نفثــــاتُ رجــلٍ مختـــلف

    • شئٌ من طفولته (5)



      شُهرَ عن صاحبي -صغيراً- استغراقُه في التفكير حتى يذهلَ عن عالمِه المحيطِ به، فلا ينتبه لمن يحدّثُه، أو لما يحدثُ جانبَه!

      من ذلك أنه كان يوماً عائداً من مدرستِه، و كانت الحافلةُ -و قد استُبدلت الحافلاتُ بالسيارات- تُنزلُه في نقطةِ تجمّعٍ تبعد عن بيته.
      و كانت طريقه بين البيت و تلك النقطة تمرّ بين حدائق نخلٍ سامقة، و سواقٍ يجري عليها ماء الفلج لسقي تلك الحدائق في أوقاتٍ محددة، و شجرة "أمبا" عظيمةٌ هائلة، كانت في وقت ثمارها يسقط منها الكثير من حبات "المانجو" اللذيذة، لذا كان الكبار و الصغار على السواء يتسابقون في المرور عليها ليظفروا بما تجود به تلك الشجرة عليهم!
      و حائطٍ طينيّ قديمٍ مائل يميل على الطريق، كانت أمّه كثراً ما تنبّهه بالإسراع حين المرور عليه خوفاً من سقوطه!
      و قنطرة على الفلج المشهور يقطع بها ذلك الفلج، و على جانب القنطرة و غير بعيدٍ عنها "مجازةٌ" نساء، كانت "المجازة" عبارة عن حجرةٍ طينية بنيت فوق الفلج لتستخدمها النساء للإغتسال بعيداً عن الأعين، و لطالما تفكّرَ صاحبي كيف تبدو "المجازة" من الداخل؟ و لم يتمكّن من معرفةَ ذلك إلا بعد سنين طويلة و بعد أن هُجرت "المجازة" و لم تعد تُستخدم، و سقط جانبٌ منها! لم يكن داخلها ما يسترعي الإنتباه، فالفلج يقطع منتصفها، و على الحائط أوتاد لتعليق الملابس.

      كان صاحبي عائداً من المدرسة متجها إلى البيت، مخترقا تلك المزارع، مستغرقاً في التفكير كعادته، و لم ينتبه إلا و هو يصطدم بجذع نخلة عظيمة على جانب وجهه اليمين! و ملئ ما حول عينه اليمنى خدوشاً و جروحا
      حين وصل إلى البيت، لم يصدّق أحدٌ روايتَه، و اتُّهمَ بأنّه انخرطَ في عراكٍ بالمدرسة نتج عنه تلك الخدوش و الجروح!! الشئ الذي لم يستطع الجميع تفسيره، هو كيف لصاحبي المعهود بالهدوء و البعد عن المشاكل أن ينخرط في عراكٍ كهذا؟!
      بالنسبةِ لصاحبي فإنّه تمسّك بروايته، ثمّ لاذ بالصمت حين تمّ تكذيبُه!

      ما لا يعرفُهُ أحدّ سواي، أن صاحبي كان كثيراً ما يقفُ أمام المرآة، ممعناً النظر في عينيه، و يسأل نفسه: من أنا؟ و ما أنا؟!!
      و يستغرقُ في التفكير، حتى تصيبه حالةٌ ينسى فيها اسمه، و يرحلُ فيها عن عالمه، و يبدو كأنه شخصٌ آخر ينظر من بعيد إلى ذلك الشخص الواقف أمام المرآة
      و يصابُ بصداعٍ شديد، يكاد أن يخلّفه مجنوناً، فلا يملك ليعودَ إلى رشده إلا أن يضرب رأسه بالمرآة ثم يبتعد مسرعاً عنها، فإذا هو هو من جديد!!!

      كبرَ صاحبي، و تعلّم القراءة، و أصبح الإستغراق في القراءة و الذهول بها عن المحيط بديلا عن الوقوف أمام المرآة.


    • بسم الله الرحمن الرحيم..


      الطفوله.. وعلقات الماضي تعنفنا، تعانق أخطاءنا وتستر هفواتنا.. لتعتقنا مجدداً.. لتبرء براءتنا وتناشدنا العوده..

      المحيط زاخر بالجبال، ولكنها مغطاة بالزرقه.. أي أمل؟ وكأنها تدفن السنوات.. وكأننا ندفن تلك اللحظات ثم تنعكس فجأه على صفحات الذاكره..

      رغم السعادة المكبوته، رغم الندم الواضح على ذلك الصديق، إلاّ أنه مازال يبرر طفولته.. أي براءه..

      أتعلم..


      أعجب من الإنسن أحياناً، ولكنني توقفت عن الإنشغال به.. فالواقع اصبح متآكلاً.. وهذه الومضات تجعلني بعيدة جداً عنه.


      لماذا دائماً تكون الطفوله، بالرغم من أن الإنسان ليس له حيلة في طفولته.. ولكنه ذو قدره وفهم في مرحلة شبابه .. لماذا الطفوله؟




      عوده بعد انقطاع عن متصفحك.. وقد تبادر إلى ذهني ذلك الرجل الوقور الذي قامت الأم بمدحه، والأب بوصفه، وأنت بتبجيله..

      ألا تعتقد أنك تأثرت بما سمعت، فصبغت عليه صبغة العلم والندره.. وأنه لا يصح الحكم على من ملئنا حديثاً فيه وعنه..


      في انتظار تعقيبك.. أختك

      نصل متأخرين دائماً بعمـــر !!
    • عيون هند كتب:



      بسم الله الرحمن الرحيم..
      لماذا الطفوله؟

      هي مرحلةٌ من عمرِ الإنسان، و محطّة من محطّاتِ حياته
      غالباً ما تصحبُها البراءة، و تكتنفها النقاهة، و تسربلُها السعادة
      و هي محطّةٌ تحدّدُ -أو تؤثّر- بشكلٍ أو بآخر، في ما بعدها من محطات




      عوده بعد انقطاع عن متصفحك.. وقد تبادر إلى ذهني ذلك الرجل الوقور الذي قامت الأم بمدحه، والأب بوصفه، وأنت بتبجيله..

