المكتبة الإسلامية

    • العفو لكم (أحمد-الجوكي- الريامي-شيخة الحريم)ولمروركم الكريم على هذه المكتبة التي آمل أن تشاركوا فيها بقدر ما تستطيعوا
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • الخائفون من الله

      أبـو بكـر الصـديـق – رضى الله عنه –

      كان أبو بكر – رضي الله عنه – رجلا أسيفًا كثير البكاء. إذا قرأ القرآن لم تكد تفهم قراءته من كثرة بكائه – رضي الله عنه وأرضاه -.

      إذا تذكرت شجـوًا من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعـلا
      الصاحب التالي المحمود سيرته وأول الخلق طرًّا صدَّق الرسلا

      الفـاروق عمـر بن الخطـاب - رضي الله عنه -:

      أما عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقد كان آية في التقوى، أعجوبة في الخوف، مذهلا في البكاء، بكى حتى اتخذت الدموع لها مجرى على خديه، فرسمت لها خطين أسودين من كثرة تحدّرها، ويجب عليك وأنت تقرأ سيرة عمر وغيره من أولئك العظماء أن تنظر إلى هذا الربط البديع، والتناسق العظيم، بين شدة الخوف وكثرة البكاء، وبين القوة والصلابة في الحق والعزيمة في رفعة الدين، فلم يكن خوف خور وخضوع، وقعودٍ وخنوع، بل هو خوف يدفع للقوة، وبكاء يثمر عطاءً، وخشية أوجبت التضحية.

      يا من رأى عمرًا تكسوه بردته والزيت أدْم له والكوخ مأواه
      يهتز كسرى على كرسيه فرقًا من خوفه وملوك الروم تخشاه

      كان عمر يخوف نفسه بالله، ويحب الذين يخوّفونه بالله جل وعلا ويبحث عمن يخوفه بالله ويذكره بهول المطلع على الله، لعلمه بثمرة الخوف وحسن عاقبته.

      كان كعب – رضي الله عنه – عنده في يوم من الأيام، فقال له عمر: يا كعب خَوِّفنا، فقال له كعب: يا أمير المؤمنين أليس فيكم كتاب الله وحكمة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال: بلى، ولكن يا كعب خوفنا، فقال له: يا أمير المؤمنين اعمل عمل رجل لو وافى القيامة بعمل سبعين نبيًا لازدرأ عمله مما يرى من الهول.

      كانت قُواه تنهار من خوف الله وخشيته، كان يهوي إلى الأرض، ويأخذ التبنة بيده ويبكي قائلا: ( يا ليتني هذه التبنة، ليتني لم أكن شيئًا، ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت نسيًا منسيًا ).

      لما خرج – رضي الله عنه وأرضاه – لاستلام مفاتيح المقدس استقبلته الكتائب والجيوش والأمراء والعظماء، فقال لهم: تفرقوا عني أين أخي أبو عبيدة، فتقدم أبو عبيدة إليه فعانقه وبكى بكاءً طويلا، ثم قال عمر: يا أبا عبيدة كيف بنا إذا سألنا الله يوم القيامة ماذا فعلنا بعد رسولنا – صلى الله عيه وآله وسلم -، قال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين تعالى إلى مكان لا يرانا الناس فيه لنتباكى، فاتجها إلى شجرة ثم توقفا عندها وأخذا يبكيان بكاءً مريرًا طويلا يبكيان حنينًا لصاحبهم - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويتذكران أيامهما معه، ويبكيان خوفًا من ربهم عز وجل إذا سألهم ماذا فعلوا بعده.

      حينما حضرت عمر الوفاةُ كان رأسه على فخذ ابنه عبد الله، فقال له: ضع رأسي على التراب عل الله يرحمني، فلما وضع رأسه على الأرض قال: ويلي وويلُ أمي إن لم يرحمني الله، وكان يقول: والله وددت لو نجوت كفافًا لا لي ولا علي.

      بكى عمر الفاروق خوفًا وخشيـة وقد كان في الأرض الإمام المثاليا
      وقال بصوت الحزن يا ليت أنني نجوت كفـافًا لا علـيّ ولا ليـا

      عثمـان بن عفـان - رضي الله عنه -:

      أما عثمان – رضي الله عنه وأرضاه – فقد كان إذا وقف على قبر يبكي حتى تخضل لحيته بالدموع، فقيل له: يا أمير المؤمنين، يذكر عندك الموت والجنة والنار فلا تبكي أحيانًا، فإذا ذكر القبر بكيت، قال: لأني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – يقول: ( ما رأيت منظرًا قط إلا والقبر أفظع منه فمن نجا منه فما بعده أهون منه ).

      علـي بن أبـي طـالـب - رضي الله عنه -:
      وقد كان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه وأرضاه – كثير الخوف سريع العبر، دائم الفكرة، شديد الخشية، صلى صلاة الفجر في يوم من الأيام فجلس حزينًا مطرقًا، فما طلعت الشمس قبض على لحيته وبدأ يبكي بكاءً مريرًا، فلما هدأت نفسه، وسكنت عبرته قال: ( لقد رأيت أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – فما رأيت شيئًا يشبههم، كانوا يصبحون شعثًا عبرًا صفرًا بين أعينهم كأمثال ركب المعزى من كثرة السجود، قد باتوا لله سجدًا وقيامًا يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا طبع الفجر ذكروا الله، فمادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهطلت أعينهم بالدموع، والله لكأنهم أمسوا غافلين ).

      كان علي – رضي الله عنه – إذا أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه يقوم في محرابه قابضًا على لحيته يتململ تململ الملدوغ، ويبكي بكاء الحزين، وينادي، يا ربنا، يا ربنا.. آه، آه، آه من قلة الزاد بعد السفر، ووحشة الطريق.

      عبـد الرحمـن بن عـوف - رضي الله عنه -:

      وهذا عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه وأرضاه – أُتي له بطعام وقد كان صائمًا فلما وضعوه أمامه قال: قتل مصعب بن عمير – رضي الله عنه – وهو خير مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة، إن غُطّي بها رأسه بدت رجلاه، وإن غُطّي بها رجلاه بدا رأسه، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط قد خشينا أن تكون حسناتنا عُجِّلت لنا، ثم انهار بالبكاء حتى رفع الطعام وما أكل منه، وأُتي له بعشائه في يوم آخر وقد كان صائمًا، فلما رأى الطعام قرأ قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً ﴿12﴾ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً ﴾ ... [المزمل: 12، 13 ]، فلم يزل يبكي حتى رفع طعامه وما تعشى.

      أبـو هـريـرة - رضي الله عنه -:


      أبو هريرة – رضي الله عنه وأرضاه – في مرض موته بكى بكاءً مريرًا فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بعد سفري وقلة زادي، وإني أمسيت في صعود المهبط منه على جنة أو نار ولا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي.

      عمـر بن عبـد العـزيـز - رحمه الله -:

      أما عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – فكأن النار لم تخلق إلا له، وكأن الصراط لم ينصب إلا من أجله، كان خليفة للمسلمين، الدنيا طوع أمره، والأموال تحت تصرّفه، والكنوز ترتمي عند قدمه، وأبّهة الملك تغازله ومع ذلك أعرض عنها جميعًا، وطلب ملكًا لا يفنى، ونعيمًا لا يزول، تقول زوجته فاطمة بن عبد الملك – رضي الله عنها – قد يكون في الرعية من هو أكثر صلاة وصيامًا من عمر، ولكن ليس بينهم من هو أشد خوفًا وبكاءً من عمر.

      كان إذا صلى العشاء جاء إلى بيته فألقى بنفسه في محرابه، ثم رفع يديه فلا يزال يبكي حتى تغلبه عيناه، ثم ينتبه فلا يزال يبكي حتى تغلبه عيناه، وقد كان يبكي أحيانًا حتى يطلع الفجر.

      بكى في يوم من الأيام واشتد بكاؤه فسمع أهله بكاءه فبكوا لبكائه، ثم سمع الجيران البكاء فبكوا لبكاء عمر وأهله، وقد كادت روحه تذهب من شدة البكاء، فلما سكن فؤاده، وهدأت نفسه، قالوا له: يا أمير المؤمنين، ما الذي أبكاك؟ فوالله لقد أشفقنا عليك، قال: تذكرت يوم القدوم على الله فريق في الجنة وفريق في السعير، ولا أدري أين يذهب بي.

      قيل لعمر في يوم من الأيام: لو جعلت على طعامك أمينًا لا تُغتال، وحرسًا إذا صليت لا تُغتال، وتنحّ عن الطاعون، فقال: « اللهم إن كنت تعلم أني أخاف يومًا دون يوم القيامة فلا تؤمن خوفي ».

      الحسـن البصـري - رحمه الله -:

      وكان الحسن البصري – رحمه الله – من أعظم الناس خوفًا، وأكثرهم بكاءً وخشية من الله تعالى، بكى في يوم من الأيام، فقيل لما ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطرحني غدًا في النار ولا يبالي.

      أُتي له بكوز من ماءٍ ليفطر عليه وقد كان صائمًا عطشان، فلما أدناه إلى فيه بكى وأسبلت عيناه لدموع فقال: ذكرت أمنية أهل النار وقولهم: ﴿ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ ﴾ ... [الأعراف: 50 ].
    • الأربعون النووية

      عن أمـيـر المؤمنـين أبي حـفص عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله يقـول: { إنـما الأعـمـال بالنيات وإنـمـا لكـل امـرئ ما نـوى، فمن كـانت هجرته إلى الله ورسولـه فهجرتـه إلى الله ورسـوله، ومن كانت هجرته لـدنيا يصـيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه }.

      [رواه إمام المحد ثين أبـو عـبـد الله محمد بن إسماعـيل بن ابراهـيـم بن المغـيره بن بـرد زبه البخاري الجعـفي:1، وأبـو الحسـيـن مسلم بن الحجاج بن مـسلم القـشـيري الـنيسـابـوري:1907 رضي الله عنهما في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة].


      الشرح

      هذا الحديث أصل عظيم في أعمال القلوب؛ لأن النيات من أعمال القلوب، قال العلماء: ( وهذا الحديث نصف العبادات )؛ لأنه ميزان الأعمال الباطنة وحديث عائشة رضي الله عنها: { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } وفي لفظ آخر: { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد } نصف الدين؛ لأنه ميزان الأعمال الظاهرة فيستفاد من قول النبي : { إنما الأعمال بالنيات } أنه ما من عمل إلا وله نية؛ لأن كل إنسان عاقل مختار لا يمكن أن يعمل عملاً بلا نية، حتى قال بعض العلماء: ( لو كلفنا الله عملاً بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق ) ويتفرع على هذه الفائدة:

      الرد على الموسوسين الذين يعملون الأعمال عدة مرات، ثم يقول لهم الشيطان: إنكم لم تنووا. فإننا نقول لهم: لا، لا يمكن أبداً أن تعملوا عملاً إلا بنية فخففوا على أنفسكم ودعوا هذه الوساوس.

      ومن فوائد هذا الحديث أن الإنسان يؤجر أو يؤزر أو يحرم بحسب نيته لقول النبي : { فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله }.

      ويستفاد من هذا الحديث أيضاً أن الأعمال بحسب ما تكون وسيلة له، فقد يكون الشيء المباح في الأصل يكون طاعة إذا نوى به الإنسان خيراً، مثل أن ينوي بالأكل والشرب التقوي على طاعة الله؛ ولهذا قال النبي : { تسحروا فإن في السحور بركة }.

      ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للمعلم أن يضرب الأمثال التي يتبين بها الحكم، وقد ضرب النبي لهذا مثلاً بالهجرة، وهي الإنتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام وبيّن أن الهجرة وهي عمل واحد تكون لإنسان أجراً وتكون لإنسان حرماناً، فالمهاجر الذي يهاجر إلى الله ورسوله هذا يؤجر ويصل إلى مراده، والمهاجر لـدنيا يصـيبها أو امرأة يتزوجها يُحرم من هذا الأجر. وهذا الحديث يدخل في باب العبادات وفي باب المعاملات وفي باب الأنكحة وفي كل أبواب الفقه.
    • نفي رؤية الباري

      الرؤية




      رؤيةُ الله تَعَالىَ من الأمورِ الغيبية التي اختلف فيها العلماء بين مثبت للرؤية وناف لها، ورغم أَنَّهَا ليست في الأصل من أركان الإيمان ولا من أركان الإسلام التي نص القُرآن عليهَا، إِلاَّ أَنَّها صارت من أهم المسائل التي أدرجها العلماء كأصل من أصول العقيدة، وقد تشدَّدت المسائل فيما بينها حتَّى كفّرت بَعضها البعض بهذه المسألة وغيرها، وأصبحت من أبرز المسائل الخلافية بين المذاهب الإِسلاَمية.


      وسنعرض أقوال المذاهب في هذا المقال، وأصل اختلافهم، من تفصيل الشيخ أحمد الخليلي لها في كتابه الشافي الكافي: «الحق الدامغ» وفيما يلي ملخص ما قاله:

      «والنزاعُ بَين مختلف طوائف الأُمَّة في إمكان رؤية الله تعالى ووقوعها قديم، فبعض الطوائفِ المنتسبة إلى السنَّة والسلفية والأشاعرة والماتريدية والظاهرية وغيرهم يقولون: إِنَّها ممكنة في الدنيا والآخرة، غير أن جمهورهم يثبت وقوعها في الآخرة دون الدنيا.

      واختلفت الطائفة التي تقول: إِنَّها واقعة في الدنيا والآخرة كذلك، هل هي خاصة في الدنيا برسول الله -صلى الله عليه وسلم - أو هي عامة للمؤمنين؟ فأكثرهم على أَنَّهَا خَاصَّةً به، وهو قول الأشعري وأتباعه، نقله عنهم الحافظ بن حجر، وقال النووي ولم يقل بوقوعها لغيره -صلى الله عليه و سلم -في الدنيا إلا غلاة الصوفية. أما ابن القيم فيقول في حادي الأرواح([1]): "فقد دَلَّت الأحاديث الصحيحة على أن المنافقين يرونه تعالى, بل والكفار أيضا كما في حديث التجلي يوم القيامة", ثم قال: "وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال لأهل السنة: إحداها: أن لا يراه إِلاَّ المؤمنون. والثاني: يراه جميع أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم؛ ثم يحتجب عن الكفار فلا يرونه بعد ذلك. والثالث: يراه المنافقون دون الكفار. والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد وهي لأصحابه»([2]).

      رأي الإباضية
      أما الإباضية فيعتقدون أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم ير ربه عندما عَرج به إلى السماء، كما ادعى البعض، وهو قول الجمهور من أهل التحقيق، ويرون أَيْضًا استحالة رؤية الله تعالى في الدنيا وفي الآخرة، وهو ما يتناسب مع تنزيه الله تعالى من صفات النقص، وما تَدُلُّ عليه الآيات الصريحة، والأحاديث الصحيحة، وهو ما ينسجم مع العقل والمنطق.

      ومن هذا المبدأ فسَّر الإباضية وغيرهم من المذاهب التي ذهبت إِلىَ هذا الرأي كُلّ الآيات والأحاديث التي تُوهم التشبيه أو الرؤية، بما يتناسب مع صفات الله تعالى التي لا تتبدل ولا تتغير، والمتتبع للقرآن الكريم لا يجد آية صريحة في مسألة الرؤية، بل إن الآيات والأحاديث التي تنفي الرؤية أكثر وأصرح من الآيات والأحاديث التي تثبتها.

      والقول بعدم رؤية الباري سبحانه وتعالى ليس جديدا، وليس خاصا بالإباضية فقط وإنما كان رأيا قديما، بل كان هو الرأي السائد في الصدر الأَوَّل من الصحابة والتابعين، إِلىَ أوائل القرن الثاني عندما تولى المعتزلة الحكم، ابتداء من عهد المأمون، وهو رأي الشيعة أَيْضًا، ولم يتغير هذا الرأي إِلاَّ بعدما سيطر أهل الحديث على الحكم العباسي، وأقصيت المعتزلة ونكل بهم أشد التنكيل، فكانت نقطة صراع يَتَبَيَّن منها الموالي للحكم العباسي، والخارج عليه، مثلها مثل فتنة الإمَام أحمد في خلق القُرآن.

      أدلة الإباضية في نفي رؤية الله تعالى في الدار الآخرة: منها أدلة نقلية، وأدلة عقلية، تناولتها كثير من كتب الإباضية أختصرها فيما يلي:

      أولا: الأدِلَّة النقلية:
      1- من القرآن الكريم:
      ·قول الله تعالى: ﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الاَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾. (سورة الأنعام: 103) قال صاحب قاموس الشريعة: هذه صفة لا تُنسَخ، لأَنَّ هذا خبر، والأخبار لا تنسخ، ولأنَّ الله مدح نفسه، ومدائح الله لا تزول ولا تتحول.

      ·قول الله تعالى لموسى عليه السلام لَمَّا سأله الرؤية، قال له:﴿ لَن تَـرَانِي ﴾ (الأعراف: 143)، وهذا نفي مطلق غير مقيد بزمان ولا مكان، فلو حصلت الرؤية في أي زمان من أزمان الدنيا والآخرة، لكان منافيا لهذا الخبر. وحرف النفي "لن" عند علماء اللغة هو من حروف الإياس. وَإنَّمَا طلبَ موسى عليه السلام رؤية الله ليُقيم الحجَّة على قومه الذين ألحوا عليه أن يروا الله جهرة أَمَّا هو، فيعلم أن ذلك مستحيل.

      ·ما جاء في آيات الكتاب من الإنكار البالغ والتقريع الشديد للذين سألوا الرؤية من اليهود والمشركين، مع تحذير المسلمين من الوقوع فيما وقعوا فيه، ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُـنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَآءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىآ أَكْبَرَ مِن ذَالِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ﴾ (النساء: 153)

      ·وقول الله تعالى: (وَقَالَ الذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلآَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلآَئِكَةُ أَوْ نَرَىا رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُواْ فيِ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْاْ عُتُوًّا كَبِيرًا﴾ (الفرقان: 21) وقوله تعالى: (اَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ، وَمَنْ يَّتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالاِيمَانِ فَقَدْ ضَّلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ) (البقرة: 108)


      2- الأدلة من الأحاديث الواردة في نفي الرؤية، هي:
      ·روى مسلم في صحيحه عن ابن الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : (لن يرى الله أحد في الدنيا ولا في الآخرة).

      · روى مسلم عن أبى ذر أَنَّهُ سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : هل رأيت ربك؟ قال: (نور أنّى أراه) فهذا الحديث ينفي الرؤية مطلقا فقد وصف الرسول ربه بأنه نور، واستبعد حصول الرؤية بقوله (أنّى أراه) وأنّى بمعنى كيف. ولو يعلم بأنه سيراه في الآخرة لأخبر أبا ذر.

      ·روي عن علي بن أبي طالب في تفسير قول الله تعالى: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الاَبْصَارُ﴾ فقالَ: أنَّ الله لا يُدرك بالأبصار، لا في الدنيا ولا في الآخرة . وروي عنه أيضا في تفسير قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نـَّاضِرَةٌ﴾ (القيامة: 22). قال: إلى ثواب رَبِّها ناظرة.

      ·قول عائشة أم المؤمنين لمسروق: من زعم أنَّ محمدا  رأى ربه، فقد أعظم على الله الفرية.

      وغيرها من الأحاديث التي لا يتسع المقال لذكرها


      ثانيا: الأدلة العقلية على نفي الرؤية:
      ·إن كُلّ ما يمكن أن يراه الإنسان أو يتخيله أو يتصوره لاَ بُدَّ أن يكون محدودا، بالشكل أو بالحجم أو باللون أو بالزمان أو بالمكان. وجميع المخلوقات التي نعرفها والتي لا نعرفها, نراها أو لا نراها هي محدودة بهذه الحدود أو ببعضها. وما دامت هذه صفات المخلوقات فَإنَّهُ يستحيل أن تكون من صفات الخالق.

      ورؤية الله تبارك وتعالى تستلزم شروطا لذلك منها: أن يكون محدودا بجهة معينة، أو صفة أو شكل معين، حتى تتوجه إليه الأبصار، وهذا مستحيل في حق الله تبارك وتعالى.

      فمن صفاته سبحانه وتعالى أَنَّهُ: قديم بلا بداية، باق بلا نهاية، منزه عن الشكل واللون، لا يحويه زمان ولا مكان، لأَنَّهُ هو الذي خلق الأشكال والأحجام والألوان والأزمان والأمكنة، وهو منزه عن الجهات والاستقرار، وليس له صورة على النحو الذي يمكن أن يَتَغَيَّر من شكل إلى آخر.

      ومن صفاته أيضا: أنه الأَوَّل فليس قبله شيء، وهو الآخر ليس بعده شيء، وهو الظاهر ليس فوقه شيء، وهو الباطن ليس دونه شيء، لا يشبه شيئا من خلقه، ولا يشبهه شيء من خلقه، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فكيف يمكن أن يتصور أو يتخيل أو يرى.

      ·إن كثيرا من الأشياء التي خلقها الله تعالى في هذا الكون لا يراها الإنسان، فنحن لا نستطيع رؤية الأشعة السينية، ولا الأشعة فوق البنفسجية، ولا الأشعة تحت الحمراء، كما لا نستطيع رؤية الكهرباء التي تسري في الأسلاك، ولا الجاذبية والروائح والأصوات، ولكن نؤمن بها وندرك تأثيرها في الأشياء حولنا؛ أَمَّا حقيقتها فيعلمها الله. وكذلك نؤمن بوجود الله وقدرته دون أن نراه.

      ·كثيرا ما نجد في كتاب الله تعالى ما وعد الله به عباده المؤمنين في الدار الآخرة من النعيم مذكورا بأوضح العبارات وبصراحة كاملة، ومكررا في مواضع شتى لأجل التشويق، بينما لا تجد للرؤية ذكرا إِلاَّ ما يتأوله المثبتون للرؤية من لفظ ﴿الزيادة﴾ وأمثالها، وهو لم يذكر إِلاَّ مجملا، فلو كانت الرؤية ثابتة وهي أصل كُلّ نعيم في الْجَنَّة، لوردت في آيات صريحة لا تحتمل التأويل.

      ·نرى التناقضات والاضطرابات التي يذكرها القائلون بالرؤية في الآخرة، وذلك لاختلافهم في من يَرونه ومتى يرونه؟؟.

      ·من يروه يوم القيامة؟ يقول الأكثر بأن الرؤية خَاصَّة بالمؤمنين، إذ هي نعمة يمنّ الله بها عليهم، يتضاءل معها نعيم الْجَنَّة، ومن الغريب أَيْضًا أَنَّنا نجد البعض ينعم بها عَلَى الكفار والمنافقين، ويمنعها عن المسلمين القائلين بعدم الرؤية لعدم إيمانهم بذلك.

      ·متى يرونه؟ نجد من خلال استقرار الأحاديث المثبتة للرؤية تناقضها فيما بينها، من حيث الموضع الذِي يرى فيه رَبِّ العزة، وأهم هَذِهِ الأحاديث: حديث: «فإنكم سترون ربكم لا تضامون في رؤيته» مَع أنَّ سياق هذا الحديث يَقتضي أن هذه الرؤية ستكون في الموقف، وأنها غير خَاصَّة بالمؤمنين، بل يشاركهم المنافقون والمشركون كما ذكر ذَلِكَ ابن القيم وغيره.

      ·إن محاولة تنزيه المولى عز وجل وإثبات الرؤية، وتأويلها بأنها رؤية بلا كيف، هو كلام بشر قابل للأخذ والرد.

      - أدلة القائلين بالرؤية، ورأي الإباضية:
      القائلون بالرؤية استدلوا ببعض الآيات والأحاديث منها:

      ·قول الله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نـَّاضِرَةٌ(22) إِلَىا رَبـِّهَا نَاظِرَةٌ(23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذِم بَاسِرَةٌ(24) تَظُنُّ أَنْ يـُّفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)﴾ (القيامة)، قالوا: إِنَّ النظر هنا بمعنى الرؤية، وهذا أقوى الأدلة التي يستدلون بها.

      ·قول الله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىا وَزِيَادَةٌ) (يونس: 26) فقالوا: إِنَّ الحسنى هي الْجَنَّة، والزيادة: هي رؤية الله في الْجَنَّة.

      ·قولُ الله تعالى ﴿ كَلآَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبـِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ (المطففين: 15)، قالَ المثبتون للرؤية أن الحَجبَ هو: الحجبُ عن رؤية الله تعالى. وذكر ابن كثير في تفسير الآية: يكشف الحجاب فينظر إليه المؤمنون والكافرون؛ ثُمَّ يحجب عنه الكافرون، وينظر إليه الكافرون كل يوم غدوة وعشية.

      -وأما الأحاديث التي استدلوا بها، فمنها:

      1-حديث البخاري في كتاب التوحيد عن أبي هريرة أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه و سلم - : «هل تضامون في القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا، يا رسول الله. قال: «فإنكم ترونه كذلك, يجمع الله الناس يوم القيامة, فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه, فيتبع من كان يعبد الشمسُ الشمسَ, ويتبع من كان يعبد القمرُ القمر, ويتبع من كان يعبد الطواغيت, وتبقى هذه الأُمَّة فيها شافعوها أو منافقوها –شك إبراهيم – فيأتيهم الله في هيئة، فيقول: أنا ربكم. فيقولون:أنت ربنا, فيتبعونه...» الخ.

      2-حديث مسلم في كتاب الإيمان فيه زيادة: «فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتي ربنا... » الخ وهو حديث طويل يرجع إليه في مصادره.

      هذه الآيات الكريمة والأحاديث المذكورة إذا أخِذت على ظاهرها فإنها تفيد تشبيه الله بخلقه، وهذا يتنافى مع تنزيه الله تعالى، وقَد قال بعض العلماء هربا من هذا التشبيه: بأن المؤمنين يرون ربهم بلا هيئة ولا كيف، وقال غيرهم: بأن الآخرة محل خرق العادات، وأن الله سيخلق حاسة سادسة في المؤمنين يرونه بها، وهذا تكلف لا ضرورة له، كما أنه افتراض تخيلي دون دليل عقلي أو نقلي يؤيده، والعقائد لا تنبني على الافتراضات والتخمينات، وَإنَّمَا تبنى على الآيات المحكمات التي لا تحتمل غير معنى واحدا.

      ·يذكر ابن القيم: أن المنافقين أيضا يرونه، وذكر ابن كثير: أن الكافرين يرونه ثم يحجب عنهم؛ فإن رؤية الكافرين لربهم يوم القيامة ينافي ما يقوله المثبتون بأن الرؤية هي أعظم نعيم في الْجَنَّة، وهو خاص بالمؤمنين، فكيف يكشف الحجاب وينظر إليه الكافرون.

      ومن أغرب ما سمعنا من تفسير هذه الآية ما قاله أحد العلماء وأخذ يردده أحد الخطباء عَلَى المنابر، يقول: إِنَّ الإباضية هم الذين يحُجبون عن رَبِّهم، فلا يرونه عندما يراه المؤمنون، ولكنهم يرون مالكا خازن النار بسبب إنكارهم للرؤية.

      تفسير الإباضية لهذه الآيات:

      كان تفسيرا بما يتناسب مع جلال الله وعظمته، ومع ما ينسجم مع اللغة العربية.

      يقول الشيخ أحمد الخليلي: «إن الانسجام المعهود في القرآن الكريم، وارتباط بعض الآيات مع بعض لا يكون إلا بتفسير آية القيامة: (﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نـَّاضِرَةٌ(22) إِلَى رَبـِّهَا نَاظِرَةٌ(23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذِم بَاسِرَةٌ(24) تَظُنُّ أَنْ يـُّفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)﴾ بِالانتظار, فَإِنَّ الآيات قَسَّمت الناس يومئذ إلى طائفتين:

      إحداهما: وجوهها ناضرة: أي مبتهجة مشرقة بما ترجوه من ثواب الله. إلى ربها ناظرة: أي منتظرة لرحمته ودخول جنته. والطائفة الأخرى: وجوهها باسرة: أي كالحة مكفهرة لما تتوقعه من العذاب. تظن أن يفعل بها فاقرة: أي تتوقع أن ينزل بها ما يقطع فقار ظهورها. فنضارة هذه الوجوه مقابل بسور تلك, وانتظار هذه لرحمة الله ودخول جنته مقابل ما يتوقع تلك للعذاب. ولو فسر النظر هنا بالرؤية لتقطع الوصل بين الآيات, وتفكك رباطها, وانقطع انسجامها. وهذا التفسير هو الذي ينسجم مع ما في خاتمة سورة عبس، وهو قوله سبحانه وتعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ(38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ(39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ(40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ(41) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ(42)﴾.

      وقَد فسَّر النظر: بمعنى الانتظار كُلّ من علي بن أبي طالب وابن عباس كما أخرجَ ذَلِكَ الإمام الربيع في مسنده، وروي ذلك عن كثير من السلف, فقد أخرجه ابن مردويه عن عبد الله بن عمر، كما أخرجه أيضا عن عكرمة ورواه الطبري من عدة وجوه وبمختلف الأسانيد عن مجاهد وهو من مفسري التابعين وتلميذ ابن عَبَّاس»[3].

      وهناك آيات كثيرة في القرآن تفيد أن معنى النظر: هو الانتظار، ومنها قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلآَّ أَنْ يَّاتِيَهُمُ اللهُ فيِ ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآَئِكَةُ وَقُضِيَ الاَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الاُمُورُ(210)﴾ ، وقوله تعالى في سورة يس: ﴿ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَاخُذُهُمْ وَهُمْ يَخَصِّمُونَ(49)﴾، وقول الله تعالى: (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نـُّورِكُم) (الحديد: 13)

      إن آية القيامة ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نـَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبـِّهَا نَاظِرَةٌ (23)﴾ تُصوِّر موقف يوم القيامة قَبل أن ينتقل الأبرار إلى دار الثواب، والفجار إلى دار العقاب، بدليل السياق في الآيات السابقة, وقوله تَعَالىَ في الأشقياء ﴿ تَظُنُّ أَنْ يـُّفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)﴾ يؤكده، فَإِنَّ ذلك قبل دخول النار قطعا، إذ لا معنى لظنهم ذلك بعد الدخول، فكيف تكون هذه الآية دليلا عَلَى رؤية الله تعالى في الْجَنَّة، وسياق الآية يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا في الموقف.

      مِمَّا أشكل على المثبتين للرؤية: إسناد النظر في آية القيامة إلى الوجوه، فترددوا بين القول بأن الرؤية بالبصر، أو بالوجوه، أو بالجسم كله, أو بحاسة سادسة, وما هذا الاضطراب إِلاَّ دليل بَيِّن عَلَى أَنَّهُم غير مستندين إلى أصل متين ولا ركن مكين فيما قالوه, ولو أَنَّهُم فهموا الآية الكريمة فهما صحيحا، وحملوها على ما يقتضيه السياق واللغة، لسلموا من هذا الاضطراب.

      يقول الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار: «وأَمَّا رؤية الربِّ تعالى فربما قيل في بادئ الرأي أن آيات النفي فيها أصرح من آيات الإثبات، كقوله تعالى (لَن تَـرَانِي) ، وقوله (لاَّ تُدْرِكُهُ الاَبْصَارُ)، فَهمَا أَصرح دلالة على النفي، من دلالة قوله تعالى : ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نـَّاضِرَةٌ(22) إِلَى رَبـِّهَا نَاظِرَةٌ (23)﴾ على الإثبات، فإن استعمال النظر بمعنى الانتظار كثير في القرآن الكريم وكلام العرب. كقوله ﴿مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾, ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَاوِيلَهُ﴾ (الأعراف: 53)، ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلآَّ أَنْ يَّاتِيَهُمُ اللهُ فيِ ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآَئِكَةُ﴾».

      ·معنى الزيادة في الآية الكريمة:

      لفظة مبهمة غير دالة على الرؤية، وفي تفسير الزيادة وردت أقوال مختلفة منها: أَنَّهَا النظر إلى وجه الله تعالى، ومنها ما رُوِيَ عن علي كرم الله وجهه: أن الزيادة غُرفة من لؤلؤة, وعن ابن عباس قالَ: «الحسنى هي الجنة والزيادة عشر أمثالها»، وعن مجاهد قال : «أن الزيادة مغفرة من الله ورضوان»، وذكر الفخر الرازي «أن الزيادة أن تمرَّ السحابة بأهل الْجَنَّة فتقول: ما تريدون أمطركم فلا يريدون شيئا إلا أمطرهم). وقد تشمل الزيادة كل هذه الأشياء أو غيرها. لأن في الجنة كما ورد في الحديث: «ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر». فدلالة هذه الآية على الرؤية دلالة ظنية، لأن معنى الزيادة هنا يحتمل كل ما ذكر. فحصر الزيادة بالرؤية ليس في محله.

      تفسير الرؤية بالعلم:
      فسر بعض العلماء الرؤية بالعلم التام، والمعرفة الكاملة بالله تعالى يوم القيامة، ومن هؤلاء الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدين". وقد وردت آيات تدل على أن المقصود بالرؤية هو العلم، ومن هذه الآيات قول الله تعالى:

      ·﴿ألَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبـُّكَ بِعَادٍ(6)﴾ (الفجر).

      ·﴿ألَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبـُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1)﴾

      ·﴿ اَلَمْ تَرَ إِلىَا رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ, سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً(45)﴾ (الفرقان)

      ·﴿ أَلَمْ تَعْلَمَ اَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فيِ السَّمَآءِ وَالاَرْضِ، إِنَّ ذَالِكَ فيِ كِتَابٍ، اِنَّ ذَالِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ(70)﴾ (الحج)

      ففي كل ما سبق ألم تر معناها ألم تعلم. و كذلك قول الشاعر:

      رأيت الله أهلك قوم عاد ثمود وقوم نوح أجمعين

      يعني: علمت أن الله قد أهلك قوم عاد وثمود، فالعرب استعملوا كلمة الرؤية للدلالة على تمام العلم والمعرفة، ومن ذلك يمكن تأويل الرؤية بالعلم، فيكون معنى الرؤية هو معرفة الله تعالى تمام المعرفة بعد أن يكشف حجاب الغيب، والله أعلم.

