مع الانبياء ... تفاصيل جميع الانبياء بطريقة رائعة

    • أثابج الله اختي بنت السيااابي
      متاااابعتج متواصله فالموضوع وهذا يسعدني كثيرااا
      جزيتي خيرا ان شاااء الله
      :)
    • [h=1]رسول الله وزرع الصبر في قلوب المؤمنين
      [/h][h=2]المستضعفون في مكة
      [/h]

      لم يكن أمام صحابة رسول الله إزاء تعذيبهم من قبل أهل مكة إلا الصبر وتحمل الاضطهاد في سبيل الله ، وكانت هذه هي السمة الواضحة المميزة لهم.

      فلم يأمر رسول الله المؤمنين بأن يردوا عن أنفسهم ذلك الأمر؛ وذلك لأنه كان هناك نص صريح من الله ؛ حيث كان قد نزل قوله تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ} [الحجر: 94].


      المشركون يُعذِّبون ويشرِّدون ويذبِّحون، والمسلمون صابرون صامدون، أُمروا ألاّ يردوا إيذاءً، ولا يحملوا سلاحًا، ولا يرفعوا ضيمًا، ولا يكسروا صنمًا، ولا مجرد أن يسبُّوا مشركًا؛ فقد قال : {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].



      فقد قُتل ياسر وقُتلت سمية رضي الله عنهما، وكان رسول يمر عليهم وهم يعذبون، فكان يكتفي بقوله: "صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ". ذكره الحاكم في مستدركه عن ابن إسحاق.

      لم يمسك رسول الله بيد أبي جهل، ولم يجمع الصحابة كي يقوموا بثورة في مكة، ولم يتربص بأبي جهل ليقتله غيلة، وإنما فقط "صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ".


      [h=2]وسائل زرع الصبر في قلوب المؤمنين
      [/h]

      والسؤال المهم الآن هو: كيف تَعَلّم الصحابة الصبر على هذا التعذيب؟! وما الأسلوب الرباني والهَدْي النبوي في جعل الصحابة قادرين على تحمل الأذى؟

      كيف صبروا على الصَّلْب والجَلْد والحرق، مع أنهم ومثل كل البشر جسد وعظم ودم وروح ليس إلا؟!

      كيف نستطيع أن نصبر صبرهم إذا كنا في نفس حالهم وموقفهم؟ وما الوسائل التربوية التي ترتقي بالمؤمن إلى درجة يستهين فيها تمامًا بتعذيب المجرمين له؟

      فمن المؤكد أنه كان هناك وسائل كثيرة قد اتُّبعت في سبيل الوصول إلى هذا الهدف، ومن هذه الوسائل وتلك الطرق -فيما يبدو لي- ما يلي:



      [h=3]الوسيلة الأولى: تعظيم قدر الله
      [/h]

      فإن من عظُم قدر الله في قلبه فمن غير الممكن أن يهمّه أي ألم قد يمر به، ومن هنا تحدث القرآن المكي كثيرًا على تعظيم قدر الله ، فتحدث عن صفاته ، وجبروته وعظمته وقدرته.

      تحدث القرآن عن أن الله بيده كل شيء، وأنه لو كان سيصيبك بضرٍّ فلا بد أن يصيبك، ولو اجتمع أهل الأرض آنذاك لحمايتك فلن ينفعوك، وعلى العكس من ذلك فلو أراد الله لك رحمة فلا بد أن تحصل لك، حتى ولو اجتمع أهل الأرض على أن يمنعوها عنك.


      يقول في سورة الأنعام، وهي مما نزل في مكة: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام: 17].


      فمن يصدق بهذه الكلمات سيعلم أن نصيبه من الألم لن يفوته، وأنه سيأخذه حتمًا ولا محالة؛ لأن الله هو الذي أراد أن يقع ذلك الألم، يقول تعالى: {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ} [الأنعام: 18].



      وقد كتب الله على كل منا نصيبه من الألم، سواءٌ أكان ظالمًا أم مظلومًا، وسواء أكان كافرًا أم مؤمنًا، وإن لم يأخذ نصيبه هذا تعذيبًا في سبيل الله، فحتمًا سيأخذه شيئًا آخر، كمرض أو هَمٍّ أو غيره، يقول تعالى: {َقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4].


      ومن الممكن أن يكون نصيبه من الألم معنويًّا، وأحيانًا يكون هذا الألم المعنوي أشد بكثير من الألم المادي، كمن أصيب -مثلاً- بولد فاشل، أو مدمن للمخدرات، أو لص، أو عاق لوالديه، أو معدوم التربية والأخلاق. أو من أصيب بزوجة وقد جعلت حياته ضنكًا وجحيمًا لا يطاق، حتى وإن كان يُظهر أمام الناس أنه سعيد أو ممكّن في الأرض، فكل الناس يشعرون بالألم، يقول تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104].


      فالمسلم يُبتلى ويعذب كل هذا التعذيب، ثم هو يصبر عليه لأنه ينتظر في النهاية جنة ونعيمًا، أما الظالم فإنه يعذب في الدنيا وبالطريقة التي أرادها له ، وفوق ذلك فهو ينتظر في آخرته أيضًا جهنم وعذابًا أليمًا!


      ومن هنا فحين يعظم المؤمن قدر الله ، فإنه -لا شك- ستهون عليه التضحية في سبيله، وأول شيء يجب معرفته لتعظيمه هو أن نعلم أن كل شيء بيده، وأن كل ما قدره لا بد أن يحدث، سواءٌ أكان ميسرة ونعمة أم مشقة ونقمة.


      ولنتأمل جيدًا هذه الآيات المكية، يقول تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا القُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لاَ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 19].



      ويقول أيضًا: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ * وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إلى اللهِ مَوْلاَهُمُ الحَقِّ أَلاَ لَهُ الحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الحَاسِبِينَ} [الأنعام: 59- 62].


      ويقول أيضًا: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الحَقُّ وَلَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ} [الأنعام: 73].



      ولننظر إلى ذلك الصحابي الذي يستمع إلى هذه الآيات وأمثالها، فيعلم أن هذا الإله الذي له هذه الصفات يقف بجواره، ويبارك خطواته، ويرعاه ويحفظه، ويعلم تمام العلم ما يحدث للمؤمنين من تعذيب، ثم هو يؤجل هلكة الكافرين لحكمة، ويؤجل نصرة المؤمنين لحكمة أيضًا يعلمها.

      لننظر إلى ذلك الصحابي وهو يقرأ ويعي قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67].



      كم من المرات قرأنا هذه الآية أو استمعنا إليها، لكن تُرى كم من المرات عشنا فيها ووعيناها؟!

      نتخيل أن الأرض بكاملها في قبضة الله ، الأرض بكاملها، بما عليها من بشر ومخلوقات أخرى، وما عليها من طائرات ودبابات وبوارج، وما عليها من أسلحة نووية وكيميائية وبيولوجية، وما عليها من أناس يخططون ويدبرون ويكيدون.


