سلسلة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

    • ‏والســماء ذات الحبك‏



      ‏والســماء ذات الحبك‏


      قال تعالى : (والسماء ذات الحبك‏*‏ إنكم لفي قول مختلف‏*‏ يؤفك عنه من أفك‏*‏ قتل الخراصون‏*‏الذين هم في غمرة ساهون‏*‏ يسألون أيان يوم الدين‏*‏ يوم هم علي النار يفتنون‏*‏ ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون‏) (‏ الذاريات‏:7‏ ـ‏14).‏



      يستهل ربنا الله تعالى سورة الذاريات بالقسم بعدد من آياته الكونية‏,‏ الدالة علي طلاقة قدرته‏,‏ وكمال علمه‏,‏ وتمام حكمته‏,‏ وشمول سلطانه علي أن ما وعد به خلقه من البعث والحساب‏,‏ هو وعد صادق‏,‏ وأن الجزاء علي كل ما يفعله العبد في هذه الحياة الدنيا أمر محقق‏,‏ واقع‏,‏ لا فكاك منه‏,‏ ولا هروب عنه‏...!!!‏
      ثم يعاود ربنا‏(‏ تبارك وتعالى ‏)‏ القسم مرة أخري‏,‏ في نفس السورة بالسماء ذات الحبك علي أن الناس ـ بصفة عامة ـ وكفار قريش ـ بصفة خاصة ـ مختلفون في أمور الدين اختلافا كبيرا‏,‏ وذلك لانطلاقهم فيه من منطلق التخرصات والظنون‏,‏ والخلط بين ميراث البشرية من بقايا الهدايات الربانية القديمة‏,‏ والانحرافات البشرية المبتدعة عن بواعث الهوى والضلال‏,‏ فقد كان كفار قريش يعترفون بأن الله‏(‏ تعالى ‏)‏ هو خالق السماوات والأرض‏,‏ وخالق كل شيء‏,‏ ولكنهم كانوا في نفس الوقت يعبدون الأصنام بدعوى أنها تقربهم إلى الله زلفى‏,‏ وبزعم أنها تشفع لهم عند الله‏(‏ تعالى ‏),‏ كما كانوا يعرفون عن سيدنا محمد‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أنه الصادق الأمين‏,‏ وصاحب الخلق العظيم‏,‏ ولكن تغير حكمهم فجأة حين جاءهم بوحي السماء‏,‏ فألقوا عليه من التهم الباطلة ما يتنافى مع كل ما عرفوه عنه فاتهموه‏(‏ شرفه الله تعالى وكرمه‏)‏ بالسحر‏,‏ والشعوذة‏,‏ وبالشعر‏,‏ والكهانة‏,‏ بل بالجنون‏,‏ وكان ذلك كله في محاولة يائسة لصرف الناس عن التوحيد الخالص لله الخالق ـ بغير شريك ولا شبيه ولا منازع ـ وعن التسليم لهذا الدين الخاتم‏,‏ ومن ركائزه الإيمان بحتمية البعث والحساب‏,‏
      ثم الخلود في حياة أبدية قادمة‏,‏ إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏...!!‏
      وصرف الناس عن الحق إضلال لهم‏,‏ وهدر لحياتهم‏,‏ وإفشال لدورهم في هذه الحياة‏,‏ ومن هنا كانت جريمة من أفظع الجرائم وأقبحها عند الله‏,‏ ولذلك وصفها‏(‏ تبارك وتعالى ‏)‏ بـ الإفك‏,‏ وهو صرف الشيء عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه من مثل الانصراف عن الحق إلى الباطل في الاعتقاد‏,‏ وعن الصدق إلى الكذب في المقال‏,‏ وعن الجميل إلى القبيح في الأفعال‏...!!!‏
      ومن هنا‏,‏ كان التعبير بـ المأفوك في اللغة عمن صرف عقله‏,‏ أي ضاع عقله منه‏,‏ فأصبح فاقد العقل والمنطق‏.‏ ومن هنا أيضا كان هذا القسم القرآني‏:‏
      (والسماء ذات الحبك‏*‏ إنكم لفي قول مختلف‏*‏ يؤفك عنه من أفك‏*‏ قتل الخراصون‏*‏الذين هم في غمرة ساهون‏*‏ يسألون أيان يوم الدين‏*‏ يوم هم علي النار يفتنون‏*‏ ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون‏) (‏ الذاريات‏:7‏ ـ‏14).‏
      ومعني ذلك أن الكافرين في قول مختلف‏,‏ مضطرب‏,‏ وحيرة بالغة‏,‏ وقلق دائم‏,‏ وأوهام مفزعة‏,‏ وظنون مضيعة في أمر الدين ـ بصفة عامة ـ وفي أمر الآخرة ـ بصفة خاصة ـ وما تستلزمه من بعث وحساب‏,‏ وجنة ونار‏...!!!‏

      ومع التسليم الكامل بأن الله‏(‏ تعالى ‏)‏ غني عن القسم لعباده‏,‏ وبأن القسم إنما يأتي في القرآن الكريم من قبيل تنبيهنا إلى أهمية الأمر المقسوم به في تنظيم الكون‏,‏ واستقامة الحياة علي الأرض‏,‏ أو فيهما معا يبقي السؤال‏:‏ ما المقصود بـالسماء ذات الحبك التي استوجبت هذا القسم القرآني العظيم؟
      وللإجابة علي ذلك‏,‏ نبدأ بشرح المدلول اللغوي للفظة الحبك
      الحبك في اللغة العربية
      لفظة‏(‏ الحبك‏)‏ مستمدة من الفعل‏(‏ حبك‏),‏ بمعني شد وأحكم يقال‏:(‏ حبك‏)‏ الأمر‏(‏ يحبكه‏)(‏ حبكا‏),‏ كما يقال‏:(‏ أحبك‏)‏ الأمر‏(‏ يحبكه‏)(‏ حبكا‏)‏ و‏(‏إحباكا‏)‏ أي شده وأحكمه‏.‏
      ويقال‏:(‏ حبك‏)‏ النساج الثوب‏,‏ أي أجاد نسجه‏,‏ و‏(‏حبك‏)‏ الحائك الثوب أي أجاد صنعه‏,‏ وضبط أبعاده‏,‏ فالأمر‏(‏ المحبوك‏)‏ المحكم الصنعة‏,‏ وكذلك‏(‏ الحبيك‏)‏ و‏(‏الحبيكة‏)‏ أي‏(‏ المحبوك‏)‏ و‏(‏المحبوكة‏),‏ قال ابن الأعرابي‏:‏ كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد‏(‏ أحبكته‏).‏
      كذلك يقال في اللغة‏:(‏ حبك‏)‏ الأمر‏(‏ يحبكه‏)(‏ تحبيكا‏),‏ أي وثقه وشدده ويقال‏:(‏ تحبك‏)‏ ثوبه أي التف به وشد‏(‏ الحبكة‏),‏ و‏(‏احتبك‏)‏ الثوب أي‏(‏ حبكه‏)‏ حول جسده‏,‏ و‏(‏احتبك‏)‏ بالإزار أي احتزم به‏,‏ و‏(‏الحبكة‏)‏ هي مشد الإزار أو ما يشد به الوسط‏,‏ و‏(‏المحبك‏)‏ هو مكان شد الإزار من الجسم‏,‏ و‏(‏الاحتباك‏)‏ شد الإزار‏,‏ و‏(‏الحبكة‏)‏ والحبيكة تطلق علي الحظيرة تكون بقصبات تعرض ثم تشد أو هي الطريقة في الرمل ونحوه اذا هبت عليه رياح لطيفة أو أمواج متحركة‏,‏ والجمع‏(‏ حباك‏)‏ و‏(‏حبك‏)‏ و‏(‏حبائك‏),‏ فالتموجات التي تظهر علي صفحة الرمل اذا هبت عليه الرياح أو جرت عليه التيارات المائية تسمي‏(‏ حبكا‏)‏ و‏(‏حبائك‏)‏ ومفردها‏(‏ حبيكة‏)‏ أو ما يطلق عليه إلى وم اسم علامات النيم‏,‏ ودرع الحديد لها حبك‏.‏
      و‏(‏الحبيكة‏)‏ وجمعها‏(‏ حبائك‏)‏ و‏(‏حبك‏)‏ هي الطريق من خصل الشعر ونحوه‏,‏ فالشعرة الجعدة تكسرها‏(‏ حبك‏),‏ وفي حديث الدجال أن شعره‏(‏ حبك‏),‏ وعلي ذلك يقال‏:‏ فلان رأسه‏(‏ حبك‏)‏ أي شعر رأسه متكسر من الجعودة‏.‏
      وقد جاءت لفظة‏(‏ الحبك‏)‏ في القرآن الكريم مرة واحدة فقط‏,‏ وذلك في قول الحق‏(‏ تبارك وتعالى ‏):‏ والسماء ذات الحبك‏*‏
      ومن الاستعراض اللغوي السابق‏,‏ يتضح أن من معاني ذلك‏:‏
      ‏1‏ ـ السماء ذات الصنع المحكم والإبداع في الخلق‏.‏
      ‏2‏ ـ السماء ذات الروابط الشديدة والنسيج المحكم‏.‏
      ‏3‏ ـ السماء ذات التباين الواضح في كثافة المادة المكونة لها‏.‏
      ‏4‏ ـ السماء ذات المدارات المحددة لجميع الأجرام الجارية فيها‏.‏

      آراء المفسرين
      في تفسير القسم القرآني‏:‏ والسماء ذات الحبك ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ قول ابن عباس‏(‏ رضي الله تبارك وتعالى عنهما‏):‏ ذات الحبك أي ذات الجمال والبهاء‏,‏ والحسن والاستواء‏,‏ أي ذات الخلق الحسن المستوي‏,‏ وهو ما قال به أيضا كل من مجاهد‏,‏ وعكرمة‏,‏ وسعيد بن جبير‏,‏ والسدي‏,‏ وقتادة وغيرهم من قدامي المفسرين‏(‏ يرحمهم الله جميعا‏).‏
      كذلك أشار ابن كثير إلى قول الضحاك‏(‏ يرحمه الله‏):‏ الرمل والزرع اذا ضربته الريح فينسج بعضه بعضا طرائق طرائق‏,‏ فذلك الحبك‏,‏ وإلى قول أبي صالح‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ان ذات الحبك أي ذات الشدة‏,‏ وإلى قول خصيف‏(‏ رحمة الله عليه‏)‏ ان ذات الحبك‏,‏ تعني ذات الصفاقة أي الشفافية والرقة‏,‏ وإلى قول الحسن البصري‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ أنها حبكت بالنجوم‏,‏ وإلى قول عبدالله بن عمرو‏(‏ رحمه الله‏):‏ والسماء ذات الحبك‏,‏ يعني السماء السابعة‏,‏ ويلخص ابن كثير كل هذه الأقوال بأنها ترجع إلى شيء واحد وهو الحسن والبهاء كما قال ابن عباس‏(‏ رضي الله تبارك وتعالى عنهما‏),‏ فإنها من حسنها مرتفعة‏,‏ شفافة‏,‏ صفيقة‏,‏ شديدة البناء‏,‏ متسعة الأرجاء‏,‏ أنيقة البهاء‏,‏ مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات‏,‏ موشحة بالكواكب الزاهرات‏.‏
      وذكر مخلوف‏(‏ يرحمه الله‏)‏ أن الله‏(‏ تعالى ‏):‏ أقسم بالسماء ذات الطرق التي تسير فيها الكواكب‏,‏ وهي من بدائع الصنع‏,‏ جمع‏(‏ حبيكة‏),‏ كطريقة وزنا ومعني‏,‏ أو‏(‏ حباك‏)‏ كمثل ومثال‏,‏ و‏(‏الحبيكة‏)‏ و‏(‏الحباك‏):‏ الطريقة في الرمل ونحوه‏,‏ ويقال‏:(‏ حبك‏)‏ لما يري في الماء أو الرمل اذا مرت به الريح اللينة من التكسر والتثني‏,‏ أو ذات الخلق السوي الجيد‏,‏ من قولهم‏(‏ حبك‏)‏ الثوب‏(‏ يحبكه‏)(‏ حبكا‏),‏ أجاد نسجه‏,‏ وكل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد‏(‏ احتبكته‏),‏ وجواب القسم‏:‏ إنكم لفي قول مختلف‏*....‏
      وذكر صاحب الظلال‏(‏ يرحمه الله‏):‏ يقسم بالسماء المنسقة المحكمة التركيب‏,‏ كتنسيق الزرد‏(‏ أي الدرع‏)‏ المتشابك المتداخل الحلقات‏...,‏ وقد تكون هذه إحدى هيئات السحب في السماء حين تكون موشاة كالزرد‏,‏ مجعدة تجعد الماء والرمل إذا ضربته الريح‏,‏ وقد يكون هذا وضعا دائما لتركيب الأفلاك ومداراتها المتشابكة المتناسقة‏.‏
      وذكر الصابوني‏(‏ أمد الله في عمره‏)‏ في شرح قول الحق‏(‏ سبحانه وتعالى ‏):‏
      والسماء ذات الحبك‏:‏ أي وأقسم بالسماء ذات الطرائق المحكمة والبنيان المتقن‏.‏

      السماء ذات الحبك في المفهوم العلمي
      تفيد المعلومات المتوفرة عن الجزء المدرك من السماء الدنيا‏,‏ أن لتلك السماء من الصفات مايلي‏:‏
      ‏(‏أ‏)‏ أنها شاسعة الاتساع‏,‏ عظيمة البناء‏,‏ متقنة الخلق والصنعة‏.‏
      ‏(‏ب‏)‏ أنها ذات ترابط محكم شديد في كل جزئية من جزئياتها‏.‏
      ‏(‏ج‏)‏ أنها ذات كثافات متباينة في مختلف أجزائها‏.‏
      ‏(‏د‏)‏ أنها ذات مدارات محددة لكل جرم من أجرامها‏,‏ علي الرغم من تعاظم أعدادها واستمرارية سبحها‏.‏

      ‏(‏أ‏)‏ والسماء ذات الحبك‏,‏ بمعني ذات الإحكام في الخلق
      يحصي علماء الفلك في الجزء المدرك من الكون مائتي بليون مجرة علي الأقل‏,‏ وتتفاوت هذه المجرات في الشكل‏,‏ وفي الحجم‏,‏ وفي الكتلة‏,‏ وفي سرعة الدوران حول محورها‏,‏ وسرعة الجري في تباعدها عنا‏,‏ وفي مراحل تطور نجومها‏,‏ وفي ميلاد تلك النجوم واندثارها‏,‏ فمنها المجرات البيضانية‏,‏ والحلزونية‏,‏ وغير المنتظمة والغريبة في الشكل‏,‏ ومنها المجرات القزمة‏(‏ التي لا يكاد قطرها يتعدى‏3200‏ سنة ضوئية‏),‏ ومنها المجرات العملاقة‏(‏ التي يصل طول قطرها إلى ‏750,000‏ سنة ضوئية‏),‏ وتقدر كتلة أصغر المجرات المعروفة لنا بنحو مليون مرة قدر كتلة شمسنا‏,‏ بينما تصل كتلة أكبر المجرات المعروفة لنا بنحو تريليون‏(‏ أي مليون مليون‏)‏ مرة قدر كتلة شمسنا‏,‏ وتبلغ كتلة مجرتنا‏(‏ الطريق اللبني‏)‏ حوإلى ‏230‏ بليون مرة قدر كتلة شمسنا‏.‏
      وتتجمع المجرات في مجموعات محلية ‏(LocalGroups)‏
      تضم العشرات من المجرات ‏(Galaxies),‏
      وتلتقي المجموعات المحلية في وحدات أكبر تسمي باسم التجمعات المجرية ‏GalacticClusters),‏
      التي تضم مئات إلى عشرات الآلاف من مختلف أنواع المجرات‏,‏ والتي تعرف العلماء علي آلاف منها‏,‏ وتلتقي تلك في وحدات أكبر تعرف باسم
      (‏ المجموعات المحلية العظمي‏) (TheLocalSupergrups)‏
      التي تتجمع بدورها في وحدات أكبر تعرف باسم التجمعات المجرية العظمي
      ‏(GalacticSuperclusters)‏
      والتي تحوي مائة تجمع مجري‏,‏ وقد حصي علماء الفلك منها‏16‏ تجمعا في مسافة تقدر بحوالي عشرين بليون سنة ضوئية منا‏,‏ وترتقي التجمعات المجرية العظمي إلى وحدات أعظم‏,‏ تعرف باسم تجمعات التجمعات المجرية العظمي ‏(ClustersofGalacticSuperclusters)‏
      إلى نهاية لا يعلمها إلا الله‏(‏ تعالى ‏).‏

      أ ـ شدة تماسك أجزاء السماء من مرحلة الايونات إلى مرحلة الذرات إلى بداية الاندماج النووى وتخليق العناصر وتكون المجرات
      ب ـ مدارات كواكب المجموعة الشمسية شديدة الاحكام

      والتجمع المجري الأعظم الذي تنتسب إلى مجرتنا يضم مائة من التجمعات المجرية علي هيئة قرص يبلغ قطره مائة مليون من السنين الضوئية‏,‏ وسمكه عشر ذلك‏(‏ أي عشرة ملايين من السنين الضوئية‏)‏ وهي نفس النسبة بين طول قطر مجرتنا وسمكها‏.‏
      وقد اكتشف مؤخرا تجمع مجري عظيم يبلغ طوله بليون ونصف البليون من السنين الضوئية‏,‏ ومائتي مليون سنة ضوئية في أقصر أبعاده‏.‏
      وتدرس السماء الدنيا في شرائح تقدر أبعادها بحوالي‏150‏ مليونا‏*100‏ مليون‏*15‏ مليونا من السنين الضوئية‏,‏ ووصل أطولها إلى ‏250‏ مليون سنة ضوئية‏,‏ وتسمي باسم الحائط العظيم ‏(TheGreatWall)‏
      وبعد إطلاق القمر الصنعي المعروف باسم مستكشف الخلفية الإشعاعية للكون في سنة‏1989‏ م تمكن العلماء من إدراك ستة نطق متمركزة حول ما يعتقد بأنه مركز الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون‏,‏ وذلك علي النحو التإلى ‏:‏
      ‏(1)‏ نطاق الانفجار العظيم‏(‏ نطاق كرة النار الأولي‏):‏
      ويمتد بقطر يقدر بحوالي بليون سنة ضوئية حول نقطة يعتقد بأنها مركز الانفجار الكوني العظيم‏.‏
      ‏(2)‏ النطاق الغامض‏:‏ ويضم سحبا بيضاء كثيفة تحيط نطاق الانفجار العظيم بسمك يصل إلى بليوني سنة ضوئية‏.‏
      ‏(3)‏ النطاق بعد النطاق الغامض‏:‏ ويضم سحبا من دخان السماء تغلف النطاق الغامض بسمك يتراوح بين بليونين إلى ثلاثة بلايين من السنين الضوئية‏.‏
      ‏(4)‏ نطاق أشباه النجوم السحيقة‏:‏ ويضم أكثر أشباه النجوم بعدا عنا‏,‏ ويمتد بسمك يقدر بحوالي خمسة بلايين من السنين الضوئية حول النطاق السابق‏.‏

      ‏(5)‏ نطاق أشباه النجوم القديمة‏:‏ ويضم أقرب أشباه النجوم إلينا ‏,‏ ويمتد بسمك يقدر بحوالي سبعة بلايين من السنين الضوئية حول نطاق أشباه النجوم السحيقة‏.‏
      ‏(6)‏ نطاق المجرات‏:‏ ويحيط النطق السابقة كلها بسمك يقدر بحوالي أربعة بلايين من السنين الضوئية‏.‏
      وعلي ذلك‏,‏ فإن قطر الجزء المدرك من السماء الدنيا يقدر بحوالي‏23‏ بليون سنة ضوئية علي الأقل‏.‏
      ومجرتنا‏(‏ سكة التبانة أو درب اللبانة أو الطريق اللبني‏)‏ تعتبر في هذا الحشد هباءة منثورة في السماء الدنيا‏,‏ التي لا يعلم حدودها إلا الله‏(‏ تعالى ‏).‏ وهي عبارة عن قرص مفرطح يبلغ طول قطره حوالي مائة ألف سنة ضوئية‏,‏ ويبلغ سمكه عشرة آلاف من السنين الضوئية‏,‏ ويضم ما بين مائة بليون إلى تريليون‏(‏ مليون مليون‏)‏ نجم في مراحل مختلفة من العمر‏,‏ منها نجوم النسق العادي كشمسنا‏,‏ ومنها العمإلى ق الحمر‏,‏ والعمإلى ق الكبار‏,‏ ومنها النجوم الزرقاء شديدة الحرارة‏,‏ ومنها الأقزام البيض الباردة نسبيا‏,‏ ومنها النجوم النيوترونية‏,‏ والنجوم الخانسة الكانسة‏(‏ الثقوب السود‏)‏ ومنها أشباه النجوم وغيرها‏.‏
      وكما أن لشمسنا توابع من الكواكب والكويكبات‏,‏ والأقمار والمذنبات التي تكون مجموعتنا الشمسية‏,‏ فإنه من المنطقي أن يكون لكل نجم من هذه الملايين من النجوم توابعه الخاصة به‏.‏
      وتقدر كتلة مجرتنا‏(‏ سكة التبانة‏)‏ بحوالي ‏4,6*3810‏ طن‏,[‏ أي بمائتين وثلاثين بليون مرة قدر كتلة شمسنا‏(‏ والمقدرة بحوالي ‏333,000‏ مرة قدر كتلة الأرض والمقدرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طن‏)].‏
      وتدور مجرتنا دورة كاملة حول مركزها في مدة تقدر بحوالي ‏250‏ مليون سنة من سنيننا‏,‏ وهذا هو يومها‏.‏
      والنجوم في مجرتنا إما مفردة أو ثنائية أو عديدة‏,‏ وهي تدور جميعا حول مركز المجرة بطريقة موازية أو متعامدة أو مائلة علي خط استواء المجرة‏.‏
      ولمجرتنا نواة تحتوي علي حشد كثيف من النجوم‏,‏ وحلقة من غاز الإيدروجين تدور حوله‏,‏ ويمتد قطر النواة لعشرات السنين الضوئية حول المركز الهندسي للمجرة‏,‏ والنواة ذات نشاط إشعاعي واضح بما يشير إلى وجود نجم خانس كانس‏(‏ ثقب أسود‏)‏ في مركزها تقدر كتلته بمائة مليون مرة قدر كتلة شمسنا‏,‏ ويحيط بنواة المجرة انبعاج يعرف باسم الانبعاج المجري‏,‏ كما يحيط بالانبعاج المجري قرص المجرة بسمك يصل إلى ستين ألف سنة ضوئية‏,‏ ويتكون من نجوم و غازات وأتربة‏(‏ دخان‏)‏ تزيد كتلتها عن نصف كتلة المجرة‏,‏ وتبعد شمسنا عن مركز القرص بمسافة ثلاثين ألف سنة ضوئية‏,‏ وعن أقرب أطراف المجرة بمسافة عشرين ألف سنة ضوئية‏,‏ وتجري شمسنا ومعها مجموعتها الشمسية‏(‏ شمس‏+‏ تسع كواكب علي الأقل‏+61‏ قمرا‏+‏ عدد من الكويكبات والمذنبات‏)‏ حول مركز المجرة بسرعة تقدر بثلاثمائة كيلومتر في الثانية‏,‏ لتتم دورتها في مائتي مليون سنة‏,‏ ولمجرتنا أربعة أذرع حلزونية تبلغ سمك أطرافها‏2600‏ من السنين الضوئية‏,‏ ويحيط بها هالة اسطوانية تمتد إلى مائتي ألف سنة ضوئية طولا‏,‏ وعشرين ألف سنة ضوئية سمكا‏.‏
      وهالة مجرتنا تنقسم إلى نطاق داخلي يضم عددا من النجوم المتباعدة عن بعضها البعض‏,‏ ونطاق وسطي سميك يتكون من مادة قاتمة و غازات منخفضة الكثافة‏,‏ ونطاق خارجي علي هيئة حزام إشعاعي يمتد إلى مسافات شاسعة‏.‏
      وتجري مجموعتنا الشمسية في وضع مائل علي خط استواء المجرة‏,‏ دون تصادم أو خروج عن مداراتها المحددة‏.‏
      ويعتقد بوجود أكثر من نجم خانس كانس في مجرتنا‏,‏ بالإضافة إلى الموجود في مركزها‏,‏ تم اكتشاف أحدها في سنة‏1971‏ م في كوكبة الدجاجة مع نجم مرئي مرافق تقدر كتلته بحوالي ثلاثين مرة قدر كتلة الشمس‏.‏
      وكل من المادة والطاقة يتحرك في مجرتنا ـ كما يتحرك في كل الجزء المدرك من السماء الدنيا ـ من أجرام تلك السماء إلى دخانها وبالعكس في حركة شديدة الانضباط والإحكام‏,‏ فالنجوم الابتدائية تتولد من التكثف الشديد لدخان السماء فيما يعرف باسم السحب الجزيئية فتنكمش تلك السحب الكثيفة‏,‏ وتنهار مادتها في المركز بمعدل أسرع من انهيارها في الأطراف‏,‏ ولأن النواة المنهارة تدور بسرعات فائقة‏,‏ فإن أجزاءها الخارجية تتشكل علي هيئة قرص‏,‏ وتظل عملية تكثيف المادة وتراكمها في تصاعد مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة النواة باطراد‏,‏ حتى تصل إلى الدرجة اللازمة لبدء التفاعلات النووية‏,‏ فيولد النجم‏.‏
      ونجوم النسق الرئيسي تمثل المرحلة الأساسية في حياة نجوم السماء الدنيا‏(‏ حيث تمثل‏90%‏ من حياة النجم‏),‏ وعند الشيخوخة تسلك النجوم الهرمة مسلكا من اثنين حسب كتلة المادة والطاقة فيها‏,‏ فإذا كانت كتلة النجم في حدود‏1,4‏ من كتلة الشمس‏,‏ فإنه يتوهج بدرجة فائقة علي هيئة عملاق أحمر ثم يتحول إلى نجم أزرق شديد الحرارة وسط هالة من الايدروجين المتأين‏(‏ أي الحامل لشحنة كهربائية‏)‏ يعرف باسم السديم الكوكبي الذي سرعان ما يتبرد وينكمش علي هيئة تعرف باسم القزم الأبيض‏,‏ وقد تدب الحياة مرة أخري في ذلك القزم الأبيض‏,‏ فيعاود الانفجار علي هيئة عملاق أحمر‏,‏ ويعود قزما أبيض أكثر من مرة حتى ينتهي به العمر فينفجر علي هيئة مستعر أعظم من النسق الأول وتنتهي مادته وطاقته إلى دخان السماء فتدخل أو لا تدخل في دورة ميلاد نجم جديد‏.‏
      أما اذا تراوحت كتلة النجم بين‏1,4‏ من كتلة الشمس إلى ثلاثة أضعاف كتلة الشمس‏,‏ فإن توهجه يزداد زيادة ملحوظة في شيخوخته متحولا إلى عملاق أعظم
      ‏(Supergiant),‏ ثم ينفجر علي هيئة مستعر أعظم من النسق الثاني ‏(TypeIISupernova)‏
      عائدا جزئيا إلى دخان السماء علي هيئة بقايا المستعر الأعظم
      ‏(SupernovaRemnants),‏
      ومكدسا جزءا من كتلته علي هيئة ما يعرف باسم النجم النيوتروني ‏(NeutronStar)‏
      وهو نجم قزم‏,‏ منكدر‏,‏ لا يتعدى قطره ستة عشر كيلومترا‏,‏ سريع الدوران حول محوره بمعدلات فائقة‏,‏ تنتج أحيانا تيارا من الموجات الراديوية التي يمكن الاستدلال عليه بها‏,‏ لما تبثه من نبضات راديوية منتظمة يمكن تسجيلها بواسطة المرقاب الراديوي‏.‏
      واذا تعدي حجم النجم ثلاثة أضعاف كتلة الشمس‏,‏ فإن ناتج الانفجار يكون نجما خانسا كانسا‏(‏ ثقبا أسود‏).‏
      هذه الصورة للجزء المدرك من الكون تعكس شيئا عن ضخامة ذلك البناء‏,‏ ودقة بنائه‏,‏ وشساعة أبعاده‏,‏ وإتقان صنعته‏,‏ وروعة خلقه‏,‏ وإحكام كل جزئية فيه وهي من معاني‏(‏ حبك‏)‏ الصنعة‏,‏ ومن هنا كان وصف السماء بأنها ذات‏(‏ حبك‏).‏

      ‏(‏ب‏)‏ السماء ذات الحبك بمعني ذات الترابط المحكم الشديد‏
      ج ـ شدة الترابط في داخل نواة ذرة الكربون 10ـ 11 ملليمتر
      د ـ مجرة حلزونية بها بلاين النجوم المرتبطة بالجاذبية هذه الأعداد المذهلة مما عرفنا من أجرام الجزء المدرك من السماء الدنيا‏(‏ وهي لا تمثل أكثر من‏10%‏ من مجموع كتلة ذلك الجزء المدرك‏),‏ لابد لها من قوي تعمل علي إحكام تماسكها بشدة‏,‏ وتماسك مختلف الأجرام وصور المادة وأشكال الطاقة فيها‏,‏ و إلا لزالت وانهارت‏,‏ وسبحان القائل‏:‏
      إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا‏*)(‏ فاطر‏:41).‏
      ولله في إمساك السماوات والأرض عدد من السنن‏,‏ والقوي التي استطاع الإنسان التعرف علي شيء منها‏,‏ كمايلي‏:‏
      ‏(1)‏ القوة الشديدة أو القوة النووية
      وهي القوة التي تقوم بربط الجسيمات الأولية للمادة في داخل نواة الذرة‏(‏ من مثل البروتونات والنيوترونات‏),‏ وعلي التحام نوي الذرات مع بعضها البعض في عمليات الاندماج النووي‏(‏ التي تتم بداخل النجوم‏),‏ وهي أشد أنواع القوي المعروفة لنا في مادة الجزء المدرك من الكون‏,‏ ولو أن هذه الشدة البالغة عبر الأبعاد الضئيلة تتضاءل بشدة عبر المسافات الكبيرة‏,‏ فدورها يكاد يكون منحصرا في داخل نوي الذرات‏,‏ وبين تلك النوى ومثيلاتها‏,‏ وتحمل هذه القوة علي جسيمات تسمي اللاحمة أو جليون
      ‏(Gluon)‏ لم تكتشف إلا في أواخر السبعينيات من القرن العشرين‏.‏
      ‏(2)‏ القوة الضعيفة‏:‏ وتساوي‏10‏ ـ‏13‏ من شدة القوة النووية الشديدة‏,‏ وتعمل علي تفكك الجسيمات الأولية للمادة في داخل الذرة‏,‏ كما يحدث في تحلل العناصر المشعة‏,‏ وتؤثر علي جميع أنواع تلك الجسيمات‏,‏ وتحمل هذه القوة علي جسيمات تسمي البوزونات ‏(Bosons)‏
      وهي إما سالبة أو عديمة الشحنة‏.‏
      ‏(3)‏ القوة الكهرومغناطيسية‏:‏ وتساوي‏137/1‏ من شدة القوة النووية الشديدة‏,‏ وتؤدي إلى حدوث الاشعاع الكهرومغناطيسي علي هيئة فوتونات أو ما يعرف باسم الكم الضوئي تنطلق بسرعة الضوء لتؤثر علي جميع الجسيمات التي تحمل شحنات كهربية ومن ثم فهي تؤثر في جميع التفاعلات الكيميائية‏.‏
      ‏(4)‏ قوة الجاذبية‏:‏ وهي أضعف القوي المعروفة علي المدى القصير‏(10‏ ـ‏39‏ من القوة النووية الشديدة‏),‏ ولكن نظرا لطبيعتها التراكمية فإنها تتزايد باستمرار علي البعد حتى تصبح القوة الحاكمة علي اتساع السماء والأرض‏(‏ أي علي اتساع الكون‏)‏ بعد إرادة الله الخالق‏(‏ سبحانه و تعالى ‏),‏ حيث تمسك بمختلف أجرام السماء وتجمعاتها من الكواكب وأقمارها‏,‏ والنجوم ومجموعاتها‏,‏ والتجمعات النجمية بمختلف مراتبها‏(‏ المجرات‏,‏ التجمعات المحلية‏,‏ التجمعات المجرية‏,‏ التجمعات المحلية العظمي‏,‏ التجمعات المجرية العظمي إلى نهاية لا يعلمها إلا الله‏),‏ وأشباه النجوم‏,‏ و السدم‏,‏ وغير ذلك من مختلف صور المادة والطاقة التي تملأ صفحة السماء‏,‏ ولولا هذا الرباط الذي أوجده الخالق‏(‏ سبحانه و تعالى ‏)‏ لانفرط عقد الكون‏.‏
      ويفترض وجود قوة الجاذبية علي هيئة جسيمات خاصة في داخل الذرة لم تكتشف بعد‏,‏ اقترح لها اسم الجسيم الجاذب أو الجرافيتون
      ‏(Graviton),‏ ويعتقد أنه يتحرك بسرعة الضوء‏.‏
      وسبحان الذي أنزل من قبل أربعة عشر قرنا قوله الحق‏:‏
      الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها‏...*‏ ‏(‏الرعد‏:2)‏
      وذلك قبل تعرف الإنسان علي قوة الجاذبية بأكثر من عشرة قرون‏.‏
      وكما تم توحيد قوتي الكهرباء والمغناطيسية في قوة واحدة هي القوة الكهرومغناطيسية‏,‏ يحاول العلماء جمع كل من القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة فيما يسمي باسم القوة الكهربائية الضعيفة‏,‏ حيث لا يمكن فصل هاتين القوتين في درجات الحرارة العليا‏,‏ كما يحاولون جمع كل من القوة الكهربية الضعيفة والقوة النووية في قوة واحدة في عدد من النظريات تسمي نظريات التوحيد الكبرى‏,‏ وجمع كل ذلك مع الجاذبية فيما يسمي بالجاذبية العظمي يعتقد العلماء أنها كانت القوة الوحيدة السائدة في درجات الحرارة العليا عند بدء الخلق‏,‏ ثم تمايزت إلى القوي الأربع المعروفة لنا إلى وم‏,‏ والتي ليست سوي أوجه أربعة لتلك القوة الكونية الواحدة‏,‏ التي تشهد لله الخالق بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏.‏
      وفي محاولة لجمع كل القوي المعروفة لنا في قوة واحدة اقترح علماء الفيزياء النظرية‏,‏ ما يعرف باسم نظرية الخيوط العظمي والتي تفترض أن اللبنات الأساسية للمادة تتكون من خيوط طولية في حدود‏10‏ ـ‏35‏ من المتر‏,‏ تلتف حول ذواتها فتبدو كما لو كانت نقاطا متناهية في الصغر‏,‏ وتقترح النظرية وجود مادة خفية تتعامل مع المادة العادية عبر الجاذبية‏.‏
      وهنا يتضح جانب من الوصف القرآني للسماء‏,‏ بأنها ذات حبك أي ذات ترابط محكم شديد يربط بين جميع مكوناتها‏,‏ من أدق دقائقها وهي اللبنات الأولية في داخل نواة الذرة‏,‏ إلى أكبر وحداتها وهي التجمعات المجرية العظمي إلى كل الكون‏.‏

      ‏(‏ج‏)‏ والسماء ذات الحبك بمعني ذات الكثافات المتباينة في مختلف أجزائها‏.‏
      يتفاوت متوسط كثافة المادة في صفحة السماء الدنيا‏,‏ بين واحد من ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب‏(1*10‏ ـ‏15‏ جرام‏/‏سم‏3)‏ في أشباه النجوم‏,‏ إلى حوالي ‏14‏ من ألف من الجرام للسنتيمتر المكعب في العماليق العظام‏(‏ أي واحد من مائة من كثافة الشمس‏)‏ إلى ‏1,41‏ جرام للسنتيمتر المكعب في شمسنا‏,‏ إلى طن واحد للسنتيمتر المكعب‏(610‏ جرامات‏/‏سم‏3)‏ في الأقزام البيض‏,‏ إلى بليون طن للسنتيمتر المكعب‏(1510‏ جرامات‏/‏سم‏3)‏ في النجوم النيوترونية‏,‏ إلى أضعاف مضاعفة لتلك الكثافة في النجوم الخانسة الكانسة‏(‏ الثقوب السود‏).‏
      واذا انتقلنا من أجرام السماء إلى المادة بين كل من النجوم والمجرات‏,‏ والمادة في السدم وفي دخان السماء‏,‏ وجدنا درجة أخري من التباين في كثافة المادة السماوية‏,‏ يجعلها تبدو مجعدة كتجعد الرمل وغيره من الفتات الصخري‏,‏ إذا مرت به أمواج المياه المندفعة‏,‏ أو تيارات الرياح اللينة فتحدث بها من التكسر والتثني ما ينطبق مع المدلول اللغوي للفظة‏(‏ الحبك‏).‏
      وتتجسد هذه الصورة في داخل مختلف هيئات تجمع المادة في صفحة السماء من المجموعات النجمية من مثل مجموعتنا الشمسية إلى المجرات‏,‏ إلى التجمعات المجرية العظمي في داخل كل وحدة من تلك الوحدات البانية للسماء الدنيا‏,‏ وبين كل وحدة والوحدات المشابهة لها والأعلي منها رتبة‏.‏

      ‏(‏د‏)‏ والسماء ذات الحبك بمعني ذات المدارات‏(‏ الطرق‏)‏ المحددة لكل جرم من أجرامها‏.‏
      من الأمور المبهرة حقا في الجزء المدرك من السماء الدنيا‏,‏ كثرة الأجرام فيها بصورة لا يكاد الإنسان يحصيها‏,‏ وتعدد مسارات تلك الأجرام‏,‏ وتباين مستوياتها‏,‏ دون أدني قدر من التضارب أو الاصطدام إلا بالقدر المقنن والمحسوب بدقة بالغة لحكمة بالغة‏,‏ حتى في لحظات احتضار النجوم وانكدارها‏,‏ وطمسها‏,‏ ثم انفجارها وتناثر أشلائها‏,‏ وتبخر مادتها‏,‏ وكذلك في لحظات انفجار الكواكب وتناثرها علي الرغم من كثرة المسارات وتعدد الحركات للجرم الواحد‏.‏
      ومن هنا نفهم من القسم القرآني بـ والسماء ذات الحبك شمول تلك المدارات المخططة بدقة فائقة‏,‏ بالإضافة إلى روعة البناء‏,‏ وإحكام الترابط‏,‏ وتباين الكثافات‏,‏ وكلها من معاني هذا الوصف المعجز ذات الحبك‏.‏
      فسبحان الذي أنزل هذا الوصف القرآني من فوق سبع سماوات‏,‏ ومن قبل ألف وأربعمائة من السنين‏,‏ أنزله بعلمه الشامل‏,‏ الكامل‏,‏ المحيط‏,‏ ليصف بلفظة‏(‏ الحبك‏)‏ هذا الكم من صفات السماء‏,‏ التي لم تعرف إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ ولا يمكن لعاقل أن يتصور مصدرا لها غير الإله الخالق‏(‏ سبحانه و تعالى ‏).‏
      وقد يري القادمون في هذا الوصف القرآني ما لا نراه الآن‏,‏ لتظل اللفظة القرآنية مهيمنة علي المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها وتظل دلالاتها تتسع مع الزمن ومع اتساع معرفة الإنسان في تكامل لا يعرف التضاد‏,‏ وليس هذا لغير كلام الله‏...!!!‏
      وتبقي هذه اللمحات الكونية في كتاب الله ـ في اتساع دلالاتها مع الزمن في تكامل لا يعرف التضاد ـ مصدقة لقول الحق‏(‏ تبارك و تعالى ‏):‏
      ولتعلمن نبأه بعد حين‏*(‏ ص‏:88)‏ ولقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
      لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون‏*(‏ الأنعام‏:67)‏ ولقوله‏(‏ سبحانه‏):‏
      سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه علي كل شيء شهيد‏*(‏ فصلت‏:53)‏
      وتبقي أيضا تصديقا لنبوءة المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في وصفه للقرآن الكريم بأنه لا يخلق علي كثرة الترداد‏,‏ ولا تنقضي عجائبه‏.‏





      المصدر :

      موقع زغلول النجار على شبكة الإنترنت
    • إشارات قرآنية لتحديد عمر الكون




      إشارات قرآنية لتحديد عمر الكون



      لقد ذكر القرآن الكريم في كثير من آياتـه أن الله تعالى خلق الكون في ستـة أيام كمـا في قوله سبحانـه : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) (قّ:38)

      أما عن الأيام فالمقصود بها مراحل أو حقب زمنية لخلق الكون و ليست الأيام التي نعدها نحن البشر بدليل عدم وجود عبارة " مم تعدون " في جميع الآيات التي تتحدث عن الأيام الستة للخلق كما في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (هود:7) .

      (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (السجدة:4) .

      و هنا نلاحظ أن اليوم في سورة السجدة آية (4) يمثل مرحلة من مراحل الخلق أما اليوم في الآية (5) فهو من آياتنا التي نعدها بطلوع الشمس كل يوم والسؤال الآن هو ما هي هذه الأيام أو المراحل الستة و كيف يمكن تقسيمها كونياً ؟ .

      و العلم يقدر عمر الكون بين 10 ـ 20 مليار سنة .

      الإشارة القرآنية :

      قال تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (فصلت:9) .

      طبقاً لهذه الآيات فإن الأيام الستة للخلق قسمت كما أجمع المفسرون إلى ثلاثة أقسام متساوية كل قسم يعادل يومين من أيام الخلق بالمفهوم النسبي للزمن .

      أولاً : يومان لخلق الأرض من السماء الدخانية الأولى :(قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (فصلت:9) .

      (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الانبياء:30 )

      ثانياً : يومان لتسوية السماوات السبع :

      (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:11)

      و هذا يشير إلى الحال الدخانية للسماء بعد الانفجار الكوني العظيم بيومين حيث بدأ تشكل السماوات فقضاهن سبع سماوات في يومين .

      ثالثاً : يومان لتدبير الأرض جيولوجياً و تسخيرها للإنسان : قال تعالى :

      (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ) (فصلت:10) .

      مما يشير إلى جبال نيزكية سقطت و استقرت في البداية على قشرة الأرض فور تصلبها بدليل قوله " من فوقها " ،" و بارك فيها أقواتها " أي قدر أرزاق أهلها .

      " في أربعة أيام سواء للسائلين " أي تمام أربعة أيام كاملة متساوية بلا زيادة و لا نقصان للسائلين من البشر عن مدة خلقها و ما فيها و يرى جميع المفسرين أن هذه الأيام الأربعة تشمل يومي خلق الأرض و يومي التدبير الجيولوجي لها ويتضح مما سبق :

      1 ـ تساوي الأيام زمنياً و إلا لما أمكن جمعها و تقسيمها إلى ثلاثة مراحل متساوية .

      2 ـ التدبير الجيولوجي للأرض حتى وصول السائلين (الإنسان ) أستغرق يومين من أيام الخلق الستة أي أستغرق ثلث عمر الكون .

      و حيث أن التدبير الجيولوجي للأرض منذ بدء تصلب القشرة الأرضية و حتى ظهور الإنسان قد استغرق زمناً قدره 4.5 مليار سنة طبقاً لدراسة عمر الأرض إذاً عمر الكون =4،5 × 3= 13،5 مليار سنة و هذا الرقم يقارب ما توصلت إليه وكالة الفضاء الأمريكية ناسا مؤخراً و ذلك باستخدام مكوك فضائي مزود بمجسات متطورة جداً لدراسة الكون حيث قدرت عمر الكون بـ 13،7 مليار سنة *.

      المصدر : الكون و الإعجاز العلمي للقرآن تأليف الأستاذ منصور حسب النبي

      *موقع قناة الجزيرة( ناسا تعلن تمكنها من كشف عمر الكون) الأربعاء 11/12/1423هـ الموافق 12/2/2003م.
    • العروج في السماء



      العروج في السماء



      قال تعالى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (الحجر:14،15)

      العلم التجريبي يؤكد على أن هناك طبقة من النور حول الأرض هي طبقة لا تتعدى 200 كم، و هي في النصف المواجه للشمس ، وإن باقي الكون ظلام دامس، وعندما يتخطى الإنسان هذه الطبقة فإنه يرى ظلام دامس .

      و لما تخطى أحد رواد الفضاء الأمريكيون هذه الطبقة لأول مرة عبر عن شعوره في تلك اللحظة فقال:

      " I have almost lost my eye sight or something magic has come over me.

      " كأني فقدت بصري ، أو اعتراني شيء من السحر" .

      و هو تماماً تفسير لقوله تعالى : " لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قومٌ مسحورون ".

      أما قوله تعالى " و لو فتحنا عليهم باباً" و الباب لا يفتح في فراغ أبدا ، و القرآن يؤكد أن السماء بناء أي أن السماء بناء مؤلف من لبنات أي لا فراغ فيها .

      يقول علماء الفلك : إنه لحظة الانفجار العظيم امتلأ الكون بالمادة و الطاقة، فخلقت المادة والطاقة كما خلق المكن و الزمان، أي لا يوجد زمان بغير مكان و مكان بغير زمان و لا يوجد زمان و مكان بغير مادة و طاقة ، فالطاقة تملأ هذا الكون .

      " يعرجون " أي السير بشكل متعرج، و قد جاء العلم ليؤكد أنه لا يمكن الحركة في الكون في خط مستقيم أبداً، وإنما في خط متعرج .

      المصدر : من آيات الإعجاز في القرآن الكريم الدكتور زغلول النجار

    • جمع الشمس و القمر



      جمع الشمس و القمر



      قال تعالى ( فإذا برق البصر ، و خسف القمر و جمع الشمس و القمر) القيامة 7ـ9 .

      هذه الآيات تعبر عن نزع الإنسان من هول علامة من علامات تدمير الكون ، فجمع الشمس و القمر أصبح حقيقة علمية الآن ، لأنه ثبت بقياسات دقيقة للغاية أن القمر ( الذي يبعد عنا في المتوسط حوالي 400 ألف كم ) يتباعد عنا بطريقة مستمرة بمعدل ثلاثة سنتيمترات في السنة ن هذا التباعد سيدخل القمر وقت من الأوقات في نطاق جاذبية الشمس فتبتلعه الشمس ، و هذا من التنبؤات العلمية المبنية على استقراءات كونية و حسابات فلكية دقيقة ، فالقمر يستمر بتباعده عن الأرض لابد و أن يؤدي به هذا التباعد في يوم من الأيام إلى أن تبتلعه الشمس ، و لكن متى سيتم ذلك ؟ هذا في علم الله .
      المصدر :

      من آيات الإعجاز في القرآن الكريم الدكتور زغلول النجار
    • تكون الأمطار



      تكون الأمطار



      قال تعالى : (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (الروم:48)

      ظلت كيفية تكون الأمطار لغزاً كبيراً طويلاً مع الزمن ، ولم يكن من الممكن اكتشاف مراحل تكون الأمطار إلا بعد اكتشاف الرادارات .

      ووفقاً لهذه الاكتشافات يتكون المطر على ثلاثة مراحل : في المرحلة الأولى تصعد " المواد الأولية للمطر إلى الهواء مع الرياح ، وبعد ذلك تتشكل الغيوم و بعدها تبدأ قطرات المطر بالظهور .

      ووصف القرآن لتكون المطر يذكر هذه العلمية بشكل دقيق ، إذ يقول الله تعالى في وصف تكون المطر بهذه الطريقة :

      قال تعالى : ( الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء ..

      و لنتفحص الآن المراحل الثلاثة التي تحددها الآية بطريقة علمية :

      المرحلة الأولى : " الله الذي يرسل الرياح " .

      إن فقاعات الهواء التي لا تحصى و التي ترغي في المحيطات قاذفة بجزئيات المياه نحو السماء . بعد ذلك تحمل الرياح هذه الجزيئات الغنية بالأملاح و ترفعها إلى الغلاف الجوي هذه الجزئيات التي تسمى الهباء الجوي تعمل كأفخاخ مائية و تكون قطرات الغيوم عبر تجميع نفسها حول بخار الماء الصاعد من البحار على شكل قطرات صغيرة .

      المرحلة الثانية :

      ( فتثير سحاباً فيبسطة في السماء كيف يشاء و يجعله كسفاً ) .

      تتكون الغيوم من بخار الماء الذي يتكثف حلو بلورات الملح او جزئيات الغبار في الهواء و لأن قطرات المياه في هذه الغيوم صغيرة جداً يبلغ قطر الواحدة منها ما بين 0.01 ـ 0.02 ملم ، فإن الغيوم تتعلق في الهواء و تنتشر في أرجاء السماء ، و بهذا تغطي السماء بالغيوم .

      المرحلة الثالثة : ( فترى الودق يخرج من خلاله ) .

      إن جزئيات المياه التي تحيط ببلورات الملح و جزيئات الغبار تتكاثف لتكون قطرات المطر و بهذا فإن المطر الذي يصبح أثقل من الهواء يترك الغيوم و يبدأ بالهطول على الأرض .

      وكما نرى فإن كل مرحلة من مراحل تكون المطر مذكورة بالقرآن الكريم ، بل أكثر من ذلك ، فإن هذه المرحلة مشروحة بنفس السياق فكما هو الحال مع كثير من الظواهر الطبيعة الأخرى فقد أعطانا الله سبحانه و تعالى التفسير الصحيح حول هذه الظاهرة أيضاً ، و جعل الأمر معروفاً للناس في القرآن قبل قرون من اكتشافه .

      و تذكر آية أخرى من القرآن الكريم المعلومات التالية عن تكون المطر :

      ( ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماًُ فترى الودق يخرج من خلاله و ينزل من السماء من جبال ..

      إن العلماء الذين يدرسون الغيوم توصلوا إلى نتائج مفاجئة بالنسبة لتكون الغيوم الممطرة .

      فالغيوم الممطرة تتكون و تتشكل وفق نظام و مراحل محددة . فمثلاً مراحل تكون الركام و هو أحد أنواع الغيوم الممطرة هي :

      المرحلة الأولى : هي مرحلة الدفع حيث تحمل الغيوم أو تدفع بواسطة الرياح .

      المرحلة الثانية : هي مرحلة التجمع حيث تتراكم السحب التي دفعتها الرياح مع بعضها البعض لتكون غيمة أكير .

      المرحلة الثالثة : هي مرحلة التراكم حيث أن السحب الصغيرة عندما تتجمع مع بعضها فإن التيار الهوائي الصاعد في الغيمة الكبيرة يزداد ، فالتيار الهوائي قرب مركز الغيمة يكون أقوى من التيارات التي تكون على أطرافها ، و هذه التيارات تجعل جسم الغيمة ينمو عمودياً و لذلك فإن الغيمة أو السحابة تتراكم صعوداً . هذا النمو العمودي للغيمة يسبب تمددها إلى مناطق أكثر برودة من الغلاف الجوي حينما تتكون حبات المطر و البرد و تصبح أكبر ثم أكبر و عندما تصبح حبات المطر و البرد ثقيلة جداً على التيارات الهوائية بحيث يتعذر عليها حملها تبدأ بالهطول من السحب الممطرة على شكل مطر أو حبات برد و غيرها .10

      و يجب أن نتذكر دائما أن علماء الأرصاد الجوية لم يعرفوا تفاصيل تكون الغيوم و بنيتها ووظيفتها إلا من خلال استخدام التقينات المتطورة مثل الطائرات و الأقمار الصناعية و الحواسيب و من الواضح إن الله سبحانه وتعالى أعطانا هذه المعلومات عن الغيوم قبل 1400 سنة في زمن لم تكن لتعرف فيه .



      المصدر : كتاب معجزة القرآن تأليف هارون يحيى
    • القمر كان كوكباً مشتعلاً



      القمر كان كوكباً مشتعلاً



      قال تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً) (الاسراء:12) .

      قال المفسرون آية الليل هي القمر و آية النهار هي الشمس .

      قال ابن عباس : عن قوله تعالى : فمحونا آية الليل " لقد كانت القمر يضيء كالشمس فطمسنا ضوءه ".

      الحقيقة أن القمر و الأرض و المريخ و كل كواكب المجموعة الشمسية عندما بدأت كانت كلها مشتعلة و سبب هذا هو ا، المواد عندما أخذت تتجمع مع بعضها بعد انفجار الشمس الأم و تكوِّن محيطاً فتندفع إليها القطع الباقية حولها بسرعة جبارة بسبب الجذب و يزداد ارتطام هذه القطع على الكوكب المتكون فتزيد من حرارته زيادة كبيرة حتى تصل إلى درجة انصهار سطحه كله ، وهذا الانصهار يصح أن يمتد إلى سمك حوالي 300 كيلومتر في عمق الكوكب المتكون مع جميع الجهات .

      هذا في حالة القمر أما في حالة الأرض فإننا لا نعرف ذلك لآن الأرض تغيرت كثيراً جداً عن يوم خلقها أما القمر فتغير قليلاً جداً من يوم خلقه الله .

      و هذا الصهير يكون لونه احمر مثل النار و الصخور تكون منصهرة و سائلة ، و هذا يعني أن درجة الحارة أكبر بكثير من درجة حارة النار التي تعرفها فنحن لا نستطيع أن نصل بدرجة حارة النار لدرجة صهر الصخور لتصبح سائلة أبداً ...

      و في هذا الصهر الصخري أو الصخور السائلة تبدأ عمليات انفصال المعادن فتأخذ المعادن الثقيلة في الغوص إلى تحت و تطفوا العناصر الخفيفة إلى فوق ، و نعلم أن هذا قد حدث في قشرة القمر .

      و معنى هذا أن الكوكب أو الجسم السماوي يكون ملتهباً في بدء خلقه ، نتيجة ما يتراكم على سطحه من طبقات و قطع المجموعة الشمسية الصلبة و حتى تنصهر المنطقة العلوية كلها في سمك 300 كيلومتر و تبدأ العناصر الثقيلة في الرسوب و تطفوا العناصر الخفيفة و تبرد وتكون القشرة من عناصر خفيفة فوق و عناصر أو معادن ثقيلة تحت .


      المصدر :

      ندوة بين الشيخ عبد المجيد الزنداني و الدكتور فاروق البارز مدرب رواد الفضاء في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا .
    • وفي الأرض آيات للموقنين




      وفي الأرض آيات للموقنين



      قال تعالى : {19} وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ {20} وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {21} وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ {22} فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ {23}

      يستهل ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ سورة الذاريات بقسم منه ـ وهو سبحانه الغني عن القسم ـ وجاء القسم بعدد من آياته الكونية على أن وعده لعباده وعد صادق‏,‏ وأن دينه الذي أنزله على فترة من الرسل‏,‏ والذي أتمه في بعثة النبي والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله على ه وسلم‏)‏ والذي سماه الإسلام‏,‏ والذي لا يرتضي من عباده دينا سواه لهو حق واقع لاشك فيه‏.‏

      ثم أعاد ربنا‏(‏ تبارك اسمه‏)‏ القسم مرة أخرى بالسماء ذات الحبك على أن الناس مختلفون في أمر يوم الدين بين مكذب ومصدق‏,‏ وأن المكذبين الذين شغلتهم الحياة الدنيا عن التفكير في مصيرهم بعد الموت يُصرفون عن حقيقة هذا اليوم الرهيب‏,‏ ثم تعرض الآيات لمصير كل من المكذبين والمصدقين بالآخرة‏,‏ كما تعرض لعدد من صفات كل من الفريقين‏,‏ ثم تعاود السورة في سياقها الاستدلال بعدد من الآيات الكونية الأخرى في الأرض وفي الأنفس وفي الآفاق على أن وحي الله‏(‏ تعالى‏)‏ إلى عباده في القرآن الكريم حق مطلق يجب على الناس تصديقه كما يصدقون ما ينطقون هم أنفسهم به‏...!!!‏

      ومن هذه الآيات الكونية التي استشهد بها الحق‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ على صدق وحيه في آخر رسالاته وكتبه قوله‏ (‏ وهو أصدق القائلين‏):‏ (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (الذريات:20)

      فما هي آيات الله في الأرض الدالة على طلاقة قدرته‏,‏ وعظيم حكمته‏,‏ واحاطة سلطانه وعلمه؟ ما هذه الآيات التي استشهد بها‏(‏سبحانه وتعالى‏)‏ ـ وهو الغني عن كل شهادة ـ على صدق وحيه الذي أنزله على خاتم أنبيائه ورسله؟ هذا الوحي الذي تعهد‏(‏سبحانه‏)‏ بحفظه فحفظ على مدى أربعة عشر قرناً أو يزيد بنفس اللغة التي أوحى بها‏(‏ اللغة العربية‏),‏ سورة سورة‏,‏ وآية آية‏,‏ وكلمة كلمة‏,‏ وحرفاً حرفا‏ً,‏ دون أدنى زيادة أو نقصان‏,‏ وهذا وحده من أعظم الشهادات على صدق القرآن الكريم وإعجازه‏,‏ وعلى أنه كلام الله الخالق‏,‏ وعلى صدق الصادق الأمين الذي تلقاه عن ربه‏,‏ وعلى صدق نبوته ورسالته‏(‏ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وعلى من تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين‏)‏

      الدلالة اللغوية لألفاظ الآية الكريمة:

      ‏(‏الأرض‏)‏ في اللغة العربية اسم جنس للكوكب الذي نحيا عليه‏,‏ تمييزا له عن بقية الكون‏,‏ والذي يجمع تحت اسم السماوات أو السماء‏,‏

      الأرض في القرآن الكريم:

      جاء ذكر الأرض في أربعمائة وواحد وستين‏(461)‏ موضعا من كتاب الله‏,‏ منها ما يشير إلى الأرض ككل في مقابلة السماء‏,‏ ومنها ما يشير إلى اليابسة التي نحيا على ها كلها‏,‏ أو إلى جزء منها‏, (‏واليابسة هي جزء من الغلاف الصخري للأرض وهي كتل القارات السبع المعروفة والجزر المحيطية العديدة‏),‏ ومنها ما يشير إلى التربة التي تغطي صخور الغلاف الصخري للأرض‏.‏

      وفي هذه الآيات إشارات إلى العديد من الحقائق العلمية عن الأرض والتي يمكن تبويبها بإيجاز على النحو التالي‏:‏

      ‏(1)‏ ـ آيات تأمر الإنسان بالسير في الأرض‏,‏ والنظر في كيفية بدء الخلق‏,‏ وهي أساس المنهجية العلمية في دراسة علوم الأرض‏.‏

      ‏(2)‏ ـ آيات تشير إلى شكل وحركات وأصل الأرض‏,‏ منها ما يصف كروية الأرض‏,‏ ومنها ما يشير إلى دورانها‏,‏ ومنها ما يؤكد على عظم مواقع النجوم منها‏,‏ أو على حقيقة اتساع الكون و‏(‏الأرض جزء منه‏),‏ أو على بدء الكون بجرم واحد‏(‏ مرحلة الرتق‏),‏ ثم انفجار ذلك الجرم الأولي‏(‏مرحلة الفتق‏),‏ أو على بدء خلق كل من الأرض والسماء من دخان‏,‏ أو على انتشار المادة بين السماء والأرض‏(‏ المادة بين الكواكب وبين النجوم وبين المجرات‏),‏ أو على تطابق كل من السماوات والأرض‏(‏ أي تطابق الكون‏).‏

      ‏(3)‏ ـ آية قرآنية واحدة تؤكد أن كل الحديد في كوكبنا الأرض قد أنزل إليها من السماء إنزالاً حقيقياً‏.‏

      ‏(4)‏ ـ آية قرآنية تؤكد حقيقة أن الأرض ذات صدع‏,‏ وهي من الصفات الأساسية لكوكبنا‏.‏

      ‏(5)‏ ـ آيات قرآنية تتحدث عن عدد من الظواهر البحرية المهمة من مثل ظلمات البحار والمحيطات‏(‏ ودور الأمواج الداخلية والسطحية في تكوينها‏),‏ وتسجير بعض هذه القيعان بحرارة عالية‏,‏ وتمايز المياه فيها إلى كتل متجاورة لا تختلط اختلاطاً كاملا‏ً,‏ نظراً لوجود حواجز أفقية ورأسية غير مرئية تفصل بينها‏,‏ ويتأكد هذا الفصل بين الكتل المائية بصورة أوضح في حالة التقاء كل من المياه العذبة والمالحة عند مصاب الأنهار‏,‏ مع وجوده بين مياه البحر الواحد أو بين مياه البحار المتصلة ببعضها البعض.