      الخلاصة:

      مِمَّا سبق يمكن أن نخلص إِلىَ أن المسألة خلافية، وَإنَّمَا أردت أن أبيِّن بَعض الأدلة التي اعتمدها الإباضية وغيرهم من المذاهب الإِسلاَمية، لأَنَّ الكثير من الناس يجهلونها، وتبقى القضية تحتاج إِلىَ الرجوع إِلىَ المطولات في الإطلاع عَلَى هَذِهِ المسألة بتفصيل، ولا يسعنا في هذا المقال استقصاء جميع الأقوال والأدلة، ومناقشتها. والإباضية لا ينكرون على أحد أن يأخذ بأي رأي يشاءه، وَإنَّمَا ينكرونه التعصب المقيت الذِي لا يستند إِلىَ حجة، وَإنَّمَا هو إتباع للهوى، وحكم بغير بَيِّنَة، و«عدو الإنسان ما جهل» وهذا الذي يرفضه العقل والنقل، وهو الذي أدى ببعض العلماء لأن يقولوا: «إِنَّ الإباضية لديهم خلل في العقيدة»، ومنهم: من صرح بكفر من أنكر الرؤية، وأفتى بعدم جواز الصلاة خلفهم، وقد تهور أحدهم حتَّى قال: «لو وُجدت دولة إسلامية فإن منكر الرؤية يجب أن تحز رقبته».

      ومن المعلوم أن المسلم لا يكفر إِلاَّ بإنكار صريح القرآن أو تأويل آيات القرآن بما لا تحتمله اللغة العربية، أو أن تكون أعماله مخالفة لصريح القرآن. فكيف يجرؤ مسلم بتكفير مسلم لمجرد الاختلاف في فهم معاني القرآن الكريم.

      و الذي أريد أن أؤكده هنا أن القضايا الخلافية لا يمكن أن تكون أصلا من أصول العقيدة، لأن أصول العقيدة لا يمكن أن تُبنى عَلَى ما اختلف في تأويله من آيات القرآن ولا عَلَى الأحاديث الأحادية أو المرسلة, وَإنَّمَا تُبنى عَلَى المتفق عَلَى معناه من كتاب الله تعالى، وعلى الأحاديث الصحيحة الصريحة التي لا تعارض نصا ثابتا.




      [1]) حادي الأرواح – ابن القيم:ص. 405 ابن كثير للطباعة والنشر 1991

      [2]) الحق الدامغ – أحمد الخليلي

      [3]الحق الدامغ – أحمد الخليلي
    • كيفية صلاة المرأة؟؟؟

      كيفية صلاة المرأة
      لا تختلف صلاة المرأة عن صلاة الرجل إلا في بعض الأشياء وهي:
      1- ليس على المرأة أذان.
      2- ليس على المرأة إقامة.
      3- أن تصلي في مكان ساتر بحيث لا يراها أحد من غير محارمها قدر الإمكان.
      4- أن يكون لباسها ساترا ولا يظهر منها شيء إلا الوجه والكفين ولتحرص على ستر القدمين بالجوارب أو ما شابهها.
      5- لا تلزمها صلاة الجماعة أو الجمعة.
      6- تتبع زوجها في تمام الصلاة أو القصر إن كانت متزوجة حيث استقر قلبها.

      أركان (فرائض)الصلاة:
      أركان الصلاة ثمانية هي: القيام-النية-تكبيرة الإحرام-الفاتحة-الركوع-السجود-التشهد الثاني والجلوس له-التسليم(وقيل ليس بركن)
      (من ترك ركنا من أركان الصلاة بطلت صلاته سواء تركها عمدا أو نسيانا)

      سنن الصلاة الواجبة:
      التوجيه-الإستعاذة-القراءة بعد الفاتحة-التكبير عند الخفض والرفع من السجود والركوع والتشهد الأول والجلوس له.
      (من ترك سنة من سنن الصلاة ناسيا فصلاته صحيحة وإن تعمد فسدت صلاته)

      مندوبات الصلاة:
      الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد-الدعاء بعد التشهد الأخير-الدعاء بعد التسليم.

      كيفية الصلاة:
      إذا دخل وقت الصلاة وتوضئت المسلمة وكان لباسها ساترا وطاهرا واختارت المكان المناسب الطاهر انتصبت قائمة ومعتدلة مسدلة يديها على جنبيها مستقبلة القبلة مستشعرة عظمة المعبود ودعت بدعاء الإستفتاح(التوجيه) ثم كبرت تكبيرة الإحرام(الله أكبر) معلنة بذلك الدخول في الصلاة ثم استعاذت بالله من الشيطان الرجيم سرا وقرأت الفاتحة في جميع الركعات، فإذا أتمت القراءة واطمأنت، كبرت ثم ركعت حتى إذا اطمأنت راكعة ثم قامت حتى تطمئن قائمة ثم تسجد السجدتين ثم قامت للركعة الثانية وتجلس بعدها للتشهد الأول ثم تقوم لإتمام ركعات صلاتها ثم تقعد القعود الأخير وتتشهد وتسلم.

      عدد ركعات الصلاة:
      صلاة الفجر:الفريضة ركعتان والسنة ركعتان وتصلى السنة قبل الفريضة.
      صلاة الظهر:الفريضة أربع ركعات والسنة ركعتان.
      صلاة العصر:الفريضة أربع ركعات.
      صلاة المغرب:ثلاث ركعات والسنة ركعتان.
      صلاة العشاء:أربع ركعات والسنة ركعتان والوتر ثلاث ركعات.
      جميع السنن والنوافل والطاعات والوتر في كل ركعة تقرئين الفاتحة وما تيسر من القرآن.
      صلاة الفجر :ركعتان تقرئين فيهما الفاتحة وما تيسر من القرآن.
      صلاة الظهر:أربع ركعات تقرئين فيهن الفاتحة فقط.
      صلاة العصر:أربع ركعات تقرئين فيهن الفاتحة فقط.
      صلاة المغرب: ثلاث ركعات في الركعتين الأولى والثانية تقرئين الفاتحة وما تيسر من القرآن وفي الثالثة تقرئين الفاتحة فقط.
      صلاة العشاء:أربع ركعات تقرئين في الأولى والثانية الفاتحة وما تيسر من القرآن وفي الثالثة والرابعة الفاتحة فقط.
      منقول من مطوية قام بجمعها وترتيبها:سعيد بن سالم المعمري.
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • هل من عودة إلى القرآن؟؟للشيخ عبدالله العيسري..

      بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة والسلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين : أيها الأخوة الأكارم : نحيكم جميعا بتحية الإسلام الطيبة فالسلام عليكم و رحمة الله و بركاته و أهنئ نفسي و أهنأكم بالوصول إلى هذه العراص الطاهرة فقد منّ الله سبحانه و تعالى علينا جميعا بأن جمعنا في هذا المكان أول بقعة صدع فيها الرسول ـ صلى الله عليه و على آله و سلم ـ بالقرآن و بقول الحق و فيه أول بيت وضع للناس . المواضيع التي تشغل بال المسلم في هذه الأيام ـ في الحقيقة ـ لا حدّ لها و لا حصر ، و أحسب أن كل واحد منا و هو يرى هذه الأحداث التي يموج بها العالم ، و الاضطرابات التي لا أول لها و لا آخر . يتسائل المسلم ما هو المخلص ؟ و كيف المخرج ؟ فإذا جاء ليسأل أهل العلم أو ليرجع إلى الكتب أو يستمع إلى الأشرطة أو ليجلس مع أخوانه ، قيل له( إن المخرج هو القرآن الكريم ) ، و هذه العبارة دائما ما تردد بأن رجوع الأمة إلى القرآن هو سبيل الخلا ص ، و هذا كلام طيب و كلام صحيح لا غبار عليه . لكن السؤال الذي يلـَّحُ على الفرد المسلم باستمرار كيف أرجع إلى القرآن ؟ و كيف أعود إلى القرآن ؟ هل العودة إلى القرآن بأن أنكب على قراءته ليل نهار ؟! هل العودة إلى القرآن بأن كل فرد من أفراد الأمة المسلمة ينبغي أن يكون مفسرا كابن جرير الطبري أو هود بن محكم الهواري أو الشيخ محمد بن يوسف أطفيش أو غيرهم من العلماء ؟! هل العودة إلى القرآن تعني بأن لا أدع كتابا في التفسير إلا و قرأته ؟ و ما هي طبيعة هذه العودة إلى القرآن ؟؟ و كيف تعاملت الأمة مع القرآن في الوقت الذي كان فيه المسلم عزيزا محترما له وزنه و الآخرون يحسبون له كل حساب و لم يكن وضعه كما هو اليوم أرخص دماء المسلمين في الأرض على الإطلاق . فكيف تكون إذا هذه العودة إلى القرآن ؟؟ استقبال العرب للقرآن الكريم : حقيقة قبل الجواب على هذه الأسئلة لا بد من تصحيح طبيعة علاقة المسلمين مع القرآن عبر التأريخ كيف كانت . فأول ما نزل القرآن الكريم على الرسول ـ صلى الله عليه و على آله و سلم ـ كان الناس لهم مذاهب متعددة و مناهج مختلفة في استقبالهم للقرآن الكريم ، فمن الناس من علم بأن هذا الكتاب إنما هو وحي من عند الله تعالى ، و لا يمكن أن يكون من وضع بشر فآمنوا به و اتبعوه من أمثال أبي بكر الصديق ، و عمر بن الخطاب الفاروق و غيرهم من الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ . و كانت هناك فئة أخرى تعلم يقينا بأن هذا القرآن ليس من وضع محمد و لكن بسبب أمراض نفسية امتنعوا عن التصديق به من ذلك القصة المشهورة التي أوردها ابن هشام و غيره أن أبا جهل و أبا سفيان و الأخنس بن شريق اجتمعوا في يوم من الأيام في الليل يستمعون من الرسول ـ صلى الله عليه و على آله و سلم ـ و هو يقرأ القرآن لماذا ؟ لأنهم أناس فصحاء يعرفون اللغة العربية فجلس كل منهم في مكان ، و قد حس كل واحد منهم بعذوبة هذا الكلام الذي لم يسمعوا به من قبل و عندما التقوا في الطريق تسائلوا فيما بينهم من أي أتيت ؟ فاعترف كل واحد منهم للآخر بأنني جئت لأستمع لمحمد فتلاوموا فيما بينهم و قالوا : إذا سمعت عنكم سفهاء قرش لاتبعوا محمدا فلا يعودن منكم أحد إلى هذا بعد اليوم ، و في اليوم الثاني لم يطق كل واحد منهم أن يلتزم بما وعد مع أن العربي من عادته في جاهليته إذا وعد لا يخلف لكنهم كانوا مسحورين فعلا فالإنسان إذا اعتاد على شئ أو يحس بلذة شئ من الصعوبة بمكان أن يتخلى عنه ، فرجعوا مرة ثانية و التقوا من جديد و قالوا الآن لا بد كل واحد أن يعاهد الآخر ألا يرجع مرة أخرى و ليس مجرد كلام و إنما وعد و عهد فتعاهدوا على ذلك ، فلما أصبح الصباح ذهب الأخنس بن شريق إلى أبي جهل فقال له : أريد أن أسألك هل تعتقد أن ما جاء به محمد من عنده ؟ فقال : لا فهذا لا يكون من عند محمد أبدا . قال الأخنس : فعلام لا تؤمن به ؟ قال : كنا و بني عبد مناف كفرسي رهان أطعموا فأطعمنا ، و سقوا فأسقينا ، حتى تجاثينا على الركب . قالوا منا نبي ، فمن أين لنا بنبي مثلهم ؟ والله لا أومن به ابدا . فإذا أبو سفيان كان يوقن في قرارة نفسه بأن هذا الكلام ليس من عند محمد . أما المثال الثاني الذي تحفظونه جميعا ::ـ عندما جاء عتبة بن ربيعة إلى قريش و هم جلوس في الكعبة قال لهم : ما تقولون لو قمت إلى محمد ؟ قالوا له : قم فأقنعه بأي وسيلة فكل يوم و المؤمنون في ازدياد ، قال : يا ابن أخي أقول لك فتسمع ؟ قال له قل : فقال عتبة :إن كان إنما جئت به لسحر أتينا لك بالأطباء ، و إن كنت إنما قلت ما قلت تريد المال جمعنا لك حتى تكون أكثرنا مالا ، و إن كنت تريد الملك ملكناك علينا فقط اختار ما تريد و سننفذه لك و لكن توقف عن دعوة الناس إلى هذا الكلام العجيب ، و النبي يستمع حتى فرغ فقال له النبي ـ صلى الله عليه و على آله وسلم ـ : أو قد فرغت ؟ قال : نعم . قال أو تسمع مني كما سمعت منك ؟ قال : نعم .فقرأ عليه الرسول ـ صلى الله عليه و على آله و سلم ـ صدرا من سورة الدخان فما كان من عتبة وهوالفصيح الذي يعرف شعر العرب و نثرهم و سجعهم و غير ذلك فما كان منه إلا أن تغير لون وجهه حتى أنه من شدة التأثر وضع يديه وراء ظهره كالشخص الذي يسقط من شدة الإعجاب بالكلام الغريب الذي سمعه ، و كانت قريش تنتظر هناك النتيجة فلما رأوه من بعيد . قال بعضهم : لقد عاد إليكم عتبة بوجه غير الذي ذهب به ، كيف ذلك و نحن أرسلناه لإقناعه فرجع إلينا و كأنه متأثر به . فهذا هو الصنف الثاني . و لكن هل تعرفون كيف تعامل الصنف الأول( الصحابة ) مع القرآن الكريم ؟؟؟ منهج الصحابة في التعامل مع القرآن : مع الأيام الصنف الأول(الصحابة) عرفوا كيف يتعاملون مع القرآن الكريم فابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ يقول: كنا نأتي إلى عشر آيات نتدارسها فنعرف ما فيها من أحكام و من عظات و عبر ، و لا نتجاوزها حتى نقيم ما فيها ، و لكن هل وجدت بعد عصر الصحابة مدارس أو حلقات علم أو جلسات للناس جميعا أو لفئة من الناس تطبق منهج ابن مسعود ؟؟ هل توجد فئة بالفعل تطبق هذا المنهج ؟ فيأتي الواحد إلى عشر آيات فيبدأ من سورة الفاتحة يعرف ما فيها من أحكام و غيره حتى يقيم ما فيها ثم ينتقل إلى الآيات الأخرى . فهل هذا المنهج موجود ؟؟ سؤال طويل عريض ينبغي أن تطرحه الأمة المسلمة اليوم . ما هو دور العلماء في إقامة مثل هذا المنهج ؟ ما هو دور الدعاة و دور المسلم بنفسه ؟ هل يبحث بالفعل فيأتي إلى الكتاب العزيز لكي يقرأ العشر الآيات ثم التي تليها و هكذا لا ينتقل إلى غيرها حتى يقيم ما فيها هنا السؤال . بعد ذلك انتهت حقبة الصحابة الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ و كلما جاء جيل من المسلمين اختلفت طريقته و تعامله مع القرآن الكريم . منهج التابعين في التعامل مع القرآن الكريم: جيل التابعين و الذين يلونهم بعد أن اتسعت رقعة العالم الإسلامي و لا نقول الدولة الإسلامية لأنا لا نعلم في الحقيقة ماذا نطلق على الدولة الأموية و العباسية و العثمانية ؟هل نطلق عليها دولة عربية أو دولة إسلامية أم ماذا ؟! لكن لنقل اتسعت رقعة العالم الإسلامي فزاد عدد المسلمين فكان من منهجهم في ذلك الوقت أن أخذوا يبحثون حول بلاغة القرآن و إعجازه أين يكمن في بحوث قيمة و مثيرة ، و من أجل ذلك نشأ جيل من الناس عرَّبهم القرآن و لم يكونوا عربا ، تعال و ابحث عن علماء التفسير تجد من أشهرهم الزمخشري و هو أصلا ليس بعربي و لكن أصبح لسانا عربيا ناطقا ، تعال أيضا و ابحث عن علماء النحو حتى من أسمائهم سيبويه و نفطويه و ابن خالويه و أبو السعادات ابن الشجري و غيرهم من العلماء الذين كانوا في الأصل لا يعرفون من العربية كلمة واحدة و لكن حتى يفهموا القرآن اضطروا أن يهاجروا من مسافات بعيدة ، ويلزم الواحد منهم الدرس فيدرس اللغة العربية نحوا و بلاغة و صرفا و غير ذلك من أجل ماذا ؟ من أجل أن يتلذذ بالقرآن و يدرك معانيه ، فمثلا لو جئت إلى كتب التفسير اليوم و سألت من تشاء من العلماء ما هو الكتاب الذي يمكنني أن أعرف شيئا من بلاغة القرآن و أسراره اللغوية يقال لك : الكشاف للزمخشري و هو ليس بعربي ، فالحاصل في عصر التابعين كان هناك اهتمام في جانب من الجوانب مع ما اعترى من كتب التفسير في تلك الحقب من دخيل كالقصص الإسرائيلية و نحو ذلك . ثم لما قدَّر للعالم الإسلامي أن يرقد رقدته الطويلة اختلف منهج التعامل مع القرآن 180 درجة . مراكزنا الصيفية و القرآن الكريم : لقد أصبحت كثير من بقاع العالم الإسلامي لا يهتم حكامها و لا علمائها بالقرآن قدر اهتمامهم بجوانب أخرى ، هل أضرب أمثلة ؟؟ تقام مراكز صيفية في العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه كم من هذه المراكز يكون القرآن المنهج الأول فيها ؟ في المقابل كم من هذه المراكز تهتم بالنحو و بدراسة المتون متون العقيدة و متون الفقه ومتون اللغة و متون كذا ومتون كذا .، و كأننا تعبدنا بألفية ابن مالك و ملحة الإعراب و بغير ذلك من المتون ، و للأسف لو قام العالم الإسلامي بعمل إحصائية كم من حفظة هذه المتون يعرفون كيف ينطقون القرآن الكريم فضلا عن فهمه لوجد السواد الأعظم منهم لا يعرفون كيف يتعاملون مع القرآن . و لكن قد يحتج أحد الناس أن القرآن حتى يفهمه الناس لا بد له من أدوات فلا يمكن لأحد فهم القرآن الكريم دون فهم للغة العربية و هذا الكلام منطقي و صحيح 100% . ، و لكن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أن يتحول الاهتمام 180 درجة إلى النحو فيظل الإنسان يدرس اللغة العربية عشر سنوات و عشرين سنة إلى أن يصل إلى القبر و هو لم يصل بعد إلى مرحلة تدبر القرآن الكريم و فهمه .، فهذا ليس من العقلانية في شئ ، و لو سلمنا بهذا الكلام فيما يتصل بعلوم اللغة فماذا يقال عن العلوم الأخرى ؟؟ هل من الأولى أن ينصب اهتمامنا على تكوين إنسان يتعامل مع سورة البقرة و سورة آل عمران و سورة الناس و غير ها من سور القرآن ؟أم الأولى أن ينصب اهتمامنا على تكوين أناس يحفظون المتون الفقهية و متون المنطق و متون الأصول و نحو ذلك ، و هم لا يقرؤون القرآن الكريم تمر عليهم الأشهر تلو الأشهر ،فهذه فئة في العالم الإسلامي موجودة . و هناك فئة ثانية قلبوا الآية...... الخلل في فهم العلاقة بين القرآن و السنة: هل تعرفون كيف قلبت الفئة الثانية الآية ؟ الفئة الثانية قلبوا الآية فبدل أن تكون السنة خادمة للقرآن ، أصبح كل ما في الوجود يطوع لخدمة السنة ، و أنتم الآن في هذه البلاد الطاهرة ادخلوا كثيرا من المكتبات الكبرى و انظروا ما المساحة التي تحتلها الدراسات القرآنية المعاصرة ؟ و ما المساحة التي تحتلها دراسات السنة المعاصرة ؟ لو وصلت دراسات القرآن بنسبة 10% إلى دراسات السنة فقد نكون بخير ، و لكن للأسف لا تصل . يعوَّد الإنسان على حفظ البخاري و على حفظ مسلم و النسائي و علم الجرح و التعديل و نحو ذلك ثم ماذا بعد ذلك ؟؟ ينشئ لنا إنسان يتقن الجرح و التعديل لكنه لا يتقن كيف يتعامل مع القرآن الكريم ؟!، فالاهتمام حتى في دور العلم غير موجود إلا من رحم ربي و قليل ما هم . طبعا نحن لا نزعم بأنه لا يوجد اهتمام مطلقا بالقرآن الكريم ، هناك اهتمام لكن ما نوعية هذا الاهتمام ؟؟ الأزمة أزمة حفظ أم أزمة فهم ؟ أصبح الاهتمام في عالمنا الإسلامي في هذه الأيام ينصب على إيجاد نسخ جديدة من القرآن الكريم لكنها نسخ بشرية يحفظ الطفل القرآن الكريم منذ نعومة أظافره ، و في الحقيقة هذا في حد ذاته مغنم ، و كلنا ندعو إلى حفظ القرآن ، و نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعا ممن يحاولون ان يحفظوا القرآن و يحفظوا أبنائهم القرآن ، فحفظ القرآن الكريم كرامة من الله تعالى و غنيمة ما بعدها من غنيمة ، و حفظه عن ظهر قلب هو الذي جعل المسلمين في الاتحاد السوفيتي قبل أن ينهار و في غيرها من الدول التي دمرت فيها المساجد و قـتِّل فيها المسلمون هو الذي حفظ لهم دينهم لأنهم إذا أرادوا من يحفظهم سورة الفاتحة أو بعض السور التي يصلون بها يجدون على الأقل . و لكن يطرح السؤال نفسه ؟ فالله سبحانه و تعالى دلنا فقال(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) و قال(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) ، هذه الآيات و غيرها تطالبنا بالحفظ أم تطالبنا بالفهم ؟!، لو رجعنا إلى منهج ابن مسعود و منهج غيره من الصحابة لوجدنا بأن قلة من الصحابة كانوا يحفظون القرآن الكريم كاملا لكن الكثرة كانت تسأل عن أحكامه ، وتحاول أن تتعامل معه ، و أن تفهم ما فيه من آيات و أحكام و من أسرار ، فالحل إذا ليس في أن يتجه العالم الإسلامي غلى الحفظ فقط دون تأمل . فتجد كثيرا من حفظة القرآن الكريم لكن اسال واحدا منهم : هل تستطيع أن تستخرج الدروس و العظات أو العبر من قصص القرآن الكريم ؟! ، تجده لا يعرف ، لأن التنافس أصبح في الحفظ و ليس في الفهم ، فمنذ صغر سنه تأتي أمه تسأله و أبوه يسأله و إمام المسجد يسأله و الناس كلها تسأله :: كم تحفظ من القرآن الكريم ؟ لكن هل سأله أحد منهم :: هل تفهم القرآن الكريم ؟ بل هل حاولت أصلا أن تفهم ما في القرآن الكريم ؟؟ دعوني أقولها بصراحة: دعونا نكون أكثر واقعية لو أراد أحد أن يفهم القرآن هل يجد السبل ميسرة ؟ مجرد محاولة الفهم في بعض الأحيان تعتبر جريمة عند البعض لا تغتفر ،يقول لك من أنا ؟! حتى أقول في القرآن الكريم ؟ ، فإذا كان طالب علم شرعي درس اللغة و درس البلاغة و غيرها من المواد ، و لكن تراه ُيعفي نفسه من مسؤولية تأمل القرآن الكريم و يقول لك من أنا ؟! و دائما ما نردد العبارة المأثورة عن ابي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ : "أي أرض تقلني و أي سماء تظلني و أين أذهب و لمن ألتجئ إن تكلمت في كتاب الله بما لا أعلم" . أنا لا أزعم و لا أقول و لا أطالب بأن كل أي واحد تعلم له كلمتين يأتي و يصبح ابن جرير الطبري زمانه ، و لكن كذلك المسلم مطالب على الأقل أنه إذا قرأ القرآن و فتح المصحف يحاول أن يفهم على قدر استطاعته ، وإذا استعصى عليه شئ فالحمد لله الآن السبل ميسرة و أهل العلم موجودون يسأل لماذا هذه الآية جائت كذا ؟ و يحاول أن يرجع إلى ما لديه من كتب التفسيرالموثوقة مثل تيسير التفسير و هيميان الزاد و تفسير هود بن محكم الهواري و جواهر التفسير لسماحة الشيخ الخليلي ـ يحفظه الله نعالى ـ ، و يحاول أن يتزود بشئ من الزاد اللغوي حتى يستطع أن يفهم القرآن الكريم . و لكن لم لا ننتقل إلى الشق التطبيقي من هذه الأمور حتى ما يكون الكلام مجرد شكوى و هموم و مآسي ، لأنه كل واحد سيقول المشكلة و عرفناها ، فما هي خطوات الحل ؟؟ نماذج من قصص المتأملين في القرآن: النموذج الأول: الأدميرال البحري و تأمله في القرآن الكريم قبل أن نحكي خطوات الحل نرطب هذه الجلسة ببعض القصص عن أناس تأملوا في القرآن الكريم ، و إلى أين أوصلتهم تأملاتهم ؟.، مثلا كان أحد من المسلمين لعله يعمل في البحرية فعندهم أدميرال(رتبة من رتب العسكرية البحرية ) فهذا الأدميرال يسمع عن القرآن الكريم لكنه لا يعرف عنه شيئا و لا يعرف العربية ، وطلب من هذا المسلم أن يعطيه نسخة من القرآن فأعطاه النسخة ، و ظلت عنده أيام يقرأها ثم رجع إلى صاحبه المسلم فقال له : أريد أن أسألك : محمد في أي منطقة ساحلية من العالم يسكن ؟ فأجابه : بأنه لم يسكن في مناطق ساحلية ،فقد سكن بين جبال مكة ، ثم انتقل إلى المدينة و كلاهما ليست بمنطقة بحرية ، فقال الأدميرال : إذن هو كان يتعامل كان يتعامل كثيرا مع البحر و مع البحارة. قال له : لا .في حياته لم يركب البحر و لا مرة واحدة . قال الأدميرال : هذا الكلام لا يعقل فالكلام الذي وجدته في هذا القرآن لا يمكن أن يقول به إلا إنسان متخصص في علوم البحار ليس مجرد معلومات تكون لديه فحسب:( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ) حتى أنه بعد ذلك جاء يصف الحالة النفسية للإنسان لما يركب البحر (حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) و مثل قوله تعالى (وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ ..) و إلى غير ذلك من الآيات ، حتى لما وصل الآية التي تصف العواصف و الأعاصير و نحو ذلك يقول الأدميرال : بعض هذه الأمور إلى وقت قريب لم تكن معلومة عند الناس فلأنه مهتم بشؤون البحار فقرآننا فيه الكثير من الآيات و الإشارات في مختلف المواضيع لكن أين وضع نقطة تأمله ؟ وضعها فيما هو معني به . النموذج الثاني: العالم المعماري و تأمله في القرآن الكريم : الدكتور محمد مكية و هو أحد مشاهير المعمارين في العالم الإسلامي جمعتني به جلسة في إحدى المرات فكان ينعى على المعمارين الإسلميين أنهم لا يقرؤون القرآن بفكر المعماري يقول : نحن ـ المعمارين ـ لورجعنا إلى القرآن لوجدنا فيه الكثير من الدلالات و الإشارات التي ينبغي أن نقرأها بطريقة تختلف عما يقرأها الإنسان العادي فمثلا قوله تعالى(وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ) لماذا و السقف المرفوع ؟ هل هناك إشارة معينة إلى أن متانة البنيان وأو نحو ذلك تكون إذا كان السقف مرفوعا ، و أيضا قوله تعالى : (عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ ). النموذج الثالث :ـ أقول(العيسري) في نفسي : هناك إشارات أخرى تتصل بهذا فأن الآن مشتغل ببناء بيت و أتعبتني مسئلة كثيرا ما أتعبت الناس المشتغلين ببناء البيوت و هي الشقوق التي تحصل بعد ستة أشهر أو بعد ثمانية أشهر , و تجد أيضا البناء لا يأتي مستقيما فمع التأمل في الكتاب العزيز تجد أنه لا يمكن لبناء مهما طال به العمر أن يبقى مستقيما و أنه لا تكون فيه شقوق لماذا ؟ لأن الله سبحانه و تعالى أورد ذلك في الكتاب فقا ل : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ) يعني يا بشر مهما فعلتم خلقكم أو صناعتكم لا بد أن يكون فيها تفاوت إذا لم يكن اليوم فغدا (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ) هل توجد شقوق في السماء أو في خلق الله تعالى (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ) حتى تتأكد (يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ ) لما وجدت هذه الآيات و كأنني أقرأها لأول مرة قلت للعمال : اكملوا البناء ، لأن هذه الشقوق إذا لم تظهر اليوم ستظهر غدا و يدلك على ذلك القصور التي يشتغل أصحابها بتشييدها يوجد فيها قسم للصيانة ، وما وجد هذا القسم إلا لأن هنال شقوقا أو خللا سيظهر في ذلك البناء يحتاج إلى أن يصان مرة أخرى . و قد ظهر الآن علم من علوم اللغة يسمى " علم الصوتيات" فهل لهذا العلم دور في تأمل القرآن ؟؟ علم الصوتيات و أثره في تأمل القرآن: الآن ظهر علم من علوم اللغة يسمى " علم الصوتيات " و فحواه أن الكلام إذا كان بليغا تجد بأن إيقاع الكلمة و جرسها الموسيقي ، و الحروف التي تتركب منها الكلمة لها علاقة بالمعنى الكلي بذلك الكلام الذي يقال ، لو جاء الإنسان ليجمع ما في القرآن من هذا القبيل لوجد شيئا عجبا يحتاج إلى مؤلفات ، على سبيل المثال في سورة يوسف لما يعقوب عليه السلام كان دائما يذكر ابنه يوسف ف أبنائه غضبوا من هذا الموقف و انزعجوا يقول الله سبحانه و تعالى :( تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ (، حرف التاء في اللغة العربية من حروف الشدة فلما يأتي حرف التاء في بداية الكلمة و ينطقه الإنسان ( تاء) فكأنه يدل على أنه إنسان غاضب لاسيما إذا جاء مشددا انظروا إلى الآية :( تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ( تجد حرف التاء تكرر ثلاث مرات متتالية حتى ترسم صورة ذهنية للقارئ و كانه يرى المشهد ماثلا أمامه و إخوة يوسف قد غضبوا عليه ، و في نفس السورة لما اجتمعت امرأة العزيز مع علية القوم (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا) و لكن ما الذي دعاها إلى ذلك ؟ دعاها سخرية النساء منها عندما قالن : (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) ، حرف الهاء في اللغة العربية فذا جاء في آخر الكلمة يدل على التهكم و يدل على السخرية فترى الهاء قد توالت ثلاث مرات (تُرَاوِدُ فَتَاهَا ) حتى يمكن للواحد أي يقول ( ها ها ها " متهكما ") فيتخيل هذه الهاء و هي تخرج . و الأمثلة على ذلك كثيرة إذا أخذا الإنسان يتأمل في القرآن الكريم . و حتى لا أطيل عليكم فهذه بعض الخطوات أحسب ـ و العلم عتد الله تعالى ـ أن المسلمين إذا أخذوا بها فإن تعاملنا مع القرآن الكريم سيتغير . الخطوات العملية لعودة المسلمين إلى قرآنهم: الخطوة الأولى : إن كل مسجد من المساجد ينبغي أن تعاد إليه حلقات الفجر ، وهذه العادة كانت موجودة في عمان لا تكاد تدخل مسجدا أو تمر على مسجد بعد صلاة الفجر إلا و تجد كل المساجد فيها حلقات للقرآن الكريم ، هذا الوضع بدأ يتغير خاصة بعد وجود مدارس القرآن و المدارس النظامية فيقول الأب : الولد سيتعلم في المدرسة النظامية و في مدارس القرآن لكن هذا لا ينبغي ، فينبغي أن تقام الحلقات و الحلقات ليست للأطفال فقط و إنما للبلغ قبل الأطفال ، فالقرآن لم ينزل لكي يقرأه الصغار ، و هذه واحدة من مآسينا فعندما يقال فلان يتعلم القرآن ، فما الذي يرسخ في ذهن السامع في البداية إنه طفل أو بالغ ؟ إنه طفل . لأن تعلم القرآن أصبح حكرا على الأطفال و كأنه عار على الكبير أن يتعلم القرآن الكريم فهذا لاوضع لا بد أن يصحح ، فالآن لو قمت بعدِّ الحاضرين سنتوزع على كم مسجد؟ ، فلو كل واحد قرر أن يقيم حلقة للقرآن الكريم بعد صلاة الفجر لمدة عشر دقائق ، فمع الأيام ستجد أن أولئك الناس بدأت ألسنتهم تتحول تدريجيا و تصبح قادرة على نطق القرآن الكريم و نطق الحروف من مخارجها الصحيحة صغارا و كبارا على السواء ، و هذه طريقة مجربة و قد زرت أكثر من ولاية من ولايات عمان ، فوجدت بأن المساجد التي تقام فيها هذه الحلقات يختلف أطفالها و شيبها و شبابها عن المساجد التي لا تقام فيه أمثال هذه الحلقات ، فإقامة هذه الحلقات أمر لا غنى عنه ، و الرسول ـ صلى الله عليه و على آله و سلم ـ حضنا عليها بل القرآن الكريم قال: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) و إن كان بعض العلماء قال : إن قرآن الفجر هو صلاة الفجر و لكن مع ذلك فالقرآن الذي يتلى بعد صلاة الفجر فلا يبعد أن يكون مندرجا في عموم هذه الآية ، و إذا كان الناس مدبرين فيمكن أن يجذبوا في البداية فأحد المساجد قام أصحابه بعمل مسابقة أسموها مسابقة" فرسان الفجر" ، و كانت للأطفال و الذي يحضرصلاة الفجر و يجلس لمدة عشر دقائق بعد صلاة الفجر تفي نهاية الشهر تجرى بينهما مسابقة و الفائز له عشرة ريالات أو عشرون ريالا ، فما الذي يضيرإذا دفع أصحاب المسجد كاملا عشرة ريالات أو عشرين ريالا ؟ ؟ الخطوة الثانية : و الأمر الثاني أن تلك الحلقة بعد مرور أيام أو أشهر و أصبح بعدها الناس يتقنون التلاوة يضاف يوم من الأسبوع لا يكون للتلاوة و إنما للتأمل و التدبر و لنبدأ مثلا بسورة الكهف فهذه السورة ففيها الكثير من القصص بل كلها قصص و بينها فواصل ، فكل واحد يقال له :أنت اقرأ و تأمل لا نقول لك أن تفـتي و لكن على قدر استطاعتك فإذا قرأت شيئا من التيسير أو في الهيميان و الكشاف للزمخشري ، و يوم الجمعة ستناقش في هذه القصة ، و إذا كان أحد عنده كتاب قرأ فيه قصة من القصص من سورة الكهف ، يفيدنا ببعض الدروس المستفادة و نحو ذلك ، فمع الأيام ستجد أن أصحاب ذلك المسجد بدأوا يدركون كيف يتدبرون القرآن الكريم و يتأملونه الخطوة الثالثة : أن اللغة العربية لا بد أن تعاد إلى المساجد ، والاهتمام باللغة العربية يتطلب وجود شخص في المسجد يعرف مبادئ النحو ، فيدرس الناس و لكن بشرط أن يكون تدريس النحو مربوطا مع القرآن الكريم من أول لحظة ، لما نأتي إلى التمثيل مثلا لعلامات الفعل من ضمنها السين ، لا نقول : سيضرب زيد عمرا ،و إنما قل : (سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ ) ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) ، فتكون الأمثلة كلها من القرآن الكريم ، فهذه الطريقة تعين الناس على تعلم النحو و تعينهم على فهم القرآن الكريم ، أذكر في يوم من الأيام كانت هناك حلقة للنساء فأول درس كان عن الفرق بين الاسم و الفعل و الحرف ، فجاء المرس و قال : إن من علامات الفعل دخول السين عليه ، ودخول سوف ، ثم طلب من الحاضرات بأمثلة تطبيقية ، فقالت امرأة : (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ) ، و قالت أخرى : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) ، فطرأت هنا مسألة لماذا جاءت في الآية الأولى بحرف السين في سورة التكاثر ، و جاءت بسوف في الآية الثانية من سورة النبأ، ما الفرق بين السين و سوف ؟ ، فمن خلال درس واحد بدأت اللغة تستيقظ في ذهن النسوة ، فمع الأيام ستجد أن الناس إذا أدركوا أسرار اللغة العربية ومبادئها و معانيها يتذوقون حلاوة القرآن ، قد يقول شخص : إن النحو صعب ، لا النحو ليس بصعب و لو كان النحو العربي صعبا لأنزل القرآن الكريم بلغة أخرى ، الله تعالى يقول ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) ، وإذا كان القرآن ببلاغته و قراءته ميسرا ، فالنحو أيضا ميسر و لكن يحتاج إلى طريقة معينة لتدريسه ، فبعض العلماء من أمثال الشيخ سعيد بن عبدالله بن غابش ـ رحمه الله ـ كان يدرس النحو في شهر واحد ، ولكن نحتاج للأخوة الذين أكرمهم الله تعالى بالمعرفة في اللغة العربية إلى اهتمام بإيجاد حلقة للنحو في المساجد مع حلقة القرآن ، و بذلك سترى أن الناس قد بدأوا يفهمون القرآن الكريم . الخطوة الرابعة: إن المساجد ينبغي أن تزود بكل ما له علاقة بالقرآن الكريم ، ليس المصحف فقط فهو مهم بل هو الأصل ، لكن هناك كتب و أدوات تعين حتى إذا طرأت مسألة و أخذ الناس يتناقشون حولها ، فكل واحد يستطيع أن يرجع إلى تلك المراجع ، و أخص بالذكر في ظلال القرآن لسيد قطب و الكشاف للزمخشري و جواهر التفسير لسماحة الشيخ الخليلي ـ حفظه الله تعالى ـ بالإضافة إلى معجم من معاجم اللغة كمختار الصحاح .فتكون هذه الكتب بمثابة المرجع الموجود في المسجد . الخطوة الخامسة : إن كل إنسان و هو يقرأ إذا كان يحس بأن التأمل مع الصمت سيجديه أكثر من التأمل مع القراءة الجهرية ، فليخصص أوقاتا للتلاوة السرية يتأمل و يتملى في الحقيقة لما يأتي الإنسان ليقرأ فالقرآن لا تنقضي عجائبه ، سيجد في كل يوم تساؤلات تدور في ذهنه يناقش الناس الذي يجدهم حواليه ، ثم بعد ذلك ما لم يستطع أن يجده في كتب أهل العلم ، فيمكن أن يسأل عنه العلماء الموجودين ، مرة كنت أقرأ سورة القصص فوجدت أن الله سبحانه و تعالى يقول عن موسى عليه السلام (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ، فلما جئت لأقرأ سورة يوسف وجدت عن يوسف عليه السلام (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) بدون: (وَاسْتَوَى) فلماذا موسى و استوى ، و يوسف بدون ذكرها ، و ما زلت أبحث عن السر في هذا قد أجده و قد لا أجده و لكنني إن وجدته فتلك نعمة منَّ الله تعالى بها علىَّ ، و إن لم أجده فيكفي أن الإنسان حاول أن يجد ، كذلك اليوم في الحرم الطاهر كنت أقرأ في سورة هود فالله سبحانه و تعالى يقول في قصة نوح (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ) فلماذا الله سبحانه و تعالى بدأ بذكر الحيوانات ، و لم يقل احمل فيها أهلك و من آمن و من ثم ذكر من كل زوجين اثنين مع أن الآيات الأخرى تشير إلى أن الإنسان مكرم ، و أن هذا الكون خلق لإنسان كي يستغله و يستثمره ،فلا بد من علة هناك في التقديم ، ثم لماذا خصص أهل نوح عليه السلام و لم يدرجهم مع من آمن ؟ فهذه أمور تحتاج أن يتأمل فيها الإنسان ، و مرة أخرى كنت أقرأ في سورة يونس فوجدت أن الله سبحانه و تعالى حكى في قصة موسى عليه السلام عنما اشتد الأمر و أخذ فرعون يقتِّـل و ما حكاه الله تعالى عن الابتلاءات التي ابتلي بها بنو اسرائيل قال (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) ، فـ (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ) مفهومة ، و لكن واحد يعاني من تلك الفتن فيقول الله تعالى له الحل : اجعلوا سكنى قومكم بمصر و اجعلوا بيوتكم متقابلة ، لماذا الحل يكون هكذا ؟ كيف فلما الشخص يعاني من جبار و طاغية يقال له الحل اسكنوا في هذه البلاد ، اجعلوا بيوتكم متقابلة ، مع البحث و التأمل وجدت أن علماء الاجتماع قالوا بأنه لا يمكن أن ينشأ عمران حضري إلا بشرطين الأول : تأسيس المواطنة :( تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا ) اجعلوهم موطنيين لمصر ، و الثاني : أن يكون النسيج الاجتماعي موحدا ، فلا يكون رجل جاء من هذه البلاد و آخر من تلك البلاد ، و إنما يكون نسيج اجتماعي موحدا ، و هذا ما فعله الرسول ـ صلى الله عليه و على آله و سلم ـ لما خطا المدينة خططا فقال : هذه لبني سالم و هذه لبني عوف و هذهلبني النجار ، و هذه لبني فلان ، ( و اجعلوا بيوتكم قبلة ) أي كلها في منطقة واحدة ، بعد أن يتكون هذا تأتي الخطوة الثالثة (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ). الخاتمة: فإذن الذي يريد البحث في علم الاجتماع أو في علم النفس ، سيجد بغيته في القرآن الكريم ، فلا بد من هذه الأمور بالإضافة إلى التأمل و التملي الذاتي ثم بعد ذلك سنجد أن القرآن يسري في نفوسنا و يحكم حياتنا سواء في البنيان أو الاجتماع أو في الدعوة و في غيرها من الأمور أما لو ظلت الأمور تتلوالقرآن آناء الليل و أطراف النهار و لكن دون تأمل أو تدبر فذلك لن يقدم أو يأخر و أختم هذه الجلسة بأمر يضحك منه الإنسان و يبكي ، و بحق قيل : شر البلية ما يضحك ، لما أتى نابليون بونابرت ليغزو مصر التي كانت حاضرة العالم الإسلامي ، و العالم الإسلامي ينظر إليها على أنها المكان الطيب ، قال المصريون : لا بد أن نواجههم ، فما هو سبيل المواجهة ؟ فاقترح العلماء و المفكرون و في ذلك الوقت أن تقوم بعض المساجد بتلاوة صحيح البخاري ، و تقوم مساجد أخرى بتلاوة أجزاء من القرآن الكريم ، و اشترطوا أن يعطوا أجرا على تلك التلاوة ، وهذا الحاكم الذكي ـ الذي عقمت أرحام النساء أن ينجبن مثله ـ أنفق الأموال الطائلة على تلاوة صحيح البخاري في باب الحيض و النفاس و باب إيش و نابليون بونابرتقد وجّه فوهات مدافعه إليهم و الناس يستمعون و يهزون رؤوسهم لا يفهمون مما قيل كلمة واحدة ، و لا يريدون أن يفهموا ولا يراد منهم أن يفهموا ، فكيف يمكن للعالم بعد ذلك أن يستيقظ و الله سبحانه و تعالى يقول: ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) ، و يقول : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) . هذا و نسأل الله سبحانه و تعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم . تم بحمد الله تعالى
      محاضرة سمعية ألقاها الشيخ العيسري بمكة المكرمة الجمعة 5 / جمادى الثانية / 1425هـ الموافق له 23 / يوليو / 2004 م المصدر: شبكة أهل الحق منقول من مكتبة الندوة العامة
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • الولاية والبراءة والوقوف


