تعانقت الغيوم السوداء، خرت في جسدي صاعقة فغيبتني عن العالم، وحينها فقدتك، تلمست ظللت استغث بصوتك، أجابني صدى صوتي، لحست الشمس قطرات الجهد التعب من فيك، وبصقتها سيولاً من الحزن والوجع فينا، بريق عينيك في ولدك يكاد ينطفئ أدور بينهم، أحدق فيهم، وتنغرس نظرتك فيّ).
هرج كبير في الخارج، الضجة تقتحم هدوء البيت تهتز المقاعد، ويحبو الخوف ليسكن زوايا صدرها المرتجف، فوق قلب خافق مذعور، هرب لتوه من صياد المفاجآت المرعبة الحزينة..
تعالى الضجيج، واقتربت جدران البيت منها، احتمت بأولادها، ثم ما لبثت أن أمسكت بتلابيب الأمن والطمأنينة الهاربة إلى الزوايا.
- لا تخافوا...ربما..
لم تجد أي سبب للضجة والهرج المقتربين .. حاول صغيرها فتح الباب، صرخت خائفة مرتعبة:
- قد تكون الضجة حادثاً ما.
استكانت لبرهة، استرقتها من اللحظات الثقيلة الجاثمة فوق صدرها، بانتظار أن يطرق "محمود" الباب، فيهوي صياد المفاجآت المرعبة الحزينة، ويرحل خائباً:
(أيحملونه فوق أكتافهم مضرجاً بدمه؟).
صاحت بأعلى صوتها كي لا تفتق ظنونها صدرها المبحوح.
- أغلق النافذة يا علي، إياك والاقتراب !!
- أمي !! الرجال مسرعون إلى بيتنا!!
- لا يا بني.. هم يسرعون إلى بيت جيراننا.
نبهها "علي" صائحاً:
- أمي ..لقد رحل جيراننا منذ شهور، لا يوجد في نهاية الزقاق غير بيتنا..
أسدت الظنون ستائرها، وخيم الصمت، أشرعت أبواب الليل في ضوءالنهار، اقتحم سيد المفاجآت الباب بعنف.
- لا حول ولا قوة إلا بالله.
أسندت ظهرها إلى الباب، صاح صبيها:
- أمي .. . افتحي الباب !!
رفضت أن تسمع..
- يا أهل الدار...
انتصبت، تشنجت أمام الباب، ثم انكسرت تصدعت الجدران حولها، انهارت حجارة البيت.. سقطت النوافذ، دخل الليل، عشش الحزن في الغرف الواقفة دون جدران...
تعرّت فاطمة للبرد، ونمت فيها هموم الدنيا.
- انظر يا محمود ..عليّ أصبح كبيراً.
- ماذا تعلم؟
أطرقت رأسها ولم تجب، شاغلت نفسها بإعداد الطعام، سكبت الزيت فوق اللبن، وفركت النعناع:
(محمود يحب هذه الأكلة!)
اختلط دمعها باللبن وراق...
كيف وقع الحادث؟
صمتت وابتلعت شلالاً من الحزن، مرت لحظات قبل أن تنهمر تلك الغشاوة الرقيقة التي غزت عينيها، وارتجف صوتها: - كان يعمل ويغني، علقت رجله، تأرجح ثم سقط على أحجار البناء المكومة تحته...
...و .. وسقطت فاطمة معه.
تلفح عيونها المتخمة جسدها، ويطبق الزقاق على عظامها ويهرسها في نهايته..
- إيجار البيت يا أم علي.. طال صبري!!
- حلمك علَيّ يا أبا حسين ...عندما أحصل على التعويض سأعطيك أجرة الأشهر المتراكمة ... أعدك.
تسحب يدها من جيبها خاوية، ويجيبها صدى الفقر والمرارة...
بعد كل السنين المرهقة التي انزلقت من نهاية أصابع قدميها المتعبتين، جاء قرار المحكمة قاتلاً: ( لا حق لك في التعويض للأسباب التالية):
أولا: .........
ثانياً:........
ثالثاً:........
