيل ، وأفقاً
نسجته التنهدات القصيرة
حيث لا يهدأ الحريق
حيث لا تنتهي الخطوات الأميرة
في الشقوق تفيأت
كنت أجلس الدقائق
أمخض (...*) القفار
سرت أمضى من السهم أمضى
عقرت الحصى والغبار
كانت الأرض أضيق من ظل رمحي - مت
سمعت العقارب كيف تصيء ، هديت القطا في المجاهل -
مت ، انحنيت على الأرض أكثر صبراً من الأرض - مت انكببت على كاهل الريح صليت
وشوشت حتى الحجار
قرأت النجوم ، كتبت عناوينها ومحوت
راسماً شهوتي خريطه
ودمي حبرها وأعماقي البسيطه .
ساهر بين جذري وأغصانه والمياه
نضبت ،
والتوابع مملوءة الجباه
زهراً يابساً وقبوراً وديعه ،
صاعد لبروج التحول حيث الفجيعه
حيث يتساقط الرماد
حيث يستيقظ النشيج وينطفئ سندباد .
لو أنني أعرف كالشاعر أن أغير الفصول
لو أنني أعرف أن أكلم الأشياء ،
سحرت قبر الفارس الطفل على الفرات
قبر أخي في شاطئ الفرات
( مات بلا غسل ولا قبر ولا صلاة )
وقلت للأشياء والفصول
تواصلي كهذه الأجواء
مدي لي الفرات
خليه ماء دافقاً أخضر كالزيتون
في دمي العاشق في تاريخي المسنون .
لو أنني أعرف كالشاعر أن أشارك النبات
سويت كل حجرٍ سحابه
تمطر فوق الشام والفرات ،
لو أنني أعرف كالشاعر أن أغير الآجال
لو أنني أعرف أن أكون
نبوءة تنذر أو علامه
لصحت يا غمامه
تكاثفي وأمطري
باسمي فوق الشام والفرات
بالله يا غمامه ...
السماء انفتحت ،
صار التراب
كتبا ، والله في كل كتاب
ساهر
لم يبق في عيني سراب ..
علامة تأتي من الفرات :
أنا هو الساكن في طوقك يا حمامه
في سربك الراحل يا خطاف
أنا هو الواضع كالعراف
رؤياه والعلامه
في الأفق في لغاته الكثيرهأنا هو الفرات والجزيره .
علامه ...
مهلك يا حنيني ...
الصقر في بادية العروق في مدائن السريره
الصقر كالهالة مرسوم في بوابة الجزيره
والصقر تطريز على عباءة الصحراء
والصقر في الحنين في الحيرة بين الحلم والبكاء
والصقر في متاهه ، في يأسه الخلاق
يبني على الذروة في نهاية الأعماق
أندلس الأعماق
أندلس الطالع من دمشق
يحمل للغرب حصاد الشرق .
يكتب الصقر للفضاء لمجهوله السخي
سائلاً عن مكان ، كشريانه نقي
يومئ الصقر للصقور .
متعب ، حملته متاهاته ، حملته الصخور
فحنا فوقها ، يغذي متاهاته ويغذي الصخور
وجهه يتقدم والشمس حوذيه ،
والفضاء
موقد ،
والرياح عجوز تقص حكاياتها ،
والصقور
موكب يفتح السماء ؛
يرفع كالعاشق في تفجرٍ مريدْ
في وله الصبوة والإشراق
يرفعها للكون ، هذا الهيكل الجديد
كل فضاءٍ باسمه كتابٌ
وكل ريح باسمه نشيد .
(1962)
(...*) تم حذفها
[/B]