      أجمع المسلمون على اختلاف مذاهبهم على الحب في الله للمتقين الأبرار والبراءة والكره والبغض لأعداء الله من العصاة والكافرين والمنافقين هكذا على وجه العموم، لكن الإباضية توسعوا في تطبيق هذه المبادئ أكثر من غيرهم حيث أنهم يقسمون الولاية والبراءة إلى قسمين أساسيين هما:

      ولاية الجملة وبراءة الجملة

      لولاية والبراءة الشخصيتان.

      ثم يطبقون هذه المبادئ عمليا.

      تعريفات

      ولاية الجملة: هي الحب في الله لكل من آمن بالله واتبع هداه منذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة فهؤلاء هم أولياء الله ويجب على المسلم أن يحبهم ويدعو لهم بالرحمة والمغفرة.

      براءة الجملة: هي البغض في الله لكل من أشرك به أو أنكر وجوده أو كفر أو أعرض عن رسالاته بارتكابه للمعاصي وإصراره عليها دون أن يتوب، فهؤلاء جميعا يجب على المسلم أن يبغضهم ويبرأ إلى الله منهم.

      الولاية الشخصية: هي الحب والولاء والرضا والاهتمام بالمصالح والدعاء بالرحمة والمغفرة لكل من ثبت عندك وفاؤهم بدين الله شخصا شخصا، سواء ثبت ذلك بالقرآن أو بالسنة أو بخبر العدول من المسلمين أو بالمعرفة الشخصية، ويشمل هذا الأنبياء المذكورة أسماؤهم في القرآن الكريم ومن عرفت من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم من الصالحين، وكل من تعرف من أصدقائك وأقاربك، فتقول: اللهم إني أُشهدك أني أحب فلان.

      البراءة الشخصية: تعني البغض لكل من ثبت كفره ونفاقه ممن ورد ذكره في القرآن أو بخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) أو ممن سمعت عنه أو عرفته من الظالمين والمجرمين والكفار و العصاة، فتقول في حق هؤلاء : اللهم إن أبرأ إليك من فعل فلان. وقد ورد عن عمر رضي الله عنه قوله: (من رأينا فيه شرا تبرأنا منه).

      الوقوف: وبين الولاية والبراءة توجد حالة تسمى "الوقوف" فإذا لم يثبت عندك تقوى شخص ما فيجب أن تقف فيه فلا تحبه ولا تبغضه، أي لا تتولاه ولا تتبرأ منه وهذا ما يسمي بالوقوف، وهو حكم مبني على الجهل بالشخص. قال الله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم)[1]، ومن الوقوف يمكن أن تنتقل إما إلى الولاية وإما إلى البراءة. فإذا تعرفت على شخص مصادفة لا تدرى هل هو مؤمن وَفِيّ أو عاص فيجب أن تَقْفُ فيه حتى إذا عاشرته وعرفته وتأكدت من التزامه وصلاحه حينئذ تتولاه وتحبه وبذلك تكون قد انتقلت من الوقوف إلى الولاية. وحكم الولاية هو ما ثبت عندك بعلم فلا يجوز أن تنتقل منه إلا إذا ثبت لك ضده. فإذا ثبت عندك بيقين أن هذا الرجل الذي كنت تحبه وتتولاه قد انتهك حرمات الله وارتكب من المعاصي ما يوجب البراءة فإنك تنتقل من الولاية إلى البراءة فتتبرأ منه وتعلن بغضك وكراهيتك له من أجل المعصية التي ارتكبها. ولو تاب وصلح وثبت عندك صلاحه فإنك تنتقل من حكم البراءة إلى حكم الولاية وهكذا.

      الولاية والبراءة في القرآن الكريم

      يقول الشيخ بيوض رحمه الله (والولاية والبراءة الشخصيتان مرتكزتان على أسباب دينية, فهما ليستا نظاما من النظم الاجتماعية، إنما أصلهما ما ورد في القرآن الكريم من الأمر بولاية المؤمنين بعضهم لبعض وبالبراءة من الكفار والمنافقين، والآيات الواردة في هذا كثيرة جدا منها قوله تبارك وتعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤ منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء)[2]، ويقول تبارك وتعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)[3]، وفي شأن البراءة يقول الله عز وجل: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون)[4].

      أهمية الولاية والبراءة في المجتمعات الإسلامية

      وتعتبر الولاية والبراءة الشخصيتين من أهم قضايا العقيدة في الفكر الإسلامي لأنها تفرق بين معاملة المؤمنين الملتزمين بدينهم وبين العصاة والكفار والمنافقين, وهذا ما تفرد به الإباضية اعتمادا على النصوص المتقدمة وعلى قول الله تعالى في سورة التوبة (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم)[5]، وعلى قصة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك حين هجرهم النبي (ص) وصحابته حتى تاب الله عليهم.

      يقول عدون جهلان -رحمه الله- (ولعل الولاية والبراءة من الأصول التي درسها الإباضية بعمق وانفردت عما سواها من الفرق بالقول بولاية الشخص وبراءة الشخص بحكم الظاهر ولذلك نجد دراسات مستفيضة لفقهاء الإباضية وعلمائها حول هذه المسألة، ففصّلوا القول في شروط الولاية والبراءة ووجوبها وبينوا بشكل دقيق الجهات التي تتم بها كل من الولاية والبراءة الشخصية كما حددوا بدقة من تجب فيه الولاية والبراءة سواء في الجملة أو في الشخص، وتجدر الإشارة إلى أن اهتمام الإباضية بهذا الجانب لم ينحصر في نطاق الاجتهاد الفقهي والنظر العقلي فحسب وإنما تعداه إلى الميدان العملي والتطبيق الفعلي فتجسدت هذه الآراء والأحكام في واقع الحياة اليومية داخل المجتمعات الإباضية)[6].

      فمن حيث معاملة مثل هؤلاء العصاة فيقول الشيخ بيوض: (إذا بلغنا عن شخص ما معصية ولكنها خاصة بنفسه ليس فيها ضرر كبير للمجتمع ولا هتك للحرمات جهارا بحيث لم ينزع جلباب الحياء عن نفسه فإن مثل هذا يترك لا يعلن عنه البراءة ما لم يجاهر بمعصيته، ففي الناس عصاة كثيرون نعاملهم معاملة دنيوية بالبيع والشراء والأخذ والعطاء ونعتقد بالقلب أنهم عصاة ونترك أمرهم إلى الله. أما إذا كان العاصي قد جاهر بمعصيته بحيث تحدث ضررا في الناس فهذا يجب إعلان البراءة منه في المساجد، وهنا يدخل الاعتبار الاجتماعي للمحافظة على المجتمع فلو علمنا -مثلا- أن إنسانا يشرب الخمر في بيته أو في حانة ولم تظهر منه عربدة في الطرقات سكتنا عنه ولا تعلن براءته على رؤوس الملأ غير أننا نبغضه في قلوبنا لأنه عاص لله، ولكنه إذا مر في شارع وهو معربد يسب الله وينطق بالهجر أو يكشف عن عورته فهنا يجب إعلان البراءة منه في المساجد وفي مجتمعات المسلمين حتى يقاطع تمام المقاطعة حفاظا على سلامة المجتمع، وقل مثل هذا في السرقة والزنى وسائر الفواحش)[7].

      التطبيق العملي لمبدأ الولاية والبراءة

      يقول الشيخ علي يحي معمر: (إن المجتمع الإسلامي أنظف من أن تقع فيه المعصية من مسلم ثم يسكتون عنه فيدعونه فيهم محبوبا قبل أن يبادر إلى التوبة والاستغفار والتكفير، إن كانت المعصية مما يتحلل منه بالتكفير، فليس من الحق أبدا أن نتغاضى عن أولئك الذين يرتكبون المعاصي ونضعهم في صف واحد مع المؤمنين الموفين، بل يجب أن نزجر العاصي عن معصيته, وأن لا نساوي بينه وبين الموفي، وأن لا نعطيه من المحبة وطلب المغفرة وحسن التعامل ما نعطيه للذي يراقب الله في الخفاء والعلانية ويرجع إليه في كل كبيرة وصغيرة، ويقف عند حدوده لا يتخطاها)[8].

      وقد مارس الإباضية تطبيق هذه المبادئ عمليا فسجلت كتب التاريخ عند الإباضية البراءة من العصاة - علنا في المساجد - بعد نصحهم وإرشادهم فلا يتعامل معهم بقية المسلمين حتى يتوبوا. فعندما يثبت على شخص ما ارتكاب معصية تعلن منه البراءة حتى يتوب، ويتبع ذلك كإجراء تأديبي، هجرانه، أي مقاطعته اجتماعيا فلا يتعامل معه أحد، فلا يكلم ولا يحضر جماعة، ولا يؤاكل، ولا يجالس . فيجد نفسه معزولا عن المجتمع فيضطر إلى التوبة لتعود إليه مكانته، وعندها يستطيع أن يعيش بين المسلمين كواحد منهم.

      وأخف من حكم البراءة ما سمي بالخطة والهجران الذي عمل به العزابة في المغرب وهما يطبقان على كل من يخالف العرف العام للبلد أو الاتفاقات المعمول بها تحت رعاية العزابة، أو مخالفة السلوك المتبع في قضية من القضايا وبهذه الاعتبارات فإن الهجران قد نال كثيرا حتى من كبار العلماء.

      وقد جرى في بعض العهود توسع في تطبيق الهجران فلم يقتصر فيه على من ارتكب المعاصي المعروفة، وإنما يطبق على من يخالف السيرة المتعارف عليها، وعلى من يرتكب ما يعتقد أنه يحط من قيمة الشخص أو يسبب مضرة للأفراد أو انحلالا وتفككا في المجتمع. وقد طبقت الخطة والهجران حتى على بعض العلماء، وقد ذكر الشيخ على يحي معمر[9] أمثلة عديدة من المواقف، ومن أمثلة ذلك العلامة ابن خلفون[10]، فقد خالف علماء عصره في بعض المسائل ونظرا لتشدد بعض العلماء وتمسكه برأيه طبقت عليه الخطة وبقي في الهجران عدة سنوات، قيل أنها بلغت اثنتي عشرة سنة، ومنها موقف العلماء من سليمان بن عبد الله بن بكر فقد أفتى هذا الشيخ بمسألة مخالفة للمعمول به بتاجديت[11]، فأخرجه الأشياخ إلى الخطة وجاء سليمان ليتوب بين أيديهم فلم يقبلوا منه إلا بعد سنوات ذلك لأنهم قالوا أن الفتوى قد انتشرت ولا تتم التوبة حتى يبلغ خبر رجوع الشيخ عن فتواه إلى كل من بلغته الفتوى الخاطئة.

      كان من نتيجة تطبيق نظام الولاية والبراءة أن الإباضية استطاعوا حفظ مجتمعاتهم من البدع والخرافات التي تجدها عند غيرهم فلم تدخل الصوفية أو الزندقة أو البدع المتعلقة بالشرك إلى المجتمعات الإباضية التي تم فيها تطبيق مبدأ الولاية والبراءة الشخصيتين وبذلك كانت المجتمعات الإباضية من أكثر الفرق تمسكا بآداب الدين والتزاما بتعاليم الإسلام، وتورعا عن الشبهات. بهذا يشهد تاريخ الإباضية وبهذا يشهد كل من عاشرهم أو عاش بينهم. ورغم أن هذا النظام قد اندثر بعد دخول الاستعمار إلى بلاد المسلمين ومحاولته القضاء على كل ما يمت إلى الإسلام بصلة، إلا أن آثار تطبيق هذا النظام لا زالت قائمة. فالإباضية على وجه العموم لا زالوا من أكثر المسلمين تمسكا بآداب الإسلام وتعاليمه وأكثرهم ابتعادا عن المعاصي والشبهات، بذلك تشهد كتب السير عند الإباضية كما يشهد بذلك كل من عاش بينهم وعرفهم عن قرب.

      ولو أن المجتمعات الإسلامية سواء كانت دولا أو قبائل أو جماعات أو عائلات أخذت بهذا النظام بعد تعديله بما يتناسب مع واقع العصر لاستطاعت أن تحل كثيرا من المشاكل التي نراها في كثير من الدول الإسلامية، ومنها مشاكل الشباب على اختلاف أنواعها من التدخين والمخدرات وعدم الاهتمام بالصلاة والتشبه بالأجانب إلى غير ذلك مما هو معروف للجميع.




      المراجع

      1)سمر أسرة مسلمة - علي يحي معمر

      2)الفكر السياسي عند الإباضية - عدون جهلان

      3)فتاوى الشيخ بيوض - جمع وترتيب بكير بالحاج

      4)قواعد الإسلام - إسماعيل الجيطالي



      --------------------------------------------------------------------------------


      [1]القرآن الكريم، سورة الإسراء ، آية 36

      [2]القرآن الكريم، سورة الممتحنة، آية 4

      [3]القرآن الكريم، سورة التوبة، آية 71

      [4]القرآن الكريم، سورة المجادلة، آية 22

      [5]القرآن الكريم، سورة التوبة، آية 114

      [6] عدون جهلان , الفكر السياسي عند الإباضية ص. 58

      [7]بكير بالحاج -فتاوى الشيخ بيوض

      [8]علي يحي معمر - الإباضية في موكب التاريخ - الحلقة الأولى

      [9]علي يحي معمر : الإباضية في الجزائر

      [10]ابن خلفون: أبو يعقوب بن خلفون - من علماء القرن السادس الهجري كان غزير العلم واسع الأفق ، حاضر البديهة، ساطع الحجة. اختلف مع علماء عصره في بعض المسائل. وصل لنا من كتبه أجوبة ابن خلفون - حققه الدكتور عمروالنامي

      [11]تاجديت : قرية من قرى الجزائر كانت حافلة بالعلماء
    • الحق الدامغ ( المبحث الأول)

      --------------------------------------------------------------------------------

      الحق الدامغ
      لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة

      --------------------------------------------------------------------------------


      المبحث الأول

      الفصل الأول- في رؤية الله

      المقدمة

      الحمد لله الذي اصطفى لعباده الدين فوحَّد به بين فئات المؤمنين ، وألَّف بنظامه بين قلوب المخلصين ، سبحانه هو الواحد في ذاته المتقدس في صفاته المتعالي في كبريائه ، الخالق لما في أرضه وسمائه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}1 ، {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وُهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ}2 ، الصادق في الوعد والوعيد ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، لا معقِّب لحكمه ولا تبديل لكلماته ، ولا إخلاف في ميعاده ، أحمده حمد من آمن بجلاله واعترف بكماله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له {لَهُ الحَمْدُ في الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}3 ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه وصفوته من رسله ، أرسله بأصدق البينات وأظهر الآيات وأبهر المعجزات فأكمل به الدين وأتم به النعمة على عباده المؤمنين ، صلى الله وسلم تسليماً عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد:

      فإن التباين في أحوال الناس سمة من سمات البشر المعهودة ، فلذلك تجدهم متفاوتين في المدارك ، مختلفين في المشارب ، متعاكسين في الأحاسيس ، وإلى ذلك يرجع تعدد مذاهبهم في الأمر الواحد ، وتباين تصوراتهم في القضية الواحدة {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ، وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}4 ، وكثيراً ما تتأصل الحَمِيَّةُ في نفوسهم فلا تلبث مع استمرار الوقت وعوامل الزمن أن تتحول إلى عقيدة راسخة مستحكِمة في العقل والوجدان ، مستعصية على الحجة والبرهان ، لا تتزعزع لمحرك ، ولا تنقاد لداع .

      ولذلك كانت دعوات المرسلين عليهم السلام تستفرغ منهم الجهد الجهيد ، وتستغرق منهم الوقت الطويل ، وتظل مع ذلك أفكار أكثر الناس سادِرَة في غيِّها ، غارقة في عَمَاها ، لا تصغى إلى الحجج الصادعة ، ولا تتفتح على المعجزات الساطعة ، بل كلما ازدادت الحجة بياناً ، والمعجزة ظهوراً ، كانوا أشد تصامماً وتعامياً ، وأوغل في العناد والشقاق .

      وقد ابتليت كل أمة بالإفتراق فيما بينها والإنشقاق على نفسها ، ولم تَسْلَم من ذلك أمة حتى أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي اختصت بمَبْعَث أعظم رسول إليها ، وإنزال أجلّ كتاب عليها ، وحُذِّرت أيما تحذير من الإفتراق ودواعيه ، وبُيِّنَت لها عاقبته السيئة في محكم آيات الكتاب الذي اختصت به ، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}5 ، وقال سبحانه: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءهُمُ البَيَّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}6 ، وقال: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}7 ، وقال لنبيه عليه أفضل الصلاة والسلام: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ في شَيْء}8 ، فإنها مع ذلك كله لم تسلم من هذا الدَّاء العُضال الذي أصاب غيرها من الأمم ، غير أن الله سبحانه اختصها بأن حَفِظَ لها كتابها المُنَزَّل عليها من تحريف العابثين وتبديل المناوئين تحقيقاً لوعده الصادق {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}9 ، ومَكَّنَ لها من معرفة الصحيح الثابت من سنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وجعل لها مَخْلَصاً من الشقاق والنزاع بالإحتكام إلى الله ورسوله حيث قال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْء فَرُدُّوهُ إِلى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}10 ولا يكون الإحتكام إلى الله إلا بالرجوع إلى كتابه فتُسْتَلْهَم منه الحقيقة ويُسْتَبان به الحق ، وكذلك الإحتكام إلى رسوله صلى الله عليه وسلم لا يعني إلا بالرجوع إلى سنته الثابتة الصحيحة .

      ومع وجود هذا المَخْلص الذي أُمرنا بأن نَفْزَع إليه من كوارث الإختلاف فإن الخِلاف لم يزل ، والشقاق لم يُسْتَأصَل ، فقد تُؤُوِّل الكتاب تأولات شتى لم تُسْتَمَد إلا من الوهم ، ولم تُستلهم إلا من الهوى ، كما أن للناس مواقف متعددة في معرفة الصحيح من غيره من سنته عليه أفضل الصلاة والسلام ، وفي معرفة نفس مقاصد السنة الثابتة باتفاق الجميع ، ومن هنا نشأ ما نراه بين الأمة من خلاف ونزاع في أصول الدين وفروعه .

      وإن أعظمه ضرراً ، وأفدحه خطراً ، وأعمقه أثراً ، وأسوأه عاقبة ما كان في أصول الدين ، فإنها قواعد الإسلام ؛ بها تقوم أركانه ، وعليها يُشاد بنيانه ، وبقدر ما تكون قوتها تكون متانة الدين نفسه ، ولأجل ذلك فإن الأمة كثيراً ما تتسامح في الخلاف الذي يكون بين فئاتها في فروع الشريعة ، ولكن يشتد شقاقها ، ويتعمق نزاعها عندما تختلف في الأصول ، وبقدر ما يكون من التقارب أو التباعد فيها بين طائفة وأخرى بقدر ما بينهما من التلاقي أو الإفتراق ،

      وما مصدر ما حدث ويحدث بين طوائف الأمة من التراشق بالتُّهَم والتنابُز بالألقاب ، والترامي بالأحكام القاسية إلا الإختلاف في أصول دينها ، والتباين في منازع استنادها في معتقداتها بين الإفراط والتفريط في التعويل على النقل أو العقل .

      وليس هذا النزاع في أصول الدين مع وحدة المصدر الذي تَنْهَل منه العقول المتنازعة إلا نتيجة لتباين المدارك واختلاف التصورات عند أئمة الفرق ، ثم يؤصله تعصب الجماهير لأقوال أئمتهم بحيث تجعل كلُّ طائفة قولَ إمامها أصلاً تُطوِّع له الأدلة المخالفة له بكل ما تخترعه من التأويلات المتكلفة ، فتوزعت الأمة شيعاً وأحزابا {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}11

      ولستُ أبالغ إن قلتُ إن الإباضية - أهل الحق والاستقامة - تمتاز عقيدتهم وتتسم طريقتهم في فهم أصول الدين بثلاثة أمور :

      سلامة المَنْزَع ، فإنهم جمعوا في الإستدلال على صحة معتقداتهم بين صحيح النقل وصريح العقل ، فلم يضربوا بالنصوص الصحيحة عرض الحائط بمجرد تعارضها مع مقتضيات العقل بادي الرأي كما هو شأن أصحاب المدرسة العقلية الذين جعلوا العقل أسمى وأقدس ، وأصح وأثبت مما جاء به النبييون عن الله عز وجل ، فعَوَّلُوا عليه في التحسين والتقبيح ، والتعليل والحكم ، كما أنهم لم يُطفئوا شُعلة العقل مستأسرين لظواهر الألفاظ غير مسترشدين به في استكشاف أبعاد معانيها ، والغوص على حقائق مراميها ، كما هو شأن عَبَدَة الألفاظ الذين لا يأخذون من النَّص إلا قُشوره ، لا يتجاوزون شكله إلى جوهره ، ولا يتعدون ظاهره إلى مضمونه ، بل استمسكوا بالعُرَى الوثقى من النصوص ، واتخذوا من العقل السليم دليلاً على فهم مقاصدها ، ومن الأساليب اللغوية شراكاً لاقتناص شواردها ، ولا غَرْوَ فَهُم منطلقون في ذلك من مراشد القرآن نفسه ، فكم تجد فيه {لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} و {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} و {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} و {لأُولِي الأَلْبَابِ} كما تجد فيه {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}12 ، فهو وإن سما فوق بلاغة بلغاء العرب والعجم لم يخرج عن كونه عربي اللسان والأسلوب ، وقد يسره الله للذكر بتفهم آياته واستجلاء مقاصده ، واستلهام مراشده
      -1
      عدم التعصب لأئمتهم تعصباً يجعلهم يتصاممون عن النُّقُول الصحيحة ، ويتعامون عن العقول الصريحة ، كما نجد ذلك عند كثير من المتفقهة والمتكلمين ، ومن أبشع ما وجدناه في ذلك قولُ العلامة الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين : (ولا يجوز تقليد ماعدا المذاهب الأربعة ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية ، فالخارج عن المذاهب الأربعة ضال مضل ، وربما أداه ذلك للكفر ، لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر)) 13 فقد باين الإباضية هذا المسلك الضيق فقهاً وعقيدة إلى فسيح النظرة الشمولية للأمة ، ولم يسوغوا لأنفسهم أن يرفعوا كلام أحد من أئمتهم إلى درجة كلام الله أو كلام رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام وإن بلغ في العلم والورع ما بلغ ، فهذا الإمام نور الدين السالمي رحمه الله يقول في كتاب أصول الدين من جوهر نظامه: 14

      وهي أمــور تُبْتَنَى عليها صحــة ديننا فمِل إليها
      لا دين للمرء إذا لم يعرف ما كان مـنه لازماً فلتعرف
      واعْتَمِدَنْ ذلك بالدليـــل في حالة الإجمال والتفصيل

      إلى أن قال:15

      ولا تُناظــر بكتاب الله ولا كلام المصطفى الأواه
      معنــاه لا تجعل له نظيرا ولو يكون عالماً خبـيرا

      ويقول أيضاً :

      نُقــدِّم الحديث مهما جاءَ على قياسنا ولا مراء
      ونَرْجِعَنْ في بيان الحكم عنه إلى إجماع أهل العلم

      وستجد أخي القارئ الكريم فيما أقدمه إليك ، وفيما دوَّنه غيري من الإباضية ، ما يدلك دلالة قاطعة على صحة ما ذكرته لك ، من أن أهل الاستقامة - والحمد لله - بريئون من هذا الأصل الذي رضيَه الصاوي بأن يكون القاعدة التي يقوم عليها صرح الإسلام ، كما ستجد إن شاء الله أن الصاوي ليس وحيداً في هذا الميدان ، فهناك من مشى على نفس هذا المنهج كما يدل على ذلك مسلكه في النقاش ، وستجد ذلك إن شاء الله أثناء مطالعتك لهذه الدراسة التي أقدمها إليك ، ولا يعني ذلك أن جميع المذاهب الأربعة منغمسون فيما انغمس فيه الصاوي وغيره من حَمَأَةِ التقليد البغيض ، ورفع أقوال الأئمة إلى مستوى أرفع من مستوى كلام الله ، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم ، كلا فإن كثيراً منهم تحرروا من ربقة هذا التقليد الأعمى وأنصفوا مخالفيهم في الحكم ، كما ستجد ذلك أيضاً إن شاء الله في هذه الدراسة .16
      -2
      المرونة والتسامح في معاملة سائر فرق الأمة وإن بلغ الخلاف بينهم وبينهم ما بلغ ، إذ لم يتجرءوا قط على إخراج أحد من الملة وقطع صلته بهذه الأمة ما دام يدين بالشهادتين ولا ينكر شيئاً مما علم من الدين بالضرورة بغير تأويل ، أما من أسند إلى التأويل - وإن كان أوهى من نسج العنكبوت - فحسبه تأويله واقِيَاً لَهُ من الحكم عليه عندهم بالخروج عن حظيرة الأمة ، وخلع ربقة الملة عن عنقه ، ومن هذا المنطلق صدر ذلك الإعلان المنصف - الذي رسم مبدأ الإباضية في نظرتهم إلى الأمة - من أشهر قائد إباضي وهو / أبو حمزة المختار بن عوف السليمي ، في خطبته التي ألقاها على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأصاخ لها الدهر ، وسجلها الزمن ، وخلدها التاريخ ، إذ قال فيها رحمه الله : ( الناس منا ونحن منهم إلا ثلاثة : مشركاً بالله عابد وثن ، أو كافراً من أهل الكتاب ، أو إماماً جائراً ) 17

      وقد مشى الإباضية في هذا النهج السليم ، والتزموا هذا المبدأ القويم في معاملتهم لسائر طوائف الأمة كما يشهد بذلك التاريخ ، ونجد هذه النبرة المنصفة تتردد في أصوات قادة الفكر منهم في الخلف كما كانت من قبل عند السلف ، فهذا الإمام نور الدين السالمي رحمه الله تعالى يحدد لنا موقف الإباضية من سائر الأمة بقــــوله:18

      ونحن لا نطالـب العبادا فوق شهادتيهــم اعتقادا
      فمن أتى بالجملتـين قلنا إخواننا وبالحقــوق قمنا
      إلا إذا ما نقضـوا المقالا واعتقدوا في دينهم ضلالا
      قمنا نبين الصواب لهـم ونحسبن ذلك من حقهـم
      فما رأيته مـن التحـرير في كتب التوحيد والتقرير
      رد مسائل وحـل شـبه جاء بها من ضـل للمنتبه
      قمنا نردهـا ونبدي الحقا بجهدنا كي لا يضل الخلقا
      لو سكتوا عنا سكتنا عنهم ونكتفي منهم بأن يسلـموا

      وعلى هذه القاعدة بنى الإباضية حكمهم على طوائف الأمة التي زاغت عن الحق وجانبت الحقيقة في معتقداتها ، فكانوا أشد احتياطاً من إخراج أحد منهم من الملة بسبب معتقده مادام مبنياً على تأول نص شرعي ، وإن لم يكن لتأويله أساس من الصحة ولا حظ من الصواب ، ومن هنا اشتد إنكار الإمام الكبير محبوب بن الرحيل - رحمه الله تعالى - على هارون اليماني الذي حكم بشرك المشبهة وخروجهم من الملة ، وأنشأ محبوب في ذلك رسالتين جامعتين ضمنهما حججه الداحضة لرأي هارون ، وجَّه إحداهما إلى إباضية عمان ، وثانيهما إلى إباضية حضرموت 19 ، وأطبق الرأي الإباضي على تصويبه وتخطئة هارون .