      ولنلاحظ لفظة (قبضته) وما تلقيه في القلب من رهبة وسيطرة، وقدرة وهيمنة وجبروت، هذا الإله الذي هو بهذه الصفة العظيمة هو إلهنا الذي نعبده، وأولئك الأقزام الذين يحاربون الدعوة يحاولون أن يخرجوا عن سلطانه وعن حكمه فكيف ذلك؟!


      يقول تعالى: {يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لاَ تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ} [الرَّحمن: 33].


      ومن هنا فكلما عظُم قدر الله في أعين وقلوب المؤمنين هانتْ عليهم صعاب الدنيا، وكلما استصغروا أعداء الله، وكلما تحملوا الأذى والتعذيب والتشويه، بل والموت، طالما هو في سبيل الله.


    • [h=1]الإسلام ورفع قيمة الآخرة
      [/h][h=2]رفع قيمة الآخرة
      [/h]

      يُعدّ هذا الأسلوب من أروع الأساليب في تربية الصف المؤمن على التحمُّل والجلد والصبر.

      وهو توسيع لمدارك المسلم كي يعلم المقياس الحقيقي بين الدنيا بكل ما فيها من مصاعب ومشاق وألم وغيره، وبين الآخرة وما فيها من جنة ونعيم وخلود أبد الآبدين.

      فأيُّ إنسان أحمق ذلك الذي يقدم على شراء الدنيا، حتى ولو أخذها كاملة -وهو يعلم أنها فانية- بالآخرة تلك الباقية التي لا تفنى ولا تزول؟!

      فبيت القصيد هو أن يؤمن الإنسان بالآخرة، وبيت القصيد هو أن يدرك أبعادها المختلفة عن أبعاد الدنيا، ومقاييسها العجيبة وصفتها النادرة.

      ولأهمية هذا الأمر فكثيرًا ما تجد في القرآن الكريم أن الله ما إن يذكر الإيمان به إلا ويجمع معه الإيمان باليوم الآخر فقط.


      فإذا أدرك الناس أن هناك يومًا سيحاسبون فيه على ما يعملون، وكان هذا علمًا يقينًا منهم، وإذا أدركوا أن الذي سيحاسبهم هو إله قادر عليم حكيم جبار قاهر، إذا علموا ذلك علمًا يقينًا فإنهم -ولا شك- سيعملون لهذا اليوم.


    • ومن هنا كانت أول كلمة قالها الرسول في بداية دعوته هي: "وَاللَّهِ لَتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُونَ، وَلَتُبْعَثُنَّ كَمَا تَسْتَيْقِظُونَ، وَلَتُحَاسَبُنَّ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ، وَإِنَّهَا لَجَنَّةٌ أَبَدًا أَوْ نَارٌ أَبَدًا".


      وإننا نعاني -أحيانًا- خللاً تربويًّا خطيرًا وهو عدم التركيز على رفع قيمة الآخرة في عيوننا وعيون المؤمنين، خاصة إذا كانت الدعوة مضطهدة، وإذا كان الظلم مستفحلاً، وإذا كان الأعداء كُثُرًا، وإذا كان الظلام شديدًا!


      فلنلاحظ القرآن المكي، ولننظر كم يتحدث عن الآخرة وعن الجنة وعن النار، إذ لا تكاد تخلو سورة منه من التذكير باليوم الآخر، أو بالجنة أو بالنار.

      ولنلاحظ تعظيم القرآن الكريم لليوم الآخر حين يقول : {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا العِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا البِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التَّكوير: 1- 14].



      وقوله تعالى أيضًا: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا البِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا القُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 1- 5].


      ولنعشْ ولو قليلاً في تلك الجنة التي كانوا يعيشون فيها وهم ما زالوا على ظهر الدنيا، ولنتخيل وكأننا أحد الصحابة الذين يجلسون في بيت الأرقم بن أبي الأرقم يسمع هذه الآيات وبالخارج ينتظره تعذيب شديد، كم هو حجم مثل هذا التعذيب بالنسبة إلى ما يسمعه في وصف الجنة؟!
      الواقع أنه لا شيء؛ فأيُّ ألمٍ يقارن بالخلود والنعيم، لا شك أنه يساوي صفرًا، يقول تعالى في وصف الجنة: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلاَ زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان: 12- 22].


      ولنتخيل مؤمنًا يسمع هذه الآيات ويعيشها بقلبه، ثم يأتي عدوه ويحرمه جرعة ماء في يوم صائف، أو يجلده أو يصلبه أو حتى يقتله، فما الضرر في ذلك؟ أليس هو منتقلاً بالكلية من هذه الحياة بهمومها ومتاعبها إلى تلك الجنة العظيمة الخالدة؟!


      وإذا سمعت كل آيات القرآن الكريم في مكة بهذا المفهوم، وبأذن ذلك الصحابي الذي يعذب، ستجد أن التعذيب ليس له قيمة تذكر.

      لقد كان الموت خلاصًا للمؤمنين وراحة للصالحين؛ وذلك لأنهم يشتاقون إلى الجنة، ولا يصبرون طول البعاد عنها.


    • ومما سبق نستطيع أن ندرك ونتفهم أحداثًا عجيبة قد حدثت في سيرتهم رضوان الله عليهم، نستطيع أن نتفهم موقف عمير بن الحُمَام حين عد الدقائق التي سيأكل فيها التمر حياة طويلة، فألقاها من يده وذهب يستقبل الموت؛ وذلك أن رسول الله كان قد ذكّره بالجنة التي يعرفها، والتي يشتاق إليها، وهنا أصبح الموت في سبيل الله غاية له.


      ونستطيع أيضًا أن نتفهم أحداثًا قد تكون غريبة على أسماعنا، والتي كان منها -على سبيل المثال- موقف حرام بن ملحان حين طُعن بالرمح في ظهره فخرج من صدره، فقال من فوره: "فزت ورب الكعبة".



      علم أنه قد فاز؛ لأنه سينتقل مباشرة من أرض الجهاد إلى الجنة، وعلم أنه فاز لأنه سيموت شهيدًا، وقد وُعد أن الشهيد يدخل الجنة بغير حساب.

      ومن خلال هذا نعلم أن تعظيم قيمة الآخرة يُصَبر المؤمنين -لا محالة- على كل ألم، وعلى كل أذى، وعلى كل مشقة في سبيل الله .

      وعلى الجانب الآخر، ولكي تصبح التربية متوازنة والأمور لا إفراط فيها ولا تفريط كان الحديث عن النار، فبديل الجنة ليس عدم دخول الجنة فقط ولكن دخول النار.

      ولما فقه الصحابة المؤمنون أمر النار وعلموا أنها خلق عظيم اجتهدوا في الابتعاد عنها والهروب منها، ثم إنهم لما أدركوا عذابها ولهيبها وحميمها، لما أدركوا كل ذلك هان عليهم كثيرًا ما يفعله المجرمون بهم؛ فتحملوا الألم المؤقت في دار الدنيا لينقذوا أنفسهم من الألم الدائم في دار الآخرة.

      وهو تمامًا كما يقوم مريض الزائدة الدودية -مثلاً- بالسعي إلى إجراء عملية جراحية لاستئصالها، أليس في إجراء مثل هذه العملية كثير ألم؟ أوَليس في تكاليفها كثير إرهاق؟ أوَليس في الانقطاع عن العمل أثناء وبعد إجرائها كثير تعقيد؟!


