~¤¦¦§¦¦¤~ في رحـــاب القــرآن الكريـــم ~¤¦¦§¦¦¤~

    • وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)

      [B]شرح الكلمات

      {موسى}: موسى بن عمران نبي مرسل إلى بني إسرائيل.
      {الكتاب}: التوراة.
      {قفينا}: أرسلناهم يَقْفُو بعضهم بعضاً أي واحداً بعدَ واحد.
      {البينات}: المعجزات وآيات الله في الإِنجيل.
      {روح القدس}: جبيريل عليه السلام.
      {غلفٌ}: عليها غلاف يمنعها من الفهم لما تدعونا إليه، أو هي أوعية للعلم فلا نحتاج معها إلى أن نتعلم عنك.
      {كتاب من عند الله}: القرآن الكريم.
      {بغياً}: حسداً وظلماً.


      معنى الآيات
      ما زال السياق الكريم في ذكر إنعام الله تعالى على بني إسرائيل، وذكر معايبهم وبيان مثالبهم لعل ذكر الإِنعام يحملهم على الشكر فيؤمنوا، وذكر المعايب يحملهم على الإِصلاح والتوبة فيتوبوا ويصلحوا ففي الآية (87) يذكر تعالى منته بإعطاء موسى التوراة وإرسال الرسل بعده بعضهم على أثر بعض، وبإعطاء عيسى البينات وتأييده بروح القدس جبريل عليه السلام ومع هذا فإنهم لم يستقيموا بل كانوا يقتلون الأنبياء ويكذبونهم فوبخهم الله تعالى على ذلك قوله: { أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون }. وفى الآية الثانية (88) يذكر تعالى تبجحهم بالعلم واستغناءهم به، ويبطل دعواهم ويثب على ذلك وهي أن الله لعنهم بكفرهم فلذا هم لا يؤمنون وفي الآية الثالثة (89) يذكر تعالى كفرهم بالقرآن ونبيّه بعد أن كانوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يقولون للعرب إن نبياً قد أظل زمانه وسوف نؤمن به ونقاتلكم معه وننتصر عليكم فلما جاءهم، عرفوا كفروا به فلعنه الله عليهم لأنهم كافرون. وفى الآية الرابعة (89) يقبّح الله تعالى سلوكهم حيث باعوا أنفسهم رخيصة، باعوها بالكفر فلم يؤمنوا بالقرآن ونبيّه حسداً أن يكون في العرب نبي يوحى إليه ورسول يطاع ويتبع، فجعوا من طول رحلتهم في الضلال بغضب عظيم سببه كفرهم بعيسى، وبغضب عظيم سببه كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ومع العذاب المهين في الدنيا والآخرة.


      هداية الآيات
      1. واجب النعمة الشكر، وواجب الذنب التوبة.
      2. قبح رد الحق لعدم موافقته لهوى النفس.
      3. فظاعة جريمة القتل والتكذيب بالحق.
      4. سوء عاقبة التبجح بالعلم وإدعاء عدم الحاجة إلى المزيد منه.
      5. ذم الحسد وأنه أخو البغي وعاقبتهما الحرمان والخراب.
      6. شر ما يخاف منه سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى.[/B]


    • وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)

      [B]شرح الكلمات

      {بما أنزل الله}: من القرآن.
      {بما أنزل علينا}: التوراة.
      {وهو الحق مصدقاً}: القرآن الكريم مقرر لأصول الأديان الإِلهية كالتوحيد.
      {البيانات}: المعجزات.
      {اخذتم العجل}: يريد إلهاً عبدتموه في غيبة موسى عليه السلام.
      {وأشربوا في قلوبهم العجل}: أي حب العجل الذي عبدوه بدعوة السامري لهم بذلك.

      معنى الآيات
      ما زال السياق الكريم في بني إسرائيل وتقريعهم على سوء أفعالهم ففي الآية الأولى (191) يخبر تعالى أن اليهود إذا دعوا إلى الإِيمان بالقرآن يدّعون أنهم في غير حاجة إلى إيمان جديد بحجة أنهم مؤمنون من قبل بما أنزل الله تعالى في التوراة وبهذا يكفرون بغير التوراة وهو القرآن مع أن القرآن حق والدليل أنه مصدق لما معهم من حق في التوراة ثم أمر الله رسوله أن يبطل دعواهم موبخاً إياهم بقوله: {فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين} إذ قتل الأنبياء يتنافى مع الإِيمان تمام المنافاة.
      وفي الآية الثالثة (93) يذكِّر تعالى اليهود بما أخذه على أسلافهم من عهد وميثاق بالعمل بما جاء في التوراة عندما رفع الطور فوق رؤوسهم تهديداً لهم غير أنهم لم يفوا بما عاهدوا عليه كأنهم قالوا سمعنا وعصينا، فعبدوا العجل وأشربوا حبه في قلوبهم بسبب كفرهم ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقبّح ما ادّعوه من أن إيمانهم هو الذي أمرهم بقتل الأنبياء وعبادة العجل، والتمرد والعصيان.


