
سؤال لا بد من طرحه على أعلى مستوى قبل التفكير في تبني شعارات و أهداف غير قابلة للتطبيق، هذا إن صدق العزم فعلا على تحقيقها، والواقع يشهد بعكس هذا تماما، فكل ما طرح للآن من أهداف سامية، كان غرضها الاستهلاك المحلي فقط، وهنا يستوى آداء كل الأنظمة العربية، جمهورية كانت أو ملكية أو أميرية. ويخادع نفسه من يعتقد غير هذا.
ما هو هدفنا؟ وما الذي نسعى اليه؟ الاجابة واضحة تماما، نحن معنيون بأن نعيش بسلام حقيقي، حيث ننعم بالأمن والرخاء والسيادة والاستقلال كسائر شعوب المعمورة، ولكن هل هذا ممكن؟ هل مفهمونا لهذا الهدف يتفق مع نظيره لمن نحن في صراع معهم، ونعني هنا القوى الخارجية؛ إقليمية وعالمية؟
هل تجدي المفاوضات بين طرفين لا يوجد بينهما أي نوع من التوازن؟ حتى بدون دعم الطرف الأقوى بأعظم قوة على الكون؟
إسرائيل رأت إن مباحثاث أوسلوا تحقق لها رزمة من الأهداف، بدون أن تضطر لاعطاء شئ ما، له وزن، وبهذا تحقق إنتصارات وتوسع لا يمكنها تحقيقها بالحروب الخاطفة، وإحتلال الأرض. أهداف كثيرة حققتها إسرائيل، ونجحت فيها نجاحا باهرا، ومنها أولا التخلص من تبعات الاحتلال، وما يترتب عليه من نفقات باهظة جدا، بحيث تنتقل أعباء الأمن الداخلي لأبناء البلد، ويكون تحت إشرافها المباشر، مما يجعلها تركز على أمن حدودها، بكفاءة أعلى، ويعطيها المجال لأن تسعى لتوسعات خارجية، حيث أن حدودها مع دول الطوق كلها، تقوم على حمايتها هذه الدول نفسها، وإن حدث مع ذلك تسرب لبعض العناصر الغير منضبطة، فإن التعامل معها يكن سهلا، وتأثيره محدودا، بحيث على تلك العناصر إختراق كل أطواق الأمن في بلادها أولا، وفي إسرائيل ثانيا، وهي عملية صعبة جدا، في ظل وجود تنسيق أمني كامل بين تلك الدول وإسرائيل. الخطر كان من داخل الأراضي المحتلة إذن، وهذا تم التعامل معه الى حين وبكفاءة كبيرة.
ثم أن هدف آخر تحقق بنجاح باهر ساحق ماحق، ألا وهو التواجد الاسرائيلي في المناطق الحيوية، ذات القوة الاقتصادية وموارد الطافة، والموضع الجيوستراتيجي مثل الخليج، هذه كلها أصبحت في سلة المصالح الحيوية الاسرائيلية، وهي تجني بكل تلذذ وأمان ثمار نجاحها، بينما المواطن العربي يعاني كل وجوه الحرمان، ولا يعامل كبشر من حكوماته أصلا، فمن نلوم هنا؟
إذن وحيث أن الهدف الذي ذكرناه عاليه قد تحقق، وأصبحت الدول العربية والاسلامية تتسابق على التطبيع والارتماء تحت الارادة الاسرائيلية، مالذي يمنع إسرائيل إذن من أن تلقي إتفاقيات أوسلوا جملة في سلة المهملات؟
وحيث أن هذا الهدف قد تخقق منذ مطلع تسعينيات الفرن الماضي، لذا وجب إزاحة النظام الوحيد المشاغب في المنطقة، لتكتمل السيادة والسيطرة على المنطقة الخليجية كلها، وهذا ما حدث فعلا، منذ إبريل هذا العام.
مالذي نريده حقا؟ هل نحن ضعفاء ومعدمون، ولا يمكننا سوى التوسل والاستجداء؟
للاجابة على هذا نقول:
تقاس عناصر القوة والضعف الاستراتيجية لأي دولة أو مجموعة من الدول بثلاث عناصر رئيسية هي اتساع الاقليم، الثروة الطبيعية، عدد السكان. وبإجراء مقارنة بين الدول العربية وإسرائيل فيما يتعلق بهذه العناصر، فإننا نجد أن الدول العربية تتفوق على إسرائيل تفوقاً ساحقاً، كان من المفترض أن يؤهلها لكي تنتصر على إسرائيل انتصاراً حاسماً، لو توفرت النية لدى الزعامات العربية لتحقيق هذا الهدف.