      غير أنه ورغم كل هذه الآلام فإنه بغيرها سيفقد المريض حياته، وهنا يعقد المريض موازنة يتحمل فيها تلك الآلام المؤقتة في مقابل الشفاء الدائم.

      وهكذا أيضًا كان المؤمنون قد فقهوا أمر ما ينزل بهم، فكانوا يتحملون آلامًا قد يظنها البعض عظيمة، إلا أنها في نهاية الأمر غائية ومحدودة، بل وضئيلة جدًّا إذا ما قورنت بالعذاب الأليم والشديد في نار جهنم.

      ومن هنا كان رفع قيمة الآخرة في أعين الصحابة وسيلة ربانية حكيمة في جعل المؤمنين يصبرون، ويتحملون الأذى والعذاب الدنيوي.



    • برنامج مع الانبياء ،،،،برنامج ممتاز بكل حمله ويحمله وما سيحمله من مواضيع وقراءات من حياة حبيبنا المصطفى عليه الصلاة وأزكى التسليم ،،،برنامج متواصل برقي طرحه وبرقي ما يحمل بين كل متجدد في صفحاته ،،،تنوع الحديث في هذه الصفحات العطرة وها هو مشواركم يواصل إبداعه في الحديث عن القيم والخصال التي سعى حبيبنا المصطفى في غرسها في أصحابه رضوان الله عليهم جميعاا لنشر الاسلام،،،،
      واصلوا فإننا لمنهلكم متابعون وبإذنه تعالى مستفيدون ،،،،وجزيت الجنة ونعيمها أخي ،،،
      ‏​‏​الاستغفار قصہ طويلہ بدايتها الدنيا و نهايتها الجنہ استغفراللّه العظيم الذي لاإله إلا هو الحي القيوم واتوب اليہ ..
    • [h=1]معينات على الصبر وتحمل الأذى
      [/h]

      [h=2]دراسة التاريخ
      [/h]
      من وسائل تربية المسلمين على الصبر وتحمل الأذى دراسة التاريخ؛ فالتاريخ يكرر نفسه، ودراسة التاريخ تعرض لك صورًا واقعية من الماضي لأناس عاشوا تقريبًا نفس الأحداث التي تعيش فيها الآن، ثم ترى كيف تعاملوا مع هذه الأحداث، وترى أيضًا كيف كانت النتائج النهائية.

      فالأحداث والملابسات واحدة، حرب بين الحق والباطل، وعلو للباطل حينًا من الدهر وفترة من الوقت، يحدث فيها تعذيب وتشريد، وقتل وإبادة، ومن المؤمنين صبر وجلد وتحمل، ثم في نهاية الأمر انتصار للحق وتمكين له، وهزيمة للباطل وهلاك له، وهي صورة مكررة في كل صفحات التاريخ، وسنة من سنن الله .

      ومن جديد نرجع إلى القرآن المكي، فلا تكاد تخلو سورة من سوره من قصة أو إشارة إلى قصة من قصص المؤمنين السابقين مع أهل الباطل، وكيف صبروا على التعذيب والإيذاء، ثم كيف مُكّن لهم بعد ذلك.


      كان من ذلك -على سبيل المثال- قصة موسى u، وقد تناولها القرآن الكريم من أكثر من زاوية وبأكثر من طريقة، وبإشارات مباشرة وغير مباشرة.


      وكان من ذلك ما جاء في قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ} [القصص: 4].


      وهي درجة عظيمة جدًّا من الألم والإيذاء كان قد تعرض لها المؤمنون على يد فرعون، وهي بعدُ لم تحدث مع الصحابة، ثم يلي هذه الآيات قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5].


      ونفس أحداث السورة تتكرر، فإن كانت قد تكررت في مكة من قبل فهي تتكرر اليوم وإلى يوم القيامة، فإذا كان الصبر سيتكرر مع مثل هذه الأحداث فإن التمكين - لا محالة - سيتكرر؛ لأنه سنة من سنن الله .

      وكان من هذا القصص المكي أيضًا قوله تعالى حكاية عن قوم نوح : {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} [القمر: 9]. وقد حدث هذا مع رسول الله {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالتَقَى المَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 10- 15].


      وعلى هذا الغرار جاءت قصة هود ولوط وشعيب وصالح ويوسف وغيرهم، كل هذا في صورة واقعية حقيقية وبأسلوب شائق لا تمله النفوس، والله أعلم بطبيعة خلقه وما يحتاجون إليه وما ينفعهم، وهو الذي اختار لهم هذا الأسلوب التربوي الرائع.

      ومن هنا فإن دراسة وفقه التاريخ وتحليله أمر غاية في الأهمية؛ وذلك لتربية الصف المؤمن على الصبر والثبات، ولوضع يده (الصف المؤمن) على كل مفاتيح النصر الحقيقية.


    • [h=2]زرع الأمل في النفوس
      [/h]


      ومن الوسائل التربوية الرائعة لتشجيع المؤمنين على الصبر وتحمل الأذى هي زرع الأمل في نفوسهم؛ فإذا ما أحبط الإنسان فلا أمل في صبره، ولا أمل في نصره، ولا أمل في تمكينه.

      وفي القرآن المكي أيضًا نجد قوله تعالى: {وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف: 87]. وقوله تعالى أيضًا: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَْ} [الحجر: 56]. ومثله أيضًا: {اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128].



      فالله لكي يُعلّم المؤمنين الصبر فإنه يريهم الأمل، ومن هنا نفهم موقف الرسول حين جاءه خباب بن الأرَتّ حين اشتد عليه التعذيب يطلب منه أن يدعو الله لهم ليرفع عنهم البلاء. يقول تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105].


      وإن نقطة الأمل هذه لهي من أهم النقاط التربوية في تربية المؤمنين على الصبر وتحمل المشاق والأذى، ومن هنا فلا بد أن يفرغ الدعاة أوقاتهم لزرع الأمل في قلوب الناس، وأن يربّوهم على مصداق قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إلى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج: 15].


      فليس للحياة قيمة إذا انقطع الأمل، وعلى هذا الضوء نتفهم غضب رسول الله عندما جاءه خباب بن الأرت يقول له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟!


      وكان خباب قد فاض به، فقد عُذّب تعذيبًا شديدًا؛ إذ كان يُكوى رأسه بالنار، وكان يوضع على الفحم الملتهب، وقد يكون طبيعيًّا لرجل مر بهذه التجارب الأليمة أن يذهب إلى رسول الله يطلب منه الدعاء والاستنصار برب العالمين، وهو يعلم أنه مستجاب الدعوة.


      وإلى هذا الحد كان الأمر يبدو طبيعيًّا، لكن الذي حدث كان غريبًا جدًّا، فقد كان رد فعل رسول الله على غير ما نتوقع.

      فقد غضب الرسول حتى بدا ذلك واضحًا على وجهه، يروي ذلك خباب -كما جاء في رواية البخاري- فيقول: فقعد رسول الله وهو محمر وجهه (أي غيّر من جلسته من شدة غضبه وقد احمرّ وجهه)، فقال: "كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ".