      هداية الآيات
      1. مشروعية توبيخ أهل الجرائم على جرائمهم إذا أظهروها.
      2. جرأة اليهود على قتل الأنبياء والمصلحين من الناس.
      3. وجوب أخذ أمور الشرع بالحزم والعزم والقوة.
      4. الإِيمان الحق لا يأمر صاحبه إلا بالمعروف، والإِيمان الباطل المزيف يأمر صاحبه بالمنكر.[/B]


    • قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)

      [B]شرح الكلمات


      {إن كنتم صادقين}: أي في دعوى أن نعيم الآخرة خاص بكم لا يشارككم فيه غيركم.
      {حياة}: التنكير فيها لتعم كل حياة ولو كانت ذميمة.
      {الذين أشركوا}: هم غير أهل الكتاب من سائر الكفار.
      {بمزحزحه}: بمبعده من العذاب.
      {مصدقاً لما بين يديه}: القرآن مصدق لما في الكتب السابقة من نعت الرسول صلى الله عليه وسلم والبشارة به ومن التوحيد ووجوب الاسلام لله تعالى.
      {ميكال}: ميكال وميكائيل. ملك من أعاظم الملائكة وقيل معناه عبيد الله.


      معنى الآيات

      ما زال السياق الكريم فى الرد على اليهود وإبطال حججهم الواهية ففي الآية الأولى (94) أمر الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم مباهلاً إياهم: إن كانت الدار الآخرة خالصة لكم لا يدخل الجنة معكم أحد فتمنوا الموت لتدخلوا الجنة وتستريحوا من عناء الدنيا ومكابلة العيش فيها فإن لم تتمنوا ظهر كذبكم وثبت كفركم وأنكم أصحاب النار، وفعلاً ما تمنوا الموت ولو تمنوه لماتوا عن آخرهم.
      وفي الآية الثانية (95) أخبر تعالى أن اليهود لن يتمنوا الموت أبداً وذلك بسبب ما قدموه من الذنوب والخطايا العظام الموجبة لهم عذاب النار بأنهم مجرمون ظلمة والله عليم بالظالمين وسيجزيهم بظلمهم إنه قادر عليم.وفي الآية الثالث (96) يخبر الله تعالى أن اليهود أحرص الناس على الحياة حتى من المشركين الذين يود الواحد منهم أن يعيش ألف سنة، فكيف يتمنون الموت إذاً وهم على هذا الحال من الحرص على الحياة، وذلك لعلمهم بسوء مصيرهم إن هم ماتوا. كما يخبر أن الكافر لا ينجيه من العذاب طول العمر ولو عاش أكثر من ألف سنة، ثم هدد الله تعالى اليهود وتوعدهم بقوله { والله بصير بما يعملون } من الشر والفساد وسيجزيهم به.وفي الآية الرابعة (97) يأمر تعالى رسوله أن يرد على اليهود قولهم: لو كان الملك الذى يأتيك بالوحي مكيائيل لآمنا بك، ولكن لما كان جبريل فجبريل عدونا لأنه ينزل بالعذاب، بقوله: {قل من كان عدوا لجبريل} فليمت غيظاً وحنقاً فإن جبريل هوالذي ينزل بالقرآن بإِذن ربه على قلب رسوله مصدقاً -القرآن- لما سبقه من الكتب وهدى يهتدى به وبشى يبشر به المؤمنون الصالحون.وفي الآية الخامسة (98) يخبر تعالى أن من يعاديه عز وجل ويعادي أولياءه من الملائكة والرسل وبخاصة جبريل فإنه كافر، والله عدو له ولسائر الكافرين.