      ألا تعتقد أنك تأثرت بما سمعت، فصبغت عليه صبغة العلم والندره.. وأنه لا يصح الحكم على من ملئنا حديثاً فيه وعنه..


      في انتظار تعقيبك.. أختك




      "وأنت بتبجيله" ----"ألا تعتقد أنك تأثرت بما سمعت، فصبغت عليه صبغة العلم والندره"
      اممممم، أختلطَ الأمر عليك بين "محبّ بائن" و بين "صاحبه"؟!!
      لا بأس، فنظرتي للرجل الوقور لا تختلف عن نظرته، لذا يمكن اعتبارنا "واحداً" هنا.

      من العادة أننا إذا سمعنا عن امرئٍ شيئاً أن نصوّره في أكملِ صورةٍ نتخيّلها لذلك الأمر
      فإذا لقيناه وجدناه دون ما تصوّرناه، و ما ذلك إلا أننا بالسماع -دون اللقاء- نعمدُ إلى استحضار أبهى ما نعرفُه عن تلك الصفات
      من وصف له جمال فتاةٍ ما، فإنه سيضع لها صورةً توافق ما هو "جمالٌ" بالنسبة إليه، فإذا لقيها فإنه بلا شكّ سيجدها دون ذلك، فلا أحد يملك جميع مقوّمات صفةٍ ما.

      الرجلُ الوقور، هو امرؤٌ شهدَ له بالعلم و الندرة علماء الأمة من معاصريه، و إن كنت سأتّهم حكم صاحبي فإنني دون أن أتّهمَ حكمَ علماء هذه الأمة.
    • مساء الخير
      ::
      محب
      ما زال صاحبك يغوص بنا ويفتح أبواب وأبواب !!
      ::
      قيل
      (( لأننا نتقن الصمت حملونا وزر الخطايا))
      وهكذا هو حال صاحبك صمته جعل منه مذنباً !!
      إذن لنتعلم الكلام ...كي نُبعد عنا الجرم !!
      ::
      متابعين للقراءة ،،
      ودمتم

      $ شـُــــــكـــراً $$9
    • انا والحزن كتب:

      مساء الخير
      ::
      محب
      ما زال صاحبك يغوص بنا ويفتح أبواب وأبواب !!
      ::
      قيل
      (( لأننا نتقن الصمت حملونا وزر الخطايا))
      وهكذا هو حال صاحبك صمته جعل منه مذنباً !!
      إذن لنتعلم الكلام ...كي نُبعد عنا الجرم !!
      ::
      متابعين للقراءة ،،
      ودمتم




      نفتحُ أبواباً ليلجَها من يسطيع سبرَ ما وراءها
      و نسدّ أخرى ليتبيّن غافلٌ سرّ إبقائها مسدودة

      الصمت زينٌ، و الهذرُ شين
      لكن الصمتَ في موضع الكلام كالكلام في موضع الصمت، شينٌ و مَين.

      أشكر لك متابعتك الجميلة
    • رجلٌ من الماضي (1)







      كان يومَ رجوع صاحبي بعد انقضاء الفترة التي يقضيها في مكان عمله كل شهر، كان قد أكمل ما يقارب السنتين في عمله منذ التحاقه به إثر تخرّجه من جامعةٍ خارج الدولة، و كان لديه حينها ابنتان صغيرتان، الصغرى منهما أكملت لتوّها عامها الأول و كانت تعاني إعاقةً منذ ولادتها عجز الأطباء عن إيجاد علاجٍ لها.

      كان متشوقاً للعودة و رؤية طفلتيه الصغيرتين، كما كان يحس بشوقٍ لدفء والدته الحنون، و استقبالها له حين رجوعه بضمّه و الدعاء له.

      تفرّسَ في وجوه المحيطين به، الجميع في صالة انتظار مدرج الطائرات، و البِشرُ يعلو الوجوه، و كأن الجميعَ مساجينُ في يوم الإفراج عنهم، الجوّ صاخبٌ، كلامٌ كثيرٌ غير مفهوم، و قهقهاتٌ تعلو و تخفت، و أصوات عمّال ينادون بعضهم لإنجاز التحضيرات لنزول الطائرة و إقلاعها من جديد.
      بقدرِ تشوّقِ صاحبي للمغادرة، إلا أنّه كان ممتعضاّ من رحلة العودة، فالطائرة تحطّ بهم في مطار السيب -حينها- ثم عليه أن يدبّر نقلاً يوصلُه إلى بلده، لم يكن قد اشترى سيارةً بعد، و رغم أنّ عمله يدرُّ عليه دخلاً مجزياً إلا أنّه رفض أن يشتري سيارة بقرضٍ أو أقساط، و آثر أن ينتظر حتى يتمكن من توفير مبلغٍ يستطيع به شراء السيارة.

      حاول مرةً شراء سيارةٍ بأقساط، لكنّه حين وجد فيها شبهةَ ربا، رمى بالفكرة خلفَ ظهره، أما الدّين فهو كان يفرّ منه فراره من الأسد! و ذاك منذ أن قرأ حديث الرسول -صلى الله عليه و سلّم-:"يُغفر للشهيد كل شئ إلا الدين" و كم من فرصةٍ -كما يراها البعض- فاتته فقط لأن المبلغ المتوفر في يديه كان ينقص قليلاً عن القيمة المطلوبة، لكنّه في الأخير قبلَ الدين حين عرض عليه أخوه أن يكمل له باقي المبلغ لشراء سيارةٍ عُرضت عليه، فأخذها و لم يقرّ له قرار حتى سدّد دينه لأخيه بعد أشهر قلائل.