      ‏(6)‏ ـ آيات قرآنية تتحدث عن الجبال‏,‏ منها ما يصفها بأنها أوتاد‏,‏ وبذلك يصف كلاً من الشكل الخارجي‏(‏ الذي على ضخامته يمثل الجزء الأصغر من الجبل‏)‏ والامتداد الداخلي‏(‏ الذي يشكل غالبية جسم الجبل‏),‏ كما يصف وظيفته الأساسية في تثبيت الغلاف الصخري للأرض‏,‏ وفي اتزان دورانها حول محورها‏,‏ وتتأكد هذه الوظيفة في اثنتين وعشرين آية أخرى‏,‏ وردت بها كذلك إشارات إلى عدد من الوظائف والصفات الإضافية للجبال من مثل دورانها مع الأرض‏,‏ أو تكوينها من صخور متباينة في الألوان والأشكال والهيئة‏.‏ أو دورها في إنزال المطر‏,‏ وتغذية الأنهار‏,‏ وشق الأودية والفجاج أو في جريان السيول‏.‏

      ‏(7)‏ ـ آيات قرآنية تشير إلى نشأة كل من الغلافين المائي والهوائي للأرض‏,‏ وذلك بإخراج مكوناتهما من باطن الأرض‏,‏ أو تصف الطبيعة الرجعية لغلافها الغازي‏,‏ أو تؤكد حقيقة ظلام الفضاء الكوني الخارجي‏,‏ أو على تناقص الضغط الجوي مع الارتفاع عن سطح الأرض‏,‏ أو على تبادل الليل والنهار‏,‏ وعلى رقة طبقة النهار حول نصف الأرض المواجه للشمس‏,‏ أو على أن ليل الأرض كان في بدء خلقها مضاء كنهارها‏,‏ ثم محي ضوءه‏.‏

      ‏(8)‏ ـ آيات تشير إلى رقة الغلاف الصخري للأرض‏,‏ وإلى تسوية سطحه وتمهيده وشق الفجاج والسبل فيه‏,‏ وإلى تناقص الأرض من أطرافها‏.‏

      ‏(9)‏ ـ آيات تؤكد إسكان ماء المطر في الأرض مما يشير إلى دورة المياه حول الأرض وفي داخل صخورها‏,‏ أو تؤكد علاقة الحياة بالماء‏,‏ أو تلمح إلى إمكانية تصنيف الكائنات الحية‏.‏

      ‏(10)‏ ـ آيات تؤكد أن عملية الخلق قد تمت على مراحل متعاقبة عبر فترات زمنية طويلة

      ‏(11)‏ ـ آيات قرآنية تصف نهاية كل من الأرض والسماوات وما فيهما‏(‏ أي الكون كله‏)‏ بعملية معاكسة لعملية الخلق الأول كما تصف إعادة خلقهما من جديد‏,‏ أرضا غير الأرض الحالية وسماوات غير السماوات القائمة‏.‏

      هذه الحقائق العلمية لم تكن معروفة للإنسان قبل هذا القرن‏,‏ بل إن الكثير منها لم يتوصل الإنسان إليه إلا في العقود القليلة المتأخرة منه عبر جهود مضنية‏,‏ وتحليل دقيق لكم هائل من الملاحظات والتجارب العلمية في مختلف جنبات الجزء المدرك من الكون‏,‏ وأن السبق القرآني في الإشارة إلى مثل هذه الحقائق بأسلوب يبلغ منتهي الدقة العلمية واللغوية في التعبير‏,‏ والاحاطة والشمول في الدلالة ليؤكد جانباً مهماً من جوانب الإعجاز في كتاب الله‏,‏ وهو جانب الإعجاز العلمي‏,‏ ومع تسليمنا بأن القرآن الكريم معجز في كل أمر من أموره‏,‏ إلا أن الإعجاز العلمي يبقي من أنجح أساليب الدعوة إلى الله في عصر العلم والتقنية الذي نعيشه‏.‏

      ومن هنا تتضح أهمية القرآن الكريم في هداية البشرية في زمن هي أحوج ما تكون إلى الهداية الربانية‏.‏ كما تتضح أهمية دراسات الإعجاز العلمي في كتاب الله مهما تعددت تلك المجالات العلمية‏,‏ وذلك لأن ثبات صدق الإشارات القرآنية في القضايا الكونية من مثل إشاراته إلى عدد من حقائق علوم الأرض‏,‏ وهي من الأمور المادية الملموسة التي يمكن للعلماء التجريبيين إثباتها التي تدعوا إلى التسليم بحقائق القرآن الأخرى خاصة ما يرد منها في مجال القضايا الغيبية والسلوكية‏(‏ من مثل قضايا العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات‏)‏ والتي تمثل ركائز الدين‏,‏ ولا سبيل للإنسان في الوصول إلى قواعد سليمة لها وإلى ضوابط صحيحة فيها إلا عن طريق بيان رباني خالص لا يداخله أدنى قدر من التصور البشري‏.‏

      من آيات الله في خلق الأرض وجعلها صالحة للعمران

      الأرض هي أحد أفراد المجموعة الشمسية التي تتكون من تسعة كواكب‏,‏ أساسية‏,‏ يدور كل منها حول نفسه‏,‏ ويجري في مدار محدد له حول الشمس‏,‏ وهناك مدار للكويكبات بين كل من كوكبي المريخ والمشتري يعتقد أنها بقايا لكوكب عاشر قد انفجر‏,‏ وهناك احتمال بوجود كوكب حادي عشر لم يتم كشفه أو رصده بعد‏,‏ ولكن تم التوقع بوجوده بواسطة الحسابات الفلكية‏.‏

      وكواكب المجموعة الشمسية المعروفة لنا هي من الداخل إلى الخارج على النحو التالي‏:‏

      عطارد‏,‏ الزهرة‏,‏ الأرض‏,‏ المريخ‏,‏ الكويكبات‏,‏ المشتري‏,‏ زحل‏,‏ يورانوس‏,‏ نبتيون‏,‏ بلوتو‏,‏ بروسوبينا‏(‏ أوبريينا‏).‏

      وهناك بعد ذلك نطق المذنبات التي تدور حول الشمس في مدارات مغلقة أو مفتوحة على مسافات بعيدة جداً وتعتبر جزءاً من المجموعة الشمسية‏.‏

      ويقدر متوسط المسافة بين الشمس وأقرب كواكبها‏(‏ عطارد‏)‏ بحوالي‏58‏ مليون كيلو متر‏(‏ بين‏46‏ مليون‏,69‏ مليون كيلو متر‏),‏ ويقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بحوالي‏150‏ مليون كيلو متر‏,‏ ويبعد بلوتو عن الشمس بمسافة تقدر في المتوسط بحوالي‏6000‏ مليون كيلو متر‏,‏ ويقدر متوسط بعد الكوكب المقترح بروسوبينا بحوالي ضعف هذه المسافة‏(12‏ بليون كيلو متر‏),‏ ويبعد نطاق المذنبات عن الشمس عشرات أضعاف المسافة الأخيرة‏.‏

      و على ذلك فالأرض هي ثالثة الكواكب بعدا عن الشمس‏,‏ وهي تجري حول الشمس في فلك بيضاني‏(‏ اهليلجي‏)‏ قليل الاستطالة بسرعة تقدر بحوالي‏30‏ كيلو متر في الثانية‏(29,6‏ كيلو مترا في الثانية‏)‏ لتتم دورتها هذه في سنة شمسية مقدارها‏365,25‏ يوم تقريبا‏,‏ وتدور حول نفسها بسرعة مقدارها حوالي‏30‏ كيلو مترا في الدقيقة‏(27,8‏ كيلو متر في الدقيقة‏)‏ عند خط الاستواء فتتم دورتها هذه في يوم مقداره‏24‏ ساعة تقريبا‏,‏ يتقاسمه ليل ونهار‏,‏ بتفاوت يزيد وينقص حسب الفصول‏,‏ التي تنتج بسبب ميل محور دوران الأرض على دائرة البروج بزاوية مقدارها ست وستون درجة ونصف تقريبا‏,‏ ويعزى للسبب نفسه تتابع الدورات الزراعية‏,‏ وهبوب الرياح‏,‏ وهطول الأمطار‏,‏ وفيضان الأنهار بإذن الله‏.‏

      والأرض كوكب فريد في كل صفة من صفاته‏,‏ مما أهله بجدارة أن يكون مهداً للحياة الأرضية بكل مواصفاتها‏,‏ ولعل هذا التأهيل هو أحد مقاصد الآية القرآنية الكريمة التي يقول فيها الحق‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ وفي الأرض آيات للموقنين ولعل من أوضح هذه الآيات البينات ما يلي‏:‏

      أولا‏:‏ بعد الأرض عن الشمس‏

      يقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بحوالي مائة وخمسين مليوناً من الكيلومترات‏,‏ وقد استخدمت هذه المسافة كوحدة فلكية للقياس في فسحة الكون‏,‏ ولما كانت كمية الطاقة التي تصل من الشمس إلى كل كوكب في مجموعتها تتناسب تناسباً عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس‏,‏ وكذلك تتناسب سرعة جريه في مداره حولها‏,‏ بينما يتناسب طول سنة الكوكب تناسبا طرديا مع بعده عنها‏(‏ وسنة الكوكب هي المدة التي يستغرقها في إتمام دورة كاملة حول الشمس‏),‏ اتضحت لنا الحكمة البالغة من تحديد بعد الأرض عن الشمس‏,‏ فقد قدرت الطاقة التي تشعها الشمس من كل سنتيمتر مربع على سطحها بحوالي عشرة أحصنه ميكانيكية‏,‏ ولا يصل الأرض سوى جزء واحد من بليوني جزء من هذه الطاقة الهائلة‏,‏ وهو القدر المناسب لنوعية الحياة الأرضية‏,‏ ولتنشيط القوى الخارجية التي تعمل على تسوية سطح الأرض‏,‏ وتكوين التربة‏,‏ وتحريك دورة المياه حول الأرض‏,‏ وغير ذلك من الأنشطة الأرضية‏.‏ ولطاقة الشمس الإشعاعية صور عديدة أهمها‏:‏ الضوء الأبيض‏,‏ والحرارة‏(‏ الأشعة تحت الحمراء‏),‏ والأشعة السينية‏,‏ والأشعة فوق البنفسجية‏,‏ ونسب هذه المكونات للطاقة الشمسية ثابتة فيما بينها‏,‏ وإن اختلفت كمية الإشعاع الساقط على أجزاء الأرض المختلفة باختلاف كل من الزمان والمكان‏.‏

      وحزمة الضوء الأبيض تتكون من الأطياف السبعة‏(‏ الأحمر‏,‏ والبرتقالي‏,‏ والأصفر‏,‏ والأخضر‏,‏ والأزرق‏,‏ والنيلي‏,‏ والبنفسجي‏)‏ وتقدر نسبتها في الأشعة الشمسية التي تصل إلى الأرض بحوالي ‏38%,‏ ولها أهمية بالغة في حياة كل من النبات والحيوان والإنسان‏,‏ وتبلغ أقصى مدى عند منتصف النهار عموما‏ً,‏ وعند منتصف نهار الصيف خصوصاً‏,‏ لأن قوة إنارة أشعة الشمس لسطح الأرض تبلغ في الصيف ضعفي ما تبلغه في الشتاء‏.‏

      أما الأشعة تحت الحمراء فتقدر نسبتها في أشعة الشمس التي تصل إلى الأرض بحوالي‏53%,‏ ولها دورها المهم في تدفئة الأرض وما عليها من صور الحياة‏,‏ وفي كافة العمليات الكيميائية التي تتم على سطح الأرض وفي غلافها الجوي‏,‏ الذي يرد عنا قدراً هائلاً من حرارة الشمس‏,‏ فكثافة الإشعاع الشمسي والتي تقدر بحوالي‏2‏ سعر حراري على كل سنتيمتر مربع من جو الأرض في المتوسط يتشتت جزء منها بواسطة جزيئات الهواء‏,‏ وقطرات الماء‏,‏ وهباءات الغبار السابحة في جو الأرض‏,‏ ويمتص جزء آخر بواسطة كل من غاز الأوزون وبخار الماء‏,‏ ومتوسط درجة الحرارة على سطح الأرض يقدر بحوالي عشرين درجة مئوية وإن تراوحت بين حوالي‏74‏ درجة مئوية تحت الصفر في المناطق القطبية المتجمدة و‏55‏ درجة مئوية في الظل في أشد المناطق والأيام قيظا‏.‏

      أما الأشعة فوق البنفسجية فتقدر نسبتها بحوالي‏9%‏ من مجموع أشعة الشمس التي تصل إلى الأرض وذلك لأن غالبيتها تمتص أو ترد بفعل كل من النطاق المتأين ونطاق الأوزون الذي جعلهما ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ من نطق الحماية للحياة على الأرض‏,‏ ويقدر ما يصل إلى الأرض من طاقة الشمس بحوالي ثلاثة عشر مليون حصاناً ميكانيكياً على كل كيلو متر مربع من سطح الأرض في كل ثانية وتقدر قيمته ببلايين الدولارات مما لا قبل للبشرية كلها بتحمله أو وفاء شكر الله على ه‏...!!!‏

      ولو كانت الأرض أقرب قليلا إلى الشمس لكانت كمية الطاقة التي تصلها كافية لإحراق كافة صور الحياة على سطحها‏,‏ ولتبخير مياهها‏,‏ ولخلخلة غلافها الغازي‏.‏

      فكوكب عطارد الذي يقع على مسافة تقدر بحوالي‏0,39‏ من بعد الأرض عن الشمس تتراوح درجة حرارة سطحه بين‏220‏ درجة مئوية في وجهه المضيء و‏27‏ درجة مئوية في وجهه المظلم‏,‏ وكوكب الزهرة الذي يقع على مسافة تقدر بحوالي‏0,72‏ من بعد الأرض عن الشمس تصل درجة الحرارة على سطحه إلي‏457‏ درجة مئوية‏(730‏ درجة مطلقة‏).‏

      و على النقيض من ذلك فإن الكواكب الخارجة عن الأرض‏(‏ المريخ‏,‏ المشتري‏,‏ زحل‏,‏ يورانوس‏,‏ نبتيون‏,‏ بلوتو‏)‏ لا يصلها قدر كاف من حرارة الشمس فتعيش في برودة قاتلة لا تقوي الحياة الأرضية على تحملها‏.‏

      ولذلك فإنه من الواضح أن بعد الأرض عن الشمس قد قدره ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ بدقة بالغة تسمح للأرض بتلقي قدر من طاقة الشمس يتناسب تماما مع حاجات جميع الكائنات الحية على سطحها‏,‏ وفي كل من مياهها‏,‏ وهوائها بغير زيادة أو نقصان إلا في الحدود الموائمة لطبيعة الحياة الأرضية في مختلف فصول السنة‏.‏

      فلو كانت الأرض على مسافة من الشمس تقدر بنصف بعدها الحالي لزادت كمية الطاقة التي تتلقاها أرضنا منها إلى أربعة أمثال كميتها الحالية ولأدى ذلك إلى تبخير الماء وخلخلة الهواء واحتراق جميع صور الحياة على سطحها‏..!!!‏

      ولو كانت الأرض على ضعف بعدها الحالي من الشمس لنقصت كمية الطاقة التي تتلقاها إلى ربع كميتها الحالية‏,‏ وبالتالي لتجمدت جميع صور الحياة واندثرت بالكامل‏.‏

      وباختلاف بعد الأرض عن الشمس قرباً أو بعداً يختلف طول السنة‏,‏ وطول كل فصل من الفصول نقصاً أو زيادة مما يؤدي إلى اختلال ميزان الحياة على سطحها‏,‏ فسبحان من حدد للأرض بعدها عن الشمس وحفظها في مدارها المحدد وحفظ الحياة على سطحها من كل سوء‏...!!!‏

      ثانيا‏:‏ أبعاد الأرض‏

      يقدر حجم الأرض بحوالي مليون كيلو متر مكعب‏,‏ ويقدر متوسط كثافتها بحوالي‏5,52‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏,‏ وعلى ذلك فإن كتلتها تقدر بحوالي الستة آلاف مليون مليون مليون طن‏,‏ ومن الواضح أن هذه الأبعاد قد حددها ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ بدقة وحكمة بالغتين‏,‏ فلو كانت الأرض أصغر قليلا لما كان في مقدورها الاحتفاظ بأغلفتها الغازية‏,‏ والمائية‏,‏ وبالتالي لاستحالت الحياة الأرضية‏,‏ ولبلغت درجة الحرارة على سطحها مبلغاً يحول دون وجود أي شكل من أشكال الحياة الأرضية‏,‏ وذلك لأن الغلاف الغازي للأرض به من نطق الحماية ما لا يمكن للحياة أن توجد في غيبتها‏,‏ فهو يرد عنا جزءاً كبيرا من حرارة الشمس وأشعتها المهلكة‏,‏ كما يرد عنا قدرا هائلا من الأشعة الكونية القاتلة‏,‏ وتحترق فيه بالاحتكاك بمادته أجرام الشهب وأغلب مادة النيازك‏,‏ وهي تهطل على الأرض كحبات المطر في كل يوم‏.‏

      ولو كانت أبعاد الأرض أكبر قليلا من أبعادها الحالية لزادت قدرتها على جذب الأشياء زيادة ملحوظة مما يعوق الحركة‏,‏ ويحول دون النمو الكامل لأي كائن حي على سطحها إن وجد‏,‏ وذلك لأن الزيادة في جاذبية الأرض تمكنها من جذب المزيد من صور المادة والطاقة في غلافها الغازي فيزداد ضغطه على سطح الأرض‏,‏ كما تزداد كثافته فتعوق وصول القدر الكافي من أشعة الشمس إلى الأرض‏,‏ كما قد تؤدي إلى احتفاظ الأرض بتلك الطاقة كما تحتفظ بها الصوب النباتية على مر الزمن فتزداد باستمرار وترتفع حرارتها ارتفاعا يحول دون وجود أي صورة من صور الحياة الأرضية على سطحها‏.‏

      ويتعلق طول كل من نهار وليل الأرض وطول سنتها‏,‏ بكل من بعد الأرض عن الشمس‏,‏ وبأبعادها ككوكب يدور حول محوره‏,‏ويجري في مدار ثابت حولها‏.‏

      فلو كانت سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس أعلى من سرعتها الحالية لقصر طول اليوم الأرضي‏(‏ بنهاره وليله‏)‏ قِصرا مخلاً‏,‏ ولو كانت أبطأ من سرعتها الحالية لطال يوم الأرض طولاً مخلا‏,‏ وفي كلتا الحالتين يختل نظام الحياة الأرضية اختلالا قد يؤدي إلى إفناء الحياة على سطح الأرض بالكامل‏,‏ إن لم يكن قد أدى إلى إفناء الأرض ككوكب إفناءً تاما‏ً,‏ وذلك لأن قصر اليوم الأرضي أو استطالته‏(‏ بنهاره وليله‏)‏ يخل إخلالاً كبيراً بتوزيع طاقة الشمس على المساحة المحددة من الأرض‏,‏ وبالتالي يخُل بجميع العمليات الحياتية من مثل النوم واليقظة‏,‏ والتنفس والنتح‏,‏ وغيرها‏,‏ كما يخل بجميع الأنشطة المناخية من مثل الدفء والبرودة‏,‏ والجفاف والرطوبة‏,‏ وحركة الرياح والأعاصير والأمواج‏,‏ وعمليات التعرية المختلفة‏,‏ ودورة المياه حول الأرض وغيرها من أنشطة‏.‏ كذلك فلو لم تكن الأرض مائلة بمحورها على مستوي مدار الشمس ما تبادلت الفصول‏,‏ وإذا لم تتبادل الفصول اختل نظام الحياة على الأرض‏.‏

      وبالإضافة إلى ذلك فإن تحديد مدار الأرض حول الشمس بشكله البيضاوي ‏(‏ الإهليلجي‏),‏ وتحديد وضع الأرض فيه قربا وبعدا على مسافات منضبطة من الشمس يلعب دورا مهما في ضبط كمية الطاقة الشمسية الواصلة إلى كل جزء من أجزاء الأرض وهو من أهم العوامل لجعلها صالحة لنمط الحياة المزدهرة على سطحها‏,‏ وهذا كله ناتج عن الاتزان الدقيق بين كل من القوة الطاردة ‏(‏ النابذة‏)‏ المركزية التي دفعت بالأرض إلى خارج نطاق الشمس‏,‏ وشدة جاذبية الشمس لها‏,‏ ولو اختل هذا الاتزان بأقل قدر ممكن فإنه يعرض الأرض إما للابتلاع بواسطة الشمس حيث درجة حرارة قلبها تزيد عن خمسة عشر مليونا من الدرجات المطلقة‏,‏ أو تعرضها للانفلات من عقال جاذبية الشمس فتضيع في فسحة الكون المترامية فتتجمد بمن على ها وما على ها‏,‏ أو تحرق بواسطة الأشعة الكونية‏,‏ أو تصطدم بجرم آخر‏,‏ أو تبتلع بواسطة نجم من النجوم‏,‏ والكون من حولنا مليء بالمخاطر التي لا يعلم مداها إلا الله‏(‏ تعالى‏),‏ والتي لا يحفظنا منها إلا رحمته‏(‏ سبحانه وتعالى‏)‏ ويتمثل جانب من جوانب رحمة الله بنا في عدد من السنين المحددة التي تحكم الأرض كما تحكم جميع أجرام السماء في حركة دقيقة دائبة لا تتوقف ولا تتخلف حتى يرث الله الأرض ومن على ها‏.‏

      ثالثا‏:‏ بنية الأرض‏

      أثبتت دراسات الأرض أنها تنبني من عدة نطاقات محددة حول كرة مصمتة من الحديد والنيكل تعرف باسم لب الأرض الصلب‏(‏ الداخلي‏)‏ ولهذا اللب الصلب كما لكل نطاق من نطق الأرض دوره في جعل هذا الكوكب صالحاً للعمران بالحياة الأرضية في جميع صورها‏.‏

      وتقسم النطق الداخلية للأرض على أساس من تركيبها الكيميائي أو على أساس من صفاتها الميكانيكية باختلافات بسيطة بين العلماء‏,‏ وتترتب بنية الأرض من الداخل إلى الخارج على النحو التالي‏:‏

      ‏(1)‏ لب الأرض الصلب‏(‏ الداخلي‏)

      وهو عبارة عن نواة صلبة من الحديد‏(90%)‏ وبعض النيكل‏(9%)‏ مع قليل من العناصر الخفيفة من مثل الفوسفور‏,‏ الكربون‏,‏ السيليكون‏(1%),‏ وهو نفس تركيب النيازك الحديدية تقريبا‏.‏ ويبلغ قطر هذه النواة حوالي‏2402‏ كيلو متر‏,‏ ويمتد نصف قطرها من مركزها على عمق‏6371‏ كيلو مترا إلى عمق‏5170‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏.‏

      ولما كانت كثافة الأرض في مجموعها تقدر بحوالي‏5,52‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏,‏ بينما تختلف كثافة قشرة الأرض بين‏2,7‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏,‏ وحوالي‏3‏ جرامات للسنتيمتر المكعب‏,‏ فإن الاستنتاج المنطقي يؤدي إلى أن كثافة لب الأرض لابد وأن تتراوح بين‏10‏ و‏13,5‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏.‏

      ‏(2)‏ نطاق لب الأرض السائل‏(‏ الخارجي‏)

      وهو نطاق سائل يحيط باللب الصلب‏,‏ وله نفس تركيبه الكيميائي تقريباً وإن كانت مادته منصهرة‏,‏ ويبلغ سمكه‏2275‏ كيلو مترا‏(‏ من عمق‏5170‏ كيلو مترا إلى عمق‏2885‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏),‏ ويفصل هذا النطاق عن اللب الصلب منطقة انتقالية يبلغ سمكها‏450‏ كيلو مترا تمثل بدايات عملية الانصهار وعلى ذلك فهي شبه منصهرة‏(‏ وتمتد من عمق‏5170‏ كيلو مترا إلى عمق‏4720‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏)‏ ويكون كل من لب الأرض الصلب ولبها السائل حوالي‏31%‏ من كتلتها‏.‏

      ‏(3),(4),(5)‏ نطق وشاح الأرض‏

      يحيط وشاح الأرض بلبها السائل‏,‏ ويبلغ سمكه حوالي‏2765‏ كيلو مترا‏(‏ من عمق‏2885‏ كيلو مترا إلى عمق‏120‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏),‏ ويفصله إلى ثلاثة نطق مميزة مستويان من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازية الناتجة عن الزلازل‏,‏ يقع أحدهما على عمق‏670‏ كيلو مترا‏,‏ ويقع الآخر على عمق‏400‏ كيلو متر من سطح الأرض‏,‏ وبذلك ينقسم وشاح الأرض إلى وشاح سفلي‏(‏ يمتد من عمق‏2885‏ كيلو متر إلى عمق‏670‏ كيلو متر تحت سطح الأرض‏),‏ ووشاح متوسط‏(‏ يمتد من عمق‏670‏ كيلو مترا إلى عمق‏400‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏),‏ ووشاح علوي‏(‏ يمتد من عمق‏400‏ كيلو مترا إلى عمق يتراوح بين‏65‏ كيلو مترا تحت المحيطات‏,‏ وعمق‏120‏ كيلو مترا تحت سطح القارات‏).‏

      وقمة الوشاح العلوي‏(‏ من عمق‏65‏ ـ‏120‏ كيلو مترا إلى عمق‏200‏ كيلو متر تحت سطح الأرض‏)‏ يعرف باسم نطاق الضعف الأرضي لوجوده في حالة لزجة‏,‏ شبه منصهرة‏(‏ أي منصهرة انصهارا جزئيا في حدود نسبة‏1%).‏

      ‏(6),(7)‏ الغلاف الصخري للأرض

      ويتراوح سمكه بين‏65‏ كيلو مترا تحت قيعان البحار والمحيطات‏,120‏ كيلو مترا تحت القارات‏,‏ ويقسمه خط انقطاع الموجات الاهتزازية المسمي باسم الموهو إلى قشرة الأرض

      و إلى ما تحت قشرة الأرض وتمتد قشرة الأرض إلى عمق يتراوح بين‏5‏ و‏8‏ كيلو مترات تحت قيعان البحار والمحيطات‏,‏ وبين‏60‏ و‏80‏ كيلو مترا تحت القارات‏,‏ ويمتد ما تحت القشرة إلى عمق‏120‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏.‏

      وللأرض مجال جاذبية يزداد مع العمق حتى يصل إلى قمته عند الحد الفاصل بين وشاح الأرض ولبها‏(‏ على عمق‏2885‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏)‏ ثم يبدأ في التناقص‏(‏ بسبب الجذب الذي يحدثه عمود الصخور فوق هذا العمق‏)‏ حتى يصل إلى الصفر في مركز الأرض‏.‏ ولولا جاذبية الأرض لهرب منها غلافها الغازي‏,‏ ولو حدث ذلك ما أمكنها أن تكون صالحة لاستقبال الحياة‏,‏ وذلك لأن هناك حدا أدني لسرعة الهروب من جاذبية الأرض يقدر بحوالي‏11,2‏ كيلو متر في الثانية‏,‏ بمعني أن الجسم لكي يستطيع الإفلات من جاذبية الأرض ف علىه أن يتحرك في عكس اتجاه الجاذبية بسرعة لا تقل عن هذه السرعة‏.‏

      ولما كانت حركة جسيمات المادة في الغلاف الغازي للأرض أقل من تلك السرعة بكثير فقد أمكن للأرض‏(‏ بتدبير من الله تعالى‏)‏ أن تحتفظ بغلافها الغازي‏,‏ ولو فقدته ولو جزئياً لاستحالت الحياة على الأرض‏,‏ ولأمطرت بوابل من الإشعاعات الكونية والشمسية‏,‏ ولرجمت بملايين من النيازك التي كانت كفيلة بتدميرها‏...!!!‏

      كذلك فإن للأرض مجالاً مغناطيسياً ثنائي القطبية‏,‏ يعتقد أن له صلة وثيقة بلب الأرض الصلب وحركة إطاره السائل من حوله‏,‏ ويتولد المجال المغناطيسي للأرض كما يتولد لأي جسم آخر من حركة المكونات فيها وفيه‏,‏ وذلك لأن الجسيمات الأولية للمادة‏(‏ وهي في غالبيتها مشحونة بالكهرباء‏)‏ تتحرك سواء كانت طليقة أو مرتبطة في داخل ذرات المادة‏,‏ وهي حينما تتحرك تولد مجالاً مغناطيسياً‏,‏ والمجال المغناطيسي لأية نقطة في فسحة الكون يمثل بمحصلة اتجاه تمتد من القطب المغناطيسي الجنوبي للمادة إلى قطبها الشمالي في حركة معاكسة لاتجاه عقرب الساعة ومماثلة لحركة الطواف حول الكعبة المشرفة‏.‏

      والمجال المغناطيسي للأرض كون لها‏(‏ بإرادة الله تعالى‏)‏ غلافاً مغناطيسياً يعرف باسم النطاق المغناطيسي للأرض وهو يلعب دوراً مهماً في حماية الأرض من الأشعة الكونية بتحكمه في حركة الجسيمات المشحونة القادمة إلينا من فسحة الكون فيجعلها تدور من أحد قطبي الأرض المغناطيسيين إلى الآخر دون الدخول إلى المستويات المنخفضة من غلافها الغازي‏.‏

      ويمتد المجال المغناطيسي للأرض إلى مسافة تقدر بخمسين ألف كيلو متر فوق سطحها‏,‏ وكونت الجسيمات المشحونة القادمة من السماء والتي أسرها المجال المغناطيسي للأرض زوجين من أحزمة الإشعاع هل إلى الشكل على ارتفاع الفي كيلو متر وخمسين ألف كيلو متر على التو إلى يحيط كل زوج منهما بالأرض من احدي جهاتها‏,‏ ويحيط الزوج الآخر من الجهة الأخرى وهذه الحلقات من أحزمة الإشعاع تحاصر الأرض مع مستوي مركزي منطبق على المستوي الاستوائي المغناطيسي لها‏,‏ وتحميها من وابل الأشعة الكونية المتساقط باتجاهها في كل لحظة‏,‏ ولولا هذه الحماية الربانية لهلكنا وهلكت جميع صور الحياة من حولنا‏,‏ والجرعة الإشعاعية في أحزمة الإشعاع تلك عالية الشدة لا تطيقها أية صورة من صور الحياة الأرضية‏,‏ وتبلغ الشدة الإشعاعية مداها في نطاق المنطقة الاستوائية للحزام الإشعاعي للأرض‏.‏

      وللأرض كذلك نشاط ديناميكي يتمثل في حركة ألواح الغلاف الصخري لها‏,‏ الممزق بشبكة هائلة من الصدوع‏,‏ وتتحرك تيارات الحمل العنيفة المندفعة من نطاق الضعف الأرضي لتحرك تلك الألواح إما متباعدة عن بعضها البعض فتكون قيعان البحار والمحيطات وتساعد على عملية اتساعها وتجديد مادتها باستمرار‏,‏ وإما مصطدمة مع بعضها البعض فتكون السلاسل الجبلية‏,‏ وتصاحب العمليتان بتكون السلاسل الجبلية وبالعديد من الهزات الأرضية‏,‏ والثورات البركانية التي تثري سطح الأرض بالخيرات المعدنية والصخرية المختلفة‏.‏

      والجبال لعبت ولا تزال تلعب دورا رئيسيا في تثبيت الغلاف الصخري للأرض‏,‏ ولولا هذا التثبيت ما تكونت التربة‏,‏ ولا دارت دورة المياه‏,‏ ولا خزنت المياه تحت السطحية‏,‏ ولا نبتت نبتة‏,‏ ولا أمكن لكائن حي أن يستقر على سطح الأرض‏.‏

      كذلك لعبت الجبال ولا تزال تلعب دورا مهماً في تثبيت الأرض ككوكب يدور حول نفسه‏,‏ وتقلل من درجة ترنحه كما تقلل قطع الرصاص التي توضع في إطارات السيارات من معدل ترنحها‏.‏ ولولا نطاق الضعف الأرضي ما أمكن لهذه العمليات الداخلية للأرض أن تتم‏,‏ وهي من ضرورات جعلها صالحة للعمران‏.‏

      هذه بعض آيات الله في الأرض وهي أكثر من أن تحصي في مقال واحد‏,‏ أشارت إليها هذه الآية الكريمة التي يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏):‏

      (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (الذريات:20)

      فسبحان من خلق الأرض بهذا القدر من الإحكام والإتقان‏,‏ وترك فيها من الآيات ما يشهد لخالقها بطلاقة القدرة‏,‏ وإحكام الصنعة‏,‏ وشمول العلم كما يشهد له‏(‏ تعالى‏)‏ بجلال الربوبية وعظمة الألوهية‏,‏ والتفرد بالوحدانية‏,‏ وسبحان الذي أنزل هذه الآية الكريمة المعجزة من قبل ألف وأربعمائة سنة ولم يكن لأحد من الخلق إلمام بتلك الآيات الأرضية والتي لم تتكشف أسرارها للإنسان إلا منذ عقود قليلة من الزمان‏,‏ وفي ذلك من الشهادات القاطعة بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ وأن نبينا محمدا‏(‏ صلي الله على ه وآله وسلم‏)‏ هو خاتم أنبياء الله ورسله‏,‏ وأنه‏(‏ صلوات الله وسلامه عليه‏)‏ كان موصولاً بالوحي‏,‏ ومعلماً من قبل خالق السماوات والأرض‏,‏ وصدق الله العظيم إذ يصفه بقوله الحق‏:‏


      وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {4} عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى {5} ‏(‏النجم‏:3‏ ـ‏5)‏.




      المصدر :

      موقع زغلول النجار على شبكة الإنترنت
















    • نسبة الأمطار



      نسبة الأمطار



      إحدى المعلومات التي يعطينا إياها القرآن الكريم عن المطر هو أنه ينزل من السماء إلى الأرض بقدر و هذه الحقيقة مذكورة في سورة الزخرف كما يلي : قال تعالى : (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ {18}[ سورة المؤمنون : 18].

      هذه الكمية المحسوب من المطر اكتشفت مرة أخرى من خلال الأبحاث الحديثة ، وتقدر هذه الأبحاث أنه في الثانية الواحدة يتبخر من الأرض تقريباً 16 مليون طن من الماء و هذا يعني أن الكمية التي تتبخر في السنة الواحدة تبلغ 513 تريليون طن من الماء . هذا الرقم مساو لكمية المطر التي تنزل على الأرض خلال سنة . وهذا يعني أن المياه تدور دورة متوازنة و محسوبة عليها تقوم الحياة على الأرض ، و حتى لو استعمل الناس كل وسائل التكنولوجيا المتوفرة في العالم فلن يستطيعوا أن يعيدوا إنتاج هذه الدورة بطريقة صناعية . و بمجرد حدوث خلل بسيط في هذه المعادلة سوف يؤدي ذلك إلى خلل بيني ينهي الحياة على الأرض . و لكن ذلك لا يحدث أبداً و في كل عام تنزل نفس الكمية من الأمطار تماماً كما يذكر القرآن الكريم .


      المرجع : معجزة القرآن الكريم تأليف هارون يحيى .
    • الماء والحياة



      الماء والحياة


      لما خلق الله سبحانه وتعالى الأرض والسماء وأراد أن يخلق الإنسان على هذه الأرض خلق له الماء الذي فيه قوام حياته وحياة من حوله من الكائنات الحية قال الله عز وجل:

      (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الانبياء:30)

      و الماء هو مادة الحياة وإكسيرها السحري الذي بدونه لاستحالت الحياة على سطح هذا الكوكب .

      و لقد ذكر الله تعالى الماء في القرآن الكريم منكراً " ماء " 33 مرة وذكره معرفاً " الماء " 16 مرة .

      وأمتن الله على المؤمنين أن أنزل عليهم الماء الذي فيه قوام حياتهم قال تعالى:

      ( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْه شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ {10} يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُل الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {11} ِّ [سورة النحل ] .

      ووصف الله الماء على أنه مباركاً أي أنه كثير العطاء قال الله تعالى :

      (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّات وَحَبَّ الْحَصِيدِ ) (سورة ق).

      ٍوذكر الله تعالى أن إنزاله الماء من السماء وإحيائه الأرض بعد موتها هو دليل وآية على وجود الله قال تعالى :

      إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ والنهار والفلك الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّر ِبَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لقوم يعقلون {164} سورة البقرة وقال تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْق خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْض بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {24} سورة الروم

      َو أمتن الله على الكافرين بأن جعل من الماء كل شيء حي قال تعالى :{29} أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ {30} سورة الأنبياء.

      و ذكر الله الماء على أنه من نعيم الجنة وأن أهل النار يعذبون بحرمانهم منه قال تعالى :( وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ {50} الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًاوَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ {51} سورة الأعراف

      كما ذكر الله الماء على أنه جند من جنود الله يهلك بها الظالمين قال تعالى :

      {39} حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْل وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ {40} وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {41} وَهِي تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَان فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ {42} قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِم الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَان مِنَ الْمُغْرَقِينَ {43} وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيل بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {44} سورة هود

      و قال تعالى :( كذبت قبلهم قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ {9} فدعا ربه أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ {10} فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ{11} وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ {12}وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ {13} تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كان كفر {14} وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ {15} فَكَيْفَ كان عذابي وَنُذُرِ {16} وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر )سورة القمر.

      و ذكر الله إحدى فوائد الماء وهي التطهير قال تعالى :

      ( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّل عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْز الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ {11} سورة الأنفال وقال تعالى : وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا {48} سورة الفرقان.

      و أمرنا الله بالوضوء عند كل صلاة والاغتسال بالماء عند كل جنابة قال تعالى : (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغسلوا وجوهكم وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُم وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِط أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّه لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {6} سورة المائدة .

      وقد أمرنا رسول الله بالاقتصاد في استعمال الماء وعدم الإسراف ورد عنه صلى الله عليه وسلم : مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ مَا هَذَا السَّرَفُ فَقَالَ أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ قَالَ نَعَمْ وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَار ابن ماجة 419 .

      تكوين الماء :

      يتألف الماء من جزيئات متلاصقة متماسكة، يتكون الجزيء الواحد من ارتباط ذرة أوكسجين مع ذرتين من الهيدروجين ، ويتم هذا الارتباط وفق رابطة تشاركيه قوية قيمتها 30 ــ 100 كيلو حريرة / مول .



      منشأ الماء :

      ظهرت العديد من النظريات لتفسير أصل الماء على سطح الكرة الأرضية ، من هذه النظريات.

      أ ـ نظرية المياه الكونية المنشأ :

      تتلخص هذه النظرية بأن الماء أتى إلى الأرض من الفضاء الخارجي ، وتفيد بأن هناك تيارات من الأشعة الكونية تتحرك دائماٍ في الفضاء الكوني مكّونة من جسيمات ذات طاقة ضخمة جداً ، تحتوي على نوى ذرات اليدروجين ، أي على البروتونات ، لدى حركة كوكب الأرض أثناء دورانه حول نفسه وحول الشمس تخترق هذه البروتونات جو الأرض ، وتحصل على الإلكترونات الضرورية ، وتتشكل ذرة الهيدروجين ، حيث تتفاعل مباشرة مع الأوكسجين مشكلة جزيئات على ارتفاعات كبيرة، وفي ظل درجات حرارة منخفضة ، تتكاثف على جسيمات من الغبار الكوني مكونة سحباً فضية ، حيث يعتقد العلماء أيضاً بأن الماء المتشكل بهذه الطريقة خلال التاريخ الطويل الذي مرت به الكرة الأرضية أثناء تشكلها يكفي لملء المحيطات كافة على سطح هذه الأرض

      و لقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم هذه الظاهرة أنه سبحانه أنزل من السماء الماء وذكر مادة الماء منكرة دون تعريف ليدل على أن عموم جنس الماء نزل من السماء وذلك في أكثر من عشرين آية نذكر منها بعض الآيات .

      1 ـ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَج بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُم تَعْلَمُونَ {22} (سورة البقرة ).

      2ـ قال تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164)



      ِ3 ـقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:99)



      ب ـ نظرية المياه أرضية المنشأ :

      تتخلص هذه النظرية بأن الصخور المكونة للطبقة الواقعة بين نواة الأرض والقشرة الأرضية ( طبقة السيما ) كانت تنصهر في بعض المواقع تحت تأثير الحرارة الناشئة عن التفكك الإشعاعي للنظائر المشعة ، حيث تنطلق منها مكونات طيارة كلآوزون والكلور ومركبات الكربون المختلفة والكبريت ، وأكثرها أبخرة الماء .

      كانت هذه المكونات تقذف إلى الطبقات السطحية أو على السطح بواسطة الثورات البركانية خلال تاريخ الأرض الطويل ، وتكفي هذه الكمية لملء جميع المحيطات على سطح الكرة الأرضية.

      و قد أشار القرآن إلى تلك الحقيقة قبل ألف وأربعمائة سنة حينما قال :

      قال تعالى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا {30} أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا) {31}( سورة النازعات ).

      و أنا أعتقد كلاً من النظريتين صحيح فبعض الماء كان منشأه من الأرض و البعض الآخر كان منشأه من السماء .



      أهمية الماء

      يشكل الماء 70% من مساحة اليابسة ويشكل الماء 65% من وزن الإنسان فإن ما بين 40 ـ 50 ليتراً من الماء هي أنت .

      كما أن للماء دور كبير في سير التفاعلات الكيميائية داخل أجسام النباتات والحيوانات وذلك من أجل الحصول على الطاقة وللماء دور في تغير سطح الأرض من خلال عمليات الحت.

      خواص الماء الكيميائية والفيزيائية الفريدة :

      1 ـ الرابطة التشاركية القوية : إن البناء الفريد للماء يجعل جزيئاته متماسكة ومرتبطة بروابط هيدروجينية، ويصبح كل جزيء مرتبطاً بأربعة جزيئات مجاورة، وكل منها بأربعة، وهكذا تبدوا جميع الجزيئات مرتبطة ببعض في شبكة فراغية متماسكة، ولولا هذا لكانت درجة غليان الماء (-80م) ودرجة تجمده ( -100 م ) ولاستحال وجود الماء على شكل سائل وصلب على سطح الأرض ولاستحالت الحياة فمن غيرُ الله يعرف خواص كل من الأوكسجين والهيدروجين ويعلم أنه إذا شكلا جزيئاً فإنه لن يتواجدا بحالة سائلة أو صلبة إلا إذا كانت الرابطة التي تربط بينهما رابطة هيدروجينية قوية .

      2 ـ السعة الحرارية الكبيرة للماء : من المعلوم أن درجة غليان الماء مرتفعة وذلك لقوة رابطته التشاركية لذلك فهو يمتص قدرة حرارية كبيرة لكي يتبخر حيث كل غرام من الماء السائل يحتاج إلى 540 حريرة ليتحول إلى بخار وهذه الخاصية تعطي الماء دوراً فريداً في نقل القدرة من مكان لآخر، فالماء الذي يتبخر من المحيطات تسوقه الرياح مئات وآلاف الكيلومترات إلى أماكن باردة فعند تبرد البخار وتحببه وتساقطه على شكل قطرات مطر ينشر معه الطاقة التي أمتصها أثناء تبخره فيساهم في رفع درجة الحرارة في تلك المناطق وتلطيف حرارة الجو وكذلك في أثناء تساقط الثلوج فكم هذه الحرارة المنتشرة كبيرة إذا علمنا أنه يتبخر كل عام 520 ألف كيلوا متر مكعب من الماء .

      3 ـ تمدد الماء عند تصلبه : وهناك خاصة فريدة أخرى للماء فنحن نعلم أن كل الجوامد المعروفة يتناقص حجمها عندما تتبرد ، و هذا صحيح في جميع أنواع السوائل المعروفة على السواء عندما تتناقص درجات حرارتها ، وأثناء ذلك تتناقص حجمها، و أثناء تناقص حجمها تزداد الكثافة، وبالتالي تغدوا الأجزاء الباردة من السائل أثقل ، ولهذا السبب تزن الأشكال الصلبة للمواد أكثر ( بالحجم ) من كونها في الشكل السائلي لكن توجد حالة واحدة لا ينطبق فيها هذا القانون و هي حالة الماء ، فهو مثل جميع السوائل يتقلص في الحجم كلما صار أبرد ، ويفعل ذلك فقط مادامت درجة حرارته فوق أربع درجات مئوية ، و لكن ما أن يصل لدرجة أربع درجات مئوية خلافاً للسوائل المعروفة فإنه يبدأ بالتمدد ، وأخيراً عندما يتجمد فإنه يتمدد أكثر من ذلك ، و نتيجة لتصلب الماء و تمدده يصبح وزنه أخف من الماء السائل فيطفوا على سطح الماء، ولهذه الخاصية البديعة فائدة عظيمة لتلك الكائنات المائية التي تعيش في المناطق الباردة والمتجمدة فعندما تنخفض درجة حرارة الماء في فصل الشتاء في الأحواض المائية ( نهر _بحيرة _ بحر... ) نتيجة انخفاض درجة حرارة الغلاف الجوي المحيط تتجمد طبقة الماء السطحية فتتمدد وتزداد كثافتها فتطفوا على سطح الماء وتشكل عازلاً طبيعياً بين الغلاف الجوي البارد والماء أسفل الحوض فتساهم تلك الخاصة في خفض درجة حرارة الماء واعتداله مم يحول دون تجمد الحوض المائي فيساهم هذا العازل الطبيعي إضافة إلى الحرارة المنتشرة من تجمد الجليد على تلطيف حرارة الماء والمحافظة على حياة الأحياء المائية وتجنيبها خطر التجمد والموت .

      4 ـ التوتر السطحي للماء عالية : نتيجة لقوى التجاذب بين جزيئات الماء يلاحظ أن قيمة التوتر السطحي للماء عالية جداً وتبلغ 72 ميلي نيوتن /المتر وهي تفوق الضغط الجوي فهذه الخاصة هي التي تجعل الماء يرتفع بنفسه في الأوعية الشعرية في الأشجار وتعرف بالخاصة الشعرية فيحمل الماء من خلالها الغذاء إلى الخلايا النباتية حتى ارتفاعات عالية ، كما أنها هي المسئولة عن تحريك الماء في المسامات والفراغات والأقنية والشقوق الدقيقة في التربة والصخور نحو الأعلى حتى تتساوى قوة التوتر السطحي للماء مع قوة الجاذبية الأرضية مم يسهل على جذور النباتات الحصول على الماء في المناطق الجافة والصحراوية .

      5 ـ تعد قيمة ثابت العزل الكهربائي للماء عالية جداً وهي نحو ( 80 ) في جزيئات الماء وتكون مراكز الشحنات الموجبة والسالبة منزاحة كثيراً عن بعضها البعض، فنلاحظ أنه عند غمر جسم ما في الماء نلاحظ أن القوى الناشئة بين الجزيئات أو الذرات على سطحه تضعف تحت تأثير الماء مئة مرة تقريباً ، فإذا أصبحت الرابطة بين الجزيئات غير قادرة على مقاومة فعل الحركة الحرارية بدأت جزيئات الجسم أو ذراته بالانفصال عن سطحه والانتقال إلى الماء، وبدأ الجسم عندئذ بالذوبان حيث يتفكك إلى جزيئات مستقلة كما يحدث للسكر عند ذوبانه في كأس من الشاي أو يتفكك إلى جسيمات مشحونة ( أيونات ) كما يحدث لملح الطعام .

      و يعتبر الماء ، بفضل ثابت عزله الكهربائي الكبير جداً، من أقوى المذيبات ( المحلات )، فباستطاعته أن يذيب أي صخر كان على سطح الأرض، والماء يفتت ببطء الغرانيت ويسحب أو يمتص منه الأجزاء السهلة الذوبان فتحمل مياه الأنهار والجداول والسواقي الشوائب المنحلة فيها وتقذف بها في المحيطات التي تتراكم فيها الأملاح والشوائب على مدى العصور ،لذلك تكون مياه البحار والمحيطات مشبعة بالأملاح والمعادن والشوائب التي بدورها تمنع المياه من أن تتسنه وتتنتن وتتحول إلى مستنقعات فتموت بالتالي معظم الأحياء البحرية .

      و لهذه الخاصة أهمية كبيرة للنبات فالماء يذيب الأملاح والمعادن والشوائب الضرورية لحياة النبات التي تنتقل عبر الأنابيب الشعرية إلى الخلايا النباتية فتبارك الله أحسن الخالقين .

      6.المفعول(الأعلى، الأخفض ) للتجمد :

      تتجمد السوائل عادة من الأسفل نحو الأعلى لكن الماء على العكس فهو يتجمد من الأعلى نحو الأسفل، وطبعاً هذه أول خاصة غير مألوفة للماء، وهذه الخاصة هي خاصة حاسمة لبقاء الماء على سطح الأرض، وإذا لم تكن تلك الخاصة محققة، أي إذا كان الجليد لا يطفو فكثير من ماء كوكبنا سوف يحتجز بشكل جليد، عندئذ تصبح المياه غير ممكنة في بحارها وبحيراتها وبركها وأنهارها .

      دعنا نفحص هذا بالتفصيل ولنرى لماذا ؟ يوجد العديد من الأماكن في الأرض حيث تهبط درجات الحرارة في الشتاء إلى ما دون الصفر المئوية، وغالباً ما يتم ذلك بشكل معتبر، وطبعاً مثل ذلك البرد سيؤثر في ماء البحار والبحيرات ..

      فتأخذ تلك العوالم المائية بالتبرد شيئاً فشيئاً وتبدأ أجزاء منها بالتجمد فإذا كان الجليد لا يسلك الطريق التي يسلكها عادة وهي أنه يطفو، فالجليد سوف يغرق للأسفل بينما الأجزاء الأدفئ من الماء سوف تصعد للسطح وتتعرض للهواء الذي درجة حرارته مازالت تحت التجمد، فيحدث تجمد تالي وهكذا تغرق كلها إلى الأسفل، وسوف تستمر هذه العملية حتى لا يصبح هناك ماء سائل موجود على الإطلاق، لكن ليس ذلك هو ما يحدث، بل ما يحدث هو شيء آخر مختلف أي ما يحدث بدلاً من ذلك هو التالي : أثناء تبرد الماء يتزايد الماء في ثقله حتى تصل درجة حرارته إلى (4س) وعند تلك النقطة يحدث تغير مفاجئ لكل شيء، فبدلاً من حدوث تقلص للماء فإنه يبدأ بالتمدد ويصبح وزنه أخف مع هبوط درجة الحرارة، والنتيجة هي أن الماء ذي الدرجة (4س) يبقى في الأسفل والماء ذي الدرجة (3س) يكون فوقه وماء الدجة (2س) فوقه وهكذا يالتدريج حتى الوصول إلى السطح، عندئذ تكون درجة حرارته هي الصفر المئوية فقط وهنا يحدث التجمد، أي أن السطح فقط هو الذي يتجمد، أما طبقة الماء ذات الدرجة (4س ) فإنها تبقى سائلة تحت الجليد، وهي كافية لاستمرار حياة المخلوقات والنباتات تحت سطح الماء .

      يجب أن نشير هنا إلى الخاصية الخامسة للماء وهي انخفاض الناقلية الحرارية للجليد والثلج فهي أيضاً حاسمة في هذه العملية، وبسبب كونهما ضعيفتين جداً للنقل الحراري فطبقاتهما تحتفظ بحرارة الماء في الأسفل وتمنعها من الهروب للجو، ونتيجة لذلك فحتى ولو هبطت درجة حرارة الهواء لما دون الصفر وليكن لـ( -0.5س )، فطبقة الجليد في البحر سوف لن يزيد سمكها عن مترٍ أو مترين لدى المخلوقات التي تقطن المناطق القطبية مثل الفقمة ( عجل البحر ) والبطريق، فهي تستفيد من ذلك لتصل الماء أسفل الجليد .

      مرة أخرى دعنا نتذكر ماذا سيحدث لو كان الماء لا يسلك هذا الطريق وإنما سلك طريقاً نظامية بدل ذلك، ولنفرض أن الماء استمر في تكثفه مع انخفاض درجة حرارته وأن سلوكه هذا يماثل سلوك بقية السوائل الأخرى كلها وأن الجليد غرق إلى الأسفل، فماذا يحدث عندئذ ؟

      حسناًُ في هذه الحالة فإن عملية التجمد في البحار والمحيطات ستبدأ من الأسفل وتتابع كل الطريق نحو الأعلى بسبب عدم وجود طبقة من الجليد على السطح لتمنع الحرارة الباقية من النجاة والهروب للجو .

      وبكلمة أخرى فإن معظم بحيرات الأرض والبحار والمحيطات ستصبح جليداً صلباً مع بقاء طبقة من الماء سمكها بضع أمتار على سطح الجليد وليس تحته .

      وحتى ولو تزايدت درجة حرارة الهواء فإن الجليد في الأسفل سوف لن ينصهر كلياً بشكل مطلق، ففي بحار هذا العالم ( الافتراضي ) لن تكون هناك حياة، وأيضاً وفق مبادئ علم ( الإيكولوجي ) وهو علم يدرس العلاقة بين الأحياء وبيئتها في البحار، فوفق هذا النظام سوف لن تكون هناك حياة على اليابسة أيضاً، وبكلمة أخرى إذا كان الماء لا يسيء سلوكه وتصرفه، وعمل بشكل نظامي فإن كوكبنا سيكون عالماً ميتاً لا محالة .

      لماذا لا يسلك الماء سلوكاً نظامياً ؟ ولماذا يبدأ بالتمدد فجأة عند الدرجة (4س) بعد أن تقلص بالطريقة التي يجب أن تكون ؟

      طبعاً لأن الله سبحانه وتعالى قد جعله ملائماً للحياة .

      7. اللزوجة المثالية للماء :

      إذا فكرنا في السائل الذي يملئ مخنا نجده مادة قوامها مائع تماماً، وفي الحقيقة أن لتلك السوائل درجات عالية من الاختلاف في لزوجتها، فلزوجة القطران والغليسرين وزيت الزيتون وحمض الكبريت هي أمثلة تختلف عن بعضها بشكل كبير ومعتبر، وعندما نقارن مثل تلك السوائل بالماء يصبح هذا الفرق أكثر بشكل كبير، فالماء أكثر سيولة بعشرة ملايين مرة من القطران وبألف مرة من الغليسرين، ومئة مرة من زيت الزيتون وعشرين مرة من حمض الكبريت . من هذه المقارنة نكتشف أن للماء أقل لزوجة ممكنة عن سواه من المواد السائلة . لأنه في الحقيقة إذا استبعدنا قليلاً من المواد مثل الأثير والهيدروجين السائل نجد أن الماء لزوجة هي أقل من أية مادة ما عدا الغازات .

      هل لانخفاض لزوجة الماء أية أهمية لنا ؟ هي ستكون الأشياء مختلفة إذا كان ذلك السائل الحيوي أكثر قليلاً أو أقل قليلاً في لزوجته، وقد أجاب (ميشيل دينتون ) على هذا السؤال وقال :

      " سيكون تلاؤم الماء أقل إذا كانت لزوجته منخفضة جداً، وستتعرض النظم الحية لحركات عنيفة بتأثير قوى قصية غاية في الشدة إذا كانت اللزوجة منخفضة جداً مثل لزوجة الهيدروجين السائل .. وإذا كانت لزوجة الماء أقل من ذلك أيضاً فالتركيبات اللطيفة ( الرقيقة ) سوف تتمزق بسهولة، وعندئذ لن يكون الماء قادراً على دعم أي تركيبات مجهرية معقدة دائمة، وهكذا لا يعد التركيب الضوئي الدقيق الجزيئي للخلية موجوداً عندئذ . فإذا كانت اللزوجة أعلى فالحركات المجُبرة للجزيئات الكبيرة المنفردة مثل الميتاكونديريات أو العضيات الصغيرة ستكون غير ممكنة، ويصبح ذلك أيضاً في عمليات انقسام الخلية، وستكون عندئذ كل النشاطات الحيوية للخلية مجمدة بشكل فعال، وستكون الحياة الخليوية لأي نوع منعزلة يشابه ذلك الذي نحن معتادون عليه غير ممكن، وكذلك فإن تطور العضويات العليا والتي يعتمد بشك لجدي على قدرة الخلايا على الحركة والدوران خلال مراحل تكون الجنين سيكون ذلك بالتأكيد غير ممكن إذا كانت لزوجة الماء أكبر حتى بقليل مما هي عليه في الواقع " 82[1]

      إن انخفاض لزوجة الماء هو شيء أساسي ليس فقط من أجل الحركة الخليوية ولكن أيضاً من أجل نظام الدوران الدموي، فلكل مخلوق حي حجم جسمه أكبر من ربع ميليمتر واحد نظام دورة دموية مركزي والسبب في ذلك هو أن كل كائن حي له حجم خلف ذلك ليس من الممكن على الغذاء والأوكسجين أن ينتشرا عبر عضويته ببساطة، لأنه لا يمكن إدخالهم مباشرة للخلية كما لا يمكن تفريغ منتجاتهم الأخرى . كما أنه يوجد في جسم العضوية العديد من الخلايا ومن الضروري أن يصل لها الأوكسجين والطاقة، ويتم ذلك بدخولهما وتوزعهما بالضخ عبر أقنية ( أنابيب ) من نوع ما، كما توجد أقنية أخرى ضرورية لتحمل الفضلات بعيداً، وتلك الأقنية بنوعيها الأوردة والشرايين، ويشكلان النظام الدوري الدموي في العضوية الحسية، والقلب هو المضخة التي تحفظ حركة هذا النظام بينما يحمل المادة عبر هذه الأقنية سائل يدعى الدم ومعظمه ماء، الذي يشكل 95% من بلازما الدم ـ وهي المادة المتبقية بعد إزالة خلايا الدم، والبروتينات والهرمونات من الدم .

      هذا هو السبب في أن للزوجة الماء أهمية كبيرة جداً، فهي هامة لأنها تسهل وظيفة النظام الدوري الدموي في العضوية الحية، فإذا كانت لزوجة الماء كبيرة مثل تلك التي للقطران فبالتأكيد لا يستطيع أي قلب أن يضخ، أما إذا كانت لزوجة الماء مثل لزوجة زيت الزيتون والتي هي أقل بمئة مليون مرة منها للقطران فالقلب قد يتمكن من الضخ لكنها ستكون عملية صعبة جداً والدم سوف لن يتمكن من الوصول إلى كل البلايين من الأنابيب الشعرية والملتفة طرقها عبر أجسامنا .