      هداية الآيات

      1. صحة الإِسلام، وبطلان اليهودية، وذلك لفشل اليهود في المباهلة بتمني الموت.
      2. المؤمن الصالح يفضل الموت على الحياة لما يرجوه من الراحة والسعادة بعد الموت.
      3. صدق القرآن فيما أخبر به عن اليهود من حرصهم على الحياة ولو كانت رخيصة ذميمة إذ هذا أمر مشاهد منهم إلى اليوم.
      4. عداوة الله تعالى للكافرين. ولذا وجب على المؤمن معاداة أهل الكفر لمعاداتهم الله، ومعاداة الله تعالى لهم[/B]

    • وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)


      [B]شرح الكلمات

      {آيات بينات}:هي آيات القرآن الكريم الواضحة فيما تدل عليه من معان.
      {يكفر بها}: يجحد بكونها كتاب الله ووحيه الى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
      {نبذه}: طرحه وألقاه غير آبه به ولا ملتفت إليه.
      {رسول}: التنكير للتعظيم والرسول هو محمد صلى الله عليه وسم، ومن قبله عيسى عليه السلام.
      {لما معهم}: من نعتِ الرسول صلى الله عليه وسلم وتقرير نبوته، وسائر أصول دينه الإِسلام.
      {كتاب الله}: أي أعرضوا عنه ولم يلتفتوا إليه لمنافاته لما هم معروفون عليه من الكفر بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم كأنهم لا يعلمون مع أنهم يعلمون حق العلم.

      معنى الآيات
      ما زال السياق الكريم في تقرير نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعموم رسالته والرد على اليهود وإظهار ما هم عليه من الفسق والكفر والظلم ففي الآية الأولى (99) يرد تعالى على قول ابن صوريا اليهودي للرسول صلى الله عليه وسلم ما جئتنا بشىء بقوله: { ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون } كالأعور بن صوريا اليهودي وفي الآية الثانية (100) ينكر الحق سبحانه وتعالى على اليهود كفرهم ونبذهم للعهود والمواثيق وليسجل عليهم عدم إيمان أكثرهم بقوله: { بل أكثرهم لا يؤمنون }. وفي الآية الثالثة (101) ينعى البارىء عز وجل على العلماء اليهود نبذهم للتوراة لما رأو فيها من تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإثباتها فقال: { ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون }.

      هداية الآيات
      1. الفسق العام ينتج الكفر، إن العبد إذا فسق وواصل الفسق عن أوامر الله ورسوله سيؤدي به ذلك إلى أن ينكر ما حرم الله وما أوجب فيكفر لذلك والعياذ بالله.
      2. اليهود لا يلتزمون بوعد ولا يفون بعهد، فيجب أن لا يوثق في عهودهم أبداً.
      3. التوراة أحد كتب الله عز وجل المنزلة أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران عليه السلام.
      4. قبح جريمة من تنكَّر للحق بعد معرفته، وصبح وكأنه جاهل به.


      وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)


      شرح الكلمات
      {ما تتلوا الشياطين}: الذي تتبعه وتقول به الشياطين من كلمات السحر.
      {على ملك سليمان}: على عهد ملك سليمان ووقت حكمه.
      {السحر}: هو كل ما لطف مأخذه وخفي سببه مما له تأثير على أعين الناس أو نفوسهم أو أبدانهم.
      {هاروت وماروت}: ملكان وجدا للفتنة.
      {اشتراه}: اشترى السحر بتعلمه والعمل به.
      {الخلاق}: النصيب والحظ.