      وسُئِل المحقق الخليلي رضوان الله عليه عن حكم هؤلاء المشبهة هل هم مشركون ؟ فكان جوابه لسائله :

      إياك ثم إياك أن تعجل بالحكم على أهل القبلة بالإشراك من قبل معرفة بأصوله ، فإنه موضع الهلاك والإهلاك20

      هذا في حين تجد أتباع الأئمة الأربعة - الذين جعلهم الصاوي مقياساً لمعرفة الحق من الباطل دون الكتاب والسنة - يكفر بعضهم بعضاً في هذه المسألة ، وناهيك بما في ( السيف الصقيل في الرد على ابن زفِّيل ) للعلامة السبكي الشافعي ، و ( تبديد الظلام المخيم من نونية ابن القيم ) للعلامة الكوثري الحنفي ، و ( البراهين الساطعة في رد بعض البدع الشائعة ) للعلامة القضاعي الشافعي ، وأمثالها من الحكم بإخراج هؤلاء المشبهة عن حظيرة الإسلام ، كما أن أحكام المشبهة على الآخرين لا تقل صرامة وشدة ، وناهيك بقول العلامة ابن القيم في نونيته :

      إن المعطل بالعداوة معلن والمشركون أخف في الكفران

      وما مراده بالتعطيل إلا رد متشابه الآي والأحاديث إلى محكمها ، حرصاً على التنزيه ، وحملاً لكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على ما تقتضيه أساليب البلاغة في كلام العرب ، ودفعاً لما عسى أن يُتوهم منه من التناقض والاختلاف .

      ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تجد المتفقهين على مذهب إمام واحد من هؤلاء الأئمة الأربعة يشرِّك بعضهم بعضاً في هذه المسألة أو في غيرها ، فهذا الفخر الرازي يسمي كتاب محمد بن إسحاق بن خزيمة - الذي أسماه كتاب التوحيد - كتاب الشرك 21 ، وهما شافعيان فقهاً ، وسوف تقف إن شاء الله في المبحث الثالث من هذا الكتاب على نقول حرفية من كلام ابن تيمية في اختلاف الحنابلة في ألفاظ القرآن وحروفه وأصواته ، وتكفير بعضهم بعضاً في ذلك ، ولا أريد أن أطيل في ضرب الأمثلة وتعديد الشواهد في هذا ، فإنني لم أرد بما ذكرته التشهير بأحد ، وإنما هو أمر اقتضته المقارنة بين احتياط الإباضية في الحكم وحذرهم من الاندفاع ، وبين تسرع بعض علماء الأمة الآخرين في إصدار مثل هذه الأحكام التي لا تؤول إلا إلى صدع جدار الأمة وتمزيق شملها ، وهو أمر يستدعي أسف اللبيب وحسرته ، كيف تنزل هذه الأمة إلى ميدان الشقاق والنزاع بينها ، متجاهلة ما فرض الله عليها من الوحدة والوئام ، والألفة والانسجام ، ألم يأمرها الله بذلك في محكم كتابه بقوله : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها 22 ؟! ألم يحذرها من عاقبة التفرق بقوله : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم )23؟! ألم يبعث فيها نبياًّ كريماً ، ورسولاً أميناً يدعو إلى الوحدة دعوته إلى التوحيد فضرب فيها أروع الأمثال بصهر كل ما كان من قبل بين قومه من خلاف ونزاع في بوتقة الإيمان ، فآخى بالإيمان بين الفئات المتناحرة ، وألَّف بالإسلام بين القلوب المتنافرة ، وبيَّن أن هذه الوحدة هي وحدة عقيدة وعمل ، ومبدأ وغاية ، وأمل وألم ، وصوَّر ذلك أبدع تصوير عندما قال : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) وقال : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) .
      -3

      أليست هذه الوحدة الإيمانية التي نادى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع لوائها بين أصحابه رضي الله عنهم وهي التي رفعت من شأن هذه الأمة فأبدلها الله بذلها عزا ، وبضعفها قوة ، وبضعتها رفعة ، فتمكنت من فتح الدنيا مع قلة عددها وعدتها ، وكثرة خصومها ، ووفرة العُدَدِ عندهم ؟

      أو ليس ما بليت به من الشقاق هو الذي عكس عليها ما نشهده من آثار سلبية في أوضاعها ، فتشتتت بعد الوحدة ، وذلت بعد العزة ، وضعفت بعد القوة ، فازدرتها الأعين التي كانت تكبرها ، وطمعت فيها الأمم التي كانت لا تصطلي بنارها ؟ ليت شعري ! ألا صحوة بعد هذه السكرة ، ويقظة بعد هذه النومة التي غرقت فيها عقول هذه الأمة وفي مقدمتها علماؤها الذين ائتمنهم الله دينه وأخذ عليهم العهد أن يأخذوا بأيدي أمتهم إلى سبيل الرشد .

      يا ساسة الدين عـلام وهنكـم وأنتـم في عـدة وعـــدِّ ؟
      تختلفـون الرأي فيما بينكــم والحال إخفاق ونقض عهــد
      وخَلفكــم من يستغل خُلفكـم في وثبة السمع وسمـع الخلد
      يخالكــم كالشاء في مسرحها فإن دعــاها رئمت لولــد
      هلم في صدق العــزوم إنها ســلاح كل أمة وفـــرد
      يا للضـلال أن نضل قصدنا كالسادة النادي وشيخ نجــد
      نرتع في غيبوبة من أمــل ونرتضي من العلى بالوهــد
      نحس بالآلام في أنفســـنا لكــنها مني عليَّ وحــدي
      ونغمد السيف عن الخصم ولا نقــره عن دمنا في غمــد
      أهكـــذا قالت لنا عقولنا ؟ أم أنها قد أخطأت عن قصد ؟
      أم أنها ليست لها بصـيرة ؟ أم أنها بصيرة لا تجـــدي؟
      يا حالة قد أفقدتني عصـبي رميت فيمن كنته بالفقـــد
      مولاي عبد تاه في مرامـه عن نهجه وأنت مولى العـبد
      فخذ بضبعه وأمة هــوت تحت الخلافات وبثق الســد
      مستفتحين بأياديك الغــنى والعز والنصر وكل جَـــدِّ
      فاجمع شتاتنا وأصلح شأننـا واقض لنا على ظلوم نـــد 24

      ولعله مما يفاجئ كثيراً من القراء أن يطلعوا لأول مرة على عناية قادة الفكر من الإباضية بلمِّ شعث هذه الأمة وجمع شتاتها بعدما أثخنتها الخلافات المذهبية ، ومزقتها النزعات العصبية ، وكم تمنوا أن يحس سائر أعلام الأمة بمثل أحاسيسهم ، ويشاركوهم في هذه الهموم التي تنوء بها صدورهم ، وتؤرق ليلهم ، وتقض مضجعهم ، وقد كانت منهم محاولات ، للخطو في هذا الطريق والاستعداد لهذه المهمة بنفقات مالية يرصدونها من جيوبهم وجيوب المخلصين من سائر أبناء الأمة ، وأصدق مثال على ذلك ما يجده القارئ في هذا السؤال الذي صدر من عالم مفكر وقائد محنك ، ذلكم هو الشيخ سليمان بن عبدالله بن يحيى الباروني ، عضو مجلس المبعوثان بالدولة العثمانية ، المشهور بسليمان باشا الباروني ، وهو من إباضية جبل نفوسة بالقطر الليبي ، وقد توجه بسؤاله هذا إلى عالم الإباضية بالمشرق ، ومرجعهم في أمور الدين ، الإمام عبدالله بن حميد السالمي ، ونص السؤال :

      هل توافقون على أن من أقوى أسباب اختلاف المسلمين تعدد المذاهب وتباينها ؟ على فرض عدم الموافقة على ذلك فما هو الأمر الآخر الموجب للتفرق ؟ على فرض الموافقة فهل يمكن توحيدها بالجمع بين أقوالها المتباينة وإلغاء التعدد في هذا الزمن الذي نحن فيه أحوج إلى الاتحاد من كل شيء ؟ وعلى فرض عدم إمكان التوحيد فما الأمر القوي المانع منه في نظركم ، وهل لإزالته من وجه ؟ على فرض إمكان التوحيد فأي طريق يسهل الحصول على النتيجة المطلوبة ؟ وأي بلد يليق فيه إبراز هذا الأمر ؟ وفي كم سنة ينتج ؟ وكم يلزم من المال تقريباً ؟ وكيف يكون ترتيب العمل فيه ؟ وعلى كل حال فما الحكم في الساعي في هذا الأمر شرعاً وسياسة ؟ مصلح أم مفسد ؟ .. وكان هذا السؤال في عام 1326هـ .

      فكان من جواب ذلك الإمام له :

      نعم نوافق أن منشأ التشتيت اختلاف المذاهب وتشعب الآراء ، وهو السبب الأعظم في افتراق الأمة على حسب ما اقتضاه نظركم الواسع .
      وللتفرق أسباب أخرى منها ، التحاسد والتباغض ، والتكالب على الحظوظ العاجلة ، ومنها طلب الرئاسة .
      وجمع الأمة على الفطرة الإسلامية بعد تشعب الخلاف ممكن عقلاً مستحيل عادة ، وإذا أراد الله أمراً كـان (لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم )25
      والساعي في الجمع مصلح لا محالة ، وأقرب الطرق له أن يدعو الناس إلى ترك الألقاب المذهبية ويحضهم على التسمي بالإسلام ( إن الدين عند الله الإسلام )26 ، فإذا أجاب الناس إلى هذه الخصلة العظيمة ذهبت عنهم العصبية المذهبية ولو بعد حين ، فيبقى المرء يلتمس الحق لنفسه ويكون الحق أولاً عند آحاد من الرجال ثم يفشو شيئاً فشيئاً حتى يرجع إلى الفطرة .
      وهي دعاية الإسلام التي بعث بها محمد عليه الصلاة والسلام ، وتضمحل البدع شيئاً فشيئاً ، فيصير الناس إخواناً ( ومن ضل فإنما يضل عليها )27 ، ولو أجاب الملوك والأمراء إلى ذلك لأسرع الناس في قبوله ، وكفيتم مؤونة المغرم ، وإن تعذر هذا من الملوك فالأمر عسير والمغرم كثير .
      وأوفق البلاد لهذه الدعوة مهبط الوحي ومتردد الملائكة ، ومقصد الخاص والعام ، حرم الله الآمن ، لأنه مرجع الكل . وليس لنا مذهب إلا الإسلام ، فمن ثم تجدنا نقبل الحق ممن جاء به وإن كان بغيضاً ، ونرد الباطل على من جاء به وإن كان حبيباً ، ونعرف الرجال بالحق ، فالكبير عندنا من وافقه والصغير من خالفه ، ولم يشرع لنا ابن إباض مذهباً ، وإنما نسبنا إليه لضرورة التمييز حين ذهب كل فريق إلى طريق . اهـ 28

      وهذا كلام غني عن التعليق بشيء فإنه إن لم يكن شاهداً عادلاً ومعلماً واضحاً على نبل قصد السائل والمجيب وسمو فكرهما ، وحسن أنشودتهما ، فليس يصح في الأذهان شيء.

      وإذا كان الأدب مرآة تعكس ما في نفس الأديب من كوامن الأحاسيس فإن الأدب الإباضي قديمه وحديثه طافح بعصارات مشاعر الألم الذي يحسون به بسبب تشتت الأمة وانحلال عقد نظامها ، وإذا كنت أخي القارئ شاهدت صورة من ذلك فيما نقلته لك من قول أديب معاصر فإليك صورة أخرى تعكس مشاعر أديب بارع وعالم جامع من أدباء هذه الطائفة وعلماءها الغابرين ، وهو العلامة الكبير شاعر الإسلام والمسلمين أبو مسلم ناصر بن سالم البهلاني الرواحي الذي طالما انساب يراعه الموهوب ليصور لنا بعبارته الإيمانية همومه وأحاسيسه تجاه أمته ودينه ودونك هذا المقطع من قصيدة له بعنوان ( أفيقوا بني القرآن ) : 29

      فيا لبني القرآن أين عقولكــــم وقد عصفت هذي الرياح الزعازع ؟
      أمسلوبة هذي النهى من صدورنا ؟ وهل فقدت أبصارنا والمسامــع ؟

      * * *

      فليت بني الإسلام قرَّت صفاتهــم فما زعزعتها للغرور الزعـازع
      وليتهمُ ساسوا بنور محمـــــد ممالكهم إذ باغتتها القواقــــع
      وليتهمُ لم ينحروا بسلاحهــــم نحورَهم إذ جاش فيها التقاطــع
      لقد مكَّن الأعداءَ منا انخـداعُنــا وقد لاح آل في المهامه لامــع
      وسورة بعض فوق بعـض وحملة لزيد على عمــروٍ وما ثم رادع
      وتمزيق هـذا الدين كـل لمذهـب له شِيَع فيما ادعاه تشايـــــع
      وما الدين إلا واحــد والذي نرى ضلالات أتباع الهوى تتقــارع
      ومــا ترك المختارُ ألفَ ديانــة ولا جاء في القرآن هذا التنـازع
      فيا ليت أهل الدين لم يتفرقـــوا وليت نظام الدين للكل جـــامع
      لو التزموا من عزّة الدين شرطـها لما اتضعت منها الرعان الفـوارع
      وما ذبحَ الإسلامَ إلا سُيُوفــــنا وقد جعلت في نفسها تتـــقارع
      ولو سلت السيفين يمنى أخـــوة لدكت جبال المعتدين المصـارع
      وما صدعة الإسلام من سيف خصمه بأعظم مما بين أهليه واقــــع
      فكم سيف باغ حزَّ أوداج دينـــه بأفظع مما سيف ذي الشرك باخع
      هراشاً على الدنيا وطيشاً على الهوى وذلك سمٌّ في الحقيقة ناقــــع
      وما حرَّش الأضغان في قلب مسلم على مسـلم إلا من النعي وازع
      ولو نصـــع القلبان لم يتباغضا ولا ضام متبوع ولا ضيم تابـع
      وما هذه الدنيا لها قدر قيمــــة يضاع له ذخر من الله نافـــع
      وما نال منها طائلاً غير إثمــها وأكدارها المستأثرون الأمانــع
      ولو بعدت في النفس منزعة التقى لما نزعت نحو الشقاق المـنازع

      * * *

      فما بيعنا الحسنى ومرضاة ربـنا بها بيعة يَمنى بها الربح بائــع
      على أي شيء يقتلُ البعضُ بعضَنا وتذكى فظاظات النفوس المطامع

      * * *

      ولو أشربت منا النفوس تبصراً لما كان منها للشرارة ناقــع
      بلى أشربت داءً دخيلاً أصارها كما كمنت في جحرهن الأقارع

      وقد كان من بشائر الخير التي لاحت للأمة مع تباشير إشراقة الصحوة الإسلامية المعاصرة ما كان - بادئ ذي بدء - من التعاطف والتواد والتراحم بين الشباب المسلم الذي أشرقت عليه أنوار هذه الصحوة ، فقد كانوا في بادئ أمرهم لا يلتفتون إلى الخلافات المذهبية ، ولا يشتغلون بالنعرات الطائفية إلا قليلاً منهم ، وهم الذين لم تصقل آثار تلك الصحوة ما تراكم على قلوبهم من الصدأ ، وهؤلاء كانوا مغمورين بالكثرة الكاثرة التي ينصب همها في محيط الإسلام الواسع الذي يجمع ولا يفرق ، ويُوَحِّد ولا يشتت ، وكادت القضايا الخلافية تُلقى في زوايا الإهمال لتصبح في خبر كان ، حتى إذا نضرت هذه الألفة وكادت تؤتي ثمارها الطيبة هاجت عليها أعاصير العصبية العمياء - بعدما حركتها أحقاد غصت بها نفوس ساءتها وحد الأمة - فلفحتها بسمومها التي أذبلت نضارتها ، وقضت على رونقها ، فإذا بالتواد تباغض ، وبالتعاطف تباعد ، وبالترابط تقاطع ، وبالرحمة عذاب .

      وكان أول ضحية لهذا التآمر البغيض هو الإسلام الحنيف ثم الشبيبة المسلمة التي كادت تقلب مجرى التأريخ ، وتعيد إلى حاضر الأمة المشرق ماضيها العريق بضربها أروع الأمثال في الوحدة الإسلامية والترابط الديني ، فقد انتزعت انتزاعاً من حظيرة الوفاق الإسلامي ليدفع بها إلى متاهات من الخلاف والشقاق كان لها بد وأي بد من الدخول فيها والهيام في أرجائها . وليت الأمر وقف عند حدود الجدل والمناظرات ، ولم يصل إلى التكفير وإصدار الأحكام التعسفية الجائرة على كثير من المسلمين ، بإخراجهم من الملة ، وتعريتهم من لباس الإسلام .

      وقد لُزَّ الإباضية فيمن لُزَّ إلى مضائق هذه الفتنة على كره منهم ، فقد كانوا في مقدمة المستبشرين بطلائع الوحدة الإيمانية بين الأمة ، المرتاحين إلى روح الإخاء التي كانت تسود الشباب المسلم على اختلاف فئاته ، فما شعروا إلا ويُكفأ على رؤوسهم وقود هذه الفتنة وتضرم عليهم نيرانها بما صدر فيهم من أحكام التضليل والتبديع والتكفير ، واعتبارهم داءً عضالاً في جسم الأمة يجب استئصاله ولو ببتر الأعضاء التي أصيبت به (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد)30 ، إذ لم ينقموا منهم إلا تنزيههم الخالق تبارك وتعالى ، وتصديقهم بما نزل في كتابه الكريم وما ثبت من سنة نبيه عليه أفضل الصلاة والتسليم.

      وكثيراً ما تعرض طلبتهم في بلاد الإسلام وغيرها لأنواع المضايقات من قبل إخوانهم وزملائهم - مع ملاحظة ما يكنونه لهم من الود ويضمرونه لهم من الصفاء والخير - حتى بلغ الأمر ببعض سفهاء الأحلام أنهم كانوا يدعون الطلبة الإباضيين إلى إعلان الشهادتين ليكونوا في عداد المسلمين ، كأنهم - في نظر أولئك - من الملاحدة والمشركين .

      وهو أمر يستدعي أسف كل ذي لب ، وحسرة كل من كان له قلب ، كيف ينزل الإباضية أهل الحق والإستقامة هذه المنزلة مع رسوخ قدمهم في التوحيد ، وصفاء مصدرهم في العقيدة ، وما عُرِفوا به بين الخاص والعام من الورع في الدين والخشية من بأس الله ، وما الذي ارتكبه الإباضية حتى ينزل بهم هذا الحكم ، ويُعاملوا بهذه الطريقة ؟؟

      إن أهم ما تذرع به أولئك الذين أصدروا فيهم تلك الأحكام الرهيبة ، وعاملوهم بهاتيك المعاملة النكراء ثلاث قضايا كان للإباضية فيها موقف لم يتفق مع رغبات أولئك الحاقدين ، فعدوا كل قضية منها مبررة للحكم عليهم بالكفر وقطع حبال الصلة بينهم وبين سائر الأمة مع أن الإباضية لم ينفردوا بموقفهم دون سائر طوائف الأمة ، فثم الكثير من الذين رأوا في هذه القضايا رأيهم وأيدوا موقفهم كما سيتضح ذلك من خلال هذه الدراسة إن شاء الله ، على أنهم في كل قضية منها أخذوا بحجز النصوص القرآنية والسنة الثابتة عن الرسولعليه أفضل الصلاة والسلام .. والقضايا الثلاث هي :

      إنكار رؤية الله تعالى

      القول بخلق القرآن

      إعتقاد تخليد الفسَّاق في النار


      وقد انهالت عليَّ أسئلة الطلبة من هنا وهناك عن موقف أصحابنا في هذه القضايا الثلاث ، وما يستندون إليه من دليل ، ونظرتهم إلى أدلة من يقولون بخلاف قولهم ، ولم يكن لطلبتنا من قبل أي اهتمام بالقضايا الخلافية وبحثها ماعدا المتخصصين منهم في دراستها ، وإنما دعاهم إلى هذا الإلحاح في طلب كشف النقاب عن وجه الحقيقة فيها ما يلقونه من عنت ويواجهونه من إحراج من قوم لا يهمهم إلا إثارة شحناء كانت نائمة ، وتسعير فتنة كانت خامدة ، فدعاني ذلك إلى تحرير هذه العجالة التي سوف يجد فيها القارئ الكريم إن شاء الله دراسة وافية لكل قضية من هذه القضايا بتلخيص أدلة كل فريق وبحثها على ضوء قول الله عز وجل وقول رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام ، مع استلهام فهم مقاصدهما بالرجوع إلى قواعد اللسان العربي المبين ، الذي شرّفه الله بأن جعله وعاءً للقرآن الكريم وطبع عليه لسان نبيه الخاتم عليه أفضل الصلاة والتسليم ، وستدرك أخي القارئ - إن شاء الله - من خلال دراستك لما أقدمه إليك ، أن الإباضية لم يستمدوا عقيدتهم من فلسفة اليونان وغيرها من أساطير الأولين كما يحلو زعم ذلك للذين يهرفون بما لا يعرفون ، وإنما استمدوه من أصفى ينابيع الحق ، وأَنْوَر أشعة الحقيقة ، فقد احتكموا إلى الكتاب العزيز والسنة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، عملاً بقوله تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )31

      وإذا خفيت عن الغبي فعاذر أن لا تراني مقلة عمياء

      وقد كنت حريصاً من قبل على عدم الخوض في مثل هذه القضايا الجانبية وعدم اتخاذ موقف من هذه المهاترات إلا الصمت ، فالحق أصفى وأبين من أن تكدر الشُّبَهُ صَفْوَه أو تحجب نوره .

      وفي تعب من يحسد الشمس ضوءها ويجهد أن يأتي لها بضريب

      ولن يضر هجر المقال إلا قائله دون من قيل فيه ، فما الذي ضر المرسلين وأتباعهم مما قيل فيهم من الإفك ، ورموا به من التهم ، وهذه هي سنة الله في خلقه ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ، وإذا مروا بهم يتغامزون ، وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ، وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا عليهم حافظين ) 32

      وإنا وما تلقى لنا من هجاءنا لكالبحر مهما يلق في البحر يغرق

      ولكني رجَّحت جانب الرد على الصمت تبياناً للحث ودفاعاً عن الحقيقة ، ووقوفاً في وجوه الذين يضرمون الفتن ويؤججون الأحقاد بهذه المحاولات ، لتمزيق شمل الأمة وتفتيت وحدتها ، إذ لا يعلم إلا الله عاقبة هذه الفتنة إذا اضطرمت نارها وحَمِيَ أوارها والعياذ بالله .

      ولعمر الحق إن ما تعانيه اليوم أمة الإسلام من محن وفتن وتشتت وضياع لجدير بأن يستدر لها عطف عدوها اللدود ، ويعتصر لها الرحمة من قلوب خصومها القاسية ، فكيف تسمح بمضاعفة بلائها وإنكاء جروحها من جديد ، بأمثال هذه المهاترات من غير أن نتصدى لها بالرد المقنع بالحجة والبرهان ، لذلك قمت ، مع اشتغال البال وتراكم الأعمال - بتحرير هذه العجالة تبياناً لحجة ( الحق الدامغ ) واستئصالاً لشبهة الباطل الزاهق ، والله هو الذي يحق الحق ويبطل الباطل ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) 33 .. وقد لخصت هذا الرد في ثلاثة مباحث :

      المبحث الأول : في رؤية الله
      المبحث الثاني : في خلق القرآن
      المبحث الثالث : في خلود أهل الكبائر في النار


      --------------------------------------------------------------------------------

      الهوامش والتعليقات

      الآية 11 من سورة الشورى
      1
      الآية 103 من سورة الأنعام
      2
      الآية 88 من سورة القصص
      3
      الآيتان 118 و 119 من سورة هود
      4
      الآية 103 من سورة آل عمران
      5
      الآية 105 من سورة آل عمران
      6
      الآية 46 من سورة الأنفال
      7
      الآية 159 من سورة الأنعام
      8
      الآية 9 من سورة الحجر 9
      الآية 59 من سورة النساء
      10
      الآية 53 من سورة المؤمنون 11
      الآية 2 من سورة يوسف
      12
      حاشية الصاوي على تفسير الجلالين ج3 ص10 ط دار إحياء التراث العربي
      13
      جوهر النظام ج1 ص6 ط 10
      14
      جوهر النظام ج1 ص22
      15
      إن الإنصاف ليقتضي ذكر رد العلامة الفاضل الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي القاضي الأول بالمحكمة الشرعية بدولة قطر الشقيقة على كلام الصاوي ، فقد أفرد هذا الرد في كتاب سمَّاه ( تنزيه السنة والقرآن عن كونهما مصدر الضلال والكفران ) وقد وضع في هذا الرد المقصل على المفصل 16
      الأغاني ج2 ص104 ط بولاق
      17
      كشف الحقيقة مع أنوار العقول ص25 المطابع العالمية ، سلطنة عمان 18
      الرسالتان في الجزء الثالث من كتاب سِيَر المسلمين ، ومحبوب هذا هو أحد كبار أئمة العلم في أواخر القرن الثاني الهجري ، إذ كان واسطة العقد عند الإباضية مشارقتهم ومغاربتهم
      19
      كتاب تمهيد قواعد الإيمان ج1 ص224 ط وزارة التراث ، سلطنة عمان
      20
      مفاتيح الغيب ج27 ص150 ط2 - طهران
      21
      الآية 103 من سورة آل عمران 22
      الآية 46 من سورة الأنفال
      23
      من قصيدة لشاعر عمان الكبير الشيخ عبدالله بن علي الخليلي
      24
      الآية 63 من سورة الأنفال 25
      الآية 19 من سورة آل عمران 26
      الآيات 108 من سورة يونس و 15 من سورة الإسراء و 41 من سورة الزمر
      27
      العقد الثمين من أجوبة نور الدين ج1 ص126/127 ط1
      28
      ديوان أبي مسلم الرواحي ص262/263 ، ط وزارة التراث القومي والثقافة بسلطنة عمان
      29
      الآية 8 من سورة البروج
      30
      الآية 59 من سورة النساء
      31
      الآيات 29-33 من سورة المطففين
      32
      الآية 18 من سورة الأنبياء 33

      --------------------------------------------------------------------------------



      مقدمة المبحث الأول

      مدلول الرؤية لغةً

      جاء في القاموس وشرحه للزبيدي ما نصه : ( الرؤية ) بالضم إدراك المرئي ، وذلك أضرُب بحسب قوى النفس

      النظر بالعين التي هي الحاسة وما يجري مجراها ، ومن الأخير قوله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله1}، فإنه مما أُجْرِيَ مجرى الرؤية بالحاسة فإن الحاسة لا تصح على الله ، وعلى ذلك{يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم2} الأول
      بالوهم والتخيل ، نحو أرى أن زيداً منطلق الثاني
      بالتفكير ، نحو ( إني أرى ما لا ترون )3 الثالث
      بالقلب أي بالعقل وعلى ذلك قوله تعالى : ( ما كذب الفؤاد ما رأى )4 ، وعلى ذلك قوله تعالى : ( ولقد رآه نزلة أُخرى )5 . 6
      الرابع

      وقال ابن سيده : الرؤية النظر بالعين والقلب 7، وهو تفسير للأخص بالأعم فقد تنظر العين مع عدم تحقق الرؤية مثال ذلك : نظرت الهلال فلم أره ، فإن النظر هنا هو محاولة للرؤية وليس إياها .

      والخلاصة : أن الرؤية تكون بصرية وغير بصرية ، والبصرية تكون بحاسة الإبصار المعهودة وهي العين فيما كانت فيه عين ، وفسرها الإمام السالمي رحمه الله بقوله : ( وهي اتصال شعاع الباصرة بالمرئي أو انطباع صورة المرئي في الحدقة ) 8 ، وإلى هذا المعنى ذهب أكثر القائلين برؤية الله تعالى ، سواء الذين أثبتوا رؤيته في الدنيا والآخرة أو الذين أثبتوها في الآخرة دون الدنيا ، كما قال الشيباني :

      ومن قال في الدنيا يراه بعينه فذلك زنـديق طغـى وتمـردا
      ولكن يراه في الجنان عـباده كما جاء في الأخبار نروبه مسندا

      وقال آخر :

      ولله أبصار ترى الله جهرة فلا الضيم يغشاها ولا هي تسأم 9


      --------------------------------------------------------------------------------

      الهوامش والتعليقات

      الآية 105 من سورة التوبة
      1
      الآية 27 من سورة الأعراف
      2
      الآية 48 من سورة الأنفال
      3
      الآية 11 من سورة النجم
      4
      الآية 13 من سورة النجم
      5
      تاج العروس ج1 ص139 ط: دار مكتبة الحياة ، بيروت لبنان 6
      لسان العرب ج19 ص2 ط: بولاق
      7
      مشارق الأنوار ص186 ط:2
      8
      من قصيدة أوردها ابن القيم في حادي الأرواح ص13 ، 15 ط: دار الكتب العلمية
      9

      --------------------------------------------------------------------------------

      الفصل الأول

      إختلاف الأمة في إمكان رؤية الله تعالى

      إشتد النزاع بين طوائف الأمة في إمكان رؤيته تعالى ووقوعها ، فذهبت الطوائف المنتسبة إلى السنة من السلفية والأشعرية والماتريدية والظاهرية وغيرهم إلى أنها ممكنة في الدنيا والآخرة ، غير أن جمهورهم يثبت وقوعها في الآخرة لا في الدنيا.