      وصلت الطائرةُ و نزلَ منها الموظفون الذين سيستلمون العمل من هؤلاء المنتظرين و على وشك المغادرة، ثم نودي في المنتظرين أن امتطوا بطنَ الطائرة
      الطائرة صغيرة ربما تحمل 48 راكبا فقط، لها محركان، كل محرك على جناح و لكل محرك مروحة، داخل الطائرة ضيق، و الكراسي بالكاد تكفي لجلوس الراكب عليها
      لم تكن الطائرة سيئة بالنسبة لرحلة لن تستغرق أكثر من أربعين دقيقة!

      الرحلة إلى مطار العاصمة، رغم أنها لم تكن طويلة إلا أنها في كثيرٍ من الأحيان لا تخلو من منغصات، فأصوات المحركات تكاد تصمّ آذان الراكبين بالقرب من الجناحين، فيما كانت المطبات الهوائية تتقاذف الطائرة حتى ليخيّل لمن لم يعتد عليها أن الطائرة تهوي إلى الأرض!

      ما زال يذكر يوم أن انطلقت بهم الطائرة من مسقط متجهةً لمكان عملهم، و حين لاح لهم المدرج الذي ستهبط فيه الطائرة، أعلن الطيار أن الطائرة تواجه مشكلةً "تقنية" و أنه سيضطر لإعادتهم إلى مسقط!!
      عادت الطائرة أدراجها و حين بدا لهم المطار، ظلت الطائرة تحوم حوله دون أن تهبط، بدأ القلق يتسلل إلى نفوس الجميع، و بدأت الأصوات تتعالى مطالبةً طاقم الطائرة بالإفصاح عن المشكلة، جاء الردّ صادماً بأن عجلات الطائرة لا تستجيب لمحاولات إنزالها!!
      أعلن الطيار أنه يحلّق حول المطار لحرق الوقود لكي ينزلَ الطائرة نزولا اضطرارياً دون عجلات، و أنه في الوقت ذاته ما زال يحاول إنزال العجلات.
      لطفَ الله بهم ذلك اليوم، إذ بعد أن أنهت الطائرة عدة دورات حول المطار، سمع الجميع صوتاً كان في آذانهم حينها أطربَ صوتٍ سمعوه، كان صوت نزول العجلات!

      كان صاحبي غارقاً في أفكارٍ و خيالاتٍ بعيدة حين أُعلن عن وصول الطائرة مسقط،
      بدأ الجميع في الترجل عنها مبتهجين مسرورين، و غادروا قاعات المطار كلٌ متجهٌ لبيته و مأواه.



    • رجلٌ من الماضي (2)


      غادر صاحبي المطار و توجّه صوبَ حافلاتٍ خصّصتها جهةُ عمله لموظفيها قاطني مسقط، فاستقلّ المتوجهة إلى منطقة "الموالح"، و طلب من سائقها أن يوقفه في "برج الصحوة" ليستقلّ من هناك سيارة أجرة إلى بلده.
      لطالما أحسّ بالغُبن، إذ ما ذنب من كان قاطناً خارجَ مسقط لكي لا توفّر له وسيلة نقلٍ توصله لبيته؟!

      توقف صاحبي عند نقطة انتظار سيارات الأجرة في ذلك المكان المشهور، و ظلّ يبحث عن سيارة تقلّه حتى وجد إحداها أخيرا، و كانت حافلة أجرةٍ صغيرة، لكنّ السائق رفض المغادرة قبل أن يجد زبائن آخرين يملأون الحافلة.
      كان المكان مزدحماً بسيارات الأجرة و الزبائن المتوجهين إلى مناطق مختلفة، اختلفت أشكالهم و أجناسهم و وجهاتهم، و جمعهم المكان.

      انتظر صاحبي سائق حافلة الأجرة لينتهي من بحثه، و ظلّ واقفا تحت لهيب الشمس الساطعة، لم يكن المكان مهيئاً بحيث يقي جموع المنتظرين من حر الصيف أو برد الشتاء!
      كعادته اختار زاويةً بعيدة و منعزلةً بعض الشئ، فهو مشهورٌ بهدوئه و انطوائه مع الأغراب، و انبساطه و فكاهته مع الأصدقاء و الزملاء.

      بين الفينة و الفينة، كان يتأمّل في وجوه الآخرين، محاولاً سبرَ ما وراء تقاسيمها و تعابيرها، تلك عادةُ أحسّ أنها سيئة و حاول مراراً تركها، لا يعلم أحدٌ -سواي- أنه يتفرّسُ في الوجوه فيخرجُ بانطباعٍ أثبت صحتّه في معظم الأحيان.
      لا يدري أهي موهبةٌ أم عادةٌ سيئة، لكنّه كان يتفرّس الوجوه و الكلام و الكتابة، و يحللّ الشخصيات من خلالها، و لطالما وافق تحليله الصواب
      هو لا يرى فيها أي شئ غير عادي، و لا ذكاءً خارقاً، فكلّ ما يفعلُه هو ربط ما يراه أو يسمعه أو يقرأه بما هو بديهي و معروف

      من ذلك أنا كنا نقرأ سويا موضوعاً في أحد المنتديات، فابتسم و قال الموضوع مسروق و ليس من كتابة طارحه!
      و حين استفهمتُ منه كيف حكم بذلك؟ أجابني من الإسم المستعار للعضو و صورته الرمزية، فهما يدلان على أن صاحبهما لم ينل حظاً من العلم، فالإسم يريد به الفخر و هو في حقيقته ذم! أما الصورة فتدلّ على عمله، و هو عملٌ لا يلجأ إليه إلا من لا يملك مؤهلاً لغيره.
      أخذني العجبُ مما يقول، و آليت على نفسي أن أبحث لأرى إن كان تحليله صائبا، و لم أُدهش عندما وجدتُ أنه كذلك!