      معنى الآيات
      ما زال السياق الكريم في بيان ما عليه اليهود من الشر والفساد ففي الآية الأولى (102) يخبر تعالى أن اليهود لما نبذوا التوراة لتقريرها بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتأكيدها لصحة دينه اتبعوا الأباطيل والترهات التي جمعها شياطين الإِنس والجن في صورة رُقىً وعزائم وكانوا يحدثون بها، ويدّعون أنها من عهد سليمان بن داود عليهما السلام وأنها هي التى كان سليمان يحكم بها الإِنس والجن، ولازم هذا أن سليمان لم يكن رسولاً ولا نبياً وإنما كان ساحراً كافراً فلذا نفى الله تعالى عنه ذلك بوقوله: { وما كفر سليمان } وأثبته للشياطين فقال: { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر }. كما يعلمونهم ما أُلهِمَهُ الملكان هاروت وماروت ببابل العراق من ضروب السحر وفنونه وهنا أخبرنا تعالى عن ملكى الفتنة أنهما يقولان لمن جاءهما يريد تعلم السحر: إنما نحن فتنة فلا تكفر بتعلمك السحر وهذا القول منهما يفهم منه بوضوح أن أقوال الساحر وأعماله التي يؤثر بها على الناس منها ما هو كفر في حكم الله وشرعه قطعاً.كما أخبر تعالى في هذه الآية أن ما يتعلمه الناس من الملكين إنما يتعلمونه ليفرقوا بين الرجل وامرأته، وأن ما يحدث به من ضرر هو حاصل بإذن الله تعالى حسب سنته في الأسباب والمسببات، ولو شاء الله أن يوجد مانعاً يمنع من حصول الأمر بالضرر لفعل وهو على كل شىء قدير. فبهذا متعلموا السحر بسائر أنواعه إنما هم يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم. وفي آخر الآية يقرر تعالى علم اليهود بكفر الساحر ومتعلم السحر ومتعاطيه حيث أخبر تعالى أنهم لا نصيب لهم في الآخرة من النعيم المقيم فيها فلذا هم كفار قطعاً. وأخيراً يقبح تعالى ما باع به اليهود أنفسهم، ويسجل عليهم الجهل بنفي العلم إذ قال تعالى: { ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون }.وفي الآية الثانية (103) يفتح تعالى على اليهود باب التوبة فيعرض عليهم الإِيمان والتقوى فيقول: { ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون }.
      هداية الآيات
      1. الاعراض عن الكتاب والسنة لتحريمهما الشر والفساد والظلم يفتح أمام المعرضين أبواب الباطل من القوانين الوضعية، والبدع الدينية، والضلالات العقلية.
      2. كفر الساحر وحرمة تعلم السحر، وحرمة استعماله.
      3- الله تعالى خالق الخير وَالضَّيْرِ ولا ضرر ولا نفع إلا بإذنه فيجب الرجوع إليه في جلب النفع، ودفع الضر بدعائه والضراعة إليه.
      4- العلم المبهم كالظَّن الذي لا يقين معه لا يغير من نفسية صاحبه شيئاً.[/B]

      [B]
      [/B]

    • يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)


      [B]شرح الكلمات

      {راعنا}: أمهلنا وانظرنا حتى نعى ما نقول.
      {انظرنا}: أملهنا حتى نفهم ما تقول ونحفظ.
      {من خير من ربكم}: من الوحي الإِلهي المشتمل على التشريع المتضمن لكل أنواع الهداية وطرق الإسعاد والإِكمال في الدارين.
      {الفضل}: ما كان من الخير غير محتاج إليه صاحبه، والله عز وجل هو صاحب الفضل إذ كل ما يمن به ويعطيه عباده من الخير هو في غنى عنه ولا حاجة به إليه أبداً.


      معنى الآيات
      أما الآية ألأولى (104) فقد أمر الله تعالى المؤمنين أن يُراعوا الأدبْ في مخاطبة نبيّهم صلى الله عليه وسلم تجنباً للكلملات المشبوهة ككلمة راعنا، إذ قد تكون من الرعونة، ولم تدل عليه صيغة المفاعلة إذ كأنهم يقولون راعنا نُرَاعِكَ، وهذا لا يليق أن يخاطب به الرسول صلى الله عليه وسلم.وأرشدهم تعالى إلى كلمة سليمة من كل شبهة تنافي الأدب وهي انظرنا، وأمرهم أن يسمعوا لنبيّهم إذا خاطبهم حتى لا يضطروا إلى مراجعته؛ إذ الاسْتِهْزَاءُ بالرسول والسخرة منه ومخاطبته بما يفهم الاستخفاف بحقه وعلوّ شأنه وعظيم منزلته كفر بواح. وفي الآية الثانية (105) أخبر تعالى عباده المؤمنين بأن الكفرين من أهل الكتاب ومن غيرهم من المشركين الوثنيين لا يحبون أن يُنزل عليكم من خير من ربكم وساء كان قرآنُاً يحمل أسمى الآداب وأعظم الشرائع وأهدى سبل السعادة والكمال، أو كان غير ذلك من سائر أنواع الخيرات، وذلك حسداً منهم للمؤمنين كما أخبرهم أنه تعالى يختص برحمته من يشاء من عباده فحسد الكافرين لكم لا يمنع فضل الله عليكم ورحمته بكم متى أرادكم بذلك.


      هداية الآيات
      1. وجوب التأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مخاطبته بعدم استعمال أي لفظة قد تفهم غير الإِجلال والإِكبار له صلى الله عليه وسلم.
      2. وجوب السماع لرسول الله بامتثال أمره واجتناب نهيه، وعند مخاطبته لمن أكرمهم الله تعالى بمعايشته والوجود معه.
      3. التحذير من الكافرين كتابيين أو مشركين لأنهم أعداء حسدة للمؤمنين فلا يحل الركون إليهم والإِطمئنان إلى أقوالهم وأفعالهم، إذ الريبة لا تفاقهم.


      مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)


      شرح الكلمات
      {ننسخ}: نبدّل أو نزيل.
      {ننسها}: نمحها من قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
      {وليّ}: حافظ يحفظكم بتولي أموركم.
      {نصير}: ناصر يدفع عنكم المكروه.
      {أم تريدون}: بل أتريدون، إذ أم هنا للإِضراب الانتقالي فهي بمعنى بل والهمزة، وما سئله موسى هو قول بني إسرائيل له: { أرنا الله جهرة }
      {سواء السبيل}: وسط الطريق الآمن من الخروج عن الطريق.

      معنى الآيات
      يخبر تعالى راداً على الطاعِنين فى تشريعه الحكيم الذين قالوا إن محمداً يأمر أصحابه اليوم بأمر وينهى عنه غداً أنه تعالى ما ينسخ من آية تحمل حكماً شاقاً على المسلمين إلى حكم أخف كنسخ الثبوت لعشرة في قتال الكافرين إلى الثبوت إلى إثنين. أو حكماً خفيفاً إلى شقا زيادة في الأجر كنسخ يوم عاشوراء بصايم رمضان، أو حكماً خفيفاً إلى حكم خفيف مثله كنسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، أو حكماً إلى غير حكم آخر كنسخ صدقة من أراد أن يناجي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الحكم رفع ولم يشرع حكم آخر بدالً عنه، او نسخ الآية بإزالتها من التلاوة ويبقى حكمها كآية الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله فقد نسخ اللفظ من التلاوة وبقي الحكم. أو بنسخ الآية وحكمها. وهذا معنى قوله أو ننسها وهي قراءة نافع، فقد ثبت أن قرآناً نزل وقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه ثم نسخه الله تعالى لفظاً ومعنى فمحاه من القلوب بالمرة فلم يقدر على قراءته أحد. وهذا مظهر من مظاهر القدرة الإِلهية الدال عليه قوله: { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } ، وهو أيضاً مظهر من مظاهر التصرف الحكيم الدال عليه قوله: { ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض } فهو تعالى يتصرف فينسخ ويبقي ويأتي بخير مما نسخ أو بمثلهة بحسب حاجة الأمة ومتطلبات حياتها الروحية والمادية. فسبحان من إله قدير حكيم: ينسي ما يشاء وينسخ ما يريد. أما قوله تعالى في آية (108): { أم تريدون أن تسألوا رسولكم } ، فهو توبيخ لمن طالب الرسول صلى الله عليه وسلم بأمور ليس في مكنته، وإعلام بأن من يجري على أسلوب التعنت وسوء الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم قد يصاب بزيغ القلب فيكفر، دلّ على هذا قوله تعالى: { ومن يتبدل الكفر بالإِيمان فقد ضل سواء السبيل }.


      هداية الآيات
      1. ثبوت النسخ في القرآن الكريم، كما هو ثابت في السنة، وهما أصل التشريع ولا نسخ في قياس ولا إجماع.
      2. رأفة الله تعالى بالمؤمنين في نسخ الأحكام وتبديلها بما هو نافع لهم في دنياهم وآخرتهم.
      3. وجوب التسليم لله والرضى بأحكامه، وعدم الاعتراض عليه تعالى.
      4. ذم التنطع في الدين وطرح الأسئلة المحرجة والتحذير من ذلك.[/B]

    • وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)


      [B]شرح الكلمات

      {تبين لهم الحق}: عرفوا أن محمداً رسول الله وأنَّ دينه هو الدين الحق.
      {فاعفوا واصفحوا}:لا تؤاخذوهم ولا تلوموهم، إذ العفو ترك العقاب والصفح الإِعراض عن المذنب.
      {حتى يأتي الله بأمره}: أي الإِذن بقتالهم والمراد بهم يهود المدينة وهم بو قينقاع وبنو النضير، وبنو قريظة.

      معنى الآيات
      في الآية الأولى (109) يخبر تعالى المؤمنين بنفسيّة كثير من أهل الكتاب وهي الرغبة الملحة في أن يتخلى المسلمون عن دينهم الحق ليصبحوا كافرين ومنشأ هذه الرغبة الحسد الناجم عن نفسية لا ترغب أن ترى المسلمين يعيشون في نور الإِيمان بدل ظلمات الكفر، وعبد أن أعلم عباده المؤمنين بما يضمر لهم أعداؤهم، أمرهم بالعفو والصفح لأن الوقت لم يحن بعد لقتالهم فإذا حان الوقت قاتلوهم وشفوا منهم صدورهم.
      وفي الآية الثانية (110) أمر الله تعالى المؤمنين بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وفعل الخيرات تهذيباً لأخلاقهم وتزكية لنفوسهم وواعدهم بحسن العاقبة بقوله: { إن الله بما تعملون بصير }.