      وذهبت طائفة إلى أنها واقعة في الدنيا والآخرة ، وهم مختلفون كذلك ، هل هي خاصة في الدنيا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو هي عامة له وللمؤمنين ؟ فأكثرهم على أنها خاصة به ، وهو قول الأشعري وغالب أتباعه ، نقله عنهم الحافظ ابن حجر1 وبه قال النووي ولم يقل بوقوعها لغيره صلى الله عليه وسلم في الدنيا إلا غلاة الصوفية ، وظاهر كلام الألوسي يدل على جنوحه إليه ، وقد غالى حتى أجاز له الكيفية تعالى الله عن ذلك ، ونص كلامه : " نقل المناوي أن الكمال بن الهمام سئل عما رواه الدارقطني وغيره عن أنس من قوله صلى الله عليه وسلم : (رأيت ربي في أحسن صورة) بناءً على حمل الرؤية على الرؤية في اليقظة " فأجاب بأن هذا حجاب الصورة. انتهى ، قال : وهو التجلي الصوري الشائع عند الصوفية ، ومنه عندهم تجلى الله تعالى في الشجرة لموسى عليه السلام وتجليه جل وعلا للخلق يوم يكشف عن ساق ، وهو سبحانه وإن تجلى بالصورة لكنه غير متقيد بها ( والله من ورائهم محيط).

      والرؤية التي طلبها موسى عليه السلام غير هذه الرؤية ، قال : وذكر بعضهم أن موسى كان يرى الله تعالى إلا أنه لم يعلم أن ما رآه هو هـو وعلى هذا الطراز يحمل ما جاء في بعض الروايات المطعون بها (رأيت ربي في صورة شاب - وفي بعضها زيادة - له نعلان من ذهب) ، ومن الناس من حمل الرؤية في رواية الدارقطنى على الرؤية المنامية ، وظاهر كلام السيوطي أن الكيفية فيها لا تضر ، وهو الذي سمعته من المشايخ قدس الله تعالى أسرارهم ، والمسألة خلافية.

      قال : وإذا صح ما قاله المشايخ وأفهمه كلام السيوطي فأنا ولله تعالى الحمد قد رأيت ربي مناما ثلاث مرات ، وكانت المرة الثالثة في السنة السادسة والأربعين والمائتين والألف بعد الهجرة ، رأيته جل شأنه وله من النور ما له متوجها جهة المشرق فكلمني بكلمات أنسيتها حين استيقظت ، ورأيت مرة في منام طويل كأني في الجنة بين يديه تعالى وبيني وبينه ستر حبيك بلؤلؤ مختلف ألوانه ، فأمر سبحانه أن يذهب بي إلى مقام عيسى عليه السلام ثم إلى مقام محمد صلى الله عليه وسلم فذهب بي إليهما فرأيت ما رأيت ولله تعالى الفضل والمنة. 2

      وهذا كلام تقشعر منه الجلود ، وتتصدع به الجبال ، فإن فيه من الجرأة على الله تعالى ما ليس بعده ، كيف وقد أخذت بني إسرائيل الصاعقة بمجرد سؤال الرؤية ، ونال موسى عليه السلام ما ناله من الصعق لا لشيء غير أنه سألها ليكفكف - بما يأتي من الرد الحاسم على سؤاله - غلواءهم ، ويستأصل شافة طمعهم ، ولم يكد يفيق من الصعق حتى قال : ( سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين )3 ، ولولا أنى أردت أن أوقفك أيها القارئ على هذا الخلط العجيب الذي جرأ هؤلاء الناس عليه اعتقادهم جواز الرؤية ما نقلتُ من هذا الكلام حرفا.

      ولم يقف الأمر بالألوسي عند هذا الحد حتى أخذ ينقل من أقوال أقطابهم ما هو صريح في رد قوله تعالى لموسى : (لن تراني )4 ، وترجيح هذه الأقوال على هذا النص القرآني الصريح ، وإليك أيها القارئ الكريم بعض ما جاء به :

      قال : "وقال الشيخ الأكبر قدس سره إنه رآه بعد الصعق وذكر قدس سره أنه سأل موسى عن ذلك فأجابه بما ذكر ، والآية عندي غير ظاهرة في ذلك ، وإلى الرؤية بعد الصعق ذهب القطب الرازي في تقرير كلام للزمخشري إلا أن ذلك على احتمال أن تفسر على الانكشاف التام ، الذي لا يحصل إلا إذا كانت النفس فانية مقطوعة النظر عن وجودها فضلا عن وجود الغير ، إلى أن قال : وذهب الشيخ إبراهيم الكوراني إلى أنه عليه السلام رأى ربه سبحانه حقيقة قبل الصعق فصعق لذلك ، كما دُك الجبل للتجلي5 ... الخ كلامه المتناقض الذي آثرت الإعراض عن نقله كله ، لأنه كثير العناء ولا جدوى

      والقائلون برؤيته في الآخرة مضطربون كذلك لاختلافهم في من يرونه ومتى يرونه ، فبينما أكثرهم يقولون بأن الرؤية خاصة بالمؤمنين إذ هي نعمة يمن الله بها عليهم يتضاءل معها نعيم الجنة ، نجدُهُم يهرعون إلى الاستدلال عليها بحديث (سترون ربكم) مع أنه يقتضي أن هذه الرؤية ستكون في الموقف ، وأنها غير خاصة بالمؤمنين ، بل المنافقون يشاركونهم فيها لأن من نصوصه ( وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تعالى في صورة غير التي يعرفون ) وأغرب من هذا ما ذكره ابن كثير في تفسير قوله تعالى : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)6 أنه يكشف الحجاب فينظر إليه المؤمنون والكافرون ، ثم يحجب عنه الكافرون وينظر إليه المؤمنون كل يوم غدوة وعشية ، وعزا إلى ابن جرير أنه رواه عن الحسن 7 ، ولم أجده في تفسير ابن جرير وإنما وجدت فيه رواية عن الحسن أنه قال : "يكشف عنه الحجاب فينظر إليه المؤمنون غدوة وعشية " أو كلاماً هذا معناه . 8 ونقل الحافظ القول باشتراك المؤمنين والكفار في رؤيته يوم القيامة عن طائفة من المتكلمين كالسالمية من أهل البصرة . وإذا قسنا هذا إلى ما نقله ابن القيم في حادي الأرواح من رواية ابن أبي حاتم عن الأوزاعي أنه قال : إني لأرجو أن يحجب الله عز وجل جهماً وأصحابه عن أفضل ثوابه الذي وعده أولياءه9 ، وجدنا تعارُضاً بعيدا بين أقوالهم ، وقد سمعت محاضرة مسجلة في شريط لأحد خطباء الجمعة المشهورين في إحدى دول الجزيرة العربية استدل فيها على ثبوت الرؤية بقوله تعالى : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) وكان مما قال في الآية " أن الإباضية هم الذين يحجبون عن ربهم فلا يرونه - عندما يراه المؤمنون - ولكنهم يرون مالكا خازن النار بسبب إنكارهم للرؤية" أعوذ بالله من نزغات أهل الجهل ، ومن عثرات أتباع الهوى.

      وقال ابن القيم : فقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن المنافقين يرونه تعالى يوم القيامة ، بل والكفار أيضا كما في حديث التجلي يوم القيامة ، ثم قال : وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال لأهل السنة :

      أحدهما : أن لا يراه إلاً المؤمنون.

      والثاني : يراه جميع أهـل الموقف مؤمنهم وكافرهم ، ثم يحتجب عن الكفار فلا يرونه بعد ذلك.

      والثالث : يراه المنافقـون دون الكفار ، والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد وهي لأصحابه . 10

      هكذا ترى - أيها القارئ الكريم - تضارب أقوال مثبتي الرؤية في هذه القضية حتى أنهم ينسبون إلى إمام واحد من أئمتهم أقوالاً متعارضة ومذاهب متباينة ، وناهيك بذلك شاهداً ودليلاً على ضعف القاعدة التي أسسوا عليها معتقدهم ، وإلاً فإن الحق لا يحتمل هذا الاختلاف لوضوح حجته واستقامة محجته وصدق الله : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) 11

      وليت شِعري إذا كانت الرؤية أعظم ثواب أعده الله للمؤمنين ثم شاركهم فيها الكافرون والمنافقون ، ماذا بقى بعدئذ ؟ وكيف لا يشاركونهم في نعيم الجنة ، مع أن الجنة لا تساوي شيئاً بجانب هذا الثواب العظيم في زعم هؤلاء القائلين حتى أنهم نسبوا إلى أحد الأئمة أنه لو لم يوقن أنه سيرى ربه بوم القيامة لما عبده .12

      وهو يفيد أن قائله يرى أن الله سبحانه لا يستحق من خلقه عبادة - لولا رؤيته التي يرجونها - لا لعظمته ولا لنعمته ولا لثوابه ولا لعقابه ، ولعمري ما أخطر هذا القول ونسبته إلى عالم من عُلماء المسلمين ، فما أشبهه بقول بني إسرائيل : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة )13

      هذا وقد صرَّح بعض الحنابلة بأن إثبات رؤية الكفار لله يوم القيامة قول باطل مخالف لإجماع الأمة ، فقد حكى ابن تيمية عن القاضي أبي يعلى وغيره من الحنابلة أن مثبتي رؤية الله في الآخرة ومنكريها اتفقوا على أن الكافرين لا يرونه - قالوا : ( فثبت بهذا إجماع الأمة - ممن يقول بجواز الرؤية وممن ينكرها - على منع رؤية الكافرين لله ، وكل قول حادث بعد الإجماع فهو باطل مردود ).

      وحكى عنهم أيضاً ما نصه : الأخبار الواردة في رؤية المؤمنين لله إنما هي طريق البشارة ، فلو شاركهم الكفار في ذلك بطلب البشارة ، ولا خلاف بين القائلين بالرؤية في أن رؤيته من أعظم كرامات أهل الجنة.

      ثم أتبع ذلك قوله . قال - أي القاضي أبو يعلى - : وقول من قال إنما يرى نفسه عقوبة لهم وتحسيراً على فوات دوام رؤيته ومنعهم من ذلك - بعد علمهم بما فيها من الكرامة والسرور - يوجب أن يدخل الجنة الكفار ويريهم ما فيها من الحور والولدان ، ويطعمهم من ثمارها ويسقيهم من شرابها ، ثم يمنعهم من ذلك ليعرفهم قدر ما منعوا منه ويكثر تحسرهم وتلهفهم على منع ذلك بعد العلم بفضيلته. ثم قال : والعمدة قوله سبحانه : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) فإنه يعم حجبهم عن ربهم في جميع ذلك اليوم ، وذلك اليوم ( يوم يقوم الناس لرب العالمين( وهو يوم القيامة ، فلو قيل إنه يحجبهم في حال دون حال لكان تخصيصاً للفظ بغير موجب ، ولكان فيه تسوية بينهم وبين المؤمنين ، فإن الرؤية لا تكون دائمة للمؤمنين والكلام خرج مخرج بيان عقوبتهم بالحجب وجزائهم به فلا يجوز أن يساويهم المؤمنون في عقاب ولا جزاء سواه … الخ 14 وكفى بهذا الكلام دحضاً لما قالوه ونقضاً لما شيدوه.

      وذهب إلى استحالتها في الدنيا والآخرة أصحابنا - الإباضية - وهو قول المعتزلة والجهمية والزيدية والإمامية من الشيعة ، وبه قال جماعة من المتكلمين المتحررين من أسر التقليد كالإمام الجصاص في "أحكام القرآن" ، وجنح إليه الإمام الغزالي في بعض كتبه ، بل صرح به في بعضها ، وهو الثابت عندنا عن سلف هذه الأمة ، فقد رواه الإمام الربيع رحمه الله عن أفلح ابن محمد عن أبى معمر السعدي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، ورواه عن جبير عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ورواه عنه من طريق أبي نعيم عن العباس أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن نافع بن الأزرق ، ورواه أيضا عن عائشة رضي الله عنها ومجاهد ، وإبراهيم النخعي ، ومكحول الدمشقي ، وعطاء بن يسار وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم ، وأبي صالح صاحب التفسير، وعكرمة ومحمد بن كعب ، وابن شهاب الزهري ومحمد بن المنكدر ، وهو مقتضى ما رواه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قول موسى عليه السلام : ( وأنا أول المؤمنين ) أنه لا يراك أحد ، وما رواه عن السدي أنه قال في قوله تعالى : ( لا تدركه الأبصار) لا يراه شيء وهو يرى الخلائق ، وستأتيك إن شاء الله رواية عبد بن حميد وابن جرير له عن مجاهد ، ورواية ابن مردويه له عن ابن عمر رضي الله عنهما وعن عكرمة ، ورواية ابن جرير وعبد بن حميد أيضا له عن أبى صالح ، ونسبه ابن حزم أيضا إلى مجاهد - وتعذر له في ذلك بأن الخبر لم يبلغ إليه - وعزاه أيضاً إلى الحسن البصري وعكرمة ثم قال وقد روى عن عكرمة والحسن إيجاب الرؤية له تعالى.15

      وما رواه عن الحسن وعكرمة مما ظنوه إثباتاً لرؤية الله تعالى لا ينافي ما ثبت من إنكارها عند فهم مقاصدهما ، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله .


      --------------------------------------------------------------------------------

      الهوامش والتعليقات

      فتح الباري ج 8 ص 608 المطبعة السلفية
      1
      روح المعاني ج 9 ص 52 دار إحياء التراث العربي
      2
      الآية 143 من سورة الأعراف
      3
      الآية 143 من سورة الأعراف
      4
      روح المعاني ج 9 ص 52 ، 53 دار إحياء التراث العربي
      5
      الآية 15 من سورة المطففين
      6
      تفسير إبن كثير ، ج 4 ، ص 486 ، دار إحياء الكتب العربية
      7
      تفسير إبن جرير ج 30 ص 100 طبعة دار الفكر
      8
      حادي الأرواح ص 264 ط 4
      9
      حادي الأرواح ص 224 ط 4
      10
      الآية 153 من سورة الأنعام
      11
      حادي الأرواح ص 265 ط 4
      12
      الآية 55 من سورة البقرة
      13
      فتاوي إبن تيمية المجلد السادس ص 500 ، 501
      14
      الفصل في الملل والأهواء والنحل ج 3 ص 2
      15

      --------------------------------------------------------------------------------



      --------------------------------------------------------------------------------

      الفصل الثاني- أدلة المثبتين للرؤية


      --------------------------------------------------------------------------------

      أدلة المثبتين للرؤية

      القسم الأول في أدلة جواز الرؤية

      فأما القسم الأول فمنه عقلي ومنه نقلي :

      أما العقلي فيتلخص في قياس وجود الحق على وجود الخلق ، وذلك أنهم قالوا إن سائر الموجودات مشتركة في جواز الرؤية عليها ، وبما أن الله موجود أيضاً فإن رؤيته ممكنة .

      وأجيب عن ذلك بما ملخصه أن الوجود إن كان هو العلة في رؤية الموجودات المرئية ، فلا مانع من أن يعتبر علة في خلقها ، فيترتب عليه أن يكون الله سبحانه ممكناً أن يشاركها في الخلق كمشاركته لها في الوجود ، أما إذا اعتبرنا علة خلقها الحدوث فيجب علينا أيضاً أن نعتبره علة في إمكان رؤيتها ، وأن ننزه الخالق عن قياسه عليها في الرؤية كما ننزهه عن قياسه عليها في الخلق ، على أن دعوى أن كل موجود تجوز رؤيته منتقضة بكثير من الموجودات غير المرئية ، كالروح والعقل والوجدان والإدراك ، ومثلها الأصوات والروائح ، والأثير والكهرباء ، وفتح باب القياس بين الخالق والخلق يؤدي إلى وصفه سبحانه بكثير ممَّا تواترت الرسالات واتفق العقلاء على استحالته في حقه تعالى ، فإن المخلوق لا يمكن تصور وجوده إلا بوجود الزمان والمكان ، وقد كان الخالق ولا زمان ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان ، لا يتصف بالعوارض ، ولا يدرك بالحواس ، ولا يجوز في حقه الاتصال بشيء من المخلوقات ولا الانفصال عنها ، والعقول كيفما تطاولت فمنتهاها أن تقف على عتبة ( العجز عن الإدراك هو الإدراك ) و ( ما عرف الله من شبهه بشيء من خلقه ) وإنما محط رحال الأفكار إدراكها أنه ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)1 ، وقد صرَّح السيد السند في شرح المواقف بانقطاع المسلك العقلي عن الوصول إلى حجية إمكان رؤيته تعالى.2

      وأما النقلي فبعضه من الكتاب وبعضه من السنة ، أما من الكتاب فدليلان:

      سؤال موسى الكليم عليه السلام الرؤية بقوله: (ربّ أرني أنظر إليك)3 ، ووجه استدلالهم به أنه إما أن يكون ناشئا عن جهل وهو مستحيل لاستحالة أن يجهل الأنبياء ما يستحيل عليه تعالى وهم أعرف بالله وبكبريائه ، وما يجب له وما يستحيل عليه ، وإما أن يكون مقترنا بعلمه - عليه السلام - أنها مستحيلة وهو باطل أيضا ، لأن طلب المحال عمدا ليس من شأن الأبرار فضلا عن جوازه على النبيين ، وإنما هو من شأن أهل العتو والشقاق ، فنتج عن ذلك أنها جائزة عليه تعالى وأن موسى عليه السلام عالم بجوازها ، فلذلك اجترأ على سؤالها.

      وأجيب بأنه عليه السلام كان عارفا باستحالتها ولم يرد بسؤالها نيل المستحيل ، وإنما أراد ردع قومه الذين لجوا في طلبها وعلقوا عليها إيمانهم برسالته ، فلعلهم عندما يقرعون بالرد الحاسم باستحالتها يرعوون عن غيهم ويتراجعون عن جرأتهم ، خصوصا عندما يقترن الرد بآية بينة تزجرهم عن مثل هذا التعنت.

      واعترض بأن أولئك القوم إن كانوا مؤمنين فبحسبهم جواب موسى لهم باستحالتها ، فإنه الرسول الأمين المقرونة دعوته بآيات بينات لا تدع مجالا للشك في صدق قوله وصحة دعوته ، وإن كانوا كفارا فلن يجديهم جوابهم باستحالتها في هذا الموقف شيئا.

      ورُد هذا الاعتراض بأن القوم لم يكونوا على شيء من الإيمان ، وكيف ينطبق وصف الإيمان على الذين قالوا : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة)4

      وإنما أراد عليه السلام أن يقطع دابر شقاقهم ويستأصل شبهة عنادهم بجواب حاسم ، يأتيهم من قبل الله العزيز الحكيم مخالف لوصف خطابه عليه السلام لهم ، يتجلى فيه من الآيات ما يحسم كل شبهة ، ويقضي على كل طمع في مطلبهم المستحيل .

      ومما يؤكد أن موسى عليه السلام لم يسألها لنفسه وإنما سألها لقومه ، ما تكرر في القرآن من توبيخ الله لهم على هذا السؤال وعدّه من أعظم جرائرهم وأبلغ كفرهم ، كما في قوله سبحانه : (

      فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة)5 ، وقوله : ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون)6 ، واعتذار موسى إلى ربه بعد الرجفة مما حصل ، عازياً إياه إلى السفهاء حيث قال عليه السلام : (رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فأغفر لنا وارحمنا وأنت خـير الغافرين)7

      واعترض على ذلك بأمرين:

      أنه عليه السلام لو لم يسألها لنفسه لما تاب من سؤاله

      أنه لو سألها لغيره لم يضفها إلى نفسه ، ولقال رب أرهم ينظروا إليك ولم يقل رب أرني أنظر إليك


      وجواب الأول أنه عليه السلام سارع إلى التوبة لشعوره بالتورط بما سأل ، وإن كانت له نية حسنة يعلمها الله تعالى ، وإنما المقام يقتضي الاستئذان من الله قبل الإقدام على مثل هذا السؤال.

      وعن الثاني بأن إضافتها إلى نفسه دونهم أبلغ في اقتناعهم باستحالتها عندما يعلمون أنه - مع علو مرتبته وصفاء سريرته مما يعلمون أنهم متلوثون به - لا تمكن له الرؤية التي هم ملحون في طلبها ، وإذا تعذرت عليه فهي عليهم أشد تعذرا.

      والخلاصة أن موسى عليه السلام ما سأل الرؤية طامعا في حصولها ، وإنما سألها ليكون سؤاله وسيلة من وسائل الإقناع الذي يحرص عليه ، وأسلوبا من أساليب الدعوة التي يقوم بها ، ومثله في ذلك مثل إبراهيم عليه السلام الذي قال عندما رأى الكوكب والقمر والشمس (هذا ربي)8 ، فإنه بالقطع لم يرد تأليهها ، فإن العقل السليم لا يستسيغ بحال تأليه المخلوقات ، فكيف بعقول النبيين الذين صنعوا على عين الله ، واصطفاهم الله عز وجل لأن يكونوا وعاءً لهدايته وتجسيدا للحق الذي أرسلهم به ، بل كيف بعقل الخليل إبراهيم الذي أكرمه الله بخلته ، واجتباه لأن يكون أبا للنبيين وإماما للحنيفيين ؟ وإنما أراد صلوات الله وسلامه عليه بما قاله - مما ظاهره كفر وحقيقته إيمان وتوحيد - إقامة الحجة على من حوله من الذين يعبدون الأجرام السماوية ، بأن هذه الأجرام ما هي إلا كائنات متنقلة ، تعتريها الأحوال ويطرأ عليها الأفول ، وما كان كذلك فهو ليس من الربوبية أو الألوهية في شيء ، ويدل عليه قوله تعالى عقب حكاية قصته : (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه)9

      وإذا كان هذا هو محمل كلام إبراهيم عليه السلام مع عدم وجود نص في القرآن يدل على أن قومه كانوا يعبدون هذه الأجرام ، فلأن يحمل سؤال موسى عليه السلام للرؤية على قصد تبكيت قومه أولى ، لكثرة النصوص الدالة على أنهم هم الذين سألوها ، وهل يعقل أن يسأل موسى عين ما سألوه ، وهم الذين أصابهم ما أصابهم من التقريع على ما سألوا ، تالله ما القول بذلك إلا تنظير لموسى بأنذال بنى إسرائيل وإنزالٌ له عليه السلام من علياء النبوة التي رفعه الله إليها ، واصطفاه من أجلها ، إلى دركات الجهل التي انحط إليها أسلاف اليهود ، الذين سألوا رؤية الله فحقت عليهم كلمة الله باستحقاق هوأن الدنيا وعذاب الآخرة.

      وبعد ما حررته هنا اطلعت على ما يسند حجته ويجلو وجهه من تحرير للمقام ، بقلم شيخ الإسلام المحقق الخليلي رحمة الله عليه ، فرأيت أن انقله بنصه ليزدان جيد كلامي بسمط كلامه الدرِّي ، قال - بعد تبيانه مقصود موسى من سؤاله : "وشاهد هذا قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام : ( فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكو نن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريءٌ مما تشركون ) فانظر كيف جاز لإبراهيم عليه السلام أن يتكلم بلفظة الشرك ثلاث مرات مخبرا بها عن نفسه من غير مندوحة ، ولا في موضع تقية على نفس ولا دين ولا مال ، وليس هو مجبراً على ذلك ولا مأخوذا به ، وقد كان له في الاحتجاج بغير هذا مجال رحب وسعة ، وقد احتج عليهم بغيره في غير مرة ، كما صرح به في كتاب الله تعالى ، ولكن رأى خطابهم على هذا الأسلوب والجري معهم على هذه الطريقة أقطع لحجتهم ، وأدمغ لكلمتهم ، وأبلغ لتبكيتهم ، وأوضح لإعجازهم ، فأثنى الله عليه بذلك وحكى ما قاله هنالك ، وقال تأييدا له : (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه)10

      وإذا كانت كلمة إبراهيم عليه السلام بالشرك الصريح - لما كانت مسوقة لهدم قواعد الشرك ومقولة لإيضاح الحق - لم تسّم شركا لفظا ولا معنى ، ولا عقلا ولا حكما ، فكيف يصح في مقالة موسى عليه السلام إذا كان مقصوده بها تبكيت قومه وإقامة الحجة عليهم بسماع المنع من الله تعالى أن تكون باطلة ، وهي نفس الحق المبين.

      فموسى الكليم وإبراهيم الخليل في أحكام الحق سواء ، وكلمتاهما في أحكام الظاهر ممنوعتان سواء ، ولكنهما كانتا مسوقتين لإزهاق الباطل وإثبات الحق ، فهما في معنى الجواز سواء أم يجوز الفرق بينهما ؟ ولا فرق عند من عرف الحق ، فهما نفس الصواب وحقيقة الهدى ، ولا يكاد يصدر مثلهما إلا عن منصب النبوة ، ولكن ربما يخفى ضياء النهار على بعض الأبصار ، ولله در من قال :

      وإذا كنت بالمدارج غرًّا ثم أبصرت حاذقا لا تمار
      وإذا لم تر الهلال فسلـم لأناس رأوه بالأبصــار

      فإن قلت كيف يسوغ التشبيه والإحتجاج بقصة إبراهيم عليه السلام في هذه الآية الشريفة ، وقد اختلف المفسرون في تأويلها ؟ قلنا إن الوجه الحق فيها ما قلناه وهو عمدة المحققين وقول المنصفين ، ولكن القوم لما لم يقتدروا على استخراج زبدها قال قائل منهم إن إبراهيم عليه السلام قال ذلك في صباه وهذا باطل ، لأن حكاية الشرك لا معنى لها عن صبي ولا بالغ لغير فائدة ، وأي فائدة في تجهيل الخليل عليه السلام ، وحكاية الشرك عنه في صباه.

      وقال آخرون إنه قالها على معنى الاستفهام إيهاما لقومه وليس بالقوي . وقال بعض تقديره قال هذا ربي بزعمكُمْ ، وليس بشيءٍ لعدم الدلالة.

      وقال بعضهم تقديره يقولون هذا ربى ، ولا دليل عليه أيضا ، فليس الوجه إلا الأول11.
      -1
      قول الله سبحانه (ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني)12 ، ووجه الاستدلال بالآية ، أنه تعالى علق الرؤية على استقرار الجبل ، وهو في ذاته ممكن ، والمعلق على الممكن ممكن مثله .

      وأجيب بأنه لا إمكان بعدما حصل من اندكاك الجبل ، وانكشف من قضاء الله فيه الذي لا يمكن أن يكون المقضي بخلافه ، فإنه تعالى لا تبديل لكلماته ، وقد كان في علمه تعالى أنه لن يستقر ، ولن يتبدل شيء عما كان في علمه ، وإنما كان استقراره ممكنا بحسب علم المخلوقين القاصر المحدود ، قبل أن ينكشف لهم باندكاكه ما في علمه تعالى وقضائه ، وفي هذا يقول الإمام ابن عاشور " ولما كان استقرار الجبل في مكانه معلوما لله انتفاؤه ، صح تعليق الأمر المراد تعذر وقوعه عليه بقطع النظر عن دليل الانتفاء ، فلذلك لم يكن في هذا التعليق حجة لأهل السنة على المعتزلة تقتضي أن رؤية الله تعالى ، جائزة عليه تعالى خلافا لما أعتاد كثير من علمائنا من الاحتجاج بذلك.

      وقوله : ( فسوف تراني) ليس بوعد بالرؤية على الفرض ، لأن سبق قوله : ( لن تراني) أزال طماعية السائل الرؤية ، ولكنه إيذان بأن المقصود من نظره إلى الجبل أن يرى رأي اليقين عجز القوة البشرية عن رؤية الله تعالى بالأحرى مع عدم ثبات قوة الجبل ، فصارت قوة الكلام أن الجبل لا يستقر مكانه من التجلي الذي يحصل عليه ، فلست أنت بالذي تراني لأنك لا تستطيع ذلك ، فمنزلة الشرط هنا منزلة الشرط الإمتناعي الحاصل بحرف " لو" بدليل قرينة السابق13.
      -2

      وأما من السنة : فما روي عن جماعة من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم من إثبات رؤيته صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء والمعراج ، ووجه استدلالهم بذلك على إمكان الرؤية أنها لو لم تكن ممكنة لما قال بوقوعها أحد من الصحابة ، وهم أوفر عقلاً ، وأغزر علماً ، وأنور بصيرة ممن جاء بعدهم ، ووجه اعتبار هذا الدليل من السنة أنهم رضي الله عنهم لا يقولون شيئاً من نحو هذا اعتباطاً ، ولكن استناداً إلى ما علموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

      وجوابه أن ما روي عنهم من إثبات رؤيته صلى الله عليه وسلم لربه لا يخلو إما أن يكون من كذب الرواة عنهم ، وإما أن يكون من سوء فهمهم لما رووه ، وكيف يمكن أن يقول أحد منهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه تعالى ، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقطع عذر من قال ذلك باعتباره قد أعظم على الله الفرية ، كما جاء ذلك عنها بأصح الأسانيد وأضبطها في مسند الإمام الربيع بن حبيب ، وفي صحيحي البخاري ومسلم من طريق مسروق ، وإعظام الفرية على الله أكبر الكبائر التي يجب تنزيه المسلمين عنها ؛ فضلاً عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، الذين هم خير القرون ، وفي رواية أخرجها البخاري عن مسروق قال : قلت لعائشة رضي الله عنها : يا أمتاه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ؟ فقالت : " لقد قفَّ شعري مما قلت " وما هو إلا كناية عن هول ما سَمِعَتْ ، وضيق صدرها منه لاستحالة ذلك على الله سبحانه .

      وأشهر من رُوِيَ عنه القول بخلافها ابن عباس رضي الله عنهما ، ومن أمعن نظره في نص كلامه المروي ، يدرك أنه لم يقصد بالرؤية إلا مزيد المعرفة بالله تعالى الذي حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة المباركة بما تجلى له من آيات الله ، وانكشف له من أسراره في الملكوت الأعلى .

      ففي صحيح الإمام مسلم ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو بكر الأشج ، جميعاً عن وكيع ، قال الأشج حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن زياد الحصين أبي جهمة عن أبي العالية عن ابن عباس قال : ( ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى ) قال : رآه بفؤاده مرتين ، وفيه من طريق عطاء عنه رضي الله تعالى عنه ، قال : رآه بقلبه ، وهو من الوضوح بمكان في كون الرؤية قلبيه لا بصرية ، وأصرح من ذلك في نفي الإبصار ما أخرجه ابن مردويه عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لم يره رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينه إنما رآه بقلبه ، وقد حكى عثمان بن مندة الدارمي اتفاق الصحابة على أنه لم يره.14

      فإن قيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الناس معرفة منذ أكرمه الله بالنبوة وشرَّفه بالرسالة الخاتمة ، فكيف يقال إنه عرفه مرتين إن فسرت الرؤية بالمعرفة .

      فجوابه أن العارف بالله تعرض له أحوال من تجليات الحق ، فيستغرق في حالة من شهود جلاله وكبريائه كأنما يراه سبحانه وتعالى ، ولا ريب أنه عليه أفضل الصلاة والسلام - وهو أوفر الناس عقلاً وأتمهم معرفة - قد أكرمه الله بما هو أبلغ وأعظم مما وصل إليه غيره في طُروِّ مثل هذه الحالات النفسية ، خصوصاً في تلك الرحلة الكريمة التي أزيحت عنه فيها الأستار ، فتجلى له من أسرار الملكوت الأعلى ما لم يتجلى لغيره ، ولعل هاتين المرتين اللتين قصدهما البحر ابن عباس كانت التجليات فيهما أكمل وأشمل ، فعبر عن ذلك ابن عباس رضى الله تعالى عنه برؤية الفؤاد أو القلب ، على أنا نرجِّح في تفسير الرؤية في آية النجم بما ثبت رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عائشة رضي الله تعالى عنها في مسند الإمام الربيع وصحيحي البخاري ومسلم ، فقد قالت : أنا أول هذه الأمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : ( إنما هو جبريل لم أره في صورته التي خُلِق عليها غير هاتين المرتين ، رأيته منهبطاً من السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض ) فإنه صلى الله عليه وسلم أدرى بمعاني القرآن ومقاصده ، ومع ثبوت المرفوع لا يلتفت إلى الموقوف .

      وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم نفي رؤيته لله تعالى نفياً صريحاً لا يدع للشك مجالاً . فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِل : هل رأيت ربَّك ؟ فقال : نورٌ أنَّى أراه ؟ وفي قوله : أنَّى أراه استبعاداً لأن يتمكن عليه أفضل الصلاة والسلام من رؤيته تعالى ، وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : أنا أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا ، فقلت : يا رسول الله هل رأيت ربك ؟ قال : لا ، إنما رأيت جبريل منهبطاً ، وكيف يظن بابن عباس رضي الله عنه أن يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم رآه رؤية بصرية مع ما روي عنه من نفي الرؤية في الدنيا والآخرة ، كما ستقف عليه إن شاء الله .

      وقد نص كثير من مثبتي الرؤية في الآخرة على أنها لم تقع لأحد في الدنيا حتى للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولعل هذا هو قول الكثيرين منهم .