مساحة الدول العربية تقدر بحوالي 14 مليون كيلو متر مربع، بينما مساحة إسرائيل ( فلسطين المحتلة] هي 27031 كيلو متر مربع ويتمتع الوطن العربي بثروات طبيعية هائلة في مقدمتها البترول حيث تمتلك 52% من الاحتياطي العالمي.. ثم المياه حيث يمر خلالها ثلاثة أنهر كبرى هي النيل ودجلة والفرات.. بينما تعتبر إسرائيل من أكثر البلاد فقراً في ثرواتها الطبيعية. فلا بترول ولا معادن ولا مياه.. فموارد إسرائيل من المياه حوالي 2000مليون متر مكعب سنوياً، أي أن نصيب الفرد في فلسطين إسرائيلياً كان أو عربياً أقل من 350متر مكعب سنوياً لجميع الأغراض (الزراعة والصناعة والاستهلاك المنزلي) وإذا كان عدد السكان اليهود في فلسطين حالياً هو أربعة ملايين وتسعمائة ألف، فإنه يقابلهم 255 مليون عربي. وإذا كان علينا أن نعترف بأن الفرد الإسرائيلي هو أكثر علماً وتأهيلاً من الفرد العربي، فإنه من الممكن التغلب على هذا التفوق بالتوسع في التعليم النظري والفني من ناحية، وحسن استغلال ثروتنا البشرية من ناحية أخرى.. وعلى سبيل المثال فإن عدد العرب من خريجي الجامعات يزيد كثيراً عن عدد سكان إسرائيل رجالاً ونساء وأطفالاً!!
وهذا التفوق الساحق لا بد وأن يقودنا إلى التساؤل لماذا تتفوق علينا إسرائيل في جميع النواحي؟ لماذا يصبح متوسط الإنتاج للفرد في إسرائيل التي ليس لها أي ثروات طبيعية 17400دولار سنوياً، بينما يكون في السعودية التي تمتلك أكبر احتياطي في العالم من النفط 11000دولار، وبينما يكون في مصر -التي تصل مواردها المائية 60 مليار متر مكعب سنوياً -إلى 750 دولار؟؟ ولماذا أصبحت إسرائيل أقوى عسكرياً عن دول الجوار العربية مجتمعة في مجال الأسلحة التقليدية بالإضافة إلى أنها تحتكر وحدها -دون الدول العربية- امتلاك أسلحة التدمير الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية؟
يرجع ذلك إلى عاملين رئيسيين الأول هوغياب الديمقراطية. والثاني هو الدعم الأمريكي والغربي للدولة اليهودية.
والذي يهمنا هنا هو العامل الأول، لأنه لن يكون بقدورنا التغلب على العامل الثاني أبدا، لعوامل كثيرة معظمها خارج عن إدارتنا وقدراتنا، والمحاولات والجهود والموارد التي ستكرس في هذا المجال، مصيرها الفشل الحتمي. ماذا نعني هنا بالديمقراطية؟ بالطبع أعمق من مجرد التعريف الحرفي للكلمة، ومن وجود دول مؤسسات، إنه الشفافية وتحديد المسئوليات، فلا يعقل إسناد أمور الدولة الحيوية لاناس ليس لديهم أدنى علم بالادارة الحكيمة. الكفاءة وحدها يجب أن تكون الفيصل، لا القرابة ولا الحاشية ولا المحسوبية، وهنا مقتلنا حقيقة، وسيظل هكذا لامد ليس قصير، لسبب منطقي أن طبيعة الأنظمة العربية وتركببها ووظيفتها قائمة على إستمرارية هذا الوضع الشاذ، وهذا يلقى إسنادا داخليا وخارجيا، فالصفة الغالبة على الشخصية العربية هي التسيب والاستهانه والاستهتار وعدم التقدير للعواقب، ورافقها أيضا من نتائج هزائم القرون الماضية عقدة نقص مستحكمة وإنعدام التقة الذاتية، فنعوضها بمظاهر إستعراضية تقرب للتبجح. العمل لمعالجة ذلك كله أو بعضه يتطلب جهودا حقيقة مضنية، وليس مجرد رغبات وأمنيات. قرائتي الموضوعية للأحدات توضح أن إنسجام الأنظمة مع شعوبها، ظل حتى الآن مستحيلا، ولا ألمس أي رغبة لا من الحكام ولا المحكومين لتغير الوضع المزري، ومما يزيد الصعوبة الغياب التام لأي تصور عملي لخطوات حل"ألجوريثم" للخروج من المأزق، ولو بعد سنوات طويلة. فإذا كان حتى الرغبة في وضع مثل هذا الالجوريثم أبعد مما هو متاح، فكيف لنا أن نتوقع ثمار جهود لم تغرس أساسا؟ هنا المشكلة.
والسلام عليكم.