      وأمام غضب رسول الله هذا لا بد لنا من وقفة تربوية مهمة؛ إذ من المؤكد أن غضبه لم يكن لمجرد طلب الدعاء، بل إن المؤمنين مطالبون بالدعاء في مثل هذه المواقف.


      لكن الذي حدث هو أن رسول الله شعر أن خبابًا قد بدأ يدخله اليأس، بدأ يحبط ويفقد الأمل، وإن فقدان الأمل لأمر خطير.


      شعر رسول الله أن خبابًا يستبطئ النصر، بينما الأصل أن المؤمنين يعلمون أن الله بيده النصر، ويأتي به في الوقت الذي يريده، ولحكمة يعلمها .


      لكن غضب رسول الله لم يخرجه عن أسلوبه التربوي الراقي، بل أخذ يربي خبابًا، فسلك في سبيل ذلك أكثر من طريق.



    • [h=3]الطريق الأول: التربية بالتاريخ
      [/h]



      ولا شك أن تربية التاريخ عظيمة الأثر، فقد ذكر له رسول الله أحداثًا من التاريخ مر فيها المؤمنون بما هو أشق مما كان قد أصابه؛ وذلك أن الناس عادة ما تصبر على مصائبها وما ينزل بها إذا ما رأت أن غيرها قد ابتلي بما هو أشد منها وصبر على ذلك.


      [h=3]الطريق الثاني: زرع الأمل[/h]



      بعد المسلك الأول وتهوين الأمر، أخذ في زرع الأمل في قلب خباب t؛ فأقسم بالله وبيقين كامل مؤكدًا يقول: "وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ..." إلخ، وكانت النتيجة أن زاد صبر خباب ، واطمأن قلبه بنصر الله وتمكينه لدينه.



      [h=3]الطريق الثالث: التذكير بالله والتعظيم لقدره[/h]



      وذلك في قوله : "لا يخاف إلا الله".



      [h=3]الطريق الرابع: الأخذ بالأسباب[/h]



      وذلك من قوله : "والذئب على غنمه"، فليس معنى التوكل على الله عدم الأخذ بالأسباب، فما زالت السرية موجودة، وما زال الصبر موجودًا، وما زالت الدعوة إلى الله قائمة، وما زال انتظار التمكين يملأ القلوب. فالناس تعمل وتُربَّى في هذا الوقت، وترفع من درجات إيمانهم.


      وكانت النتيجة أن خبابًا ثبت ولم يتزعزع، ولم يبدل ولم يغير، ثم لم يستعجل بعد ذلك، حتى إنه قد سأله عمر بن الخطاب عما لقيه في ذات الله تعالى، فكشف خباب عن ظهره فإذا هو قد برص (مات جلده) ففزع عمر بن الخطاب وقال: ما رأيت كاليوم. فقال خباب: يا أمير المؤمنين، لقد أوقدوا لي نارًا ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجلٌ رِجْلَه على صدري فما اتقيت الأرض إلا بظهري، وما أطفأ تلك النار إلا شحمي.


      فإذا بلغْت هذه الدرجة من الإيذاء فلا تستعجل، وكن صابرًا كخباب، وتذكر قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالبَصَرِ} [القمر: 49، 50].



    • [h=2]وسائل أخرى معينة على الصبر
      [/h]

      بعد هذه الوسائل الأربع -التي ذكرناها في المقالات السابقة وهي تعظيم قدر الله ورفع قيمة الدار الآخرة ودراسة التاريخ وزرع الأمل في النفوس- من الوسائل المعينة على الصبر وتحمل الأذى، كانت هناك أيضًا وسائل أخرى كثيرة تعين على زرع الصبر في قلوب المؤمنين في زمن الاستضعاف.

      وهي وسائل قد استخرجتها من أوائل السور التي نزلت على رسول الله في مكة، والتي علّمت الرسول وعلمت الصحابة كيف يصبرون على هذا الطريق الطويل، حيث يقول في سورة المدثر: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدَّثر: 7]. ويقول أيضًا في سورة المزمل: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً} [المزمل: 10].



      فكان منها ما يلي:

      [h=3]العلم والقراءة
      [/h]



      وذلك كما في الآيات الخمس الأُوَل من سورة العلق: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1- 5].


      فمن يعرف أكثر لا شك أنه سيصبر أكثر، ويجب أن نعي أمرًا غاية في الأهمية، وهو أن القراءة ليست هواية كما يظن أو يعتقد البعض، إنما هي بالنسبة للمسلم كما الطعام والشراب؛ إذ لا حياة بدونهما.

      ومن هنا فلكي تصبر يجب أن تتعلم، ولكي تتعلم يجب أن تقرأ، ومن غير القراءة فلن تُحصّل علمًا، وإن دروس العلم مهما كثرت فلن تعطيك غير جزء ضئيل من العلم الذي ينبغي عليك أن تحصله.


      [h=3]قيام الليل
      [/h]



      يقول تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل: 1- 4].


      فلن يستطيع أن يصبر من لم يتعود قيام الليل، ولهذا فُرض على الصحابة قيام الليل سنة كاملة، وحين نزل التخفيف لم يترك ذلك أحد منهم، فإذا أردت أن تصبر فلا بد أن تتعلم قيام الليل.

      [h=3]قراءة القرآن
      [/h]



      يقول تعالى: {وَرَتِّلِ القُرْآَنَ تَرْتِيلاً} [المزمل: 4]. فالقرآن زاد، ولا يستطيع المسلم أن يصبر بدون هذا الزاد.


      [h=3]الذكر
      [/h]



      يقول تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} [المزمل: 8]. فالذكر أيضًا زاد، ولكي يصبر أي مسلم لا بد أن يذكر الله ، والذي نعته الله بالكثرة فقال: {وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35]. وقال أيضًا: {وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45]. فكلما كان ذكر الله كثيرًا، كان الصبر أكثر.



      [h=3]ترك المعاصي والذنوب
      [/h]



      يقول تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدَّثر: 5]. فكيف يصبر الغارق في أوحال المعاصي؟!



      [h=3]الأخوة في الله
      [/h]



      يقول تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 28]. فحين ترى أناسًا يسيرون معك في نفس الاتجاه فهذا سيعينك كثيرًا، ويقوي ظهرك على الصبر.


      وبعد، فهذه كلها وغيرها أمور تعين على الصبر وتحمل الأذى، نعدِّدها ثانية كما يلي:

      1- تعظيم قدر الله في القلب.

      2- تعظيم الآخرة.

      3- دراسة التاريخ.

      4- زرع الأمل في نفوس المؤمنين.

      5- العلم والقراءة.

      6- قراءة القرآن.

      7- قيام الليل.

      8- الذكر.

      9- ترك المعاصي والذنوب.

      10- الأخوة في الله .



      فتلك عشرة كاملة، ليس هناك صبر بدونها، وكل منها يحتاج إلى دراسة جادة.