      --------------------------------------------------------------------------------

      الهوامش والتعليقات

      الآية 11 من سورة الشورى
      1
      نُقِل ذلك عند الإمام السالمي في مشارق الأنوار ص187 ط2
      2
      الآية 143 من سورة الأعراف
      3
      الآية 55 من سورة البقرة
      4
      الآية 153 من سورة النساء
      5
      الآية 55 من سورة البقرة
      6
      الآية 155 من سورة الأعراف
      7
      الآيات 76 ، 77 ، 78 من سورة الأنعام
      8
      الآية 83 من سورة الأنعام
      9
      الآية 83 من سورة الأنعام 10
      تمهيد قواعد الإيمان ج1 ص283 ط وزارة التراث القومي والثقافة بسلطنة عمان
      11
      الآية 143 من سورة الأعراف
      12
      التحرير والتنوير ج9 ص92/93 ط الدار التونسية للنشر
      13
      محاسن التأويل للقاسمي ج15 ص5567 ط عيسى البابي الحلبي وشركاه . وفتاوى ابن تيمية المجلد السادس ص507
      14

      --------------------------------------------------------------------------------

      أدلة المثبتين للرؤية

      القسم الثاني في أدلة وقوع الرؤية

      وأما القسم الثاني وهو : أدلة وقوعها في الآخرة ، فهو نقولٌ بعضها من الكتاب وبعضها من السنة ، فمن الكتاب :

      قوله تعالى : (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)1 ، وهو أقوى ما استندوا إليه في هذا الباب ، واعتُرِضوا بأن النظر أعم من الرؤية ، فإنه يكون بمعنى محاولتها ولو لم تتحقق ، لجواز أن يقول قائل : نظرت إلى كذا فلم أره ، مع عدم جواز أن يقول : رأيته فلم أره ، ففي القاموس ما نصَّه : ( نظره كنصره وسمعه ، وإليه نظرا ومنظراً ونظراناً ومنظرة ، وتَنْظَاراً تأمله بعينه ) وفي شرحه للإمام الزبيدي نقلاً عن البصائر ، والنظر أيضاً تقليب البصيرة لإدراك الشيء ورؤيته ، وقد يراد به التأمل والفحص ، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص ، ثم قال الشارح : ويقال نظرت إلى كذا إذا مددت طرفك إليه رأيته أو لم تره.2

      وقد شاع النظر بمعنى الانتظار ، كقوله تعالى : (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة)3 ، وقوله : (ما ينظرون إلا صيحة واحدة) وقوله : (يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم)4 ، وعليه يتعين حمل النظر في هذه الآية لوجوه :

      إبعاد تأويل القرآن عن تعارض بعضه مع بعض ، فإن حمل النظر في الآية على الرؤية يتعارض مع أدلة نفيها القطعية ، وستأتي إن شاء الله .

      الانسجام المعهود في آي القرآن وارتباط بعضها مع بعض ، وهو لا يكون إلا بتفسير النظر بالانتظار ، فإن الآيات قسّمت الناس يومئذ إلى طائفتين ، إحداهما وجوهها ناضرة ـ أي مبتهجة مشرقة بما ترجوه من ثواب الله ـ إلى ربها ناظرة أي منتظرة لرحمته ودخول جنته ، والأخرى مباينة لها في أحوالها ، فوجوهها باسرة - أي كالحة مكفهرّة لما تتوقعه من العذاب - تظن أن بفعل بها فاقرة أي تتوقع أن ينزل بها ما يقطع فقار ظهورها ، فَنَضَارَة هذه الوجوه مقَابَل ببسور تلك ، وانتظاره هذه لرحمة الله ودخول جنته مقابَل بتوقع تلك للعذاب ، ولو فسر النظر هنا بالرؤية لتقطع هذا الوصل بين الآيات ، وتفكك رباطها ، وذهب انسجامها ، إذ لا تقابل بين الرؤية وما وصفت به تلك من ظنها أمراً يقطع فقارها ، ومثل هذه النكت البلاغية لا تفوت البلغاء في كلامهم ، منثوره ومنظومه ، فما بالكم بكلام الله تعالى الذي هو أدق في التعبير ، وأبلغ في التصوير ، وأكثر انسجاماً ، وأشد ترابطاً من كل كلام ( وكيف لا وهو كلام الله جل ؟ ) .

      أن هذا التأويل هو الذي يتفق مع ما في خاتمة عبس ، وهو قوله سبحانه : (وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غـبرة ترهقها قترة)5 ، إذ لا فارق بين ما وصفت به وجوه المؤمنين هنا من الاستبشار ، ووصفت به في آي القيامة من النظر بمعنى الانتظار ، فإن المنتظر للرحمة مستبشر بها والمستبشر منتظر لما استبشر به .

      أن تقديم المعمول على عامله يؤذن بقصره عليه ، فتقديم ( إلى ربها ) على ( ناظرة ) يؤذن أنها لا تنظر إلا إليه وهو لا يتفق إلا مع تفسير النظر بالانتظار ، فلو كان المراد به الرؤية لاقتضى أنهم لا يرون شيئاً غيره تعالى مع ما هو معروف عقلاً ونقلاً من رؤية بعضهم لبعض ، ورؤيتهـم لما أعد الله لهم من النعيم .


      وأنكر المثبتون تفسير النظر بالانتظار من ثلاثة أوجه:

      أن في الانتظار تنغيصاً يتنافى مع إكرام الله لعباده الأوفياء يوم القيامة
      أولها
      أن انتظار رحمة الله من قبل عباده المؤمنين أمر حاصل في الدنيا ، فكيف يوعدون به في الآخرة
      ثانيها
      أن تعدية النظر بإلى تمنع من حمله على الانتظار ، خصوصاً إذا أسند إلى الوجوه
      ثالثهما

      وكل ذلك مردود :

      فلأن الآيات تصور لنا الموقف يوم القيامة قبل أن ينتقل الأبرار إلى دار الثواب ، والفجار إلى دار العقاب ، بدليل السياق في الآيات السابقة ، وقوله سبحانه في الأشقياء ( تظن أن يفعل بها فاقرة ) يؤكده فإن ذلك قبل دخول النار قطعاً إذ لا معنى لظنهم ذلك بعد الدخول وقد لقوا ما لقوه وحلت بهم الفاقرة التي كانوا يتوقعونها ، ولا ريب أن الناس في الموقف متباينة أحوالهم ، فالأبرار ناضرة وجوههم بانتظارهم رحمة الله التي وُعِدوها ، والفجار على خلاف ذلك ، ولا يجوز إنكار هذا الموقف الذي يقفه الأبرار والفجار قبل انتقالهم إلى مقر الجزاء الدائم لأنه ثابت بالكتاب والسنة .
      أما الأول
      فلبعد ما بين الانتظارين ، فشتان بين حال من كان في دار الشهوات والنزغات غير عارف بخاتمته ، ولا متيقن بمصيره ، ومن طوى المراحل وتجاوز العقبات حتى تلقته الملائكة في زمرة السعداء ( ألاَّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون)6
      وأما الثاني
      فلثبوت مجيء النظر بمعنى الانتظار حال تعديته بإلى بالنقول الثابتة والشواهد البينة ولا عبرة بمن أنكر ذلك

      قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم

      فمن النقول المصححة له قول صاحب اللسان : ( ويقول القائل للمؤمَّل يرجوه إنما ننظر إلى الله ثم إليك ، أي إنما أتوقع فضل الله ثم فضلك )7.

      ومن شواهده ما رواه الإمام الربيع رحمه الله عن سفيان بن عيينة عن الأعمش عن أبي راشد أن مولاة لعتبة بن عمير قالت : إنما أنظر إلى الله وإليك ، فقال لها : لا تقولي كذلك ، ولكن قولي : إنما أنظر إلى الله ثم إليك .8

      وقول جميل بن معمر

      وإذا نظرت إليك من ملك والبحر دونك زدتني نعما

      وقول آخر

      إني إليك لما وعدت لناظر نظر الفقير إلى الغني الموسر

      وقول غيره

      كل الخلائق ينظرون سجاله نظر الحجيج إلى طلوع هلال

      ولا وجه للتفرقة بين كونه مسنداً إلى الوجوه أو إلى غيرها ، فإنه تحكم لا دليل عليه ، على أنه جاء بهذا المعنى مع إسناده إلى الوجوه في كلام العرب ، ومنه قول حسان

      وجوه يوم بدرٍ ناظرات إلى الرحمن يأتي بالفلاح

      وقول البُعيث

      وجوه بَهَالِيلِ الحجاز على الهوى إلى مَلِكٍ كهف الخلائق ناظرة

      فإن قيل إن الانتظار محله القلوب لا الوجوه ؛ فلذلك تعين حمل النظر في الآية على الرؤية لا على الانتظار ؛ لأن الوجوه محل للأبصار التي هي آلة الرؤية ؟

      فجوابه : أن الرؤية أيضاً لا تكون بالوجوه وإنما تكون بالعيون فإسنادها إلى الوجوه غير وارد إذ لم يعهد قول أحد رأيته بوجهي ، ويتعذر جواز ذلك قطعاً على رأي الذي ينكر المجاز مطلقاً أو في القرآن خاصة كما هو شأن كثير من مثبتي الرؤية ، أما نحن فنحمل الوجوه على أصحابها لأن ذلك معهود عند العرب كقولهم : ( قصدت وجهك ) بمعنى قصدتك ، فالانتظار وإن أسند إلى الوجوه لفظاً فهو لأصحابها معنىً ، ولذلك جاز إسناد الظن إليها في قوله : (تظن أن يفعل بها فاقرة)9 ، كما جاز إسناد الخشوع والعمـل والنصب إليها في قوله تعالى : (وجوه يومئذ خاشعة ، عاملة ناصبة)10 ، ويؤكده قوله من بعد : ( تصلى ناراً حامية ، تسقى من عين آنية ، ليس لهم طعام إلا مـن ضريع)11 ، فإن الصلى غير خاص بالوجوه ، والسقي والطعام لأصحاب الوجوه قطعاً ، ومثله إسناد النعمة والسعي والرضى إلى الوجوه في قوله تعالى : (وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية)12
      وأما الثالث

      وبجانب كل ما ذكرته فإن تفسير النظر في الآية بالانتظار مروي عن السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، فقد أخرجه الإمام الربيع بن حبيب في مسنده الصحيح عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من طريق أبي معمر السعدي كما أخرجه أيضاً عم ابن عباس رضي الله عنهما من طريق الضحاك بن قيس ، وطريق سعيد بن جبير ، وعزاه إلى مجاهد ومكحول وإبراهيم والزهري وسعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيب13.

      ورواه ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما من الصحابة ، وعكرمة من التابعين ، ورواه عن عكرمة عبد بن حميد كما رواه عن مجاهد وأبي صالح بإسناد صححه الحافظ ابن حجر14. وأخرجه الإمام ابن جرير عن مجاهد بخمسة أسانيد وفي كلامه إنكار صريح للرؤية ، فقد جاء في رواية منصور عنه أنه قال : لا يراه من خلقه شيء ، وفي أخرى مـن طريقه أيضاً قال : كان الناس يقولون في حديث ( فيرون ربهم ) فقلت لمجاهد : إن أناساً يقولون إنه يُرى ، فقال : يَرى ولا يراه شيء .

      وفي تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي - وهو أحد علماء الشيعة الإمامية المعاصرين - ما نصه : وفي العيون في باب ما جاء عن الرضى عليه السلام من أخبار التوحيد بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود قال : قال علي بن موسى الرضى عليه السلام في قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) يعني مشرقة تنتظر ثواب ربها - قال : أقول ورواه في التوحيد والاحتجاج والمجمع عن علي عليه السلام15.

      ومن أقطع الأدلة وأبين الشواهد على مجيء النظر معدَّى بإلى ، وهو ليس بمعنى الرؤية قوله تعالى : (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة)16 ، فإنه لو حمل النظر في الآية على الرؤية لأدى إلى أن الله سبحانه وتعالى لا يرى هؤلاء يوم القيامة ، وهذا عين المحال ، واعتقاده رأس الضلال ، فإنه كفر بالله تعالى ، ولا وجه لحمل النظر هنا إلا على الرحمة والإحسان ، ومن هنا نتبين أن نظر القوي إلى الضعيف هو عطفه ورحمته ، وأن نظر الضعيف إلى القوي هو انتظار ذلك منه .

      هذا وقد اتضح لك مما سبق أن الآية الكريمة تصور لنا حال الناس في الموقف قبل نقل السعداء إلى دار النعيم والأشقياء إلى نار الجحيم ، ولئِن كان النظر فيها بمعنى الرؤية وكان الراؤون له تعالى تنضر وجوههم بهذه الرؤية ، لزم أن تشمل هذه الحالة منافقي هذه الأمة لأنهم يشتركون مع مؤمنيها في الرؤية حسبما يقتضيه حديث أبي سعيد وأبي هريرة عند الشيخـين الذي يستند إليه مثبتو الرؤية كما سيأتي بيانه إن شاء الله .

      وقد أشكل على المثبتين للرؤية إسناد النظر في آية القيامة إلى الوجوه ، فترددوا بين القول بأن الرؤية بالبصر أو بالوجوه أو بالجسم كله أو بحاسة سادسة ، وما هذا الاضطراب إلا دليل بيِّن على أنهم غير مستندين إلى أصلٍ فيما قالوه ، ولو أنهم فهموا الآية الكريمة فهماً صحيحاً ، وحملوها على ما يقتضيه السياق واللغة لسلموا من هذا الاضطراب ، وبعدوا عن هذا التيه .

      وقد أدرك المحققون المنصفون من معتقدي الرؤية ضعف الاستدلال على ثبوت الرؤية بهذه الحجة فصرحوا بذلك ، فالسيد محمد رشيد رضا يقول في " المنار" : ( وأما رؤية الرب تعالى فربما قيل بادئ الرأي إن آيات النفي فيها أصرح من آيات الإثبات كقوله تعالى : (لن تراني)17 ، وقوله تعالى : (لا تدركه الأبصار)18 ، فهما أصرح دلالة على النفي من دلالة قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) على الإثبات ، فإن استعمال النظر بمعنى الانتظار كثير في القرآن وكلام العرب ، كقوله : (ما ينظرون إلا صيحة واحدة)19 ، ( هل ينظرون إلا تأويله)20 ، (هل ينظرون أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة)21 ، وثبت أنه استعمل بهذا المعنى متعدياً بإلى ، ولذلك جعل بعضهم وجه الدلالة فيه على المعنى الآخر - وهو توجيه الباصرة إلى ما تراد رؤيته - أنه أسند إلى الوجوه ، وليس فيها ما يصحح إسناد النظر إليها إلا العيون الباصرة ، وهو في الدقة كما ترى)22.

      وقد سبق بيان ما أشار إليه أخيراً من استدلال حاملي النظر على الرؤية بإسناده إلى الوجوه والرد عليه .

      وقال الإمام المحقق ابن عاشور في تفسير الآية : ( فدلالة الآية على أن المؤمنين يرون بأبصارهم رؤية متعلقة بذات الله على الإجمال دلالة ظنية ، لاحتمالها تأويلات تأولها المعتزلة بأن المقصود رؤية جلاله وبهجة قدسه التي لا تخول رؤيتها لغير أهل السعادة )23.
      -1
      قوله تعالى : (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)24 ، فقد فسروا الحسنى بالجنة والزيادة بالرؤية ، مستدلين بحديث صهيب عند الشيخين مرفوعاً : ( إذا دخل أهل الجنةِ الجنـةَ نادى منادٍ إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه ، قالوا : ألم تبيضْ وجوهنا ، وتنجنا من النار ، وتدخلنا الجنة ، قال : فيكشف الحجاب ، قال : فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه ) .

      وأنتم ترون أن لفظة الزيادة مبهمة غير دالة على الرؤية وضعاً ولا استعمالاً ؛ من قريب ولا من بعيد ؛ أما الحديث الذي عوَّلوا عليه في تفسيرها فدلالته على ما قالوه ضعيفة جداً

      فلأن النظر لا يلزم أن يكون بمعنى الرؤية كما سبق بيانه في آية القيامة ، وكشف الحجاب يجوز أن يكون كناية عن مزيد الإكرام ورفع الدرجات ، وفتح أبواب العطاء غير المحدود ، وهذا الذي يتعين أن يحمل عليه كشف الحجاب والنظر إلى الله في الحديث ؛ لدفع التعارض بين آيات الله وأحاديث رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام .
      أما أولاً
      فلأن حمل الزيادة على هذا المفهوم يتعارض مع
    • بارك الله فيك أخي الكريم أبو سعيد وإن شاء الله تستمر في مواضيعك الهادفة وتساهم في إثراء هذه المكتبة بكل ما هو جديد...
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • أفراح الروح لسيد قطب

      بسم الله الرحمن الرحيم

      قال سيد :

      أختي الحبيبة .. هذه الخواطر مهداة إليك ...

      إن فكرة الموت ما تزال تخيل لك ، فتتصورينه في كل مكان ، ووراء كل شيء وتحسبينه قوة طاغية تظل الحياة والأحياء ، وترين الحياة بجانبه ضئيلة واجفة مذعورة . إنني أنظر اللحظة فلا أراه إلا قوة ضئيلة حسيرة بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة ، وما يكاد يصنع شيئاُ إلا إن يتلقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات !.. مد الحياة الزاخر هو ذا يعج من حولي ! ... : كل شيء إلى نماء وتدفق وازدهار .. الأمهات تحمل وتضع : الناس الحيوان سواء . الطيور والأسماك والحشرات تدفع بالبيض المتفتح عن أحياء وحياة .. الأرض تتفجر بالنبت المتفتح عن أزهار وثمار .. السماء تتدفق بالمطر ، والبحار تعج بالأمواج ... كل شيء ينمو على هذه الأرض ويزداد !

      بين الحين والحين يندفع الموت فينهش نهشة ويمضي ، أو يقبع حتى يلتقط بعض الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات! .. والحياة ماضية في طريقها ، حية متدفقة فوارة ، لا تكاد تحس بالموت أو تراه ! ..
      لقد تصرخ مرة من الألم ، حين ينهش الموت من جسمها نهشة ، ولكن الجرح سرعان ما يندمل ، وصرخة الألم سرعان ما تستحيل مراحاً ... ويندفع الناس والحيوان ، الطير والأسماك ، والدود والحشرات ، والعشب والأشجار ، تغمر وجه الأرض بالحياة والأحياء ! .. والموت قابع هنالك ينهش نهشة ويمضي .. أو يتسقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات !!.
      الشمس تطلع ، الشمس تغرب ، والأرض من حولها تدور ، والحياة تنبثق من هنا وهناك .. كل شيء إلى نماء .. نماء في العدد والنوع ، نماء في الكم والكيف .. لو كان الموت يصنع شيئاً لوقف مد الحياة ! ... ولكنه قوة ضئيلة حسيرة ، بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة ..! من قوة الله الحي ...: تنبثق الحياة وتنداح !!

      عندما نعيش لذواتنا فحسب ، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة ، تبدأ من حيث بدأنا نعي ، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود! .. أما عندما نعيش لغيرنا ، أي عندما نعيش لفكرة ، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة ، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض! ... إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة ، نربحها حقيقة لا وهماً ، فتصور الحياة على هذا النحو ، يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا . وليست الحياة بعدّ السنين ، ولكنها بعداد المشاعر . وما يسميه ( الواقعيون ) في هذه الحالة ( وهماً ) ! هو في ( الواقع ) ،( حقيقة ) أصح من كل حقائقهم ! ... لأن الحياة ليست شيئاً آخر غير شعور الإنسان بالحياة . جرد أي إنسان من الشعور بحياته تجرده من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي ! ومتى أحس الإنسان شعوراً مضاعفاً بحياته، فقد عاش حياة مضاعفة فعلاً ... يبدو لي أن المسألة من البداهة بحيث لا تحتاج إلى جدال .. إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة ، حينما نعيش للآخرين ، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين ، نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية !

      بذرة الشر تهيج ، ولكن بذرة الخير تثمر ، إن الأولى ترتفع في الفضاء سريعاً ولكن جذورها في التربة قريبة ، حتى لتحجب عن شجرة الخير النور والهواء ولكن شجرة الخير تظل في نموها البطيء ، لأن عمق جذورها في التربة يعوضها عن الدفء والهواء ... مع أننا حين نتجاوز المظهر المزور البراق لشجرة الشر ، ونفحص عن قوتها الحقيقية وصلابتها ، تبدو لنا واهية هشة نافشة في غير صلابة حقيقية ! ... على حين تصبر شجرة الخير على البلاء ، وتتماسك للعاصفة ، وتظل في نموها الهادئ البطيء ، لا تحفل بما ترجمها به شجرة الشر من أقذاء وأشواك ! ...

      عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس ، نجد أن هناك خيراً كثيراً قد لا تراه العيون أول وهلة! ... لقد جربت ذلك. جربته مع الكثيرين .. حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور ... شيء من العطف على أخطائهم ، وحماقاتهم ، شيء من الود الحقيقي لهم ، شيء من العناية – غير المتصنعة – باهتماماتهم وهمومهم .... ثم ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم ، حين يمنحوك حبهم ومودتهم وثقتهم ، في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك ، متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء وإخلاص , إن الشر ليس عميقاً في النفس الإنسانية إلى الحد الذي نتصوره أحياناً . إنه في تلك القشرة الصلبة التي يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء ... فإذا أمنوا تكشفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة حلوة شهية ... هذه الثمرة الحلوة ، إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالأمن من جانبه ، بالثقة في مودته ، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم ، وعلى أخطائهم وعلى حماقاتهم كذلك ... وشيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله ، أقرب مما يتوقع الكثيرون ... لقد جربت ذلك ، جربته بنفسي . فلست أطلقها مجرد كلمات مجنحة وليدة أحلام وأوهام....

      عندما تنمو في نفوسنا بذور الحب والعطف والخير نعفي أنفسنا من أعباء ومشقات كثيرة. إننا لن نكون في حاجة إلى أن نتملق الآخرين لأننا سنكون يومئذ صادقين مخلصين إذ نزجي إليهم الثناء. إننا سنكشف في نفوسهم عن كنوز من الخير وسنجد لهم مزايا طيبة نثني عليها حين نثني ونحن صادقون؛ ولن يعدم إنسان ناحية خيّرة أو مزية حسنة تؤهله لكلمة طيبة ... ولكننا لا نطلع عليها ولا نراها إلا حين تنمو في نفوسنا بذرة الحب!...

      كذلك لن نكون في حاجة لأن نحمل أنفسنا مؤونة التضايق منهم ولا حتى مؤونة الصبر على أخطاءهم وحماقاتهم لأننا سنعطف على مواضع الضعف والنقص ولن نفتش عليها لنراها يوم تنمو في نفوسنا بذرة العطف! وبطبيعة الحال لن نجشم أنفسنا عناء الحقد عليهم أو عبء الحذر منهم فإنما نحقد على الآخرين لأن بذرة الخير لم تنم في نفوسنا نمواً كافياً ونتخوف منهم لأن عنصر الثقة في الخير ينقصنا!. كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة، حين نمنح الآخرين عطفنا وحبنا وثقتنا، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير!.

      حين نعتزل الناس لأننا نحس أننا أطهر منهم روحاً ، أو أطيب منهم قلباً ، أو أرحب منهم نفساً أو أذكى منهم عقلاً لا نكون قد صنعنا شيئاً كبيراً ... لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبل وأقلها مؤونة!. إن العظمة الحقيقية: أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم وروح الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع!. إنه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العليا ومثلنا السامية أو أن نتملق هؤلاء الناس ونثني على رذائلهم أو أن نشعرهم أننا أعلى منهم أفقاً ... إن التوفيق بين هذه المتناقضات وسعة الصدر لما يتطلبه هذا التوفيق من جهد : هو العظمة الحقيقية!.

      عندما نصل إلى مستوى معين من القدرة نحس أنه لا يعيبنا أن نطلب مساعدة الآخرين لنا ، حتى أولئك الذين هم أقل منا مقدرة ! ولا يغض من قيمتنا أن تكون معونة الآخرين لنا قد ساعدتنا على الوصول إلى ما نحن فيه . إننا نحاول أن نصنع كل شيء بأنفسنا ، ونستنكف أن نطلب عون الآخرين لنا ، أو أن نضم جهدهم إلى جهودنا ... كما نستشعر الغضاضة في أن يعرف الناس أنه كان لذلك العون أثر في صعودنا إلى القمة ... إننا نصنع هذا كله حين لا تكون ثقتنا بأنفسنا كبيرة أي عندما نكون بالفعل ضعفاء في ناحية من النواحي .. أما حين نكون أقوياء حقاً فلن نستشعر من هذا كله شيئاً .. إن الطفل هو الذي يحاول أن يبعد يدك التي تسنده وهو يتكفأ في المسير! عندما نصل إلى مستوى معين من القدرة ، سنستقبل عون الآخرين لنا بروح الشكر والفرح ... الشكر لما يقدم لنا من عون ... والفرح بأن هناك من يؤمن بما نؤمن به نحن .. فيشاركنا الجهد والتبعة .. إن الفرح بالتجاوب الشعوري هو الفرح المقدس الطليق! ..

      إننا نحن إن نحتكر أفكارنا وعقائدنا ، ونغضب حين ينتحلها الآخرون لأنفسهم ، ونجتهد في توكيد نسبتها إلينا ، وعدوان الآخرين عليها ، إننا إنما نصنع ذلك كله ، حين لا يكون إيماننا بهذه الأفكار العقائد كبيراً ، حين لا تكون منبثقة من أعماقنا كما لو كانت بغير إرادة منا حين لا تكون هي ذاتها أحب إلينا من ذواتنا! ..

      إن الفرح الصافي هو الثمرة الطبيعية لأن نرى أفكارنا وعقائدنا ملكاً للآخرين ، ونحن بعد أحياء أن مجرد تصورنا لها أنها ستصبح – ولو بعد مفارقتنا لوجه الأرض – زاداً للآخرين ورياً ، ليكفي لأن تفيض قلوبنا بالرضى والسعادة والاطمئنان!. التجار وحدهم هم الذين يحرصون على العلاقات التجارية لبضائعهم كي لا يستغلها الآخرون ويسلبوهم حقهم من الربح أما المفكرون وأصحاب العقائد فكل سعادتهم في أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها لأنفسهم لا إلى أصحابها الأولين!. إنهم لا يعتقدون أنهم أصحاب هذه الأفكار والعقائد، وإنما هم مجرد وسطاء في نقلها وترجمتها .. إنهم يحسون أن النبع الذي يستمدون منه ليس من خلقهم ، ولا من صنع أيدهم. وكل فرحهم المقدس ، إنما هو ثمرة اطمئنانهم إلى أنهم على اتصال بهذا النبع !..

      الفرق بعيد ... جداً بعيد ..: بين أن نفهم الحقائق ، وأن ندرك الحقائق .. إن الأولى: العلم .. والثانية هي : المعرفة! ..
      في الأولى : نحن نتعامل مع ألفاظ ومعان مجردة .. أو مع تجارب ونتائج جزئية .. وفي الثانية: نحن نتعامل مع استجابات حية ، ومدركات كلية ... وفي الأولى: ترد إلينا المعلومات من خارج ذواتنا ، ثم تبقى في عقولنا متحيزة متميزة ... في الثانية: تنبثق الحقائق من أعماقنا. يجري فيها الدم الذي يجري في عروقنا وأوشاجنا، ويتسق إشعاعها مع نبضنا الذاتي!..
      في الأولى: توجد الخانات والعناوين : خانة العلم ، وتحتها عنواناته وهي شتى. خانة الدين وتحتها عنوانات فصوله وأبوابه .. وخانة الفن وتحتها عنوانات منهاجه واتجاهاته!.. وفي الثانية: توجد الطاقة الواحدة ، المتصلة بالطاقة الكونية الكبرى ... يوجد الجدول السارب، الواصل إلى النبع الأصيل! ..

      نحن في حاجة ملحة إلى المتخصصين في كل فرع من فروع المعارف الإنسانية أولئك الذين يتخذون من معاملهم ومكاتبهم صوامع وأديرة! .. ويهبون حياتهم للفرع الذي تخصصوا فيه ، لا بشعور التضحية فحسب ، بل بشعور اللذة كذلك ! ... شعور العابد الذي يهب روحه لإلهه وهو فرحان!.. ولكننا مع هذا يجب أن ندرك أن هؤلاء ليسوا هم الذين يوجهون إلى الحياة ، أو يختارون للبشرية الطريق؟ ..
      إن الرواد كانوا دائماً. وسيكونون هم أصحاب الطاقات الروحية الفائقة هؤلاء هم الذين يحملون الشعلة المقدسة التي تنصهر في حرارتها كل ذوات المعارف، وتنكشف في ضوئها طريق الرحلة ، مزودة بكل هذه الجزئيات قوية بهذا الزاد، وهي تغذ السير نحو الهدف السامي البعيد! ..: هؤلاء الرواد هم الذين يدركون ببصيرتهم تلك الوحدة الشاملة ، المتعددة المظاهر في : العلم والفن ، والعقيدة ن والعمل ، فلا يحقرون واحداً منها ولا يرفعونه فوق مستواه! .

      الصغار وحدهم ، هم الذين يعتقدون أن هناك تعارضاً بين هذه القوى المتنوعة المظاهر؛ فيحاربون العلم باسم الدين، أو الدين باسم العلم .. ويحتقرون الفن باسم العمل، أو الحيوية الدافعة باسم العقيدة المتصوفة! .. ذلك أنهم يدركون كل قوة من هذه القوى ، منعزلة عن مجموعة من القوى الأخرى الصادرة كلها من النبع الواحد ، من تلك القوة الكبرى المسيطرة على هذا الوجود!... ولكن الرواد الكبار يدركون تلك الوحدة، لأنهم متصلون بذلك النبع الأصيل ومنه يستمدون ! .. إنهم قليلون .. قليلون في تاريخ البشرية .. بلا نادرون! ولكن منهم الكفاية ...: فالقوة المشرفة على هذا الكون ، هي التي تصوغهم ، وتبعث بهم في الوقت المقدر المطلوب!.

      الاستسلام المطلق للاعتقاد في الخوارق والقوى المجهولة خطر ، لأنه يقود إلى الخرافة ... ويحول الحياة إلى وهم كبير!.. ولكن التنكر المطلق لهذا الاعتقاد ليس أقل خطراً : لأنه يغلق منافذ المجهول كله ، وينكر كل قوة غير منظورة لا لشيء إلا لأنها قد تكون أكبر من إدراكنا البشري في فترة من فترات حياتنا ! وبذلك يصغر من هذا الوجود – مساحة وطاقة، وقيمة كذلك، ويحده بحدود المعلوم وهو إلى هذه اللحظة حين يقاس إلى عظمة الكون – ضئيل .. جداً ضئيل!..

      إن حياة الإنسان على هذه الأرض. سلسلة من العجز عن إدراك القوى الكونية أو سلسلة من القدرة على إدراك هذه القوى ، كلما شب عن الطوق وخطا خطوة إلى الأمام في طريقه الطويل!.
      إن قدرة الإنسان في وقت بعد وقت على إدراك إحدى قوى الكون التي كانت مجهولة له منذ لحظة وكانت فوق إدراكه في وقت ما .. لكفيلة بأن تفتح بصيرته على أن هناك قوى أخرى لم يدركها بعد لأنه يزال في دور التجريب!.

      إن احترام العقل البشري ذاته لخليق بأن نحسب للمجهول حسابه في حياتنا لا لنكل إليه أمورنا كما يصنع المتعلقون بالوهم والخرافة، ولكن لكي نحس عظمة هذا الكون على حقيقتها وكي نعرف لأنفسنا قدرها في كيان هذا الكون العريض. وإن هذا لخليق بأن يفتح للروح الإنسانية قوى كثيرة للمعرفة وللشعور بالوشائج التي تربطنا بالكون من داخلنا وهي بلا شك أكبر وأعمق من كل ما أدركناه بعقولنا حتى اليوم بدليل أننا ما نزال نكشف في كل يوم عن مجهول جديد؛ وأننا لا نزال بعد نعيش!.

      من الناس في هذا الزمان من يرى في الاعتراف بعظمة الله المطلقة غضاً من قيمة الإنسان واصغاراً لشأنه في الوجود: كأنما الله والإنسان ندان يتنافسان على العظمة والقوة في هذا الوجود!. أنا أحس أنه كلما ازددنا شعوراً بعظمة الله المطلقة زدنا نحن أنفسنا عظمة لأننا من صنع إله عظيم!. إن هؤلاء الذين يحسبون أنهم يعرفون أنفسهم حين يخفضون في وهمهم الههم أو ينكروه إنما هم المحدودون الذين لا يستطيعون أن يروا إلا الأفق الواطئ القريب!.
      إنهم يظنون أن الإنسان إنما لجأ إلى الله إبان ضعفه وعجزه فأما الآن فهو من القوة بحيث لا يحتاج إلى إله! كأنما الضعف يفتح البصيرة والقدرة تطمسها!. إن الإنسان لجدير بأن يزيد إحساسا بعظمة الله المطلقة كلما نمت قوته لأنه جدير بأن يدرك مصدر هذه القوة كلما زادت طاقته على الإدراك ..

      إن المؤمنين بعظمة الله المطلقة لا يجدون في أنفسهم ضعة ولا ضعفاً ، بل على العكس يجدون في أنفسهم العزة والمنعة ، باستنادهم إلى القوة الكبرى المسيطرة على هذا الوجود إنهم يعرفون أن مجال عظمتهم إنما هو في هذه الأرض، وبين هؤلاء الناس فهي لا تصطدم بعظمة الله المطلقة في هذا الوجود إن لهم رصيداً من العظمة والعزة في إيمانهم العميق لا يجده أولئك الذين ينفخون أنفسهم كالبالون حتى ليغطي الورم المنفوخ عن عيونهم كل آفاق الوجود!.

      أحياناً تتخفى العبودية في ثياب الحرية فتبدو انطلاقاً من جميع القيود انطلاقاً من العرف والتقاليد ، انطلاقاً من تكاليف الإنسانية في هذا الوجود!. إن هناك فارقاً أساسياً بين الانطلاق من قيود الذل والضغط والضعف ، والانطلاق من قيود الإنسانية وتبعاتها إن الأولى معناها التحرر الحقيقي أما الثانية فمعناها التخلي عن المقومات التي جعلت من الإنسان إنساناً وأطلقته من قيود الحيوانية الثقيلة!... إنها حرية مقنعة لأنها في حقيقتها خضوع وعبودية للميول الحيوانية ، تلك الميول التي قضت البشرية عمرها الطويل وهي تكافحها لتخلص من قيودها الخانقة إلى جو الحرية الإنسانية الطليقة ... لماذا تخجل الإنسانية من إبداء ضروراتها ؟ لأنها تحس بالفطرة أن السمو مع هذه الضرورات هو أول مقومات الإنسانية وأن الانطلاق من قيودها هو الحرية وأن التغلب على دوافع اللحم والدم وعلى مخاوف الضعف والذل كلاهما سواء في توكيد معنى الإنسانية!.

