( عذراً .. أبي )
حتى أنا لقد كان لي حلم جميل يا أبي لكنه مات قبل كذا عام .. هنا أغتيل ، وهنا تطايرت أشلاءه وهناك توارى متلاشياً كالدخان فأصبحت بعده إنسان فارغ ينتقل بشفافية وخفة بين جموع البشر وفي المدن ينظر إلى الوجوه السائرة بإعجاب شديد وشفقة على نفسه مسيطره . ذاك هو إبنك يا أبي .. إثنى عشر عاماً وأنا أعيش مثلهم بأحلامي وأمنياتي وأصنع للغد مجد كبير .. إثنى عشر عاماً وأنا أسمع دعاءك عقب كل صلاة فجر بأن يحقق الله حلمي ويجعلني رجل مستقيم .. إثنى عشر عاماً وعطاءك لم ينقطع رغم ضيق الحال لكن الحلم كان يأخذنا إلى نشوة تحقيقه فتقول أريدك أن تكون طبيباً تخدم الناس وتسهر على راحتهم وتشفي بإذن الله مرضاهم ، وأنا كانت لي أيضاً أحلاماً تختلف عن أحلامك فأحلامي كانت تأخذني كي أكون طياراً أحمل معي أمتعتي وأناسي مسافراً إلى بلدان العالم وكم كنت في غيابك أتردد على المطار الذي يقيم بعيد عن دارنا وكم كان يؤنسني صوت تلك التي تنادي في المذياع لقرب إقلاع الرحلة المتجهة إلى دولة ما . كم كان يؤنسني ذاك يا أبي لكنك كنت تعارض فكرتي خوفاً من أسجل في قائمة الإرهاب أو أن أحط بطائرتي على إحدى ناطحات السحاب التي كثرت في عصرنا هذا ، أو كنت تخشى حوادث الطائرات الساقطة التي كم إلتقطها صاروخ بخطأ مقصود .. هكذا كنا سوياً نحلم بمجد بعيد ونختلف عليه ونسينا محنة الخروج من عنق الزجاجة وشبح الثانوية .. نسينا أننا في زمن لا يطلب إلا العباقرة فقد خانتني نسبة الشهادة الأخيرة من هذه المرحلة الأخيرة ولقد خانني الدهر بأيامه وكل شيء حتى المدرسة والفصول الدراسية والكتب المدرسية حتى أساتذتي والعاملين بها .. لقد مات كل شيء أبي ولم يعد هناك حلم سوف ينبت على أرض الواقع وإبنك لن يكون طبيب كما تريد ولن يكون طياراً كما هو يريد فإن محاولة الخروج من عنق تلك الزجاجة كانت فاشلة . ففي بلدان العالم تعد نسبتي لا يتحصل عليها إلا العبقري وفي بلادي تنظر إليها أنها نسبة الأبله في صفوف الدراسة المبتدئة فهذه شهادتي أحملها إليك وماتبقى منها بعد أن أنهكها السير معي بين أروقة الوزارات الجميلة وبين مكاتب المؤسسات الخاصة وكم لوثها دخان المصانع وغبار الطرقات حتى الحانات وقفت على أعاتبها أسأل لي عن عمل ولو كان محرماً خير لي من الفراغ أو إمتطاء الشارع ليكون لي سكناً جديد لكن كل الأمكنة أعادت إلي شهادتي وكل الأمكنة رفضتني حتى بأقل سعر للراتب ولا أملك إلا كلمة الإعتذار وشهادتي أقدمها إليك بكل لغة حزن أعرفها وبكل كلمة مريرة تسكنني وبكل دمعة متحجرة أسكبتها على هذا الحال .. أعتذر لك بعد أن تم التأكد من إضاعت الحلم الجميل الذي راودني إثنى عشر عاماً وعاش هنا بين قلبي وفكري .. أعتذر لك فليس سوى الأرصفة مكان أتواجد عليها وليس إلا البطالة حالة أقدم فيها شخصي لعلها توافق على إقامتي....
جزء من مقالي لا أعلم هل نشرته مسبقاً أم لا ..