      لنأخذ نظرة أقرب للأنابيب الشعرية، والتي هدفها هو حمل الأوكسجين والغذاء والهرمونات .. الخ ..

      وهي ضرورية لحياة كل خلية وفي كل أنحاء الجسم، فإذا كان بُعد الخلية عن الأنبوب الشعري أكثر من خمسين ميكروناً ( الميلمتر هو ألف ميكرون ) عندئذ لا يمكنها أن تستفيد من الخدمات الشعرية، وبالتالي فالخلايا التي بعدها عن الشعريات الدموية أكثر من خمسين ميكروناً سوف تجف حتى الموت، ويجب أن نتذكر أن الميكرون هو جزء واحد من ألف جزء من الميلمتر الواحد .

      ولهذا السبب خلق جسم الإنسان بحيث تشكل الشعيرات الدقيقة شبكة تنتشر في كل دقيقة من دقائق جسده، وفي الجسم البشري العلوي يوجد حوالي خمسة بلايين أنبوب شعري يبلغ طولها الإجمالي إذا مددت طولياً حوالي (950كيلومتر اً ) .

      وفي بعض الثديات ربما بلغ عدد تلك الشعيرات حوالي ( 3000) في كل سانتيمتر مربع من نسيجها العضلي، وإذا جمعت عشرة آلاف من أدق الشعيرات في جسم الإنسان معاً كان الناتج هو حزمة سمكها مثل سمك قلم الرصاص، وأقطار تلك الشعيرات يترواح بين 5.3ميكرون، أي من ثلاثة إلى خمسة أجزاء من ألف من الميلمتر الواحد .

      و إذا كان الدم سيخترق الممرات الضيقة دونما إعاقة أو إبطاء فبالتأكيد سوف تسيح أو تنغمر، ولكن يعود الفضل في عدم حدوث ذلك إلى لزوجة الماء، وطبقاً لكتاب (دينتون ) إذا كانت لزوجة الماء أكثر بقليل مما هي عليه فعلاً عندئذ سيكون النظام الدوري غير مجد بتاتاً، كما يقول :

      يعمل النظام الشعري إذا كان للسائل ( الذي يضخ عبر أنابيب ) لزوجة منخفضة جداً .

      وانخفاض لزوجة السائل أساسية بسبب أن الجريان يتناسب عكسياً مع اللزوجة .. لهذا من السهل أن نرى، لو كان للزوجة الماء قيمة أكبر بعدة مرات مما هي عليه، فإن ضخ الدم عبر النظام الشعيري سيتطلب ضعطاً كبيراً وبالتالي فإن أي نوع من هذا النظام الدوري سوف لن يعمل .. لكن لو صارت لزوجة الماء أكبر بقليل وإزداد قطر أصغر الأنابيب الشعيرية العاملة من (3) ميكرون إلى (10) ميكرون عندئذ ستحتل الشعيرات نظرياً كل النسيج العضلي ليقدم الأوكسجين والغلوكوز، وطبعاً سيكون من الواضح أن أشكال الحياة في هذه الحالة غير ممكنة أو سوف تعاني صعوبات جمة في أداء عملها .

      ولهذا يجب أن تكون لزوجة الماء قريبة جداً لما هي عليه فعلاً عندئذ يكون الماء وسطاً ملائماً للحياة . 2

      في الخاتمة نعلم أن هذا السائل العجيب الذي هو الماء قد أعده الله سبحانه ليكون ملائماً لحياة الكائنات الحية فتبارك الله أحسن الخالقين وصدق الله سبحانه في قوه


      (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الانبياء:30)

      بقلم فراس نور الحق


      --------------------------------------------------------------------------------

      [1] MICHAEL DENTON ,NATURE,S DESTINY P.35

      [2] MICHAEL DENTON ,NATURE,S DESTINY P.35

      المـراجــع :

      القرآن الكريم

      بعض كتب الحديث

      الماء تلك المادة العجيبة تأليف البر فسور إ . بتريانوف أستاذ في معهد مندلييف في موسكوا.

      علم المياه تأليف الدكتور جهاد على الشاعر

      كتاب خلق الكون تأليف الكاتب التركي هارون يحيى
    • ضيق النفس عند الصعود



      ضيق النفس عند الصعود


      قال تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:125)

      جاءت هذه الآية الكريمة في الثلث الأخير من سورة الأنعام‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ شأنها شأن كل السور المكية التي تركز علي قضية العقيدة‏,‏ وهي قضية وجود الإنسان في هذه الحياة‏,‏ وقضية مصيره بعدها‏,‏ فعلي أساس من العقيدة يحدد كل إنسان منا دوره في هذه الحياة‏,‏ كما يحدد علاقاته فيها مع نفسه‏,‏ ومع خالقه‏,‏ ومع الكون‏,‏ ومع جميع من فيه وما فيه‏....!!‏
      ومن هنا كانت أهمية العقيدة‏,‏ التي افرد لها القرآن الكريم مساحة كبيرة في كل من المكان والزمان‏:‏ في كل السور والآيات المكية‏,‏ وفي عمر الدعوة المحمدية التي قضي فيها المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ثلاث عشرة سنة يدعو الناس إلي عبادة الله ـ تعالى ـ وحده بغير شريك ولا شبيه ولا منازع‏,‏ وإلي إخلاص العبودية له‏,‏ وتنزيهه‏(‏ تعالي‏)‏ عن كل وصف لا يليق بجلال ربوبيته وألوهيته ووحدانيته‏,‏ وإلي الإيمان بملائكته‏,‏ وكتبه ورسله‏,‏ وبالقدر خيره وشره‏,‏ وباليوم الآخر وبما فيه من بعث ونشور‏,‏ وحساب وميزان وصراط‏,‏ وخلود في حياة قادمة أما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏,‏ وما يستتبعه كل ذلك من الخضوع بالطاعة لله‏,‏ وعبادته‏(‏ تعالى‏)‏ بما أمر مع حسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض‏,‏ وإقامة عدل الله فيها‏,‏ وهذه هي رسالة الدين من لدن أبينا آدم‏(‏ عليه السلام‏)‏ إلي بعثة المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وإلي أن يرث الله‏(‏تعالي‏)‏ الأرض ومن عليها‏.‏
      وركائز الدين إما من الغيب المطلق كقضية العقيدة‏,‏ أو من الأوامر الإلهية المطلقة كقضية العبادة‏,‏ أو من ضوابط السلوك كقضيتي الأخلاق والمعاملات‏,‏ ولما كان الإنسان عاجزا دوما عن أن يضع لنفسه بنفسه ضوابط صحيحة في أي من هذه القضايا كانت ضرورة الدين لكي يستقيم وجوده في هذه الحياة‏,‏ ولكي يتمكن من تحقيق رسالته فيها‏.‏
      والدين بركائزه الأربع الأساسية لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل الإنسان محتاج فيه إلي الهداية الربانية‏,‏ تلك الهداية التي أنزلها الله‏(‏ تعالي‏)‏ باسم الإسلام‏,‏ علي فترة من الرسل‏,‏ وبينها للناس بواسطة جيش من الأنبياء فاق عدده المائة والعشرين ألفا‏,‏ وأتمها في الرسالة الخاتمة التي بعث بها الرسول الخاتم والنبي الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وهي الرسالة السماوية التي تعهد ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بحفظها‏,‏ فحفظت بنفس اللغة التي أوحيت بها‏,‏ ومن هنا كان القرار الإلهي الذي أنزله ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ من فوق سبع سماوات‏,‏ ومن قبل أربعة عشر قرنا بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
      إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم‏,‏ ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب‏*(‏ آل عمران‏:19)‏
      ومن هنا أيضا كان التأكيد علي هذا القرار الإلهي بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ وفي نفس السورة‏:‏
      (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين‏*)(‏ آل عمران‏:85)‏ ومن هذا المنطلق جاءت الآية الكريمة التي نحن بصددها والتي يقول فيها ربنا‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء‏.....*(‏ الأنعام‏:125)‏
      ويعجب الإنسان لهذا التشبيه القرآني المعجز الذي يقابل بين ضيق صدر العازفين عن الهداية الربانية‏,‏ كلما ذكروا بها‏,‏ وضيق صدر الذي يصعد في السماء بغير وسيلة واقية‏,‏ وهي حقيقة لم يدركها الإنسان في أبعادها الصحيحة إلا بعد ريادته للفضاء‏,‏ وقبل الدخول في تفصيل المغزي العلمي لهذا التشبيه القرآني لابد من توضيح الدلالات اللغوية والقرآنية لعدد من الألفاظ الواردة في الآية الكريمة وهذا ما سوف نفصله في الأسطر القليلة التالية‏.‏
      الدلالات اللغوية لبعض ألفاظ الآية الكريمة
      بالنسبة للفعل‏(‏ يشرح‏)‏ في قول الحق‏(‏ تبارك وتعاليى):‏ يشرح صدره فإن‏(‏ الشرح‏)‏ في اللغة هو الكشف والبسط وإظهار الغامض والخافي من المعاني‏.‏
      يقال‏:(‏ شرح‏)‏ المشكل أو الغامض من الأمر‏(‏ يشرحه‏)(‏ شرحا‏)‏ أي فسره‏,‏ وبسطه‏,‏ وأظهر ما خفي من معانيه‏,‏ و‏(‏شرح‏)‏ الله صدره للإسلام‏(‏ فانشرح‏)‏ أي انبسط في رضا وارتياح للنور الإلهي والسكينة الروحية لأن من معاني‏(‏ شرح‏)‏ الصدر توسعته‏.‏
      أما عن‏(‏ الصدر الضيق الحرج‏)‏ فأصل‏(‏ الحرج‏)‏ و‏(‏الحراج‏)‏ مجتمع الأشياء من مثل الشجر ونحوه‏,‏ ومن هنا تصور منه ضيق ما بينها‏,‏ فقيل للضيق‏(‏ حرج‏),‏ وللإثم‏(‏ حرج‏)‏ واستخدام فعل‏(‏ التحريج‏)‏ بمعني التضييق‏,‏ ويقال للغيضة الملتفة الأشجار التي يصعب دخولها‏:(‏ حرجة‏),‏ وعلي ذلك فإن‏(‏ الحرج‏)‏ في اللغة هو الضيق بل ضيق الضيق‏,‏ يقال مكان‏(‏ حرج‏)‏ ــ بكسر الراء وفتحها ــ أي ضيق كثير الشجر‏,‏ و‏(‏الحرج‏)‏ و‏(‏الحرج‏)‏ أيضا الإثم‏,‏ يقال‏:(‏ أحرجه‏)‏ بمعني آثمه‏,‏ و‏(‏ تحرج‏)‏ أي تأثم‏,‏ و‏(‏حرج‏)‏ عليه الشئ أي حرم عليه‏,‏ و‏(‏المنحرج‏)‏ المتجنب من الحرج والإثم‏,‏ ويقال‏:(‏ حرج‏)‏ صدره‏(‏ حرجا‏)‏ فهو‏(‏ حرج‏)‏ أي ضاق ضيقا شديدا‏.‏
      وأما عن‏(‏ التصعد في السماء‏)‏ فالتصعد والتصاعد والصعود هو الذهاب إلي المكان العالي أو الارتفاع‏,‏ وهو ضد الحدور‏,‏ يقال‏:(‏ صعد‏)‏ بالكسر‏(‏ يصعد‏)(‏ صعودا‏)‏ في السلم أي ارتقاه ارتقاء‏,‏ و‏(‏صعد‏)(‏ يتصعد‏)‏ في الجبل‏,‏ و‏(‏تصعد‏)(‏ يتصعد‏)‏ أي ارتفع عليه وعلاه‏,‏ و‏(‏أصعد‏)‏ في الأرض‏(‏ صعودا‏)‏ أي مضي وسار في مناكبها والصعود أيضا العقبة الشاقة الكئود ويستعار لكل شاق وأصعد في الوادي و‏(‏صعد‏)‏ فيه‏(‏ تصعيدا‏)‏ أي انحدر معه‏,‏ ولو أن الصعود أصلا ضد الهبوط‏,‏ وهو و‏(‏الصعد‏)‏ والصعيد واحد‏,‏ ويقال عذاب‏(‏ صعد‏)‏ أي شديد و‏(‏الصعيد‏)‏ هو أيضا ما يصعد إليه‏,‏ و‏(‏الصعداء‏):‏ تنفس ممدود‏,‏ ويقال‏(‏ تصعد‏)‏ النفس بمعني صعب مخرجه‏,‏ ويقال‏:(‏ يصعد‏)‏ وأصلها‏(‏ يتصعد‏)‏ أي يتكلف الصعود‏,‏ فلا يستطيعه‏,‏ و‏(‏تصعد‏)‏ أيضا تستخدم بمعني شق من المشقة و‏(‏الإصعاد‏)=‏ الإبعاد في الأرض سواء كان في صعود أو حدور‏(‏ هبوط‏);‏ و‏(‏الصعد‏)‏ الشاق أو المشقة ويقال‏:(‏ تصعدون‏)‏ أي تذهبون في الوادي هربا من عدوكم من‏(‏ الإصعاد‏)‏ وهو الذهاب في صعيد الأرض‏,‏ والإبعاد فيه‏,‏ يقال‏:(‏ أصعد‏)‏ في الأرض إذا أبعد في الذهاب وأمعن فيه فهو‏(‏ مصعد‏).‏

      الدلالات القرآنية لبعض ألفاظ الآية الكريمة
      جاء الفعل‏(‏ شرح‏)‏ بتصريفاته في أربعة مواضع من القرآن الكريم بالإضافة إلي الآية الكريمة التي نحن بصددها علي النحو التالي‏:‏
      ‏(1)‏ أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو علي نور من ربه‏....*(‏ الزمر‏:22)‏
      ‏(2)‏ ألم نشرح لك صدرك‏*(‏ الشرح‏:1)‏
      ‏(3)‏ قال رب اشرح لي صدري‏*(‏ طه‏:25)‏
      ‏(4)..‏ ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم‏*(‏ النحل‏:106)‏
      وجاءت لفظة‏(‏ حرج‏)‏ في خمسة عشر موضعا بمعني الضيق في التشريع‏,‏ أو شدة الضيق بصفة عامة‏,‏ كما جاءت بمعني الإثم أو الذنب‏.‏
      أما الفعل‏(‏ صعد‏)‏ بمشتقاته فقد جاء في تسعة مواضع من كتاب الله‏(‏ تعالي‏)‏ بمعني الأرتفاع‏,‏ والقبول‏,‏ والرضا من الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ وبمعني الذهاب في الوادي‏,‏ والمضي فيه هربا‏,‏ وبمعني تكلف الصعود بمشقة بالغة‏,‏ فلا يستطيعه‏,‏ وبمعني شديدا صعبا‏,‏ وبمعني العقبة المرتفعة الشاقة المصعد‏,‏ وبمعني وجه الأرض البارز سواء كان ترابا أو غيره‏,‏ وقيل التراب ذاته‏.‏
      أما لفظة‏(‏ السماء‏)‏ فقد جاءت في ثلاثمائة وعشرة مواضع من كتاب الله‏,‏ منها مائة وعشرون بالإفراد‏(‏ السماء‏),‏ ومائة وتسعون بالجمع‏(‏ السماوات‏),‏ وصيغة الجمع توحي ببقية الكون في مقابلة الأرض‏,‏ بينما الإشارات المفردة بلفظ‏(‏ السماء‏)‏ جاءت في ثمانية وثلاثين موضعا بمعني الغلاف الغازي للأرض بصفة عامة‏,‏ والجزء الأسفل منه بصفة خاصة‏(‏ أو ما يعرف باسم نطاق التغيرات المناخية أو نطاق الرجع‏)‏ والذي يحتوي غالبية مادة الغلاف الغازي للأرض‏,‏ وجاء لفظ‏(‏ السماء‏)‏ أيضا بالإفراد في أثنين وثمانين موضعا يفهم الغالب منها علي أنه السماء الدنيا التي زينها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بالكواكب والنجوم والبروج‏,‏ ويفهم منها مجموع السماوات قبل فصلها إلي سبع‏,‏ وبعد فصلها في بعض المواضع‏.‏
      كذلك جاءت الإشارة في القرآن الكريم إلي‏(‏ السماوات والأرض وما بينهما‏)‏ في عشرين موضعا‏,‏ ويفهم هذا التعبير علي أن المقصود منه هو الغلاف الغازي للأرض بصفة عامة‏,‏ والجزء الأسفل منه بصفة خاصة‏,‏ وذلك لقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ ‏(...‏ والسحاب المسخر بين السماء والأرض‏...*)‏ ‏(‏البقرة‏:164)‏
      والسحاب يتحرك في نطاق الطقس‏,‏ والقرآن الكريم يشير في أكثر من آية إلي إنزال الماء من السماء‏,‏ وواضح الأمر أن المقصود بالسماء هنا هو السحاب‏.‏
      فإذا كان المقصود بالسماء في قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ كأنما يصعد في السماء هو الغلاف الغازي للأرض فإن لذلك صعوباته ومشاقه التي تصل إلي حد الاستحالة‏,‏ وإذا كان المقصود هو السماء الدنيا فإن الصعوبات والعقبات تتضاعف أضعافا كثيرة حتي تصل إلي ما فوق الاستحالة‏,‏ وذلك لأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد حدد للإنسان نطاقا معينا من الأرض وغلافها الغازي تتواءم فيه ومعه بنيته الجسدية‏,‏ ووظائف أعضائه المختلفة‏,‏ وإذا خرج عن هذا النطاق فإنه يحتضر ويموت‏,‏ كما يموت السمك إذا أخرج من الماء‏,‏ ويتضح ذلك جليا من دراسة الصفات الطبيعية والكيميائية لنطق الغلاف الغازي للأرض‏.‏

      شروح المفسرين للآية الكريمة
      في تفسير الآية الكريمة التي نحن بصددها ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما نصه‏:‏ يقول تعالي‏:(‏ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام أي ييسره له وينشطه ويسهله لذلك‏,‏ فهذه علامات علي الخير‏,‏ كقوله تعالي‏(‏ أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو علي نور من ربه‏)‏ الآية‏,‏ وقال تعالي‏:(‏ ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم‏),‏ وقال ابن عباس معناه يوسع قلبه للتوحيد والإيمان به‏,‏ وهو ظاهر‏.‏ سئل رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ أي المؤمنين أكيس؟ قال‏:‏ أكثرهم ذكرا للموت وأكثرهم لما بعده استعدادا‏,‏ وسئل عن هذه الآية‏(‏ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام‏)‏ قالوا‏:‏ كيف يشرح صدره يارسول الله؟ قال‏:‏ نور يقذف فيه‏,‏ فينشرح له وينفسح‏,‏ قالوا‏:‏ فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال‏:‏ الإنابة إلي دار الخلود‏,‏ و التجافي عن دار الغرور‏,‏ والاستعداد للموت قبل لقاء الموت‏..‏ وقوله تعالي‏(‏ ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا‏)‏ حرجا بفتح الحاء والراء‏,‏ وهو الذي لا يتسع لشيء من الهدي‏,‏ ولا يخلص إليه شيء من الإيمان ولا ينفذ فيه‏,‏ وقد سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا من الأعراب من أهل البادية من مدلج عن الحرجة؟ فقال‏:‏ هي الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء ‏,‏ فقال عمر رضي الله عنه‏:‏ كذلك قلب المنافقين لا يصل إليه شيء من الخير‏;‏ وقال ابن عباس‏:‏ يجعل الله عليه الإسلام ضيقا والإسلام واسع‏,‏ وذلك حين يقول‏:(‏ وما جعل عليكم في الدين من حرج‏)‏ يقول‏:‏ ما جعل عليكم في الإسلام من ضيق‏,‏ وقال مجاهد والسدي‏:(‏ ضيقا حرجا‏)‏ شاكا‏,‏ وقال عطاء الخراساني‏:(‏ ضيقا حرجا‏)‏ أي ليس للخير فيه منفذ‏,‏ وقال ابن المبارك‏:(‏ ضيقا حرجا‏)‏ بلا إله إلا الله حتي لا تستطيع أن تدخل قلبه‏,(‏ كأنما يصعد في السماء‏)‏ من شدة ذلك عليه‏,‏ وقال سعيد بن جبير‏:(‏ يجعل صدره ضيقا حرجا‏)‏ لا يجد فيه مسلكا إلا صعد‏,‏ وقال عطاء الخراساني‏:(‏ كأنما يصعد في السماء‏)‏ يقول‏:‏ مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد إلي السماء‏,‏ وقال ابن عباس‏:‏ فكما لا يستطيع ابن آدم ان يبلغ السماء‏,‏ فكذلك لا يستطيع ان يدخل التوحيد والإيمان قلبه حتي يدخله الله في قلبه‏,‏ وقال الأوزاعي‏:‏ كيف يستطيع من جعل الله صدره ضيقا ان يكون مسلما‏;‏ وقال ابن جرير‏:‏ وهذا مثل ضربه الله لقلب هذا الكافر في شدة ضيقه عن وصول الإيمان إليه يقول‏:‏ فمثله في امتناعه عن قبول الإيمان وضيقه عن وصوله إليه مثل امتناعه عن الصعود إلي السماء وعجزه عنه‏,‏ لأنه ليس في وسعه وطاقته‏....‏
      وقال صاحب تفسير الجلالين‏(‏ يرحمهما الله‏)‏ شيئا مختصرا عن ذلك وذكر كل من صاحب‏(‏ صفوة البيان لمعاني القرآن‏)‏ ـ يرحمه الله ـ وصاحب صفوة التفاسير‏(‏ أمد الله في عمره‏)‏ شيئا مشابها أيضا‏.‏

      وذكر صاحب الظلال‏(‏ يرحمه الله‏):‏ من يقدر الله له الهداية ــ وفق سنته الجارية من هداية من يرغب في الهدي ويتجه إليه بالقدر المعطي له من الاختيار بقصد الابتلاء ــ‏(‏ يشرح صدره للإسلام‏),‏ فيتسع له‏,‏ ويستقبله في يسر ورغبة‏,‏ ويتفاعل معه‏,‏ ويطمئن إليه‏,‏ ويستريح به ويستريح له‏.‏
      ومن يقدر له الضلال ــ وفق سنته الجارية من إضلال من يرغب عن الهدي ويغلق فطرته عنه ــ‏(‏ يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء‏)..‏ فهو مغلق مطموس يجد العسر والمشقة في قبوله‏,(‏ كأنما يصعد في السماء‏)..‏ وهي حالة نفسية تجسم في حالة حسية‏,‏ من ضيق النفس‏,‏ وكربة الصدر‏,‏ والرهق المضني في التصعد الي السماء‏!‏

      التصعد في السماء كما تراه العلوم الكونية
      سبق‏,‏ وأن أشرنا أن لفظة‏(‏ السماء‏)‏ تعني الكون في مقابلة الأرض‏,‏ وأن التعريف اللغوي للسماء يشمل كل ما علاك فأظلك بدءا من نطق الغلاف الغازي للأرض وانتهاء بالحدود المدركة للكون‏.‏

      السماء بمعني الغلاف الغازي للأرض
      تحاط الأرض بغلاف غازي تقدر كتلته بنحو خمسة آلاف مليون مليون طن‏(5,2*1510‏ أطنان‏)‏ ويقدر سمكه بعدة آلاف من الكيلو مترات فوق مستوي سطح البحر‏,‏ ويتناقص ضغطه من نحو الكيلو جرام علي السنتيمتر المربع عند مستوي سطح البحر إلي واحد من المليون من ذلك في الجزء العلوي منه‏.‏
      ويقسم الغلاف الغازي للأرض إلي قسمين رئيسيين علي النحو التالي‏:‏
      أ ــ القسم السفلي من الغلاف الغازي للأرض‏ (The lower Atmosphere)‏
      ويتكون من خليط من جزيئات النيتروجين‏,‏ والاوكسجين‏,‏ وعدد من الغازات الأخري‏,‏ ويعرف باسم النطاق المتجانس‏ (The Homosphere)‏
      ويقسم إلي ثلاثة نطق متميزة من أسفل إلي أعلي علي النحو التالي‏:‏

      ‏(1)‏ نطاق التغيرات الجوية‏
      نطاق الطقس أو نطاق الرجع‏ (TheTroposphere)‏
      وهو نطاق قليل السمك‏,‏ يلامس الأرض مباشرة‏,‏ ويمتد من مستوي سطح البحر إلي ارتفاع‏16‏ إلي‏17‏ كيلو مترا فوق خط الاستواء‏,‏ ويتناقص سمكه إلي ما بين‏6‏ و‏8‏ كيلو مترات فوق القطبين‏,‏ ويختلف سمكه فوق خطوط العرض الوسطي باختلاف ظروفها الجوية‏,‏ فينكمش إلي ما دون السبعة كيلو مترات في مناطق الضغط المنخفض‏,‏ ويمتد إلي نحو‏13‏ كيلو مترا في مناطق الضغط المرتفع‏,‏ وعندما تتحرك كتل الهواء الحار من خط الأستواء في اتجاه القطبين فإنها تضطرب فوق هذا المنحني الوسطي‏,‏ فتزداد سرعة الهواء مندفعا تجاه الشرق بتأثير دوران الأرض حول محورها أمام الشمس من الغرب إلي الشرق‏,‏ ويتم ذلك بسرعة فائقة تعطي كتل الهواء المتحركة بها اسم التيار النفاث ‏(The Jet stream).‏
      ويضم هذا النطاق ثلثي‏(66%)‏ كتلة الغلاف الغازي للأرض‏,‏ وتتناقص درجة الحرارة فيه مع الارتفاع باستمرار‏(‏ بمعدل‏6‏ درجات مئوية كل كيلو متر ارتفاع في المتوسط حتي تصل إلي ستين درجة مئوية تحت الصفر في قمته المعروفة باسم مستوي الركود الجوي‏ (The tropopause)‏
      وذلك لتناقص الضغط فيه إلي عشر الضغط الجوي عند سطح البحر تقريبا‏,‏ وللبعد عن سطح الأرض وهو مصدر التدفئة الصاعدة إلي هذا النطاق‏.‏
      وهذا النطاق هو نطاق تكثف بخار الماء الصاعد من الأرض‏,‏ وتكون السحب‏,‏ وهطول كل من المطر والبرد والثلج‏,‏ وحدوث ظواهر الرعد والبرق‏,‏ وتحرك الرياح‏,‏ وتكون العواصف والدوامات‏,‏ وتيارات الحمل الهوائية‏,‏ وغير ذلك من الظواهر الجوية‏,‏ ويتركب الغلاف الغازي في هذا النطاق أساسا من جزيئات كل من النيتروجين‏(‏ بنسبة‏78,1%‏ بالحجم‏)‏ والاوكسجين‏(‏ بنسبة‏21%‏ بالحجم‏),‏ والأرجون بنسبة‏0,93%‏ بالحجم وثاني اكسيد الكربون‏(‏ بنسبة‏0,03%‏ بالحجم‏),‏ بالإضافة إلي نسب ضئيلة من بخار الماء‏,‏ وآثار طفيفة من كل من الميثان‏,‏ وأكاسيد النيتروجين‏,‏ وأول أكسيد الكربون‏,‏ والإيدروجين‏,‏ والهيليوم‏,‏ والأوزون وبعض الغازات الخاملة مثل الأرجون‏.‏

      ‏(2)‏ نطاق التطبق ‏(The Stratosphere)
      ويمتد من فوق مستوي الركود الجوي‏ (TheTropopause)‏
      أي من ارتفاع‏16‏ ــ‏17‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر إلي قرابة الخمسين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وبذلك يقدر سمكه بنحو‏33‏ ــ‏34‏ كيلو مترا‏,‏ وينتهي بمستوي الركود الطبقي‏ (The Stratopause)‏ وترتفع درجة الحرارة في هذا النطاق من اكثر من ستين درجة مئوية تحت الصفر عند قاعدته إلي نحو الثلاث درجات فوق الصفر المئوي عند قمته‏,‏ ويرجع السبب المباشر في هذا الارتفاع الحراري إلي امتصاص قدر من الأشعة فوق البنفسجية المقبلة مع اشعة الشمس بواسطة جزيئات الأوزون التي تتركز في الجزء السفلي من هذا النطاق‏(‏ بين ارتفاعي‏18‏ و‏30‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏)‏ مكونة جزءا مميزا منه يعرف باسم نطاق الأوزون‏ (The Ozonosphere)‏
      يتركز فيه هذا الغاز المهم بنسبة‏0,001%‏ ولكنها نسبة كافية لحماية الأرض‏,‏ وما عليها من صور الحياة من أضرار الأشعة فوق البنفسجية‏,‏ وهي أشعة حارقة ومدمرة لجميع صور الحياة الأرضية‏,‏ ولولا وجود طبقة الاوزون‏,‏ وما أعطاها الله تعالى من قدرة لامتصاص وتحويل الأشعة فوق البنفسجية لكانت الحياة مستحيلة علي الأرض‏.‏
      ويستمر الضغط في الانخفاض في نطاق التطبق من قاعدته إلي قمته حيث يصل فيه الي واحد من ألف من الضغط الجوي عند سطح البحر‏.‏

      ‏(3)‏ النطاق المتوسط ‏(The Mesosphere)
      ويمتد من مستوي الركود الطبقي‏(‏ أي من ارتفاع نحو خمسين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر إلي ارتفاع‏80‏ إلي‏90‏ كيلو مترا فوق هذا المستوي‏,‏ ويتراوح سمكه بين‏30‏ و‏40‏ كيلو مترا‏).‏
      وتنخفض درجة الحرارة في نطاق التطبق بمعدل ثلاث درجات لكل كيلو متر ارتفاع تقريبا حتي تصل إلي نحو مئة درجة مئوية تحت الصفر عند حده العلوي والمعروف باسم مستوي الركود الأوسط ‏(The Mesopause) وإن كانت درجة الحرارة تلك تتغير باستمرار مع تغير الفصول المناخية‏.‏
      كذلك يستمر الضغط في الانخفاض مع الارتفاع حتي يصل في قمة هذا النطاق إلي أربعة من المليون من الضغط الجوي عند سطح البحر‏.‏

      ‏(‏ب‏)‏ القسم العلوي من الغلاف الغازي للأرض (The upper Atmosphere)‏
      وهذا القسم من الغلاف الغازي للأرض يختلف اختلافا كليا عن القسم السفلي ولذا يعرف باسم نطاق التباين‏ (The Heterosphere)‏
      وتبدأ فيه جزيئات مكوناته في التفكك إلي ذراتها وأيوناتها بفعل كل من أشعة الشمس والأشعة الكونية‏,‏ كذلك تسود فيه ذرات الغازات الخفيفة من مثل الايدروجين والهيليوم علي حساب الذرات الكثيفة نسبيا من مثل الاوكسجين والنيتروجين‏,‏ وتواصل درجات الحرارة الارتفاع فيه حتي تصل إلي أكثر من ألفي درجة مئوية‏,‏ ويواصل الضغط الانخفاض حتي يصل في قمة هذا النطاق إلي أقل من واحد في المليون من الضغط الجوي علي سطح البحر‏.‏
      ويحوي هذا القسم نطاقين متميزين هما من أسفل إلي أعلي كما يلي‏:‏

      ‏(1)‏ النطاق الحراري‏ (TheThermosphere)
      ويمتد من مستوي الركود المتوسط‏(‏ أي من ارتفاع يتراوح بين‏80‏ و‏90‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر في المتوسط إلي عدة مئات من الكيلومترات فوق مستوي سطح البحر عند مستوي الركود الحراري‏ (Thermopause)‏
      وتواصل درجات الحرارة في الارتفاع في هذا النطاق من نحو المائة درحة مئوية في أعلي النطاق الأسفل منه لتصل إلي ما بين‏227‏ و‏500‏ درجة مئوية عند ارتفاع مائة وعشرين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وتبقي درجة الحرارة ثابتة تقريبا عند درجة‏500‏ مئوية إلي ارتفاع يتراوح بين ثلاثمائة واربعمائة كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏,‏ ثم تقفز بعد ذلك إلي درجات تتراوح بين‏1500‏ و‏2000‏ درجة مئوية إلي نهاية النطاق وتزيد في فترات النشاط الشمسي‏.‏

      ‏(2)‏ النطاق الخارجي ‏(The Exosphere)
      هو نطاق يعلو النطاق الحراري‏,‏ تثبت فيه درجة الحرارة ثبوتا نسبيا‏,‏ ولذا يطلق عليه أحيانا اسم نطاق التساوي الحراري‏ (The Isothermalsphere)‏
      ويتضاءل الضغط فيه‏,‏ وتتمدد الغازات تمددا كبيرا وتتحرك ذراتها بحرية كاملة في مساراتها فتقل فرص التلاقي بينها بعد أرتفاع يطلق عليه اسم الارتفاع الحرج‏ (The Critical Elevation)‏ أو خط ركود الضغط الجوي‏ (The Baropause)‏ أو قاعدة العوالم الخارجية عن الأرض‏ (The Exobase) وعند هذا الحد يبدأ الغلاف الغازي للأرض في الالتصاق بقاعدة السماء الدنيا أو ما يطلق عليه اسم المادة بين الكواكب‏ (The Interplanetary Matter)‏ والتداخل أحيانا فيها لتضاؤل سيطرة الجاذبية الأرضية علي ذرات الغازات في الأجزاء العليا من هذا النطاق مما يزيد من قدرات تلك الذرات علي الانفلات من قيود الجاذبية الأرضية والهروب بعيدا عن الأرض وعن غلافها الجوي‏.‏
      وفي المنطقة من قمة النطاق المتوسط‏(‏ أي من ارتفاع مائة كيلو متر تقريبا‏)‏ إلي أقصي الحدود العلوية للغلاف الغازي للأرض تتأين ذرات الغازات‏(‏ أي تشحن بالكهرباء‏)‏ بفعل كل من الأشعة فوق البنفسجية والسينية المقبلة مع أشعة الشمس‏,‏ وبعض جسيمات كل من الأشعة الشمسية الكونية‏,‏ ويطلق علي هذا السمك أسم نطاق التأين ‏(The Ionosphere).‏
      والمنطقة التي تفوق فيها طاقة الايونات الطاقة الحرارية فإنها تتحرك بين خطوط قوي مجال الجاذبية الأرضية مكونة منطقة متميزة تعرف باسم النطاق المغناطيسي للأرض‏ (The Magnetosphere)‏
      وتمتد إلي نهاية الغلاف الغازي للأرض‏,‏ وقد تتداخل في نطاق المادة بين الكواكب‏.‏
      كذلك تم اكتشاف زوجين من الأحزمة الإشعاعية‏ (The Radiation Belts)‏
      يحيطان بالكرة الأرضية علي هيئة هلالية مزدوجة تزيد فيها تلك الاحزمة في السمك زيادة ملحوظة عند خط الاستواء‏,‏ وترق رقة شديدة عند القطبين‏,‏ وفي هذه الاحزمة تحتبس الأيونات واللبنات الأولية للمادة‏(‏ من مثل البروتونات والاليكترونات‏)‏ والتي يقتنصها المجال المغناطيسي للأرض‏,‏ فتتحرك عبر ذلك المجال من أحد قطبي الأرض للآخر وبالعكس في حركة دائبة‏.‏
      ويتركز الزوج الداخلي من أحزمة الإشعاع علي ارتفاع‏3200‏ كيلو متر فوق مستوي سطح البحر‏,‏ بينما يتركز الزوج الخارجي علي ارتفاع‏25000‏ كيلو متر فوق هذا المستوي‏.‏
      تقسيم الغلاف الغازي للأرض من حيث مواءمته للحياة الأرضية
      يقسم الغلاف الغازي للأرض من حيث مواءمته للحياة الأرضية إلي النطق التالية‏:‏

      ‏(1)‏ نطاق المواءمة الكاملة للحياة الأرضية
      ويمثل الجزء الغازي من نطاق الحياة الذي يمتد من أعماق المحيطات‏(‏ بمتوسط عمق‏3800‏ متر تحت مستوي سطح البحر‏)‏ إلي ارتفاع في الغلاف الغازي للأرض لا يتعدى الثلاثة كيلو مترات فوق مستوي سطح البحر‏.‏وهذا الجزء الهوائي من نطاق الحياة هو نطاق المواءمة البيئية الكاملة لحياة الإنسان‏,‏ أي التي يستطيع الإنسان العيش فيها بدون مخاطر صحية‏,‏ لملاءمة التركيب الكيميائي والصفات الطبيعية للغلاف الغازي للأرض في هذا النطاق لطبيعة جسم الإنسان ولوظائف كل أعضائه وأجهزته من مثل وفرة الاوكسجين‏,‏ وتوسط كل من الضغط ودرجات الحرارة‏.‏
      ومتوسط ارتفاع اليابسة لايكاد يصل إلي هذا الحد من الارتفاع فوق مستوي سطح البحر الذي تكون التغيرات الطبيعية والكيميائية عنده محتملة‏,‏ ولذلك لا تظهر علي البشر الذين يعيشون في مثل هذه الارتفاعات أو يصلون إليها أية أعراض من أعراض نقص الأوكسجين أو تناقص الضغط‏,‏ علي الرغم من الانخفاض في درجة الحرارة‏,‏ وبعض الاختلافات في سلوك سائل مثل الماء في تلك الارتفاعات العالية‏.‏

      ‏(2)‏ نطاق شبه المواءمة للحياة الأرضية
      ويمتد هذا النطاق من ارتفاع ثلاثة كيلو مترات فوق مستوي سطح البحر إلي ارتفاع ستة عشر كيلو مترا فوق ذلك المستوي ويقترب في منتصفه من أعلي قمم الأرض ارتفاعا‏(8848‏ مترا‏)‏ ويتميز بنقص تدريجي في نسبة الأوكسجين‏,‏ وتناقص الضغط بمعدلات ملحوظة‏,‏ ويمكن للإنسان العيش في الأجزاء السفلي من هذا النطاق بصعوبة فائقة لصعوبة التنفس‏,‏ والخلل الذي يعتري بعض وظائف أعضاء جسده نتيجة لانخفاض الضغط الجوي فتبدو عليه أعراض نقص الأوكسجين‏(‏ هيبوكسيا‏)‏ وأعراض انخفاض الضغط الجوي‏(‏ ديسباريزم‏).‏

      ‏(3)‏ نطاق استحالة وجود الإنسان بغير عوامل وقائية كاملة‏
      ويمتد من ارتفاع ستة عشر كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر إلي نهاية الغلاف الغازي للأرض‏,‏ وهو نطاق يستحيل بقاء الإنسان فيه بغير عوامل كافية للوقاية من مخاطر هذا النطاق‏,‏ وذلك بتكييف الجو المحيط به من حيث الضغط ودرجتي الحرارة والرطوبة‏,‏ وامداده بالقدر الكافي من الاوكسيجين وتنقيته من ثاني اكسيد الكربون‏,‏ وغير ذلك من النواتج الضارة‏,‏ مع المراقبة المستمرة للأحوال الصحية ويتم ذلك بتزويده بحلل مشابهة لحلل رواد الفضاء المزودة بأجهزة كاملة لدعم حياة الإنسان في مثل هذه البيئات الخطرة من مثل النقص الحاد في كل من الضغط الجوي‏,‏ ونسبة الأوكسجين‏,‏ والتغيرات الشديدة في درجات الحرارة‏.‏
      والحلل التي يرتديها رواد الفضاء في داخل مركباتهم الفضائية المكيفة بظروف موائمة لطبيعة الإنسان هي حلل محكمة غاية الإحكام غير منفذة للهواء ولا للأشعة الكونية ــ ومليئة بالهواء المضغوط بالقدر المطلوب لسلامة جسم الإنسان‏,‏ وتتم مراقبة الضغط داخل تلك الحلل بأجهزة ضغط يمكن التحكم فيها بواسطة صمامات خارجية‏,‏ ومزودة بجيوب لتجميع افرازات الجسم والسوائل الخارجة منه‏,‏ وتسمح في الوقت نفسه بالوصول إلي الجسد لمعالجته بالحقن الطبية اللازمة في حالات الضرورة‏.‏
      أما في ريادة الغلاف الغازي للأرض خارج المركبات الفضائية‏,‏ فيحتاج رواد الفضاء إلي حلل مزودة بضوابط بيئية تفوق الحلل المستخدمة داخل المركبات الفضائية في تعقيدها‏,‏ وذلك بتزويدها بضوابط لدعم الحياة محمولة تسمي باسم نظم الدعم الحياتي المحمولة‏
      (Portable Life-Support Systems),
      وتضم بالإضافة إلي حلل داخل المركبات الفضائية مصادر محمولة للتزود بالاوكسيجين لها أنبوبتان إحداهما للشهيق والأخرى للزفير‏,‏ وأجهزة اتصال لاسلكية‏,‏ ووحدة تكييف للهواء‏,‏ ولوحات تحكم في الضغط‏,‏ وخوذة وغطاء عازلان للحرارة ولكل من الأشعة الشمسية والكونية‏,‏ وأحذية طويلة الرقبة‏,‏ وقفازات عازلة لكل من الحرارة والأشعة ورجوم النيازك المتناهية في صغر الحجم‏.‏
      الصعوبات التي يواجهها الإنسان حينما يتصعد في السماء بغير وقاية كافية
      إذا تجاوز الإنسان ارتفاع الثمانية كيلو مترات فوق مستوي سطح البحر فإنه يتعرض لمشكلات عديدة منها صعوبة التنفس لنقص الأوكسجين وتناقص ضغط الهواء‏,‏ وهو مرض يسميه المتخصصون في طب الطيران باسم مرض عوز الأوكسجين‏ Hypoxia
      ومنها مشكلات انخفاض الضغط الجوي والذي يسمي باسم خلل الضغط الجوي‏
      Dysbarism وتحت هذين العارضين لا يستطيع جسم الإنسان القيام بوظائفه الحيوية‏,‏ فتبدأ في التوقف الوظيفة تلو الأخرى‏,‏ وهنا يمكن تفسير ضيق الصدر الذي يمر به الإنسان عند الصعود إلي تلك المرتفعات بغير استعدادات وقائية كافية‏,‏ فيبدأ بالشعور بالإجهاد الشديد‏,‏ والصداع المستمر‏,‏ والشعور بالرغبة في النوم‏,‏ ونتيجة للنقص في الضغط الجوي تبدأ الغازات المحبوسة في داخل أنسجة الجسم وتجاويفه المختلفة في التمدد من مثل الجهاز التنفسي من الرئتين والقصبة الهوائية وتشعباتهما والأنف‏,‏ والجيوب الانفية‏,‏ والجهاز الدوري من القلب والاوردة والشرايين‏,‏ والجهاز السمعي خاصة الأذن الوسطي‏,‏ والجهاز الهضمي من مثل المعدة والأمعاء الدقيقة والغليظة‏,‏ خاصة القولون‏,‏ والفم والأسنان والأضراس واللثة مما يؤدي إلي آلام شديدة في كل أجزاء الجسم‏,‏ وإلي ضغوط شديدة علي الرئتين والقلب وإلي تمزق خلاياهما وأنسجتهما‏,‏ ويسبب الشعور بضيق الصدر وحشرجة الموت‏.‏
      كذلك تبدأ الغازات الذائبة في جميع سوائل الجسم وأنسجته في الانفصال والتصاعد إلي خارج حيز الجسد‏,‏ وأهمها غاز النيتروجين الذي يصل حجمه في جسم الفرد البالغ إلي نحو اللتر موزعة بين الدم وأنسجة الجسم المختلفة‏,‏ وتخرج هذه الغازات علي هيئة فقاعات تندفع الي الخارج بسرعة فائقة مما يزيد من تمزق الخلايا والأنسجة‏,‏ وإلي حدوث آلام مبرحة بكل من الصدر والمفاصل‏,‏ وإلي ضيق شديد في التنفس نتيجة لتصاعد فقاعات النيتروجين من أنسجة الرئتين‏,‏ ومن داخل الشعيرات الدموية‏,‏ ومن الأنسجة المحيطة بها ومن الجلد ومن انسجة وخلايا الجهاز العصبي‏,‏ فتتأثر رؤية الشخص‏,‏ ويختل توازنه‏,‏ ويصاب بصداع شديد‏,‏ ثم إغماء كامل أو صدمة عصبية أو بشلل جزئي أو كلي وزرقة بالجسم تنتهي بالوفاة بسبب توقف كل من القلب والرئتين‏,‏ وانهيار الجهاز العصبي‏,‏ وفشل كامل في وظائف بقية أعضاء الجسم ولعل ذلك هو المقصود بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
      فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس علي الذين لا يؤمنون‏*(‏ الأنعام‏:125)‏
      وهذه حقائق لم يدركها الإنسان إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين وإن بدأ يتحسسها منذ نهاية القرن الثامن عشر‏,‏ وورودها في كتاب الله الذي أنزل قبل أربعة عشر قرنا علي نبي أمي صلي الله وسلم وبارك عليه في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين مما يؤكد أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ وأن هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏.‏



      المصدر :

      موقع زغلول النجار على شبكة الإنترنت

















    • والســــماء وما بناهـــا‏



      والســــماء وما بناهـــا‏


      في مطلع سورة الشمس يقسم ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ وهو الغني عن القسم بعدد من حقائق الكون وظواهره فيقول‏(‏ عز من قائل‏):‏
      (والشمس وضحاها‏*‏ والقمر إذا تلاها‏*‏ والنهار إذا جلاها‏*‏ والليل إذا يغشاها‏*‏ والسماء وما بناها‏*‏ والأرض وما طحاها‏*‏ ونفس وما سواها‏*‏ فألهمها فجورها وتقواها‏*‏) ‏(‏الشمس‏:1‏ ـ‏8)‏
      ثم يأتي جواب القسم صادعا‏,‏ جازما بالقرار الإلهي الذي منطوقه‏:‏
      قد أفلح من زكاها‏*‏ وقد خاب من دساها‏*‏ ‏(‏ الشمس‏:9:10)‏
      وكثيرا ما يوجه القرآن الكريم الأنظار إلى التفكر في عملية الخلق‏:‏ خلق الكون بسماواته وأراضيه‏,‏ خلق الحياة بمختلف أشكالها‏,‏ وخلق الإنسان‏,‏ بكل ما في جسده ونفسه من أسرار ومعجزات‏,‏ وما صاحب ذلك كله من مظاهر وموجودات‏,‏ وهي وإن كانت من صفحات كتاب الله المنظور التي تشهد له‏(‏ تعالى‏)‏ بطلاقة القدرة‏,‏ وكمال الصنعة‏,‏ وشمول العلم والاحاطة فهي تؤكد صدق كل ما جاء في القرآن الكريم لأنه هو كتاب الله المقروء‏,‏ في صفائه الرباني‏,‏ و إشراقاته النورانية‏.‏ وصدق إخباره في كل أمر‏,‏ وكيف لا وهو وحي السماء الخاتم الذي تعهد ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ بحفظه فحفظ بنفس لغة الوحي‏(‏ اللغة العربية‏),‏ وبنفس تفاصيل الوحي الذي أنزل بها سورة سورة‏,‏ وآية آية وكلمة كلمة وحرفا حرفا‏,‏ تحقيقا للوعد الالهي الذي قطعه ربنا‏(‏ سبحانه‏)‏ علي ذاته العلية فقال‏(‏ عز من قائل‏):‏ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ‏(‏ الحجر‏:9)‏
      وبقي هذا الوحي الخاتم ـ ولأنه الوحي الخاتم ـ محفوظا بحفظ الله الخالق علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد‏,‏ وسوف يبقي إن شاء الله‏(‏ تعالى‏)‏ بصفائه الرباني‏,‏ وتمامه وكماله إلى أن يرث الله‏(‏ تعالى‏)‏ الأرض ومن عليها‏...!!!‏
      وسورة الشمس مليئة بالإشارات الكونية التي لا يتسع المقام لعرضها في مقال واحد‏,‏ ولذا فسوف أركز في هذا المقال علي قسم واحد مما جاء في هذه السورة المباركة ألا وهو‏:‏ والسماء وما بناها‏(‏ الشمس‏:‏ الآية الخامسة‏)‏
      وقبل البدء في ذلك أود أن أكرر ما أكدته مرارا من قبل أن القسم في القرآن الكريم يأتي من قبيل تنبيهنا إلى أهمية الأمر المقسوم به في استقامة الوجود‏,‏ وانتظام حركة الحياة‏,‏ لأن الله‏(‏ تعالى‏)‏ غني عن القسم لعباده‏.‏
      ما في اللغة العربية‏
      الوحدات الرئيسية في بناء الجزء المدرك من السماء الدنيا تأتي ما في اللغة العربية علي تسعة أوجه‏,‏ أربعة منها أسماء‏,‏ والخمسة الباقية حروف‏.‏
      والأسماء تأتي بمعني الذي‏,‏ أو للاستفهام‏,‏ أو للتعجب أو تأتي للتعبير عن نكرة يلزمها النعت‏.‏
      والحروف تأتي نافية بمعني‏(‏ ليس‏),‏ وتأتي جزائية‏(‏ مسلطة‏)‏ إذا أدخل عليها إذ‏(‏ إذما‏)‏ أو حيث‏(‏ حيثما‏),‏ وتأتي كذلك بصيغة إما و مهما‏,‏ كما تأتي مع الفعل لتأويل المصدر‏(‏ مصدرية‏)‏ أي لتجعل ما بعدها بمنزلة المصدر‏,‏ وتأتي كافة عن العمل إذا دخلت عليها إن وأخواتها ورب ونحو ذلك من مثل إنما‏,‏ كأنما‏,‏ ربما‏,‏ قلما‏,‏ طالما‏,‏ كما تأتي غير كافة من مثل بما‏,‏ وتأتي محذوفا منها الألف إذا ضم إليها حرف آخر من مثل لم‏,‏ بم‏,‏ عم‏,‏ كما تأتي زائدة لتوكيد اللفظ إذا دخلت عليها حروف أخري من مثل إذما‏,‏ فإما‏,‏ إما‏.‏

      السماء في اللغة العربية
      السماء لغة اسم مشتق من السمو بمعني الارتفاع والعلو‏,‏ تقول‏:(‏ سما يسمو سموا فهو سام‏)‏ بمعني علا يعلو علوا فهو عال أو مرتفع‏,‏ لأن السين والميم والواو‏..‏ أصل يدل علي الارتفاع والعلو‏,‏ يقال‏(‏ سموت وسميت‏)‏ بمعني علوت وعليت للتنويه بالرفعة والعلو‏,‏ وعلي ذلك فإن سماء كل شيء أعلاه‏,‏ ولذلك قيل‏:‏ كل ما علاك فأظلك فهو سماء‏.‏
      ويقال فلان لا يسامى أي لا يباري‏,‏ وقد علا من ساماه أي الذي باراه‏,‏ وتساموا أي تباروا‏(‏ في اكتساب المعالي عادة‏).‏
      ولفظة السماء في العربية تذكر وتؤنث‏(‏ وإن اعتبر تذكيرها شاذ‏),‏ وجمعها سماوات‏,‏ واسمية‏,‏ وسماو‏,‏ وسمي‏,‏ وإن كان أشهرها ذيوعا سماوات وهو ما جاء بالقرآن الكريم‏.‏
      وانطلاقا من ذلك قيل لسقف البيت سماء لارتفاعه‏,‏ وقيل للسحاب سماء لعلوه واستعير اللفظ للمطر بسبب نزوله من السحاب‏,‏ وللعشب لارتباطه بنزول ماء السماء‏.‏
      والسماء دينا هي كل ما يقابل الأرض من الكون‏,‏ والمراد بها ذلك العالم العلوي من حولنا والذي يضم الأجرام المختلفة من الكواكب والكويكبات‏,‏ والأقمار والمذنبات‏,‏ والنجوم والبروج‏,‏ والسدم والمجرات‏,‏ وغيرها من مختلف صور المادة والطاقة التي تملأ الكون بصورة واضحة جلية‏,‏ أو مستترة خفية‏.‏
      وقد خلق الله‏(‏ تعالى‏)‏ السماء ـ وهو خالق كل شيء ـ ورفعها بغير عمد نراها‏,‏ وجعل لها عمارا من الملائكة ومما لا نعلم من الخلق‏,‏ وحرسها من كل شيطان مارد من الإنس والجن‏,‏ فهي محفوظة بحفظه‏(‏ تعالى‏)‏ إلى أن يرث‏(‏ سبحانه‏)‏ هذا الكون بمن فيه وما فيه‏.‏

      آراء المفسرين
      في تفسير قوله‏(‏ تعالى‏)‏ والسماء وما بناها قال المفسرون برأيين يكمل أحدهما الآخر‏,‏ فقال ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏):‏ يحتمل أن تكون‏(‏ ما‏)‏ ها هنا مصدرية بمعني‏:‏ والسماء وبنائها‏,‏ وهو رأي قتادة‏(‏ رضي الله عنه‏),‏ ويحتمل أن تكون بمعني‏(‏ من‏)‏ يعني‏:‏ والسماء وبانيها‏,‏ وهو قول مجاهد‏(‏ رضي الله عنه‏),‏ وكلاهما متلازم‏,‏ والبناء هو الرفع‏...‏ وقال صاحب الظلال‏(‏ يرحمه الله‏):...(‏ ما‏)‏ هنا مصدرية‏,‏ ولفظ السماء حين يذكر يسبق إلى الذهن هذا الذي نراه فوقنا كالقبة حيثما اتجهنا‏,‏ تتناثر فيه النجوم والكواكب السابحة في أفلاكها ومداراتها‏,‏ فأما حقيقة السماء فلا ندريها‏,‏ وهذا الذي نراه فوقنا متماسكا لا يختل ولا يضطرب تتحقق فيه صفة البناء بثباته وتماسكه‏,‏ أما كيف هو مبني‏,‏ وما الذي يمسك أجزاءه فلا تتناثر وهو سابح في الفضاء الذي لا نعرف له أولا ولا آخرا‏...‏ فذلك مالا ندريه‏.....,‏ إنما نوقن من وراء كل شيء أن يد الله هي تمسك هذا البناء‏.....‏
      وقال مخلوف‏(‏ يرحمه الله‏):(‏ والسماء ومابناها‏)‏ أي ومن أوجدها وأنشأها بقدرته وأضاف‏:‏ وإيثار‏(‏ ما‏)‏ علي‏(‏ من‏)‏ لارادة الوصفية تفخيما وتعظيما‏,‏ كأنه قيل‏:(‏ والسماء والإله‏)‏ القادر العظيم الذي بناها‏,‏ وزاد بعد ذلك بقليل‏:‏ وقيل إن‏(‏ ما‏)‏ في الآيات الثلاث‏(5‏ ـ‏7‏ من سورة الشمس‏)‏ مصدرية‏,‏ فيكون القسم ببناء السماء‏,‏ وطحو الأرض‏,‏ وتسوية النفوس في الخلقة‏.‏
      وقال الصابوني‏(‏ أمد الله في عمره‏):...‏ أي وأقسم بالقادر العظيم الذي بني السماء‏,‏ وأحكم بناءها بلا عمد وأضاف‏:‏ قال المفسرون‏(‏ ما‏)‏ اسم موصول بمعني‏(‏ من‏),‏ أي والسماء ومن بناها‏,‏ والمراد به الله رب العالمين بدليل قوله بعده‏(‏ فألهمها فجورها وتقواها‏),‏ كأنه قال‏:‏ والقادر العظيم الشأن الذي بناها‏,‏ فدل بناؤها وإحكامها علي وجوده‏,‏ وكمال قدرته‏....‏
      وهذا هو عين الصواب لأن القسم بالسماء وبخالقها العظيم يحوي قسما ببنائها المذهل في اتساعه‏,‏ وتعدد أجرامه‏,‏ وإحكام تماسكه وترابط مختلف أجزائه علي الرغم من الطبيعة الدخانية الغالبة عليه‏,‏ وهذه الأمور وغيرها مما يشهد لله الخالق‏(‏ سبحانه وتعالى‏)‏ بطلاقة القدرة‏,‏ وإبداع الصنعة‏,‏ وكمال العلم‏,‏ وعظيم الحكمة‏,‏ وبالتفرد بالألوهية‏,‏ والربوبية‏,‏ والوحدانية فوق جميع خلقه‏,‏ ومن هنا كان القسم بالسماء وبخالقها الأعظم وببنائها المذهل البديع‏...!!!‏
      ثم يستمر السياق القرآني بالقسم بالأرض وبالذي طحاها مع روعة هذا الطحو والدحو‏,‏ وبالنفس وبخالقها المبدع الذي سواها فألهمها فجورها وتقواها وجعلها علي هذا القدر من عظمة البناء وتعقيده‏,‏ وكرمها من فضله وجوده‏,‏ ومنحها الارادة الحرة‏,‏ وحرية الاختيار‏,‏ ثم يأتي جواب القسم‏:‏ قد أفلح من زكاها‏*‏ وقد خاب من دساها‏.‏
      بمعني أن كل من اجتهد في تزكية نفسه‏,‏ وتطهيرها‏,‏ وتنمية الاستعدادات الفطرية للخير فيها‏,‏ ومقاومة نوازع الشر المتداعية بين جوانبها فقد فاز وأفلح‏,‏ ومن أهمل كل ذلك‏,‏ وجافي هداية ربه‏,‏ واتبع شهوات نفسه‏,‏ وأطفأ أنوار الفطرة الربانية فيها فقد خاب وخسر‏,‏ وذلك لأن الله‏(‏ تعالى‏)‏ قد خلق الإنسان من الطين بما لهذا الطين من حاجات وشهوات‏,‏ ونفخ فيه من روحه ومالها من أنوار‏.‏ وإشراقات‏,‏ وغرس في الجبلة الإنسانية حب الخيرات‏,‏ وكراهية المنكرات ومنح الإنسان العقل ميزانا بين جميع الاتجاهات وأنزل هدايته الربانية نورا للإنسان يفرق بين ما ينبغي ومالا ينبغي له أن يفعل‏,‏ فمن اتبع الهداية الربانية‏,‏ ونمي تلك الإشراقات الفطرية النورانية في نفسه فقد فاز وأفلح‏,‏ ومن أتبع نفسه هواها‏,‏ وأغرقها في شهواتها فقد خاب وخسر‏,‏ وهذا هو جواب القسم المفخم بالسماء وخالقها ومبدعها‏,‏ وبروعة بنائها الذي أقسم به ربنا تبارك وتعالى ـ وهو الغني عن القسم ـ ليؤكد هذا القرار الذي أنزله‏(‏ سبحانه‏)‏ من فوق سبع سماوات‏:‏ قد أفلح من زكاها‏*‏ وقد خاب من دساها‏*‏
      فماذا تقول العلوم الكونية في عظمة شيء واحد من المقسوم به في هذه الآية الكريمة ألا وهي السماء؟ وقبل الجواب علي ذلك أعرض لمفهوم السماء في القرآن الكريم‏.‏