      لست ممن يؤمنون بحكاية المبادئ المجردة عن الأشخاص لأنه ما المبدأ بغير عقيدة حارة دافعة؟ وكيف توجد العقيدة الحارة الدافعة في غير قلب إنسان؟

      إن المبادئ والأفكار في ذاتها – بلا عقيدة دافعة – مجرد كلمات خاوية أو على الأكثر معان ميتة! والذي يمنحها الحياة هي حرارة الإيمان المشعة من قلب إنسان ! لن يؤمن الآخرون بمبدأ أو فكرة تنبت في ذهن بارد لا في قلب مشع. آمن أنت أولاً بفكرتك آمن بها إلى حد الاعتقاد الحار! عندئذ فقط يؤمن بها الآخرون !! وإلا فستبقى مجرد صياغة لفظية خالية من الروح والحياة!.. لا حياة لفكرة لم تتقمص روح إنسان، ولم تصبح كائناً حياً دب على وجه الأرض في صورة بشر! .. كذلك لا وجود لشخص - في هذا المجال – لا تعمر قلبه فكرة يؤمن بها في حرارة وإخلاص ...

      إن التفريق بين الفكرة والشخص كالتفريق بين الروح والجسد أو المعنى واللفظ عملية في بعض الأحيان مستحيلة وفي بعض الأحيان تحمل معنى التحلل والفناء!. كل فكرة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان ! أما الأفكار التي لم تطعم هذا الغذاء المقدس فقد ولدت ميتة ولم تدفع بالبشرية شبراً واحداً إلى الأمام!.

      من الصعب علي أن أصور كيف يمكن أن نصل على غاية نبيلة باستخدام وسيلة خسيسة!؟ إن الغاية النبيلة لا تحيا إلا في قلب نبيل : فكيف يمكن لذلك القلب أن يطيق استخدام وسيلة خسيسة ؛ بل كيف يهتدي إلى استخدام هذه الوسيلة ؟! حين نخوض إلى الشط الممرع بركة من الوحل لا بد أن نصل إلى الشط ملوثين .. إن أوحال الطريق ستترك آثارها على أقدامنا وعلى مواضع هذه الأقدام كذلك الحال حين نستخدم وسيلة خسيسة : إن الدنس سيعلق بأرواحنا ، وسيترك آثاره في هذه الأرواح، وفي الغاية التي وصلنا إليها!.

      إن الوسيلة في حساب الروح جزء من الغاية . ففي عالم الروح لا توجد هذه الفوارق والتقسيمات! الشعور الإنساني وحده إذا أحس غاية نبيلة فلن يطيق استخدام وسيلة خسيسة ..بل لن يهدي إلى استخدامها بطبيعته! ( الغاية تبرر الوسيلة !؟ ) : تلك هي حكمة الغرب الكبرى !! لأن الغرب يحيا بذهنه وفي الذهن يمكن أن توجد التقسيمات والفوارق بين الوسائل والغايات !.

      بالتجربة عرفت أنه لا شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفيف الذي نجده عندما نستطيع أن ندخل العزاء أو الرضى ، الثقة أو الأمل أو الفرح إلى نفوس الآخرين!. إنها لذة سماوية عجيبة ليست في شيء من هذه الأرض، إنها تجاوب العنصر السماوي الخالص في طبيعتنا ، إنها لا تطلب لها جزاء خارجياً ، لأن جزاءها كامن فيها !.

      هنالك مسألة أخرى يقحمها بعض الناس في هذا المجال ، وليست منه في شيء مسألة اعتراف الآخرين بالجميل!. لن أحاول إنكار ما في هذا الاعتراف من جمال ذاتي ولا ما فيه من مسرة عظيمة للواهبين ولكن هذا كله شيء آخر إن المسألة هنا مسألة الفرح بأن الخير يجد له صدى ظاهرياً قريباً في نفوس الآخرين وهذا الفرح قيمته من غير تلك لأنه ليس من طبيعة ذلك الفرح الآخر الذي نحسه مجرداً في ذات اللحظة التي نستطيع أن ندخل فيها العزاء أو الرضى الثقة أو الأمل أو الفرح في نفوس الآخرين ! إن هذا لهو الفرح النقي الخالص الذي ينبع من نفوسنا ويرتد إليها بدون حاجة إلى أي عناصر خارجية عن ذواتنا أنه يحمل جزاءه كاملاً ، لأن جزاءه كامن فيه!.

      لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة ! لقد أخذت في هذه الحياة كثيراً : لقد أعطيت !!. أحياناً تصعب التفرقة بين الأخذ والعطاء لأنهما يعطيان مدلولاً واحداً في عالم الروح ! في كل مرة أعطيت لقد أخذت لست أعني أن أحداً قد أعطى لي شياً إنما أعني أنني أخذت نفس الذي أعطيت لأن فرحتي بما أعطيت لم تكن أقل من فرحة الذين أخذوا.

      لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة لقد علمت بقدر ما كنت مستطيعاً أن أعمل ! هناك أشياء كثيرة أود أن أعملها لو مد لي في الحياة ولكن الحسرة لن تأكل قلبي إذا لم أستطع ؛ إن آخرين سوف يقومون بها إنها لن تموت إذا كانت صالحة للبقاء فأنا مطمئن إلى أن العناية التي تلحظ هذا الوجود لن تدع فكرة صالحة تموت ...

      لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة ! لقد حاولت أن أكون خيّراً بقدر ما أستطيع أما أخطائي وغلطاتي فأنا نادم عليها ! إني أكل أمرها إلى الله وأرجو رحمته وعفوه وأما عقابه فلست قلقاً من أجله ، فأنا مطمئن إلى أنه عقاب حق وجزاء عدل وقد تعودت أن أحتمل تبعة أعمالي خيراً أو شراً ... فليس يسوءني أن ألقى جزاء ما أخطأت حين يقوم الحساب!.
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • أحكام دماء المرأة

      أحكام دماء المرأة
      $$x الحيض: هو الدم الأسود الثخين الكريه الرائحة المنتن الخثر الغليظ الذي يخرج من قبل الفتاة الداخلة في أول حد البلوغ فما فوقها إلى نهاية تقصر عن سن الإياس.
      $$x شرط دم الحيض من لون أو رائحة إنما هو شرط إبتداء لا استمرار بمعنى لا يشترط استمرار هذه الصفات في دم الحيض وإنما في بدايته.
      $$x المشهور أن سن الحيض هو التاسعة.
      $$x الإياس لا يحدد بسن معين وإنما يكون النظر إلى حالة كل امرأة على حدة فمن انقطع عنها الدم إلى أن يأست من عودته أعطيت الحكم ومن استمر معها بمواصفاته ولو بعد الستين عد حيضا والله أعلم.
      $$x من جاءها الدم في أواخر السنة الثامنة واستمر إلى بداية التاسعة فلا تترك الصلاة في أواخر الثامنة فإن قصرت الأيام في السنة التاسعة عن أقل مدة الحيض فلتعد الصلاة.
      $$x أقل أيام الحيض ثلاث أيام وأكثرها عشرة أيام.
      $$x إذا رأت المرأة في أول الحيض دما أحمرا رقيقا قاطرا أو سائلا فلا تعده حيضا لأنه لا يحمل صفات دم الحيض وكذلك بالنسبة للتوابع التي قبل الحيض.
      $$x إذا رأت المرأة دما وطهرا معا فإن كانت:
      - مبتدئة فتبقى على الحالة التي كانت عليها.
      - إن كانت معتادة:
      1_ تعطي الحكم لما تنتظره إن كانت في أطراف وقتها.
      2_ تعطي الحكم للغالب إن كانت في وسط وقتها.
      3_ إذا عرفت المتقدم فالحكم للمتأخر.
      علامات الطهر:
      1_ القصة البيضاء هي(الماء الأبيض) وهو ما يشبه القطعة من الفضة وهي أقوى وأقعد.
      2_ الجفوف وهي تيبس المكان من الدم وتوابعه.
      3_ بلوغ أقصى مدة الحيض وهي عشرة أيام.
      • القصة البيضاء لا يشترط فيها الكثرة وإنما يشترط فيها الفيض أو القطر.
      • المعتادة الطهر بالقصة البيضاء إذا رأت الجفاف عند انتهاء أيامها فتنتظر يوما وليلة إلا إذا رأت القصة البيضاء قبل انقضاء اليوم والليلة فإنها تغتسل وتصلي. أما من عادتها الطهر بالجفاف إذا رأت القصة البيضاء داخل أيامها فإنها تغتسل وتصلي.
      التوابع هي:
      1_ الكدرة: وهي مادة بين البياض والسواد كالماء الوسخ.
      2_ التربة: وهي ماء يشبه لون التراب.
      3_ الصفرة: وهي دم ضعف حتى اصفر أو هو ماء تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار.
      4_ الدم الأحمر الرقيق والدم المكمن في الرحم.
      5_ الجفوف لمن عادتها الطهر بالقصة البيضاء.
      6_ العلقة: وهي قطعة من دم غليظ متجمد لم تسبقها أو تعقبها توابع تتقوى بها فتصبح كالدم الجاري.
      • التوابع حكمها حكم ما قبلها فإن كان قبلها طهر فحكمها الطهر وإن كان حكمها الحيض فحكمها الحيض ما دامت في أيام الحيض.
      • لا يصح للمرأة أن تترك الصلاة بدم التفتيش وإذا تركت الصلاة بدم التفتيش جهلا منها وجب عليها إعادة الصلاة والتوبة والإستغفار.
      • لا يصح لها أيضا لصلاة بطهر التفتيش ويجب عليها إعادة الغسل عندما ترى الطهر البين.
      • الانتظار مع الدم يومان ومع التوابع يوم وليلة بحيث لا تتجاوز أقصى مدة الحيض وهي عشرة أيام.
      • الانتضار يكون للمعتادة لا للمبتدئة.
      • إذا رأت المرأة الطهر في أيام الحيض فتغتسل وتصلي ولا تنتظر انتهاء عدتها ولا يجب عليها إعادة الغسل عند انتهاء العدة إلا إذا رجع الدم في أيامها فتنقطع عن الصلاة أيام عادتها ثم تغتسل.
      • تبدأ الحائض في حساب الحيض من الساعة التي اكتملت فيها صفات دم الحيض.
      • إذا دخلت المرأة الانتضار بالتوابع ثم انقلب إلى دم فالحكم للدم مطلقا سواء تقدم أو تأخر بمعنى تنتظر الدم يومين.
      • إذا رأت المرأة دما فيه صفات دم الحيض ولكن استمر أقل من ثلاث أيام وتركت الصلاة فعليها إعادة الصلاة التي تركتها إلا أن تكون عادتها تلك. وإن انقطع لأقل من ثلاثة أيام ثم عاودها في أيامها وكان مجموع أيام الدم ثلاث أيام فصاعدا فتعده حيضا.
      • الدم الذي تراه المرأة بعد إكمال عدتها والإنتضار مباشرة فلا تعده حيضا وإنما هو استحاضة فلا تترك الصلاة.
      الطلوع والنزول:
      الطلوع: هو زيادة أيام الحيض.
      النزول: هو نقصان أيام الحيض.
      • أدنى حالات النزول ثلاث أيام وأقصى حالات الطلوع عشرة أيام.
      • الطلوع يكون بتكرار زيادة الدم ثلاث مرات متتالية على وتيرة واحدة ولا يختلف في أي واحدة منهن فعند ذلك تطلع في الرابعة.
      • النزول يكون بتكرار نقصان الدم مرتين متتاليتين بنفس الوتيرة لا يختلف ففي الثالثة تنزل.
      • لا تستقر العادة للمبتدئة إلا بثلاث مرات على وتيرة واحدة.
      • أقل الطهر عشرة أيام.
      • الاستحاضة: دم أحمر رقيق وهذا هو الغالب وقد يوصف الأسود الثخين بأنه دم استحاضة إذا استمر بعد أقصى الحيض أو جاء قبل انقضاء أقل مدة الطهر.
      • كيف تميز المرأة بين دم الحيض ودم الاستحاضة؟
      1_ بالمقارنة: وهو التمييز فما رأته في البداية يخالف صفات دم الحيض فهو استحاضة.
      2_ بالزمان: فما تراه في زمن الصبا أو الإياس أو الحمل فهو استحاضة.
      3_ زوال الحال: فالدم الذي تراه بسبب كالقفز أو الخوف أو الجماع غير الأول استحاضة إلا إذا استمر بعد زوال السبب وحمل صفات الحيض فتعده حيضا وكذلك الدم الذي تراه بسبب تناول الدواء.
      • المبتدئة المستحاضة: تبقى أقصى وقت الحيض عشرة أيام ثم تغتسل وتصلي.
      • إذا ابتليت المرأة بنزيف دائم ولم تستطع التمييز بين دم الحيض ودم الاستحاضة ترجع إلى عادتها السابقة فتمسك عن الصلاة في أيام حيضها السابقة وعند انتهائها تغتسل وتصلي وإن استطاعت التمييز بين الدمين فلتمسك عن الصلاة عند الدم الأسود مدة عادتها ولتصلي عند غيره.
      •إذا حضر وقت الصلاة وكانت المرأة مستحاضة تحتشي وتتوظأ لكل صلاة وإن اغتسلت فالغسل حسن.
      الـــنفـــــــــــــــــاس:
      • النفاس: هو الدم الخارج مع الولد سواء كان كامل الخلقه أو ناقصا.
      • تكون مدة النفاس لكل مرحلة من المراحل التالية كالآتي ما لم ينقطع الدم قبل ذلك:
      • العلقة: تسعة أيام.
      • المضغة:أربعة عشر يوما.
      • العظام غير المكسوة لحما: إحدى وعشرون يوما.
      • كامل الخلقة: أربعون يوما.
      •تترك الحامل الصلاة إذا خرج الولد كله وليس إذا رأت أسباب الولادة.
      •أكثر النفاس أربعون يوما.
      •تثبت العادة في النفاس بثلاث مرات متتالية بحيث يكون نفس عدد الأيام في كل مرة.
      •إذا طهرت المرأة في أثناء الأربعين وتركت الصلاة والصوم فتلزمها التوبة والقضاء.
      •إذا طهرت المرأة في أيام نفاسها وعاودتها الكدرة والصفرة فلا تعدها نفاسا ولا تترك الصلاة لأن حكمها حكم ما قبلها وما قبلها هنا هو الطهر.
      •إذا كانت المرأة في نفاسها يوما ترى الدم ويوما ترى الطهر فإنها متى ما رأت الطهر اغتسلت وصلت ومتى ما رأت الدم تركت الصلاة ولكنها لا تتخذها عادة لها.
      •إذا نفست المرأة للمرة الأولى واستمر بها النفاس إلى ما بعد الأربعين فإنها تغتسل وتصلي عند اكمالها الأربعين مباشرة بلا انتضار.
      •إذا كانت المرأة معتادة وانقطع الدم قبل تمام العادة فإنها تغتسل وتصلي فإن لم تفعل فعليها التوبة والقضاء.
      •إذا كانت المرأة معتادة وتعدى الدم أيامها المعتادة في النفاس فلتنتظر للدم ثلاث أيام بحيث لا تتجاوز الأربعين وبعد ذلك تغتسل وتصلي وإن استمر بها الدم وإن كانت توابع فتنتظر يوما وليلة.
      •حكم وطء الحائض والنفساء التحريم.
      •لو وطىء الرجل زوجته وهي حائض أو نفساء فهو عاصي بذلك ويلزمه دينار الفراش وهو التصدق بأربع جرامات وربع من الذهب أو قيمته واختلف العلماء في تحريمها عليه فذهب أكثر أصحابنا إلى أنها تحرم عليه حرمة أبدية وذهب آخرون إلى أنها لا تحرم عليه ولكن إ، استمر زوجها على ذلك فلا تقم معه ولها حق طلب الطلاق من القضاء الشرعي.
      •من أشكل عليها أمر في مسائل الدم فلا تترك الأمر هملا بل تسأل أهل العلم عسى الله أن ينفعها بذلك.
      نقلا من مطوية بعنوان أحكام دماء المرأة.
      إعداد: نافجة بنت جمعة بن مبارك المرهوبية.
      راجعها: الشيخ ماجد بن محمد الكندي.
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • نجم الساحة كتب:

      [grade='FF1493 F4A460 008000 800080 FF6347']بارك الله فيك أختي ورد المنى على مجهودك المتواصل وكثر من أمثالك ، أسأل الله أن يكون صنيعك هذا في ميزان حسناتك .[/grade]

      آمين وبارك فيك أخي وفي ما قدمته للمكتبة من فوائد وجعلنا من أهل الجنة جميعا.
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • الحاج88 كتب:

      بارك الله فيك اختي ورد المنى على هذا الموضوع الجيد وجعله الله في ميزان عملكي

      [grade='00008B FF6347 008000 4B0082 FF6347']آمين وبارك الله فيك أخي وإن شاء الله تثري المكتبة بكل جديد.[/grade]
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • محاربة الخرافة والأخذ بالأسباب

      [grade='00008B FF6347 008000 4B0082 FF6347']محــاربة الخرافـة والأخذ بالأسبـاب

      درس من سلسلة الدروس الفكرية التي يلقيها سماحة المفتي العام للسلطنة ،
      أحمد بن حمد الخليلي
      بجامعة السلطان قابوس
      يوم الاثنين 23من رجب 1423هـ ، الموافق 30سبتمبر2002 م .[/grade]