      لفتَ نظرَه و هو يقلّبه بين الوجوه، شخصٌ بدا له مألوفاً لكنّه لم يستطع تبيّن لمَ بدا كذلك؟!
      كان شاباً في مثل عمُره، لكن هيئتَه كانت هيئةً الشاب المستهتر و المتكبّر الذي يحاول تغطية فشله بإظهار نفسه مظهر المتحّرر المستنير من خلال لبسه و حلاقة وجهه و قصّة شعره!
      كان الشابّ ممسكاً بسيجارةٍ ينفث دخانها من فمه و أنفه، في مشهدٍ لو رآه صاحبه بعيني صاحبي لما رضيه لنفسه!
      فجأةً لمح ذلك الشابّ صاحبي، و بادر بإلقاء "السيجارة" و إطفائها، و تحولّت مظاهرُ الكِبر و الإعتداد بالنفس التي بدا بها أولاً إلى اضطرابٍ و خجلٍ لم يستطع صاحبي تفسيره! و سرى شعورٌ في نفسه لم يتبيّن كنهه، كان مزيجاً من الشفقة و شيئاً مما يحسّ به المرء حين يلتقي بشخصٍ يعرفُه من قبل.

      بدا الشاب متردداً لوهلة، ثم توجه نحو صاحبي الذي لم يتوقّع ذلك.
    • رجلٌ من الماضي (3)


      توجّه الشابّ نحو صاحبي و بادره بالتحية، ثم سأل بشئٍ من الودّ : "أنت ...... أليس كذلك؟!"
      ردّ صاحبي بالإيجاب، ثمّ دار بينهما الحوار التالي

      الشاب: مرّت سنونَ طويلة منذ التقينا آخر مرةً و لا أظنّك تذكرني
      صاحبي: أعتذر منك، فذاكرتي أضعفها الزمان و أحداثه
      الشاب(بشئٍ من الخجل): ليس الملومُ ذاكرتك، بل حالي أنا، المهمّ أنا فلان و كنت معك بنفس الفصل في المدرسة في الصفّ الأول الإبتدائي!
      صاحبي: ما شاء الله، يبدو أنك تملكُ ذاكرةً قوية لم يغيّرها الزمن، و لم يكدّرها الحدثان!
      الشاب: هههههه ، نسيتُ الكثير، لكن أنت لا أظنّ بأني سأنساك
      صاحبي (متعجّباً): و لمَ ذلك؟
      الشاب: أنت شخصٌ مميّز، و لك موقفٌ معي لن أنساه
      كنتَ أذكانا و أميزنا، و كنا نعجبُ من سرعة إتقانك الكتابة و القراءة، و كنتُ أنا متعثّراً لدرجة أني لم أستطع إتقان كتابة اسمي!
      أتذكر أنك كنت تطلب من الآخرين قراءة درسٍ ما فاتتك كتابته و تقوم بكتابته دون أن تنظر لنقل إملاء الكلمات؟!
      صاحبي: امممممم، أذكر شيئاً من ذلك لكن ما كنتُ أحسب أن ذلك كان و أنا بالصفّ الأول! ثم إن من كان يقرأ و يمليني ما أكتب لا بدّ انه كان أقدر مني!
      الشاب: لا بأس، المهم أنك كنت دائما تشجعني، و تأخذ بيدي لتعلّمني رسمَ اسمي
      صاحبي (متعجّباً): أنا؟!!
      الشاب: أجل أنت، إن كنتَ نسيت، فأنا لن أنسى ذلك أبداً
      كنتَ تفعل ذلك بكل ودّ و رغبة صادقة و حماس، و تحاول أن تقذف في روعي الثقة و الأمل، طبعاً أنا كنتُ صغيراً حينها لأعي هذه الحقائق، لكنني حين وعيتُ و تذكّرتُ موقفك معي أدركتُها.
      صاحبي: هي براءة أطفالٍ أظنّ الجميع كان متحلّياً بها، لكن أرى أنك ........... (لم يُكمل بل صمت فجأة)
      الشاب (و قد بدا أن الخجل قد أخذ منه كلّ مأخذ): أنني لم أصل لشئ؟! نعم لم اصل لشئ، ليتني كنت مثلك، ليتني اهتممتُ بدروسي، لقد رفعك العلم، و نزلَ بي الجهل
      صاحبي (مقاطعا): إذاً، هل أنت متجهٌ للبلد الآن؟
      الشاب: نعم، و أنتظر سائق تلك الحافلة
      صاحبي: أنا أيضا أنتظر نفس الحافلة
      الشاب: جميلٌ جداً، سنتصاحب إذاً حتى نصل

      جاء سائق الحافلة أخيراً ، قعد الشاب بجانب صاحبي في الحافلة، و تبادلا أحاديث شتى، حاول صاحبي خلالها إرسال رسائل للشاب علّه يعيها، و تكونُ سبباً في تغييره

      حين وصلا وجهتهما، أصرّ الشابّ أيّما إصرارٍ على أن يدفع هو أجرةَ الحافلة، و مع رفض صاحبي، ترجّاه الشابّ قائلا: ائذن لي أن اردّ شيئاً من جميلك معي

      تفرّقا بعدها على امل أن يلتقيا ثانيةً دون أن يضربا لذلك موعدا

      انقضت أعوامٌ كثيرةٌ بعدها لم يلتق فيها صاحبي بذلك الشاب، لكن رغم ذلك ظلّ يذكر ذلك اليوم، و يتفكّر كيف أن الإحسانَ يملك الإنسان!