      السماء في القرآن الكريم
      جاءت لفظة السماء في القرآن الكريم في ثلاثمائة وعشرة مواضع‏,‏ منها مائة وعشرون بالإفراد‏(‏ السماء‏),‏ ومائة وتسعون بالجمع‏(‏السماوات‏).‏
      كذلك جاءت الاشارة إلى السماوات والأرض وما بينهما في عشرين موضعا من تلك المواضع‏(‏ المائدة‏:18,17),(‏ الحجر‏:85),(‏ مريم‏:65),(‏ طه‏:6),(‏ الأنبياء‏:16),(‏ الفرقان‏:59),(‏ الشعراء‏:24),(‏ الروم‏:8),(‏ السجدة‏:4),(‏ الصافات‏:5),(‏ ص‏:66,27,10),(‏ الزخرف‏:85),(‏ الدخان‏:38,7),(‏ الأحقاف‏:3),(‏ ق‏:38),(‏ النبأ‏:37).‏
      وجاء ذكر السحاب المسخر بين السماء والأرض في موضع واحد من الآية رقم‏164‏ في سورة البقرة‏,‏ والتي تشير إلى أن القرآن الكريم يفصل بين السماء والأرض بنطاق يضم السحاب‏,‏ وهو ما يعرف بنطاق المناخ الذي لا يتعدى سمكه‏16‏ كيلو مترا فوق خط الاستواء‏,‏ ويحوي أغلب مادة الغلاف الغازي للأرض‏(75%‏ بالكتلة‏).‏
      وعلي ذلك فإن السماء في القرآن الكريم تشمل كل ما يحيط بالأرض بدءا من نهاية نطاق المناخ إلى نهاية الكون التي لا يعلمها إلا الله‏,‏ ويشير القرآن الكريم إلى أن الله تعالى قد قسم السماء إلى سبع سماوات‏,‏ كما قسم الأرض إلى سبع أرضين فقال‏(‏ تعالى‏):‏
      الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله علي كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ‏(‏الطلاق‏:12)‏
      وقال‏(‏ سبحانه وتعالى‏):‏ ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا‏,‏ وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ‏(‏نوح‏:16,15)‏ وقال‏(‏ عز من قائل‏):‏ الذي خلق سبع سماوات طباقا‏...‏ ‏(‏ الملك‏:3)‏
      و يتضح من هذه الآيات بصفة عامة‏,‏ ومن آيتي سورة نوح‏(16,15)‏ بصفة خاصة أن السماوات السبع متطابقة حول مركز واحد‏,‏ يغلف الخارج منها الداخل‏,‏ وإلا ما كان جميع ما في السماء الدنيا واقعا في داخل باقي السماوات‏,‏ فيكون كل من القمر والشمس ـ وهما من أجرام السماء الدنيا ـ واقعين في كل السماوات السبع‏.‏
      وجاء ذكر السماوات السبع في سبع آيات قرآنية كريمة هي‏:[(‏ الإسراء‏:44),(‏ المؤمنون‏:86),(‏ فصلت‏:12),(‏ الطلاق‏:12),(‏ الملك‏:3),(‏ نوح‏:16,15),(‏ النبأ‏:12)].‏
      كذلك جاءت الإشارة القرآنية إلى سبع طرائق في الآية‏(17)‏ من سورة‏(‏ المؤمنون‏),‏ واعتبرها عدد من المفسرين إشارة إلى السماوات السبع‏,‏ وإن كان الاشتقاق اللفظي يحتمل غير ذلك‏.‏
      ويشير القرآن الكريم إلى أن النجوم والكواكب هي من خصائص السماء الدنيا وذلك بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالى‏):‏
      إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ‏(‏الصافات‏:6)‏
      وقوله‏(‏ سبحانه وتعالى‏):‏ ‏....‏ وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم ‏(‏فصلت‏:12)‏
      وقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح‏...‏ ‏(‏الملك‏:5)‏
      وفي زمن تفجر المعارف العلمية‏,‏ والتطور المذهل للوسائل التقنية الذي نعيشه لم يستطع الانسان إدراك سوي جزء صغير من السماء الدنيا‏,‏ ولم يتجاوز إدراكه لذلك الجزء‏10%‏ مما فيه‏...!!!‏

      السماء في علوم الفلك
      يقدر علماء الفلك قطر الجزء المدرك من الكون بأكثر من أربعة وعشرين بليونا من السنين الضوئية‏(24‏ بليون‏*9.5‏ مليون مليون كيلو متر‏),‏ وهذا الجزء من السماء الدنيا دائم الاتساع إلى نهاية لا يعلمها إلا الله‏(‏ تعالى‏),‏ وبسرعات لا يمكن للانسان اللحاق بها‏,‏ وذلك لأن سرعة تباعد بعض المجرات عنا وعن بعضها بعضا تقترب من سرعة الضوء المقدرة بنحو الثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية‏,‏ وهذا الجزء المدرك من الكون مبني بدقة بالغة علي وتيرة واحدة‏,‏ تبدأ بتجمعات فلكية حول النجوم كمجموعتنا الشمسية التي تضم بالإضافة إلى الشمس عددا من الكواكب والكويكبات‏,‏ والأقمار والمذنبات التي تدور في مدارات محددة حول الشمس‏,‏ وتنطوي أمثال هذه المجموعة الشمسية بملايين الملايين في مجموعات أكبر تعرف باسم المجرات‏,‏ وتكون عشرات من المجرات المتقاربة ما يعرف باسم المجموعة المحلية‏,‏ وتلتقي المجرات ومجموعاتها المحلية فيما يعرف باسم الحشود المجرية‏,‏ وتنطوي تلك في تجمعات محلية للحشود المجرية‏,‏ ثم في حشود مجرية عظمي‏,‏ ثم في تجمعات محلية للحشود المجرية العظمي إلى ما هو أكبر من ذلك إلى نهاية لا يعلمها إلا الله‏(‏ سبحانه وتعالى‏).‏
      شمسنا‏:‏ هي عبارة عن كتلة غازية ملتهبة‏,‏ مشتعلة‏,‏ مضيئة بذاتها علي هيئة نجم عادي متوسط الحجم ومتوسط العمر‏.‏ ويقدر نصف قطر الشمس بنحو سبعمائة ألف كيلو متر‏(6.960*510‏ كم‏),‏ وتقدر كتلتها بنحو ألفي مليون مليون مليون مليون طن تقريبا‏(1.99*2710‏ طن‏),‏ ويقدر متوسط كثافها بحوالي ‏1.41‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏,‏ بينما تصل كثافة لبها إلى‏90‏ جراما للسنتيمتر المكعب‏,‏ وتتناقص الكثافة في اتجاه إكليل الشمس لتصل إلى جزء من عشرة ملايين من الجرام للسنتيمتر المكعب‏.‏
      ويزيد حجم الشمس علي مليون مرة قدر حجم الأرض‏,‏ كما تزيد كتلتها علي كتلة الأرض بنحو‏333.400‏ ضعف‏.‏
      وتقدر درجة حرارة سطح الشمس بنحو ستة آلاف‏(5800)‏ درجة مطلقة‏,‏ ودرجة حرارة لبها بنحو‏15‏ مليون درجة مطلقة‏,‏ بينما تصل درجة حرارة هالتها‏(‏ إكليلها‏)‏ إلى مليوني درجة مطلقة‏.‏ وتتكون الشمس أساسا من غاز الايدروجين‏(70%),‏ والهيليوم‏(28%)‏ ومن نسب ضئيلة من عدد من العناصر الأخري‏(2%).‏ وتنتج الطاقة في الشمس‏(‏ وفي أغلب النجوم‏)‏ أساسا من تحول الإيدروجين إلى هيليوم بعملية الاندماج النووي‏,‏ وتستمر العملية لإنتاج آثار طفيفة من عناصر أعلي في وزنها الذري‏.‏
      ونظرا للطبيعة الغازية الغالبة للشمس فإن دورانها حول محورها يتم بطريقة تفاضلية ‏(Differential Rotation),‏ وذلك لان قلب الشمس يدور كجسم صلب يتم دورته في‏36.5‏ يوم من أيامنا‏,‏ بينما الكرة الغازية المحيطة بهذا القلب الشمسي‏(‏ ويبلغ سمكها ثلثي نصف قطر الشمس‏)‏ يتم دورته حول مركز الشمس في نحو‏24‏ يوما من أيامنا‏,‏ وعلي ذلك فإن متوسط سرعة دوران الشمس حول محورها يقدر بنحو‏27‏ يوما وثلث يوم من أيام الأرض‏.‏
      وتجري الشمس‏(‏ ومعها مجموعتها‏)‏ نحو نقطة محددة في كوكبة هرقل‏(‏ كوكبة الجاثي‏)‏ بالقرب من نجم النسر الواقع ‏(Vega)‏ بسرعة تقدر بنحو‏19.5‏ كيلو متر في الثانية‏,‏ وتسمي هذه النقطة باسم مستقر الشمس‏.‏ وتجري المجموعة الشمسية كذلك حول مركز مجرتنا‏(‏ الدرب اللبني‏)‏ بسرعة خطية تقدر بنحو‏250‏ كيلومترا في الثانية لتتم دورتها في نحو‏250‏ مليون سنة من سنينا‏.‏

      مجموعتنا الشمسية‏
      تضم مجموعتنا الشمسية بالإضافة إلى الشمس كواكب تسعة هي‏(‏ قربا من الشمس إلى الخارج‏):‏ عطارد‏,‏ الزهرة‏,‏ الأرض‏,‏ المريخ‏,‏ المشتري‏,‏ زحل‏,‏ يورانوس‏,‏ نبتيون‏,‏ بلوتو‏,‏ ثم مدارات المذنبات التي لم تعرف لها حدود‏,‏ هذا بالإضافة إلى عدد من التوابع‏(‏ الأقمار‏)‏ التي يقدر عددها بواحد وستين تدور حول بعض من هذه الكواكب‏,‏ وآلاف الكويكبات المنتشرة بين كل من المريخ والمشتري والتي يعتقد بأنها بقايا لكوكب منفجر‏,‏ وآلاف الشهب والنيازك‏,‏ وكميات من الدخان‏(‏ الغاز الحار والغبار‏).‏
      والكواكب الأربعة الداخلية‏(‏ عطارد‏,‏ والزهرة‏,‏ والأرض‏,‏ والمريخ‏)‏ هي كواكب صخرية‏,‏ والكواكب الخارجية‏(‏ من المشتري إلى بلوتو‏)‏ هي كواكب غازية تتكون من عدد من الغازات المتجمدة علي هيئة جليد‏(‏ من مثل بخار الماء ثاني أكسيد الكربون‏,‏ الأمونيا‏,‏ الايدروجين والهيليوم‏)‏ حول لب صخري ضئيل‏.‏

      وكواكب المجموعة الشمسية تدور كلها حول الشمس في اتجاه واحد‏,‏ وفي مستوي واحد تقريبا ما عدا بلوتو‏,‏ وذلك في مدارات شبه دائرية‏(‏ اهليلجية‏)‏ بحيث تقع الشمس في إحدى بؤرتيه‏,‏ وأبعد نقطة علي المدار يصل إليها الكوكب تسمي الأوج‏,‏ وأقرب نقطة تسمي الحضيض ومتوسط مجموعهما يمثل متوسط بعد الكوكب عن الشمس‏,‏ كذلك تزداد سرعة الكوكب بقربه من الشمس وتقل ببعده عنها بحيث يمس الخط الوهمي الواصل بينه وبين الشمس مساحات متساوية في وحدة الزمن‏.‏
      وتقدر المسافة بين الأرض والشمس بنحو المائة والخمسين مليون كيلو متر‏(149.6‏ مليون كم‏)‏ وقد اعتبرت هذه المسافة وحدة فلكية دولية واحدة‏.‏
      وتقدر المسافة بين الشمس وأقرب كواكبها‏(‏ عطارد‏)‏ بنحو الثمانية والخمسين مليونا من الكيلومترات‏(57.9‏ مليون كم‏),‏ كما تقدر المسافة بين الشمس وأبعد الكواكب المعروفة عنها‏(‏ بلوتو‏)‏ بنحو ستة بلايين من الكيلومترات‏5913.5‏ مليون كم‏),‏ ويلي مدار بلوتو إلى الخارج سحابة ضخمة من المذنبات التي تدور حول الشمس في مدارات يقدر بعد بعضها عن الشمس بأربعين ألف وحدة فلكية‏(‏ أي نحو ستة تريليونات من الكيلومترات‏),‏ ومن الممكن وجود مدارات حول الشمس أبعد من ذلك ولكنها لم تكتشف بعد‏,‏ وإذا كان امتداد المجموعة الشمسية يعبر عنه بأبعد مسافة نعرفها حول الشمس تتم فيها حركة مدارية حول هذا النجم فإن مدار بلوتو لا يمكن أن يعبر عن حدود مجموعتنا الشمسية‏,‏ وعليه فإننا في زمن التقدم العلمي والتقني المذهل الذي نعيشه لم ندرك بعد حدود مجموعتنا الشمسية‏...!!!‏

      مجرتنا‏(‏ مجرة الدرب اللبني‏)‏ ‏(The Milky Way Galaxy)
      تنطوي مجموعتنا الشمسية مع حشد هائل من النجوم يقدر بنحو التريليون‏(‏ مليون مليون‏)‏ نجم فيما يعرف باسم مجرة الدرب أو الطريق اللبني‏(‏ درب اللبانة‏)‏ علي هيئة قرص مفرطح يقدر قطره بنحو المائة ألف سنة ضوئية‏,‏ ويقدر سمكه بعشر ذلك‏(‏ أي حوإلى العشرة آلاف سنة ضوئية‏),‏ وتقع مجموعتنا الشمسية علي بعد يقدر بنحو الثلاثين ألف سنة ضوئية من مركزه‏,‏ وعشرين ألف سنة ضوئية من أقرب أطرافه‏.‏
      وتتجمع النجوم حول مركز المجرة فيما يشبه النواة‏,‏ وتلتوي الأجزاء الخارجية من قرص المجرة مكونة أذرعا لولبية تعطي لمجرتنا هيئتها الحلزونية‏,‏ وترتبط النجوم في مجرتنا‏(‏ وفي كل مجرة‏)‏ مع بعضها بعض بقوي الجاذبية‏,‏ مشكلة نظاما يتحرك في السماء كجسم واحد وتتجمع النجوم في مجرتنا في ثلاث جمهرات نجمية ‏(Stellar populations)‏
      علي النحو التإلى‏:‏
      ‏(1)‏ جمهرة القرص الرقيق وتقع علي مستوي‏1155‏ سنة ضوئية من مستوي المجرة وتضم أحدث النجوم عمرا بصفة عامة‏.‏
      ‏(2)‏ جمهرة القرص السميك‏;‏ وتقع علي ارتفاع‏3300‏ سنة ضوئية من مستوي المجرة‏,‏ وتضم نجوما متوسطة في العمر بصفة عامة‏.‏
      ‏(3)‏ جمهرة الهالة المجرية وتقع علي ارتفاع‏11.550‏ سنة ضوئية من مستوي المجرة وتضم أقدم نجوم مجرتنا عمرا بصفة عامة‏.‏
      وتنتشر بين النجوم سحب دخانية ساخنة يغلب علي تركيبها غاز الايدروجين الحامل للغبار علي هيئة هباءات متناهية في الدقة من المواد الصلبة مكونة ما يعرف باسم المادة بين النجوم ‏(Interstellar Matter)‏
      التي تمتص ضوء النجوم فتخفيها‏,‏ ولذلك فإن الراصد لمجرتنا من الأرض لا يري بوضوح أكثر من‏15%‏ من مجموع مكوناتها إلا باستخدام المقربات‏(‏ التليسكوبات‏)‏ الراديوية‏.‏
      ونواة مجرتنا تجر معها أذرعها اللولبية التي قد ترتفع فوق مستوي النواة‏,‏ والسحب الدخانية في تلك الأذرع تتحرك بسرعات تتراوح بين الخمسين والمائة كيلو متر في الثانية‏,‏ وتتراكم هذه السرعات الخطية علي سرعة دوران محورية تقدر بنحو‏250‏ كيلو مترا في الثانية دون أن تنفصل أذرع المجرة عن نواتها بسبب التفاوت في سرعة الأجزاء المختلفة منها‏.‏
      وهذا الدوران التفاضلي‏(‏ التفاوتي‏)‏ يؤدي إلى تسارع المادة الدخانية بين النجوم‏,‏ ثم إلى كبح سرعتها مما ينتج عنه تكثيفها بدرجة كبيرة و بالتالي تهيئتها لتخلق النجوم الابتدائية ‏(pro-or proro-stars)‏ التي تتطور إلى ما بعد ذلك من مراحل‏.‏
      ومن نجوم مجرتنا ما هو مفرد‏,‏ وما هو مزدوج‏,‏ وما هو عديد الأفراد‏.‏
      وتدور نجوم مجرتنا في حركة يمينية أساسية منتظمة حول مركز المجرة في اتجاه القطر الأصغر لها‏,‏ مع وجود الدوران التفاوتي لمختلف أجزائها‏.‏
      ويحصي علماء الفلك في الجزء المدرك من السماء الدنيا مائتي ألف مليون مجرة ــ علي الأقل ــ بعضها أكبر من مجرتنا كثيرا‏,‏ وبعضها الآخر أصغر قليلا‏,‏ والمجرات عبارة عن تجمعات نجمية مذهلة في أعدادها‏,‏ يتخللها الدخان الكوني بتركيز متفاوت في داخل المجرة الواحدة‏,‏ والتي قد تضم عشرات البلايين إلى بلايين البلايين من النجوم‏.‏
      وتتباين المجرات في أشكالها كما تتباين في أحجامها‏,‏ وفي شدة إضاءتها‏,‏ فمنها الحلزوني‏,‏ والبيضاني‏(‏ الإهليلجي‏),‏ وما هو غير محدد الشكل‏,‏ ومنها ما هو شديد الاضاءة‏,‏ وما يبدو علي هيئة نقاط باهتة لا تكاد تدرك بأكبر المناظير المقربة‏(‏ المقاريب‏),‏ وتقع أكثر المجرات ضياء في دائرة عظمي تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا علي مستوي مجرتنا‏.‏ وتبلغ كتلة الغازات في بعض المجرات ما يعادل كتلة ما بها من نجوم وتوابعها‏,‏ في حين أن كتلة الغبار تقل عن ذلك بكثير‏,‏ وكثافة الغازات في المجرة تقدر بحوإلى ذرة واحدة لكل سنتيمتر مكعب بينما يبلغ ذلك‏1910‏ ذرة‏/‏سم‏3‏ في الغلاف الغازي للأرض عند سطح البحر‏.‏

      المجموعة المحلية ‏(The Local Group)‏
      تحشد مجرتنا‏(‏ درب اللبانة‏)‏ في مجموعة من أكثر من عشرين مجرة في تجمع يعرف باسم المجموعة المحلية للمجرات ‏(The Local Group of Galaxies)‏
      يبلغ قطرها مليون فرسخ فلكي ‏(One Million Parsec)
      (‏ أي يساوي‏3,261,500‏ سنة ضوئية‏=3,0856*1910‏ كيلومتر‏)‏ وتحتوي المجموعة المحلية التي تتبعها مجرتنا علي ثلاث مجرات حلزونية وأربع مجرات غير محددة الشكل‏,‏ وأعداد من المجرات البيضانية العملاقة والقزمة‏,‏ وقد تحتوي علي عدد أكبر من المجرات الواقعة في ظل مجرتنا ومن هنا تصعب رؤيتها‏.‏

      الحشود المجرية والحشود المجرية العظمي
      ‏(Galactic Clusters and Super clusters)‏
      هناك حشود للمجرات أكبر من المجموعة المحلية من مثل‏,‏ حشد مجرات برج العذراء ‏(The Virgo Cluster of Galaxies)‏
      والذي يضم مئات المجرات من مختلف الأنواع‏,‏ ويبلغ طول قطره مليوني فرسخ فلكي أي أكثر من ستة ملايين ونصف من السنين الضوئية‏(6,523,000‏ سنة ضوئية‏),‏ ويبعد عنا عشرة أضعاف تلك المسافة‏(‏ أي عشرين مليون فرسخ فلكي‏).‏ وهذه الحشود المجرية تصدر أشعة سينية بصفة عامة‏,‏ وتحوي فيما بينها دخانا توازي كتلته كتلة التجمع المجري‏,‏ وتتراوح درجة حرارته بين عشرة ملايين ومائة مليون درجة مطلقة‏,‏ ويحوي هذا الدخان الإيدروجيني علي نسبا ضئيلة من هباءات صلبة مكونة من بعض العناصر الثقيلة بما في ذلك الحديد‏(‏ بنسب تقترب مما هو موجود في شمسنا‏)‏ مما يشير إلى اندفاع تلك العناصر من قلوب نجوم متفجرة وصلت فيها عملية الاندماج النووي إلى مرحلة إنتاج الحديد‏(‏ المستعرات وما فوقها‏).‏ وتحوي بعض الحشود المجرية أعدادا من المجرات قد يصل إلى عشرة آلاف مجرة‏,‏ ويحصي علماء الفلك آلافا من تلك الحشود المجرية‏,‏ التي ينادي البعض منهم بتكدسها في حشود أكبر يسمونها باسم الحشود المجرية العظمي ‏(Galactic Super clusters).‏

      علي النحو التإلى‏:‏
      ‏(1)‏ جمهرة القرص الرقيق وتقع علي مستوي‏1155‏ سنة ضوئية من مستوي المجرة وتضم أحدث النجوم عمرا بصفة عامة‏.‏
      ‏(2)‏ جمهرة القرص السميك‏;‏ وتقع علي ارتفاع‏3300‏ سنة ضوئية من مستوي المجرة‏,‏ وتضم نجوما متوسطة في العمر بصفة عامة‏.‏
      ‏(3)‏ جمهرة الهالة المجرية وتقع علي ارتفاع‏11.550‏ سنة ضوئية من مستوي المجرة وتضم أقدم نجوم مجرتنا عمرا بصفة عامة‏.‏
      وتنتشر بين النجوم سحب دخانية ساخنة يغلب علي تركيبها غاز الايدروجين الحامل للغبار علي هيئة هباءات متناهية في الدقة من المواد الصلبة مكونة ما يعرف باسم المادة بين النجوم ‏(Interstellar Matter)‏
      التي تمتص ضوء النجوم فتخفيها‏,‏ ولذلك فإن الراصد لمجرتنا من الأرض لا يري بوضوح أكثر من‏15%‏ من مجموع مكوناتها إلا باستخدام المقربات‏(‏ التليسكوبات‏)‏ الراديوية‏.‏
      ونواة مجرتنا تجر معها أذرعها اللولبية التي قد ترتفع فوق مستوي النواة‏,‏ والسحب الدخانية في تلك الأذرع تتحرك بسرعات تتراوح بين الخمسين والمائة كيلو متر في الثانية‏,‏ وتتراكم هذه السرعات الخطية علي سرعة دوران محورية تقدر بنحو‏250‏ كيلو مترا في الثانية دون أن تنفصل أذرع المجرة عن نواتها بسبب التفاوت في سرعة الأجزاء المختلفة منها‏.‏
      وهذا الدوران التفاضلي‏(‏ التفاوتي‏)‏ يؤدي إلى تسارع المادة الدخانية بين النجوم‏,‏ ثم إلى كبح سرعتها مما ينتج عنه تكثيفها بدرجة كبيرة و بالتالي تهيئتها لتخلق النجوم الابتدائية ‏(pro-or proro-stars)‏ التي تتطور إلى ما بعد ذلك من مراحل‏.‏
      ومن نجوم مجرتنا ما هو مفرد‏,‏ وما هو مزدوج‏,‏ وما هو عديد الأفراد‏.‏
      وتدور نجوم مجرتنا في حركة يمينية أساسية منتظمة حول مركز المجرة في اتجاه القطر الأصغر لها‏,‏ مع وجود الدوران التفاوتي لمختلف أجزائها‏.‏
      ويحصي علماء الفلك في الجزء المدرك من السماء الدنيا مائتي ألف مليون مجرة ــ علي الأقل ــ بعضها أكبر من مجرتنا كثيرا‏,‏ وبعضها الآخر أصغر قليلا‏,‏ والمجرات عبارة عن تجمعات نجمية مذهلة في أعدادها‏,‏ يتخللها الدخان الكوني بتركيز متفاوت في داخل المجرة الواحدة‏,‏ والتي قد تضم عشرات البلايين إلى بلايين البلايين من النجوم‏.‏
      وتتباين المجرات في أشكالها كما تتباين في أحجامها‏,‏ وفي شدة إضاءتها‏,‏ فمنها الحلزوني‏,‏ والبيضاني‏(‏ الإهليلجي‏),‏ وما هو غير محدد الشكل‏,‏ ومنها ما هو شديد الاضاءة‏,‏ وما يبدو علي هيئة نقاط باهتة لا تكاد تدرك بأكبر المناظير المقربة‏(‏ المقاريب‏),‏ وتقع أكثر المجرات ضياء في دائرة عظمي تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا علي مستوي مجرتنا‏.‏ وتبلغ كتلة الغازات في بعض المجرات ما يعادل كتلة ما بها من نجوم وتوابعها‏,‏ في حين أن كتلة الغبار تقل عن ذلك بكثير‏,‏ وكثافة الغازات في المجرة تقدر بحوإلى ذرة واحدة لكل سنتيمتر مكعب بينما يبلغ ذلك‏1910‏ ذرة‏/‏سم‏3‏ في الغلاف الغازي للأرض عند سطح البحر‏.‏

      المجموعة المحلية ‏(The Local Group)‏

      تحشد مجرتنا‏(‏ درب اللبانة‏)‏ في مجموعة من أكثر من عشرين مجرة في تجمع يعرف باسم المجموعة المحلية للمجرات ‏(The Local Group of Galaxies)‏يبلغ قطرها مليون فرسخ فلكي ‏(One Million Parsec)
      (‏ أي يساوي‏3,261,500‏ سنة ضوئية‏=3,0856*1910‏ كيلومتر‏)‏ وتحتوي المجموعة المحلية التي تتبعها مجرتنا علي ثلاث مجرات حلزونية وأربع مجرات غير محددة الشكل‏,‏ وأعداد من المجرات البيضانية العملاقة والقزمة‏,‏ وقد تحتوي علي عدد أكبر من المجرات الواقعة في ظل مجرتنا ومن هنا تصعب رؤيتها‏.‏

      الحشود المجرية والحشود المجرية العظمي
      ‏(Galactic Clusters and Super clusters)‏

      هناك حشود للمجرات أكبر من المجموعة المحلية من مثل‏,‏ حشد مجرات برج العذراء ‏(The Virgo Cluster of Galaxies)‏
      والذي يضم مئات المجرات من مختلف الأنواع‏,‏ ويبلغ طول قطره مليوني فرسخ فلكي أي أكثر من ستة ملايين ونصف من السنين الضوئية‏(6,523,000‏ سنة ضوئية‏),‏ ويبعد عنا عشرة أضعاف تلك المسافة‏(‏ أي عشرين مليون فرسخ فلكي‏).‏ وهذه الحشود المجرية تصدر أشعة سينية بصفة عامة‏,‏ وتحوي فيما بينها دخانا توازي كتلته كتلة التجمع المجري‏,‏ وتتراوح درجة حرارته بين عشرة ملايين ومائة مليون درجة مطلقة‏,‏ ويحوي هذا الدخان الإيدروجيني علي نسبا ضئيلة من هباءات صلبة مكونة من بعض العناصر الثقيلة بما في ذلك الحديد‏(‏ بنسب تقترب مما هو موجود في شمسنا‏)‏ مما يشير إلى اندفاع تلك العناصر من قلوب نجوم متفجرة وصلت فيها عملية الاندماج النووي إلى مرحلة إنتاج الحديد‏(‏ المستعرات وما فوقها‏).‏ وتحوي بعض الحشود المجرية أعدادا من المجرات قد يصل إلى عشرة آلاف مجرة‏,‏ ويحصي علماء الفلك آلافا من تلك الحشود المجرية‏,‏ التي ينادي البعض منهم بتكدسها في حشود أكبر يسمونها باسم الحشود المجرية العظمي ‏(Galactic Super clusters).‏
      وقد أحصي الفلكيون منها إلى اليوم أعدادا كبيرة علي بعد مليوني سنة ضوئية منا‏.‏
      ويعتقد أن المجموعة المحلية التي تنتمي إلىها مجرتنا‏(‏ درب اللبانة‏),‏ والحشود المجرية المحيطة بها من مثل حشد مجرات برج العذراء تكون تجمعا أكبر يعرف باسم الحشد المجري المحلي الأعظم (The Local Galactic Super cluster)‏ يضم قرابة المائة من الحشود المجرية علي هيئة قرص واحد يبلغ قطره مائة مليون من السنين الضوئية‏,‏ ويبلغ سمكه عشر ذلك‏(‏ أي عشرة ملايين من السنين الضوئية‏)‏ وهي نفس نسبة سمك مجرتنا‏(‏ درب اللبانة‏)‏ إلى طول قطرها‏,‏ فسبحان الذي بني السماء علي نمط واحد بهذا الانتظام الدقيق‏!!!‏
      وتبدو الحشود المجرية والحشود المجرية العظمي علي هيئة كروية تدرس في شرائح مقطعية تكون أبعادها في حدود‏(150*100*15)‏ سنة ضوئية‏,‏ وأكبر هذه الشرائح ويسمي مجازا باسم الحائط العظيم ‏(The Great Wall)‏ يزيد طوله علي‏250‏ مليون سنة ضوئية‏.‏
      وقد تم الكشف أخيراً عن حوالي المائة من الحشود المجرية العظمي التي تكون حشدا أعظم علي هيئة قرص يبلغ طول قطره‏2‏ بليون سنة ضوئية‏,‏ وسمكه مائتي مليون سنةضوئية‏,‏ ويعتقد عدد من الفلكيين المعاصرين بأن في الجزء المدرك من الكون تجمعات أكبر من ذلك‏.‏
      والنجوم في مختلف تجمعاتها وحشودها‏,‏ وعلي مختلف هيئاتها ومراحل نموها تمثل أفرانا كونية يخلق الله‏(‏ تعالى‏)‏ فيها مختلف صور المادة والطاقة اللازمة لبناء الجزء المدرك من الكون‏.‏
      وبالإضافة إلى النجوم وتوابعها المختلفة هناك السدم ‏(Nebulae)‏
      علي تعدد أشكالها وأنواعها‏,‏ وهناك المادة بين النجوم
      ‏(Inter-Stellar Matter),‏ وهناك المادة الداكنة ‏(Dark Matter),‏
      وغير ذلك من مكونات الكون المدرك‏,‏ والمحسوس منها وغير المحسوس من مختلف صور المادة والطاقة المدسوسة في ظلمة الكون‏.‏
      ويقدر الفلكيون كتلة الجزء المدرك من السماء الدنيا بمائة ضعف كتلة المادة والطاقة والأجرام المرئية والمحسوسة فيه‏,‏ بمعني أننا ــ في زمن تفجر المعرفة الذي نعيشه ــ لا ندرك إلا أقل من عشرة في المائة فقط من الجزء الذي وصل إلىه علمنا من السماء الدنيا وسبحان الذي انزل من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق‏:‏
      لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏*‏ ‏(‏ غافر‏:57)‏
      وقوله الحق‏:‏ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا‏*‏ ‏(‏ الإسراء‏:85)‏
      ومن هنا تتضح أهمية القسم بالسماء وما بناها في الآية الخامسة من سورة الشمس‏,‏ هذا القسم التفخيمي الذي جاء تعظيما لشأن السماء وتقديسا لخالقها‏,‏ وتنبيها لنا للتفكر في عظم اتساعها‏,‏ ودقة بنائها‏,‏ وانضباط حركتها‏,‏ وإحكام كل أمر من أمورها‏,‏ والإعجاز في خلقها‏,‏ وهي قضايا لم يدركها الإنسان بشيء من التفصيل إلا منذ عشرات قليلة من السنين‏,‏ وورود القسم بها في كتاب الله‏,‏ مما يشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق‏,‏ ويشهد لخاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏)‏ بأنه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏.‏ وذلك مما يزيد المؤمنين تثبيتا علي إيمانهم‏,‏ ويدعو غيرهم من المشركين والكفار إلى الايمان بالله الخالق‏,‏ وطاعته وعبادته وحده بغير شريك ولا شبيه ولا منازع‏,‏ ففي ذلك النجاة والنجاح في الدنيا والآخرة‏,‏ ولا نجاة ولا نجاح في غير ذلك‏,‏ وان كانت السماء شاسعة الاتساع‏,‏ دقيقة البناء‏,‏ ومنضبطة الحركة فهي شاهدة علي عظمة الله خالقها وخالق كل شيء سبحانه وتعالى‏...!!!‏
      من هنا كان قسم الله‏(‏ تعالى‏)‏ بالسماء ــ وهو الغني عن القسم ــ وكان التأكيد القرآني علي عظم شأنها في عدد غير قليل من آيات القرآن الكريم نختار منها قول الحق‏(‏ تبارك وتعالى‏):‏
      ‏(1)‏ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين‏*..‏ ‏(‏الانبياء‏:16)‏
      ‏(2)‏ تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا‏*‏ ‏(‏الفرقان‏:61)‏
      ‏(3)‏ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار‏*‏ ‏(‏ ص‏:27)‏
      ‏(4)‏ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس‏....‏ لآيات لقوم يعقلون‏*‏ ‏(‏ البقرة‏:164)‏

      ‏(5)‏ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب‏*‏ ‏(‏ آل عمران‏:190)‏
      ‏(6)‏ وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق‏....*‏ ‏(‏ الأنعام‏:73)‏
      ‏(7)‏ وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق‏...*‏ ‏(‏الحجر‏:85)!‏
      ‏(8)‏ أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمي‏....*‏ ‏(‏ الروم‏:8)‏
      ‏(9)‏ ومن آياته خلق السمارات والأرض‏...*‏ ‏(‏الروم‏:22)(‏ الشوري‏:29)‏
      ‏(10)‏ لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏*‏ ‏(‏ غافر‏:57)‏
      ‏(11)‏ وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين‏*‏ ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون‏*‏ ‏(‏ الدخان‏:38‏ و‏39)‏
      ‏(12)‏ إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين‏*(‏ الجاثية‏:3)‏
      وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏,‏ وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا‏.‏




      المصدر : موقع زغلول النجار على شبكة الإنترنت .















    • قصة طوفان نوح



      قصة طوفان نوح



      لقد تحدث القرآن الكريم عن الأمم السابقة البائدة وكيف كانت مواقفهم تجاه رسل الله تعالى ومن القصص التي وردت في القرآن الكريم قصة نوح عليه السلام والطوفان قال تعالى :


      {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ {105} إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ {106}إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ {107} فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَطِيعُونِ {108} وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ {109} فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَطِيعُونِ {110} قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ {111}قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {112} إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ {113} وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ {114} إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِين {115} قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ {116} قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ {117} فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {118} فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ{119} ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ {120} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَان أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ {121} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }.[الشعراء : 105،121].

      قال تعالى في سورة نوح :

      (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {1} قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ {2}

      الإعجاز الغيبي :

      لعل هذه القصة من أعظم صور الإعجاز الغيبي في القرآن الكريم والتي صدقتها المكتشفات الأثرية الحديث :

      قصة الطوفان عند الحضارات القديمة :

      من المعروف منذ زمن طويل أن قصص الطوفان تنتشر انتشارا واسعاً في جميع أنحاء العالم، فهناك قصص عن الطوفان في بعض مجتمعات الشرق الأدنى القديم، وفي الهند وبورما والصين والملايو واستراليا وجزر المحيط الهادي، وفي جميع مجتمعات الهنود الحمر .

      و لعل أهم هذه القصص قصة الطوفان السومرية، وقصة الطوفان البابلية، وقصة الطوفان اليهودية كما ترويها التوراة وعلى الرغم من التحريف الذي يشوب تلك القصص إلا أنها متفقة على أنه قد حدث طوفان عظيم وأنه كان هناك رجل صالح قام ببناء سفينة وحمل فيها من كل حيوان زوجين إضافة إلى أهله ومن تبعه من الناس المؤمنين بالله :

      أولاً: قصة الطوفان السومرية : كان الناس يعتقدون حتى أواخر القرن الماضي أن التوراة هي أقدم مصدر لقصة الطوفان , ولكن الاكتشافات الحديثة أثبتت أن ذلك مجرد وهم، حيث عثر في عام 1853 م على نسخة من رواية الطوفان البابلية، وفي الفترة ما بين 1889م ،1900 م، اكتشفت أول بعثة أثرية أمريكية قامت بالتنقيب في العراق اللوح الطيني الذي يحتوي على القصة السومرية للطوفان في مدينة "نيبور " ( نفر ) ثم تبعه آخرون، ويبدوا من طابع الكتابة التي كتبت بها القصة السومرية أنها ترجع إلى ما يقرب من عهد الملك البابلي الشهير " حمورابي " وعلى أنه من المؤكد أنها كانت قبل ذلك .

      ملخص القصة حسب الرواية السومرية تتحدث عن ملك يسمى ( زيوسودا )كان يوصف بالتقوى ويخاف من الله، ويكب على خدمته في تواضع وخشوع أُخبر بالقرار الذي أعده مجمع الآلهة بإرسال الطوفان الذي صاحبه العواصف والأمطار التي استمرت سبعة أيام وسبع ليال يكتسح هذا الفيضان الأرض، حيث يوصف ( زيوسودا) بأنه الشخص الذي حافظ على الجنس البشري من خلال بناء السفينة ...

      ثانياً : قصة الطوفان البابلية :

      1 . ملحمة جلجامش : في الثالث من ديسمبر 1872 م أعلن " سيدني سمث " نجاحه في جمع القطع المتناثرة من ملحمة جلجامش بعضها إلى بعض، مكتوبة في أثنى عشر نشيداً، أو بالأحرى لوحاً، ومحتوية على قصة الطوفان في لوحها الحادي عشر: وملخص القصة أنه كان هناك رجل يسمى جلجامش أمرته الآلهة بأن يبني سفينة , وأن يدع الأملاك وأنه احتمل على ظهر الفلك بذور كل شيء حي، والفلك التي بنها سيكون عرضها مثل طولها وأنه نزل مطر مدرار .. الخ ثم استوت السفينة على جبل نيصير ( نيزير ) [ وهو جيل بين الدجلة والزاب الأسفل] .

      2 ـ قصة بيروسوس:

      في النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد، وعلى أيام الملك " أنتيوخوس الأول" ( 280 ،260 ق.م )، كان هناك أحد كهنة الإله " ردوك " البابلي، ويدعى بيروسوس قد كتب تاريخ بلاده باللغة اليونانية في ثلاثة أجزاء وحوا الكتاب على قصة الطوفان وتقول أنه كان يعيش ملك اسمه " أكسيسو ثووس " هذا الملك يرى فيما يرى النائم أن الإله يحذره من طوفان يغمر الأرض ويهلك الحرث والنسل فيأمره بأن يبني سفينة يأوي إليها عند الطوفان .

      فيبني هذا الملك سفينة طولها مائة وألف يارده وعرضه أربعمائة وأربعون ياردة، ويجمع فيه كل أقربائه وأصحابه، ويختزن فيه زاداً من اللحم والشراب فضلاً عن الكائنات الحية من الطيور وذات الأربع .

      و يغرق الطوفان الأرض.. وتستقر السفينة على جبل حيث ينزل وزوجته وابنته وقائد الدفة، ويسجد الملك لربه ويقدم القرابين الخ....

      3ً: قصة الطوفان اليهودية كما ترويها التوراة

      وردت هذه القصة في الإصحاحات من السادس إلى التاسع من سفر التكوين وتجري أحداثها على النحو التالي :

      (رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، فحزن أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه، وعزم على أن يمحو الإنسان والبهائم والدواب والطيور عن وجه الأرض، وأن يستثني من ذلك نوحاً لأنه كان رجلاً باراً كاملاً في أجياله، وسار نوح مع الله ........... وتزداد شرور الناس، وتمتليء الأرض ظلماً، ويقرر الرب نهاية البشرية، ويحيط نوحاً علماً بما نواه، آمراً إياه بأن يصنع فلكاً ضخماً، وأن يكون طلاؤها بالقار والقطران من داخل ومن خارج، حتى لا يتسرب إليها الماء، وأن يدخل فيها اثنين من كل ذي جسد حي، ذكراً وأنثى، فضلاً عن امرأته وبنهيه ونساء بيته، هذا إلى جانب طعام يكفي من في الفلك وما فيه.. تكوين 6: 1 ـ 22.

      و يكرر الرب أوامره في الإصحاح التالي فيأمره أن يدخل الفلك ومن معه ذلك لأن الرب قرر أن يغرق الأرض ومن عليها بعد سبعة أيام ذلك عن طريق مطر يسقط على الأرض أربعين يوماً وأربعين ليلة، ويصدع نوح بأمر ربه فيأوي إلى السفينة ومن معه وأهله، ثم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء، واستمر الطوفان أربعين يوماً على الأرض.

      و تكاثرت المياه ورفعت الفلك عن الأرض وتغطت المياه، ومات كل جد كان يدب على الأرض، من الناس، والطيور والبهائم والوحوش وبقي نوح والذين معه في الفلك حتى استقرت الفلك على جبل أراراط.

      إن هذه النصوص برغم ما حوت من تحريف إلا أنها بمجموعها تؤكد حدوث قصة الطوفان وهي في شكلها العام تتطابق من القرآن الكريم فمن أخبر محمداً بتلك بتفاصيل تلك القصة التي كانت أحداثها قبل ولادته بآلاف السنين .



      الأدلة الأثرية في العراق تدل على ثبوت قصة الطوفان :

      لقد عثر عالم الآثار " سير ليونارد وولي " في " أور " عام 1928م على طبقة من الغرين السميك الذي يقدر بحوالي ثمانية أقدام والذي اعتبره دليلاً مادياً على الطوفان السومري هذا مع ملاحظة أن تلك الطبقة الغرينية تقع فوق وتحت هذا وتحت آثار تنتمي إلى عصر حضارة العبيد، والتي تمثل عصر ما قبل الأسرات الأولى في جنوب العراق، ثم اتجه "دولي" بعد ذلك إلى الحفر في موضع بعيد عن " أور" بحوالي ثلاثمائة يارده من ناحية الشمال الغربي للبحث عن مدى امتداد تلك الطبقة الغرينية، وكانت نتيجة الحفر إيجابية، مما أدى إلى القول بوجهة نظره المشهورة في ارتباط تلك الطبقة الغرينية السميكة بالطوفان الذي ذكرته الكتب المقدسة .

      و هناك من الأدلة كذلك ما حدثنا عنه " سير ليونارد وولي " من أنه قد وجد في أور أسفل طبقة المباني طبقة طينية مليئة بقدور من الفخار الملون، مختلط بها أدوات من الصوان والزجاج، وكان سمك هذه الطبقة 16 قدماً ( 3 أمتار ) أسفل المباني الطينية التي يمكن أن تعود إلى 2700 ق. م وأن أور قد عاشت أسفل هذه الطبقة في عصر ما قبل الطوفان، ويستنتج " وولي " أن سبب اختفاء هذا الفخار الملون الذي كان منتشراً على طول بلاد الرافدين قبل الطوفان اختفاءً تاماً مرة واحدة كان الطوفان، الذي قضى قضاءً تاماً على سكان هذه البلاد.

      اكتشاف آثار سفينة نوح :

      أكتشف علماء الآثار عام 1959 آثار لسفينة نوح على جبل آرارات في تركيا أو ما يعرف بجبل جودي ولقد نشرت صحيفة Life magazene في عدد سبتمبر من عام 1960 في الصفحة الثانية تحقيقاً عن خبر اكتشاف سفينة نوح مع نشر بعض الصور .

      ولقد زار أحد علماء الآثار واسمه رون وايات موقع السفينة في عام 1977وأكد أن موقع السفينة يرتفع حوالي 6.300 قدم فوق سطح البحر وعلى بعد حوالي 200 ميل عن البحر (1).



      أضغط على الصور لتكبيرها



      صورة لبعض المواطنين الأتراك بالقرب من بقايا سفينة نوح



      صورة لبقايا سفينة نوح عليه السلام أضغط على الصور لتكبيره

      اكتشاف شواهد على الحياة قبل الطوفان:
      واشنطن-ناسا: عثر مستكشفون أميركيون على عمق مئات الأمتار تحت سطح البحر الأسود على بقايا منطقة سكانية في بقعة وقعت فيها سيول مدمرة قبل 7500 عام تعادل في أهميتها اكتشاف أطلال بومبي المدينة الرومانية القديمة التي دمرها بركان فيزوف قبل عدة قرون.
      وذكرت رويترز في تحقيق لها بهذا الشأن أن روبرتبا لارد أحد المستكشفين أوضح أن فريقه من جمعية ناشيونال جيوغرافيك عثر على هيكل مستطيل قد يكون لبناء على عمق نحو 310 أمتار تحت سطح البحر مما يشير إلى أن أناساً كانوا يعيشون هناك قبل إغراق طوفان هائل للمنطقة الأمر الذي يعتبر شواهد على مستوطنات بشرية. وقال بالارد في حديث هاتفي من سفينة الأبحاث نورذرنهور ايزون على مسافة 20 كيلومتراً قبالة الساحل التركي أن الاكتشاف هائل ويرجع المعمار والقطع الفنية فيه إلى العصر البرونزي الحديث الذي كانت بدايته قبل نحو 7000 عام كما أنه يضم كمية كبيرة من الأطلال تحت سطح الماء مما يشير إلى أن عدداً كبيراً من الناس كانوا يعيشون فيها واعتبر هذا الاكتشاف يفوق في أهميته اكتشاف حطام التايتانيك في عام 1985. وأضاف أن فريقه توصل إلى هذا الاكتشاف قبل ثلاثة أيام في الأسبوع الثاني من بعثة تستغرق خمسة أسابيع ويأمل أعضاء الفريق في التوصل إلى اكتشافات أخرى وسيقومون بعمليات تجفيف وتصوير وثائقي دقيق قبل إحضار أي شيء إلى السطح. وتم التعرف على القطع المكتشفة بمجسات ضوئية "سونار" وتم تصويرها بواسطة عربة متنقلة اسمها ازجوس في حجم الغسالة الكهربائية متصلة بباخرة الأبحاث بكابلات من الألياف الزجاجية وتبلغ مساحة الهيكل المستطيل الذي تم اكتشافه أربعة أمتار عرضاً و 15 متراً طولاً.


      العدد العاشر 5/10/2000شبكة عربيات

      (1)geocities.com/islamicmiracles/Woodenplatefound.htm

      بقلم فراس نور الحق محرر الموقع

      المراجع : كتاب دراسات تاريخية من القرآن الكريم ج4 . تأليف الدكتور محمد بيومي مهران.

      الموقع التالي : geocities.com/islamicmiracles/Woodenplatefound.htm

    • وفاة أبي ذر الغفاري



      وفاة أبي ذر الغفاري



      وعن إبراهيم بن الأشتر أن أبا ذر لما حضره الموت وهو بالربذة فبكت امرأته فقال: ما يبكيك؟ فقالت: أبكي أنه لا يد لي بنفسك وليس عندي ثوب يسع لك كفناً، قال: لا تبكي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين". قال: فكل من كان مع في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية، ولم يبق منهم غيري، وقد أصبحت بالفلاة أموت، فراقبي الطريق فإنك سوف ترين ما أقول، فإني والله ما كَذبت ولا كُذبت، قالت: وأنى ذلك وقد انقطع الحاج، قال: راقبي الطريق، قال: فبينا هي كذلك إذا هي بالقوم تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها فقالوا: ما لك؟ فقالت: امرؤ من المسلمين تكفنوه وتؤجرون فيه، قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ووضعوا سياطهم في محورها يبتدرونه، فقال: أبشروا فأنتم النفر الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ما قال، ثم أصبحت اليوم حيث ترون، ولو أن لي ثوباً من أثوابي يسع لأكفن فيه فأنشدكم بالله لا يكفني رجل منكم كان عريفاً أو أميراً أو بريداً فكل القوم قد نال من ذلك شيئاً إلا فتى من الأنصار كان مع القوم، قال: أنا صاحبك، ثوبان في عيبتي من غزل أمي وأحد ثوبي هذين الذين علي، قال: أنت صاحبي فكفنه الأنصاري في النفر الذين شهدوه منهم حجر بن الأدبر ومالك الأشتر في نفر كلهم يمان.[1]

      وفي رواية أخرى قال أخبرنا أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال حدثني بريدة بن سفيان الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن مسعود قال لما نفى عثمان أبا ذر الى الربذة وأصابه بها قدره ولم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه فأوصاهما أن اغسلاني وكفناني وضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمر بكم فقولوا هذا أبوذر صاحب رسول الله فأعينونا على دفنه فلما مات فعلا ذلك به ثم وضعاه على قارعة الطريق وأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق عمارا فلم يرعهم إلا بالجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل تطأها فقام إليه الغلام فقال هذا أبو ذر صاحب رسول الله فأعينونا على دفنه فاستهل عبد الله يبكي ويقول صدق رسول الله "تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك " ثم نزل هو وأصحابه فواروه ثم إنصرفوا .


      المصدر :

      (1) رواه أحمد من طريقتين أحدهما هذه، والأخرى مختصرة عن إبراهيم بن الأشتر عن أم ذر، ورجال الطريق الأولى رجال الصحيح ورواه البزار بنحوه باختصار

      الطبقات الكبرى

    • و إنه لفي زبر الأولين



      و إنه لفي زبر الأولين



      لقد أخذ الله تعالى الميثاق على الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وينصروه إذا بعث وهم أحياء ، وأن يبلغوا أقوامهم بذلك ليشيع خبره بين جميع الأمم .قال تعالى:﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا ءَاتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾(آل عمران:81).وذلك لأن الرسل كانوا يبعثون في أقوامهم خاصة ، وبعث محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة،فبشر به جميع الأنبياء، وكان مما قاله عيسى عليه السلام لقومه كما ذكر الله تعالى عنه﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾(الصف:6)(2) .والبشارات في الكتب السابقة(3) هي تلك الأنباء والأوصاف التي وردت عن مقدم محمد صلى الله عليه وسلم مبينة اسمه وصفاته البدنية والمعنوية ونسبه ومكان بعثته، وصفة أصحابه وصفة أعدائه ، ومعالم الدين الذي يدعو إليه، والحوادث التي تواجهه، والزمن الذي يبعث فيه، ليكون ذلك دليلاً على صدقه عند ظهوره بانطباق تلك الأوصاف عليه ، وهي أوصاف وبشارات تلقاها أهل تلك الأديان نقلاً عن رهبانهم وأحبارهم وكهنتهم قبل ولادة محمد صلى الله عليه وسلم بقرون كثيرة. وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك البشارات، ودلل بها على صدق محمد صلى الله عليه وسلم . فقال تعالى﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾(الرعد:43).وقال تعالى﴿ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ءَايَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾(الشعراء:197).وقال تعالى﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴾(الشعراء:196).وقال تعالى عن محمدصلى الله عليه وسلم :﴿الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾(البقرة:146).وهذا يعني أن انطباق البشارات على محمد صلى الله عليه وسلم يدل على أنه المقصود بها ، وأنه الرسول الذي أخبر الله بمقدمه ، ومن هذه البشارات ما يأتي:



      1- النبي الأمي:

      لقد أشار القرآن الكريم إلى أمية الرسول صلى الله عليه وسلم وأنها مذكورة عند أهل التوراة والإنجيل.قال تعالى ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴾(الأعراف:157). إن أمية النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية بدء الوحي إليه لأول مرة موجود عند أهل الكتاب إلى يومنا هذا .فقد جاء في سفر أشعيا: " ويدفع الكتاب للأمي ويقال له : اقرأ هذا أرجوك فيقول: أنا أمي " (4) أي لست بقارئ . (أ) وهذا ترجمة للنص الذي ورد في نسخة الملك جيمس للكتاب المقدس المعتمدة عند النصارى وهي أوثق النسخ للتوراة والإنجيل عندهم(5) . وفي النسخة المسماة Bible Good News ورد ما ترجمته كالآتي:

      " إذا تعطيه إلى شخص لا يستطيع القراءة وتطلب إليه أن يقرأه عليك سيجيب بأنه لا يعرف كيف ." (ب) وبينما نجد هذا النص الواضح في الطبعات الإنجليزية نرى أن القسس العرب قد حرفوا هذا النص في نسخته العربية فجعلوا العبارة كالآتي :

      "أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له: اقرأ هذا فيقول : لا أعرف الكتابة" (6).(ت) فانظر كيف حرفوا النص ! فالسائل يطلب القراءة والنبي ينفي عن نفسه معرفة الكتابة ! وهذا التحريف مقصود لئلا تتطابق الحادثة المذكورة في النص السابق مع قصة نزول جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ومطالبته له بالقراءة فنفى النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه القدرة على القراءة. قال الحافظ ابن حجر : وقد وقع في مرسل عبيد بن عمير عند ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أتاني جبريل بنمط من ديباج فيه كتاب قال : اقرأ ، قلت : ما أنا بقارئ" (7) .وكم من الزمن قد مر بعد عيسى عليه السلام ، وما نزل وحي على نبي أمي إلا على النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم الذي يجدون أميته مكتوبةً عندهم حتى يومنا هذا .

      2- اسم النبي:

      أ - لا تزال نسخ التوراة باللغة العبرية تحمل اسم محمد جلياً واضحاً إلى يومنا هذا. ففي نشيد الأنشاد من التوراة في الاصحاح الخامس الفقرة السادسة عشر وردت هذه الكلمات: حِكو مَمْتَكيم فِكلّو محمديم زيه دُودي فَزيه ريعي.(ث) ومعنى هذا : "كلامه أحلى الكلام إنه محمد العظيم هذا حبيبي وهذا خليلي". فالفظ العبري يذكر اسم محمد جلياً واضحاً ويلحقه بـيم التي تستعمل في العبرية للتعظيم. واسم محمد مذكور أيضاً في المعجم المفهرس للتوراة8))(ث) عند بيانه هذا اللفظ المتعلق بالنص السابق "محمد يم"(9) . لكن يد التحريف عند اليهود والنصارى تأبى التسليم بأن لفظ "محمد" هو اسم النبي وتصر على أنه صفة للنبي وليس اسماً له . فيقولون إن معنى لفظ "محمد يم" هو "المتصف بالصفات الحميدة" كما جاء في نسخة الملك جيمس المعتمدة عند النصارى .(ج) وعليه فيكون المعنى لهذه الإشارة عندهم "كلامه أحلى الكلام(10)إنه صاحب الصفات الحميدة ". (ح)

      فمن هو ، يا أهل الكتاب ، غير "محمد يم" محمد العظيم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كلامه أحسن الكلام وهو المحمود في صفاته كلها ، وهو حبيب الله وخليله كما جاء ذلك في نفس النشيد عقب ذكر اسمه . "هذا هو حبيبي وهذا هو خليلي".(ج،ح)

      ب- وأما ما جاء عن اسمه عند النصارى ، فقد ورد في عدة أماكن، منها ما جاء في إنجيل يوحنا(11) في قول عيسى عليه السلام وهو يخاطب أصحابه : "لكني أقول لكم إنه من الخير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي الفارقليط."(خ)

      وكلمة "المعزي" أصلها منقول عن الكلمة اليونانية باراكلي طوس المحرفة عن الكلمة بيركلوطوس التي تعني محمد أو أحمد. "إن التفاوت بين اللفظين يسير جداً ، وإن الحروف اليونانية كانت متشابهة ، وإن تصحيف "بيركلوطوس" إلى "باراكلي طوس" من الكاتب في بعض النسخ قريب من القياس ، ثم رجح أهل التثليث هذه النسخة على النسخ الأخرى."(12)

      جـ وهناك إنجيل اسمه إنجيل "برنابا" استبعدته الكنيسة في عهدها القديم عام 492م بأمر من البابا جلاسيوس ، وحرّمت قراءته وصودر من كل مكان، لكن مكتبة البابا كانت تحتوي على هذا الكتاب. وشاء الله أن يظهر هذا الإنجيل على يد راهب لاتيني اسمه "فرامرينو" الذي عثر على رسائل "الإبريانوس" وفيها ذكر إنجيل برنابا يستشهد به، فدفعه حب الاستطلاع إلى البحث عن إنجيل برنابا وتوصل إلى مبتغاه عندما صار أحد المقربين إلى البابا "سكتش الخامس" فوجد في هذا الإنجيل أنه سَيُزعم أن عيسى هو ابن الله وسيبقى ذلك إلى أن يأتي محمد رسول الله فيصحح هذا الخطأ. يقول إنجيل برنابا في الباب "22":" وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله".وقد اسلم فرامرينو وعمل على نشر هذا الإنجيل الذي حاربته الكنيسة بين الناس(13) .

      د- هذا وقد كان اسم النبي صلى الله عليه وسلم موجوداً بجلاء في كتب اليهود والنصارى عبر التاريخ ، وكان علماء المسلمين يحاجون الأحبار والرهبان بما هو موجود من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم،قال تعالى :

      (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (لأعراف:157)

      ومن ذلك:

      • جاء في سفر أشعيا :" إني جعلت اسمك محمداً ، يا محمد يا قدوس الرب ، اسمك موجود من الأبد " ذكر هذه الفقرة علي بن ربّن الطبري الذي كان نصرانياً فهداه الله للإسلام في كتابه : الدين والدولة ، وقد توفي عام 247هـ(14) .

      • وجاء في سفر أشعيا أيضاً :" سمعنا من أطراف الأرض صوت محمد "(15)

      • وجاء في سفر حبقوق :" إن الله جاء من التيمان ، والقدوس من جبل فاران ، لقد أضاءت السماء من بهاء محمد ، وامتلأت الأرض من حمده " ذكره علي بن ربن الطبري في كتابه الدين والدولة(16) وذكره إبراهيم خليل احمد ، الذي كان قساً نصرانياً فاسلم في عصرنا ونشر العبارة السابقة في كتاب له عام 1409هـ .

      • وجاء في سفر أشعيا أيضاً : "وما أعطيه لا أعطيه لغيره ، أحمد يحمد الله حمداً حديثاً ، يأتي من أفضل الأرض ، فتفرح به البَرّية وسكانها ، ويوحدون الله على كل شرف ، ويعظمونه على كل رابية"(17) . وذكره عبد الله الترجمان الذي كان اسمه : انسلم تورميدا ، وكان قساً من أسبانيا فأسلم وتوفي عام 832هـ . ولقد روى جبير بن مطعم قال : سمعت رسول الله e يقول : إِنَّ لِي أَسْمَاءً ، أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي،وَأَنَا الْعَاقِبُ(18) .قال الله تعالى:

      ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِين﴾(الصف:6).

      • ويقول مطران الموصل السابق الذي هداه الله للإسلام ، وهو البروفيسور عبد الأحد داود الآشوري في كتابه : محمد في الكتاب المقدس(19) : إن العبارة الشائعة عند النصارى : " المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض السلام ، وبالناس المسرة " لم تكن هكذا ، بل كانت : " المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض إسلام ، وللناس أحمد "

      هـ و لقد جاء ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب المقدسة عند الهندوس فقد جاء في كتاب "السامافيدا"(20)ما نصه " أحمد تلقى الشريعة من ربه وهي مملوءة بالحكمة وقد قبست من النور كما يقبس من الشمس ".. (د)

      و- وجاء في كتاب أدروافيدم أدهروويدم وهو كتاب مقدس عند الهندوس(21) " أيها الناس اسمعوا وعوا يبعث المحمد بين أظهر الناس ... وعظمته تحمد حتى في الجنة ويجعلها خاضعة له وهو المحامد"(22) . (ذ)

      ز- وجاء في كتاب هندوسي آخر هو بفوشيا برانم "بهوشى بهوشى برانم"(23): " في ذلك الحين يبعث أجنبي مع أصحابه باسم محامد الملقب بأستاذ العالم(24) ، والملك يطهره بالخمس المطهرات" . (ر) وفي قوله الخمس المطهرات إشارة إلى الصلوات الخمس التي يتطهر بها المسلم من ذنوبه كل يوم(25)

      3- نسبه صلى الله عليه وسلم

      لقد دعا سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام الله وهما بمكة أن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة له ، وأن يبعث فيهم رسولاً منهم ، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى دعاءهما في قوله تعالى﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ128رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ129﴾(البقرة:128-129).