      ******************

      بسم الله الرحمن الرحيم

      الحمد لله الذي هو على كل شئ قدير، وبكل شيء بصير، سبحانه خلق الأسباب والمسبَبات، وجعل لكل شيء سبباً، وهي سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً، أحمده حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، لا حد لغايته ولا أمد لنهايته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله هادياً وبشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. فعلم من الجهالة وهدى من الضلالة وبصر من العمى، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد،،،،
      فأحييكم جميعاً أيها المؤمنون والمؤمنات بتحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإني لأحمد الله سبحانه وتعالى على اجتماعنا في هذا الجامع الشريف في قلب هذه المؤسسة العلمية الكبرى، لنتعلم جميعاً ما يسر، ولنتزود ما يقربنا إلى الله سبحانه وتعالى، فإن الله عز وجل إنما يعبد بالعلم لا بالجهل، وهو تبارك وتعالى رفع من أقدار العالمين العاملين، الذين يعملون بأمره ويزدجرون عن نهيه ويأخذون بسننه، وهذه هي الغاية التي يجب على الإنسان أن يحرص عليها في هذه الحياة الدنيا، إذ هذه الحياة الدنيا إنما يوطد خيرها بتقوى الله سبحانه وتعالى واتقاء كل ما يضر والأخذ بالأسباب النافعة، ليكون الإنسان حقاً قائماً بواجب الخلافة فيها، مطيعاً لربه، شاكراً لنعمه، واقفاً عند حدوده، عارفاً نعمة الله تبارك وتعالى التي أسبغها عليه.
      ولا ريب أن أمتنا الإسلامية مرت منذ أمد بعيد بفترة حالكة مدلهمة، احلولكت فيها حناديس الجهل والشك، فرانت على القلوب، وانصرفت قلوب كثير من الناس عن الله سبحانه وتعالى، وقد أغرقت هذه الأمة في الكثير الكثير من أسباب الفرقة والخلاف، فتنادت بالقوميات الضيقة، ونسيت النداء الذي يشملها جميعاً، فإن الله تبارك وتعالى جمع شتيتها تحت كلمة الإيمان عندما نادى جميع المؤمنين بقوله: (يا أيها الذين آمنوا)، ولم يناد كل قومية بنداء خاص بها، وإنما جمع المؤمنين في نداء واحد؛ لأن المؤمنين إنما يجمعهم هذا الإيمان، وعندما يكون النداء شاملاً للمؤمنين وغيرهم يناديهم الله سبحانه وتعالى بـ(يا أيها الناس)؛ لأن الإنسانية تجمع طوائف البشر بأسرها، فتدخل في عموم هذا الخطاب.
      ومن فضل الله سبحانه وتعالى أن منَّ على هذه الأمة بصحوة منذ فترة من الزمن، وهذه الصحوة قد استبشر الكل بها خيراً، ورجونا بفضل الله سبحانه وتعالى أن تجمع الشتات وأن تؤلف بين القلوب المتنافرة، وأن توحد بين الفئات المتدابرة؛ فتنضوي هذه الأمة جميعاً تحت لواء الحق والحقيقة.
      ولكن مما يؤسف له أن هذه الصحوة أصيبت بشيء من غبش التصور في بعض الأمور، وذلك مما جعل أبناءها يعيشون في عالم الأوهام، أسارى للخيالات المختلفة، وقد دفعهم ذلك إلى تجاهل سنن الله سبحانه وتعالى في خلقه، مع أن الله سبحانه خلق الخلق، وجعل لخلقه سنناً، هذه السنن لا تتبدل حتى يرث الله الأرض وما عليها،وما يقع من الخوارق التي قد تكون رأي العين خارجة عن هذه السنن؛ فإنما ذلك يرجع إلى أمر الله سبحانه عندما يريد أن يتعطل شيء من السنن في قضية معينة، مع أن هذه الحالة لا يمكن أن يقاس عليها، وهي حالات في عهد النبوات لا يمكن أن تتكرر مرة أخرى؛ لأن السنن تسير حسب ما شاء الله سبحانه وتعالى مما رسمه لهذا الكون من نواميس معينة لا تتبدل ولا تتغير حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
      كن غبش التصور هو الذي يحول بين البصائر والرؤية الصحيحة لحقائق الأشياء، وذلك مما يجعل هذه النفوس أسيرة الأوهام فتبتعد كل البعد عن هذه الحقائق.
      ونحن نرى أن الله سبحانه وتعالى عندما بعث عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم بعثه بدعوة جامعة، وهو عليه أفضل الصلاة والسلام على مسمع ومرأى من الله سبحانه وتعالى، وهو أقرب الخلق إليه، ولكن مع ذلك أمره سبحانه وتعالى أن يأخذ بالأسباب.
      وكان عليه الصلاة والسلام حريصاً كل الحرص على أن يأخذ بالأسباب في كل شيء امتثالاً لأمر الله سبحانه؛ فلذلك عندما هاجر صلوات الله وسلامه عليه سلك مسالك فيها تعمية على المشركين لئلا يطلعوا على أمره، مع أنه محفوظ بعناية الله سبحانه، ولكن جميع تصرفاته وجميع أعماله صلى الله عليه وسلم تشريعات لهذه الأمة؛ ولذلك كان لزاماًُ أن يسلك المسالك التي تتفق مع مصالح الأمة في اتباعها سنن هذه الحياة.
      وقد كان لبعض أصحابه رضي الله عنهم شأناً ربما يختلف بعض الاختلاف عن مسلكه صلى الله عليه وسلم؛ من حيث اتباع الأسلوب الذي فيه تعمية على المشركين، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما هاجر لم تكن هجرته خفية، وإنما كانت هجرته علانية، فقد جاء إلى البيت الحرام وطاف بالبيت سبعاً وصلى بعد ذلك وراء المقام، ثم نادى قريشاً وأعلمهم أنه مهاجر، وأن من أراد أن يثكل أمه أو يرمل زوجه أو يوتم ولده فليلقه خلف الوادي، كان ذلك تحدياً منه رضي الله عنه لعنجهية المشركين وكبريائهم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسلك هذا الطريق؛ لأن مسلكه صلى الله عليه وسلم تشريع للأمة، وفعل عمر رضي الله عنه إنما كان فعلاً فردياً، كان تصرفاً شخصياً لا تلزم الأمة باتباعه، ولا يلزم أي أحد أن يقتدي به في هذا التصرف، مع أنه ليس كل أحد قادراً أن يتصرف هذا التصرف، بحيث يقابل كبرياء الجاهلية بمثل هذا التحدي الواضح.
      والنبي صلى الله عليه وسلم كان عمله بخلاف ذلك، فقد أمّ مع الصديق رضي الله عنه غار ثور، وبقي هنالك ثلاثة أيام، ثم سلك مسالك ليست هي المسالك المألوفة في الذهاب إلى المدينة المنورة؛ من أجل أن يعمي على المشركين، مع أنه ولا ريب كان محفوظاً بعناية الله سبحانه، ولا أدل على ذلكم وقع لسراقة عندما تعرض له، فساخت قوائم يعبوبه في الأرض الصلدة الصلبة، هذه الآية تدل دلالة واضحة على أن الله سبحانه أراد لنبيه صلى الله عليه وسلم الحفظ، ولكن مع ثقته بالله وتوكله على ربه سبحانه وتعالى أخذ بالأسباب.
      ونحن نرى الدعوة في القرآن الكريم إلى الأخذ بالأسباب دعوة واضحة فالله تبارك وتعالى يقول : ) يا أيها الذين آمنوا خذوا (.) فانفروا ..( فالله تبارك وتعالى يأمر المؤمنين بأن يعدوا عدتهم للمشركين فهو سبحانه وتعالى يقول : )وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ (
      كل ذلك من باب الأخذ بالأسباب حتى لا تتواكل هذه الأمة وحتى لا تتبع الأوهام فإن لم يأخذ بالأسباب كانت نهاية أمره أن يصطدم بنواميس الحياة ، وسنن الكون ويؤدي به إلى هذا الاصطدام إلى ما لا تحمد عاقبته ، فالمؤمنون عندما فرطوا في الأخذ بالأسباب في غزوة أحد كان ما كان من أمر الله – سبحانه وتعالى – إذ عاقبهم الله - تبارك وتعالى – فأصابتهم لطمة من القدر جندلت من أبطالهم سبعين بطلا ، حتى يعرفوا أن مخالفة ما أمر الله تعالى به وما أمر رسوله – صلى الله عليه وسلم – من الأخذ بالأسباب تؤدي إلى ما لا تحمد عاقبته ، هذا بجانب عدم الاغترار بالأسباب وحدها ، فإن هؤلاء المؤمنين أنفسهم عندما أخذوا بالأسباب ورأوا في نفوسهم القوة وأصابهم شيء من الغرور بسبب هذه القوة في حنين حتى قالوا: لن نهزم اليوم من قلة . أصيبوا أيضا بما أصيبوا به ، ومعنى ذلك أن يكون الإنسان آخذا بالأسباب ومتوكلا على الله – تبارك وتعالى – الذي هو مسبب الأسباب .
      ونجد أن النبي – صلوات الله وسلامه عليه – كما قلنا ، كان بنفسه حريصا على الأخذ بالأسباب من ذلك أنه عندما مرّ وراء بجدار مائل أسرع الممر ، فقيل له : أتفر من قضاء الله يا رسول الله ؟ قال : نعم أفر من قضاء الله إلى قدره .معنى فراره من قضاء الله إلى قدره ، أن كل شيء مقضي عند الله ، ولكن الله – تبارك وتعالى – جعل للأشياء أسبابا ، فهو يفر إلى القدر الذي هو نتيجة القضاء ، وهو مفهوم ما قضاه الله – تبارك وتعالى – في الأزل على من أراد أن يقع عليه ذلك الأمر فيما لا يزال ، فلإ كان وقوع الجدار عليه أمرا مقضيا في الأزل فإن ذلك القدر لا بد من أن يتحقق فيما لا يزال وإن كان غير مقضي في الأزل ، فإن ذلك القدر أيضا ، وهو قدر وقوع الجدار عليه أمر لا بد من أيقع ، فالنبي – صلى الله عليه وسلم- إنما يفر إلى ما قدر الله – تبارك وتعالى – وقوعه .
      وهكذا كان شأنه صلوات الله وسلامه عليه ، ونجد أن النبي – عليه أفضل الصلاة والسلام – أمر بالأخذ بالأسباب في كثير من الأمور .
      ففي غزوة الأحزاب ، أخذ بالأسباب حيث أخذ بمشورة سلمان الفارسي – رضي الله تعالى عنه – في حفر الخندق حول المدينة المنورة ؛ من أجل تأمين المدينة من أثر هذا الغزو من المشركين ، كذلك في نزوله ببدر أيضا أخذ بمشورة الخباب بن المنذر – رضي الله تعالى عنه – حيث قال : بأن هذا ليس لك بمنزل فاتبع مشورته وأخذ بالأسباب ، وهكذا في جميع الأمور كان عليه أفضل الصلاة والسلام يعلم هذه الأمة أن تأخذ بالأسباب ، ولا ريب أن تناسي هذه الأسباب تؤدي بالناس إلى أن يقعوا في كثير من الأوهام ، والله تبارك وتعالى خلق الخلق ، وبسط الرزق ، وقضى على من قضى بالصحة ، وقضى على من قضى بالسقم ، وهو سبحانه وتعالى جعل أسبابا لكل شيء ، وهكذا شأن الحياة ، الإنسان في حياته يتقلب بين صحة وسقم ، وقوة وضعف ، فالإنسان يبدأ طريق حياته ضعيفا (ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ) والله تبارك وتعالى يبين سنته في الخلق إذ يقول: (نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ) هكذا يبدأ الإنسان من نقطة الضعف ، وهو يولد ضعيفا لا يستطيع حتى أن يدفع أذى ذرة تقرصه ، ثم تنمو قواه شيئا فشيئا ويأخذ جسمه في النمو ، ثم بعد ذلك يأخذ في الانتكاس شيئا فشيئا حتى يذبل وتنتهي حياته ، هذه هي سنة الله تبارك وتعالى في الخلق .
      وهنالك دعوة إلى اتقاء المضار ، هذه الدعوة دليلها في ثنايا تشريعات الله تبارك وتعالى ما جاء على لسان رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام ، الله تبارك وتعالى يقول : (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) ذلك لأن الإسراف يؤدي إلى الأضرار بالجسم ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم : ( ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه ، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا بد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لتنسفه ) هذا وميزان الاعتدال في الغذاء حتى يكون الإنسان آخذا بأسباب الصحة ومتجنبا لأسباب السقم ، مع أن الصحة والسقم كما قلنا من سنن هذه الحياة التي لا تتبدل .
      ونجد في الحديث الثابت من رواية جابر بن عبدالله – رضي الله تعالى عنه – عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام في صحيح مسلم أنه قال : ( لكل داء دواء، فإذا أصاب الدواءُ الداءَ برَأَ بإذن الله ) والله تبارك وتعالى جعل لكل داء دواء ، فإذا عولج الإنسان بذلك الدواء وأصاب الدواء موضع الداء كان ذلك سبب البرء ، هذا من الأخذ بالأسباب ، وجاء في حديث آخر من طريق أبي هريرة عند الشيخين عن النبي - عليه أفضل الصلاة والسلام - ، أنه قال : ) إن الله لم يضع شيئا من الداء إلا ووضع له شفاء (
      وجاء في حديث أسامة بن شريك عند أحمد ،أن جماعة من الأعراب جاءوا وسألوا النبي – صلى الله عليه وسلم – عن التداوي ، فدعاهم النبي – عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام – إلى أن يتداووا ، فقال لهم : )تداووا عباد الله فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له شفاء إلا داء وحدا وهو الهرم ( فكل داء له شفاء . وجاء في رواية أخرى : لكل جاء شفاء علمه من علمه وجهله من جهله ، معنى ذلك كل علة من العلل جعل الله تبارك وتعالى لها علاجا ، هذه العلل سواء كانت معلومة ، وهذا العلاج سواء كان معلوما أو لم يكن معلوما فإن الله – تبارك وتعالى – جعل لكل علة من العلل علاجا ، والناس مطالبون أن يأخذوا بالأسباب ، وهذا لا يمنع الإنسان أن يكون متوكلا على الله ، فإن الأخذ بالأسباب هو من باب التوكل ؛ لأنه طاعة لمسببي الأسباب سبحانه وتعالى .
      كذلك نجد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – يأمر بعلاج الحمى مثلا بالماء ويقول ( الحمى أو شدة الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء ) معنى ذلك كونها من فيح جهنم ، أنها حارة ، ساخنة ، آخذة صفة من صفات جهنم والعياذ بالله ، وهي شدة الحرارة ، وهذا أمر معروف ، والأطباء إلى الآن يعالجون الحمى أحيانا بالتبريد ، وأنا بنفسي عولجت هذا العلاج ، شدة البرد ، أحس ببرودة شديدة ، يزيل عني الدثار ، ويأتي بالثلج ويلقيه علي وكان ذلك سببا للشفاء .
      وهذا من إعجاز النبوة ، ودليل على أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لا ينطق عن الهوى ، فذلك كله من باب الأخذ بالأسباب ، والتعامي عن هذه الأسباب كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – شديدا على الناس فيه ، لا يرضى بأن يتعامى الناس عن الأسباب ، أو أن يتجاهلوا سنن الله سبحانه في هذه الحياة ، فالكون كله مسير حسب أمر الله سبحانه وفق نواميس وسنن أرادها الله – تبارك وتعالى – له إلى أن يرث الأرض ومن عليها ، وعندما يطرح على الناس في عهده – صلى الله عليه وسلم – شيء من التوهم ، يردهم من الوهم إلى الحقيقة ليستبصروا ؛ حتى لا يتيهوا في متاهات الوهم
      وعندما مات ابن النبي – صلى الله عليه وسلم – إبراهيم ، كان في سن الطفولة الباكرة ، وحزن النبي – صلى الله عليه وسلم – حزنا شديدا ، كسفت الشمس في ذلك اليوم فتراءى للناس أن كسوف الشمس إنما هو بسبب موت إبراهيم ابن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما ألم بالنبي – صلى الله عليه وسلم – من المصاب
      ولكن في هذه الساعة الحرجة ، ساعة الحزن ، أبى النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا أن يرد الناس إلى الجادة ، ويبصرهم بالحقيقة ، قال لهم :( إن الشمس والقمر ، آيتان من آيات الله لن تخسفان لموت أحد ولا لحياة أحد ، فإذا رأيتم ذلك ، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله ).
      فالشمس والقمر آياتان من آيات الله ؛ لأنهما من ضمن خلق الله سبحانه الدال على جلاله ، والدال على شهود كبريائه في هذا الكون ، والشمس والقمر سنن في هذا الدوران ، كما أن ذلك لسائر الأجرام السماوية التي تدور في مداراتها وفق السنن ، ووفق هذه السنن قد يؤدي إلى أن يختفي شيء من ضوء الشمس ، أو أن يختفي شيء من ضوء القمر ، أو أن يختفي ضوء القمر كله ، بحيث يصيبه المحاق ، وفق تلك السنن التي أرادها الله ، بما أن هذا الأمر هو أمر خارج عن المألوف المطر مما يراه الناس في الشمس والقمر ، أمرهم النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يرجعوا إلى ذكر الله – سبحانه وتعالى – بحيث يأخذون العبرة من ذلك أن كل شيء يطرأ عليه ما يطرأ بأمر الله – سبحانه وتعالى – وإلا فهذه سنة كونية أرادها الله تبارك وتعالى
      ولا ريب أن اتباع الإنسان الأوهام يبعد عله عن درك الحقيقة التي هي أمام ناظريه ، فيتصور الإنسان شيئا من الوهم البعيد ، بعيد عين الحقيقة مع ما آتاه الله – سبحانه وتعالى – من عقل ، ومع ما آتاه من أسباب القوة أحيانا ، هذه القوة تكون قد تولدت من استخدام عقله في توريدها ، ولكن هاذ العقل يصيبه هذا الغبش حتى لا يدرك الحقيقة التي هي ماثلة أمام ناظريه ، ومن أمثلة ذلك ما كان من استئسار المصريين قبل الإسلام للوهم ، حيث كانوا يعتقدون أن النيل لا يجف إلا إذا ألقيت له فتاة بكر هي من أحسن الفتيات جمالا ، وفي أكمل زينتها ، النيل هو من خلق الله ، يأتي من أماكن معروفة ، النيل جزء منه يأتي من بلاد الحبشة ، وجزء منه يأتي من بحيرة فكتوريا التي كانت تسمى قبل هذا الاسم بحيرة نيازا ، وهي من أكبر بحيرات الدنيا ، هي إن لم تكن أكبر بحيرات الدنيا .
      فما الذي يمنع هذا النيل من الجريان إن لم ترم له هذه الفتاة ؟! وما الداعي إلى أن تقدم إليه هذه العرائس ؟! وما الذي يعني النيل وجريانه من هذا الأمر ، فإنما هذا وهم ، واستأسر الناس لهذا الوهم وظن الناس أن النيل لا يجري ، مع أن فيضان المياه لكثرة الأمطار التي تصب في تلكم البحيرات ، والروافد التي ترفد تلكم البحيرات هي التي تزيد من جريان النيل عندما يشاء الله – وتبارك وتعالى ذلك ، وتلك سنة مطردة ، وما يقع في كل عام من الأعوام ، فما الذي يمنع النيل عن الجريان ، لكن هذا وهم أثرى هذه العقول .
      ولما خشي بعد الإسلام أن لم يفعلوا ما كانوا يفعلونه قبل الإسلام ، أن يتوقف جريان النيل ، وكتب بذلك إلى أمير المؤمنين عمر – رضي الله تعالى عنه – عالج عمر – رضي الله تعالى عنه - هذا الوهم علاجا نفسيا ، حيث أرسل إليهم كتابه ، ورقة صغيرة كتب فيها :( إلى أمير مصر ، إن كنت تجري بأمرك فلا حاجة لنا في جريانك ، وإن كنت تجري بأمر الله فاجري ) هذا علاج لذاك الوهم ، وإلا فما الذي يمنع النيل من الجريان ، هذه سنة من سنن الله تعالى ، وإنما عولج هذا الوهم لأمر عقدي ، وأن الكون كله مصرف بأمر الله ، الله – تبارك وتعالى – هو الذي يصرف هذه الكائنات ، هو الذي يسبب الأسباب ، ويجعل المسببات مرتبطة بها ، فهو الذي ينزل الأمطار متى يشاء سبحانه وتعالى ، فتزيد المياه وتتدفق من تلك البحيرات في أفريقيا حتى تصل إلى النيل ، هذه سنة الله تبارك وتعالى .
      على أي حال هذه صحوة كما قلنا : أصيبت الآن بغبش التصور عند الكثيرين من الناس فاستأسر خاصة الناس فضلا عن عامتهم بهذه الأوهام ، نحن وجدنا الآن الناس الآن إذا أصيب أحدهم بزكام قال إنه : مسحور ، وإذا أصيب بصداع قال إنه : مسحور ، وإذا أصيب بأوجاع في ركبتيه ، قال : إن ذلك بسبب السحر ، وهو ناشئ عن دخول جني في جسمه ، وإذا أصيب برمد ، قال أيضا بأنه : مسحور ، وإذا أصيب بأي شيء ، جاءني قبل فترة رجل يشكو حلقه ، يشكو بحة في حلقه ، يقول أنه هذا أصابه بسبب تأثير جنية عليه ؛ نتيجة سحر وقع عليه .
      هذه أمور خطيرة جدا ، أمور تبعد الناس عن الحقيقة ، فما الذي يربط بين السحر وما بين هذه الأمور العادية ، فالله – تبارك وتعالى – هو الذي خلق الصحة والسقم ، هو الذي خلق الموت والحياة ، كانت هناك شائعة قبل وقت من الزمن ، شاعت في أوساط الجهلة وتقبلها حتى بعض الناس ، وهي أن السحرة قد يتسلطون على أحد فيأخذونه ويظهرونه ميتا وهو غير ميت ، ويضعون مكان لوحا يخيل إلى الناس أنه ميت ، وأنا بنفسي عايشت قضيتين من أمثال هذه القضايا وتتبعتهما حتى وصلت في نهاية المطاف إلى استبانة كلف هذا الأمر وأنه ليس من الحقيقة في شيء ، ومما يؤسف له أن إحدى القضيتين روج لها ، حتى أن وسائل الإعلان تناقلتها ، حيث ادعى مدع بأنه كان مسحورا ، وأنه مات قبل سنين وتقمص شخصية أحد من الموتى ، وجاء إلى أم ذلك الميت بعد أكثر من عقدين من السنين ، وادعى أنه ابنها ، وهي قالت أنها وجدت من العلامات التي كانت في ابنها ظاهرة فيه ، وصدق الناس بأنه نفس الشخص الميت ، مع أنه كاذب في قوله ، وبعد ما وقعت الجناية الكبرى وارتكب جريمة أدت به إلى أن يقتل ، وقبل قتله اعترف بالحقيقة ، وقد استبنت منه هذه الحقيقة بنفسي ، وصرّح بكل شيء ، وحدثني بمن كان يملي عليه هذه الأخبار
      والآن أصبح الناس يصدقون كل ما يقع عليهم بسبب تأثير السحرة ، كأن هؤلاء السحرة سلطوا على الناس يتصرفون في أمر الناس كما يشاءون ، يمرضون من يشاءون ويعافون من يشاءون وكأنما الجن مسخرون لهؤلاء السحرة ، يسلطون من يشاءون منهم على من يشاءون في أي وقت من أوقات ولا يستطيعون هؤلاء الجن خلافا لأمر لهؤلاء .
      حقيقة الأمر نحن لا نريد أن نخوض هنا في أمر علاقة الجن بالأمراض وغيرها ، هناك أمر من الله – تبارك وتعالى – أن يستعيذ الإنسان من شر الجنة والناس ، وقد يتعرض الإنسان لحسد من إنسي ، وقد يتعرض لحسد من جني ، ولكن أمر بأن يستعيذ من شر كل حاسد إذا حسد ، فما لهذا الإنسان وتصديق لهذه الأوهام ، بحيث يعتبر كل شيء إنما من تأثير الجن ، وأن كل ما يصيبه بسبب سحر الساحرين ، مع أن الله - تبارك وتعالى – ذكر السحر وقال (وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ) البقرة (102) قد علل الله – سبحانه – أن كل ما يصيب الإنسان إنما يصيبه بأمر الله ، (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) التوبة (51 ) (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ) الأنعام (17) (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) يونس(107) يقول الله تعالى : (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فاطر (2).
      فالأمر كله بيد الله ، بسط الرزق ومنعه هو بيد الله – سبحانه وتعالى - الله – سبحانه وتعالى يبسط الرزق لمن يشاء ، ويقدر على من يشاء ، لكن الكثير من الناس عندما يصبحون في حالة تعب وفي حالة فقر ، يتوهمون أن ذلك بسبب سحر الساحرين ، وأنه لولا ذلك السحر لكانوا أغنياء ، متفوقين في الغنى ، هذه الأمور على أي حال هي أمور بعيدة كل البعد عن الحقائق ، فعلى الناس أن يأخذوا بالأسباب ، ليس من الأخذ بالأسباب أن يطلب الإنسان بين عشية وضحاها أن يكون صاحب ثراء عظيم من غير أن يخرج ، على الإنسان أن يعمل ، كل شيء بقضاء وقدر .
      ولكن الإنسان مطالب بأن يجتهد ، كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس ، ولكن مع ذلك مطالب الإنسان بأن يجد ويجتهد ، وأن لا يعجز ، وأن يسلب الأمر من بابه ، وأن يأخذه بأسبابه ، لا يستسلم لهذه الأوهام ، وأن يعتقد بأنه لو ذهب إلى فلان أو فلان وكتب له كتابة أصبح غنيا ثريا ، وزال عنه ما أصابه ، من جراء سحر الساحرين ومن جراء كيد هؤلاء الجن الذين يكيدون له ، أين هذه الأوهام من عقيدة الإسلام التي جاء بها النبي – عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام – أين ذلك من مسلك السلف الصالح ؟ هذه الأوهام يجب أن تبعد كل البعد .
      ومما يؤسف أن كثيرا من هؤلاء الذي يصابون بأمثال هذه الأشياء ، يذهب أحدهم إلى أحدهم يشتكي إليه ما أصابه ، وسرعان ما يزيده وهما على وهم فيقول له : هذا أصابك بسبب السحر ، بل أقل ما يقولون له أن هذا بسبب الحسد ، لو مرض أحد وشكا مرضه إلى أحد من هؤلاء الذين قد يعتنون بالعلاج الروحاني فأدنى ما يقولونه للمصاب ، أصبت بما أصبت به بسبب حسد الحاسدين ؛ لأن الناس لا يصابون بأمراض إلا بسبب حسد من الناس ، مع أن البلوى من الله ، الله تبارك وتعالى يحكي عن إبراهيم قوله : ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) الشعراء (80) المرض إنما ينزله الله – سبحانه وتعالى - ، والشفاء إنما يمن به الله – سبحانه وتعالى – على عباده ، وهذه الأوهام هي التي سببت هذه الوساوس الشيطانية ، وتراكمات هذه الأوهام عبدت الطرق للشياطين ، حتى أصبح الناس أسارى فيما تمليه الشياطين عليهم من الوساوس .
      ومن المعلوم أن أي أحد يصدق وهما من الأوهام يكون أسيرا لهذا الوهم . كما ذكرنا عن الناس قبل الإسلام في مصر وفي غيرها ، وفي هذه الآونة الأخيرة خبرت بأن أحدا من الناس كان يتخيل إليه أن في رأسه مسمارا من حديد ، وقد ذهب إلى الأطباء وحاول كل طبيب أن يقنعه أن ليس في رأسه شيء ، وهو يقول : لا ، و يقول أنه موقن أن في رأسه مسمارا من حديد حتى جاء إلى طبيب وعرف الطبيب داءه فأراد أن يعالجه علاجا نفسيا ، فقلا له : صدقت فيما قلت ، والمسمار هكذا ظهر في الأشعة ونحن إن شاء الله سننتزعه ، فخدره ونومه ، وبعد التخدير شطبه قليلا ، ثم ضمده ، ثم جاء بمسمار بحديد وطلاه بدم ديك ذبحه ، بعد ذلك قال له بعدما أفاق : الحمد لله هذا المسمار نزعناه ، أنت ستكون بصحة جيدة ، وإنما بقي أن تحرك هذه الضمادة حتى يشفى جرحك وسيزول ما بك ، وأخذ ذلك الرجل يشكر ذلك الطبيب ويقول : الحمد لله ارتفع عني ذلك الوجع الذي كنت أحسه ، كان لا ينام ليله ، إذن هذه الأوهام التي كانت تخرب رأسه وظل هكذا فترة من الزمن هو في راحة بعدما زالت عنه تلك المعاناة ، إلا أن بعض الناس قال له بعد فترة : ما كنت تشكو شيئا وإنما الطبيب عالجك علاجا نفسيا وهذه القضية ، حدثه بقصة الطبيب وما فعله الطبيب . قال : لذلك أنا أحس بالوجع إذا لا يزال الوجع في رأسي ، وأخذ بعد ذلك يسهر ليله مما يحس من الوجع الوهمي، ويبكي من شدة الوجع ويقول : لا يزال المسمار موجودا في الرأس .
      قبل ثلاثة عقود من السنين اطلعت أيضا على قصة أن أحدا من الناس كان يخيل إليه أنه حبة قمح ، كلما أبصر دجاجة هرب منها ؛ خشية أن تبتلعه ، يخيل أنه حبة قمح ، فعالجه الأطباء النفسانيون وحدثوه بأنه ليس بحبة قمح وإنما هو إنسان ، وبصروه بالفوارق بينه وبينها ، وهذه الحبة لا تتكلم وليس لها لسان وليس لها يدان وليس لها رجلان وليس لها عقل . هذه الأوهام عندما تعشش في الأذهان تتلاعب بالإنسان كل تلاعب فيصبح الإنسان أسيرا لها ، بل يصبح أسيرا لوسوسة الشيطان بعد ذلك ، فبهذه الأوهام تعبد الطرق للشياطين .
      قبل فترة من الزمن ، قبل نحو ربع قرن من الزمن أو ما يزيد على ذلك ، كان هذا من الأمر النادر ، ما كان يذكر ، كان من النادر أن يصادف الإنسان أمرا من أمثال هذه الأمور ، بينما الآن أصبح هذا الأمر سائدا عند الصغار والكبار ، والنساء والرجال ، فالكل إنما أصبح أسير وهم ، الكل يشكو كل ما يشكو بسبب السحر وبسبب الجن المردة ، وبسبب تأثير الشياطين إلى غير ذلك مما كان يشكونه ، ونحن نرى أن هذا أدى إلى ما يزلزل العقيدة ، ويضعف العقيدة في نفوس البشر ، حتى أصبحت الثقة بالله أمرا غير وارد عند كثير من الناس .
      كثير من الناس لو شكا أمرا من هذا النوع وأرشد إلى تلاوة آيات من ذكر الله – سبحانه – أو دعاء مأثور عن النبي – صلى الله عليه وسلم – يدعوه ، يرى أن ذلك لا يفيد ، ولا يريد إلا أن يكتب له ، قد يؤمن كثير منهم بكتابات فيها من غير القرآن ، فيها طلاسم لا نعرف معانيها ، فيها أوفاق لا نعرف معانيها ومن أين جيء بها مع أن هذا لا يجوز ، ونهى عنه الإمام السالمي – رحمه الله – عندما يقول :
      ثم الكتابة التي قد ذكرت** لا أعرف الوجه لها لو شهرت
      حادثة في جمعها المعهود ** وأصلها قد كان في الجنود
      والله قد أغنى العباد عنها** بأدعيات يستجاب منها
      وعندما سئل : عن مثل هذا ، قال :( بالله عليكم كم حرز كان على أبي بكر ؟!! وكم حرز كان على عمر ؟!! – رضي الله عنهما - .)
      فصحابة النبي – صلى الله عليه وسلم – ما كانوا يعرفون هذه الأشياء ، فقد كانوا يأخذون بالأسباب مع تعويلهم على الله وتوكلهم عليه – سبحانه وتعالى – واستعمالهم الرقى الشرعية ، كانوا يعالجون أنفسهم بأنفسهم بآيات من الكتاب العزيز ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – فعل ذلك ، كان كثيرا ما يرقي بالمعوذتين ، أقر أصحابه على الرقية بفاتحة الكتاب ، وقال : لمن رقى بها كأنها رقية ، وهذه إنما راجعة إلى الإيمان لأن أثر الإيمان في حياة الإتيان أثر كبير ، فبقدر ما يكون الإنسان مؤمنا بالأمر ، يكون تأثير ذلك تأثيرا بالغا .
      نحن نرى كثيرا من الناس الآن يقولون بأنهم يترددون على الطب المادي ، الطب المعهود ، ولكنهم لا ينتفعون ، هذا لأنهم يأتون إلى الطبيب وفي قرارة نفسهم أن ذلك العلاج ليس هو العلاج ليس هو علاجا لهذه العلة ، والإنسان عندما يقبل على الدواء وهو غير واثق بأن الله – تبارك وتعالى – جعل ذلك الدواء سببا لشفاء ذلك الداء ، لا يكون للدواء تأثير ، هكذا في الغالب ، فلذلك ينبغي على الإنسان أن يقبل على العلاج والأخذ بالأسباب وهو واثق بأن الله – تبارك وتعالى قد جعل لكل شيء سببا وأنه هو مسبب الأسباب ، فإن أراد شفاء هذا الداء بهذا الدواء فسوف يشفى بمشيئة الله.
      كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – ( فإن أصاب الدواءُ الداءَ برأ بإذن الله ) لم يقل برأ وإنما قال بإذن الله ؛ لأن الأسباب مهما توافرت فإن وراءها مسبب الأسباب ، هذا ومما ينبغي أن ننبه عليه أن ترداد مثل هذه الحكايات التي لا أصل لها ولا حقيقة لها بين الأولاد سبب لإصابة الأولاد بأمراض نفسية ، فإن نشأة المولود ما بين أبوين يسمع هذه الحكايات التي لا أصل لها من الصحة يجعله أسيرا لهذه الأوهام وتتنامى في نفسه شيئا فشيئا ؛ لأنه رُبِّيَ عليها من أول الأمر ، فبعد ذلك يكون كثير الفزع فيتصور تصورات ، ويتصور أشباحا متنوعة ، ويتحدث عن أشياء ومشاهد مختلفة مع أن ذلك ليس من الحقيقة في شيء ، وكما يقول الأستاذ أحمد أمين في كتابيه ضحى الإسلام وفكر الإسلام عندما يتحدث عن المعتزلة : بأن اعتقاد المعتزلة أن الجن لا يظهرون للناس ، وأنهم لا يتعرضون للناس ، عدم تصديقهم بشيء من هذه الأمور جعل أولادهم بمنأى عن كل هذه الخيالات التي تصيب أولاد الآخرين ، هم لا يصدقون شيئا من هذه الأمور ولذلك أولادهم لو خرجوا في ظلام الليل الدامس لا يتخيل أن شبحا يطارده ، أو أن شيئا ينثر له بين عينيه ؛ لأن هذا الوهم غير وارد عنده.
      وهكذا اعتقاد الإنسان الشيء بأنه واقع يجعله في صورة واقعة ، وإن لم يكن واقعا ، فلذلك نحن ندعو إن تكون هذه الصحوة نظيفة بمشيئة الله – سبحانه وتعالى – من أمثال هذه الترهات بقدر المستطاع ، وهذا لا ينافي أن يكون الإنسان مأمورا أن يستعيذ بالله من شر الجنة والناس ، وإنما هذه الاستعاذة بالطرق المألوفة وذلك بأن يذكر الله – تبارك وتعالى – ، وأن يعول على كتابة الكريم ، وأن يعول على الطهر والنظافة في المظهر والمخبر ، في الظاهر بحيث ينام على وضوء ، وينام وعلى ذكر الله – سبحانه وتعالى – وفي المخبر بحيث يكون طاهر السريرة ، موصولا بالله سبحانه ، جامعا بين خوف الله – سبحانه وتعالى ورجائه – حتى لا يشغله شيء من الخوف عن خوف الله ، ولا يشغله شيء من الرجاء والتعلق عن رجاء الله – تبارك وتعالى – والتعلق به ، بهذا ستندرئ هذه الأوهام بإذن الله ، وستزول ، والله تبارك وتعالى عليه المعول وهو حسبنا ونعم الوكيل ، أسأل الله – عز وجل أن يمنحنا التوفيق لما يحبه ويرضاه ، وأسأله سبحانه أن يعافينا في عقولنا وفي أبداننا وفي أرواحنا ، وأن يجعل الحياة زيادة في كل خير ، والموت راحة لنا من كل شر ، إن تعالى على كل شيء قدير وإنه بالإجابة جدير ، نعم المولى ونعم النصير ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

      الأسـئـلــة :

      ســؤال :
      بعض الناس اتخذ من قصة المسحورة التي أوردها الإمام السالمي رحمه الله تكأة لتبرير ما يدعون.

      الـجــواب :
      هذه القصة غير صحيحة، ومما يؤسف له أن الإمام السالمي رحمه الله ورضي عنه وعفا عنه وجد قصيدة نظمت فيها، ولا أدري في أية حالة من الحالات صدق الإمام السالمي، أو أخذ هذه القصيدة على مأخذ الجد، لا أقول صدقها، إنما أورد هذه القصة وليته لم يوردها في كتابه، وهذه قصة غير صحيحة، وقد سئل الإمام محمد بن عبدالله الخليلي رحمه الله عن إيراد الإمام السالمي لهذه القصة فقال: لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة، وقال: بأن هذه كانت كبوة لشيخنا السالمي وليته لم يفعل ذلك، وأنا وجدت من العلماء من هو سابق زمناً وتاريخاً على الإمام السالمي من ينكر هذه القصة أشد الإنكار، وجدت الشيخ ناصر بن أبي نبهان الخروصي يبادر في إنكارها ويشدد كثيراً، ويقول هذه قصة وهمية نسجت، وليست هي من الصحة في شيء، فعلى أي حال لا ينبغي أن يأخذ الإنسان القصص هذه مأخذ الجد ويصدقها وليعلم الطالب (أن السيرا تجمع ما صح وما قد أنكرا).
      قبل فترة من الفترات، قبل ستة وعشرين عاماً من الآن، ذهبت عند أحد المشائخ وقد توفي الآن، فوجدته كتب قصة في دفتر، والدفتر في مجلسه واطلعت على القصة فعجبت من هذا، وجدته كتب جاءني فلان بن فلان، وهو منطقة سداب التي هي من ضواحي مسقط، جاءني فلان وذكر أنه سافر إلى الكويت كذا من السنين إلى الكويت، واصطحب معه ابناً له يسمى فلاناً، وتوفي الابن في الكويت، أصيب بمرض وتوفي ودفن، وإذا به بعد هذه السنين يظهر في عمان، والشيخ الذي كتب هذه القصة هو أحد القضاة الشرعيين وله مؤلفات، يقول ووجده بعينه وعليه علاماته التي تدل على أنه هو الولد الذي كان عنده وتوفي حسب الظاهر، فعجبت من هذا.
      ثم بعد يوميات بعد الظهر إذا بي أرى سيارة تقف أمام بيتي وينزل منها رجل وامرأة، وجاءوا إليّ، وإذا بالرجل يحدثني بالقصة نفسها، ويقول بأنه هو أبو الولد وأنه اصطحب ابنه إلى الكويت، ومرض الولد وتوفي الكويت، وبعد سنين، بعدما عاد هو إلى عمان، بعد مضي سنين وجد الابن بعينه بكل علاماته عند أحد بعينه، ويقول هو الساحر الذي سحره!!!، وقد أثّر عليه وغير اسمه وغير عقله وأصبح ينفر منا ونفر من أمه وهذه أمه، وتقول هي بأنها اطلعت على كل العلامات التي كانت تحفظها في جسم ابنها، اطلعت عليها في جسم هذا الذي ظهر.
      استبعدت هذا الأمر، وقلت لهما: انصرفا وإن شاء الله أنا أفكر في ذلك، في نفس ذلك اليوم، مساء ذلك اليوم، بعد صلاة العصر أو بعد أقل من ثلاث ساعات من مجيئهما، ذهبت إلى عزاء في مسقط، وإذا برجل فيه لوثة جنون، وبعض المشائخ القضاة هناك قالوا لي بأن هذا الرجل طلق امرأته وهو مصاب بلوثة في عقله، فهل يثبت طلاقه؟!، انظر إليه واسمع منه، وإذا بهم ينادونه بالاسم الذي فهمت من الرجل والمرأة أن الساحر سمى به ولده، فبعدما نظرت إليه قلت لهم: هل هذا هو الذي يقال بأنه مسحور؟!، قالوا نعم، هذا هو الذي يقال بأنه مسحور، ومن عجيب الأمر أن هذه المرأة التي تدعي أنها أمه وتدعي أن هذا هو ابنها الذي مات قبل سنين، من عجيب الأمر أنها قالت علاماته كذا وكذا وكذا، فجاءوا الشرطة ورأوا هذه العلامات، فقالوا خذي ابنك، مع أننا نعرف أن هذا ولد هذا الرجل منذ طفولته، وابن خالته هو أحد أفراد الأسرة المالكة في عمان، فما كان من أب هذا الولد إلا أن ذهب إلى ابن الخالة -الذي هو من أفراد الأسرة- وأخبره، فاتصل بمحافظ العاصمة في ذلك الوقت وقال: هذا الرجل ابن خالتي، كيف ينزع من أبيه وأمه ويسلم إلى رجل آخر وإلى امرأة أخرى؟.
      فهذه قضية ما يقال من أن فلان توفي ثم بعد ذلك ظهر بعد سنين أو بعد أيام، هذه الأشياء شاعت في وقت من الأوقات نتيجة تعشيش الجهل في الأدمغة حتى كان لا يكاد يتوفى أحد إلا ويقال إنه مسحور، والآن أصبح لا يمرض أحد إلا ويقال بأنه مسحور، من وهم إلى وهم.

      ســؤال :
      يقولون أن النيل ينبع من منابع معروفة ، فما رأيكم كما في يوضح صحيح البخاري من أن النيل هو : سيحون وجيحون ودجلة والفرات أنها تنبع من الجنة ؟

      الـجــواب :
      ليس كل ما روي في البخاري روي رواية صحيحة ، وإن ثبت السند ينقد من حيث المتن ، إن مما يؤسف أن الكثير من المحدثين أو النقاد نظروا إلى جانب السند وتجاهلوا جانب المتن ، مع أنه لا بد من أن ينقد الحديث من جانب المتن ، وهذا الذي فعله الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، كانوا كثيرا ما ينقدون الروايات حتى ولو جاءت عن الثقات مع أن الصحابة ، مع أن الصحابة هم ثقات ، وما كان هناك واسطة إلا أحدهم بين المروي له وبين النبي – صلى الله عليه وسلم – ومع ذلك ردوها ، ومثال ذلك أم المؤمنين عائشة –رضي الله تعالى عنها – رواية عمر – رضي الله تعالى عنه – ورواية ابنه عبدالله بن عمر بأن يعد ببكاء أهله عليه ، وقالت : يأخذ الله بأبي عبد الرحمن لم يكن أفأنه لم يكن ليكذب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولكن لعله وهم عندما سمع أن النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول في اليهودية التي مروا على أهلها وهم يبكون عليها: ( إنهم ليبكون عليها ، وإنها لتعذب في قبرها ) ، ثم قالت : حسبكم القرآن ، لا تزر وازرة وزر أخرى . ردت الرواية بسبب ما شذ فيها من معارضة لما جاء في القرآن الكريم ، ومثل ذلك صنيع عمر – رضي الله تعالى عنه – في حديث فاطمة بنت قيس ، وصنيع ابن عباس في رده الحكم بن عمر الغفاري وغيرهم ، فكانوا يردون الرواية لما يشتبهونه منها من مخالفة للثابت في العقيدة ، فهل نقبل أن النبي – صلى الله عليه وسلم – يتعرى أمام الملأ ؟!! في صحيح البخاري أنه – صلى الله عليه وسلم – عندما كان يشارك قريشا في بناء الكعبة كان يحمل حجارة على كتفه فتتأثر كتفه من حمل هذه الحجارة ، وكان عليه إزار ، فقال له عمه العباس : لو خلعت إزارك فاتقيت به ، فخلع النبي – صلى الله عليه وسلم – إزاره في الكعبة ، بيت الله الحرام ، هل هذا الكلام معقول ، وخرّ بعد ذلك مغشيا عليه ، ينادي إزاري، إزاري . غير معقول أبدا ، تنقد الرواية من أجل مخالفة متن ثابت ، فالله – تبارك وتعالى – يصف الرسول – عليه أفضل الصلاة والسلام بأنه على خلق عظيم ، أن يبلغ به إلى مثل هذا التصرف .
      كذلك نحن نجد في صحيح مسلم من حديث أنس ، وبريء عن أن يروي ذلك ، وإنما عزي إلى أنس ، أن النبي – عليه أفضل الصلاة والسلام – أخبر بأن جاريته مارية يواقعها ابن عمها فأمر علي كرم الله وجهه أن يذهب إليه ويقتله ، فهل من يصدر من الرسول – صلى الله عليه وسلم – لمجر أن يقال له فعل فلان كذا يأمر بقتل ذلك الذي أسند إليه ، مع أنه – صلى الله عليه وسلم – لو كان بشرا عاديا لأخذ عبرة من قصة الإفك ، وكانت قصة الإفك قبل ذلك ، ثم عندما وقع إن عندما وقعت قصة الإفك لم يتصرف هذا التصرف ، وهل يكون أغير على جاريته من غيرته على أم المؤمنين عائشة ، وهو ما أمر بقتل الرجل ، ولا صدر منه شيء من هذا التصرف قط ، فكيف يمكن يقع ذلك ، هذا دليل على أن الروايات التي دخلها الكثير من كيد الكائدين للإسلام .

      ســؤال :
      أن هناك الكثير من القصص التي تنسب إلى الأئمة والعلماء – رضي الله تعالى عنهم – ما هي مخالفة لأبسط السنن الكونية ، ويدعي الكثير أنها من الكرامات التي يؤيدون بها ، ما رأيكم في ذلك ، ومن ذلك مثلا ما يروى عن الشيخ محمد بن علي بن عبد الباقي – رحمه الله – أخذ فلج الغنتق في نزوى وأجراه في مكة ، وما يروى عن الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي – رحمه الله – كان يفهم منطق الطير .

      الـجــواب :
      هذه القصص يعني راجت في وقت من الأوقات كثيرا وكل أمر لا يقبله العقل لا يمكن أن ينسب له ، وأبعد من ذلك ما ذكر أخيرا ولم يذكر أولا : من أن أبا عبيدة – رضي الله تعالى عنه - دعا الله ، فانفرجت السماء الأولى ثم الثانية ثم الثالثة ، وأبصر العرش ، الكلام هذا لا يصح ولا يقبل لأنه مخالف للكون.

      ســؤال :
      أرأيت الذين يفرقون بين المرء وزوجه ، كيف يتم التأثير ؟ وكيف يتم تجنب هذا النوع من السحر ؟

      الـجــواب :
      التأثير ، الله أعلم به . ولكن الشيطان يوسوس وهؤلاء أولياء الشياطين يوسوس الشيطان حتى يكون هنالك شقاق وخلاف ، ومن شأن الشيطان أن يوسوس ، والشيطان أوتي قوة روحانية شريرة، هذه القوة هي ابتلاء من الله – سبحانه وتعالى – للعباد ، فمن خلال تعاطف الشياطين مع أوليائهم هؤلاء قد يحاولون هذه المحاولات ، تنجح أحيانا ولا تنجح أحيانا ، وعندما يريد الله أن يبتلي من شاء تنجح هذه المحاولة ، وإلا فلا .

      ســؤال :
      كيف يتم تجنب هذا النوع من السحر ؟

      الـجــواب :
      تجنب هذا السحر إنما يكون بالرقية الشرعية بأن يتسعيذ الإنسان بالله تبارك وتعالى من شر الجنة والناس . النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يخلو بنفسه قبل النوم ، فكان يقرأ المعوذتين ، فينفث في يديه ويمسح على جسمه ، وقد علم عبدالله بن عمرو عندما شكا إليه ما أفزعه في نومه أن يقول : أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعذابه ومن شر عباده ، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ، كذلك دعاء مأثور : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق . ومن الدعاء المأثور : أعوذ بالواحد الصمد من شر كل ذي حسد . ومن الدعاء المأثور : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما أجد وأحاذر .هذه كلها بمشيئة الله تحصينات الإنسان لأن يعوذ بالله وهو واثق أن الله – تبارك وتعالى – يعيذ مما استعاذ به .

      أقتصر على هذا القدر وأسأل الله تعالى أن يلهمنا الرشد والصواب وصلى الله وسلم على سيدنا محمد .
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • مكتبة عامرة بالمعلومات القيمة
      أكتب ما اشعر به وأقول ما أنا مؤمن به انقل هموم المجتمع لتصل الي المسئولين وفي النهاية كلنا نخدم الوطن والمواطن
    • شكرا إخواني على مروركم الطيب
      بصراحة كنت أود مواصلة إثرائها في هذه الفترة لكن الضروف حالت بيني وبين مواصلة المشوار لكن سأعود إليها بإذن الله
      انتضر مساهماتكم فيها
    • أهلا وسهلا بك من جديد بعد غيابك الطويل

      ورد المنى كتب:

      شكرا إخواني على مروركم الطيب
      بصراحة كنت أود مواصلة إثرائها في هذه الفترة لكن الضروف حالت بيني وبين مواصلة المشوار لكن سأعود إليها بإذن الله
      انتضر مساهماتكم فيها


      بارك الله فيك أختي ورد المنى على سعيك المتواصل لإحياء المكتبة من جديد وإثرائها بكل جديد ومفيد وأتمنى أن تتغلبي على ظروفك في أقرب وقت فنحن بانتظارك .

      في أمان الله