      هداية الآيات
      1. اليهود والنصارى يعلمون أن الإِسلام حق وأن المسلمين على حق فحملهم ذلك على حسدهم ثم عداوتهم، والعمل على تكفيرهم.. وهذه النفسية ما زالت طابع أهل الكتاب إزاء المسلمين إلى اليوم.
      2. في الظرف الذي لم يكن مواتياً للجهاد على المسلمين أن يشتغلوا فيه بالإِعداد للجهاد، وذلك بتهذيب الأخلاق والأرواح وتزكية النفوس بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وفعل الخيرات إبقاء على طاقاتهم الروحية والبدنية إلى حين يؤذن لهم بالجهاد.
      3. تقوية الشعور بمراقبة الله تعالى ليحسن العبد نيته وعمله.


      وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)

      شرح الكلمات
      {أليس الله بأحكم الحاكمين}: بلى أي هو أحكم الحاكمين، ولما أدعى اليهود والنصارى أن الجنة لا يدخلها إلا من كان يهودياً أو نصرانياً قال تعالى: بلى أي ليس الأمر كما تزعمون فلا يدخل الجنة يهودي ولا نصراني ولكن يدخلها من أسلم وجهه لله وهو محسن أي عبد آمن فصدق وعمل صالحاً فأحسن.
      {ليست على شيء}: أي من الدين الحق.
      {يتلون الكتاب}: أي التوراة والإِنجيل.
      {الذين من قبلهم}: هذا اللفظ صادق على مشركي العرب، وعلى غيرهم من أمم جاهلة سبقت.


      سبب النزول والمعنى
      لما جاء وفد نصارى نجران إلى المدينة التقى باليهود في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ولعدائهم السابق تَمَارَوْا فادعت اليهود أن الجنة لا يدخلها إلا من كان يهودياً، وادعت النصارى أن الجنة لا يدخللها إلا من كان نصرانياً فرد الله تعالى عليه وأبطل دعواهم حيث طالبهم بالبرهان عليها فلم يقدروا وأثبت تعالى دخول الجنة لمن زكى نفسه بالإِيمان الصحيح والعمل الصالح فقال: { بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن } يريد قلبه وجوارحه فآمن ووحد وعمل صالحاً فأحسن فهذا الذي يدخل الجنة وهي أجره على إيمانه وصالح أعماله، فلا هو يخاف ولا يحزن. هذا معنى الآيتين ألأولى (111) والثانية (112) وأما الآية الثالثة (113) فقد سجلت كفر كل من اليهود والنصارى، بشهادتهم على بعضهم بعضاً فقد كفرّ اليهود النصارى بقولهم: إنهم ليسوا على شيء من الدين الحق الذي يعتد به ويؤبه له، وكفرّ النصارى اليهود بقوله: ليست اليهود على شيء مع أنهم يقرأون التوراة والإِنجيل فلذا كان تكفيرهم لبعضهم البعض حقاً وصدقاً. ثم أخبر تعالى أن ما وقع فيه اليهود والنصارى وهم أهل كتاب من الكفر والضلال ققد وقع ليه أمم قبلهم دون علم منهم وذلك لجهلهم، وأخبر تعالى أنه سيحكم بينهم يوم القيامة ويجزيهم بكفرهم وضلالهم.


      هداية الآيات
      1. إبطال تأثير النّسب في السعادة والشقاء، وتقرير أن السعادة بدخول الجنة مردها إلى تزكية النفس بالإِيمان والعمل الصالح، وإن الشقاوة بدخول النار مردها إلى الشرك، وارتكاب الذنوب. فلا نسبه إلى يهودية أو نصرانية أو غيرهما تُغني عن صاحبها، وإنما المغني بعد فضل الله ورحمته الإِيمان العلم الصالح بعد التخلي عن الشرك المعاصي.
      2. كفر اليهود والنصارى وهو شر كفر لأنه كان على علم.
      3. الإِسلام الصحيح القائم على أسسه الثلاثة الإِيمان والإِسلام والإِحسان هو سبيل النجاة من النار والفوز بالجنة.[/B]

    • [B]وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)