      أ- وقد جاء في التوراة ذكر للوعد الإلهي لإبراهيم أن يجعل من ذرية إسماعيل أمة هداية عظيمة ، فقد ورد في سفر التكوين(26) مايأتي:" وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه، هاأنا أباركه وأثمّره وأكثّره كثيراً جداً. اثنى عشر رئيساً يلد ، واجعله أمة كبيرة ." (ز)

      ب- وورد فيه أيضاً: "وابن الجارية أيضاً سأجعله أمة لأنه نسلك"(27).(س) ولم تكن هناك أمة هداية من نسل إسماعيل إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي قال الله عنها :﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾(آل عمران:110).

      ج- وقد جاء في التوراة في سفر التثنية(28)على لسان موسى عليه السلام :" قال لي الرب : قد أحسنوا فيما تكلموا. أقيم لهم نبياً من وسط أخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه. "(ش)والمقصود باخوتهم أبناء إسماعيل عليه السلام لأنه أخو إسحاق عليه السلام الذي ينسب إليه بنو إسرائيل، حيث هما ابنا إبراهيم الخليل عليه السلام، ومحمد صلى الله عليه و سلم من ذرية إسماعيل ولو كانت البشارة تخص أحداً من بني إسرائيل لقالت: "منهم"(29) . فمحمد صلى الله عليه وسلم هو من وسط أخوتهم ، وهو مثل موسى عليه السلام نبي ورسول وصاحب شريعة جديدة ، وحارب المشركين وتزوج وكان راعي غنم ، ولا تنطبق هذه البشارة على يوشع كما يزعم اليهود لأن يوشع لم يوح إليه بكتاب ، كما جاء في سفر التثنية : " ولم يقم بعُد نبي في إسرائيل مثل موسى. "(30) (ض) كما أن البشارة لا تنطبق على عيسى عليه السلام كما يزعم النصارى، إذ لم يكن مثل موسى عليه السلام من وجوه ، فقد ولد من غيرأب وتكلم في المهد ولم تكن له شريعة كما لموسى عليه السلام ، ولم يمت بل رفعه الله تعالى إليه .

      د- وفي إنجيل متى(31)جاء ما يلي:" قال لهم يسوع(32)أما قرأتم قط في الكتب.الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية.من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا.لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره ".(ط)وهذا معناه أن الرسالة تنتقل من بني إسرائيل إلى أمة أخرى ، فيكون الرسول المبشر به من غير بني إسرائيل .

      4- مكان بعثته صلى الله عليه وسلم :

      أ- تذكر التوراة المكان الذي نشأ فيه إسماعيل عليه السلام، فقد جاء في سفر التكوين(33):"وفتح الله عينيها(34)فأبصرت بئرماء(35)فذهبت وملأت القربة ماءً وسقت الغلام(36)وكان الله مع الغلام فكبر. وسكن في البرية وكان ينمو رامي قوس. وسكن في برية فاران"(ظ)وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن إسماعيل عليه السلام كان رامياً، فقد مر على نفر من قبيلة أسلم يرمون بالسهام فقال لهم:( ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا )(37).

      ب- كما جاء في التوراة في سفر أشعيا(38): " وحي من جهة بلاد العرب " (ع) وهذا إعلان عن المكان والأمة التي سيخرج منها الرسول حاملاً الوحي من الله إلى الناس .

      ج- ويأتي تحديد آخر للمكان الذي سترتفع فيه الدعوة الجديدة بشعاراتها الجديدة التي ترفع من رؤوس الجبال ويهتف بها الناس، فتقول التوراة في سفر أشعيا(39):" غنوا للرب أغنية جديدة ، تسبيحهُ من أقصى الأرض ، أيها المنحدرون في البحر وملؤه، والجزائر وسكانها ، لترفع البرّية ومدنها صوتها(40)الديار التي سكنها قيدار(41). لتترنم سكان سالع(42)من رؤوس الجبال ليهتفوا(43)"(غ) والأغنية عندهم هي الهتاف بذكر الله الذي يرفع به الصوت من رؤوس الجبال ، وهذا لا ينطبق إلا على الأذان عند المسلمين ، كما أن سكان سالع ، والديار التي سكنها قيدار هي أماكن في جزيرة العرب،وكل ذلك يدل على أن مكان الرسالة الجديدة والرسول المبشر به هو جزيرة العرب.

      د- وجاء في التوراة في سفر التثنية(44):"جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من ساعير وتلالأ من جبل فاران".(ف)

      ويرى بعض شراح التوراة ممن أسلم أن هذه العبارة الموجودة في التوراة تشير إلى أماكن نزول الهدى الإلهي إلى الأرض

      فمجيئه من سيناء : إعطاؤه التوراة لموسى عليه السلام . وإشراقه من ساعير : إعطاؤه الإنجيل للمسيح عيسى عليه السلام. وساعير : سلسلة جبال ممتدة في الجهة الشرقية من وادي عربة في فلسطين وهي الأرض التي عاش فيها عيسى عليه السلام .وتلألؤه من جبل فاران : إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم . وفاران هو الاسم القديم لأرض مكة التي سكنها إسماعيل عليه السلام .

      هـ وجاء في التوراة أن داود عليه السلام يترنم ببيت الله ويتمنى أن يكون فيه ، ويعلل ذلك بمضاعفة الأجر هناك(45)

      وتقول التوراة نقلاً عنه(46): " ما أسعد أولئك الذين يتلقون قوتهم منك، الذين يتوقون لأداء الحج إلى جبل المجتمع الديني الذي خَلُصَ لعبادة الله(47)وهم يمرون عبر وادي بكه الجاف فيصبح مكاناً للينابيع"(48).(ق) وفي نسخة أخرى : " فيصيرونه بئراً(49)أو ينبوعاً(50)" ووادي بكة قد ورد ذكره في القرآن الكريم وأنه هو الذي فيه البيت الحرام قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ96فِيهِ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ ءَامِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ97﴾ (آل عمران:96-97). وقد ذكر الله جفاف هذا الوادي بقوله سبحانه وهو يذكر دعاء إبراهيم عليه السلام:﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ …﴾ (إبراهيم:37).ومعلوم أن هذا الوادي الجاف قد جعل الله فيه بئر زمزم عندما سكنت هاجر فيه مع ابنها إسماعيل عليه السلام .

      وقد أُحرج النصارى العرب بالنص على وادي بكة ! فحرفوه كما في الكتاب المقدس عندهم في الطبعة العربية فقالوا :

      " عابرين في وادي البكاء " (ل) وحذفوا أيضاً لفظ "الحجاج" الذي ورد في النص الإنجليزي المذكورة ترجمته سابقاً . ولا توجد صلة بين وادي بكة والبكاء ، وقد ورد اسم "بكة" في النص الإنجليزي مبتدئاً بحرف كبير مما يدل على أنه علم غير قابل للترجمة Baca . و كما جاء في الكتب الزرادشتية(51)بشارات تشير إلى المكان الذي تظهر فيه دعوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك : "إن أمة زرادشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النار في هياكلهم يولون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام "(52) (ن)



      5- صفاته صلى الله عليه وسلم :

      من صفاته صلى الله عليه وسلم أنه أمي ، وقد سبق بيانه .

      أ- كما وصف في سفر أشعيا(53) بأنه راكب الجمل وفي هذا إشارة إلى أنه من الصحراء وهكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم .

      ب- ووصف في المزامير(54)بـأن : " ملوك شبا وسبأ يقدمون هدية "(هـ)، وقد انتهى ملوك اليمن ولم يظهر نبي دان له ملوك اليمن إلا محمد صلى الله عليه وسلم .

      جـ ووصف فيها أيضاً(55)بأنه " يصلى عليه ويبارك عليه كل وقت" وهكذا شأن محمد صلى الله عليه وسلم فالمسلمون يباركون عليه كل يوم عدة مرات في صلاتهم .

      د- ووصف فيها أيضاً(56)بأنه "متقلد سيفاً" ، وفيها أيضاً(57)مايلي: " وأنه يرمي بالنبل " .

      هـ وجاء في إنجيل متى(58) وصفه بأنه الحجر الذي أتم بناء النبوة ، ففيه : " قال لهم يسوع(59)أما قرأتم قط في الكتب. الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية. من قِبَل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره "(ط) وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة أمية ، لم يكن لها شأن بين الأمم ، وكان من العجيب أن يكون الرسول الذي يخرج منها هو رأس الزاوية في بناء النبوة. وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ )(60)وتذكر هذه البشارة على لسان عيسى عليه السلام أن صاحب هذا الوصف ليس من بني إسرائيل ، وأن النبوة ستنزع من بني إسرائيل وتعطى لأمة أخرى "تعمل أثماره" أي تحقق ثماره، فكانت هذه الأمة التي كانت مزدراة في أعين الناس هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ،وهي الأمة الجديدة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس

      و- وجاء في سفر أشعيا(61): "وحي من جهة بلاد العرب. في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين(62). هاتوا ماءً لملاقاة العطشان يا سكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزه. فإنهم من أمام السيوف قد هربوا. من أمام السيف المسلول ومن أمام القوس المشدودة ومن أمام شدة الحرب. فإنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار وبقية عدد قِسِيّ أبطال بني قيدار تقل، لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم ".(ع) تفيد هذه البشارة أن الله أوحى إلى أشعيا :" لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم " بأن وحياً سيأتي من جهة بلاد العرب : " وحي من جهة بلاد العرب " وأن تلك الجهة من بلاد العرب هي الوعر التي تبيت فيها قوافل الددانيين ، وددان قرب المدينة النبوية المنورة كما تدل على ذلك الخرائط الكنسية القديمة . ويأمر الوحي الذي تلقاه أشعيا أهل تيماء أن يقدموا الشراب والطعام لهارب يهرب من أمام السيوف ، ومجيئ الأمر بعد الإخبار عن الوحي الذي يكون من جهة بلاد العرب قرينة بأن الهارب هو صاحب ذلك الوحي الذي يأمر الله أهل تيماء بمناصرته : " هاتوا ماءً لملاقاة العطشان ، يا سكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزه " وأرض تيماء منطقة من أعمال المدينة ، وفيها يهود تيماء الذين انتقل معظمهم إلى يثرب. ويذكر المؤرخون الإخباريون العرب نقلا عن اليهود في الجزيرة العربية أن أول قدوم اليهود إلى الحجاز كان في زمن موسى عليه السلام عندما أرسلهم في حملة ضد العماليق في تيماء، وبعد قضائهم على العالميق وعودتهم إلى الشام بعد موت موسى منعوا من دخول الشام بحجة مخالفتهم لشريعة موسى لاستبقائهم إبناً لملك العماليق. فاضطروا للعودة إلى الحجاز والاستقرار في تيماء(63)ثم انتقل معظمهم إلى يثرب(64). فأهل يثرب من اليهود هم من أهل تيماء المخاطبين في النص. وكان تاريخ مخاطبة اشعياء لاهل تيماء في هذا الاصحاح هو النصف الأخير من القرن الثامن قبل الميلاد. ويفيد الوحي إلى أشعيا أن الهارب هرب ومعه آخرون:"فإنهم من أمام السيوف قد هربوا".ثم يذكر الوحي الخراب الذي يحل بمجد قيدار بعد سنة من هذه الحادثة ، مما يدل على أن الهروب كان منهم ، وأن عقابهم كان بسبب تلك الحادثة : " فإنه هكذا قال لي السيد الله : في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار ، وبقية عدد قسي أبطال بني قيدار تقل " وتنطبق هذه البشارة على محمد صلى الله عليه وسلم وهجرته تمام الانطباق ، فقد نزل الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم في بلاد العرب ، وفي الوعر من بلاد العرب، في مكة والمدينة. وهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة من أرض بني قيدار(65)قريش الذين كانوا قد عينوا من كل بطن من بطونهم شاباً جلداً ليجتمعوا لقتل محمد صلى الله عليه وسلم ليلة هجرته ، فجاء الشباب ومعهم أسلحتهم فخرج الرسول مهاجراً هارباً ، فتعقبته قريش بسيوفها وقسيها كما تذكر العبارة : " فإنهم من أمام السيوف قد هربوا ، من أمام السيف المسلول ، ومن أمام القوس المشدودة ". ثم عاقب الله قريشاً أبناء قيدار بعد سنة ونيف من هجرته صلى الله عليه وسلم بما حدث في غزوة بدر من هزيمة نكراء أذهبت مجد قريش ، وقتلت عدداً من أبطالهم : " كما قال لي السيد الله : في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار ، وبقية عدد قسي أبطال بني قيدار تقل " .وتؤكد العبارة أن هذا الإخبار وأن هذا التبشير بنزول الوحي في بلاد العرب ، وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم وما يجري له من هجرة ونصر هو بوحي من الله : " لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم " إن ما حملته هذه البشارة من معانٍ لابد أن يكون قد وقع ، لأنه يقع في عصرٍ آلة الحرب فيه السيف والنبل ، وقد انتهى عصر الحرب بالسيف والنبل .‍‍‍‍

      • فهل نزل وحي في بلاد العرب غير القرآن ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!

      •‍‍‍ و هناك نبي هاجر من مكة إلى المدينة واستقبله أهل تيماء غير محمد صلى الله عليه وسلم ؟!

      • وهل هناك هزيمة لقريش بعد عام من الهجرة إلا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر ؟! إن هذه البشارة تدل على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنها إعلان إلهي عن مقدمه ينقلها أحد أنبياء بني إسرائيل أشعيا(66) ، وبقي هذا النص إلى يومنا هذا على الرغم من حرص كفرة أهل الكتاب على التحريف والتبديل .

      ز- وجاء في صفته في المزامير(67):" انسكبت النعمة على شفتيك،لذلك باركك الله إلى الأبد تقلد سيفك " (و)

      ح- وجاء في التوراة في سفر أشعيا(68)في وصفه: " هو ذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرت به نفسي ، وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم. لا يصيح ولا يرفع ولا يُسمع في الشارع صوته " (ي) وهذا يتطابق مع ما نقله الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو رضي الله عنه من التوراة التي قرأها في زمنه ، فقد قال عطاء بن يسار له : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي،سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ(69)فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ،وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا:لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا(70).

      ط- وجاء في صفة الدين الذي يأتي به ما يأتي :

      أولاً : الأذان للصلاة كما سبق بيانه .

      ثانياً : الصلاة كتفاً إلى كتف : فقد جاء في التوراة في سفر صفنيا(71)ما يأتي:

      "لأني حينئذ أحول الشعوب إلى شَفة نقية ليدعوا كلهم باسم الرب ليعبدوه بكتف واحدة"(أً)

      وبالإسلام توحدت لغة العبادة لله ، فيقرأ القرآن في الصلاة بلغة واحدة هي العربية، ويصفون كتفاً إلى كتف .

      ثالثاً : تحويل القبلة : فقد جاء في إنجيل يوحنا(72)ما يأتي : إن امرأة سامرية تقول لعيسى عليه السلام : " آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون إن في أورشليم(73)الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه ، قال لها يسوع(74)يا امرأة صدقيني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون " (بً) وهذا إعلان بأن القبلة ستتحول من بيت المقدس. ولا يكون ذلك إلا على يد رسول، كما حدث على يد النبي صلى الله عليه وسلم وفقاً لأمر الله القائل﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ (البقرة:144).

      رابعاً : الهداية إلى جميع الدين الحق : فقد جاء في إنجيل يوحنا(75)ما يأتي: يقول عيسى عليه السلام :" إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتيه " (تً) قال الله تعالى:﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ (النحل:89). وقال تعالى﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى3إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى4﴾(النجم:3-4).

      خامساً : ذكر بعض شعائر دينه صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة : فقد جاء في كتاب: بفوشيا برانم(76)وصف لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم: "هم الذين يختتنون ، ولا يربون القزع، ويربون اللحى ،وهم مجاهدون وينادون الناس للدعاء(77)بصوت عال، ويأكلون أكثر الحيوانات إلا الخنزير، ولا يستعملون الدرباء(78)للتطهير بل الشهداء هم المتطهرون ، ويسمون"بمسلي"(79)بسبب أنهم يقاتلون من يلبس الحق بالباطل ، ودينهم هذا يخرج منا وأنا الخالق".(ثً) وجاء في كتاب "محمد في الأسفار العالمية" ما ترجمه الأستاذ عبدالحق من كتب الزرادشتية بشأن محمد وأصحابه" إن أمة زرادشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون، وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس، ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النارفي هياكلهم يولون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام،ويومئذ يصبحون هم أتباع النبي رحمة للعالمين،وسادة لفارس ومديان وطوس وبلخ. (80)وإن نبيهم ليكونن فصيحاً يتحدث بالمعجزات" (81). (ن)


      المصدر :موقع الإيمان على شبكة الإنترنت الذي يشرف عليه الشيخ عبد المجيد الزنداني .

      المراجع :

      ( 1 ) زبر الأولين أي كتبهم . ( 2 ) وقد كان عيسى عليه السلام يرسل المبشرين للتبشير بمقدم محمد صلى الله عليه وسلم ، بل إن معنى الإنجيل : البشارة ، وبقي المبشرون إلي يومنا هذا يحملون هذا الاسم .( 3 ) هي الكتب الدينية المقدسة عند أصحابها مثل التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى. ( 4 ) الإصحاح 29 الفقرة 2 .( 5 ) تجد في نهاية المبحث النصوص التوارتية والإنجيلية وغيرها المقتبسة مصورة من مراجعها المشار إليها ، ومتسلسلة حسب ورودها في المبحث ومعلمة بالحروف العربية .( 6 ) النصوص العربية كلها مقتبسة من "الكتاب المقدس" / دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط.( 7 ) فتح الباري ك/ التفسير ب/ تفسير سورة "اقرأ باسم ربك الذي خلق" .( 8 )

      The New Stصلى الله عليه وسلم ong Exhaustive Concoصلى الله عليه وسلم dance of the Bible, James Stصلى الله عليه وسلم ong, LL.D. 5.T.D, Thomas Nelson Publisheصلى الله عليه وسلم s, Nashville , USA ,1984, p.64 (Hebصلى الله عليه وسلم ew Dictionaصلى الله عليه وسلم y)

      ( 9 )عند كتابة هذا اللفظ باللغة الإنجليزية يكتبونه كما يلي:machmad . ولإفتقار اللغة الإنجليزية للحرف "ح"فإنهم يعبرون عنه بالحرفين "ch" ويجعلونه أقرب إلى حرف الخاءكما ورد ذلك في المعجم المفهرس المذكوربأن هذا الحرف المكون من "ch" أقرب ما يكون للخاء الألمانية،أي أن استعمال "ch" جاء بدلاً عن حرف الحاء، فيكون الاسم هو محمد، اسم النبيصلى الله عليه وسلم . ( 10 ) كما جاء في النسخة القياسية المنقحة صلى الله عليه وسلم evised Standaصلى الله عليه وسلم d Veصلى الله عليه وسلم sion of the Bible ,The Inteصلى الله عليه وسلم national Council of Chuصلى الله عليه وسلم ches of Chصلى الله عليه وسلم ist in the United States, 1971

      ( 11 ) الإصحاح :16 ، الفقرة : 7( 12 ) إظهار الحق لمؤلفه رحمة الله بن خليل الهندي ، ط الدار البيضاء جـ2 ص280 ، وأشار إلى هذا التحريف مطران الموصل الذي أسلم ، وسمى نفسه عبد الأحد ، وهو عبد الأحد داود الآشوري ، وذلك في كتابه : محمد في الكتاب المقدس ص216 .( 13 ) خليل سعادة في مقدمته لترجمته لإنجيل برنابا إلى اللغة العربية ، وقد نقل قصة فرامرينو مما هو مدون في مقدمة النسخة الأسبانية كما رواها المستشرق سايل، في مقدمة له لترجمة القرآن .( 14 ) وذكرها صالح بن حسين الهاشمي المتوفى عام 668هـ في كتابه : تخجيل من حرف التوراة والإنجيل، وذكرها القرافي المتوفى عام 682هـ في كتابه : الأجوبة الفاخرة ، وذكرها ابن تيمية المتوفى عام 728هـ في كتابه : الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح؛ وذكرها ابن قيم الجوزية المتوفي عام 751هـ في كتابه : هداية الحيارى من اليهود والنصارى .( 15 ) ذكره الأئمة : صالح الهاشمي والقرافي وابن تيمية وابن القيم في كتبهم السابق ذكرها.( 16 ) وذكره علي بن محمد الماوردي المتوفى عام 450هـ في كتابه : أعلام النبوة ، وأبو عبيده الخزرجي المتوفى عام 582هـ في كتابه : مقامع هامات الصلبان ومراتع روضات الإيمان؛ وذكره القرطبي المتوفى عام 671هـ في كتابه الإعلام؛ وكذلك ذكره الهاشمي والقرافي وابن تيمية وابن القيم في كتبهم التي سبق ذكرها .( 17 ) ذكره الأئمة : الخزرجي والهاشمي والقرطبي والقرافي وابن تيمية وابن القيم في كتبهم التي سبق ذكرها.( 18 ) أخرجه البخاري ك/ المناقب ب/ ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومسلم ك/ الفضائل ب/ في أسمائه صلى الله عليه وسلم ، والترمذي ك/ الأدب ب/ ما جاء في أسماء النبي ، والنسائي في السنن الكبرى 6/489 وأحمد في المسند 4/80 وغيرهم .( 19 ) فصل : الإسلام والأحمديات التي أعلنتها الملائكة ص 145- 154 .( 20 ) في الفقرتين 6 وَ 8 من الجزء الثاني .( 21 ) الجزء العشرين ، الفصل 127، الفقرة 1-3 .( 22 ) محامد : محمد .( 23 ) الجزء3 ، الفصل 3 ، العبارة 5 وما بعدها . ( 24 ) أستاذ العالم أي رسول للعالم.( 25 ) مأخوذ من كتاب التيارات الخفية في الديانات الهندية القديمة لمؤلفه "تى محمد" . أما النصوص الفارسية والهندية في نهاية هذا المبحث فمأخوذة من كتاب Muhammad in Paصلى الله عليه وسلم si , Hindoo and Buddhist Scصلى الله عليه وسلم iptuصلى الله عليه وسلم es , A.H. Vidyaصلى الله عليه وسلم thi and U.Ali.

      ( 26 ) الإصحاح 17 العبارات من 19-1 .( 27 ) الإصحاح.21 فقرة 12وَ 13.( 28 ) الإصحاح 18 الفقرة 17 .

      ( 29 ) لقد تنبه المحرفون لهذا فبدلوا العبارة التي تعني "من وسط اخوتهم" في النسخة الإنجليزية الحديثة Good News Bible إلى عبارة تعني "من بين قومهم" (fصلى الله عليه وسلم om among theiصلى الله عليه وسلم own people) ص ( 30 ) الإصحاح 34 ، الفقرة 10.

      ( 31 ) الإصحاح 21 الفقرة 41 – 42 .( 32 ) هو عيسى عليه السلام .( 33 ) الإصحاح 21 الفقرات 21 –22 .

      ( 34 ) هاجر أم إسماعيل .( 35 ) بئر زمزم .( 36 ) إسماعيل عليه السلام .( 37 ) أخرجه البخاري ك/ الجهاد والسير ب/ التحريض على الرمي ، وابن ماجه في السنن ك/ الجهاد ب/ الرمي في سبيل الله ، وأحمد في مسنده 1/364 و 4/50 وابن حبان في صحيحه 10/ 548 وغيرهم .( 38 ) الإصحاح 21الفقرة 12.( 39 ) الإصحاح 42 الفقرة 10-11.

      ( 40 )رفع الصوت بالأذان.( 41 )هو أحد أبناء إسماعيل عليه السلام كما تذكر ذلك التوراة في سفر التكوين إصحاح 25 فقرة 12-13

      ( 42 ) جبل سلع بالمدينة .( 43 ) رفع الصوت بالأذان .( 44 ) الإصحاح 33 الفقرة 2.( 45 ) المزمور 84 الفقرة 1-2-3-4 وَ 10 .( 46 ) المزمور 84 الفقرة 6 .( 47 ) هو بالنص الإنجليزي جبل Zion ، ومعنى Zion : المجتمع الديني الذي خلص لعبادة الله ، أو المدينة الفاضلة كما جاء ذلك في قاموس : Websteصلى الله عليه وسلم s Seventh New Collegiate Dictionaصلى الله عليه وسلم y ، وقد ذكر معاني أخرى لا تستقيم مع الموضع الجغرافي المذكور في النص. وعند الرجوع إلى أصل الكلمة (Zion) العبري تبين أنها مقتبسة من جذر يعني : جفاف ، صحراوي ، أجرد (أرض أو مكان) جاف ، مكان مقفر ، برية. وهذا كله يشير إلى أن المكان المعبر عنه بكلمه Zion في النص الإنجليزي هو برية مكة الجرداء المقفرة الجافة، راجع كتاب The New Stصلى الله عليه وسلم ong Exhaustive Concoصلى الله عليه وسلم dance of the Bible, James Stصلى الله عليه وسلم ong, LL.D. 5.T.D والمعجم العبري ص99 فقره: رقم 6723 . أنظر نهاية المبحث ( 48 ) ص585 Good News Bible.

      (49) وادي بكه يصيرونه بئراً من المعجم سترونغ المفهرس الشامل للكتاب المقدس ص95 . ( 50 ) الكتاب المقدس الذي تصدره جمعية الكتاب المقدس بالشرق الأدنى .( 51 ) يذهب بعض الباحثين إلى أن الزرادشتية هي المجوسية ، وقيل بل المجوسية أسبق من الزرادشتية ، وإنما زرادشت أظهر المجوسية وحددها في القرن الثالث الميلادي . قال النبي صلى الله عليه وسلم "سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب" أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/435 ومالك في الموطأ 1/278 ومن طريقه الشافعي في مسنده 1/209 ومن طريق الشافعي البيهقي في السنن الكبرى ، وكذلك رواه الطبراني في المعجم الكبير 19/437 قال في مجمع الزوائد 6/13 : رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم ، وقال في تلخيص الحبير : ورواه (يعني الحديث) ابن أبي عاصم في كتاب النكاح بسند حسن . أنظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة 2/1149 . ( 52 ) من كتاب " محمد في الأسفار العالمية " للأستاذ عبدالحق.( 53 ) الإصحاح : 21 الفقرة : 6.( 54 ) في مزمور : 72 الفقرة :10 .( 55 ) مزمور :72 الفقرة :15.( 56 ) مزمور :45 الفقرة :3 .( 57 ) الفقرة : 5 من المزمور السابق .( 58 ) الإصحاح : 21 الفقرات : 41-44 .( 59 ) هو عيسى عليه السلام .( 60 ) أخرجه البخاري ك/ المناقب ب/ خاتم النبيين ، ومسلم ك/ الفضائل ب/ ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، وابن حبان في صحيحه 14/315 .( 61 ) الإصحاح 21 الفقرة 13-17 .( 62 ) ددان : بلد أقرب من تيماء إلى المدينة النبوية المنورة .( 63 ) كان ذلك منذ اثني عشر قرناً قبل الميلاد .( 64 ) الروض المعطار في خبر الأقطار ، معجم جغرافي ، محمد بن عبدالمنعم الحميري ، مكتبة لبنان ، 1984م ص 146-147. وجاء مثل ذلك في : وفاء الوفاء بأخبار المصطفى ، للسمهودي ، دار احياء التراث العربي بيروت ج1 ص 159. ( 65 ) سبق البيان أن قيدار أحد أبناء إسماعيل الذي سكن برية فاران (مكة) .( 66 ) عاش في النصف الأخيرمن القرن الثامن قبل الميلاد.كماورد في Good News Bible ص665( 67 ) المزمور 45 الفقرة 3 .( 68 ) الإصحاح 42 الفقرة 1.( 69 ) السخب ويقال فيه الصخب هو رفع الصوت بالخصام .( 70 ) أخرجه البخاري ك/ البيوع ب/ كراهية السخب في الأسواق ، والبيهقي في السنن الكبرى 7/45 وأحمد في المسند 2/678 .( 71 ) الإصحاح 3 الفقرة 9-10 .( 72 ) الإصحاح 4 الفقرة 20-21 .( 73 ) هي القدس .( 74 ) هو عيسى عليه السلام .( 75 ) الإصحاح 16 الفقرة 12-13 .( 76 ) الجزء 3 - فصل 3 ، وهو من كتب الهندوس كما سبق ذلك .( 77 ) ينادون للدعاء : أي ينادون للصلاة لأن الصلاة دعاء. ( 78 ) الدرباء نبات يخرج به الهنود الدم من جسم الإنسان ويعدون هذا العمل تطهيراً من الخطايا. ( 79 )" مسلي" أي يسمون بالمسلمين، دخل عليها شئ من التحريف.( 80 ) وهي الأماكن المقدسة للزرادشتيين ومن جاورهم.( 81 )"محمد في الأسفار العالمية"ص 47
    • اكتشاف مساكن قـوم عــاد



      اكتشاف مساكن قـوم عــاد



      لقد ذكر الله تعالى قوم عاد في سياق حديثه عن نبيه هود عليه السلام قال تعالى :

      (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) (هود:50) .

      ولقد حدد القرآن مكان قوم عاد في الأحقاف والأحقاف جمع حقف وهي الرمال، ولم يعيين القرآن موقعها، إلا أن الإخباريين كانوا يقولون إن موقعها بين اليمن وعُمان ..

      قال تعالى :(وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (الاحقاف:21) .

      ولقد أخبر القرآن الكريم أن قوم عاد بنوا مدينة اسمها ( إرم ) ووصفها القرآن بأنها كان مدينة عظيمة لا نظير لها في تلك البلاد قال تعالى :(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ{6} إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ {7} الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ {8}(سورة الفجر ).

      وقد ذكر المؤرخون أن عاداً عبدوا أصناماً ثلاثة يقال لأحدها : صداء وللأخر : صمود ، وللثالث : الهباء وذلك نقلاً عن تاريخ الطبري.

      ولقد دعا هود قومه إلى عبادة الله تعالى وحده وترك عبادة الأصنام لأن ذلك سبيل لاتقاء العذاب يوم القيامة .

      ولكن ماذا كان تأثير هذه الدعوة على قبيلة ( عاد ) ؟

      لقد احتقروا هوداً ووصفوه بالسفه والطيش والكذب ، ولكن هوداً نفى هذه الصفات عن نفسه مؤكداً لهم أنه رسول من رب العالمين لا يريد لهم غير النصح .

      قال تعالى : (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ).(لأعراف:66).



      التذكير بنعم الله :

      تابع هود مخاطبة قومه محاولاً إقناعهم بالرجوع إلى الطريق الحق مذكراً إياهم بنعم الله عليهم ، فقال : هل أثار عجبكم واستغرابهم أن يجيئكم إرشاد من ربكم على لسان رجل منكم سوء العاقبة بسبب الضلال الذي أنتم عليه ؟ ألا تذكرون أن الله جعلكم وارثين للأرض من بعد قوم نوح الذين أهلكهم الله بذنوبهم ، وزادكم قوة في الأبدان وقوة في السلطان ، وتلك نعمة تقتضي منكم أن تؤمنوا بالله وتشكروه ، لا أن تكفروا به ..

      (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (لأعراف:69)

      ويحدث القرآن أن قوم هود لم يقوموا بحق الشكر لنعم الله عليهم ، بل انغمسوا في الشهوات، وتكبروا في الأرض ، فقال لهم هود : (أتبنون بكل ريع ٍ آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين، فأتقوا الله واطيعون . واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون ، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) الشعراء ونلاحظ أن الآيات أشارت إلى أن قوم عاد كانوا مشهورين في بناء الصروح العظيمة والقصور الفارهة. .

      ولما عصوا رسولهم أنزل الله تعالى عليهم العذاب وذلك بأن أرسل عليهم ريحاً عاصفة المحمولة بالغبار والأتربة والتي غمرتهم وقضت عليهم قال تعالى :(وَأَمَّا عَاد فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) (الحاقة:6) .

      أما أهم النقاط التي تطرق القرآن لذكرها في قصة هود :

      1. أن قوم هود كانوا يسكنونه في الأحقاف والأحقاف هي الأرض الرملية ولقد حددها المؤرخون بين اليمن وعمان .

      2. أنه كان لقوم عاد بساتين وأنعام وينابيع قال تعالى :(واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون )

      3. أن قوم عاد بنوا مدينة عظيمة تسمى إرم ذات قصور شاهقة لها أعمدة ضخمة لا نظير لها في تلك البلاد لذلك قال تعالى ( ألم ترى كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد ).

      4. إنهم كانوا يبنون القصور المترفة والصروح الشاهقة (أتبنون بكل ريع ٍ آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون).

      5. لما كذبوا هوداً أرسل عليهم الله تعالى ريحاً شديدة محملة بالأتربة قضت عليهم وغمرت دولتهم بالرمال .



      الإعجاز العلمي والغيبي

      الاكتشافات الأثرية لمدينة "إرم"

      فى بداية عام 1990 امتلأت الجرائد العالمية الكبرى بتقارير صحفية تعلن عن: " اكتشاف مدينة عربية خرافية مفقودة " ," اكتشاف مدينة عربية أسطورية " ," أسطورة الرمال (عبار)", والأمر الذي جعل ذلك الاكتشاف مثيراً للاهتمام هو الإشارة إلى تلك المدينة في القرآن الكريم. ومنذ ذلك الحين, فإن العديد من الناس؛ الذين كانوا يعتقدون أن "عاداً" التي روى عنها القرآن الكريم أسطورة وأنه لا يمكن اكتشاف مكانها، لم يستطيعوا إخفاء دهشتهم أمام ذلك الاكتشاف فاكتشاف تلك المدينة التي لم تُذكر إلا على ألسنة البدو قد أثار اهتماماً وفضولاً كبيرين.

      نيكولاس كلاب, عالم الاآثار الهاوي, هو الذي اكتشف تلك المدينة الأسطورية التي ذُكرت في القرآن الكريم[1].

      و لأنه مغرم بكل ما هو عربي مع كونه منتجاً للأفلام الوثائقية الساحرة, فقد عثر على كتاب مثير جداً بينما هو يبحث حول التاريخ العربي, و عنوان ذلك الكتاب "أرابيا فيليكس" لمؤلفه "بيرترام توماس" الباحث الإنجليزى الذي ألفه عام 1932 , و "أرابيا فيليكس" هو الاسم الروماني للجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية و التى تضم اليمن والجزء الأكبر من عمان. أطلق اليونان على تلك المنطقة اسم "العرب السعيد"[2] و أطلق عليها علماء العرب في العصور الوسطي اسم "اليمن السعيدة", وسبب تلك التسميات أن السكان القدامى لتلك المنطقة كانوا أكثر من فى عصرهم حظاً. و السبب في ذلك يرجع إلى موقعهم الاستراتيجي من ناحية؛ حيث أنهم اعتُبروا وسطاء في تجارة التوابل بين بلاد الهند وبلاد شمال شبه الجزيرة العربية, ومن ناحية أخرى فإن سكان تلك المنطقة اشتهروا بإنتاج "اللبان" وهو مادة صمغية عطرية تُستخرَج من نوع نادر من الأشجار. وكان ذلك النبات لا يقل قيمة عن الذهب حيث كانت المجتمعات القديمة تُقبل عليه كثيراً.

      و أسهب الباحث الإنجليزي "توماس" في وصف تلك القبائل "السعيدة الحظ"[3], و رغم أنه اكتشف آثاراً لمدينة قديمة أسستها واحدة من تلك القبائل و كانت تلك المدينة هي التي يطلق عليها البدو اسم "عُبار", وفى إحدى رحلاته إلى تلك المنطقة, أراه سكان المنطقة من البدو آثاراً شديدة القدم و قالوا إن تلك الآثار تؤدى إلى مدينة "عُبار" القديمة.

      و لكن "توماس" الذي أبدى اهتماماً شديداً بالموضوع, توُفِى قبل أن يتمكن من إكمال بحثه.

      و بعد أن راجع "كلاب" ما كتبه الباحث الإنجليزي, اقتنع بوجود تلك المدينة المفقودة التي وصفها الكتاب و دون أن يضيع المزيد من الوقت بدأ بحثه.



      استخدم "كلاب" طريقتين لإثبات وجود مدينة "عُبار":

      أولاً: أنه عندما وجد أن الآثار التي ذكرها البدو موجودة بالفعل, قدم طلب للالتحاق بوكالة ناسا الفضائية ليتمكن من الحصول على صور لتلك المنطقة بالقمر [4]الصناعي, وبعد عناء طويل, نجح في إقناع السلطات بأن يلتقط صوراً للمنطقة..

      ثانياً: قام "كلاب" بدراسة المخطوطات و الخرائط القديمة بمكتبة "هانتينجتون" بولاية كاليفورنيا بهدف الحصول على خريطة للمنطقة. وبعد فترة قصيرة من البحث وجد واحدة, وكانت خريطة رسمها "بطلمى" عام 200 ميلادية , و هو عالم جغرافي يوناني مصري. وتوضح الخريطة مكان مدينة قديمة اكتُشفت بالمنطقة و الطرق التي تؤدى إلى تلك المدينة. و في الوقت نفسه, تلقى أخباراً بالتقاط وكالة ناسا الفضائية للصور التي جعلت بعض آثار القوافل مرئية بعد أن كان من الصعب تمييزها بالعين المجردة و إنما فقط رؤيتها ككل من السماء. و بمقارنة تلك الصور بالخريطة القديمة التي حصل عليها, توصل "كلاب" أخيراً إلى النتيجة التي كان يبحث عنها؛ ألا وهى أن الآثار الموجودة في الخريطة القديمة تتطابق مع تلك الموجودة في الصور التي التقطها القمر الصناعي . وكان المقصد النهائي لتلك القبائل موقعاً شاسعا ً يُفهم أنه كان في وقت من الأوقات مدينة. و أخيراً, تم اكتشاف مكان المدينة الأسطورية التي ظلت طويلاً موضوعاً للقصص التي تناقلتها ألسن البدو. و بعد فترة وجيزة, بدأت عمليات الحفر, و بدأت الرمال تكشف عن آثار المدينة القديمة, ولذلك وُصفت المدينة القديمة بأنها ( أسطورة الرمال "عبار" ).



      ولكن ما الدليل على أن تلك المدينة هي مدينة قوم "عاد" التي ذُكرت في القرآن الكريم؟


      منذ اللحظة التي بدأت فيها بقايا المدينة في الظهور, كان من الواضح أن تلك المدينة المحطمة تنتمي لقوم "عاد" ولعماد مدينة "إرَم" التي ذُكرت في القرآن الكريم؛ حيث أن الأعمدة الضخمة التي أشار إليها القرآن بوجه خاص كانت من ضمن الأبنية التي كشفت عنها الرمال.

      قال د. زارينز وهو أحد أعضاء فريق البحث و قائد عملية الحفر, إنه بما أن الأعمدة الضخمة تُعد من العلامات المميزة لمدينة "عُبار", وحيث أن مدينة "إرَم" وُصفت في القرآن بأنها ذات العماد أي الأعمدة الضخمة, فإن ذلك يعد خير دليل على أن المدينة التي اكتُشفت هي مدينة "إرَم" التي

      ذكرت في القرآن الكريم قال تعالى في سورة الفجر : " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادْ (6) إِرَمَ ذَاتِ العِمَادْ (7) الَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى البِلادْ(8)"

      المدينة الأسطورية والتي ذكرت في القرآن باسم إرم Iram والتي أنشأت لِكي تَكُونَ فريدةَ جداً حيث تبدو مستديرة ومر ّبة في رواق معمّد دائري، بينما كُلّ المواقع الأخرى في اليمن حتى الآن كَانتْ التي اكتشفت كانت أبنيتها ذات أعمدة مربعة يُقالُ بأن سكان مدينة أرم بَنوا العديد مِنْ الأعمدةِ التي غطيت بالذهبِ أَو صَنعتْ من الفضةِ وكانت هذه الأعمدةِ رائعة المنظر "




      هذه الصورة هي لقلعة من قلاع إرم والتي تقع على عمق 10 أمتار تحت طبقات من الرمال الصحراوية والتي تتميز بأعمدتها الضخمة والتي تم تصويرها عبر أحد الأقمار الصناعية الأمريكية المتطورة

      أضغط على الصورة لتكبيرها



      قال تعالى على لسان نبي الله هود: )أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) (الشعراء128ـ129).

      إن الذي يسافر إلى جزيرة العرب يلاحظ انتشار الصحارى بكثرة في معظم المناطق باستثناء المدن والمناطق التي زرعت لاحقاً.

      لكن القرآن الكريم يذكر أنه هذه الصحارى كانت يوماً من الأيام جنات ويعيون.

      فقال لهم هود) : أتبنون بكل ريع ٍ آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين، فأتقوا الله واطيعون . واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون ، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ( الشعراء

      ولقد كشفت السجلات التاريخية أن هذه المنطقة تعرضت إلى تغيرات مناخية حولتها إلى صحارى، والتي كَانتْ قبل ذلك أراضي خصبة مُنْتِجةَ فقد كانت مساحات واسعة مِنْ المنطقةِ مغطاة بالخضرة كما أُخبر القرآنِ، قبل ألف أربعمائة سنة .

      ولقد كَشفَت صور الأقمار الصناعية التي ألتقطها أحد الأقمار الصناعية التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا عام 1990 عن نظامَ واسع مِنْ القنواتِ والسدودِ القديمةِ التي استعملت في الرَيِّ في منطقة قوم عاد والتي يقدر أنها كانت قادرة على توفير المياه إلى 200.000 شخصَ [5]كما تم تصوير مجرى لنهرين جافين قرب مساكن قوم عاد أحد الباحثين الذي أجرى أبحاثه في تلك المنطقة قالَ" لقد كانت المناطق التي حول مدنية مأرب خصبة جداً ويعتقد أن المناطق الممتدة بين مأرب وحضرموت كانت كلها مزروعة ."



      أضغط على الصورة لتكبيرها



      صورة لمجرى نهرين جافين قرب مساكن قوم عاد صورت عبر الأقمار الصناعية

      كما وَصفَ الكاتبُ القديم اليونانيُ Pliny هذه المنطقةِ أنْها كانت ذات أراضي خصبة جداً وكانت جبالها تكسوها الغابات الخضراء وكانت الأنهار تجري من تحتها.

      ولقد وجدت بعض النقوشِ في بَعْض المعابدِ القديمةِ قريباً من حضرموت، تصور بعض الحيوانات مثل الأسود التي لا تعيش في المناطق الصحراوية وهذا يدل دلالة قاطعة على أن المنطقة كانت جنات وأنها مصداقاً لقوله تعالى : )واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون ، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ( الشعراء

      أما سبب اندثار حضارة عاد فقط فسرته محلة a M'Interesseالفرنسية التي ذكرت أن مدينة إرم أو"عُبار" قد تعرضت إلى عاصمة رملية عنيفة أدت إلى غمر المدنية بطبقة من الرمال وصلت سماكتها إلى حوالي 12 متر [6]

      وهذا تماماً هو مصداق لقوله تعالى :{15} فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُم عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ }.

      من أخبر محمد بن عبد الله عن قصة عاد ومن أخبره عن مكانهم بالتحديد في منطقة الأحقاف أي أرض الرمال والتي هي الربع الخالي الذي يتميز برماله المتحركة التي تشغل معظم مساحته، من أخبره أن قوم عاد بنوا مدينة عظمة تسمى إرم فيها قصور وقلاع ضخمة تتميز بأعمدة عظيمة ، إنه رب العالمين منزل القرآن على قلب حبيبه محمد بن عبد الله .

      قال تعالى في كتابه العزيز :

      { وَإِلَى عَادٍأَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـه غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ {50} يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {51} وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ {52} قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ }[سورة هود:50، 52].

      قال تعالى في كتابه العزيز :{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَة عَادٍ وَثَمُودَ {13} إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِن خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَة فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ {14} فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ {15} فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُم عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ }[سورة فصلت:13ـ16].

      بقلم فراس نور الحق محرر موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة


      المراجع :

      PERISHED NATIONS HARUN YAHYA

      ساهم في الترجمة الأخت مي أحمد من مصر

      كتاب مع الأنبياء تأليف عفيف طبارة .

      من آيات الإعجاز في القرآن الكريم الدكتور زغلول النجار


      --------------------------------------------------------------------------------

      [1] " فريق لوس انجلوس يكشف "عبار" المدينة الأسطورية المفقودة" تأليف توماس موج(2)/ لوس انجلوس تايمز, 5 فبراير 1992

      Thomas H. Maugh II, "Ubar, Fabled Lost City, Found by LA Team", The Los Angeles Times, 5 February 1992.

      [2] كمال الصليبى , تاريخ العرب , كتب القبائل,1980

      [3] برترام توماس: "أرابيا فيليكس"/ (عبر الربع الخالى بشبه الجزيرة العربية) / نيويورك / شريبرز سانز 1932/ص:161

      [4] تشارلز جراب / " اللبا ن" / اكتشاف / يناير 1993

      Charlene Crabb, "Frankincense", Discover, January 1993

      [5] Joachim Chwaszcza, Yemen, 4PA Press, 1992

      [6] M’Interesse, January 1993
    • الاحتكام إلى العقل



      الاحتكام إلى العقل



      قال تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164) .

      يقول كارل شتيرن : (جامعة مونتريال ) وهو عالم نفس[1].

      "الاعتقاد بأن كوننا المدهش تطور بصدفة عمياء هو جنون، ولا أقصد بكلمة جنون

      معناها العامي بل الأغلب هو المعنى التقني المستخدم في التحليل النفسي .

      وفي الحقيقة فإن مثل ذلك الاعتقاد مصحوب بمظاهر التفكير الفصامي ".

      إن " مبدأ الأنتروبي " أي العشوائية والذي يقول" بأن جميع الأنظمة في الكون إذا تركت للظروف الطبيعية فإنها مع الزمن سوف تدخل في حالة من الفوضى وعدم الانتظام ."

      هذا القانون كسب قبولاً واسعاً في دنيا العلم، وكما أشرنا عندئذ فإن ذلك المبدأ يقتضي بأن يكون خليطاً من المادة المشوشة عشوائياً، وكان ذلك على النقيض في أن الكون أتى من تصميم دقيق متأن كي يخدم الإنسان ويكون مأوى له .

      فالدليل الموضح أن مبدأ الأنتروبية هو صحيح حقيقة حيث يمتد مجال هذا الدليل من السرعة التي كان يتطور بها الكون منذ الانفجار العظيم إلى التوازنات الفيزيائية للذرات، أي من الشدة النسبية للقوى الأربع الأساسية إلى كيمياء النجوم، ومن الأسرار الغامضة لأبعاد الفضاء إلى نموذج النظام الشمسي في نسقه وطريقة ترتيبه، ونحن أينما نظرنا وجدنا أن ترتيباً غير عادي يكمن في تركيب الكون، كما رأينا التركيبية والتوسعية للكون الذي نعيش فيه وكيف ضبطتا بما فيها جوه كي نحيا فيه، وشاهدنا كيف يردنا الضوء من الشمس والماء الذي نشربه والذرات التي تصنع أجسامنا وكذلك الهواء الذي نستنشقه وندخله لرئتينا، وكل هذا يتلاءم بدرجة مذهلة مع الحياة .

      باختصار عندما نرى أن أي شيء في الكون فمعنى ذلك أننا نواجه تصميماً غير عادي غرضه تعزيز حياة الإنسان ودعمها، وأن إنكار حقيقة هذا التصميم يكون تجاوزاً وارتداداً عن حدود العقل كما صرح بذلك العالم النفسي (كارل شتيرن ) .

      إن مضامين هذا التصميم واضحة جداً، ومع ذلك يختفي هذا التصميم ويحتجب داخل ك لجزء من أجزاء هذا الكون مهما كان دقيقاً، كما أن قدرته وحكمته لا نهائيتان، وكما وضحت نظرية الانفجار العظيم أن هذا الخالق خلق الكون كله من العدم، وهذا الاستنتاج الذي توصل له العلم الحديث هو حقيقة نقلها لنا القرآن ووضحها :

      قال تعالى (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (لأعراف:54) .

      دون مفاجأة يتضح أن اكتشاف هذه الحقيقة من قبل العلم أزعج تماماً بعض العلماء ومازال يفعل ذلك، وهؤلاء العلماء هو الذين يوازنون بين العلم والمادية، وهم أناس اقتنعوا أن العلم والدين لا يمكن أن يسيرا معاً، ومعنى أن تكون علمياً فهذا مرادف من وجهة نظرهم لأن تكون ملحداً، فهم تدربوا على الاعتقاد أن الكون وكل الحياة فيها يمكن تفسيره كنتيجة أو محصلة لحوادث تقع بالصدفة، وأنها مجرد كلياً عن أية نية أو قصد في التصميم أوالتخطيط، و عندما يواجه مثل هؤلاء بالحقيقة الواضحة للخلق فيكون ارتباكهم ورعبهم أمراً طبيعياً متوقعاً .

      ولكي نفهم ذعر الماديين يجب أن نلقي نظرة مختصرة على مسألة أصل الحياة .



      أصل الحياة :

      الذي تستطيع قوله في مسألة أصل الحياة هو أن نطرح السؤال التالي :

      كيف أتت أول الكائنات التي وجدت على الأرض؟

      لقد كان هذا السؤال أحد أكبر المعضلات الشائكة التي واجهت الماديين في القرن الأخير إلى غاية منتصف القرن العشرين .. لماذا يجب أن يكون الأمر هكذا . السبب هو أن الخلية الحية الواحدة والتي تعتبر أصغر وحدة للحياة على درجة من التعقيد لا يمكن مقارنتها بأعظم الإنجازات البشرية وأكثرها تعقيداً، وقد أوضحت قوانين الاحتمال تلك الحالة وبينت أنه حتى ولا البروتين يمكن أن يكون قد أتى إلى الوجود بالصدفة، وإذا كان يصح هذا بشأن البروتينات وهي القطع البناءة الأكثر للخلايا، فإن التشكل الكامل للخلية بالصدفة هو أمر مستحيل تماماً ولا يمكن أن يخطر على بال . وطبعاً هذا برهان على الخلق .

      لقد ناقشنا هذا الموضوع بشيء من التفصيل في كتبنا الأخرى لذلك سنقدم هنا بعض الأمثلة البسيطة .

      بيّنا في بداية هذا الكتاب كيف أن التشكل بالصدفة للتوازنات التي سادت الكون ليست ممكنة، وسوف نبين الآن أن الاستحالة تصح أيضاً بشأن التشكل بالصدفة حتى في أبسط أشكال الحياة وهي البكتريا .

      إن أول دراسة على هذا الموضوع قام بها (روبيرت شابيرو) أستاذ الكيمياء والخبير في موضوع الدنا (DNA) في جامعة نيويورك، و(شابيرو) وهو دارويني وتطوري في آن واحد وقد حسب الاحتمال لألفين من نماذج البروتينات والتي تأخذ تلك البروتينات لتشكل حتى بكتيريا بسيطة واحدة، وذلك بفرض أنها أتت كلها بالصدفة، ويجب أن نذكر هنا أن جسم الإنسان يحتوي على حوالي مئتي ألف نموذج منها، وطبقاً لحسابات (شابيرو)كان الاحتمال هو (10 40000)[2].

      أي العدد واحد متبوعاً بأربعين ألفاً من الأصفار، وطبعاً لا يوجد لهذا الاحتمال أو الرقم مكافئ في هذا الكون .

      وبالتأكيد يبدو واضحاً ماذا يعني رقم (شابيرو) . فتفسير الدراوينية والمادية للحياة أنها تطورت بالصدفة باطل بالتأكيد ولا أساس له من الصحة، وقد علق (شاندرا ويكرامانسيغ ) أستاذ الراياضيات التطبيقية والفلك في جامعة كاردف على نتائج ( شابيرو) وقال :

      " احتمال التشكل التلقائي للحياة من مادة ميتة هو واحد إلى عدد (10 40000) وأصفار بعدها، فهذا الرقم كبير بشكل يكفي لدفن الداروينية وكل نظرية التطور وبالتالي لم يكن هناك سائل بدائي لا على هذا الكوكب ولا على غيره، وإذا كانت بدايات الحياة ليست عشوائية فمعنى ذلك أنها نتاج عقل ذكي هادف " [3]

      ولقد علق الفلكي (فريد هويل ) على هذه النقطة بطريقة مماثلة لشابيرو فقال : " في الحقيقة كيف لنظرية علمية واضحة جداً تقول أن الحياة جمعها عقل ذكي ومع ذلك فإن الشخص يتعجب ويتساءل، لماذا لا يقبلها بشكل واسع باعتبارها بديهية ‍‍‍…لكن أغلب الظن أن الأسباب نفسية أكثر منها علمية .[4].

      يعتبر كلا العالمين (ويكرامايسنغ )و (هويل) من الرجال الذين قربوا من خلال أعمالهم الكثيرة العلم من النزعة المادية، ولكن عندما واجهتهم حقيقة خلق الحياة كان لديهم الشجاعة بقبول تلك الحقيقة، واليوم يوجد كثير من علماء الأحياء كان لديهم الشجاعة بقبول تلك الحقيقة، واليوم يوجد كثير من علماء الأحياء والكيمياء الحيوية ممن تخلوا عن القصة الخيالية، وهي أن الحياة انبثقت بالصدفة، أما أولئك الذين ما زالوا موالين للدراوينية ويجادلون بأن الحياة ما هي إلا نتيجة صدفة فهم في الحقيقة في حالة رعب كما قلنا في بداية هذا الفصل، وهذا بالضبط ما كان يقصده عالم الكيمياء الحيوية (ميشيل بيهي ) عندما قال :

      " لقد كانت نتيجة التحقق من أن الحياة صممت من قبل عقل ذكي هو صدمة لنا في القرن العشرين، حيث كلنا نظن أن الحياة ما هي إلا نتيجة قوانين طبيعية بسيطة " [5]

      والصدمة التي شعر بها هؤلاء هي صدمة الوصول إلى العبارات فيها حقيقة وجود الله الذي خلقهم .

      لقد كان سقوط قضية أنصار المادية أمراً محتوماً ذلك بأنهم كانوا يناضلون لينكروا حقيقة لم يكونوا يرونها بوضوح، وفي القرآن الكريم وصف الله حيرة هؤلاء وارتباك الذين يعتقدون بالمادية كما يلي :

      (وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ {7} إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ {8} يُؤْفَكُ عَنْهُ من أفك {9} قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ {10} الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ {11}يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ {12} يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ {13} ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ {14}) الذاريات .

      وواجبنا نحن عند هذه النقطة أن ندعو هؤلاء الذين تأثروا بالفلسفة المادية، وتخطوا حدود العقل أن يعودوا إلى العقل والفطرة السليمة و الحكم على الأشياء بصورة سليمة، كما يجب علينا أن ندعوهم ليدعوا جانباً كل حقد واجحاف وليفكروا في التصميم غير العادي للكون والحياة، وأن يقبلوا هذا البرهان البسيط لحقيقة أن الله هو الخالق .. الخالق المبدع لكل شيء ويدعو البشر الذين خلقهم ليجربوا عقولهم ويتفكروا .

      وقال تعال : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (يونس:3) .

      وفي آية أخرى يخاطب الله الناس بما يلي :

      وقال تعالى :(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (النحل:17) .

      لقد برهن العلم الحديث على حقيقة الخلق، وحان الوقت لكل عالم أن يرى هذه الحقيقة وأن يستنبط منها درساً، وإلى هؤلاء الذين ينكرون أو يتجاهلون وجود الله يجب أن يعرفوا مدى عمق ضلالهم وبعدهم عن الطريق الصحيح، لأنهم الحقيقة ويتظاهرون بأنهم يفعلون ذلك باسم العلم .

      من ناحية أخرى . بهذه الحقيقة التي وضحها العلم درسٌ آخر يجب أن نعلمه لهؤلاء الذين قالوا أنهم صاروا يعترفون أن الله خلق هذا الكون، وهذا الدرس هو أنه ربما كان اعتقادهم سطحياً أو ظاهرياً، وأنهم لا يفكرون بعمق وشمولية بالدليل على خلق الله للكون ويتجاهلون ما يترتب على ذلك من نتائج وعواقب .. وتقاعسوا عن تلبية المسؤوليات المترتبة على إيمانهم . ولقد وصف القرآن أمثال هؤلاء الناس كما يلي :

      ({83} قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {84} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ {85} قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ {86} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ {87} قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {88} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ {89}.( سورة المؤمنون ).

      لقد وصلنا إلى حقيقة وهي أن الله موجود وأن كل ما في الوجود هو من خلق الله وأن يبقى المرء لا مبالياً تجاه تلك الحقيقة هو نوع من الضلال والغفلة . هو الله الذي خلق الكون والعالم الذي نعيش فيه بانسجام وتكامل بعد أن أوجدنا من العدم، والواجب الملقى على عاتق كل شخص أن يحترم أعظم حقيقة هامة في حياته .

      فالأرض والسماء وكل شيء بينهما خلقت بأمر الله الأسمى، وعلى البشرية معرفة الله حق المعرفة وعبادته كما يستحق باعتباره سيداً مشرفاً أسمى، وهذه الحقيقة وضحها لنا الله في قرآنه الكريم فقال : (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم:65)


      المصدر : كتاب خلق الكون تأليف الكاتب التركيب هارون يحيى .


      --------------------------------------------------------------------------------

      [1] JEREMY Rifkin .New York:The viking press .1983.p.114.

      [2] Robert Shapiro .Origins :Asceptice Guide to the creation of life on earth .New York. Summit Books,1986.p.127.

      [3] Fred Hoyle .chandra wickramasinghe evolution from space .New York .Simon and schuster.1984.p.148.

      [4] Fred Hoyle .chandra wickramasinghe .evolution from space .p.130.

      [5] Michal behe .Darwin .s box :The Biochemicale challenge to evolution .new york .The free .1996.p.252-53.
    • الفارقليط



      الفارقليط


      قال الله تعالى : (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) (الصف:6) .