      تنبيه: صغتُ الحوار بقلمي، إذ أخذت المعنى فقط دون الألفاظ
    • بطـــاقــةُ تهنئـــــة


      تلقّى صاحبي اليوم بطاقةَ تهنئةٍ من ابنته ذات الإثني عشر ربيعا، أنقل لكم نصّها و رسمها!!

      "أبي الحنون
      أهنئك في هذا اليوم الجميل و هو يوم وقفة عرفة
      أحببتُ أن أهنئك أيضاً بقدوم عيد الأضحى المبارك و أتمنى أن تقضي أياماً مليئة بالأفراح....

      عيد سعيد

      ابنتك المحبة "خ"
    • مذكرة ذات حرف هادف
      وفكر واعٍ بما يدور حوله

      راق لي الحوار جدا
      وأكثر العبرة التي يحملها

      شكرآ لقلمك الراقي
      وفكرك الذي يقود قلمك

      من القلب

      شكرآ وأكثر
      أود الآن لو يتآح لي أن أكمّل ذآتي ، ولكن أنّى لي ذلك إذآ لم أتحول إلى سيآدة يعيش عليهآ العآقلون من الأحيآء ..!! ( جبرآنْ خليلْ جبرآن ) منْ كتآب ../ رمـ.ــلٌ وزبـ.ـدْ ..
    • أنثى بين قلب وعقل كتب:

      مذكرة ذات حرف هادف
      وفكر واعٍ بما يدور حوله

      راق لي الحوار جدا
      وأكثر العبرة التي يحملها

      شكرآ لقلمك الراقي
      وفكرك الذي يقود قلمك

      من القلب

      شكرآ وأكثر


      الكيّسُ فطنٌ ينتبه لموضع الفكرة و العبر، و ينفذ لما وراء الحرف و السطر

      أشكر لك مرور الفطن، و ظنّ المحسن
      كل عامٍ و أنتِ بخير
    • في ظلال القرآن




      لصاحبي مع سيّد قطب -صاحب الظلال- صحبةٌ نشأت مذ بدأ تعلّم القراءة!
      يذكر أنه وقع يوماً على كتيباتٍ صغيرة أعلى دولاب ملابسٍ في إحدى الحجرات بمنزلهم القديم، فأخذ يقرأها واحداً تلو الآخر، كانت تلك قصص الأنبياء للأطفال و كان المؤلف سيّد قطب بالإشتراك مع الأديب كامل كيلاني.

      لأمرٍ لا يعلمُه إلا الله، انطبع اسم سيّد قطب في ذهن صاحبي دون الكاتب الآخر، و حين وقع بيده -بعد سنين عدة- كتاب "في ظلال القرآن" و كان حينها في الصف السادس الإبتدائي أو الأول الإعدادي، قفز اسم "سيّد قطب" إلى ذاكرته نافضاً الغبار عن ذكرى أوائل قراءاتها، و باعثاً شجَناً ساق صاحبي إلى أن يُمسكَ بالظلال ليقرأه.

      كانت مقدّمةُ الكتاب تحملُ شيئاً من فلسفةٍ استعصت على فهم صاحبي الذي ما زال -و لا زال حتى الآن- يحبو في طريق العلم و الفكر، لكنّ قطعةً جعلته يقفُ عندها كثيرا، و هي هذه:

      "وعشت - في ظلال القرآن - أنظر من علو إلى الجاهلية التي تموج في الأرض ، وإلى اهتمامات أهلها الصغيرة الهزيلة .. أنظر إلى تعاجب أهل هذه الجاهلية بما لديهم من معرفة الأطفال ، وتصورات الأطفال ، واهتمامات الأطفال .. كما ينظر الكبير إلى عبث الأطفال ، ومحاولات الأطفال . ولثغة الأطفال .. وأعجب .. ما بال هذا الناس ؟! ما بالهم يرتكسون في الحمأة الوبيئة ، ولا يسمعون النداء العلوي الجليل . النداء الذي يرفع العمر ويباركه ويزكيه ؟"


      و ظلّ صاحبي مردّداً النظرَ فيها، محاولاً استقصاء ما "اهتمامات أهلها الصغيرة الهزيلة"؟!

      كبرَ صاحبي، و توسّعت مداركُه قليلا، و بدأ ينكشف له بعض الإهتمامات الهزيلة التي ينساق إليها الناس، و يلهون بها عن معالي الأمور.
      و تكشّفت له طفولة أفهام الكثيرين، و صبيانيةِ تصوّراتهم و عبثهم
      لكنّه اكتشف فارقاً عظيماً بين الطفولتين، فتلك تحمل البراءةَ و الطهر، و هذه تحمل الجهل و الغرور!!
    • عيون هند كتب:



      جميل أخي.. أثابك الله ..

      لقد جعلت منه ركنا هادئاً للقراءه..

      أشكرك..




      العفو
      أسأل الله لنا جميعاً حسن المثوبة

      لا تبخلوا عليّ و على صاحبي بما يسدّد رأينا، و يقوّمُ أمرَنا.
    • نفثات جميلة...
      وسرد أجمل.. يجبرنا على معايشة الحدث بتفاصيله وتخيّله أمامنا كأننا جزء منه...
      احسنت في اختيار الكلمات... لطالما استمتعت الوقوف عند كل حرف منها..

      متابعة من بعيد ..لنتعلم منكم
      بارك الله فيك أخي
      تحياتي لقلمك الراقي
      :):):)
    • فارسةما تهاب خيـ الغدرـول كتب:

      نفثات جميلة...
      وسرد أجمل.. يجبرنا على معايشة الحدث بتفاصيله وتخيّله أمامنا كأننا جزء منه...
      احسنت في اختيار الكلمات... لطالما استمتعت الوقوف عند كل حرف منها..