      شرح الكلمات
      {سعى في خرابها}: عمل في هدمها وتخريبها حقيقة أو بمنع الصلاة فيها وصرف الناس عن التعبد فيها إذْ هذا من خرابها أيضاً.
      {الخزي}: الذل والهوان.
      {فثم وجه الله}: هناك الله إذ الله عز وجل محيط بخلقه فحيثما اتجه العبد شرقاً أو غرباً شمالاً أو جنوباً وجد الله تعالى، إذ الكائنات كلها بين يديه وكيف لا يكون ذلك وقد أخبر عن نفسه أن الأرض قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه، فليس هناك جهة تخلو من علم الله تعالى وإحاطته بها وقدرته عليها. ويقرر هذا قوله: {إن الله واسع عليم}: إنه واسع الذات والعلم والفضل والجود والكرم عليم بكل شيء لأنه محيط بكل شيء.

      معنى الآيات
      ففي الآية الأولى (114) ينفي تعالى أن يكون هناك من هو أكثر ظلماً ممن منع مساجد الله تعالى أن يعبد الله تعالى فيها، لأن العبادة هي علة الحياة فمن منعها كان كمن أفسد الحياة كلها وعطلها، وفي نفس الوقت ينكر تعالى هذا الظلم على فاعليه وسواء كانوا قريشاً بصدهم النبي وأصحابه عن المسجد الحرام، أو فلطيوس ملك الروم الذى خرّب المسجد الأقصى أو غيرهم ممن فعلوا هذا الفعل أو من سيفعلونه مستقبلاً، ولذا ضمن تعالى قوله ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين، أمر المسلمين بجهاد الكافرين وقتالهم حتى يسلموا أو تكسر شوكتهم فيذلوا ويهونوا.وفى الآية الثانية (115) يخبر تعالى راداً على اليهود الذين انتقدوا أمر تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، مؤذناً بجواز صلاة من جهل القبلة أو خفيت عليه إلى أي جهة كانت فأخبر تعالى أن له المشرق والمغرب خَلقاً وملكاً وتصرفاً، وأنّ الله تعالى محيط، بالكائنات فحيثما توجه العبد فى صلاته فهو متوجه إلى الله تعالى، إلا أنه تعالى أمر بالتوجه في الصلاة إلى الكعبة فمن عرف جهتها لا يجوز له أن يتجه إلا إليها.

      هداية الآيات
      1. عظم جريمة من يتعرض للمساجد بأي أذىً أو إفساد.
      2. وجوب حماية المساجد من دخول الكافرين إلا أن يدخلوها بإذن المسلمين وهم أذلاء صاغرون.
      3. صحة صلاة النافلة على المركوب في السفر إلى القبلة وإلى غيرها.
      4. وجوب استقبال القبلة إلا عند العجز فيسقط هذا الواجب.
      5. العلم بإحاطة الله تعالى بالعوالم كلها قدرة وعلما فلا يخفى عليه من أمر العوالم شيء ولا يعجزة آخره.

      وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)

      شرح الكلمات
      {سبحانه}: تنزه وتقدس عن كل نقص ومنه أن يكون له ولد.
      {قانتون}: خاضعون مطيعون تجري عليهم أقداره وتنفذ فيهم أحكامه.
      {بديع السموات}: مبدعها أي موجدها على غير مثال سابق.


      معنى الآيات
      ما زال السياق الكريم في ذكر أباطيل الكافرين من أهل الكتاب والمشركين والرد عليها بما يظهر زيفها ويبطلها نهائياً ففي الآيتين الأولى (116) والثانية (117) يذكر تعالى قول أهل الكتاب والمشركين في أن الله اتخذ ولداً إذا قالت اليهود العزيران بن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وقال بعض مشركي العرب الملائكة بنات الله، ذكر تعالى قولهم اتخذ الله ولداً ثم نزّه نفسه عن هذا القول الباطل والفرية الممقوتة، وذكر الأدلة المنطقية العقلية على بطلان الدعوى.