    • جــآء الآســلآم بعد إن كنــآ إممـ متفرقةةةة .. فجمعنــآ بروآبط كثيرةةةة منهـآ رآبطةةةة آلآخــوةةةة.فــآلآخوةةة في الله رآبطةةةة قويةةةة متينةةة متمسكةةة ع آسس مبنيةةة من آلدين آلإســلآمي ..
      كيف لآ .. وقد جــآء بهـآ دينــنـآً آلحنيف مع آنق آلبشر آلرسول عليه آلسلآمـ .."

      إِنَّمَا الْمُؤْمِنُـونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ "
      وللكن للآسف آلشديد ..لقد أصبحت الأمـة اليوم كما تعلمون غثاء كغثاء السيل، لقد تمـزق شملها وتشتت صفها، وطمع فى الأمـة الضعيف قبل القوى، والذليل قبل العزيز، والقاصى قبل الدانى، وأصبحت الأمة قصعة مستباحة كما ترون لأحقر وأخزى وأذل أمم الأرض من إخـوان القردة والخنازير، والسبب الرئيس أن العالم الآن لا يحترم إلا الأقوياء ،والأمة أصبحت ضعيفة، لأن الفرقة قرينة للضعف، والخذلان، والضياع، والقوة ثمرة طيبة من ثمار الألفة والوحدة والمحبة، فما ضعفت الأمة بهذه الصورة المهينة المخزية إلا يوم أن غاب عنها أصل وحدتها وقوتها ألا وهو ((الأخوة فى الله)) بالمعنى الذى جاء به رسول الله فمحال محال أن تتحقق الأخوة بمعناها الحقيقى إلا على عقيدة التوحيد بصفائها وشمولها وكمالها، كما حولت هذه الأخوة الجماعة المسلمة الأولى من رعاة للغنم إلى سادة وقادة لجميع الدول والأمم، يوم أن تحولت هذه الأخوة التى بنيت على العقيدة بشمولها وكمالها إلى واقع عملى ومنهج حياة، تجلى هذا الواقـع المشرق المضىء المنير يوم أن آخى النبى ابتداءً بين الموحدين فى مكة، على الرغم من اختـلاف ألوانهم وأشكالهم، وألسنتهم وأوطانهـم، آخى بين حمـزة القرشى وسلمان الفارسى وبلال الحبشى وصهيب الرومى وأبى ذر الغفاري، وراح هؤلاء القوم يهتفون بهذه الأنشودة العذبة الحلوة.

      أبى الإسلام لا أبَ لى سِوَاهُ إذا افتخـروا بقيسٍ أو تميمِ ...
      . . . لاشيء يتغير, الأحداث باردة وغرف القلب باردة و العالم كومة صقيع...,, . . .
    • [h=1]الحكمة من النهي عن القتال في مكة
      [/h]

      أمام هذا الثبات وذاك الصبر، وأمام هذا التحمل العظيم للأذى الشديد يبرز سؤال مهم جدًّا قد يدور في ذهن الكثيرين، وهو: لماذا أمر الله المسلمين بالكف عن القتال في مكة؟

      لماذا تحمل المسلمون هذا الألم دون ردٍّ ودون تغيير؟ ولماذا لم يسمح لهم بالرد على الإيذاء وقد كان منهم من يستطيع ذلك؟ أليس في مثل هذا خنوع وسلبية؟!

      وفي معرض الرد على هذا السؤال نذكر عدة أسباب، وقبل سردها نلفت الأنظار إلى حقيقتين مهمتين:

      الحقيقة الأولى



      أن هذا الكف كان أمرًا ربانيًّا مباشرًا، فقد قال الله في كتابه الكريم: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94].


      ومن هنا فمن المؤكد أن الخير كل الخير كان في هذا الإعراض، وأن الحكمة البالغة كانت تقتضيه، وحكمة الله لا يحيط بها أحد، ولا يقدر على ذلك بشر، ونحن بطاقتنا المحدودة نبحث فيما نعتقد أنه الحكمة من وراء الكف عن القتال في مكة.


      [h=3]الحقيقة الثانية
      [/h] أننا أُمرنا باتباع أوامر الله حتى مع عدم تبدي الحكمة لنا من وراء ذلك؛ فليس معنى أننا لم نجد بعقولنا حكمة مقنعة تسوغ لنا فرض هذا الأمر أن نقوم بمخالفته، يقول تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا} [الأحزاب: 36].



    • بعد وضوح هاتين الحقيقتين السابقتين فيمكننا البحث في حكمة الكف عن القتال في مكة على الوجه التالي:
      [h=2]البعد التربوي
      [/h]

      البعد التربوي المهم في هذا الوضع، فلا شك أن هذه الصورة الجديدة على أرض مكة، وهي صورة التعذيب الشديد لطائفة من الناس على أيدي غيرهم، وقبول هذا الطرف المعذَّب لهذا الأمر دون ردّ، هذه الصورة الجديدة تربي في المؤمنين أمورًا من الصعب أن تُربى في ظروف غيرها، ومن هذه الأمور الصبر من نوع خاص.

      فأنواع الصبر كثيرة، والعربي بصفة عامة صبور؛ إذ إنه يستطيع الصبر على آلام الجوع والحر والفقر وطول السفر، والصبر على الحروب وغيرها، وكل هذا حسن وحميد.

      لكن العربي لا يصبر على تحمل الظلم؛ إذ إن طبيعته الثائرة لا ترضى بالضيم ولا بالجور، فتراه يثور ولو كان الثمن هو حياته نفسه.

      أما الآن فقد أصبح من أهداف المؤمن أن يقيم أمة ودولة، ومن متطلبات بناء الأمة أن يكون البناء متدرجًا، وأن يمر بمراحل مختلفة، وألاّ ينظر الفرد إلى مصلحته الشخصية، بل يتعداها إلى مصلحة المجموع، وهذه كلها أمور ما كان للعربي أن يفكر فيها قبل ذلك.

      فقد صار واجبًا عليهم عدم الالتفات إلى حظ النفس، وأن يتركوا الانتصار لذواتهم وذلك لصالح الأمة وصالح الجماعة، وهذه تربية على شيء جديد، وتحتاج إلى وقت وإلى صبر؛ إذ ليس من الممكن أن تقوم أمة أفرادها يقدمون مصالحهم الشخصية على مصالحها العامة.

      ومن هنا فإن الكف عن القتال كان ضروريًّا من أجل أن يُربى المسلمون على هذا النوع المهم من الصبر، وهو الصبر على ضياع المصلحة الخاصة في مقابل إنجاح المصلحة العامة.

      [h=2]مبدأ السمع والطاعة
      [/h]

      التربية على مبدأ حُسن السمع والطاعة للقيادة، وهو أمر من الأهمية بمكان، ولا تكاد تقوم جماعة إلا به، ولا تكاد أمة تقوم إلا عليه، ذلك هو: التربية على الطاعة لقيادة هذه الأمة الناشئة.

      وإن المقياس الحقيقي للطاعة هو أن تطيع (في غير معصية الله) دونما جدل أو ضجر أو اعتراض، خاصة فيما لا يوافق هواك، أما إذا كان الأمر قد وقع على هوى في نفسك فلا فضل إذن في الطاعة؛ لأنك ستطيع لأنك تهوى هذا الأمر.