      متابعة من بعيد ..لنتعلم منكم
      بارك الله فيك أخي
      تحياتي لقلمك الراقي
      :):):)



      هو كلامٌ سأعتبره تشجيعاً، لأن ما أسطّره هنا لا يرقى إلى ما وصفتيه به
      أشكر لك تشجيعك و حسن ظنّك

      أجمل التحايا لرقيق كلماتك
    • هو و الشعر!(1)


      لم يكن صاحبي -صغيراً- من هواةِ النظم، أو عشّاق القصيد
      بل كان على العكس من ذلك، لا يستسيغ الشعر و لا يطربُ له، و كان حين يمرّ بأبيات شعرٍ في كتابٍ يقرأه -و قلّما يخلو كتابٌ من ذلك- يتركها لينتقل إلى ما بعدها
      كان أكثر ما ينفّره من الشعر، أنه كان يحسّ أنَ به نغماً و إيقاعاً خاصاً لم يستطع يوماً أن يتوصّلَ إليه أو يتمكّن من ضبطِ إيقاعاتِ صوته لكي يقرأه -أو يُنشده بتعبيرٍ أدق- بسلاسةٍ و أريحية

      كبر صاحبي، و قرأ لشخصيات أو عنها ما جعله يعجبُ بفكرها و سيرتها، و كان يشدّه أن جلّ -إن لم يكن كل- تلك الشخصيات قرّضت الشعر و نظمته!!
      الشهيد سيد قطب والمحقق الشهيد سعيد بن خلفان الخليلي و مصطفى صادق الرافعي و أبو مسلم البهلاني و محمد الغزالي و الدكتورالشهيد عبدالعزيز الرنتيسي، نماذج لبعض تلك الشخصيات

      بدأ صاحبي يغيّر من نظرته للشعر، لكنّه ظلّ عاجزاً عن فكّ شفرته، و بلوغ كنهه، من حيثُ إيقاعاتُه و مبانيه، أما ميادينه و معانيه فقد سرّح فيها خيلَ فكره و عقله، و إن لم يكن فيها مجليا و لامصلياً!

      كان لصاحبي في فترةِ تشكّلِ فكرِه و شخصيّته صاحبٌ ينظمُ الشعرَ و يتغنّى به، و كان كثيراً ما يفاخرُ بقدرتِه على ذلك، و يباهي بأن الشعر ملَكةٌ وهبيةٌ لا كسبية، و فطرةٌ طبيعية ٌ لا خبرة مكتسبة
      صاحبي -كما عهدته- يكره الغرور و الكبر، و من اشتمّ فيه أحدهما لا يقرّ له قرار حتى يكسرَ كبرَه و غروره، ذلك إن رأى أنه رغم كبره و غروره يحملُ عقلاً مفكرأ، لكنه إن رأى أن الجهل قرين ذلك كلّه، فإنه يكتفي بتجاهله عملا بالحكمة "و لا تمارِ جاهلاً فتتعبا ***و ما عليك عتبُه فتعتبا"

      و كان صاحبي يؤمن أيضا، أن الإنسان يستطيع تعلّم أي شئ ما دام يملك الإرادة الصادقة، لذا فقد قرّر أن يبرهن أن نظمَ الشعر يمكن أن يكون مكتسبا
      طفق صاحبي يبحث عن كتابٍ يشرح علمَ العروض، و يسهّل فنّ النظم و القريض، حتى وقع على كتابٍ صدر حديثاً -حينها- لشابٍ شاعرٍ من مسقط رأسه، جذبته مقدّمة الكتاب، إذ تحدّث فيها المؤلف و كأنه علمَ مقصد صاحبي، و وافقه في نظرته و هدفه
      كان الكتاب بسيطاً سهلا، و كانت الحماسة تملأ صاحبي، لذا فقد اشترى الكتاب دون تردد و أخذ يدرسه و يطبّق ما فيه
      لطالما اختلى بنفسه ممسكا الكتاب و قلماً و ورقة، آخذاً في تقطيع أبيات شعر، و كثيراً ما حلّق بعيدا في جلسةٍ عائلية، أو لمّةٍ عامةٍ أو خاصّة، سارحاً في بيتِ شعرٍ يقطّعه أو بحرٍ يحاول فكً وزنه، حتى سمع تعليقاتٍ سخرية من قبيل "الخليل بن أحمد قام من جديد" أو "تقطّع؟! لا نعلمُ سوى تقطيع السمك!!"
      كلّ ذلك لم يثنِ صاحبي عن هدفه، و حين أحسّ من نفسِه بعض معرفةٍ ببعض بحور الشعر و تقاطيعها بدأ ينظم على أوزانها، و شيئاً فشيئا بدأ يرضى عن محاولاته
      كانت الخطوة التالية أن يعرض شيئاً من كتاباته على شاعرٍ مشهودٍ له بالإجادة، و أول من تبادر إلى ذهنه كان مؤلف الكتاب نفسه! لكن سهم القضاء كان أسرعَ من نيّة صاحبي، فغيّبَ ريبُ المنون ذلك الشاعر الشاب! تأثر صاحبي كثيراً لذلك وظلّ يحملُ تقديراً خاصاً في قلبه لذكرى ذلك الأديب الراحل.

      لحسن حظّ صاحبي، فإن بلدَه مشهورةٌ بكونها موطن الشعر و الشعراء، و رغم أن الزمان بدأ يعبث في طبيعة البلدان و ما اشتهرت به، إلا انها ما زالت تملك شعراء بين المشهور و المغمور، و لعل المغمورين منهم أفصح لسانا، و أعذب بيانا!!
      كان صاحبي يعرف واحداً منهم، و كان عروضيا فذا، فصاحَبَه و دارَسَه، و لكنه لم يتخذه أستاذا أو معلّما.
    • محب بائن
      عوداً حميداً
      ::::
      متابعين لرحلة صاحبك مع الشعر
      اعترف بان البعض يمكنه تعلم الشعر وكتابته ربما صاحبك سيغدو شاعراً
      من يدري ننتظر وبالتأكيد بسردك لنفثاته سنعرف !!
      :
      ودمتم
      $ شـُــــــكـــراً $$9

    • هل الشعر يكتسب؟

      أخي محب، أعارضك فيما تشير إليه وأستشهد بواقع اللغة..