      لقد ورد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في كتب النصارى في عدة، منها ما جاء في إنجيل يوحنا(11) في قول عيسى عليه السلام وهو يخاطب أصحابه : "لكني أقول لكم إنه من الخير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي (الفارقليط)."(خ) وكلمة "المعزي" أصلها منقول عن الكلمة اليونانية (باراكلي طوس) المحرفة عن الكلمة (بيركلوطوس) التي تعني محمد أو أحمد. "إن التفاوت بين اللفظين يسير جداً ، وإن الحروف اليونانية كانت متشابهة ، وإن تصحيف "بيركلوطوس" إلى "باراكلي طوس" من الكاتب في بعض النسخ قريب من القياس ، ثم رجح أهل التثليث هذه النسخة على النسخ الأخرى."(12) جـ) وهناك إنجيل اسمه إنجيل "برنابا" استبعدته الكنيسة في عهدها القديم عام 492م بأمر من البابا جلاسيوس ، وحرّمت قراءته وصودر من كل مكان، لكن مكتبة البابا كانت تحتوي على هذا الكتاب. وشاء الله أن يظهر هذا الإنجيل على يد راهب لاتيني اسمه "فرامرينو" الذي عثر على رسائل "الإبريانوس" وفيها ذكر إنجيل برنابا يستشهد به، فدفعه حب الاستطلاع إلى البحث عن إنجيل برنابا وتوصل إلى مبتغاه عندما صار أحد المقربين إلى البابا "سكتش الخامس" فوجد في هذا الإنجيل أنه سَيُزعم أن عيسى هو ابن الله وسيبقى ذلك إلى أن يأتي محمد رسول الله فيصحح هذا الخطأ. يقول إنجيل برنابا في الباب "22": " وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله ". وقد اسلم فرامرينو وعمل على نشر هذا الإنجيل الذي حاربته الكنيسة بين الناس .[1]

      · ويقول مطران الموصل السابق الذي هداه الله للإسلام ، وهو البروفيسور عبد الأحد داود الآشوري (في كتابه : محمد في الكتاب المقدس)(19) : إن العبارة الشائعة عند النصارى : " المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض السلام ، وبالناس المسرة " لم تكن هكذا ، بل كانت : " المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض إسلام ، وللناس أحمد " هـ.[2]

      وفي إنجيل متى(31) جاء ما يلي: " قال لهم يسوع(32) أما قرأتم قط في الكتب. الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية. من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا. لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره ".(ط) وهذا معناه أن الرسالة تنتقل من بني إسرائيل إلى أمة أخرى ، فيكون الرسول المبشر به من غير بني إسرائيل .[3]



      --------------------------------------------------------------------------------

      [1] نقلا عن كتاب البشارات للشيخ الزنداني ص12: 14

      [2] نقلا عن كتاب البشارات للشيخ الزنداني ص12: 14

      [3] نقلا عن كتاب البشارات للشيخ الزنداني ص22 .
    • فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون



      فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون


      قال تعالى: حكاية عن هدي يوسف عليه السلام في عالم الاقتصاد وادخار الأقوات، فهو أمين على مصالح شعبه، حريص على توفير الأقوات لهم في الحاضر والمستقبل لأنهم رعيته، والله سيسأل يوم القيامة كل راع عن رعيته …

      قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام: ) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ([1].

      في الآية الكريمة دعوة صريحة للإنسان أن يزرع بعناية ورعاية ودأب، وأن يحاول توفير ما يفيض عن الحاجة لمواجهة الظروف الطارئة، كما وجهت الآية الكريمة النظر إلى اتخاذ كافة وسائل العلم لتخزين فائض الإنتاج بحيث يظل طوال مدة حفظه في حالة سليمة وصالحة للاستهلاك.

      " وأثبت العلم الحديث أن أفضل وسيلة للحفاظ على الحبوب هو تركها في سنابلها لتحافظ على رطوبتها الطبيعية، وتمنع تأثير الجو على الحبوب مباشرة، وهذا سبق علمي للقرآن، وأحد الأدلة التي لا تحصى على أنه من لدن عليم خبير"[2].



      --------------------------------------------------------------------------------

      [1] يوسف: الآية (47).

      [2] عالم النبات في القرآن الكريم: د. عبد المنعم فهيم الهادي و د. دينا محسن بركة، ص22
    • جئنا بكم لفيفاً



      جئنا بكم لفيفاً



      قال تعالى :(وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً) (الاسراء:104)

      كلمة لفيف تعني الشيء المجتمع و الملتف من كل مكان و اللفيف ؛ القوم يجتمعون من قبائل شتى ليس أصلهم واحدا، واللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى، واللفيف الجَمْع العظيم من أخلاط شتى فيهم الشريف والدنيء والمطيع والعاصي والقوي والضعيف[1] .

      و هذه الآية هي من الإعجاز الغيبي الذي جاء به القرآن الكريم و تدل على أن من علامات قرب قيام الساعة هو إجتماع اليهود في مكان واحد و لم يجتمع اليهود في التاريخ في مكان واحد عبر التاريخ إلا في مؤخراً في فلسطين .

      من أنبأ محمداً بهذا إنه الله خالق السماوات و الأرض .
      المصدر :

      كتاب نهاية إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية تأليف خالد عبد الواحد
    • الخنزير رجس مبنى و معنى



      الخنزير رجس مبنى و معنى


      تحريم لحم الخنزير :

      أورد النص القرآني تحريم لحم الخنزير في أربع مواضع : 1ـ قوله تعالى : (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة:173)

      2ـ و قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة:3)

      3ـ و قوله :( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الأنعام:145)

      4ـ و قوله : (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل:115) .

      يقول القرطبي: لا خلاف أن جملة الخنزير محرم إلا الشعر فإنه يجوز الخرازة به .



      الأضرار الصحية لتناول لحم الخنزير

      الفرق بين لحم الخنزير و غيره من اللحوم :
      يحتوي لحم الخنزير على كمية كبيرة من الدهون و يمتاز باندحال الدهن ضمن الخلايا العضلية في اللحمة علاوة على تواجدها خارج الخلايا في الأنسجة الضامة بكثافة عالية.

      في حين أن لحوم الأنعام تكون الدهون فيها مفصولة عن النسيج العضلي و لا تتوضع خلاياه وإنما تتوضع خارج الخلايا و في الأنسجة الضامة .

      و قد أثبتت الدراسات العلمية أن الإنسان عندما يتناول دهون الحيوانات آكلة العشب فإن دهونها تستحلب في أمعائه و تمتص ، و تتحول في جسمه فأن استحلابها عسير في أمعائه و إن جزيئات الغليسرين الثلاثية لدهن الخنزير تمتص هي دون أي تحول و تترسب في أنسجة الإنسان كدهون حيوانية أو خنزيرية .

      و الكولسترول الناجم عن تحلل لحم الخنزير في البدن يظهر في الدم على شكل كولسترول جزئي كبير الذرة يؤدي بكثرة إلى ارتفاع الضغط الدموي وإلى تصلب الشرايين و هما من عوامل الخطورة التي تمهد لاحتشاء العضلة القلبية .و قد وجد البروفيسور roff أن الكولسترول المتواجد في خلايا السرطان الجوالة يشابه الكولسترول المتشكل عند تناول لحم الخنزير .

      و لحم الخنزير غني بالمركبات الحاوية على نسب عالية من الكبريت و كلها تؤثر على قابلية امتصاص الأنسجة الضامة للماء كالإسفنج مكتسبة شكلاً كيسياً واسعاً و هذا يؤدي إلى تراكم المواد المخاطية في الأوتار و الأربطة و الغضاريف بين الفقرات ، و إلى تنكس في العظام .

      و الأنسجة الحاوية على الكبريت تتخرب بالتعفن منتجة روائح كريهة فواحة لانطلاق غاز كبريت الهدروجين . و قد لوحظ أن الآنية الحاوية على لحم الخنزير ، على الرغم من أنها محكمة السد إلا أنه يتعين إخراجها من الغرفة بعد عدة أيام نظراً للروائح الكريهة النتنة و غير المحتملة الناجمة عنها .

      و بالمقارنة فإن لحوماً أخرى مختلفة خضعت لنفس التجربة ، فإن لحم البقر كان أبطأ تعفنا من لحم الخنزير و لم تنطلق منه تلك الروائح النتنة ، و يحتوي لحم الخنزير على نسبة عالية من هرمون النمو و التي لها تأثير أكيد للتأهب للإصابة بخامة النهايات علاوة على تأثيره في زيادة نمو البطن ( الكرش) و زيادة معدل النمو و خاصة نمو الأنسجة المهيأة للنمو و التطور السرطاني .و حسب دراسات roffo فإن تلك الوجبة الدسمة الحاوية على لحم الخنزير تعتبر الأساس في التحول السرطاني للخلايا لاحتوائها على هرمون النمو علاوة على أثرها في رفع كولسترول الدم .

      الأمراض التي ينقلها الخنزير

      لقد حرمت الشريعة الإسلامية لحم الخنزير ، و نفذها المتدينون امتثالاً لأمر الله الخالق سبحانه و طاعة له دون أن يناقشوا العلة من التحريم ، لكن العلماء المحدثين توصلوا إلى نتائج مدهشة في هذا المجال : أليس من المدهش أن نعلم أن الخنزير مرتع خصب لأكثر من 450 مرضاً و بائياً ، و هو يقوم بدور الوسيط لنقل 57 منها إلى الإنسان ، عدا عن الأمراض التي يسببها أكل لحمه من عسرة هضم و تصلب للشرايين و سواها . و الخنزير يختص بمفرده بنقل 27 مرضاً و بائياً إلى الإنسان و تشاركه بعض الحيوانات الأخرى في بقية الأمراض لكنه يبقى المخزن و المصدر الرئيسي لهذه الأمراض : منها الكلب الكاذب و داء وايل و الحمى اليابانية و الحمى المتوهجة و الحميرة الخنزيرية و الإلهاب السحائي و جائحات الكريب و أنفلونزا الخنزير و غيرها.


      المراجع :

      روائع الطب الإسلامي د. محمد نزار الدقر
    • و قالت اليهود عزيرٌ بن الله



      و قالت اليهود عزيرٌ بن الله



      إن من أهم الحقائق التاريخية التي كشف عنها القرآن ، في الإخبار عن غيب الماضي ، والتي تعتبر من غرائب الأخبار ، الإخبار عن أن اليهود زعمت أن عزيرٌ ابن الله .

      و غرابة هذا الخبر في أهل الكتاب كغرابته في غيرهم .


      لقد أخبرنا الله القرآن الكريم أن اليهود تزعم أن عزيراً ابن الله ، فقال تعالى في سورة التوبة (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (التوبة:30)

      أما النصارى فما أنكروا هذا ، و هم لا ينكرونه إلى يومنا هذا ، وهو أمر معروف عنهم قبل الإسلام و بعده .

      و أما اليهود فما يقولون هذا ، و ما كان فيهم من يقول : عزير ابن الله في زمن نزول القرآن ، و إنما هي قالة تاريخية لفئة منهم ، قالتها ثم انقرضت ، كما نقله القرطبي عن النقاش ، و كما هو معروف في كتب اليهود و عقائدهم .

      و لذلك ضرب أعداء الإسلام في الكلام على هذا الموضوع ، و زعموا أن في القرآن من الأخبار عن عقائد اليهود ما ليس في عقائدهم ، و قال اليهود منهم : إن القرآن يقولنا ما لم نقل في كتبنا و لا في عقائدنا .

      إلى أن جاء العصر الحديث ، و كشف المعرفة التاريخية لعقائد بعض قدماء المصريين ما أثبت هذا الخبر القرآني ، ليكون الآية الناطقة ، و الحجة البالغة ، الدالة على أن هذا القرآن من عند الله و ليس من صنع البشر.

      قال صاحب مجلة الغراء : في سورة التوبة نقرأ هذه الآية : ( و قالت اليهود عزير ابن الله ، وقالت النصارى المسيح ابن الله ، ذلك قولهم بأفواههم ، يضاهئون قول الذين كفروا من قبل ، قاتلهم الله أنى يؤفكون ) .

      قال : فصدر هذه الآية و هو قوله تعالى : ( و قالت اليهود عزير ابن الله ) يتضمن من وقائع التاريخ ، و حقائق العلم ، أمراً لم يكن أحد يعرفه على وجه الأرض في عصر نزول القرآن .

      ذلك أن اسم عزير ، لم يكن معروفاً عند بني إسرائيل إلا بعد دخولهم مصر ، و اختلاطهم بأهلها ، و اتصالهم بعقائدها ووثنيتها .

      قال : و اسم عزير ، لم يكن معروفاً عند بني إسرائيل إلا بعد دخولهم مصر ، و اختلاطهم بأهلها ، و اتصالهم بعقائدهم ووثنيتها .

      قال : واسم " أوزيرس" كما ينطق به الإفرنج ، أو " عوزر " كما ينطق به قدماء المصريين .

      و قدماء المصريين منذ تركوا عقيدة التوحيد ، و انتحلوا عبادة الشمس ، كانوا يعتقدون في " عوزر " أو " اوزيرس" أنه ابن الله .

      و كذلك بنو إسرائيل في دور أدوار حلولهم في مصر القديمة ، استحسنوا هذه العقيدة عقيدة أن عوزر ابن الله ، وصار اسم أوزيرس أو عوزر من الأسماء المقدسة التي طرأت عليهم من ديانة قدماء المصريين ، وصاروا يسمون أولادهم بهذا الأسم الذي قدسوه ضلالاً و كفراً ، فعاب الله عليهم ذلك في القرآن الحكيم ، و دلهم على هذه الوقائع من تاريخهم الذي نسيه البشر جميعا .

      قال صاحب مجلة الفتح : إن اليهود لا يستطيعون أن يدعوا في وقت من الأوقات أن اسم عزير ، كان معروفاً عندهم قبل اختلاطهم بقدماء المصريين ، و هذا الاسم في لغتهم من مادة " عوزر " و هي تدل على الألوهية ، ومعناه : الإله المعين ، و كانت بالمعنى نفسه عند قدماء المصريين في اسم عوزر أو اوزيرس ، الذي كان عندهم في الدهر الأول بمعنى الأول بمعنى الإله الواحد ، ثم صاروا يعتقدون أنه ابن الله ، عقب عبادة الشمس .

      و اليهود أخذوا منهم هذا الإسم في الطور الثاني ، عندما كانوا يعتقدون أن أوزيرس ابن الله .

      قال : فهذا سر من أسرار القرآن ، لم يكتشف إلا بعد ظهور حقيقة ما كان عليه قدماء المصريين ، في العصر الحديث ، و ما كان شيء من ذلك معروفاً في الدنيا عند القرآن .

      حتى إن أعداء الإسلام كانوا يصوغون من جهلهم بهذه التاريخية شبهة يلطخون بها وجه الإسلام ، و يطعنون بها في القرآن ، فقال اليهود : إن القرآن يقولنا ما لم نقل في كتبنا و لا في عقائدنا ، و أتى دعاة النصرانية منهم ، بما شاء لهم أدبهم من السب و الطعن و الزراية بالقرآن ، و دين الإسلام ، و نبي الإسلام " [1]

      و قال الإمام القرطبي في قوله تعالى : ( و قالت اليهود ) قال : هذا لفظ خرج على العموم، و معناه الخصوص ، لأنه ليس كل اليهود قالوا ذلك ، وهذا مثل قوله تعالى : ( الذين قال لهم الناس ) و لم يقل ذلك كل الناس .

      قال النقاش : لم يبق يهودي يقولها ، بل انقرضوا ، فإذا قالها واحد ، تلزم الجماعة شنعة المقالة ، لأجل نباهة القائل فيهم ، و أقوال النبهاء أبداً مشهورة في الناس ، يحتج بها ، فمن ها هنا صح أن تقول الجماعة قول نبيهها و الله أعلم [2].

      و بهذه المعجزة الغيبية ، عن أمر تاريخي قديم ، كان الناس يجهلونه جهلاً تاماً عند نزول القرآن ، مما يدلنا دلالة قاطعة على أن هذا الكلام إنما هو كلام عالم الغيب و المحيط به ، لا كلام أمي ، لا علم له بهذه الحقيقة التاريخية ، بل لم يكن كلام أحد من البشر في ذلك الوقت ،لأن الجميع كانوا يجهلون هذا و لا سيما أن أهل الكتاب من اليهود كانوا ينكرونه .


      المصدر : كتاب إعجاز القرآن تأليف الأستاذ محمد حسن هيتو

      [1] عن مناهل العرفان 2/382

      [2] القرطبي 8/117
    • آيات الله في السماوات و الأرض



      آيات الله في السماوات و الأرض



      قال تعالى في كتابه العزيز :

      (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (يونس:101).

      هـــذا الـكـــون

      تبعد الأرض التي نعيش عليها عن الشمس ، التي تبلغ درجة الحرارة على سطحها 12ألف درجة فهرنهيت ، بمقدار يبلغ 92 مليون ونصف مليون ميل ، وتبعد عن القمر بمقدار 240 ألف ميل . وهذه الأبعاد هي التي تكفي لتهيئة البيئة الصالحة للحياة بالصورة التي تعرفها على الأرض ، إذ لو قربت الأرض عن ذلك لاحترقت الأحياء التي عليها في التو واللحظة ، وانعدمت منها كل مظاهر الحياة ، ولو بعدت الشمس أكثر من ذلك لأصاب التجمد ، ثم الموت ، كل كائن حي على الأرض . ولو قرب القمر أو بعد عن ذلك ، لغمر المدّ القارات بالماء ، ولأهلك الجزر الأحياء ، ومن قوة جاذبيته تفتت الجبال والتلال ، وتلاشت الحياة .

      و تدور الأرض على محورها بسرعة ألف ميل في الساعة ، أي بما يعادل مرة كل أربع وعشرين ساعة . ولو قل معدل دورانها عن ذلك ، لطال النهار بما قد يؤثر في النبات والأحياء صيفاً ، وطال الليل بما قد تتجمد بسببه السوائل شتاءً ، وبذلك تقل مسببات الحياة ، والتي لو زادت لانعدم شيئا فشيئا.

      و إذا زاد سمك قشرة الأرض عما عليه قليلاً ، لنقض الأوكسجين ، وقلّت فرص الحياة . فإذا فرضنا أن سمك القشرة الأرضية زاد بمقدار عشرة أقدام ، لانعدمت بانعدام الأكسجين الذي إذا زاد زيادة طفيفة ، لسبب فناء العالم ، بما يسببه من اختلال في كثافة الهواء .. فتتهاوى الكواكب والأجرام .إن من يسكنون بجوار البحار والمحيطات ، أو يضطرون إلى الحياة بجوارها ، يقومون بعملية معقدة لتبخير هذا الماء ثم تكثيفه ، لاستبعاد الملح الذي به ، ليكون بذلك صالحاً للشرب . ولطالما تمنوا أن تكون هذه المياه المالحة حلوة كمياه الأنهار ، فلو أن أمنيتهم تحققت ، وصارت المياه كلها خلوة ، لصارت عفنا منتشراً، ولانتهت الحياة على سطح الأرض ، وأصبحت خرابا ً قفراً . فمياه المحيطات والبحار مياه واقفة أو مقفلة ، والملح فيها مادة حافظة تمنع عنها التعفن والعطن . انظر إلى الدورة المائية في الأرض ، تجد أنها خلقت بإحكام وقدر ، فالشمس تبخر مياه البحار والمحطات التي تعتبر مستودعا لا ينفد من المياه المحفوظة ، فتصعد إلى الطبقات الباردة في السماء فتتكاثف لتسقط مياهاً حلوة تجري في الأنهار ، تسقي الزرع والضرع ، وتمد الكون بالحياة .

      فهل هذا نشأ مصادفة ؟ وانظر دوران الأرض حول نفسها ، وحول الشمس ، وميل محورها البالغ 23درجة ، وكيف تتكون فصول السنة التي تتغير من برد قارص إلى ربيع معتدل ، ثم صيف حار وخريف مقبول . لو كان المحور معتدلاً لم تدور الأرض حول نفسها ، و لتجمعت قطرات المياه المتبخرة من المحيطات والبحار ونزلت في مكانين محددين في الشمال والجنوب ، وكونت قارات من الجليد ولظل الصيف دائما والشتاء إلى الأبد ، ولهلك الناس والحياة والأحياء ، فهل ذلك نشأ مصادفة ؟

      عظمة الكون

      وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (الذريات:47)

      يقول العالم بليفن في كتابه ( العلم ينظر إلى السماء ) : إن الكون أرحب وأعظم مما كنا نتخيله ، وإن الأجزاء النائية من الكون تندفع في الفضاء بعيداً بسرعة مخيفة .

      و قد انتهى رأي علماء الفلك إلى أنَّ ما بين النجوم فضاءً تاماً ، والحقيقة أنه ممتلئ بالغازات والمواد المختلفة ، وفي السماء سحب غازية سابحة في الفضاء ، يبلغ قطر كل منها نحوا من ستة آلاف مليون ميل . والشمس والكواكب السيارة التي تدور حولها جميعها حديثة العمر بحسب التقدير الفلكي ، فإن الكواكب السيارة لا يزيد عمرها كثيراً على ثلاثة آلاف مليون من السنين .

      و يقول بلفن كذلك : إن الكون كله بنجومه المختلفة الأحجام التي لا حصر لها ، والتي تندفع في جميع الاتجاهات كأنها شظايا قنبلة متفجرة ، صورة لا يكاد المرء يتخيلها حتى يدركه الانبهار ر وتنقطع أنفاسه ، ولكن يبدوا أن الأجدر بأن يبهر ويقطع الأنفاس هو رؤية هذا الكائن البشري الضئيل ، الذي يعيش على شظية من شظايا نجم صغير ، في زاوية حقير من زوايا مجرة لا تختلف شيئا عن الملايين من أمثالها ، هذا الكائن يجرؤ عل أن يسمو ببصره إلى أطراف الفضاء ، يجرؤ فيتحدى ثم يجرؤ فيحاول أن يعرف الكون .

      و يقو ل الفلكيون أن من هذه النجوم والكواكب التي تزيد على عدة بلايين نجم ، ما يمكن رؤيته بالعين المجردة وما لا يرى إلا بالمجاهر والأجهزة ، وما يمكن أن تحس به الأجهزة دون أن تراه ، هذه كلها تسبح في الفلك الغامض ، ولا يوجد أي احتمال أن يقترب مجال مغناطيسي لنجم من مجال منن مجال نجم آخر ، أو يصطدم كوكب بآخر إلا كما يحتمل تصادم مركب في البحر الأبيض المتوسط بآخر في المحيط الهادي يسيران في اتجاه واحد ، وهو احتمال بعيد وبعيد جداً ، إن لم يكن مستحيلاً .

      يقرر العلم أن سرعة الضوء هي 186 ألف ميل في الثانية ، ومن النجوم ما ترسل ضوءها فيصل إلينا في دقائق ، ومنها ما سيصل في شهور وهناك نجوم أرسلت ضوءها و أمكن معرفة ذلك بأجهزة خاصة من ملايين السنين ولم يصل إلينا ضوءها بعد . فكم بذلك يبلغ اتساع الكون ؟

      و يحيط بالكرة الرضية غلاف جوي يبلغ سمكه مائة ميل ، ويتكون من مزيج من الأكسيجين والآزوت وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء والأزون وغازات أخرى ممتزجة بنسب ثابتة ، وأي تغيير في هذه النسب زيادة أو نقصان يسبب فقدان الحياة والأحياء .

      يبلغ الضغط الجوي 14,7 رطلا على البوصة المربعة عند سطح البحر ، وهذا الضغط هو الذي يدفع الأكسجين خلال أغشية الرئة ثم في الدورة الدموية ليتوزع على أجزاء الجسم المتلفة ، وإن أي تغيير طفيف في هذا الضغط يسبب ما قد ينتهي بالموت . وقد وجد بالتجارب أنه حالة الطيران العالي إذا تجاوز الطيار ارتفاع 15 ألف قدم يتعرض لما يسمى بانسداد الشرايين الهوائية ، ثم يموت إذا وصل إلى ارتفاع 25 ألف قدم .



      بعض ما في الكون:

      قال تعالى :أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (سورة ق)



      قال العلامة سينكا : " لا يستطيع المرء أن يرفع بصره نحو السماوات العليا إلا ويغضي إجلالاً ووقاراً ، إذ يرى ملايين من النجوم الزاهرة الساطعة ويراقب سيرها في أفلاكها ويتنقل في أبراجها " .

      و كل نجم وأي كوكب ، وكل سديم وأي سيار ، أنما هو دنيا قائمة بذاتها ، أكبر من الأرض ، وما عليها وما حولها .



      الأرض :

      الأرض كوكب من الكواكب التي تدور حول الشمس وتتبعها في سيرها أينما سارت . وهي الكوكب الخامس من حيث الحجم ، والثالث من حيث القرب من بين الكواكب التسعة التي تتكون منها المجموعة الشمسية .

      و الأرض تكاد تكون كرة ، إلا إنها منبعجة قليلاً عند الاستواء ومفلطحة عند القطبين .و يقدر طول قطر الأرض المار بالقطبين 7900 ميل ، وقطرها الاستوائي 9727 ميلاً ، ومحيط الأرض عند القطبين 24220 ميلاً ، ومحيطها حول خط الاستواء 24900 ميل .

      و مساحة سطحها 200 مليون من الأميال المربعة , ويشغل اليابسة منها نحواً من 50 مليون ميل مربع ، والماء حوالي 150 مليون ميل مربع .

      و هي تدور بنا حول نفسها مرة كل أربع وعشرين ساعة ، فمن كان في المناطق الحارة فهو يتحرك بسرعة معدلها ألف ميل في الساعة أو 16 ميلا في الدقيقة . وتدور حول الشمس في فلك يبلغ محيطه 580 مليون ميل ، فمعدل سرعتها في هذه الحركة يبلع 60 ألف ميل في الساعة ، أو بنحو ألف ميل في الدقيقة , والنظام الشمسي كله بما فيه الأرض ينهب الفضاء نهيا بسرعة لا تقل عن 20 ألف ميل في الساعة ، أي أكثر من 300 ميل في الدقيقة ، متجهة نحو برج هركيوليس .

      أما عمر الأرض فقد بدأ الإنسان تكهناته عنه من آماد بعيدة ففي القرن السابع عشر قال الأسقف جمس أوثر أن العالم بدأ يوم 26 أكتوبر سنة 4004 قبل الميلاد . وجاء في أحد الكتب الهندية المقدسة أن عمر العالم هو 1972949056 سنة , وفي العصر الحديث بدأت الجهود التي يبذلها الفلكيون في المرصد تلتقي عند أدق رقم يمكن أن يعتبر أصح تقدير لعمر الكرة الأرضية .فقد دلت آخر التقديرات القائمة على دراسات فلكية وأبحاث علمية في مراصد ليك ومونت ويلسون وبالومار ، على أن عمر الكرة الأرضية حوالي 54000000000 سنة ، ونسبة الخطأ في تقدير هذا الرقم تقرب من 20% .



      الشـمـس

      أما الشمس فهي كرة من الغازات الملتهبة عمرها 5000 مليون سنة ، قطرها يزيد عن مليون وثلث مليون كيلومتر ، ومحيطها مثل محيط الأرض 325 مرة ، ويبلغ ثقلها 332 ألف ضعف ثقل الأرض ، وتبلغ حرارتها الداخلية 20 مليون درجة مئوية بينما حرارة سطحها نحو 6000 درجة .

      و هذا السطح تندلع منه السنة اللهب إلى ارتفاع نصف مليون كيلومتر . وهي تنثر في الفضاء باستمرار طاقة قدرها 167400 حصان من كل متر مربع ، ولا يصل للأرض منها سوى جزء من 2 مليون جزء ، وهي لا تعتبر إلا نجمة ولكنها ليست في عداد النجوم الكبرى . وسطحها به عواصف وزوابع كهربائية ومغناطيسية شديدة ، والمشكلة التي حيرت العلماء هي أن الشمس كما يؤخذ من علم طبقات الأرض لم تزل تشع نفس المقدار من الحرارة منذ ملايين السنين ، فان كانت فلا شك أن طرقة الاحتراق الجارية فيها غير ما نعهد ونأنف ن و إلا لكفاها ستة آلاف سنة لتحترق وتنفذ حرارتها , وقد زعم البعض أن النيازك والشهب التي تتساقط على سطحها تعوض الحرارة التي تفقد بطريق الإشعاع ،و لقد ثبت مؤخراً أن عملية توليد الطاقة الشمسية هو تحول الوقود الغازي الهدروجيني الموجود بوفرة في الشمس وغير من النجوم إلى غاز الهليوم وذلك خلال سلسلة من التفاعلات النووية المعقدة والتي ينشأ عنها طاقة هائلة جداً لا يمكن تصورها .

      و قد أعلن الدكتور توماس جولد ، نائب مدير مرصد مرينتش ، أن انفجار حدث في الشمس يوم 13 فبراير سنة 1956يعادل القوة الناجمة عن مليون قنبلة هدروجينية ، وأدى هذا الانفجار إلى قذف الأرض بوابل من الإشعاعات الكونية .و قال الدكتور في بيانه : إن الزيادة في الإشعاعات الكونية بدأت في الساعة 3.45 صباحاً بتوقيت جر ينتش ، واستمرت حوالي ساعتين ، وهذه الزيادة التي تعرضت لها الأرض من الإشعاعات الكونية تعتبر أكبر زيادة في التاريخ " ووصف الدكتور الانفجار بأنه حدث في منطقة أكبر من مساحة الكرة الأرضية وأن قوته كانت منن الشدة بحيث لا يمكن أن يدركها العقل البشري في الإشعاع اكوني كان جسم كل رجل وامرأة وطفل وكل كائن حي يتلقى ضعف الكمية العادية من الإشعاع في كافة أنحاء العالم .أما مرصد هارفارد ،ن فقد أذاع بيانا قال فيه الدكتور دونالد ميتزال مدير المرصد أن الانفجار الذي حدث في الشمس ، قد سجلته عدة أفلام بواسطة الكونجراف ، وهو جهاز لتسجيل الشعلات النارية والضوئية الخارجة من الشمس وأتضح أن قوة الانفجار الذي حدث يعادل انفجار 100 مليون قنبلة هيدروجينية دفعة واحدة ، وأن قوتها تزيد ألف مرة على الجاذبية الأرضية .


      المصدر : كتاب " الله والعلم الحديث " بقلم عبد الرزاق نوفل ط: دارالناشر العربي الطبعة الثالثة 1393هـ
    • طائر البوم Tytonidae



      آيات عظمة الله في

      طائر البوم Tytonidae



      قال تعالى :(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (الأنعام:38)

      نظرة العرب إلى البوم أو الهامة :

      ورد في التراث " اتبع البوم يدلك على الخراب " و من أساطير العرب قبل الإسلام إنه ليس من ميت يموت و لا قتيل يقتل إلا و تخرج من رأسه هامة فإن كان قتل و لم يؤخذ بثأره

      نادت الهامة على قبره : اسقوني فإني صدية .

      و كانت العرب تنظر إلى البوم على أنه طائر الشؤم و تتشائم به ، و هنا قصة مشهورة رويت عن المأمون :

      أشرف الخليفة المأمون يوماً من قصره فرأى رجلاً قائماً و بيده فحمة يكتب بها على حائط القصر ، فقال المأمون لبعض خدمه اذهب إلى ذلك الرجل و انظر ما يكتب و ائتني به فبادر الخادم إلى الرجل مسرعاً و قبض عليه و تأمل ما كتبه فإذا هو :

      يا قصر جمع فيه الشــوم و اللـوم

      متى يعشش في أركانـك البـــــوم

      يوم يعشش فيك البوم من فرحي

      أكـون أول ما ينعيـــك مرغــــوم

      و لما مثل بين يدي المأمون ن قال له ويلك ما حملك على هذا ؟

      قال مررت على هذا القصر العامر و أنا جائع فقلت في نفسي : لو كان خراباً لم أعدم منه رخامة أو خشبة أو مسماراً أبيعه و أتقوت بثمنه ، فأمر له المأمور بألف دينار يأخذها كل عام مادام القصر عامراً بأهله .

      و لما بعث النبي صلى الله عليه و سلم وسأل عن الهامة قال : " لا عدوى و لا طيرة و لا هامة ".

      و قد اثبت العلم ما ذهبت إليه السنة من نفي الشؤم عن البوم أو الهامة فقد تبن أن البوم في غاية الأهمية للبيئة ،و قد جعلها الله مع غيرها من الحيوانات صمام الأمان الذي ينظم أعداد القوارض في البيئة فهي تأكل الفئران و الجرذان و الأفاعي و الحشرات و العصافير حيث تصيد حوالي 5000 فأر في السنة الواحدة و طريقة صيد بعض أنواع البوم تعد هادفة متخصصة فهي تختار من الأرانب الأفراد الضعيفة و المريضة فتحدد التكاثر و تمنع انتشار المرض فعندما أنتشر وباء الأرانب في أوربا في أوائل الخمسينات من القرن العشرين سلمت أرانب جنوب أسبانيا من الوباء ، فتبين أن وراء ذلك أنواع من البوم المفترس كانت تكثر في تلك البيئة فإذا تذكرنا أن البوم يصيد 15 فأراً يومياً فكم هي الفائدة كبيرة التي تعود على الإنتاج الزراعي .

      المرجع :

      مقالة للدكتور أسعد الفارس عن مجلة التقدم العلمي العدد الأربعون ديسمبر 2002م
    • الجانب العلمي في تحنيك المولود



      الجانب العلمي في تحنيك المولود



      تحنيك المولود و ما فيه من إعجاز علمي

      لقد اهتم الإسلام اهتماماً عظيماً برعاية الطفولة و الأمومة في مراحلها كلها اهتماماً لا يدانيه ما تتحدث عنه منظمات الأمم المتحدة و حقوق الإنسان و المنظمات الصحية العالمية .

      و لا تبدأ رعاية الطفولة منذ لحظة الولادة ، بل تمتد هذه الرعاية منذ لحظة التفكير في الزواج . فقد أمر صلى الله عليه و سلم باختيار الزوج و الزوجة الصالحين ، و قد اهتم الإسلام اهتماماً عظيماً بسلامة النسل و بكيان الأسرة القوي ، ليس فقط من الجانب الأخلاقي ، إنما ضم إليه الجوانب الوراثية الجسدية و النفسية . تستمر هذه الرعاية و العناية في مرحلة الحمل و عند الولادة والرضاع و مراحل التربية والتنشئة التالية . و من مظاهر هذا الاهتمام تحنيك المولود .

      بعض الأحاديث الواردة في التحنيك :

      أخرج البخاري في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما( أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة . قالت : خرجت و أنا متم [‏أي قد أتممت مدة الحمل الغالبة وهي تسعة أشهر] فأتيت المدينة فنزلت قباء فولدت بقباء ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه و سلم فوضعه في حجره ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم حنكه بالتمر ، ثم دعا له فبرَّك عليه ......)

      و في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال : ( ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه و سلم ، فسماه إبراهيم و حنكه بتمرة . و زاد البخاري :" و دعا له بالبركة و دفعه إلي " ).

      التفسير العلمي :

      إن مستوى السكر " الجلوكوز" في الدم بالنسبة للمولودين حديثاً يكون منخفضاً ، و كلما كان وزن المولود أقل كلما كان مستوى السكر منخفضاً .

      و بالتالي فإن المواليد الخداج [وزنهم أقل من 5,2 كجم] يكون منخفضاً جداً بحيث يكون في كثير من الأحيان أقل من 20 ملليجرام لكل 100 ملليلتر من الدم . و أما المواليد أكثر من 5,2 كجم فإن مستوى السكر لديهم يكون عادة فوق 30 ملليجرام .

      و يعتبر هذا المستوى ( 20 أو 30 ملليجرام ) هبوطاً شديداً في مستوى سكر الدم ، و يؤدي ذلك إلى الأعراض الآتية :

      1-أن يرفض المولود الرضاعة .

      2-ارتخاء العضلات .

      3-توقف متكرر في عملية التنفس و حصول ازرقاق الجسم .

      4- اختلاجات و نوبات من التشنج .

      و قد يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة مزمنة ، و هي :

      1-تأخر في النمو .

      2-تخلف عقلي .

      3-الشلل الدماغي .

      4-إصابة السمع أو البصر أو كليهما .

      5-نوبات صرع متكررة ( تشنجات ) .

      و إذا لم يتم علاج هذه الحالة في حينها قد تنتهي بالوفاة ، رغم أن علاجها سهل ميسور و هو إعطاء السكر الجلوكوز مذاباً في الماء إما بالفم أو بواسطة الوريد .

      المناقشة :

      إن قيام الرسول صلى الله عليه و سلم بتحنيك الأطفال المواليد بالتمر بعد أن يأخذ التمرة في فيه ثم يحنكه بما ذاب من هذه التمرة بريقه الشريف فيه حكمة بالغة . فالتمر يحتوي على السكر " الجلوكوز " بكميات وافرة وخاصة بعد إذابته بالريق الذي يحتوي على أنزيمات خاصة تحول السكر الثنائي " السكروز " إلى سكر أحادي ، كما أن الريق ييسر إذابة هذه السكريات ، و بالتالي يمكن للطفل المولود أن يستفيد منها .

      و بما أن معظم أو كل المواليد يحتاجون للسكر الجلوكوز بعد ولادتهم مباشرة ، فإن إعطاء المولود التمر المذاب يقي الطفل بإذن الله من مضاعفات نقص السكر الخطيرة التي ألمحنا إليها .

      إن استحباب تحنيك المولود بالتمر هو علاج وقائي ذو أهمية بالغة و هو إعجاز طبي لم تكن البشرية تعرفه و تعرف مخاطر نقص السكر " الجلوكوز " في دم المولود .

      و إن المولود ، و خاصة إذا كان خداجاً ، يحتاج دون ريب بعد ولادته مباشرة إلى أن يعطى محلولاً سكرياً . و قد دأبت مستشفيات الولادة و الأطفال على إعطاء المولودين محلول الجلوكوز ليرضعه المولود بعد ولادته مباشرة ، ثم بعد ذلك تبدأ أمه بإرضاعه .

      إن هذه الأحاديث الشريفة الواردة في تحنيك المولود تفتح آفاقاً مهمة جداً في و قاية الأطفال ، وخاصة الخداج " المبتسرين " من أمراض خطيرة جداً بسبب إصابتهم بنقص مستوى سكر الجلوكوز في دمائهم . و إن إعطاء المولود مادة سكرية مهضومة جاهزة هو الحل السليم و الأمثل في مثل هذه الحالات . كما أنها توضح إعجازاً طبياً لم يكن معروفاً في زمنه صلى الله عليه و سلم و لا في الأزمنة التي تلته حتى اتضحت الحكمة من ذلك الإجراء في القرن العشرين .

      المصدر :

      مقالة للدكتور محمد علي البار
    • وفي الأرض آيات للموقنين



      وفي الأرض آيات للموقنين


      يستهل ربنا‏(‏ تبارك وتعالى ‏)‏ سورة الذاريات بقسم منه ـ وهو سبحانه الغني عن القسم ـ وجاء القسم بعدد من آياته الكونية على أن وعده لعباده وعد صادق‏,‏ وأن دينه الذي أنزله علي فترة من الرسل‏,‏ والذي أتمه في بعثة النبي والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ والذي سماه الإسلام‏,‏ والذي لا يرتضي من عباده دينا سواه لهو حق واقع لاشك فيه‏.‏
      ثم عاود ربنا‏(‏ تبارك اسمه‏)‏ القسم مرة أخري بالسماء ذات الحبك علي أن الناس مختلفون في أمر يوم الدين بين مكذب ومصدق‏,‏ وأن المكذبين الذين شغلتهم الحياة الدنيا عن التفكير في مصيرهم بعد الموت يصرفون عن حقيقة هذا اليوم الرهيب‏,‏ ثم تعرض الآيات لمصير كل من المكذبين والمصدقين بالآخرة‏,‏ كما تعرض لعدد من صفات كل من الفريقين‏,‏ ثم تعاود السورة في سياقها الاستدلال بعدد من الآيات الكونية الأخرى في الأرض وفي الأنفس وفي الآفاق علي أن وحي الله‏(‏ تعالى ‏)‏ إلي عباده في القرآن الكريم حق مطلق يجب علي الناس تصديقه كما يصدقون ما ينطقون هم أنفسهم به‏...!!!‏
      ومن هذه الآيات الكونية التي استشهد بها الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ علي صدق وحيه في آخر رسالاته وكتبه قوله‏ (‏ وهو أصدق القائلين‏):‏ (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (الذريات:20) .
      فما هي آيات الله في الأرض الدالة علي طلاقة قدرته‏,‏ وعظيم حكمته‏,‏ واحاطة سلطانه وعلمه؟ ما هذه الآيات التي استشهد بها‏(‏ سبحانه وتعالى‏)‏ ـ وهو الغني عن كل شهادة ـ علي صدق وحيه الذي أنزله علي خاتم أنبيائه ورسله؟ هذا الوحي الذي تعهد‏(‏ سبحانه‏)‏ بحفظه فحفظ علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد بنفس اللغة التي أوحي بها‏(‏ اللغة العربية‏),‏ سورة سورة‏,‏ وآية آية‏,‏ وكلمة كلمة‏,‏ وحرفا حرفا‏,‏ دون أدني زيادة أو نقصان‏,‏ وهذا وحده من أعظم الشهادات علي صدق القرآن الكريم وإعجازه‏,‏ وعلي أنه كلام الله الخالق‏,‏ وعلي صدق الصادق الأمين الذي تلقاه عن ربه‏,‏ وعلي صدق نبوته ورسالته‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه وعلي من تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏)‏

      الدلالة اللغوية لألفاظ الآية الكريمة
      ‏(‏الأرض‏)‏ في اللغة العربية اسم جنس للكوكب الذي نحيا عليه‏,‏ تمييزا له عن بقية الكون‏,‏ والذي يجمع تحت اسم السماوات أو السماء‏,‏ ولفظة‏(‏ الأرض‏)‏ مؤنثة‏,‏ والأصل أن يقال لها‏(‏ أرضة‏)‏ والجمع‏(‏ أرضات‏)‏ و‏(‏أرضون‏)‏ بفتح الراء أو بتسكينها‏,‏ وقد تجمع علي‏(‏ أروض‏)‏ و‏(‏ آراض‏),‏ ولفظة‏(‏ الأراضي‏)‏ تستخدم علي غير قياس‏.‏
      ويعبر‏(‏ بالأرض‏)‏ عن أسفل الشيء‏,‏ كما يعبر بالسماء عن أعلاه‏,‏ فكل ما سفل فهو‏(‏ أرض‏),‏ وكل ما علا فهو سماء‏,‏ ويقال‏:(‏ أرض أريضة‏)‏ أي حسنة النبت‏,‏ زكية بينة الزكاء أو‏(‏ الأراضة‏),‏ كما يقال‏:(‏ تأرض‏)‏ النبت بمعني تمكن علي الأرض فكثر‏,‏ و‏(‏تأرض‏)‏ الجدي إذا تناول نبت‏(‏ الأرض‏),‏ ويقال أيضا‏:(‏الأرض النفضة‏)‏ و‏(‏ الأرض الرعدة‏)‏ أي التي تنتفض وترتعد أثناء حدوث الهزات الأرضية والثورانات البركانية‏.‏
      و‏(‏ الأرضة‏)‏ بفتحتىن دودة‏(‏ دويبة‏)‏ تأكل الخشب‏,‏ يقال‏:(‏ أرضت‏)‏ الأخشاب‏(‏تؤرض‏)(‏ أرضا‏)‏ فهي‏(‏ مأروضة‏)‏ إذا أكلتها‏(‏ الأرضة‏),‏ ولم تسم العرب فاعلا لهذا الفعل‏.‏

      الأرض في القرآن الكريم
      جاء ذكر الأرض في أربعمائة وواحد وستين‏(461)‏ موضعا من كتاب الله‏,‏ منها ما يشير إلي الأرض ككل في مقابلة السماء‏,‏ ومنها ما يشير إلي اليابسة التي نحيا عليها كلها‏,‏ أو إلي جزء منها‏,(‏ واليابسة هي جزء من الغلاف الصخري للأرض وهي كتل القارات السبع المعروفة والجزر المحيطية العديدة‏),‏ ومنها ما يشير إلي التربة التي تغطي صخور الغلاف الصخري للأرض‏.‏
      وفي هذه الآيات إشارات إلي العديد من الحقائق العلمية عن الأرض والتي يمكن تبويبها بإيجاز علي النحو التالي‏:‏
      ‏(1)‏ ـ آيات تأمر الإنسان بالسير في الأرض‏,‏ والنظر في كيفية بدء الخلق‏,‏ وهي أساس المنهجية العلمية في دراسة علوم الأرض‏.‏
      ‏(2)‏ ـ آيات تشير إلي شكل وحركات وأصل الأرض‏,‏ منها ما يصف كروية الأرض‏,‏ ومنها ما يشير إلي دورانها‏,‏ ومنها ما يؤكد علي عظم مواقع النجوم منها‏,‏ أو علي حقيقة اتساع الكون و‏(‏الأرض جزء منه‏),‏ أو علي بدء الكون بجرم واحد‏(‏ مرحلة الرتق‏),‏ ثم انفجار ذلك الجرم الأولي‏(‏ مرحلة الفتق‏),‏ أو علي بدء خلق كل من الأرض والسماء من دخان‏,‏ أو علي انتشار المادة بين السماء والأرض‏(‏ المادة بين الكواكب وبين النجوم وبين المجرات‏),‏ أو علي تطابق كل من السماوات والأرض‏(‏ أي تطابق الكون‏).‏
      ‏(3)‏ ـ آية قرآنية واحدة تؤكد أن كل الحديد في كوكبنا الأرض قد أنزل إليها من السماء إنزالا حقيقيا‏.‏
      ‏(4)‏ ـ آية قرآنية تؤكد حقيقة أن الأرض ذات صدع‏,‏ وهي من الصفات الأساسية لكوكبنا‏.‏
      ‏(5)‏ ـ آيات قرآنية تتحدث عن عدد من الظواهر البحرية المهمة من مثل ظلمات البحار والمحيطات‏(‏ ودور الأمواج الداخلية والسطحية في تكوينها‏),‏ وتسجير بعض هذه القيعان بحرارة عالية‏,‏ وتمايز المياه فيها إلي كتل متجاورة لا تختلط اختلاطا كاملا‏,‏ نظرا لوجود حواجز أفقية ورأسية غير مرئية تفصل بينها‏,‏ ويتأكد هذا الفصل بين الكتل المائية بصورة أوضح في حالة التقاء كل من المياه العذبة والمالحة عند مصاب الأنهار‏,‏ مع وجوده بين مياه البحر الواحد أو بين مياه البحار المتصلة ببعضها البعض
      ‏(6)‏ ـ آيات قرآنية تتحدث عن الجبال‏,‏ منها ما يصفها بأنها أوتاد‏,‏ وبذلك يصف كلا من الشكل الخارجي‏(‏ الذي علي ضخامته يمثل الجزء الأصغر من الجبل‏)‏ والامتداد الداخلي‏(‏ الذي يشكل غالبية جسم الجبل‏),‏ كما يصف وظيفته الأساسية في تثبيت الغلاف الصخري للأرض‏,‏ وفي اتزان دورانها حول محورها‏,‏ وتتأكد هذه الوظيفة في اثنتين وعشرين آية أخري‏,‏ وردت بها كذلك اشارات إلي عدد من الوظائف والصفات الاضافية للجبال من مثل دورانها مع الأرض‏,‏ أو تكوينها من صخور متباينة في الألوان والأشكال والهيئة‏.‏ أو دورها في إنزال المطر‏,‏ وتغذية الأنهار‏,‏ وشق الأودية والفجاج أو في جريان السيول‏.‏
      ‏(7)‏ ـ آيات قرآنية تشير إلي نشأة كل من الغلافين المائي والهوائي للأرض‏,‏ وذلك بإخراج مكوناتهما من باطن الأرض‏,‏ أو تصف الطبيعة الرجعية لغلافها الغازي‏,‏ أو تؤكد حقيقة ظلام الفضاء الكوني الخارجي‏,‏ أو علي تناقص الضغط الجوي مع الارتفاع عن سطح الأرض‏,‏ أو علي تبادل الليل والنهار‏,‏ وعلي رقة طبقة النهار حول نصف الأرض المواجه للشمس‏,‏ أو علي أن ليل الأرض كان في بدء خلقها مضاء كنهارها‏,‏ ثم محي ضوءه‏.‏
      ‏(8)‏ ـ آيات تشير إلي رقة الغلاف الصخري للأرض‏,‏ وإلي تسوية سطحه وتمهيده وشق الفجاج والسبل فيه‏,‏ وإلي تناقص الأرض من أطرافها‏.‏
      ‏(9)‏ ـ آيات تؤكد إسكان ماء المطر في الأرض مما يشير إلي دورة المياه حول الأرض وفي داخل صخورها‏,‏ أو تؤكد علاقة الحياة بالماء‏,‏ أو تلمح إلي امكانية تصنيف الكائنات الحية‏.‏
      ‏(10)‏ ـ آيات تؤكد أن عملية الخلق قد تمت علي مراحل متعاقبة عبر فترات زمنية طويلة
      ‏(11)‏ ـ آيات قرآنية تصف نهاية كل من الأرض والسماوات وما فيهما‏(‏ أي الكون كله‏)‏ بعملية معاكسة لعملية الخلق الأول كما تصف إعادة خلقهما من جديد‏,‏ أرضا غير الأرض الحالية وسماوات غير السماوات القائمة‏.‏
      هذه الحقائق العلمية لم تكن معروفة للإنسان قبل هذا القرن‏,‏ بل إن الكثير منها لم يتوصل الإنسان إليه إلا في العقود القليلة المتأخرة منه عبر جهود مضنية‏,‏ وتحليل دقيق لكم هائل من الملاحظات والتجارب العلمية في مختلف جنبات الجزء المدرك من الكون‏,‏ وأن السبق القرآني في الإشارة إلي مثل هذه الحقائق بأسلوب يبلغ منتهي الدقة العلمية واللغوية في التعبير‏,‏ و الاحاطة والشمول في الدلالة ليؤكد جانبا مهما من جوانب الإعجاز في كتاب الله‏,‏ وهو جانب الإعجاز العلمي‏,‏ ومع تسليمنا بأن القرآن الكريم معجز في كل أمر من أموره‏,‏ إلا أن الإعجاز العلمي يبقي من أنجح أساليب الدعوة إلي الله في عصر العلم والتقنية الذي نعيشه‏.‏
      ومن هنا تتضح أهمية القرآن الكريم في هداية البشرية في زمن هي أحوج ما تكون إلي الهداية الربانية‏.‏ كما تتضح أهمية دراسات الإعجاز العلمي في كتاب الله مهما تعددت تلك المجالات العلمية‏,‏ وذلك لأن ثبات صدق الإشارات القرآنية في القضايا الكونية من مثل إشاراته إلي عدد من حقائق علوم الأرض‏,‏ وهي من الأمور المادية الملموسة التي يمكن للعلماء التجريبيين إثباتها لأدعي إلي التسليم بحقائق القرآن الأخرى خاصة ما يرد منها في مجال القضايا الغيبية والسلوكية‏(‏ من مثل قضايا العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات‏)‏ والتي تمثل ركائز الدين‏,‏ ولا سبيل للإنسان في الوصول إلي قواعد سليمة لها وإلي ضوابط صحيحة فيها إلا عن طريق بيان رباني خالص لا يداخله أدني قدر من التصور البشري‏.‏

      من آيات الله في خلق الأرض وجعلها صالحة للعمران
      الأرض هي أحد أفراد المجموعة الشمسية التي تتكون من تسعة كواكب‏,‏ أساسية‏,‏ يدور كل منها حول نفسه‏,‏ ويجري في مدار محدد له حول الشمس‏,‏ وهناك مدار للكويكبات بين كل من كوكبي المريخ والمشتري يعتقد أنها بقايا لكوكب عاشر قد انفجر‏,‏ وهناك احتمال بوجود كوكب حادي عشر لم يتم كشفه أو رصده بعد‏,‏ ولكن تم التوقع بوجوده بواسطة الحسابات الفلكية‏.‏
      وكواكب المجموعة الشمسية المعروفة لنا هي من الداخل إلي الخارج علي النحو التالي‏:‏عطارد‏,‏ الزهرة‏,‏ الأرض‏,‏ المريخ‏,‏ الكويكبات‏,‏ المشتري‏,‏ زحل‏,‏ يورانوس‏,‏ نبتيون‏,‏ بلوتو‏,‏ بروسوبينا‏(‏ أوبريينا‏).‏
      وهناك بعد ذلك نطق المذنبات التي تدور حول الشمس في مدارات مغلقة أو مفتوحة علي مسافات بعيدة جدا وتعتبر جزءا من المجموعة الشمسية‏.‏
      ويقدر متوسط المسافة بين الشمس وأقرب كواكبها‏(‏ عطارد‏)‏ بحوالي‏58‏ مليون كيلو متر‏(‏ بين‏46‏ مليون‏,69‏ مليون كيلو متر‏),‏ ويقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بحوالي‏150‏ مليون كيلو متر‏,‏ ويبعد بلوتو عن الشمس بمسافة تقدر في المتوسط بحوالي‏6000‏ مليون كيلو متر‏,‏ ويقدر متوسط بعد الكوكب المقترح بروسوبينا بحوالي ضعف هذه المسافة‏(12‏ بليون كيلو متر‏),‏ ويبعد نطاق المذنبات عن الشمس عشرات أضعاف المسافة الأخيرة‏.‏
      وعلي ذلك فالأرض هي ثالثة الكواكب بعدا عن الشمس‏,‏ وهي تجري حول الشمس في فلك بيضاني‏(‏ اهليلجي‏)‏ قليل الاستطالة بسرعة تقدر بحوالي‏30‏ كيلو متر في الثانية‏(29,6‏ كيلو مترا في الثانية‏)‏ لتتم دورتها هذه في سنة شمسية مقدارها‏365,25‏ يوم تقريبا‏,‏ وتدور حول نفسها بسرعة مقدارها حوالي‏30‏ كيلو مترا في الدقيقة‏(27,8‏ كيلو متر في الدقيقة‏)‏ عند خط الاستواء فتتم دورتها هذه في يوم مقداره‏24‏ ساعة تقريبا‏,‏ يتقاسمه ليل ونهار‏,‏ بتفاوت يزيد وينقص حسب الفصول‏,‏ التي تنتج بسبب ميل محور دوران الأرض علي دائرة البروج بزاوية مقدارها ست وستون درجة ونصف تقريبا‏,‏ ويعزي للسبب نفسه تتابع الدورات الزراعية‏,‏ وهبوب الرياح‏,‏ وهطول الأمطار‏,‏ وفيضان الأنهار بإذن الله‏.‏
      والأرض كوكب فريد في كل صفة من صفاته‏,‏ مما أهله بجدارة أن يكون مهدا للحياة الأرضية بكل مواصفاتها‏,‏ ولعل هذا التأهيل هو أحد مقاصد الآية القرآنية الكريمة التي يقول فيها الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ وفي الأرض آيات للموقنين ولعل من أوضح هذه الآيات البينات ما يلي‏:‏

      أولا‏:‏ بعد الأرض عن الشمس‏
      يقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بحوالي مائة وخمسين مليونا من الكيلو مترات‏,‏ وقد استخدمت هذه المسافة كوحدة فلكية للقياس في فسحة الكون‏,‏ ولما كانت كمية الطاقة التي تصل من الشمس إلي كل كوكب في مجموعتها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس‏,‏ وكذلك تتناسب سرعة جريه في مداره حولها‏,‏ بينما يتناسب طول سنة الكوكب تناسبا طرديا مع بعده عنها‏(‏ وسنة الكوكب هي المدة التي يستغرقها في إتمام دورة كاملة حول الشمس‏),‏ اتضحت لنا الحكمة البالغة من تحديد بعد الأرض عن الشمس‏,‏ فقد قدرت الطاقة التي تشعها الشمس من كل سنتيمتر مربع علي سطحها بحوالي عشرة أحصنه ميكانيكية‏,‏ ولا يصل الأرض سوي جزء واحد من بليوني جزء من هذه الطاقة الهائلة‏,‏ وهو القدر المناسب لنوعية الحياة الأرضية‏,‏ ولتنشيط القوي الخارجية التي تعمل علي تسوية سطح الأرض‏,‏ وتكوين التربة‏,‏ وتحريك دورة المياه حول الأرض‏,‏ وغير ذلك من الأنشطة الأرضية‏.‏ ولطاقة الشمس الإشعاعية صور عديدة أهمها‏:‏ الضوء الأبيض‏,‏ والحرارة‏(‏ الأشعة تحت الحمراء‏),‏ والأشعة السينية‏,‏ والأشعة فوق البنفسجية‏,‏ ونسب هذه المكونات للطاقة الشمسية ثابتة فيما بينها‏,‏ وإن اختلفت كمية الإشعاع الساقط علي أجزاء الأرض المختلفة باختلاف كل من الزمان والمكان‏.‏
      وحزمة الضوء الأبيض تتكون من الأطياف السبعة‏(‏ الأحمر‏,‏ والبرتقالي‏,‏ والأصفر‏,‏ والأخضر‏,‏ والأزرق‏,‏ والنيلي‏,‏ والبنفسجي‏)‏ وتقدر نسبتها في الأشعة الشمسية التي تصل إلي الأرض بحوالي ‏38%,‏ ولها أهمية بالغة في حياة كل من النبات والحيوان والإنسان‏,‏ وتبلغ أقصي مدي عند منتصف النهار عموما‏,‏ وعند منتصف نهار الصيف خصوصا‏,‏ لأن قوة إنارة أشعة الشمس لسطح الأرض تبلغ في الصيف ضعفي ما تبلغه في الشتاء‏.‏
      أما الأشعة تحت الحمراء فتقدر نسبتها في أشعة الشمس التي تصل إلي الأرض بحوالي‏53%,‏ ولها دورها المهم في تدفئة الأرض وما عليها من صور الحياة‏,‏ وفي كافة العمليات الكيميائية التي تتم علي سطح الأرض وفي غلافها الجوي‏,‏ الذي يرد عنا قدرا هائلا من حرارة الشمس‏,‏ فكثافة الإشعاع الشمسي والتي تقدر بحوالي‏2‏ سعر حراري علي كل سنتيمتر مربع من جو الأرض في المتوسط يتشتت جزء منها بواسطة جزيئات الهواء‏,‏ وقطرات الماء‏,‏ وهباءات الغبار السابحة في جو الأرض‏,‏ ويمتص جزء آخر بواسطة كل من غاز الأوزون وبخار الماء‏,‏ ومتوسط درجة الحرارة علي سطح الأرض يقدر بحوالي عشرين درجة مئوية وإن تراوحت بين حوالي‏74‏ درجة مئوية تحت الصفر في المناطق القطبية المتجمدة و‏55‏ درجة مئوية في الظل في أشد المناطق والأيام قيظا‏.‏
      أما الأشعة فوق البنفسجية فتقدر نسبتها بحوالي‏9%‏ من مجموع أشعة الشمس التي تصل إلي الأرض وذلك لأن غالبيتها تمتص أو ترد بفعل كل من النطاق المتأين ونطاق الأوزون الذي جعلهما ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ من نطق الحماية للحياة علي الأرض‏,‏ ويقدر ما يصل إلي الأرض من طاقة الشمس بحوالي ثلاثة عشر مليون حصانا ميكانيكيا علي كل كيلو متر مربع من سطح الأرض في كل ثانية وتقدر قيمته ببلايين الدولارات مما لا قبل للبشرية كلها بتحمله أو وفاء شكر الله عليه‏...!!!‏
      ولو كانت الأرض أقرب قليلا إلي الشمس لكانت كمية الطاقة التي تصلها كافية لإحراق كافة صور الحياة علي سطحها‏,‏ ولتبخير مياهها‏,‏ ولخلخلة غلافها الغازي‏.‏
      فكوكب عطارد الذي يقع علي مسافة تقدر بحوالي‏0,39‏ من بعد الأرض عن الشمس تتراوح درجة حرارة سطحه بين‏220‏ درجة مئوية في وجهه المضيء و‏27‏ درجة مئوية في وجهه المظلم‏,‏ وكوكب الزهرة الذي يقع علي مسافة تقدر بحوالي‏0,72‏ من بعد الأرض عن الشمس تصل درجة الحرارة علي سطحه إلي‏457‏ درجة مئوية‏(730‏ درجة مطلقة‏).‏
      وعلي النقيض من ذلك فإن الكواكب الخارجة عن الأرض‏(‏ المريخ‏,‏ المشتري‏,‏ زحل‏,‏ يورانوس‏,‏ نبتيون‏,‏ بلوتو‏)‏ لا يصلها قدر كاف من حرارة الشمس فتعيش في برودة قاتلة لا تقوي الحياة الأرضية علي تحملها‏.‏
      ولذلك فإنه من الواضح أن بعد الأرض عن الشمس قد قدره ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بدقة بالغة تسمح للأرض بتلقي قدر من طاقة الشمس يتناسب تماما مع حاجات جميع الكائنات الحية علي سطحها‏,‏ وفي كل من مياهها‏,‏ وهوائها بغير زيادة أو نقصان إلا في الحدود الموائمة لطبيعة الحياة الأرضية في مختلف فصول السنة‏.‏
      فلو كانت الأرض علي مسافة من الشمس تقدر بنصف بعدها الحالي لزادت كمية الطاقة التي تتلقاها أرضنا منها إلي أربعة أمثال كميتها الحالية ولأدي ذلك إلي تبخير الماء وخلخلة الهواء واحتراق جميع صور الحياة علي سطحها‏..!!!‏
      ولو كانت الأرض علي ضعف بعدها الحالي من الشمس لنقصت كمية الطاقة التي تتلقاها إلي ربع كميتها الحالية‏,‏ وبالتالي لتجمدت جميع صور الحياة واندثرت بالكامل‏.‏
      وباختلاف بعد الأرض عن الشمس قربا أو بعدا يختلف طول السنة‏,‏ وطول كل فصل من الفصول نقصا أو زيادة مما يؤدي إلي اختلال ميزان الحياة علي سطحها‏,‏ فسبحان من حدد للأرض بعدها عن الشمس وحفظها في مدارها المحدد وحفظ الحياة علي سطحها من كل سوء‏...!!!‏