      وإن الطاعة الحقيقية للقائد تتطلب أن يعتقد الجندي بأن في طاعته لقائده طاعة لله ، وأنه مأجور عليها، يقول تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80]. فإذا تعامل الجندي مع قائده بهذا المنطلق، فإن سعيه إلى طاعة قائده هو تمامًا كسعيه إلى أي عبادة يتقرب بها إلى الله .


      والطاعة الحقيقة للقائد تتطلب من الجندي أن يعرض وجهة نظره على القائد؛ إذ ليس من مقصودنا ما يسميه البعض بالطاعة العمياء، فنحن إنما نريد الطاعة المبصرة، والتي تدفع الجندي إلى أن يفكر فيما يوجه إليه، فإن وجد ما هو أصوب -في رأيه- ذهب إلى قائده وعرض عليه رأيه، فإن قبل فبها ونعمت، وإن كانت الأخرى فليس إلا الطاعة ودون تأفف أو ضجر ما دام في غير معصية لله .


      وهذا الأمر هو عين ما حدث من خباب مع رسول الله ، فقد رأى خباب أن استعجال النصر مصلحة في ذلك الوقت، وكان هذا اجتهادًا منه، وعليه ذهب إلى رسول الله يطلب منه ذلك بالدعاء، وكان أن أوضح له الأمر رسول الله وبيَّن له ضرورة الصبر، وهنا أيضًا سمع خباب وأطاع، وقَبِل الأمر وكفَّ اليد.



      وقد تعلم خباب شيئًا غاية في الأهمية وهو الطاعة لولي الأمر؛ إذ لا جماعة بغير إمرة ولا إمرة بغير طاعة، وهذه تربية راقية.

      وإن هذه الجماعة التي يتعامل فيها قائدها مع جنوده بهذا الأسلوب التربوي، وتلك التي يتعامل فيها الجندي مع قائده بهذا الاحترام وهذه الطاعة، لجماعةٌ منصورة بإذن الله.


    • [h=2]الدعوة السلمية
      [/h]

      أن الدعوة السلمية في هذه البيئة كانت أشد أثرا وأعظم نتيجة. وفي سبيل توضيح هذه الحكمة نود أن نسأل سؤالاً: ما غرض المسلمين في نهاية الأمر؟ هل هو حكم مكة أم هو إسلام مكة؟!

      والإجابة بالقطع أن الغرض هو إسلام مكة، وليس مهمًّا من الذي يحكمها بعد ذلك، المهم أن يحكمها بكتاب الله وبسنة الرسول ، وهذا هو المهم والمقصود.


      وهذه البيئة المكية كانت قد ألفت العنجهية والشرف والعلو والعزة، فإن فُرض عليها رأي بالقوة فلن تتقبله، وكان سيحدث صراع مبكر بين المؤمنين والكافرين، وبسببه سيرفض الكافرون الدخول في هذا الدين استكبارًا وعنادًا.

      ومن هنا فلا بد للداعية من أن يدرس نفسيات من يدعو؛ فمن الناس من يتأثر بمظاهر الرحمة في الداعية، ومنهم من يتأثر بذكاء العقل عند الداعية، ومنهم من يتأثر بقوة البدن عند الداعية، ومنهم من يتأثر بلطف وأدب الداعية، وهكذا، فقد خلق الله الناس مختلفين، ولا بد للداعية أن يتعامل مع كل هذه النوعيات، ولا بد أن يراعي ظروف المدعو وظروف البيئة التي يعيش فيها، وكذلك لا بد أن يكون ذكيًّا ومرنًا حتى تنجح دعوته، وبعد ذلك فالموفَّق من وفقه الله .

      إذن كانت الدعوة السلمية تناسب ظروف مكة في ذلك الوقت.

      [h=2]تجنب الفتنة
      [/h]

      كان أيضًا من الحِكم في كف المؤمنين عن القتال في مكة هو تجنب الفتنة الخطيرة التي كانت ستحدث في مكة، وتلك المقتلة العظيمة التي ستحل في كل بيت، وأيضًا تجنب السمعة السيئة التي كانت ستلتصق بالإسلام من وراء ذلك، والتي كانت سترمي إلى أن الإسلام يؤدي إلى فتن عظيمة.

      والسبب في ذلك أنه لم يكن هناك في أرض مكة حكومة مركزية هي التي تتولى أمر تعذيب المؤمنين، بل كان قد تكفل كل زعيم بأتباعه، وتكفل كل والد بولده، وكل سيد بعبده، وكل شيخ قبيلة بأفراد قبيلته وهكذا، فكان يقوم بتعذيب مصعب بن عمير -مثلاً- أمه، وكان الذي يعذب عثمان بن عفان عمه، وكان الذي يعذب خباب بن الأرت سيدته، والذي يعذب بلال بن رباح سيده، وهكذا.

      ومن هنا فلو قاتل المؤمنون دفاعًا عن أنفسهم فإنهم -لا ريب- سيقاتلون آباءهم وأعمامهم وقبائلهم، وحينها ماذا سيقول الناس عن الإسلام؟

      لقد كانت فِرْية الكافرين العظمى أن هذا الدين يفرق بين الولد ووالده، وبين الرجل عشيرته، وبين المرء وزوجه، وهذه فريتهم ولم يكن قد نشب قتال بعدُ، فما البال وما الخطب لو كان قد حدث قتال؟!


      فكان هذا عاملاً مهمًّا جدًّا لتجنب الفتنة الخطيرة التي كانت ستحدث داخل مكة، وللحفاظ أيضًا على الصورة النقية الصافية للإسلام كما هي.



    • [h=2]علم الله المسبق
      [/h]

      وهي علم الله أن كثيرًا من أهل مكة سينتقلون بعد ذلك من معسكر الكفر إلى معسكر الإيمان.

      فقد كانت الدعوة الإسلامية ما زالت في مهدها، ولم تكن بعد قد أخذت الفرصة الكافية للوصول إلى قلوب الناس، وكان من الطبيعي أن يعترض عليها منذ البداية كثير من الناس، وقد يتشددون في اعتراضهم، ثم ما يلبث الحق أن يتبدى في أعينهم، فإن كان الله يريد بهم هداية استجابوا وأسرعوا إلى تصحيح أخطائهم، وهؤلاء عندما يؤمنون يتحولون إلى عمالقة في الإيمان؛ وذلك لأنهم انتقلوا من الظلام الدامس إلى النور المبين، وأنهم ذاقوا مرارة الكفر فعلموا حلاوة الإيمان.

      وكان من هذا الصنف -على سبيل المثال- عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعكرمة بن أبي جهل وغيرهم، وقد أصبح كل هؤلاء بعد ذلك قادة مخلصين يحملون الإسلام إلى كل ربوع الأرض.

      فلو كان قد حدث قتال في أول فترة مكة، لكان من الممكن أن يموت أناس كثيرون جدًّا من هؤلاء.