      فعندما يدرس الشعر، وتقطيع الأوزان وقراءاته .. يصبح المتحدث به أمهر في استخدام اللغة..

      كأن يجمع المفردات، أو يشبك المعاني ضمن وزن وقافيه.. ويصبح مرهقاً متعباً..

      أما من كان موهوباً فيه، فإن مثل تلك الدراسات تفسر للآخرين أسباب استخدامه للأوزان ولغتها..

      من يدرس الشعر، قد يفهمه قد يتاثر به، قد يدرك خواصه ويشرحه.. ولكنه لا يصبح شاعراً أبداً.. فهذه فطره..

      والموهبة أمر نستطيع تطويره، ولكن لا نستطيع خلقه..


      هذا رأيي.. وفي انتظار التتمه..
      نصل متأخرين دائماً بعمـــر !!
    • الكريمة "أنا و الحزن": أشكر لك حسن استقبالك و جميل متابعتك
      الكريمة "عيون هند": هو سردٌ مجرّدٌ لواقعٍ عايشتُه، و قد نختلفُ فيما نستخلصُه منه، و لا مشاحةَ في ذلك فلكلٍّ دليلُه و منهجُه، فقط أرجو التنبّه أن سرد الكاتب لوجهة نظرٍ معينة لا تعني أنه يتفق معها.
    • هو و الشعر (2)


      [B]اشتهر العمانيون بسؤالاتهم و مباحثاتهم الفقهية و الأدبية التي كانوا يتداولونها نظما، فالسائل ينظم سؤاله و بحثه قصيدةً يوجهها للعالِم أو الأديب، فيردّ عليه العالِم و الأديب بقصيدةٍ من نفس وزن وقافية سؤاله و بحثه

      نظَمَ صاحبي سؤالا لغوياً و وجّهه إلى أحد علماء عمان المشهورين، و كان أيامها ذا منصبٍ بمكتب الإفتاء، و رغم أن ذلك العالِمَ تلقى جزءاً من علومِه في بلد صاحبي، و عاش فيها ردحاً من الزمن متعلّماً و قاضياً، إلا أن صاحبي لم يدرك ذلك كله، لذا فإنه لم تسبق له معرفةٌ شخصيّةٌ بذلك العالِم.
      جاء الجواب سريعا، قصيدة بنفس وزن و قافية ما نظمه صاحبي، لكنّ سؤال صاحبي أعيدّ له مع بعض التصويبات التي حوّرت السؤالَ قليلا، و كما يبدو فإن نظمَ صاحبي لم يكن واضحاً بما فيه الكفاية لذا جاء الجواب بعيداً شيئاً ما عن السؤال!

      أرسل صاحبي بعدها قصيدةً أخرى، و هذه المرة جاء الجواب بدون اي تصويبات على قصيدته بل بشهادةٍ من ذلك العالِم أن ناظمَ القصيدة "شاعرٌ رقيق"!!
      أحسّ صاحبي بعدها أنه قد حقّق هدفه، و أدركَ بغيته، فها هو قد أثبت أحد أمرين: إما أنه يملك الموهبة و الفطرة أو أنه تمكّن من اكتسابها و تعلّمها. ترك صاحبي دراسة العروض مكتفياً بما علمه و ما اكتسبه من ملكةٍ في بعض البحور الشعرية، فقد نظم على وزن "الوافر" قبل أن يتعلّمه! و أصبح يستطيع معرفة بعض البحور بمجرد ترديد البيت على لسانه!

      نظم صاحبي قصائدَ شتى في أغراضٍ تنوّعت بين المطارحات و التهاني و الرثاء و الوصف و تقريظ كتبٍ علمية.

      كان لصاحبي زميلٌ مهتمّ بالشعر، فهو سليل شعراء و ربيب أدباء، و طلبَ من صاحبي يوماً نسخةً من قصيدة طويلةٍ نظمها يصف بها مكان عمله السابق و زملاءه به.
      كانت القصيدة مطارحة أخوية و لا تخلو من دعاباتٍ اقتضت بعض الركاكة في أسلوبها -كما ظنّ صاحبي-، لذا لم يكن يلقي لها بالاً أو يحسبُ لها حسابا.
      فوجئ صاحبي –بعد أيام- بزميله يعطيه رقم هاتف دكتورٍ في كلية الآداب بإحدى الجامعات المشهورة، و يقول له أن هذا الدكتور يطلب منك أن تهاتفه لأمرٍ ضروريّ!
      سأل صاحبي -مندهشا- و كيف سمع بي الدكتور؟! فأجابه زميله أن اتصل به و ستعرف كل شئ، و أخذ عهداً على صاحبي أن يتصل فقد حمّله الدكتور أمانة ذلك!