مازالت فاطمة تحتفظ بطعم المرارة والألم ساخناً حارقاً، عندما تنسحب صور الحاجة والألم أمام عينيها فتنخر إبر المطر عظام جسدها المرتجف، وتكب رأسها فوق آلة الخياطة هاتفة:
(مازالت في جدران البيت مسجّى، وصدى البرد يقتحمني.. كل شتاء!)
هرج كبير في الخارج، الضجة تقتحم هدوء البيت تهتز المقاعد، ويحبو الخوف ليسكن زوايا صدرها المرتجف، فوق قلب خافق مذعور، هرب لتوه من صياد المفاجآت المرعبة الحزينة..
تعالى الضجيج، واقتربت جدران البيت منها، احتمت بأولادها، ثم ما لبثت أن أمسكت بتلابيب الأمن والطمأنينة الهاربة إلى الزوايا.
- لا تخافوا...ربما..
لم تجد أي سبب للضجة والهرج المقتربين .. حاول صغيرها فتح الباب، صرخت خائفة مرتعبة:
- قد تكون الضجة حادثاً ما.
استكانت لبرهة، استرقتها من اللحظات الثقيلة الجاثمة فوق صدرها، بانتظار أن يطرق "محمود" الباب، فيهوي صياد المفاجآت المرعبة الحزينة، ويرحل خائباً:
(أيحملونه فوق أكتافهم مضرجاً بدمه؟).
صاحت بأعلى صوتها كي لا تفتق ظنونها صدرها المبحوح.
- أغلق النافذة يا علي، إياك والاقتراب !!
- أمي !! الرجال مسرعون إلى بيتنا!!
- لا يا بني.. هم يسرعون إلى بيت جيراننا.
نبهها "علي" صائحاً:
- أمي ..لقد رحل جيراننا منذ شهور، لا يوجد في نهاية الزقاق غير بيتنا..
أسدت الظنون ستائرها، وخيم الصمت، أشرعت أبواب الليل في ضوءالنهار، اقتحم سيد المفاجآت الباب بعنف.
- لا حول ولا قوة إلا بالله.
أسندت ظهرها إلى الباب، صاح صبيها:
- أمي .. . افتحي الباب !!
رفضت أن تسمع..
- يا أهل الدار...
انتصبت، تشنجت أمام الباب، ثم انكسرت تصدعت الجدران حولها، انهارت حجارة البيت.. سقطت النوافذ، دخل الليل، عشش الحزن في الغرف الواقفة دون جدران...
تعرّت فاطمة للبرد، ونمت فيها هموم الدنيا.
- انظر يا محمود ..عليّ أصبح كبيراً.
- ماذا تعلم؟
أطرقت رأسها ولم تجب، شاغلت نفسها بإعداد الطعام، سكبت الزيت فوق اللبن، وفركت النعناع:
(محمود يحب هذه الأكلة!)
اختلط دمعها باللبن وراق...
كيف وقع الحادث؟
صمتت وابتلعت شلالاً من الحزن، مرت لحظات قبل أن تنهمر تلك الغشاوة الرقيقة التي غزت عينيها، وارتجف صوتها: - كان يعمل ويغني، علقت رجله، تأرجح ثم سقط على أحجار البناء المكومة تحته...
...و .. وسقطت فاطمة معه.
تلفح عيونها المتخمة جسدها، ويطبق الزقاق على عظامها ويهرسها في نهايته..
- إيجار البيت يا أم علي.. طال صبري!!
- حلمك علَيّ يا أبا حسين ...عندما أحصل على التعويض سأعطيك أجرة الأشهر المتراكمة ... أعدك.
تسحب يدها من جيبها خاوية، ويجيبها صدى الفقر والمرارة...
بعد كل السنين المرهقة التي انزلقت من نهاية أصابع قدميها المتعبتين، جاء قرار المحكمة قاتلاً: ( لا حق لك في التعويض للأسباب التالية):
أولا: .........
ثانياً:........
ثالثاً:........
مازالت فاطمة تحتفظ بطعم المرارة والألم ساخناً حارقاً، عندما تنسحب صور الحاجة والألم أمام عينيها فتنخر إبر المطر عظام جسدها المرتجف، وتكب رأسها فوق آلة الخياطة هاتفة:
(مازالت في جدران البيت مسجّى، وصدى البرد يقتحمني.. كل شتاء!)