      [h=2]النخوة التي ستتحرك في قلوب المشركين من الظلم[/h]

      أن النخوة التي كانت في قلوب كثير من العرب كانت تتأثر كثيرًا بصورة المظلوم الذي لا يستطيع رفع الظلم عن كاهله، فكان من طبيعة العربي أن تحركه النخوة والشهامة ليرفع الظلم عن المظلومين، وذلك غير من فسدت فطرته أو تزايدت مصالحه، فإنه قد لا يأبه لذلك.

      وقد تحرك كثير من الناس في مكة نخوةً نتيجة الظلم الشديد الذي وقع على المسلمين، وقد تجسدت مثل هذه الصورة -كما سنرى بعد ذلك- في قصة إسلام حمزة بن عبد المطلب .


      وكان من صور النخوة هذه في رفع الظلم عن المظلومين ذلك الجوار الذي عرضه ابن الدغنة على أبي بكر الصديق عند هجرته إلى الحبشة، فقد شعر بأن الصديق ظُلم، فجاء وهو مشرك ليعرض الجوار عليه.


      وكانت أيضًا الصحيفة التي نقضها المشركون أنفسهم بعد ثلاث سنوات من المقاطعة والحصار في شعب أبي طالب -كما سيأتي- صورة من هذه النخوة.

      [h=2]عدم الاصطدام بالنواميس الكونية[/h]

      أن المسلمين لا يصطدمون بالنواميس الكونية، وهي حكمة غاية في الأهمية. فمن النواميس الكونية -مثلاً- أن النار تحرق، ولذلك فالمسلمون أو الناس بصفة عامة لا يلقون بأنفسهم فيها. كذلك من النواميس الكونية أن الذي يسقط في ماء عميق وهو لا يجيد السباحة فإنه لا محالة سيغرق؛ ولذلك فإن المسلمين لا يتهورون بنزول ماء عميق دون إجادة للسباحة.

      كذلك فإن من النواميس الثابتة أن للباطل قوة لا بد أن تعتبر، ولا يستقيم للمؤمنين أن يقولوا: إننا على الحق وأن الله معنا، ثم يلقون بأنفسهم في حرب خاسرة ظنًّا منهم أنهم لا بد أن ينتصروا؛ لأنهم جند الله وعباد الرحمن.

      فالإسلام دين واقعي، والإسلام دين عملي، ومن أجل ذلك فإنه يقيس بدقة قوة الباطل ويقدّر لها حجمها، ثم على الجانب الآخر فإنه يقدر القوة الكافية للرد، ويضع الخطة المناسبة للنصر، ويهيئ الصف الكفء للقتال، ثم يأتي بعد ذلك التوكل على الله والقتال، أي أن الإسلام وببساطة شديدة دين يحترم ويقدر الأسباب.

      ماذا لو قام المؤمنون بثورة مسلحة في مكة؟

      لا شك أنهم كانوا سيقتلون رجلاً أو رجلين أو عشرة أو حتى مائة رجل، لكنهم - ولا شك أيضًا - كانوا سيبادون عن آخرهم. وإذا كان الموت في سبيل الله غاية، فإن المؤمن لا يموت بغير ثمن، فإذا لم يغلب على الظن التمكين أو إحداث النكاية في العدو فلا معنى للقتال.

      ولقد كان المسلمون في مكة قلة مستضعفة، وكانت القياسات المادية والتي قدرتها قيادة المسلمين أن الوقت غير مناسب للقتال، وذلك ليس جبنًا أو ضعفًا، وإنما حكمة وتدبير، وسيأتي يوم تأخذ فيه قيادة المسلمين قرار القتال في بدر وما بعدها.

      فالمسلمون لا يتسرعون النتائج، والمسلمون يدركون تمامًا حقيقة ما يسمى بـ(فقه المرحلة)، فهم يدرسون الظروف بإحكام ويضعون الخطط، ويطلبون المدد من الله ، ثم يقدمون ما يناسب المرحلة التي هم فيها، فقد يناسبها كف عن القتال، وقد يناسبها دعوة سرية، وقد يناسبها دعوة جهرية، وقد يناسبها معاهدات ومفاوضات، وقد يناسبها جهاد واستشهاد.

      ورسول الله قد مر بكل هذه المراحل، ووضع لنا منهجًا دقيقًا نتبعه فيه، ولم يترك لنا موقفًا إلا بَيّن كيف نتعامل معه طبقًا لنواميس الكون وطبقًا لشرائع الإسلام.

      فلم يكن مجرد رجل عبقري حكيم، إنما كان رسولاً من عند رب العالمين، وناقلاً ما أراده الله منا في كل موقف، ومن هنا كانت أهمية دراسة سيرته ودراسة حياته .

      [h=2]لم يكن القتال ضرورة ملحة[/h]

      أن القتال لم يكن ضرورة ملحة؛ فقد كانت الدعوة في مكة تسير وتتقدم، وهي وإن كانت تسير بصعوبة بالغة وبمشقة عظيمة إلا أنها كانت تتقدم يومًا بعد يوم.

      وكان رسول الله يخاطب الناس ويدعوهم وهو تحت حماية سيوف بني هاشم، وكان أبو طالب قد جعل رسول الله قضية حياته، وكرَّس جهده لرد الكيد عنه.

      فكانت الحكمة تقتضي أن يستغل المسلمون هذه الظروف في القيام بأمر الدعوة، وحين يموت أبو طالب أو تنتهي حمايته لرسول الله فإنه لا شك ستختلف تلك المرحلة عن سابقتها، وسيكون لها فقه مختلف، سنرى تفاصيله -بمشيئة الله-.

      [h=2]عدم كشف أوراق المسلمين في البداية[/h]

      أنه لو حدث قتال لاضطر المسلمون إلى كشف أوراقهم، وبهذا كان سيظهر كثير من المؤمنين الذين لم يكن يُشتهر إيمانهم بعد.

      وهذه المرحلة لم تكن تتطلب أيًّا من ذلك، حيث كانت تتسم بجهرية الدعوة للرسول وللقليل فقط ممن لهم منعة ولو نسبية، أما عموم المسلمين فلم يكونوا يعلنون عن أنفسهم.


      ولو حدث ذلك الأمر، ولو حدث قتال في أوائل فترة مكة لاكتُشف أمر دار الأرقم بن أبي الأرقم ، ولما استطاع المسلمون أن يحادثوا الأفواج التي كانت تأتي إلى مكة وقت الحج، ولما استطاع المسلمون أن يغادروا مكة إلى غيرها أو يدخلوا إليها إذا كانوا على سفر.


      فكان سيوضع عليهم قيود مشددة ستحد من حركتهم، وستؤخر أمر الدعوة لا محالة، ومن هنا كانت متطلبات هذه المرحلة أن يكف المسلمون اليد عن القتال؛ حتى لا يؤدي ذلك إلى كشف كل أوراقهم في وقت يحتاجون فيه إلى التكتم الشديد.

      [h=2]إظهار قدرة الله وحكمته[/h]

      إظهار قدرة الله وقوته وعزته وحكمته. لقد ظهر أمام الجميع في مكة وحولها في زمانهم وفي الأزمان التي جاءت بعد ذلك كيف كان المؤمنون ضعفاء، وكيف كانوا قلة لا يملكون مقومات الرد المادية فضلاً عن مقومات الانتصار، ثم تظهر بعد ذلك آيات عجيبة، وتحدث أمور لا تخطر على عقول البشر.