      ثانيا‏:‏ أبعاد الأرض‏
      يقدر حجم الأرض بحوالي مليون كيلو متر مكعب‏,‏ ويقدر متوسط كثافتها بحوالي‏5.52 ‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏,‏ وعلي ذلك فإن كتلتها تقدر بحوالي الستة آلاف مليون مليون مليون طن‏,‏ ومن الواضح أن هذه الأبعاد قد حددها ربنا‏(‏تبارك وتعالى)‏ بدقة وحكمة بالغتين‏,‏ فلو كانت الأرض أصغر قليلا لما كان في مقدورها الاحتفاظ بأغلفتها الغازية‏,‏ والمائية‏,‏ وبالتالي لاستحالت الحياة الأرضية‏,‏ ولبلغت درجة الحرارة علي سطحها مبلغا يحول دون وجود أي شكل من أشكال الحياة الأرضية‏,‏ وذلك لأن الغلاف الغازي للأرض به من نطق الحماية ما لا يمكن للحياة أن توجد في غيبتها‏,‏ فهو يرد عنا جزءا كبيرا من حرارة الشمس وأشعتها المهلكة‏,‏ كما يرد عنا قدرا هائلا من الأشعة الكونية القاتلة‏,‏ وتحترق فيه بالاحتكاك بمادته أجرام الشهب وأغلب مادة النيازك‏,‏ وهي تهطل علي الأرض كحبات المطر في كل يوم‏.‏
      ولو كانت أبعاد الأرض أكبر قليلا من أبعادها الحالية لزادت قدرتها علي جذب الأشياء زيادة ملحوظة مما يعوق الحركة‏,‏ ويحول دون النمو الكامل لأي كائن حي علي سطحها إن وجد‏,‏ وذلك لأن الزيادة في جاذبية الأرض تمكنها من جذب المزيد من صور المادة والطاقة في غلافها الغازي فيزداد ضغطه على سطح الأرض‏,‏ كما تزداد كثافته فتعوق وصول القدر الكافي من أشعة الشمس إلى الأرض‏,‏ كما قد تؤدي إلى احتفاظ الأرض بتلك الطاقة فتزداد باستمرار وترتفع حرارتها ارتفاعا يحول دون وجود أي صورة من صور الحياة الأرضية علي سطحها‏.‏
      ويتعلق طول كل من نهار وليل الأرض وطول سنتها‏,‏ بكل من بعد الأرض عن الشمس‏,‏ وبأبعادها ككوكب يدور حول محوره‏,‏ ويجري في مدار ثابت حولها‏.‏
      فلو كانت سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس أعلي من سرعتها الحالية لقصر طول اليوم الأرضي‏(‏ بنهاره وليله‏)‏ قصرا مخلا‏,‏ ولو كانت أبطأ من سرعتها الحالية لطال يوم الأرض طولا مخلا‏,‏ وفي كلتا الحالتين يختل نظام الحياة الأرضية اختلالا قد يؤدي إلي إفناء الحياة علي سطح الأرض بالكامل‏,‏ إن لم يكن قد أدي إلي إفناء الأرض ككوكب إفناء تاما‏,‏ وذلك لأن قصر اليوم الأرضي أو استطالته‏(‏ بنهاره وليله‏)‏ يخل إخلالا كبيرا بتوزيع طاقة الشمس علي المساحة المحددة من الأرض‏,‏ وبالتالي يخل بجميع العمليات الحياتية من مثل النوم واليقظة‏,‏ والتنفس والنتح‏,‏ وغيرها‏,‏ كما يخل بجميع الأنشطة المناخية من مثل الدفء والبرودة‏,‏ والجفاف والرطوبة‏,‏ وحركة الرياح والأعاصير والأمواج‏,‏ وعمليات التعرية المختلفة‏,‏ ودورة المياه حول الأرض وغيرها من أنشطة‏.‏ كذلك فلو لم تكن الأرض مائلة بمحورها علي مستوي مدار الشمس ما تبادلت الفصول‏,‏ وإذا لم تتبادل الفصول اختل نظام الحياة علي الأرض‏.‏
      وبالإضافة إلي ذلك فإن تحديد مدار الأرض حول الشمس بشكله البيضاني‏(‏الإهليلجي‏),‏ وتحديد وضع الأرض فيه قربا وبعدا علي مسافات منضبطة من الشمس يلعب دورا مهما في ضبط كمية الطاقة الشمسية الواصلة إلي كل جزء من أجزاء الأرض وهو من أهم العوامل لجعلها صالحة لنمط الحياة المزدهرة علي سطحها‏,‏ وهذا كله ناتج عن الاتزان الدقيق بين كل من القوة الطاردة‏(‏ النابذة‏)‏ المركزية التي دفعت بالأرض إلي خارج نطاق الشمس‏,‏ وشدة جاذبية الشمس لها‏,‏ ولو اختل هذا الاتزان بأقل قدر ممكن فإنه يعرض الأرض إما للابتلاع بواسطة الشمس حيث درجة حرارة قلبها تزيد عن خمسة عشر مليونا من الدرجات المطلقة‏,‏ أو تعرضها للانفلات من عقال جاذبية الشمس فتضيع في فسحة الكون المترامية فتتجمد بمن عليها وما عليها‏,‏ أو تحرق بواسطة الأشعة الكونية‏,‏ أو تصطدم بجرم آخر‏,‏ أو تبتلع بواسطة نجم من النجوم‏,‏ والكون من حولنا مليء بالمخاطر التي لا يعلم مداها إلا الله‏(‏ تعالى ‏),‏ والتي لا يحفظنا منها إلا رحمته‏(‏ سبحانه وتعاليى)‏ ويتمثل جانب من جوانب رحمة الله بنا في عدد من السنين المحددة التي تحكم الأرض كما تحكم جميع أجرام السماء في حركة دقيقة دائبة لا تتوقف ولا تتخلف حتى يرث الله الأرض ومن عليها‏.‏

      ثالثا‏:‏ بنية الأرض‏
      أثبتت دراسات الأرض أنها تنبني من عدة نطق محددة حول كرة مصمتة من الحديد والنيكل تعرف باسم لب الأرض الصلب‏(‏ الداخلي‏)‏ ولهذا اللب الصلب كما لكل نطاق من نطق الأرض دوره في جعل هذا الكوكب صالحا للعمران بالحياة الأرضية في جميع صورها‏.‏
      وتقسم النطق الداخلية للأرض علي أساس من تركيبها الكيميائي أو علي أساس من صفاتها الميكانيكية باختلافات بسيطة بين العلماء‏,‏ وتترتب بنية الأرض من الداخل إلي الخارج علي النحو التالي‏:‏

      ‏(1)‏ لب الأرض الصلب‏(‏ الداخلي‏)
      وهو عبارة عن نواة صلبة من الحديد‏(90%)‏ وبعض النيكل‏(9%)‏ مع قليل من العناصر الخفيفة من مثل الفوسفور‏,‏ الكربون‏,‏ السيليكون‏(1%),‏ وهو نفس تركيب النيازك الحديدية تقريبا‏.‏ ويبلغ قطر هذه النواة حوالي‏2402‏ كيلو متر‏,‏ ويمتد نصف قطرها من مركزها علي عمق‏6371‏ كيلو مترا إلي عمق‏5170‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏.‏
      ولما كانت كثافة الأرض في مجموعها تقدر بحوالي‏5,52‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏,‏ بينما تختلف كثافة قشرة الأرض بين‏2,7‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏,‏ وحوالي‏3‏ جرامات للسنتيمتر المكعب‏,‏ فإن الاستنتاج المنطقي يؤدي إلي أن كثافة لب الأرض لابد وأن تتراوح بين‏10‏ و‏13,5‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏.‏

      ‏(2)‏ نطاق لب الأرض السائل‏(‏ الخارجي‏)
      وهو نطاق سائل يحيط باللب الصلب‏,‏ وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا وإن كانت مادته منصهرة‏,‏ ويبلغ سمكه‏2275‏ كيلو مترا‏(‏ من عمق‏5170‏ كيلو مترا إلي عمق‏2885‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏),‏ ويفصل هذا النطاق عن اللب الصلب منطقة انتقالية يبلغ سمكها‏450‏ كيلو مترا تمثل بدايات عملية الانصهار وعلي ذلك فهي شبه منصهرة‏(‏ وتمتد من عمق‏5170‏ كيلو مترا إلي عمق‏4720‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏)‏ ويكون كل من لب الأرض الصلب ولبها السائل حوالي‏31%‏ من كتلتها‏.‏

      ‏(3),(4),(5)‏ نطق وشاح الأرض‏
      يحيط وشاح الأرض بلبها السائل‏,‏ ويبلغ سمكه حوالي‏2765‏ كيلو مترا‏(‏ من عمق‏2885‏ كيلو مترا إلي عمق‏120‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏),‏ ويفصله إلي ثلاثة نطق مميزة مستويان من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازية الناتجة عن الزلازل‏,‏ يقع أحدهما علي عمق‏670‏ كيلو مترا‏,‏ ويقع الآخر علي عمق‏400‏ كيلو متر من سطح الأرض‏,‏ وبذلك ينقسم وشاح الأرض إلي وشاح سفلي‏(‏ يمتد من عمق‏2885‏ كيلو متر إلي عمق‏670‏ كيلو متر تحت سطح الأرض‏),‏ ووشاح متوسط‏(‏ يمتد من عمق‏670‏ كيلو مترا إلي عمق‏400‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏),‏ ووشاح علوي‏(‏ يمتد من عمق‏400‏ كيلو مترا إلي عمق يتراوح بين‏65‏ كيلو مترا تحت المحيطات‏,‏ وعمق‏120‏ كيلو مترا تحت سطح القارات‏).‏
      وقمة الوشاح العلوي‏(‏ من عمق‏65‏ ـ‏120‏ كيلو مترا إلي عمق‏200‏ كيلو متر تحت سطح الأرض‏)‏ يعرف باسم نطاق الضعف الأرضي
      لوجوده في حالة لزجة‏,‏ شبه منصهرة‏(‏ أي منصهرة انصهارا جزئيا في حدود نسبة‏1%).‏

      ‏(6),(7)‏ الغلاف الصخري للأرض
      ويتراوح سمكه بين‏65‏ كيلو مترا تحت قيعان البحار والمحيطات‏,120‏ كيلو مترا تحت القارات‏,‏ ويقسمه خط انقطاع الموجات الاهتزازية المسمي باسم الموهو
      إلي قشرة الأرض
      وإلي ما تحت قشرة الأرض
      وتمتد قشرة الأرض إلي عمق يتراوح بين‏5‏ و‏8‏ كيلو مترات تحت قيعان البحار والمحيطات‏,‏ وبين‏60‏ و‏80‏ كيلو مترا تحت القارات‏,‏ ويمتد ما تحت القشرة الي عمق‏120‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏.‏
      وللأرض مجال جاذبية يزداد مع العمق حتى يصل إلي قمته عند الحد الفاصل بين وشاح الأرض ولبها‏(‏ علي عمق‏2885‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏)‏ ثم يبدأ في التناقص‏(‏ بسبب الجذب الذي يحدثه عمود الصخور فوق هذا العمق‏)‏ حتى يصل إلي الصفر في مركز الأرض‏.‏ ولولا جاذبية الأرض لهرب منها غلافها الغازي‏,‏ ولو حدث ذلك ما أمكنها أن تكون صالحة لاستقبال الحياة‏,‏ وذلك لأن هناك حدا أدني لسرعة الهروب من جاذبية الأرض يقدر بحوالي‏11,2‏ كيلو متر في الثانية‏,‏ بمعني أن الجسم لكي يستطيع الإفلات من جاذبية الأرض فعليه أن يتحرك في عكس اتجاه الجاذبية بسرعة لا تقل عن هذه السرعة‏.‏
      ولما كانت حركة جسيمات المادة في الغلاف الغازي للأرض أقل من تلك السرعة بكثير فقد أمكن للأرض‏(‏ بتدبير من الله تعالى ‏)‏ أن تحتفظ بغلافها الغازي‏,‏ ولو فقدته ولو جزئيا لاستحالت الحياة علي الأرض‏,‏ ولأمطرت بوابل من الأشعات الكونية والشمسية‏,‏ ولرجمت بملايين من النيازك التي كانت كفيلة بتدميرها‏...!!!‏
      كذلك فإن للأرض مجالا مغناطيسيا ثنائي القطبية‏,‏ يعتقد أن له صلة وثيقة بلب الأرض الصلب وحركة إطاره السائل من حوله‏,‏ ويتولد المجال المغناطيسي للأرض كما يتولد لأي جسم آخر من حركة المكونات فيها وفيه‏,‏ وذلك لأن الجسيمات الأولية للمادة‏(‏ وهي في غالبيتها مشحونة بالكهرباء‏)‏ تتحرك سواء كانت طليقة أو مرتبطة في داخل ذرات المادة‏,‏ وهي حينما تتحرك تولد مجالا مغناطيسيا‏,‏ والمجال المغناطيسي لأية نقطة في فسحة الكون يمثل بمحصلة اتجاه تمتد من القطب المغناطيسي الجنوبي للمادة إلي قطبها الشمالي في حركة معاكسة لاتجاه عقرب الساعة ومماثلة لحركة الطواف حول الكعبة المشرفة‏.‏
      والمجال المغناطيسي للأرض كون لها‏(‏ بإرادة الله تعالى ‏)‏ غلافا مغناطيسيا يعرف باسم النطاق المغناطيسي للأرض وهو يلعب دورا مهما في حماية الأرض من الأشعة الكونية بتحكمه في حركة الجسيمات المشحونة القادمة إلينا من فسحة الكون فيجعلها تدور من أحد قطبي الأرض المغناطيسيين إلي الآخر دون الدخول إلي المستويات المنخفضة من غلافها الغازي‏.


      ويمتد المجال المغناطيسي للأرض إلي مسافة تقدر بخمسين ألف كيلو متر فوق سطحها‏,‏ وكونت الجسيمات المشحونة القادمة من السماء والتي أسرها المجال المغناطيسي للأرض زوجين من أحزمة الإشعاع هلالي الشكل علي ارتفاع الفي كيلو متر وخمسين ألف كيلو متر علي التوالي يحيط كل زوج منهما بالأرض من احدي جهاتها‏,‏ ويحيط الزوج الآخر من الجهة الأخرى وهذه الحلقات من أحزمة الإشعاع تحاصر الأرض مع مستوي مركزي منطبق علي المستوي الاستوائي المغناطيسي لها‏,‏ وتحميها من وابل الأشعة الكونية المتساقط باتجاهها في كل لحظة‏,‏ ولولا هذه الحماية الربانية لهلكنا وهلكت جميع صور الحياة من حولنا‏,‏ والجرعة الإشعاعية في أحزمة الإشعاع تلك عالية الشدة لا تطيقها أية صورة من صور الحياة الأرضية‏,‏ وتبلغ الشدة الإشعاعية مداها في نطاق المنطقة الاستوائية للحزام الإشعاعي للأرض‏.‏

      وللأرض كذلك نشاط ديناميكي يتمثل في حركة ألواح الغلاف الصخري لها‏,‏ الممزق بشبكة هائلة من الصدوع‏,‏ وتتحرك تيارات الحمل العنيفة المندفعة من نطاق الضعف الأرضي لتحرك تلك الألواح إما متباعدة عن بعضها البعض فتكون قيعان البحار والمحيطات وتساعد علي عملية اتساعها وتجديد مادتها باستمرار‏,‏ وإما مصطدمة مع بعضها البعض فتكون السلاسل الجبلية‏,‏ وتصاحب العمليتان بتكون السلاسل الجبلية وبالعديد من الهزات الأرضية‏,‏ و الثورات البركانية التي تثري سطح الأرض بالخيرات المعدنية والصخرية المختلفة‏.‏
      والجبال لعبت ولا تزال تلعب دورا رئيسيا في تثبيت الغلاف الصخري للأرض‏,‏ ولولا هذا التثبيت ما تكونت التربة‏,‏ ولا دارت دورة المياه‏,‏ ولا خزنت المياه تحت السطحية‏,‏ ولا نبتت نبتة‏,‏ ولا أمكن لكائن حي أن يستقر علي سطح الأرض‏.‏
      كذلك لعبت الجبال ولا تزال تلعب دورا مهما في تثبيت الأرض ككوكب يدور حول نفسه‏,‏ وتقلل من درجة ترنحه كما تقلل قطع الرصاص التي توضع في إطارات السيارات من معدل ترنحها‏.‏ ولولا نطاق الضعف الأرضي ما أمكن لهذه العمليات الداخلية للأرض أن تتم‏,‏ وهي من ضرورات جعلها صالحة للعمران‏.‏
      هذه بعض آيات الله في الأرض وهي أكثر من أن تحصي في مقال واحد‏,‏ أشارت إليها هذه الآية الكريمة التي يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

      وفي الأرض آيات للموقنين‏*‏
      فسبحان من خلق الأرض بهذا القدر من الاحكام والإتقان‏,‏ وترك فيها من الآيات ما يشهد لخالقها بطلاقة القدرة‏,‏ وإحكام الصنعة‏,‏ وشمول العلم كما يشهد له‏(‏ تعالى ‏)‏ بجلال الربوبية وعظمة الألوهية‏,‏ والتفرد بالوحدانية‏,‏ وسبحان الذي أنزل هذه الآية الكريمة المعجزة من قبل ألف وأربعمائة سنة ولم يكن لأحد من الخلق إلمام بتلك الآيات الأرضية والتي لم تتكشف أسرارها للإنسان إلا منذ عقود قليلة من الزمان‏,‏ وفي ذلك من الشهادات القاطعة بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ وأن نبينا محمدا‏(‏ صلي الله عليه وآله وسلم‏)‏ هو خاتم أنبياء الله ورسله‏,‏ وأنه‏(‏ صلوات الله وسلامه عليه‏)‏ كان موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏,‏ وصدق الله العظيم إذ يصفه بقوله الحق‏:‏
      وما ينطق عن الهوي‏*‏ إن هو إلا وحي يوحي‏*‏ علمه شديد القوي‏*‏ ذو مرة فاستوي‏*‏ وهو بالأفق الأعلي‏*‏ ثم دنا فتدلي‏*‏ فكان قاب قوسين أو أدني‏*‏ فأوحي إلي عبده ما أوحي‏*‏ ‏(‏النجم‏:3‏ ـ‏10)‏.

      المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار مأخوذ من موقعه.
    • آيات عظمة الله في النباتات



      آيات عظمة الله في النباتات



      قال الله تعالى في كتابه الحكيم: (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:99)

      النبات عالم قائم بذاته، ومازال العلماء يجتهدون في دراسته وفي كل يوم يقطعون في كشف خصائصه أشواطاً شاسعة ... وقد قسم العلماء النبات إلى عدة أقسام مختلفة بالنسبة لصفاتها التشريحية، أو تناسلها، أو بيئتها .

      و ينبت النبات عموماً من بذرة تتوافر لها ظروف خاصة، أهمها حيوية الأجنة فيها، وتحافظ البذور على حيويتها لمدة طويلة تعتبر في ذاتها دليلاً على وجود الله، فقد أمكن استنبات حبات قمح وجدت في قبور الفراعنة . ويجب توافر الماء الضروري للإنبات والحرارة المناسبة، فكل بذرة تنبت في درجة حرارة معينة، والهواء ضروري للنبات، هو كائن حي يعيش ويحيا ويتنفس بل ويحس .. يحزن ويسعد .. فلقد أجريت تجارب على نباتات وضعت في مركبات فضاء... وبأجهزة القياس ... أوضحت التسجيلات أن صدمات عصبية أصابت النباتات وبدا عليها الاضطراب ... وما أن رجعت إلى الأرض حتى عاد إليها الاستقرار والهدوء .

      و إذا استنبتت البذرة وخرج الجنين الحي مكوناً جذيراً صغيراً بدأ يتغذى من الغذاء المدخر في البذرة حتى يستطيل عوده، ويضرب في الأرض ليأكل منها، شأنه في ذلك شأن الجنين في الإنسان والحيوان، يتغذى من أمه وهو في بطنها، ثم من لبنها، ثم من لبنها، ثم يستقل عنها ويعتمد على نفسه في غذائه عندما يستوي عوده، فهل غير الله أودع في البذرة الحياة؟... وهل غير الله وهب الجذر قوة التعمق في الأرض وأخرج الساق وأنبت عليه الأوراق فالأزهار فالثمار ؟... حياة معقدة دقيقة جليلة عاقلة رشيدة هدفها حفظ النوع ... وامتداد الحياة، فسبحان الحي منبع الحياة .

      جهاز النبات الغذائي

      الجذور

      تختلف الجذور، وهي أول أجزاء النبات الغذائي عن بعضها البعض اختلافاً بيناً بالنسبة لحاجة النبات، فهناك الجذور الوتدية، والجذور الدرنية، وأخرى ليفية، وغيرها هوائية، وجذور تنفسية، وكل هذه الأشكال لتتواءم مع امكان حصول النبات على حاجته من الغذاء . وأما التي لا يوجد لها جذور مناسبة فيكون لها ممصات للتغذية، وما خلقت كل هذه إلا لتساعد على تغذية النبات وتهيئة حياته .

      ويقول داروين إذا كان للنبات عقل فلابد أن تكون جذوره إذ أنها تسعى وتجد في باطن الأرض متفادية العوائق والصخور فإن لم تستطع أن تتفاداها أزاحتها عن طرقها وإلا صبت عليها أحماضهاً لتذيبها .

      و للجذور فائدة هامة غير ذلك ألا وهي تثبيت النبات إذ يقع عليه أمر قيام النبات والاحتفاظ به ... فلا يسقط أو يقع ... وعندما تنظر إلى هذه الأشجار الضخمة الكبيرة واقفة شامخة .علينا أن نتذكر الجذر .. الذي يمسكها .

      و تنموا الجذور وعليها الشعيرات الجذرية التي تمتص المحاليل الأرضية بتأثير الضغط الأسموزي فتنتقل العصارة إلى أعلى بعمليات معقدة يعجز عن تركيبها أي معمل كيماوي مهما أوتي من أجهزة وتجهيزات ... يتغذى النبات وينمو .... ولابد لنموه من وجود الضوء والماء والكربون والأكسجين، والأيدروجين والأزوت، والفوسفور والكبريت، والبوتاسيوم، والمغنسيوم والحديد .

      و من العجيب أن كافة نباتات العالم تتغذى بهذه العناصر، ومع ذلك ينبت في الأرض التفاح الحلو، والحنظل المر ،و القطن الناعم، والصبار الشائك، والقمح والشعير، والبرتقال والليمون ... عناصر واحدة، وماء واحد، وبذور تناهت في الصغر تخرج منها آلاف الأنواع، وعديد الأشكال، ومختلف الروائح والمذاق ... !!! إن في ذلك لآية لأولي الألباب .

      تبخير الماء ( النتح)

      و تتجلى قدرة الخالق في عملية النتح، والنتح عبارة عن تبخر الماء من النبات عن طريق الأوراق، الأمر الذي يساعد على صعود العصارة من الأرض خلال الجذور .

      و ينبغي ألا يستهان بتلك العملية فشجرة واحدة قد تنتج في اليوم العادي ما يقرب من خمسمائة لتر من الماء، وإذا ارتفعت درجة الحرارة وجف الجو، واشتدت قوة الرياح زاد النتح عن ذلك ... ويعزى إليه تلطيف الجو في المناطق المعتدلة، وسقوط الأمطار في المناطق الاستوائية ذات الغابات الغزيرة بالأشجار الضخمة .

      و تتم عملية النتح بواسطة ثغور موجودة على الورقة، ومن عجائب آيات الخالق في هذه العملية، أن نرى اختلاف عدد الثغور في نبات عن نبات بما يلائم بيئته، فعدد ثغور النبات الصحراوية أقل من نباتات الحقل مما يقلل النتح في الأولى عن الثانية .

      و الجهاز الثغري نفسه آية من آيات الله، إذ يتكون من خليتين حارستين بينهما ثغر، وهذه الخلايا الحارسة تحرس الثغر فتنظم عملية فتحه وإغلاقه تبعاً لحاجة النبات، فإذا ازداد تركيز السائل في الخلايا الحارسة سحبت الماء من الخلايا المجاورة، وتتملىء حتى تأخذ شكلاً كروياً، وبذلك ينفتح الثغر، فتتبخر المياه، ويمتص الجذور الماء من التربة، أما إذا كانت عصارة الخلايا الحارسة غير مركزة، فتكون متدللة الجوانب، متماسة الجدار بذلك الثغر . وينتج رطل خمسمائة رطل من المار أثناء حياته .

      فأنظر إلى هذه العملية الداخلية الخفية، كيف تتم بإتقان ونظام، وكيف تعمل أجهزتها بكيفية تنطق بالقدرة والكمال !!.



      تكوين الغذاء

      ومن آيات الله تكوين الغذاء في النبات، وتعرف هذه العملية بالتمثيل الكربوني .يدخل ثاني أكسيد الكربون من الجو ثاني أكسيد الكربون من الجو إلى النبات عن طريق الثغور، فيقابل المادة الخضراء والماء، وتتكون من الكربون مواد الغذاء يفعل الحرارة والضوء، أما طريقة تكوين هذه المواد من غاز ثاني أكسيد الكربون، فهي عملية كيماوية معقدة، لم يقل العلم عنها إلا أن وجود المادة الخضراء والماء والحرارة، ينتج عنها تغيرات تنتهي بتكوين المواد الغذائية، ولا يتم إلا في الضوء، ولذا فهي تسمى أيضاً " بالتمثيل الضوئي ".

      و يقرر العلم أن هذه العملية هي أصعب وأعجب عملية تقوم بها الحياة ولا يمكن لأي تركيبات أو أجهزة أن تقوم بمثل ما تقوم به ورقة خضراء في أي نبات .

      تنفـس النبـات

      أكتشف قي عام 1779م أن النبات يتنفس فيأخذ الأكسجين ويطرد ثاني أكسيد الكربون، مثله في ذلك مثل الإنسان والحيوان، ويصحب تنفس النبات ارتفاح في درجة الحرارة، ويتم التنفس في الليل والنهار، إلا أنه في النهار لا تظهر نتيجة التنفس واضحة بالنسبة لعملية التمثيل الكربوني التي يجريها النبات بسرعة أكثر من عملية التنفس، فيخرج الأكسجين ويمتص ثاني أكسيد الكربون، لذلك قد عرف بأن ارتياد الحدائق يكون نهاراً، ولا يحسن ارتيادها ليلاً حيث يتنفس النبات، ولا يوجد تمثيل كربوني، وبذلك ينطلق ثاني أكسيد الكربون ويأخذ النبات الأوكسجين .

      و قد دلت الأبحاث، على أن عملية التمثيل الكربوني، كانت كفيلة وحدها باستهلاك ثاني أكسيد الكربون الموجود في العالم، لو أن الأمر قد اقتصر عليها، ولكن العليم الخبير قدر ذلك فيجعل الكائنات الحية الأخرى تخرج ثاني أكسيد الكربون . وكما أن الأجسام الميتة في تحللها تخرج ثاني أكسيد الكربون وكذلك بعض التفاعلات الأخرى .

      و لم يترك أمر استهلاك ثاني أكسيد الكربون وإنتاجه على غاربة، فقد قضت حكمة الخالق أن تكون نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو دائماً، من ثلاثة إلى أربعة أجزاء في كل عشرة آلاف جزء هواء، وأن هذه النسبة ينبغي أن تكون ثابتة على الدوام لعمارة العالم، فلم يحدث قط مهما اختلفت عمليات الاستهلاك وعمليات الإنتاج أن اختلفت هذه النسبة، فهل وجد كل هذا مصادفة دون تقدير أو تدبير .؟!



      تحورات في النبات

      هيئ النبات بما يتلائم مع بيئته تلاؤماً لا يمكن لغير الله أن يصنعه، فكل نبات بيئته معروفة، تختلف عن غيرها اختلافاً جوهرياً في كافة أجهزتها مما يدهش المتأمل في ملك الله .

      النبات الصحراوية

      و تسمى بالنباتات الزيروفيتية، ولها صفات شكلية وتركيبية، وتحورات تمكنها من مقاومة الجفاف والرياح، والضوء الشديد، وارتفاع الحرارة، وهذه النباتات إما أشجار أو شجيرات، كالسنط والعبل والنبق، وهي تكون خشنة كثيرة الأشواك، مشتبكة الأغصان، ليظلل بعضها بعضا فيتكون منها شكل كروي ليحجب الشمس عنها ما أمكن لذلك سبيلا، فتأمن الأزرار الداخلية شدة الرياح .

      و لأوراق هذه النباتات بشرة ذات جدران خارجية ثخينة، تغطى بطبقة سميكة من مادة جافة وتغطى أحيانا بطبقة من الشمع وكذلك الحال في السوق والجذور فتغطى بالفلين كما في نبات الودنه والنجيلات، و في بعضها تغطى السوق والأوراق بشعيرات وبرية كثيفة، تمتلىء من المبدأ بالهواء، فتعطي للنبات لونا إشعاعيا يعكس أشعة الشمس فيمنع النتح أو تقلله كما في نبات الطقطيق . وقد تلتوي الورقة حتى لا تقع عليها أشعة الشمس عمودية كما في الكافور . وقد تنطبق وريقات النبات بقلة عدد ثغورها وضيقها، وقد تغطى بطبقة شمعية، فيقف النتح كلية، ويبقى النبات في حالة سكون حتى يعود فصل المطر، كما في نبات اللصف، وقد تكون الثغور متعمقة في السطح الأسفل من الورقة، مفردة أو مجتمعة في فجوة كما في الفلة، أو تحدث الخلايا الحارسة قبوا على الثغر يجعله بعيدا عن الجو .

      و لهذه النباتات خصائص تمكنها من الحصول على الماء، فجذورها كبيرة الحجم نسبياً، تتفرع في التربة وتتعمق فيها إلى مسافات بعيدة، لتسيطر على جزء كبير تمتص منه الماء . ولها تركيبات خاصة بتخزين الماء لاستعماله وقت الشدة، فقد تخزينه في أجزائها الأرضية كالأبصال والكورمات والدرنات، أو في السوق الهوائية كما في التين الشوكي، أو في الأوراق كما في الصبار ....فسبحان العليم القدير ..!!!

      و من آيات الله، أن هذا النباتات لما كان عددها قليلا، وهي معرضة باستمرار لجور الحيوان، فإنها قد زودت بتحورات لتقي نفسها من الضرر، منها تغطية أوراق وسوق النباتات وثمارها بالأشواك كما في الخشير، أو تكون أطرافها حادة كالشوك كما في نبات السيلا، أو تغطى بأوبار صلبة كما في الحداقة، أو تطاير منها زيوت طيارة تبعد عنها الحيوان .

      النباتات المائية

      تعيش في الماء بعض أنواع النباتات المائية، وهي تختلف في تركيبها الداخلي، وأشكالها الخارجية عن النباتات الأخرى .فلا تستعمل في امتصاصها الماء، إذ أن هذه النباتات تمتص الماء من جميع أجزاء جسمها، وتتحور سوقها فتأخذ شكلاً مغايراً .

      النباتات المتسلقة

      توجد بعض أنواع من النباتات ضعيفة الساق، ليس في مقدورها أن تستقيم بنفسها، فمن حكمة الخالق أن أوجد لها أدوات تسلق، تساعدها على الالتفاف على ما تتسلق عليه من دعائم، كالمحاليق في نبات العنب والبازلاء، أو كالأشواك في بعض أنواع الورد، أو جذور عرضية تتسلق بها كما في نبات حبل المساكين .

      النباتات آكلة الحشرات

      إن من آيات صنع الله الدالة على قدرته سبحانه وتعالى، وبديع خلقه النباتات آكلة الحشرات، فهذه النباتات تنمو في أرض قليلة الموارد العضوية، فلذلك نراها قد زودت بما يمكنها من اقتناص الحشرات، وامتصاص أجسامها . ومن عجب أن كل نوع منها قد تحور بما يلائم غذاءه تحورا يدهش المتأمل .ففي نبات الديونيا، نرى أن ورقتها ذات مصراعين يتحركان على العِرق الأوسط، وكل منها مزود بزوائد شوكية على سطحه الأعلى . فإذا وقعت حشرة على النبات، يتنبه المصراعان فيقفلان فجأة حافظين الحشرة، بينما، ثم يفرز النبات الأنزيمات ( عصارات) التي تهضم وتذيب الحشرات ثم يمتص ما يذوب منها، وبعد ذلك تعود الورقة لحالها الأولى، فاتحة مصراعيها استعدادا لقنص فريسة أخرى .

      أما في حالة نبات انيسز، فإن أوراقه تحورت إلى شكل جرة غطاء يكون مقفلا في حالة صغر الورقة، ثم فجأة يفتح الغطاء بعد تمام نمو الورقة، وتملأ الجرة بسائل مائي حمضي يفرز من الغدد الموجودة على السطح الداخلي لجذب الحشرات التي إذا وقفت على الحافة، فإنها تزلق على سطحها الأمس، أو تجذبها إلى أسفل الجرة شعيرات دقيقة، وعند سقوطها في السائل داخل الجرة، يقفل الغطاء لمنعها من الفرار، ويفرز النبات الإنزيمات لهضم الحشرة ثم يمتصها .

      و في نيات الدروسيرا، تغطى أوراقه بزوائد كثيرة تنتهي أطرافها بغدد تفرز مادة لزجة حامضية، فإذا ما هبطت حشرات على رأس هذه الزوائد، فإنها تعلق بها، وكلما حاولت الهرب زاد اشتباكها في زوائد أخرى حتى تتجمع الزوائد حولها، ويفرز النبات المواد الهاضمة التي تذيب جسم الحشرة، وبعد امتصاصها تعود الزوائد إلى الاعتدال، وترجع الورقة إلى شكلها الأصلي .

      كيف يحفظ النبات نوعه

      ومن آيات الله قدرة النبات على حفظ نوعه فالثمار، وهي أوعية غذائية لحفظ البذور، مزودة بزوائد تساعده على انتشارها من مكان لآخر بعوامل عدة . فبذور النباتات الصحراوية التي تحملها الرياح، ذات حجم صغير ملساء ثم ليسهل نقلها بالهواء كالخشخاش والمثور، وقد تنمو عليها شعيرات لتخفف وزنها كالديميا أو تنمو عليها زوائد كالأجنحة كما في نبات الجكارند والحميض .

      و لبذور النباتات المائية زوائد تساعدها على العوم في الماء، وجذر سميك تحفظها من التعفن .

      و هناك أنواع من البذور ذات لون جذاب أو مذاق حلو، لتغري الإنسان أو الحيوان أو الطير على نقلها ونثرها، أو ذات خطافية لتشتبك بملابس الإنسان أو فراء الحيوان وتغلف الثمر في النباتات، بغلاف يلتف التفافا لولبياً بعد نضجها، يساعد على انتشار البذور إلى مسافات بعيدة عن النبات الأصلي، كالفول والبازلاء والحندقوق، وكالجوز الشيطاني، الذي يقذف بذوره بصوت كالطلق الناري يسمع على بعد كبير ،

      تلك هي آيات بينات، لما زُودت به النباتات من عجائب الحياة، لتحفظ حياتها في فصائل تقرب من نصف مليون صنف، اختلفت تراكيبها ومزاوجتها، ومعيشتها وأعمارها .

      و من النبات ما يعمر أياماً، ومنه ما يعمر سنين ،ومنه ما يعمر أضعاف عمر الإنسان، فشجرة سروة صونا في لامبارديا، التي يبلغ ارتفاعها 120 قدماً، ومحيطها 23 قدماً، سبقت المسيح بأربعين سنة، ومازالت قائمة .

      و قد قدر عمر شجرة في برابورن بمقاطعة كنت، بنحو ثلاثة آلاف سنة .

      و لعل أطول عمر لشجرة هي من نوع تكسوديوم، التي تعمر ستة آلاف سنة .

      أما تاريخ النبات على الأرض، فقد ورد في تقرير علمي في أوائل فبراير 1956 ،أن البرافسور " روبرتسون " العالم النباتي، اكتشف في أعمال المسح الجوي الذي قامت به شركة هنتنج للأراضي الأردنية، قطعة متحجرة لغصن شجرة قديمة ،موجودة في أراضي اللواء الجنوبي وأنه بعد تحليلها في معامل باريس العلمية، أتضح أن عمر هذه الشجرة 115 مليون سنة . وقد أبدى العلماء اهتماماً بهذه الظاهرة التي قد تلقي أضواء على تقدير عمر الكون، وعلى تاريخ تسلسل الكائنات الحية، ومدى الفارق بين كل كائن ... نبات وحيوان وإنسان .. فسبحان الموجود قبل الوجود !!!..


      (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) (الشعراء:7)

      المصدر :

      كتاب " الله والعلم الحديث " بقلم عبد الرزاق نوفل
    • التوازن الموجود في كوكب الأرض



      التوازن الموجود في كوكب الأرض



      قال تعالى : (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (سورة غافر).

      و قال تعالى : (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) (الرحمن:9).

      إن مقدار حجم الأرض مهم جداً كأهمية بعدها عن الشمس وأهمية سرعة دورانها أو الشكل الخارجي لها . وكبر الأرض هو بقدر ما يتلاءهم مع وجود البشرية عليها واستمرارها بصورة متطابقة تماماً من ناحية المقاييس المفتراض وجودها، ولو قارنا كتلة عطارد التي تشكل نسبة 8% من كتلة الأرض أو مع كتلة المشتري التي تكبر الأرض بمقدار 318 مرة لوجدنا أن هذه الكواكب تختلف من حيث الكتلة اختلافاً كبيراً . ويمكننا عبر هذه المقارنة أن ندرك بان كتلة الأرض لها قيمة معينة هي الأمثل والأكثر ملاءمة وأن هذه القمية لم تأت مصادفة قط . ولو تألمنا وتمعنا مقاييس معينة هي الأمثل والأكثر ملاءمة وأن هذه القيمة لم تأت مصادفة قط . ولو تأملنا وتمعنا في مقاييس الكرة الأرضية لتوصلنا إلى كونها الأمثل والأنسب لمثل هذه الكوكب . ويعطي عالمنا جيولوجيان أمريكيان هما بريس وسيفر معلومات قيمة عن مدى ملاءمة مقاييس الأرض وأبعادها كما يلي :

      إن كبر الأرض هو بالضبط بقدر ما يفترض فيه أن يكون، ولو كان ذا قيمة أصغر لضعفت جاذبيتها ولما استطاعت أن تمسك الغلاف الجوي المحيط بها، ولو كان ذا قيمة أكبر لقامت بمسك الغازات السامة أيضاً ولتسمم غلافها الجوي وبالتالي تنعدم الحياة على سطحها [1] .

      و هناك عامل آخر يضاف إلى عامل الكتلة من جملة العوامل المتلائمة وهو عامل البناء الداخلي للأرض، فالطبقات المكونة لكوكب الأرض تكسبه مجالاً مغناطيسياً يعلب دوراً رئيسياً للحفاظ على حياتنا . ويعلق بريس وسيفر على هذا الأمر بالقول :

      إن نواة الأرض تعتبر مولد للحرارة يستمد قوته عبر الإشعاعات النووية، وتتميز هذه النواة بتوازن حساس جداً .. ولو كان هذا المولد يعمل بشكل أبطأ لما استطاعت القارات أن تتخذ شكلها الحالي ... وكذلك لما انصهر الحديد وبالتالي لا يسيل نحو المركز ومن ثم لما تكون المجال المغناطيسي المعروف للأرض .. ولو كان هذا المولد يعمل بسرعة أكبر مما هو عليه كافتراض لوجود وقود إشعاعي أكثر للأرض لتكونت السحب البركانية ملبدة السماء وحاجبة ضوء الشمس مؤدية بذلك إلى زيادة كثافة الغلاف الجوي مع زيادة ملحوظة في الانفجاريات البركانية والزلازل الأرضية . [2]

      و المجال المغناطيسي الذي يتحدث عنه العالمان مهم جداً بالنسبة إلى حياة البشرية، وهذا المجال ناشيء من مكونات الأرض كما ذكرنا . فمركز الأرض يحتوي على عناصر ذات صفات مغناطيسية كالحديد والنيكل، ويتميز مركز الأرض بأنه يتألف من جزأين : خارجي ويكون سائل وآخر داخلي ويكون صلباً، وهذان الجزءان يدوران حول بعضهما البعض وينتج من هذا الدوران نوع من الحثّ المغناطيسي على المعادن الثقيلة وبالتالي ينشأ مجال مغناطيسي، ويمتد تأثير هذا المجال المغناطيسي حتى خارج الغلاف الجوي للأرض ويشكل حزاماً واقياً لهذا الكوكب يقيه من الأخطار القادمة من الفضاء الخارجي، ومن جملة هذه الأخطار الإشعاعات الكونية القادمة من النجوم والتي تعتبر مميتة طبعأً ولا تستطيع ان تخترق هذا الحزام الواقي، ويمتد هذا الحزام حتى عشرات الآلآف من الكيلومترات في الفضاء الخارجي على شكل أحزمة مغناطيسية تدعى أحزمة فان آلين والتي تقي الأرض من الإشعاعات المميتة .

      هناك أنواع من السحب الكونية تدعى بالسحب البلازمية وهي تجوب الكون وتقدر الطاقة التي تحملها بما يعادل 100 مليار ضعف للطاقة التي تولدها قنبلة ذرية كالتي ألقيت على هيروشيما وتستهدف الأرض أيضاً الأشعة الكونية الشديدة جداً بين الحين والأخر، إلا أن هذه الأخطار لا تستطيع اختراق المجال المغناطيسي للأرض إلا بمقدار واحد فقط . وهذا الجزء الضئيل كهربائية تقدر بمليار أمبير وهذا الرقم يعادل تقريباًَ مجموع الطاقة الكهربائية التي ولدها الإنسان عبر التاريخ ولم يكن هذا الحزام المغناطيسي الواقي موجودا لكانت الأرض عرضة للإشعاعات الكونية وربما لم تكن هناك إمكانية كي تنشأ الحياة على هذا الكوكب أصلاً، ولكن كما يقول العالمان بريس وسيفر إن مركز الأرض هو تماماً حسب ما يجب أن يكون بالضبط . وهذا هو ما حفظ الأرض وصانها .


      المرجع :

      كتاب سلسلة المعجزات تأليف هارون يحيى


      --------------------------------------------------------------------------------

      [1] F. Press, R. Siever, Earth, New York: W. H. Freeman, 1986, p. 4.

      [2] F. Press, R. Siever, Earth, New York: W. H. Freeman, 1986, p. 4.
    • التوازنات الدقيقة في كوكب الأرض



      التوازنات الدقيقة في كوكب الأرض



      الأرض بجوها ومحيطاتها و كرتها الحيوية المعقدة وبقشرتها المؤكسدة نسبياً وغناها بالسيليكا والرسوبيات والبركانيات والصخور التحويلية (سيليكات الماغنيزيوم غلافاً ولباً ) ويكسوها حديد معدني، وبقبعاتها الجليدية وصحاريها وغاباتها والتندرا( سهل أجرد في منطقة القطب الشمالي ) والأدغال والسهول العشبية و بحيراتها العذبة وفحمها وترسبات الزيت والبراكين والمنافذ البركانية التي تنبعث منها الأبخرة والمصانع والسيارات التي تنبعث منها الأبخرة والمصانع والسيارات والمزارع والحيوانات والحقل المغناطيسي والإينوسفير ( الكرة المتأينة ) والسلاسل الجبلية في منتصف المحيط والغطاء المقنع، هي نظام فائق التعقيد ..

      ج . س. لوسي . جيولوجي أمريكي[1]

      لو قمت بجولة في النظام الشمسي فإنك سوف تشاهد منظراً غاية في الإبداع .

      دعنا نتخيل أننا مثل ذلك المسافر وأننا وصلنا دائرة الكسوف العظيمة (دائرة البروج ) للكرة السماوية والتي تتحرك فيها كل الكواكب الرئيسية لنظامنا الشمسي، فأول كوكب سوف نقابله هو (بلوتو )، وهذا الكوكب هو مكان بارد جداً ودرجة حرارته نحو (-238) درجة مئوية، وله جو لطيف يكون في حالته الغازية فقط عندما يكون أقرب إلى الشمس في مداره الشبه اهليلجي، أما في الأوقات الأخرى فيصبح جوه كتلة من الجليد، إذاً (بلوتو) باختصار هو كرة لا حياة فيها مغلفة بالجليد.

      وبالتقدم نحو الشمس فإنك ستواجه الكوكب التالي وهو (نبتون ) وهو أيضاً بارد جداً ودجة حرارته حوالي (-218) درجة مئوية، وجوه يحتوي على غاز الهيدروجين والهليوم والميتان وهو سام للحياة وتهب فيه الرياح بسرعة 2000كيلومتر في الساعة عاصفةً عبر سطح الكوكب .

      الكوكب التالي هو (أورانوس) وهو كوكب غازي فيه صخور غازية فيه صخور وجليد على سطحه ودرجة حرارته (-214) درجة مئوية وجوه يحتوي على الهيدروجين والهليوم والمتيان وبالتالي فهو غير ملائم لحياة الجنس البشري .

      نصل إلى كوكب زحل بعد أورانوس وهو ثاني أكبر الكواكب في المجموعة الشمسية ويتميز بخاصية في امتلاكه جملة من الحلقات المحيطة به، وتلك الحلقات مكونة من الغازات والصخور والجليد . وتعتبر تلك الحلقات واحدة من أجمل الأشياء حول زحل وهي مكونة كلياً من غازين (75% هيدروجين و 25% هيليوم ) .

      وكثافتها أقل منها للماء، وإذا أردت أن تهبط على زحل فالأفضل أن تصمم سفينتك الفضائية بشكل تشبه فيه قارب منفوخاً واسعاً، ولا تنسى أن درجة الحرارة الوسطية منخفضة جداً وتصل إلى (-178)درجة مئوية .

      و بالاقتراب من المشتري وهو أضخم كواكب النظام الشمسي، واتساعه يعادل 238 مرة اتساع الأرض، والمشتري هو مثل زحل أي هو كوكب غازي، و طالما أنه من الصعب أن نميز بين الجو والسطح على مثل تل الكواكب فمن الصعب أن نقول ما هي درجة حرارة السطح، لكنها في أعالي الجو تصل في الغلاف الجوي حوالي –143 درجة مئوية ومن المظاهر الملحوظة في جو المشتري شيء ما يدعى النقطة الحمراء العظمى، وقد لوحظت قبل ثلاثمائة سنة، ويعرفها الفلكيون الآن بأنها عبارة عن نظام عاصفة ضخمة هائجة في جو المشتري لعدة قرون، وهي من الاتساع بحيث تستطيع ابتلاع كوكبين بحجم الأرض، ويرى المشتري كأنه كوكب مثير لكنه وجوه مكون من غاز الكربون في معظمه، والضغط الجوي عند سطحه يعادل ( تسعين ) ضغط جوي أرضي، وعلى الأرض يجب أن تغوص كيلومتراً داخل ماء البحر قبل أن تصل لمثل ذلك الضغط العالي، ويحتوي جو الزهرة على طبقات غازية من حامض الكبريت وسمكها تبلغ عدة كيلومترات . وعندما تمطر الزهرة، فكما تعلم فهي لا تمطر مطراً بل تمطر حمضاً .

      لذلك لا يمكن لأي إنسان أو لأي كائن حي آخر أن يعيش في مثل ذلك المكان الجهنمي ولو لثانية واحدة .

      نتابع رحلتنا فنصل إلى كوكب عطارد وهو عالم صخري صغير مدمر بالحرارة والإشعاع من الشمس، ودورانه حدث له إبطاء بسبب قربه من الشمس بحيث يصنع ذلك الكوكب ثلاثة دورات كاملة محورية ( حول نفسه ) في الوقت الذي يأخذه ذاته ليدور مرتين حول الشمس، وبكلمة أخرى فإن سنتين من عطارد تساوي ثلاثة من أيامه . وبسبب تلك الدورة اليومية المطولة يكون أحد وجهي عطارد حاراً تماماً بينما الطرف الآخر يكون بارداً تماماً والفرق بين درجتي حرارة وجهي النهار والليل لعطارد يزيد على ألف درجة مئوية . وطبعاً مثل تلك البيئة لا تسمح بالحياة فيها .

      ليس صالحاً للإقامة فيه بسبب درجة الحرارة الباردة جداً حدّ التّجمد والرياح العنيفة والإشعاع الشديد .

      الآن يأتي دور المريخ فجو المريخ ليس مكاناً ملائماً للحياة لأن معظمه غاز كربون وسطحه في كل الأماكن يطفح بالبثور، وتلك البثور هي ثقوب لفوهات بركانية، أو نتيجة لصدمات النيازك والرياح القوية العاتية التي تهب عبر السطح حاملة معها عواصف رملية والتي تدوم أياماً وأسابيع متواصلة، وتتغير درجة الحرارة كثيراً وقد تصل إلى مستويات منخفضة في حدود –53درجة مئوية .

      مرت فترة ساد الاعتقاد فيها بأن المريخ ربما كان يحتوي على شكل من الحياة، لكن كل الأدلة بينت أنه عالم لا حياة فيه .

      بالانطلاق بعيداً عن المريخ باتجاه الشمس نلاحظ كوكباً أزرق وسنقرر أن نتخطاه لفترة حتى نتمكن من اكتشاف ما هو أكبر . و يوصلنا بحثنا إلى كوكب يدعى الزهرة وهذا الكوكب في أماكنه مغطى و محجوب بسحب ساطعة لكن درجة حرارته عند السطح هي 450 درجة مئوية، هي كافية لانصهار الرصاص (إذابته ).

      وفي مجمل القول، ألقينا النظر على الكواكب الثمانية وليس لواحد منها بما فيها توابعها الثلاث والخمسين، و هي لم تبد شيئاً يساعد كملاذ يؤوي الحياة .

      أما الكوكب الأزرق الذي تخطيناه لفترة مضت فهو واحد يختلف كثيراً جداً عن الآخرين فكل ما فيه ينبض حياةً جوه وتضاريس سطحه ودرجات حرارته الملائمة وحقله المغناطيسي ومصادر عناصره وهو موضوع على البعد المناسب من الشمس، فهو يبدو كما لو كان قد خلق خصيصاً ليصبح موطن الحياة، والذي سنكشف حقيقة لاحقاً.



      درجة حرارة الأرض :

      درجة الحرارة والجو هي أول عوامل أساسية للحياة على الأرض . والكوكب الأزرق له درجة الحرارة الحياتية والجو التنفسي للكائنات الحية . خاصة لمثل تلك الكائنات الحية المعقدة كالجنس البشري.

      وعلى كل حال أتى هذان العاملان المختلفان كلياً إلى الوجود نتيجة انقلاب الشروط لتصبح مثالية لهما .

      وأحد تلك العوامل هي المسافة بين الأرض والشمس، فالأرض لا يمكن أن تكون مقراً للحياة إذا كانت أقرب إلى الشمس مثل الزهرة، أو كانت بعيدة مثل بعد المشتري ،و الجزيئات ذات الأساس الكربوني يمكن أن تبقى حية بين حدين هما (-20) و(120)، والأرض هي الكوكب الوحيد الذي له درجة حرارة وسطية بين هذين الحدين .

      عندما يفكر شخص في الكون ككل مستعرضاً ضيق مجال درجات الحرارة فتلك مهمة صعبة جداً لأن الحرارة في الكون تتراوح بين بلايين الدرجات في أسخن النجوم إلى درجة الصفر المطلق أي لـ (-273س ) .

      وفي مثل ذلك المجال الواسع لدرجات الحرارة يكون الفاصل الحراري الذي يسمح للحياة بأن توجد هو ضئيل جداً بالفعل، لكن كوكب الأرض له هذا الفاصل .

      الجيولوجي الأمريكي (فرانك بريس ) و( ريموند سيفر) جذبا الانتباه لمتوسط درجات الحرارة السائدة على الأرض . ولاحظا كما نعلم أن الحياة ممكنة ضمن فاصل حراري ضيق، وذلك الفاصل هو من واحد إلى اثنين بالمئة من المجال بين درجة حرارة الصفر المطلق ودرجة حرارة سطح الشمس..

      إن الاحتفاظ بهذا المجال الحراري مرتبط أيضاً بكمية الحرارة التي تشعها الشمس وكذلك بالمسافة بين الأرض والشمس، ووفق الحسابات فإن نقصان 10% من طاقة الإشعاع الشمسي سيؤدي إلى تغطية سطح الأرض بطبقات من الجليد سمكها عدة أمتار، وإذا زادت تلك النسبة عن ذلك بقليل فكل الكائنات الحية سوف تتجمد وتموت .

      لا يكفي أن تكون درجات الحرارة المتوسطة مثالية، بل يجب أن تكون الحرارة المتوفرة أيضاً موزعة بالتساوي تقريباً على سطح الكوكب وأن عدداً من الوقائيات الخاصة يجب توفرها، وبالفعل فقد تم تأمينها .

      يميل محور دوران الأرض بزاوية 23و27 على مستوى دائرة البروج، وهذا الميل يمنع الإفراط الحراري للجو في المناطق بين القطبين وخط الاستواء ومسببة لها اعتدلاً حرارياً أكثر، وإذا لم يكن ذلك الميل موجوداً فالتدرج الحراري بين القطبين وخط الاستواء سيكون أكثر ارتفاعاً مما هو عليه، والمناطق المعتدلة سوف لن تكون معتدلة بعد أو ملائمة للعيش فيها .

      وسرعة دوران الأرض حول محورها تساعد أيضاً في حفظ التوازن الحراري في حالة توازن، وتقوم الأرض بدورة واحد كل 24 ساعة، والنتيجة هي فترات متناوبة قصيرة تقريباً من الليل والنهار، وبسبب قصرهما يكون التدرج الحراري بين الطرفين المضيء والمظلم للكوكب معتدلاً تماماً، وأهمية ذلك يمكن رؤيته في المثال المتطرف لعطارد، حيث أن يومه أطول من سنته فيكون الفرق بين درجات حرارة النهار والليل فيه حوالي ألف درجة مئوية .

      تساعد الجغرافية أيضاً في توزيع الحرارة وتساويها على سطح الأرض، بحيث يكون الفرق بين درجتي حرارة المناطق القطبية والاستوائية للأرض حوالي مئة درجة مئوية فقط، وإذا كان مثل ذلك التدرج الحراري موجوداً على مساحات مستوية كلياً لا تضاريس فيها فستكون النتيجة رياحاً سرعتها عالية جداً ربما بلغت ألف كيلومتر في الساعة وجارفة معها كل شيء في مسارها، ولكن بدلاً عن ذلك فالأرض مملوءة بالعوائق الجيولوجيه التي توقف الحركات الهائلة للهواء التي يسببها التدرج الحراري . وتلك العوائق هي السلاسل الجبلية والممتدة من المحيط الهادي في الشرق إلى المحيط الأطلسي في الغرب، ويبدأ بجبال الهملايا في الصين ويستمر حتى جبال طوروس في الأناضول والألب في أوربا، وفي البحر تنتقل الزيادة في الحرارة في المناطق الاستوائية شمالاً وجنوباً، والفضل في ذلك لقابلية الماء المثلى في نقل الحرارة وتبديدها .



      كتلة الأرض والحقل المغناطيسي للكوكب :

      حجم الأرض ليس أقل أهمية للحياة من بعدها عن الشمس وسرعة دورانها وتضاريسها الجغرافية . وبالنظر إلى الكواكب نرى أن هناك تفاوتاً كبيراً في أحجامها، فعطارد حجمه صغير وأصغر بعشر مرات من حجم الأرض بينما المشتري أكبر منها بحوالي 318 مرة، والسؤال الآن هو، هل كان حجم الأرض إذا ما قورن بحجم الكواكب الأخرى مصادفة ؟ أم هو مدروس ؟ .
      عندما نفحص أبعاد الأرض نرى بسهولة أن كوكبنا صمم تماماً بهذا الحجم وقد علق الجولوجيان الأمريكيان (فرانك بريس ) و( ريموند سيفر ) على تلائم الأرض بقولهما : " إن حجم الأرض هو تماماً ما ينبغي أن يكون عليه، فهي ليست صغيرة جدا فتخسر جوها لكون جاذبيتها الثقالية عندئذ صغيرة فلا تستطيع منع هروب الغازات منها إلى الفضاء، وهي ليست كبيرة بالقدر الذي يجعل جاذبيتها الثقالية تزداد كثيراً فتحتفظ بجو غزي أكبر بما فيها غازات ضارة .[2].

      بالإضافة إلى كتلتها فإن أعماق الأرض أيضاً مصممة بطريقة تخصصية مضبوطة وذلك من ناحية لبها وحقلها المغناطيسي القوي والذي له دور حيوي هام في حفظ الحياة، ووفق ما كتبه العالمان (بريس وسيفر ) يكون : " أعماق الأرض هي محرك عملاق متوازن حرارياً بلطف . وقوده النشاط الإشعاعي ..و عندما تباطأت حركتها صار نشاطها الجيولوجي يتقدم بخطوات بطيئة موزونة ، ولنفرض أنه ربما لم ينصهر الحديد ويغوص ليشكل لباً سائلاً، والحقل المغناطيسي ربما لم يتطور إطلاقاً .. فإذا كان هناك زيادة من الوقود ( أي النشاط الإشعاعي ) وكان المحرك يدور أسرع فإن غازات البراكين والغبار بما حجبت الشمس وعندئذ سيكون الجو كثيفاً، والسطح سيكون مدمراً بالزلازل اليومية والإنفجارات البركانية . [3]

      الحقل المغناطيسي الذي تحدث عنه الجيولوجيون له أهمية كبيرة عل الحياة وينشأ هذا الحقل المغناطيسي في جوف الأرض، فهو يحتوي على عناصر ثقيلة مثل الحديد و النيكل و هما معدنان قادران على حمل شحنات مغناطيسية، والجوف الداخلي صلب أما اللب الخارجي الذي يعلوه فهو سائل، و تتحرك هاتان الطبقتان من اللب حول بعضهما البعض، و تلك الحركة هو التي تولد الحقل المغناطيسي الأرضي، ويمتد هذا الحقل بعيداً خلف السطح، وهذا الحقل يحمي الأرض من تأثيرات الإشعاع الضار الوارد من الفضاء الخارجي، أما الإشعاعات الوردة من النجوم عدا الإشعاع الشمس فهو لا تستطيع السفر عبر ذلك الدرع، فحزام (فان آلن ) الذي تمتد خطوطه المغناطيسية عشرة آلاف ميل من الأرض تحمي الكرة الأرضية من هذه الطاقة المميتة .