      أخذ صاحبي الرقم، و اتصل بالدكتور فكان بينهما الحوار التالي بعد المتعارف عليه من السلام و التحايا:
      صاحبي: الدكتور .......؟
      الدكتور: نعم، من معي؟
      صاحبي: أنا .......
      الدكتور: نعم نعم، الشاعر
      صاحبي: لستُ متأكداً من انني كذلك دكتور
      الدكتور: هل تعلم؟! هذه هي المشكلة التي نعاني منها، إفراطنا في التواضع و الإنطواء، حتى تسنّم صهوة الأدب و الثقافة من لا يستحقّ، و ما هذا تواضعٌ و إنما هو انخذالٌ و تخلٍّ عن المسؤولية.
      صاحبي: أتفق معك دكتور في هذه النقطة، لكنني أعود فأقول أنني لستُ من تظنّ فأنا أدرى بنفسي
      الدكتور: أنت إذاً تتهمني بعدم القدرة على الحكم، لقد رأيت قصيدتك عند زميلك و قرأتها، و لا يقول مثلها إلا شاعرٌ متمكّن
      صاحبي: أشكر لك إطراءك اللطيف دكتور، بمَ يمكنني خدمتك؟
      الدكتور: حسنا، أنا الآن بطور بحثٍ أعدّه أهدف منه إلى حصر جميع الشعراء العمانيين المعاصرين، و من هناك كانت زيارتي لزميلك فقد ذهبت لجمع بعض المعلومات و الوثائق عن أحد أعمامه و هو شاعرٌ توفي قريبا، و شاء القدر السعيد أن أرى قصيدتك عنده، فأتمنى منك أن تبعث إلي بسيرةٍ مختصرةٍ عنك مع نماذج لبعض قصائدك
      صاحبي: لكن دكتور، مع احترامي الشديد لرأيك، ما زلت أرى أن ما أكتبه ليس إلا محاولات متطفل، فليس لي ملكة الشعر و إنما هو أمرٌ تعلّمتُه
      الدكتور: و إن يكن، فقط أرجو أن تلبي لي طلبي
      صاحبي: حسنا، لك ذلك
      الدكتور: اشكر لك استجابتك

      كتب صاحبي سيرةً ذاتية مختصرةً عن نفسه، و أرفقها بعضاً من قصائده و أرسلها إلى الدكتورانقضت أعوامٌ عديدة بعدها لم يسمع فيها صاحبي شيئاً من الدكتور أو عنه، و لا يدري مصير ما أرسله، و لم يكترث لذلك فقد حدّث نفسَه أنه لا بدّ أن الدكتور حين وصلته القصائد اكتشف خطأ حكمِه و أدرك أن صاحبي ليس ذلك الشاعر الذي كان يظنه.

      [/B]



    • اللهم اجعلنا نمشي في روضك..
      وندرج على حبك.. وحيا على ذكرك..
      ونستقيم على قرانك.. ونموت على شهادتك..
      اللهم بارك لنا ولوالدينا
      في جمعتك وارحمنا يا ارحم الراحمين برحمتك..
      وبارك الله لكم الجمعة وطيب السمعه..
      واغدق عليكم النعمه..
      واصلح لكم الباطنه..
      وهداكم طريق الجنه..
      وشفعكم برسول الامه..
      فصلي وسلم على شفيع الامه..

      ♡ وجدتكم شيئآ جميلآ فِ حيآتي و سآبقيكم آجمل مَ فيھآ الحَمدُ لله ") ♥-
    • فضفضة

      لِمَ يستبدّ بنا اليأس حين نحاول التغيير فلا ننجح؟!
      نخوضُ غماراً لطالما حاولنا الإبتعاد عنه، و حين نلقي بأنفسنا به جاعلين من ذواتنا كاسرات أمواجٍ تكسر حدةَ خضمّه الزاخر، ننتبه أن التيارَ أقوى من أن نستطيع دفعه أو نخفف حدّتَه!

      ما يؤلمُ حقا أن تلوح لك جبالٌ تحسبُ بها عاصماً و سندا، فإذا أتيتها وجدتها هشةً متذبذبة، أتيت لائذاً بها أو مستنداً عليها، فإذا بك تكون الملاذ و السند!!

      نقرر النكوص برهة، و الرجوع لإلتقاط الأنفاس، و نفكّر جدّياً بجدوى الإستمرار
      هل ما نرجوه جديرٌ بما نبذله من جهد، و نكابده من مشقة؟!
      أم أن ما قد ينالُنا من نافخي الكير يبرّر لنا الفرار حفاظاً على أرواحنا أن تتلطخ بما يشين؟!
    • لم يسبق لي أن انتابتني رغبةٌ في الفضفضة مثلما أحسّ الآن

      و لم يسبق لي أن كنتُ عاجزاً عن التعبير مثلما أنا الآن!!!

      ليت "صاحبي" يعود، فينشرح صدري وينطلق لساني
    • فضفضة متقطعة، متحيره، بلا انقباض .. انجراف وفقط..

      أعتقد أنه شعور صادق، عندما نرى الجبل يتهاوى ليستند بنا.. فيزيد ثقله ونغوص فيه دون إحساس أمان..

      خوف، وخوف .. وضياع في هروب.. الغريب أن نشعر بهذا.. ثم نقول ليت صديقي يعود لأفضفض..

      تنتابنا أحياناً ابتسامات صادقه، كنسمات هواء بارده، كمطلع شمس، كرفقة.. كسكون يسكن في الرأس..

      أجد الأمر غريب، أن نشعر بمنتهى الضيق لأمر ما.. ونشعر بالانشراح من لا شئ.. مجرد منظر أو تفكير إيجابي.

      ربما يستطيع الانسان أن يتحكم بفرحه، ولا يستطيع التحكم بالحزن.. إذاً لماذا لا يفرض السعادة والتي دائماً يستطيع استحضارها..

      أتعلم أخي، أعتقد لولا أفكار الناس بظنون الناس حولهم.. لعاشوا سعداء..


      شئ آخر، اعجبني تعليقك على هو والشعر 2، وأتوقع أن الدكتور (فلان) ينتظر وفاة الشاعر.. وتكون لدية مكتبه معدة عوضاً عن إعدادها لاحقاً..


      أتكهن :).. تحيتي
      نصل متأخرين دائماً بعمـــر !!