      فقد دبر الإله الحكيم لأوليائه، فإذا بالضعف يتحول إلى قوة، وإذا بالذل يصير عزة، وإذا بالخوف يتبدل أمنًا، وإذا بالتشريد والتعذيب والإهانة والقتل، كل ذلك يتحول إلى سيادة وتمكين.

      وسيكون هناك بعد ذلك بدر والأحزاب، وفتح مكة وتبوك، وغيرها من المواقع الفاصلة.

      ثم بعد ذلك أيضًا سيأتي فتح فارس والروم، وسنرى كيف انتشر الإسلام حتى عمّ الأرجاء، وكل هذا بهؤلاء الضعفاء القلة الذين كانوا يُعذَّبون في مكة {صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88].



      ومن هنا، ولهذه الأسباب أُمر المسلمون في هذه المرحلة بالكف عن القتال، وسيأتي زمان بعد ذلك يُسمح فيه ويُؤمر بالقتال، وكل مرحلة لها طبيعتها.

      ولكي نستطيع أن نحاكي الرسول لا بد أن نعرف المرحلة التي نعيشها، وأي مرحلة تشبه من المراحل التي مر بها .



    • بارك الله فيك اخي
      أمارس التجــآهل فَي حَ ــيآتي كثَيراً . ولآ‘ ""اخجــل"" من هــذآ الأعترآف .. لأن اهتمآمي لآ امنحَه إلآ لمن يستحَق ~ .. مآسينا والصور .. ~ http://www.ramstarab.com/ramca/index.php يعلم الله أن في هالدنيا الناس اشكال واجنا منهم تشوفهم مره.. وتنساهم بالمره.. وناس تلقاهم صدفه.. وماتقدر تنساهم بالمره..!!
    • موفق اخي العزيز فخر السلطنة في متابعة طرحك للموضوع
      اسأل الله لك التوفيق
      شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يُهدى لعاصي
    • تقديم جميل وجهد متوااصل....برنامج حلو يذكرني ببرنامج التلفزيون اللي تحكي قصص الانبياء ....صراااحة جهد كبير ...الله يجزيك الخيرفخر السلطنة تسلم عزيزي ..
      ....لاإله إلا الله ...... محمد رسول الله ........... ..........صلى الله عليه وسلم .....................
    • [h=1]النهي عن القتال في مكة.. سلبيات وإيجابيات
      [/h]

      إزاء هذا الأمر بالكف عن القتال كانت هناك مخاطر تربوية قد تظهر نتيجة قبول مثل هذا الظلم الذي وقع على المسلمين، ولا بد أن يدركها الدعاة ويحذروا منها، كما أدركها رسول الله وتجنبها بأسلوبه التربوي الراقي، وكان منها ما يلي:

      [h=3]أولاً: إلف الذل
      [/h]



      فالشعوب التي تُقاد بالسياط تألف الذل، فإذا جاء وقت يصلح للتغيير فإنهم لا يستطيعون. ومن هنا كان رسول الله يحرص دائمًا على تربية المؤمنين على الشعور بالعزة، ودائمًا ما كان يزرع في قلوبهم أن هذه مرحلة إعداد وتربية، ومن ثم فسيأتي زمان نتسلم فيه راية القيادة، ليس قيادة مكة فقط ولكن قيادة العالمين.

      ولذلك لم تنكسر نفسيات الصحابة أبدًا برغم هذا التعذيب وتلك الإهانة التي كانوا يتعرضون لها، فكانوا يستعلون على الكافرين بإيمانهم، ليس كبرًا أو غطرسة، وإنما ثقة ويقينًا بوعد الله بالتمكين.

      ففي هذه المرحلة المبكرة وحين كانوا في قرية صغيرة لا تُرى على خريطة العالم، قليلين مستضعفين ومعذبين يُطلعهم ربهم على الأحداث الجارية بين أكبر قوتين في الأرض، وهما فارس والروم.

      ينقلهم ربهم نقلة واسعة وكأنه يخبرهم بأنهم عما قليل سيصبحون قادة هذا العالم، وكأنه يُعرّض لهم بأن فارس والروم هذه الممالك العظيمة عما قليل ستصبح مجرد أقاليم في مملكتكم الواسعة. يقول تعالى: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الرُّوم: 1- 5].


      فكان المسلمون يتابعون الأحداث السياسية والعسكرية في العالم، فضلاً عن أحداث الجزيرة العربية، وهي وسيلة تربوية مهمة جدًّا ترفع من شأن المسلم المستضعف.


    • [h=3]ثانيًا: التربية على السلبية
      [/h]



      كذلك كان من المخاطر التربوية في أمر كف المؤمنين عن القتال أن يتربى المسلمون على السلبية. وفي سبيل عدم تسرب مثل هذه السلبية إلى المؤمنين فقد كان رسول الله -وهو القائد الفذ والمدير الناجح والمربي القدير- يربي المؤمنين على أقصى درجات الإيجابية حتى وهم يعذبون.

      فلم يكن الواقع كما يراه الناظر إلى حال المسلمين في مكة وقد ظن أنهم في حالة انتظار، أو في حالة ركود في انتظار الوقت المناسب للتمكين، إنما كان الواقع أن المسلمين في عمل دائم ودءوب، وكانوا يمثلون الإيجابية في أعلى صورها.

      [h=2]الصحابة والتربية على الإيجابية[/h]

      كانت للإيجابية التي ربّى رسول الله أصحابه عليها في تلك الفترة مظاهر متعددة:

      [h=3]رفع المستوى الإيماني[/h]



      كان الرسول يرفع دائمًا من مستوى إيمانهم. والإيمان بالله هو القوة الأساسية لجيش المؤمنين، وهو أعظم الأسلحة، فكان من خصائص هذه المرحلة الارتقاء بهذا الإيمان، وذلك في كل يوم بل في كل ساعة وفي كل لحظة.

      فكان هناك تذكير دائم بالله ، وتعظيم دائم له، وكان هناك ترغيب في الجنة وترهيب من النار، وكان هناك صلاة بالغداة وصلاة بالعشي، وقراءة مستمرة للقرآن الكريم، وتدبر عميق في آياته، وعمل دقيق بما جاء فيه.

      كان هناك قيام ليل وساعات طوال يقفون فيها في مناجاة مع مالك الملك، وكان هناك تفكر وتدبر في كون الله ، في السموات والأرض، في النباتات والحيوانات والطيور، في الشمس والقمر، في الصحراء والجبال والسحاب.


      كما كان هناك بُعد عن المعاصي وترك للذنوب، وزهد في الدنيا وبعد عنها، ورغبة في الآخرة وقرب منها، كان هناك تربية إيمانية عالية.


      يخطئ المسلمون الذين يفتُرون في أوقات الاستضعاف، فالإيمان هو السلاح الأول للمؤمنين، والارتقاء بالإيمان هو إعداد ليوم التمكين، وبغير الإيمان لن يُمكَّن المسلمون.