حتى أنا لقد كان لي حلم جميل يا أبي لكنه مات قبل كذا عام .. هنا أغتيل ، وهنا تطايرت أشلاءه وهناك توارى متلاشياً كالدخان فأصبحت بعده إنسان فارغ ينتقل بشفافية وخفة بين جموع البشر وفي المدن ينظر إلى الوجوه السائرة بإعجاب شديد وشفقة على نفسه مسيطره . ذاك هو إبنك يا أبي .. إثنى عشر عاماً وأنا أعيش مثلهم بأحلامي وأمنياتي وأصنع للغد مجد كبير .. إثنى عشر عاماً وأنا أسمع دعاءك عقب كل صلاة فجر بأن يحقق الله حلمي ويجعلني رجل مستقيم .. إثنى عشر عاماً وعطاءك لم ينقطع رغم ضيق الحال لكن الحلم كان يأخذنا إلى نشوة تحقيقه فتقول أريدك أن تكون طبيباً تخدم الناس وتسهر على راحتهم وتشفي بإذن الله مرضاهم ، وأنا كانت لي أيضاً أحلاماً تختلف عن أحلامك فأحلامي كانت تأخذني كي أكون طياراً أحمل معي أمتعتي وأناسي مسافراً إلى بلدان العالم وكم كنت في غيابك أتردد على المطار الذي يقيم بعيد عن دارنا وكم كان يؤنسني صوت تلك التي تنادي في المذياع لقرب إقلاع الرحلة المتجهة إلى دولة ما . كم كان يؤنسني ذاك يا أبي لكنك كنت تعارض فكرتي خوفاً من أسجل في قائمة الإرهاب أو أن أحط بطائرتي على إحدى ناطحات السحاب التي كثرت في عصرنا هذا ، أو كنت تخشى حوادث الطائرات الساقطة التي كم إلتقطها صاروخ بخطأ مقصود .. هكذا كنا سوياً نحلم بمجد بعيد ونختلف عليه ونسينا محنة الخروج من عنق الزجاجة وشبح الثانوية .. نسينا أننا في زمن لا يطلب إلا العباقرة فقد خانتني نسبة الشهادة الأخيرة من هذه المرحلة الأخيرة ولقد خانني الدهر بأيامه وكل شيء حتى المدرسة والفصول الدراسية والكتب المدرسية حتى أساتذتي والعاملين بها .. لقد مات كل شيء أبي ولم يعد هناك حلم سوف ينبت على أرض الواقع وإبنك لن يكون طبيب كما تريد ولن يكون طياراً كما هو يريد فإن محاولة الخروج من عنق تلك الزجاجة كانت فاشلة . ففي بلدان العالم تعد نسبتي لا يتحصل عليها إلا العبقري وفي بلادي تنظر إليها أنها نسبة الأبله في صفوف الدراسة المبتدئة فهذه شهادتي أحملها إليك وماتبقى منها بعد أن أنهكها السير معي بين أروقة الوزارات الجميلة وبين مكاتب المؤسسات الخاصة وكم لوثها دخان المصانع وغبار الطرقات حتى الحانات وقفت على أعاتبها أسأل لي عن عمل ولو كان محرماً خير لي من الفراغ أو إمتطاء الشارع ليكون لي سكناً جديد لكن كل الأمكنة أعادت إلي شهادتي وكل الأمكنة رفضتني حتى بأقل سعر للراتب ولا أملك إلا كلمة الإعتذار وشهادتي أقدمها إليك بكل لغة حزن أعرفها وبكل كلمة مريرة تسكنني وبكل دمعة متحجرة أسكبتها على هذا الحال .. أعتذر لك بعد أن تم التأكد من إضاعت الحلم الجميل الذي راودني إثنى عشر عاماً وعاش هنا بين قلبي وفكري .. أعتذر لك فليس سوى الأرصفة مكان أتواجد عليها وليس إلا البطالة حالة أقدم فيها شخصي لعلها توافق على إقامتي....
جزء من مقالي لا أعلم هل نشرته مسبقاً أم لا ..