      حسبت طاقة السحب البلازمية التي يأسرها حزام (فان آلن ) فوجد أنها تبلغ في بعض الأحيان سويات عالية ربما وصلت لأكثر من مئة بليون مرة من طاقة القنبلة التي ألقيت فوق (هيروشيما) .

      وكما هو معلوم فإن الأشعة الكونية ضارة على جميع المستويات، والحقل المغناطيس هي تقريباً بحدود بليون أمبير، و هذا أكثر مما ولده الجنس البشري عبر التاريخ كله .

      فإذا لم يكن ذلك الدرع الحامي موجوداً فمن المفروض أنها دُمرت بالإشعاعات الضارة والمؤذية من وقت لآخر، . و بالتالي لم يكن للحياة أن تظهر على الأرض إطلاقاً، ولكن كما أشار (بريس وسيفر ) فإن لب الأرض مصمم تماماً كي يحفظ سلامه الأرض .

      وبكلمه أخرى، فإن يوجد هدف خاص كما نص القرآن :

      ( وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً و هم عن آياتنا معروضون )الأبنياء .



      التلاؤم الجوي :

      كما رأينا فإن المميزات والتضاريس والمظاهر الفيزيائية للأرض مثل الكتلة والتركيب ودرجة الحرارة .. الخ هي مضبوطة بالتحديد لحفظ الحياة، ومثل تلك المظاهر وحدها غير كافية لتسمح بوجود الحياة وبقائها كيفياً على الأرض، ويوجد عامل حيوي آخر هو مكونات الغلاف الجوي الأرضي .

      يتكون الجو الأرضي من 77% نتروجين (آزوت ) و21% غاز الكربون، لنبدأ بأكثر غاز أهمية و هو غاز الأوكسجين فالأكسجين هو غاز هام حيوياً للحياة لأنه يدخل في معظم التفاعلات الكيميائية التي تتحرر منها الطاقة والتي تتطلبها أشكال الحياة المعقدة .

      تتفاعل المركبات الكربونية مع الأوكسجين و نتيجة لتلك التفاعلات ينتج الماء وغاز الكربون والطاقة، وتتولد من تلك التفاعلات رزم صغيرة من الطاقة تدعى (ATP) و هي ( أدينوسين ثلاثي الفوسفات ) و تستخدم في الخلايا الحية، و هذا هو السبب الذي يجعلنا نحتاج إلى الأوكسجين باستمرار للحياة و أن نتنفس لتلبية تلك الحاجة .
      الشيء العجيب هنا هو أن النسبة المئوية للأوكسجين في الهواء الذي نتنفسه معينة بدقة عالية جداً، وقد كتب (ميشيل دينتون ) حول هذا الموضوع . فقال :

      هل يمكن للجو أن يحتوي أوكسجيناً أكثر ويبقى داعماً للحياة ؟

      الجواب لا : فالأوكسجين هو عنصر فعال جداً حتى النسبة المئوية الدائمة له في الجو وهي 21% قريبة إلى الحد الأعلى للأمان من أجل الحياة عند درجات الحرارة المكتنفة فيه . و احتمال احتراق الغابات واشتعال النار فيها يزداد بمعدل 70% لك لزيادة مقدارها واحد بالمئة فقط في النسبة المئوية في أوكسجين الجو [4] و هذا يتفق مع ما ذكره الكيميائي الحيوي الإنكليزي ( جيمس لوفلك )، الذي قال :

      في حال أصبحت نسبة الأوكسجين أكثر من 25% فإن بعضاً من أراضينا الزراعية قد يشهد حرائق عنيفة هائجة والتي قد تدمر الغابات الاستوائية، و بطريقة مماثلة سهول التندرا الجرداء في المنطقة لأن نسبة الأوكسجين في جوها مرتفعة بشكل طبيعي ) .

      إذن " إن مستوى الأوكسجين الحالي هي عند نقطة يتوازن عندها الخطر والنفع بلطافة " [5]

      إبقاء تلك النسبة من الأوكسجين في الجو عند تلك القيمة الصحيحة بالضبط هو نتيجة النظام الرائع القائم بين الحيوانات التي تستهلك الأوكسجين بانتظام و تنتج غاز الكربون الذي لا يصلح لتنفس الحيوانات التي تعمل بطريقة معاكسة تماماً فهي تأخذ غاز الكربون لأنها تحتاجه لتنفسها وحياتها، و من ثم تطلق غاز الأوكسجين بدلاً منها، وبفضل ذلك النظام تستمر الحياة، وهكذا تطلق النباتات ملايين الأطنان من الأوكسجين في الجو كل يوم .

      بدون وجود تعاون و توازن بين هاتين المجموعتين المختلفتين من الأشياء الحية، فإن كوكبنا سيكون كوكباً لا حياة فيه، ومثال على ذلك إذا كانت الأشياء الحية تأخذ فقط غاز الكربون و تطلق غاز الأوكسجين عندئذ يدعم جو الأرض الاحتراق بسهولة أكثر بكثير مما يفعله عادة، و حتى أن شرارة صغيرة تستطيع أن تسبب حرائق ضخمة .

      وبطريقة مماثلة إذا أخذت تلك الأشياء الحية الأوكسجين فقط وأطلقت غاز الكربون فالحياة ستنعدم أخيراً عندما يستهلك كل الأوكسجين .

      في الحقيقة إن الجو هو في حالة توازن والتي يتوازن فيها الخطر والمنفعة بشكل مثالي لتنفسنا .



      الجو والتنفس :

      نحن نتنفس في كل لحظة من حياتنا و نستنشق باستمرار الهواء ثم نطلقه . و نحن نفعلها كثيراً بحيث يمكن الاعتقاد بأنها عادة نظامية لدينا، وفي الحقيقة، إن التنفس هو عملية معقدة جداً .

      إن كمال تصميم أنظمة أجسامنا لا يضطرنا لأن نفكر في التنفس . وجسمنا يقدر كم يحتاج لأوكسجين و ينظم لاستلام الكمية الصحيحة منه سواء أكان يمشي أم يركض أم يقرأ كتاباً أم كان نائماً، والداعي للتنفس هو أهميته البالغة لنا بسبب أن ملايين التفاعلات والتي يجب أن تحدث بانتظام في أجسامنا لتبقينا أحياء تتطلب الأوكسجين .

      إن قدرتك على أن تقرأ هذا الكتاب يعود فضله لملايين الخلايا في قرنية عينك والتي تغذي دوماً بطاقة مشتقة من الأوكسجين وبطريقة مماثلة فكل النسج في أجسامنا وخلايانا تأخذ طاقتها من حرق المركبات الكربونية في الأوكسجين، وناتج هذا الاحتراق هو غاز الكربون الذي يجب أن يتخلص منه الجسم، فإذا كان مستوى الأوكسجين في قطرات الدم الجاري في عروقك منخفضاً فالنتيجة هي ضعف، وفي حال غياب الأوكسجين لفترة تزيد عن بضع دقائق فالنتيجة هي الموت .

      وهذا هو السبب في تنفسنا، فعندما نستنشق فالأوكسجين سوف يغمر بطوفانه جوف 300 مليون حجيرة صغيرة دقيقة في رئتينا، وتتصل تلك الحجيرات بعروق شعرية هي التي تمتص الأوكسجين في طرفة عين ( في لمحة ) و تحولها أولاً إلى القلب وبعدها لك عضو آخر في أجسامنا، وتستخدم خلايا جسمنا هذا الأوكسجين وتطلق غاز الكربون داخل الدم، والذي يحولها ثانية إلى الرئتين حيث تزفر، وتأخذ كل هذه العملية فترة لا تزيد عن نصف ثانية . و خلالها يدخل الأوكسجين النظيف و يخرج غاز الكربون الملوث .

      ربما تتساءل لماذا يوجد مقدار 300 مليون من تلك الحجيرات الصغيرة في الرئتين، والسبب هو لتكبير سطح المنطقة التي تتعرض للهواء، وهي مطوية بدقة وبتأن لتحتل أصغر فضاء ممكن بحيث إذا نشرت فالنتيجة ستكون كافية لتغطية ملعب تنس . توجد نقطة أخرى هنا يجب أن نتذكرها باستمرار، وهي أن حجيرات الرئتين والشعيرات الدموية التي تتصل بالرئتين مصممة من الصغر والكمال لكي تزيد من المعدل الذي يجري فيه تبادل الأوكسجين وغاز الكربون، لكن ذلك التصميم الكامل يعتمد على عوامل أخرى مثل الكثافة واللزوجة وضغط الهواء فيجب أن تكون كلها صحيحة لكي يتحرك الهواء بشكل ملائم وهو يدخل ويخرج من رئتينا.

      عند سطح البحر يكون ضغط الهواء هو 760 ميلمتراً زئبقياً وكثافته ولزوجته وضغطه ..الخ ..

      ويجب أن تكون مقاديرها مشابهة تماماً لما هي عليه في الواقع وهذا ضروري جداً خاصة للعضويات هوائية التنفس .[6]

      عندما نتنفس فإن رئتينا تستخدم طاقة لتتغلب على القوة التي تدعى مقاومة منفذ الهواء وتلك القوة هي نتيجة مقاومة الهواء للحركة بسبب الخواص الفيزيائية للجو، على كل حال هذه المقاومة ضعيفة بشكل كاف بحيث أن رئتينا تستطيع أن تأخذ الهواء إلى الداخل وتطرحه إلى الخارج مع أقل ضياع ممكن للطاقة، فإذا كانت مقاومة الهواء أعلى فإن رئتينا سوف تجبر على العمل بمشقة لتمكننا من التنفس، وهذا يمكن تفسيره بمثال :

      من السهل أن نسحب الماء داخل إبرة حقن لكن سحب العسل بواسطة تلك الإبرة أكثر صعوبة، والسبب في ذلك هو أن العسل أكثف من الماء ويتحرك أيضاً بلزوجة أكبر .

      إذا كانت الكثافة واللزوجة والضغط في الهواء أعلى فإن التنفس سيكون صعباً كما في عملية سحب العسل لداخل إبرة الحقن، وربما يقول شخص لكن ذلك سهل وذلك بإجراء إصلاح (أو تقويم ) ! كأن نجعل فتحة الإبرة أوسع لزيادة معدل السريان، لكن إذا نحن فعلنا ذلك في حالة الأنابيب الشعرية في الرئتين، فالنتيجة هي تخفيض في اتساع مساحة منطقة التماس مع الهواء .

      وبالنتيجة فإن أقل أوكسجين وغاز كربون سوف يتبادلان في الوقت نفسه وذلك لن يرضي حاجات الجسم التنفسية، وبكلمة أخرى القيم الإفرادية لكثافة الهواء ولزوجة والضغط كلها يجب أن تقع ضمن حدود معينة لكي تكون قابلة للتنفس وهذا ما هو حاصل فعلاً في الهواء الذي نتنفسه .

      وقد علق (ميشل دنيتون ) على ذلك بقوله :

      " من الواضح أنه إذا كانت اللزوجة أو الكثافة أكبر بكثير من ذلك، فإن مقاومة منفذ الهواء سوف تصبح مانعة ومعوقة، وإن إعادة تصميم النظام التنفسي لا يمكن التصور أنه قادر على أن يقدم أوكسجيناً كافياً لعضويات هوائية التنفس والنشطة أيضاً .

      وأنه برسم المنحني البياني لتغيرات الضغوط الجوية بدلالة كل محتوياته الممكنة من الأوكسجين فإنه يتضح أنه توجد على المنحني منطقة صغيرة فريدة واحد فقط .. تلبي كل الشروط المختلفة للحياة، وبالتأكيد تلك الفكرة هي ذات معنى كبير في أن عدداً من الشروط الأساسية يمكن أن يلبي في هذه المنطقة الصغيرة في الفضاء لكل الأجواء المختلفة ..[7]

      القيم العددية للجو ليست ضرورية لتنفسنا فقط لكنها ضرورية أيضاً لكوكبنا الأزرق كي يبقى أزرق، فإذا انخفض الضغط الجوي عند سطح البحر كثيراً عن قيمة الحالية، فإن معدل تبخر الماء سيكون أعلى، وزيادة الماء في الجو سيكون له تأثير مفعول البيت الزجاجي الذي يأسر حرارة أكثر ويرفع بذلك درجة الحرارة الوسطية للكوكب، ومن ناحية أخرى إذا كان الضغط أعلى بكثير، فإن معدل تبخر الماء سيكون أقل ومحولاً أجزاء واسعة من الكوكب إلى صحارى .

      تشير كل تلك التوازنات المضبوطة بدقة إلى أن جونا صمم بدقة متأنية كي تبقى الحياة قائمة على الأرض . هذه حقيقة كشفها العلم وهي تبين لنا مرة أخرى أن الكون ليس مزيجاً أو خليطاً من مادة أتت بالصدفة، وبدون شك يوجد خالق يحكم الكون ويشكل المادة كما يريد لها أن تكون، كما يحكم على كل المجرات والنجوم والكواكب والكل تحت حكمه وسلطته العليا .

      تلك القدرة الأسمى كما نحيا عليه صمم خصصياً وتم تمهيده من قبل الله للناس كما ذكر في القرآن :

      .. ( والأرض بعد ذلك دحاها ) [ النازعات : 30] .

      وتوجد آيات أخرى توضح أن الله هو خالق الأرض ليحيا عليها الإنسان ..

      ( الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطبيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين ) [ غافر : 64].

      .... ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور .. ) [ الملك : 15].



      التوازنات التي جعلت الحياة ممكنة



      قال الله تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (الذريات:20) .

      الأشياء التي ذكرناها سابقاً هي بالضبط بعض التوازنات الدقيقة اللطيفة الضرورية للحياة على الأرض، وبدراسة الأرض نستطيع أن نضع قائمة للعوامل الأساسية الضرورية للحياة، ولقد وضع الفلكي الأمريكي

      ( هيوج روس ) قائمة خاصة به تضمنت ما يلي :

      1. الجاذبية الثقافية السطحية :

      إذا كانت أقوى : فالجو سيحتجز كثيراً من غاز الأمونيا والميتان

      إذا كانت أضعف : جو الكوكب سوف يخسر كثيراً من الماء .

      2. البعد عن النجم الأم :

      إذا كان أبعد : الكوكب سيكون بارداً جداً من أجل دورة مائية منتظمة .

      إذا كان أقرب : الكوكب سيكون ساخناً جداً من أجل دورة مائية منتظمة .

      3. سمك القشرة :

      إذا كانت أكثر سمكاً : كثير من الأوكسجين سوف ينتقل من الجو إلى القشرة .

      إذا كانت أرق : النشاط البركاني التكتوني سيكون كبيراً جداً .

      4. فترة الدوران :

      إذا كانت أطول : فوق درجات الحرارة اليومية سيكون كبيراً جداً .

      إذا كانت أقصر : سرعات الرياح الجوية ستكون كبيراً جداً .

      5. التفاعل الجاذبي الثقالي مع القمر :

      إذا كان أكبر : تأثيرات المد على المحيطات والجو ودور الدوران سيكون قاسياً جداً .

      إذا كان أقل : تغيراً في الميل المداري سوف يسبب عدم استقرار مناخي .

      6. الحقل المغناطيسي :

      إذا كان أقوى : العواصف الكهرطيسية ستكون عنيفة .

      إذا كان أضعف : الحماية غير ملائة غير ملائمة من الإشعاعات النجمية القاسية .

      7. البيدو ( نسبة الضوء المنعكس إلى مجمل كمية الضوء الساقط على السطح :(

      إذا كان كبيراًً : ستحل عصور جليدية .

      إذا كان صغيراً : ستذوب الثلوج وتغرق الأرض في الماء، ثم تصبح جافة قاحلة .

      8. نسبة الأوكسجين إلى النتروجين في الجو :

      إذا كان أكبر : توابع تطور الحياة سوف تقدم بسرعة كبيراً.

      إذا كانت أصغر : توابع تطور الحياة سوف تتقدم بسرعة بطيئة .

      9. مستوى غاز الكربون وبخار الماء في الجو :

      إذا كانت كبيرة : ترتفع درجة الحرارة الجو بشكل أكبر .

      إذا كانت أصغر : تنخفض درجة حرارة الجو .

      10. مستوى الأوزون في الجو :

      إذا كان أكبر : درجة حاررة السطح ستكون منخفضة جداً .

      إذا كان أقل : درجة حرارة السطح ستكون عالية جداً، وسيكون هناك كثير من الإشعاع فوق البنفسجي عند السطح .

      11. النشاط الزلزالي :

      إذا كان أكبر : سيتحطم كثير من أشكال الحياة .

      إذا كان أقل : المادة الغذائية على قيعان المحيطان (الآتية من مقذوفات الأنهار ).

      لن تخضع للدورة المتكررة لارتفاع القارات التكتوني . 64

      هذه بالضبط بعض من صور التصميم الدقيق لتوازنات بيئية والتي صنعت لكي تبقي الحياة قائمة، ولكن حتى هذه الصور ليست كافية لإظهار أن الأرض لم تأت للوجود نتيجة مصادفة أو أنها تشكلت نتيجة سلسلة حوادث سعيدة .

      هذه التفاصيل وغير مما لا يحصى يؤكد حقيقة واضحة بسيطة وهي أن الله والله وحدة هو الذي خلق هذا الكون والنجوم والكوكب والجبال والبحار كاملة، وأنه هو الذي أعطى الحياة للمخلوقات البشرية والأشياء الحية الأخرى .

      و سخر ما خلقه لسيطرة الإنسان، الله والله وحده هو منبع الرحمة والقدرة، وقدرته كافيه لأن يخلق أشياء من العدم . هذا الخلق الكامل من قبله سبحانه وتعالى وصف في القرآن بالآن التالية .


      المصدر : نقلا ً عن كتاب خلق الكون لمؤلفه الكاتب التركي هارون يحيى


      --------------------------------------------------------------------------------

      [1] F.pess,R.Siever,Earth,new York:w.h.Freeman,1986,p.2.

      [2] F.press ,r.siever,earth ,new york :w .h . freeman ,1986 ,p4

      [3] F.pess,R.Siever,Earth,new York:w.h.Freeman,1986,p.2.

      [4] Michael Denton,Naturems Destiny ,p121

      [5] JAMES J.LOVELOCK ,NATURE,S DESTING ,P.121

      [6]Michael Denton,Naturems Destiny ,p121

      [7] Michael Denton,Naturems Destiny ,p121

    • آيات عظمة الله في النتروجين



      آيات عظمة الله في النتروجين



      إن كون النتروجين غازاً جامداً ـ أو جامداً جزئياً كما يمكن القول ـ هو أمر ذو أهمية بالغة وهو يعمل كمخفف للأوكسجين، ويخفضه إلى النسبة التي تلائم الإنسان والحيوان . وكما ذكرنا في حالة الأوكسجين، لا يتوافر لنا من النتروجين ما يزيد على حاجتنا أو ينقص عنها . قد يمكن القول بأن الإنسان قد راضَ على نسبة الواحد والعشرين في المائة من الأوكسجين الموجود في الهواء، وهذا صحيح، ولكن كون هذه الكمية الملائمة له بالضبط من وجوه جوهرية أخرى، هو أمر يستدعي الانتباه حقاً ! ولهذا فإن مما يدعو إلى العجب، إن النسبة المحددة للأوكسجين ترجع إلى عاملين : ( أولاً) أنه لم يمتص بالتمام، وبذا يصبح جزءاً من قشرة الأرض أو من المحيط .

      و ( ثانياً ) أن الكمية التي تركت حرة هي بالضبط الكمية التي تحفها جملة مقادير النتروجين على الوجه الأكمل ولو أن النتروجين توافر بمقادير أكثر أو أقل مما هو عليه، لما أمكن تطور الإنسان كعهدنا به .

      و أمامنا هنا تنظيم مزدوج يلفت النظر : فإن النتروجين، بوصفه غازاً جامداً، هو عديم النفع في الظاهره، وهذا يصح من الوجهة الكيماوية على الحالة التي يوجد عليها في الهواء، وهو بالطبع يكوّن 78% من كل نسيم يهبّ ـ وهو جزء من الهواء الواقي، وبدونه كانت تحدث عدة أمور خطرة . ولكن النتروجين من كلتا الوجهتين، ليس الآن حيوياً للإنسان والنبات مثل الأوكسجين .

      بيدو أن هناك سلسلة من المواد الكيماوية التي يعد النتروجين جزءاً منها، والتي يمكن أن يقال بصفة عامة أنها نتروجين مركب ـ أي النتروجين الذي يمكن أن تتلقاه النباتات، أو النتروجين الذي يتكون منه العنصر النتروجين في أغذيتنا التي بدونها يموت الإنسان جوعاً .

      و ليس هناك سوى طريقتين يدخل بهما النتروجين القابل للذوبان في الأرض كمخصب لها ( سماد ) . وبدون النتروجين، في شكل ما، لا يمكن أن ينمو أي نبات من النباتات الغذائية، وإحدا الوسيلتين اللتين يدخل بهما النتروجين في التربة الزراعية هي عن طريق نشاط جراثيم ( بكتريا) معينة، تسكن في جذور النباتات البقلية، مثل البرسيم والحمص والبسلة والفول وكثير غيرها . وهذه الجراثيم تأخذ نتروجين الهواء وتحيله إلى نتروجين مركب . وحين يموت النبات يبقى بعض هذا النتروجين المركب في الأرض .

      و هناك طريقة أخرى بها يدخل النتروجين إلى الأرض، وذلك عن طريق عواصف الرعد، وكلما ومض برق خلال الهواء وحدّ بين قدر من الأوكسجين بين قدر قليل من الأوكسجين وبين النتروجين فيسقطه المطر إلى الأرض كنتروجين مركب .

      و قد كانت هاتان الطريقتان كلتاهما غير كافيتين، وهذا هو السبب في أن الحقول التي طال زرعها قد فقدت ما بها من نتروجين وهذا أيضاً هو الذي يدعو الزراع إلى مناوبة المحصولات التي يزرعها.

      و قد تنبأ ( مالثوس ) منذ زمن بعيد، بأنه مع تكاثر عدد سكان الكرة الأرضية، واستغلال الأرض في زرع المحصولات دون انقطاع، سوف يستنفذ العناصر المخصبة ولو كان حسابه بشأن تزايد عدد السكان صحيحاً، لوصلنا إلى درجة الندرة في بداية القرن الحالي . وهذا يدلنا على أهمية الفضلة الدقيقة من النتروجين المتروكة في الهواء.

      و البالغة الصغر بالنسبة لضخامة الكرة الأرضية . فبدون النتروجين كان مآل الإنسان ومعظم الحيوانات هو الموت .

      و من عجب أنه حين وضح الناس أن الموت جوعاً هو احتمال قد يقع في المستقبل، وذلك في خلال الأربعين السنة الأخيرة، اكتشفت أماكن بها إنتاج النتروجين المركب من الهواء، وقد ثبت أخيراً أن في الإمكان إنتاجه بهذه الطريقة بكميات هائلة . وهنا زال ذلك الخوف من حدوث مجاعة عالمية .

      و من الشاق أن نلاحظ أن إحدى المحاولات لإنتاج النتروجين المركب، كانت عبارة عن تقليد الطبيعة، في ظروف ملائمة، في إنتاج عواصف كهربائية مصطنعة . وقد استخدم نحو 300000قوة حصانية لإحداث أنوار كهربية ساطعة في الهواء، ونتجت بالفعل فضلة من النتروجين المركب، كما ثبت قبل ذلك بزمن طويل .

      أما الآن فإن الإنسان قد قطع خطوات أبعد .

      و بعد مضي عشرة آلاف سنة من وجودن التاريخي قد ارتقت الوسائل التي يحول بها غازاً جامداً على مخصب ( سماد) .

      و هذا يمكنه من أن ينتج عنصراً لازماً في الطعام، بدونه يموت الإنسان جوعاً . وما أعجبها مصادفة أن يكسب الإنسان في هذا الوقت بالضبط من تاريخ الأرض ن تلك المقدرة على إبعاد شبح المجاعة العالمية .

      إن النتائج الخلقية التي تنجم عن الاضطراب إلى نقص عدد سكان الأرض كي يبقى بعضهم على قيد الحياة، هي أفظع من أن يتصورها الإنسان . وقد أمكن تفادي هذه المأسات في نفس اللحظة التي كان يمكن توقعها .

      المصدر : كتاب العلم يدعو إلى الإيمان أ. كريسي مورسون رئيس أكاديمية العلوم في واشنطن
    • التوازنات الدقيقة في كوكب الأرض



      التوازنات الدقيقة في كوكب الأرض



      الأرض بجوها ومحيطاتها و كرتها الحيوية المعقدة وبقشرتها المؤكسدة نسبياً وغناها بالسيليكا والرسوبيات والبركانيات والصخور التحويلية (سيليكات الماغنيزيوم غلافاً ولباً ) ويكسوها حديد معدني، وبقبعاتها الجليدية وصحاريها وغاباتها والتندرا( سهل أجرد في منطقة القطب الشمالي ) والأدغال والسهول العشبية و بحيراتها العذبة وفحمها وترسبات الزيت والبراكين والمنافذ البركانية التي تنبعث منها الأبخرة والمصانع والسيارات التي تنبعث منها الأبخرة والمصانع والسيارات والمزارع والحيوانات والحقل المغناطيسي والإينوسفير ( الكرة المتأينة ) والسلاسل الجبلية في منتصف المحيط والغطاء المقنع، هي نظام فائق التعقيد ..

      ج . س. لوسي . جيولوجي أمريكي[1]

      لو قمت بجولة في النظام الشمسي فإنك سوف تشاهد منظراً غاية في الإبداع .

      دعنا نتخيل أننا مثل ذلك المسافر وأننا وصلنا دائرة الكسوف العظيمة (دائرة البروج ) للكرة السماوية والتي تتحرك فيها كل الكواكب الرئيسية لنظامنا الشمسي، فأول كوكب سوف نقابله هو (بلوتو )، وهذا الكوكب هو مكان بارد جداً ودرجة حرارته نحو (-238) درجة مئوية، وله جو لطيف يكون في حالته الغازية فقط عندما يكون أقرب إلى الشمس في مداره الشبه اهليلجي، أما في الأوقات الأخرى فيصبح جوه كتلة من الجليد، إذاً (بلوتو) باختصار هو كرة لا حياة فيها مغلفة بالجليد.

      وبالتقدم نحو الشمس فإنك ستواجه الكوكب التالي وهو (نبتون ) وهو أيضاً بارد جداً ودجة حرارته حوالي (-218) درجة مئوية، وجوه يحتوي على غاز الهيدروجين والهليوم والميتان وهو سام للحياة وتهب فيه الرياح بسرعة 2000كيلومتر في الساعة عاصفةً عبر سطح الكوكب .

      الكوكب التالي هو (أورانوس) وهو كوكب غازي فيه صخور غازية فيه صخور وجليد على سطحه ودرجة حرارته (-214) درجة مئوية وجوه يحتوي على الهيدروجين والهليوم والمتيان وبالتالي فهو غير ملائم لحياة الجنس البشري .

      نصل إلى كوكب زحل بعد أورانوس وهو ثاني أكبر الكواكب في المجموعة الشمسية ويتميز بخاصية في امتلاكه جملة من الحلقات المحيطة به، وتلك الحلقات مكونة من الغازات والصخور والجليد . وتعتبر تلك الحلقات واحدة من أجمل الأشياء حول زحل وهي مكونة كلياً من غازين (75% هيدروجين و 25% هيليوم ) .

      وكثافتها أقل منها للماء، وإذا أردت أن تهبط على زحل فالأفضل أن تصمم سفينتك الفضائية بشكل تشبه فيه قارب منفوخاً واسعاً، ولا تنسى أن درجة الحرارة الوسطية منخفضة جداً وتصل إلى (-178)درجة مئوية .

      و بالاقتراب من المشتري وهو أضخم كواكب النظام الشمسي، واتساعه يعادل 238 مرة اتساع الأرض، والمشتري هو مثل زحل أي هو كوكب غازي، و طالما أنه من الصعب أن نميز بين الجو والسطح على مثل تل الكواكب فمن الصعب أن نقول ما هي درجة حرارة السطح، لكنها في أعالي الجو تصل في الغلاف الجوي حوالي –143 درجة مئوية ومن المظاهر الملحوظة في جو المشتري شيء ما يدعى النقطة الحمراء العظمى، وقد لوحظت قبل ثلاثمائة سنة، ويعرفها الفلكيون الآن بأنها عبارة عن نظام عاصفة ضخمة هائجة في جو المشتري لعدة قرون، وهي من الاتساع بحيث تستطيع ابتلاع كوكبين بحجم الأرض، ويرى المشتري كأنه كوكب مثير لكنه وجوه مكون من غاز الكربون في معظمه، والضغط الجوي عند سطحه يعادل ( تسعين ) ضغط جوي أرضي، وعلى الأرض يجب أن تغوص كيلومتراً داخل ماء البحر قبل أن تصل لمثل ذلك الضغط العالي، ويحتوي جو الزهرة على طبقات غازية من حامض الكبريت وسمكها تبلغ عدة كيلومترات . وعندما تمطر الزهرة، فكما تعلم فهي لا تمطر مطراً بل تمطر حمضاً .

      لذلك لا يمكن لأي إنسان أو لأي كائن حي آخر أن يعيش في مثل ذلك المكان الجهنمي ولو لثانية واحدة .

      نتابع رحلتنا فنصل إلى كوكب عطارد وهو عالم صخري صغير مدمر بالحرارة والإشعاع من الشمس، ودورانه حدث له إبطاء بسبب قربه من الشمس بحيث يصنع ذلك الكوكب ثلاثة دورات كاملة محورية ( حول نفسه ) في الوقت الذي يأخذه ذاته ليدور مرتين حول الشمس، وبكلمة أخرى فإن سنتين من عطارد تساوي ثلاثة من أيامه . وبسبب تلك الدورة اليومية المطولة يكون أحد وجهي عطارد حاراً تماماً بينما الطرف الآخر يكون بارداً تماماً والفرق بين درجتي حرارة وجهي النهار والليل لعطارد يزيد على ألف درجة مئوية . وطبعاً مثل تلك البيئة لا تسمح بالحياة فيها .

      ليس صالحاً للإقامة فيه بسبب درجة الحرارة الباردة جداً حدّ التّجمد والرياح العنيفة والإشعاع الشديد .

      الآن يأتي دور المريخ فجو المريخ ليس مكاناً ملائماً للحياة لأن معظمه غاز كربون وسطحه في كل الأماكن يطفح بالبثور، وتلك البثور هي ثقوب لفوهات بركانية، أو نتيجة لصدمات النيازك والرياح القوية العاتية التي تهب عبر السطح حاملة معها عواصف رملية والتي تدوم أياماً وأسابيع متواصلة، وتتغير درجة الحرارة كثيراً وقد تصل إلى مستويات منخفضة في حدود –53درجة مئوية .

      مرت فترة ساد الاعتقاد فيها بأن المريخ ربما كان يحتوي على شكل من الحياة، لكن كل الأدلة بينت أنه عالم لا حياة فيه .

      بالانطلاق بعيداً عن المريخ باتجاه الشمس نلاحظ كوكباً أزرق وسنقرر أن نتخطاه لفترة حتى نتمكن من اكتشاف ما هو أكبر . و يوصلنا بحثنا إلى كوكب يدعى الزهرة وهذا الكوكب في أماكنه مغطى و محجوب بسحب ساطعة لكن درجة حرارته عند السطح هي 450 درجة مئوية، هي كافية لانصهار الرصاص (إذابته ).

      وفي مجمل القول، ألقينا النظر على الكواكب الثمانية وليس لواحد منها بما فيها توابعها الثلاث والخمسين، و هي لم تبد شيئاً يساعد كملاذ يؤوي الحياة .

      أما الكوكب الأزرق الذي تخطيناه لفترة مضت فهو واحد يختلف كثيراً جداً عن الآخرين فكل ما فيه ينبض حياةً جوه وتضاريس سطحه ودرجات حرارته الملائمة وحقله المغناطيسي ومصادر عناصره وهو موضوع على البعد المناسب من الشمس، فهو يبدو كما لو كان قد خلق خصيصاً ليصبح موطن الحياة، والذي سنكشف حقيقة لاحقاً.



      درجة حرارة الأرض :

      درجة الحرارة والجو هي أول عوامل أساسية للحياة على الأرض . والكوكب الأزرق له درجة الحرارة الحياتية والجو التنفسي للكائنات الحية . خاصة لمثل تلك الكائنات الحية المعقدة كالجنس البشري.

      وعلى كل حال أتى هذان العاملان المختلفان كلياً إلى الوجود نتيجة انقلاب الشروط لتصبح مثالية لهما .

      وأحد تلك العوامل هي المسافة بين الأرض والشمس، فالأرض لا يمكن أن تكون مقراً للحياة إذا كانت أقرب إلى الشمس مثل الزهرة، أو كانت بعيدة مثل بعد المشتري ،و الجزيئات ذات الأساس الكربوني يمكن أن تبقى حية بين حدين هما (-20) و(120)، والأرض هي الكوكب الوحيد الذي له درجة حرارة وسطية بين هذين الحدين .

      عندما يفكر شخص في الكون ككل مستعرضاً ضيق مجال درجات الحرارة فتلك مهمة صعبة جداً لأن الحرارة في الكون تتراوح بين بلايين الدرجات في أسخن النجوم إلى درجة الصفر المطلق أي لـ (-273س ) .

      وفي مثل ذلك المجال الواسع لدرجات الحرارة يكون الفاصل الحراري الذي يسمح للحياة بأن توجد هو ضئيل جداً بالفعل، لكن كوكب الأرض له هذا الفاصل .

      الجيولوجي الأمريكي (فرانك بريس ) و( ريموند سيفر) جذبا الانتباه لمتوسط درجات الحرارة السائدة على الأرض . ولاحظا كما نعلم أن الحياة ممكنة ضمن فاصل حراري ضيق، وذلك الفاصل هو من واحد إلى اثنين بالمئة من المجال بين درجة حرارة الصفر المطلق ودرجة حرارة سطح الشمس..

      إن الاحتفاظ بهذا المجال الحراري مرتبط أيضاً بكمية الحرارة التي تشعها الشمس وكذلك بالمسافة بين الأرض والشمس، ووفق الحسابات فإن نقصان 10% من طاقة الإشعاع الشمسي سيؤدي إلى تغطية سطح الأرض بطبقات من الجليد سمكها عدة أمتار، وإذا زادت تلك النسبة عن ذلك بقليل فكل الكائنات الحية سوف تتجمد وتموت .

      لا يكفي أن تكون درجات الحرارة المتوسطة مثالية، بل يجب أن تكون الحرارة المتوفرة أيضاً موزعة بالتساوي تقريباً على سطح الكوكب وأن عدداً من الوقائيات الخاصة يجب توفرها، وبالفعل فقد تم تأمينها .

      يميل محور دوران الأرض بزاوية 23و27 على مستوى دائرة البروج، وهذا الميل يمنع الإفراط الحراري للجو في المناطق بين القطبين وخط الاستواء ومسببة لها اعتدلاً حرارياً أكثر، وإذا لم يكن ذلك الميل موجوداً فالتدرج الحراري بين القطبين وخط الاستواء سيكون أكثر ارتفاعاً مما هو عليه، والمناطق المعتدلة سوف لن تكون معتدلة بعد أو ملائمة للعيش فيها .

      وسرعة دوران الأرض حول محورها تساعد أيضاً في حفظ التوازن الحراري في حالة توازن، وتقوم الأرض بدورة واحد كل 24 ساعة، والنتيجة هي فترات متناوبة قصيرة تقريباً من الليل والنهار، وبسبب قصرهما يكون التدرج الحراري بين الطرفين المضيء والمظلم للكوكب معتدلاً تماماً، وأهمية ذلك يمكن رؤيته في المثال المتطرف لعطارد، حيث أن يومه أطول من سنته فيكون الفرق بين درجات حرارة النهار والليل فيه حوالي ألف درجة مئوية .

      تساعد الجغرافية أيضاً في توزيع الحرارة وتساويها على سطح الأرض، بحيث يكون الفرق بين درجتي حرارة المناطق القطبية والاستوائية للأرض حوالي مئة درجة مئوية فقط، وإذا كان مثل ذلك التدرج الحراري موجوداً على مساحات مستوية كلياً لا تضاريس فيها فستكون النتيجة رياحاً سرعتها عالية جداً ربما بلغت ألف كيلومتر في الساعة وجارفة معها كل شيء في مسارها، ولكن بدلاً عن ذلك فالأرض مملوءة بالعوائق الجيولوجيه التي توقف الحركات الهائلة للهواء التي يسببها التدرج الحراري . وتلك العوائق هي السلاسل الجبلية والممتدة من المحيط الهادي في الشرق إلى المحيط الأطلسي في الغرب، ويبدأ بجبال الهملايا في الصين ويستمر حتى جبال طوروس في الأناضول والألب في أوربا، وفي البحر تنتقل الزيادة في الحرارة في المناطق الاستوائية شمالاً وجنوباً، والفضل في ذلك لقابلية الماء المثلى في نقل الحرارة وتبديدها .



      كتلة الأرض والحقل المغناطيسي للكوكب :

      حجم الأرض ليس أقل أهمية للحياة من بعدها عن الشمس وسرعة دورانها وتضاريسها الجغرافية . وبالنظر إلى الكواكب نرى أن هناك تفاوتاً كبيراً في أحجامها، فعطارد حجمه صغير وأصغر بعشر مرات من حجم الأرض بينما المشتري أكبر منها بحوالي 318 مرة، والسؤال الآن هو، هل كان حجم الأرض إذا ما قورن بحجم الكواكب الأخرى مصادفة ؟ أم هو مدروس ؟ .
      عندما نفحص أبعاد الأرض نرى بسهولة أن كوكبنا صمم تماماً بهذا الحجم وقد علق الجولوجيان الأمريكيان (فرانك بريس ) و( ريموند سيفر ) على تلائم الأرض بقولهما : " إن حجم الأرض هو تماماً ما ينبغي أن يكون عليه، فهي ليست صغيرة جدا فتخسر جوها لكون جاذبيتها الثقالية عندئذ صغيرة فلا تستطيع منع هروب الغازات منها إلى الفضاء، وهي ليست كبيرة بالقدر الذي يجعل جاذبيتها الثقالية تزداد كثيراً فتحتفظ بجو غزي أكبر بما فيها غازات ضارة .[2].

      بالإضافة إلى كتلتها فإن أعماق الأرض أيضاً مصممة بطريقة تخصصية مضبوطة وذلك من ناحية لبها وحقلها المغناطيسي القوي والذي له دور حيوي هام في حفظ الحياة، ووفق ما كتبه العالمان (بريس وسيفر ) يكون : " أعماق الأرض هي محرك عملاق متوازن حرارياً بلطف . وقوده النشاط الإشعاعي ..و عندما تباطأت حركتها صار نشاطها الجيولوجي يتقدم بخطوات بطيئة موزونة ، ولنفرض أنه ربما لم ينصهر الحديد ويغوص ليشكل لباً سائلاً، والحقل المغناطيسي ربما لم يتطور إطلاقاً .. فإذا كان هناك زيادة من الوقود ( أي النشاط الإشعاعي ) وكان المحرك يدور أسرع فإن غازات البراكين والغبار بما حجبت الشمس وعندئذ سيكون الجو كثيفاً، والسطح سيكون مدمراً بالزلازل اليومية والإنفجارات البركانية . [3]

      الحقل المغناطيسي الذي تحدث عنه الجيولوجيون له أهمية كبيرة عل الحياة وينشأ هذا الحقل المغناطيسي في جوف الأرض، فهو يحتوي على عناصر ثقيلة مثل الحديد و النيكل و هما معدنان قادران على حمل شحنات مغناطيسية، والجوف الداخلي صلب أما اللب الخارجي الذي يعلوه فهو سائل، و تتحرك هاتان الطبقتان من اللب حول بعضهما البعض، و تلك الحركة هو التي تولد الحقل المغناطيسي الأرضي، ويمتد هذا الحقل بعيداً خلف السطح، وهذا الحقل يحمي الأرض من تأثيرات الإشعاع الضار الوارد من الفضاء الخارجي، أما الإشعاعات الوردة من النجوم عدا الإشعاع الشمس فهو لا تستطيع السفر عبر ذلك الدرع، فحزام (فان آلن ) الذي تمتد خطوطه المغناطيسية عشرة آلاف ميل من الأرض تحمي الكرة الأرضية من هذه الطاقة المميتة .

      حسبت طاقة السحب البلازمية التي يأسرها حزام (فان آلن ) فوجد أنها تبلغ في بعض الأحيان سويات عالية ربما وصلت لأكثر من مئة بليون مرة من طاقة القنبلة التي ألقيت فوق (هيروشيما) .

      وكما هو معلوم فإن الأشعة الكونية ضارة على جميع المستويات، والحقل المغناطيس هي تقريباً بحدود بليون أمبير، و هذا أكثر مما ولده الجنس البشري عبر التاريخ كله .

      فإذا لم يكن ذلك الدرع الحامي موجوداً فمن المفروض أنها دُمرت بالإشعاعات الضارة والمؤذية من وقت لآخر، . و بالتالي لم يكن للحياة أن تظهر على الأرض إطلاقاً، ولكن كما أشار (بريس وسيفر ) فإن لب الأرض مصمم تماماً كي يحفظ سلامه الأرض .

      وبكلمه أخرى، فإن يوجد هدف خاص كما نص القرآن :

      ( وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً و هم عن آياتنا معروضون )الأبنياء .



      التلاؤم الجوي :

      كما رأينا فإن المميزات والتضاريس والمظاهر الفيزيائية للأرض مثل الكتلة والتركيب ودرجة الحرارة .. الخ هي مضبوطة بالتحديد لحفظ الحياة، ومثل تلك المظاهر وحدها غير كافية لتسمح بوجود الحياة وبقائها كيفياً على الأرض، ويوجد عامل حيوي آخر هو مكونات الغلاف الجوي الأرضي .

      يتكون الجو الأرضي من 77% نتروجين (آزوت ) و21% غاز الكربون، لنبدأ بأكثر غاز أهمية و هو غاز الأوكسجين فالأكسجين هو غاز هام حيوياً للحياة لأنه يدخل في معظم التفاعلات الكيميائية التي تتحرر منها الطاقة والتي تتطلبها أشكال الحياة المعقدة .

      تتفاعل المركبات الكربونية مع الأوكسجين و نتيجة لتلك التفاعلات ينتج الماء وغاز الكربون والطاقة، وتتولد من تلك التفاعلات رزم صغيرة من الطاقة تدعى (ATP) و هي ( أدينوسين ثلاثي الفوسفات ) و تستخدم في الخلايا الحية، و هذا هو السبب الذي يجعلنا نحتاج إلى الأوكسجين باستمرار للحياة و أن نتنفس لتلبية تلك الحاجة .
      الشيء العجيب هنا هو أن النسبة المئوية للأوكسجين في الهواء الذي نتنفسه معينة بدقة عالية جداً، وقد كتب (ميشيل دينتون ) حول هذا الموضوع . فقال :

      هل يمكن للجو أن يحتوي أوكسجيناً أكثر ويبقى داعماً للحياة ؟

      الجواب لا : فالأوكسجين هو عنصر فعال جداً حتى النسبة المئوية الدائمة له في الجو وهي 21% قريبة إلى الحد الأعلى للأمان من أجل الحياة عند درجات الحرارة المكتنفة فيه . و احتمال احتراق الغابات واشتعال النار فيها يزداد بمعدل 70% لك لزيادة مقدارها واحد بالمئة فقط في النسبة المئوية في أوكسجين الجو [4] و هذا يتفق مع ما ذكره الكيميائي الحيوي الإنكليزي ( جيمس لوفلك )، الذي قال :

      في حال أصبحت نسبة الأوكسجين أكثر من 25% فإن بعضاً من أراضينا الزراعية قد يشهد حرائق عنيفة هائجة والتي قد تدمر الغابات الاستوائية، و بطريقة مماثلة سهول التندرا الجرداء في المنطقة لأن نسبة الأوكسجين في جوها مرتفعة بشكل طبيعي ) .

      إذن " إن مستوى الأوكسجين الحالي هي عند نقطة يتوازن عندها الخطر والنفع بلطافة " [5]

      إبقاء تلك النسبة من الأوكسجين في الجو عند تلك القيمة الصحيحة بالضبط هو نتيجة النظام الرائع القائم بين الحيوانات التي تستهلك الأوكسجين بانتظام و تنتج غاز الكربون الذي لا يصلح لتنفس الحيوانات التي تعمل بطريقة معاكسة تماماً فهي تأخذ غاز الكربون لأنها تحتاجه لتنفسها وحياتها، و من ثم تطلق غاز الأوكسجين بدلاً منها، وبفضل ذلك النظام تستمر الحياة، وهكذا تطلق النباتات ملايين الأطنان من الأوكسجين في الجو كل يوم .

      بدون وجود تعاون و توازن بين هاتين المجموعتين المختلفتين من الأشياء الحية، فإن كوكبنا سيكون كوكباً لا حياة فيه، ومثال على ذلك إذا كانت الأشياء الحية تأخذ فقط غاز الكربون و تطلق غاز الأوكسجين عندئذ يدعم جو الأرض الاحتراق بسهولة أكثر بكثير مما يفعله عادة، و حتى أن شرارة صغيرة تستطيع أن تسبب حرائق ضخمة .

      وبطريقة مماثلة إذا أخذت تلك الأشياء الحية الأوكسجين فقط وأطلقت غاز الكربون فالحياة ستنعدم أخيراً عندما يستهلك كل الأوكسجين .

      في الحقيقة إن الجو هو في حالة توازن والتي يتوازن فيها الخطر والمنفعة بشكل مثالي لتنفسنا .



      الجو والتنفس :

      نحن نتنفس في كل لحظة من حياتنا و نستنشق باستمرار الهواء ثم نطلقه . و نحن نفعلها كثيراً بحيث يمكن الاعتقاد بأنها عادة نظامية لدينا، وفي الحقيقة، إن التنفس هو عملية معقدة جداً .

      إن كمال تصميم أنظمة أجسامنا لا يضطرنا لأن نفكر في التنفس . وجسمنا يقدر كم يحتاج لأوكسجين و ينظم لاستلام الكمية الصحيحة منه سواء أكان يمشي أم يركض أم يقرأ كتاباً أم كان نائماً، والداعي للتنفس هو أهميته البالغة لنا بسبب أن ملايين التفاعلات والتي يجب أن تحدث بانتظام في أجسامنا لتبقينا أحياء تتطلب الأوكسجين .

      إن قدرتك على أن تقرأ هذا الكتاب يعود فضله لملايين الخلايا في قرنية عينك والتي تغذي دوماً بطاقة مشتقة من الأوكسجين وبطريقة مماثلة فكل النسج في أجسامنا وخلايانا تأخذ طاقتها من حرق المركبات الكربونية في الأوكسجين، وناتج هذا الاحتراق هو غاز الكربون الذي يجب أن يتخلص منه الجسم، فإذا كان مستوى الأوكسجين في قطرات الدم الجاري في عروقك منخفضاً فالنتيجة هي ضعف، وفي حال غياب الأوكسجين لفترة تزيد عن بضع دقائق فالنتيجة هي الموت .

      وهذا هو السبب في تنفسنا، فعندما نستنشق فالأوكسجين سوف يغمر بطوفانه جوف 300 مليون حجيرة صغيرة دقيقة في رئتينا، وتتصل تلك الحجيرات بعروق شعرية هي التي تمتص الأوكسجين في طرفة عين ( في لمحة ) و تحولها أولاً إلى القلب وبعدها لك عضو آخر في أجسامنا، وتستخدم خلايا جسمنا هذا الأوكسجين وتطلق غاز الكربون داخل الدم، والذي يحولها ثانية إلى الرئتين حيث تزفر، وتأخذ كل هذه العملية فترة لا تزيد عن نصف ثانية . و خلالها يدخل الأوكسجين النظيف و يخرج غاز الكربون الملوث .

      ربما تتساءل لماذا يوجد مقدار 300 مليون من تلك الحجيرات الصغيرة في الرئتين، والسبب هو لتكبير سطح المنطقة التي تتعرض للهواء، وهي مطوية بدقة وبتأن لتحتل أصغر فضاء ممكن بحيث إذا نشرت فالنتيجة ستكون كافية لتغطية ملعب تنس . توجد نقطة أخرى هنا يجب أن نتذكرها باستمرار، وهي أن حجيرات الرئتين والشعيرات الدموية التي تتصل بالرئتين مصممة من الصغر والكمال لكي تزيد من المعدل الذي يجري فيه تبادل الأوكسجين وغاز الكربون، لكن ذلك التصميم الكامل يعتمد على عوامل أخرى مثل الكثافة واللزوجة وضغط الهواء فيجب أن تكون كلها صحيحة لكي يتحرك الهواء بشكل ملائم وهو يدخل ويخرج من رئتينا.

      عند سطح البحر يكون ضغط الهواء هو 760 ميلمتراً زئبقياً وكثافته ولزوجته وضغطه ..الخ ..

      ويجب أن تكون مقاديرها مشابهة تماماً لما هي عليه في الواقع وهذا ضروري جداً خاصة للعضويات هوائية التنفس .[6]

      عندما نتنفس فإن رئتينا تستخدم طاقة لتتغلب على القوة التي تدعى مقاومة منفذ الهواء وتلك القوة هي نتيجة مقاومة الهواء للحركة بسبب الخواص الفيزيائية للجو، على كل حال هذه المقاومة ضعيفة بشكل كاف بحيث أن رئتينا تستطيع أن تأخذ الهواء إلى الداخل وتطرحه إلى الخارج مع أقل ضياع ممكن للطاقة، فإذا كانت مقاومة الهواء أعلى فإن رئتينا سوف تجبر على العمل بمشقة لتمكننا من التنفس، وهذا يمكن تفسيره بمثال :

      من السهل أن نسحب الماء داخل إبرة حقن لكن سحب العسل بواسطة تلك الإبرة أكثر صعوبة، والسبب في ذلك هو أن العسل أكثف من الماء ويتحرك أيضاً بلزوجة أكبر .

      إذا كانت الكثافة واللزوجة والضغط في الهواء أعلى فإن التنفس سيكون صعباً كما في عملية سحب العسل لداخل إبرة الحقن، وربما يقول شخص لكن ذلك سهل وذلك بإجراء إصلاح (أو تقويم ) ! كأن نجعل فتحة الإبرة أوسع لزيادة معدل السريان، لكن إذا نحن فعلنا ذلك في حالة الأنابيب الشعرية في الرئتين، فالنتيجة هي تخفيض في اتساع مساحة منطقة التماس مع الهواء .

      وبالنتيجة فإن أقل أوكسجين وغاز كربون سوف يتبادلان في الوقت نفسه وذلك لن يرضي حاجات الجسم التنفسية، وبكلمة أخرى القيم الإفرادية لكثافة الهواء ولزوجة والضغط كلها يجب أن تقع ضمن حدود معينة لكي تكون قابلة للتنفس وهذا ما هو حاصل فعلاً في الهواء الذي نتنفسه .

      وقد علق (ميشل دنيتون ) على ذلك بقوله :

      " من الواضح أنه إذا كانت اللزوجة أو الكثافة أكبر بكثير من ذلك، فإن مقاومة منفذ الهواء سوف تصبح مانعة ومعوقة، وإن إعادة تصميم النظام التنفسي لا يمكن التصور أنه قادر على أن يقدم أوكسجيناً كافياً لعضويات هوائية التنفس والنشطة أيضاً .

      وأنه برسم المنحني البياني لتغيرات الضغوط الجوية بدلالة كل محتوياته الممكنة من الأوكسجين فإنه يتضح أنه توجد على المنحني منطقة صغيرة فريدة واحد فقط .. تلبي كل الشروط المختلفة للحياة، وبالتأكيد تلك الفكرة هي ذات معنى كبير في أن عدداً من الشروط الأساسية يمكن أن يلبي في هذه المنطقة الصغيرة في الفضاء لكل الأجواء المختلفة ..[7]

      القيم العددية للجو ليست ضرورية لتنفسنا فقط لكنها ضرورية أيضاً لكوكبنا الأزرق كي يبقى أزرق، فإذا انخفض الضغط الجوي عند سطح البحر كثيراً عن قيمة الحالية، فإن معدل تبخر الماء سيكون أعلى، وزيادة الماء في الجو سيكون له تأثير مفعول البيت الزجاجي الذي يأسر حرارة أكثر ويرفع بذلك درجة الحرارة الوسطية للكوكب، ومن ناحية أخرى إذا كان الضغط أعلى بكثير، فإن معدل تبخر الماء سيكون أقل ومحولاً أجزاء واسعة من الكوكب إلى صحارى .

      تشير كل تلك التوازنات المضبوطة بدقة إلى أن جونا صمم بدقة متأنية كي تبقى الحياة قائمة على الأرض . هذه حقيقة كشفها العلم وهي تبين لنا مرة أخرى أن الكون ليس مزيجاً أو خليطاً من مادة أتت بالصدفة، وبدون شك يوجد خالق يحكم الكون ويشكل المادة كما يريد لها أن تكون، كما يحكم على كل المجرات والنجوم والكواكب والكل تحت حكمه وسلطته العليا .

      تلك القدرة الأسمى كما نحيا عليه صمم خصصياً وتم تمهيده من قبل الله للناس كما ذكر في القرآن :

      .. ( والأرض بعد ذلك دحاها ) [ النازعات : 30] .

      وتوجد آيات أخرى توضح أن الله هو خالق الأرض ليحيا عليها الإنسان ..

      ( الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطبيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين ) [ غافر : 64].

      .... ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور .. ) [ الملك : 15].



      التوازنات التي جعلت الحياة ممكنة



      قال الله تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (الذريات:20) .

      الأشياء التي ذكرناها سابقاً هي بالضبط بعض التوازنات الدقيقة اللطيفة الضرورية للحياة على الأرض، وبدراسة الأرض نستطيع أن نضع قائمة للعوامل الأساسية الضرورية للحياة، ولقد وضع الفلكي الأمريكي

      ( هيوج روس ) قائمة خاصة به تضمنت ما يلي :

      1. الجاذبية الثقافية السطحية :

      إذا كانت أقوى : فالجو سيحتجز كثيراً من غاز الأمونيا والميتان

      إذا كانت أضعف : جو الكوكب سوف يخسر كثيراً من الماء .

      2. البعد عن النجم الأم :

      إذا كان أبعد : الكوكب سيكون بارداً جداً من أجل دورة مائية منتظمة .

      إذا كان أقرب : الكوكب سيكون ساخناً جداً من أجل دورة مائية منتظمة .

      3. سمك القشرة :

      إذا كانت أكثر سمكاً : كثير من الأوكسجين سوف ينتقل من الجو إلى القشرة .

      إذا كانت أرق : النشاط البركاني التكتوني سيكون كبيراً جداً .

      4. فترة الدوران :

      إذا كانت أطول : فوق درجات الحرارة اليومية سيكون كبيراً جداً .

      إذا كانت أقصر : سرعات الرياح الجوية ستكون كبيراً جداً .

      5. التفاعل الجاذبي الثقالي مع القمر :

      إذا كان أكبر : تأثيرات المد على المحيطات والجو ودور الدوران سيكون قاسياً جداً .

      إذا كان أقل : تغيراً في الميل المداري سوف يسبب عدم استقرار مناخي .

      6. الحقل المغناطيسي :

      إذا كان أقوى : العواصف الكهرطيسية ستكون عنيفة .

      إذا كان أضعف : الحماية غير ملائة غير ملائمة من الإشعاعات النجمية القاسية .

      7. البيدو ( نسبة الضوء المنعكس إلى مجمل كمية الضوء الساقط على السطح :(

      إذا كان كبيراًً : ستحل عصور جليدية .

      إذا كان صغيراً : ستذوب الثلوج وتغرق الأرض في الماء، ثم تصبح جافة قاحلة .

      8. نسبة الأوكسجين إلى النتروجين في الجو :

      إذا كان أكبر : توابع تطور الحياة سوف تقدم بسرعة كبيراً.

      إذا كانت أصغر : توابع تطور الحياة سوف تتقدم بسرعة بطيئة .

      9. مستوى غاز الكربون وبخار الماء في الجو :

      إذا كانت كبيرة : ترتفع درجة الحرارة الجو بشكل أكبر .

      إذا كانت أصغر : تنخفض درجة حرارة الجو .

      10. مستوى الأوزون في الجو :

      إذا كان أكبر : درجة حاررة السطح ستكون منخفضة جداً .

      إذا كان أقل : درجة حرارة السطح ستكون عالية جداً، وسيكون هناك كثير من الإشعاع فوق البنفسجي عند السطح .

      11. النشاط الزلزالي :

      إذا كان أكبر : سيتحطم كثير من أشكال الحياة .

      إذا كان أقل : المادة الغذائية على قيعان المحيطان (الآتية من مقذوفات الأنهار ).

      لن تخضع للدورة المتكررة لارتفاع القارات التكتوني . 64

      هذه بالضبط بعض من صور التصميم الدقيق لتوازنات بيئية والتي صنعت لكي تبقي الحياة قائمة، ولكن حتى هذه الصور ليست كافية لإظهار أن الأرض لم تأت للوجود نتيجة مصادفة أو أنها تشكلت نتيجة سلسلة حوادث سعيدة .

      هذه التفاصيل وغير مما لا يحصى يؤكد حقيقة واضحة بسيطة وهي أن الله والله وحدة هو الذي خلق هذا الكون والنجوم والكوكب والجبال والبحار كاملة، وأنه هو الذي أعطى الحياة للمخلوقات البشرية والأشياء الحية الأخرى .

      و سخر ما خلقه لسيطرة الإنسان، الله والله وحده هو منبع الرحمة والقدرة، وقدرته كافيه لأن يخلق أشياء من العدم . هذا الخلق الكامل من قبله سبحانه وتعالى وصف في القرآن بالآن التالية .

      المصدر : نقلا ً عن كتاب خلق الكون لمؤلفه الكاتب التركي هارون يحيى


      --------------------------------------------------------------------------------

      [1] F.pess,R.Siever,Earth,new York:w.h.Freeman,1986,p.2.

      [2] F.press ,r.siever,earth ,new york :w .h . freeman ,1986 ,p4

      [3] F.pess,R.Siever,Earth,new York:w.h.Freeman,1986,p.2.

      [4] Michael Denton,Naturems Destiny ,p121

      [5] JAMES J.LOVELOCK ,NATURE,S DESTING ,P.121

      [6]Michael Denton,Naturems Destiny ,p121

      [7] Michael Denton,Naturems Destiny ,p121