      فأولاً: مِلْكِيَةُ الله تعالى لما في السموات والأرض، وخضوع كل من فيهما لحكمه وتصريفه وتدبيره يتنافى عقلاً مع
      اتخاذ ولد منهم.
      ثانياً: قدرة الله تعالى المتجلية في إبداعه السموات والأرض وفي قوله للشيء كن فيكون يتنافى معها احتاجه إلى الولد، وهو مالك كل شيء وربّ كل شيء وفي الآية الثالثة (118) يرد تعالى على قولة المشركين الجاهلينك { لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية } حيث اقترحوا ذلك ليؤمنوا ويوحدوا فأخبر تعالى أن مثل هذا الطلب مَنْ قَبْلَهُم فتشابهت قلوبهم في الظلمة والإِنتكاس، فقد قال اليهود لموسى أرنا الله جهرة، أما رؤية الله وتكليمه إياهم فغير ممكن في هذه الحياة حياة الامتحان والتكليف ولذا لم يجب إليه أحداً من قبلهم ولا من بعدهم، وأما الآيات فما أنزل الله تعالى وَبَيَّنُهُ في كتابه من الآيات الدالة على الإِيمان بالله ووجوب عبادته وتوحيده فيها، وعلى صدق نبيه في رسالته ووجوب الإِيمان به واتباعه كاف ومغنٍ عن آية مادة يريدونها، ولكن القوم كفرهم وعنادهم لم يروا في آيات القرآن ما يهديهم وذلك لعدم إيقانهم، والآيات يراها وينتفع بها الموقنون لا الشاكون المكذبون.

      هداية الآيات
      1. حرمة نسبة أي شيء إلى الله تعالى بدون دليل من الوحي الإِلهي إذ أنكر تعالى نسبة الولد إليه أنكره على أهل الكتاب والمشركين معا.
      2. تشابه قلوب أهل الباطل في كل زمان ومكان لاستجابتهم للشيطان وطاعتهم له.
      3. لا ينتفع بالآيات إلا أهل اليقين لصحة عقولهم وسلامة قلوبهم.
      4. على المؤمن أن يدعو إلى الله تعالى، وليس عليه أن يهدى، إذ الهداية بيد الله، وأما الدعوة فهي في قدرة الإِنسان، وهو مكلّف بها.[/B]



    • [B]إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)


      شرح الكلمات
      {ملتهم}: دينهم الذي هم عليه من يهودية ونصرانية.
      {من ولي ولا نصير}: الولي من يتولاك ويكفيك أمرك والنصير من ينصرك ويدفع عنك الأذى.


      معنى الآيات
      في الآية (119) يخفف تعالى على نبيّه هَمَّ مطالبة المشركين بالآيات بأنه غير مكلف بهداية أحد ولا ملزم بإيمان الآخرين، ولا هو مسئول يوم القيامة عمن يدخل النار من الناس، إذ مهمته محصورة في التبشير والإِنذار تبشير من آمن وعمل صالحاً بالفوز بالجنة والنجاة من النار، وإنذار من كفر وعمل سوءاً بدخول النار والعذاب الدائم فيها.ما زال السياق في أهل الكتاب يكشف عوارهم ويدعوهم إلى الهدى لو كانوا يهتدون ففي الآية (120) يخبر تعالى رسوله وأمته التابعة له أن اليهود والنصارى لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم الباطلة وهي اليهودية أو النصرانية، وفي هذا نهى عن اتباعهم ثم أمره أن يخبرهم أن الهدى هدى الله الذي هو الإِسلام وليس اليهودية ولا النصرانية إذ هما بدعتان من وضع أرباب الأهواء والأطماع الماديّة.ثم يحذر الله رسوله وأمته من اتباع اليهود والنصارى بعد الذي جاءهم من العلم والنعمة التي أتمها عليهم وهي الإِسلام فيقول:
      { ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير }.


      وفي الآية (121) يخبر تعالى أن الذين آتاهم الله الكتاب التوراة والإِنجيل فكانوا يتلونه حق تلاوته فلا يحرفون ولا يكتمون هؤلاء يؤمنون بالكتاب حق الإِيمان أما الذين يحرفون كلام الله ويكتمون ما جاء فيه مننعوت النبي صلى الله عليه وسلم فهؤلاء لا يؤمنون به وهم الخاسرون دون غيرهم، ومن آمن من أهل الكتاب بكتابه وتلاه حق تلاوته سوف يؤمن بالنبي الأمي ويدخل في جينه قطعاً.


      هداية الآيات
      1. لا يحصل المسلم على رضا اليهود والنصارى إلا بالكفر بالإِسلام واتباع دينهم الباطل وهذا ما لا يكون للمسلم أبداً فلذا طَلَب رضا اليهود والنصارى محرم لا يحل أبداً.
      2. لا دين حق إلا الإِسلام فلا ينبغي أن يُلْتَفَتَ إلى غيره بالمرة.
      3. من يوالي اليهود والنصارى باتباعهم على باطلهم يفقد ولاية الله تعالى ويحرم نصرته.
      4. طريق الهداية في تلاوة كتاب الله حق تلاوته بأن يجوده قراءة ويتدبّره هداية ويؤمن بحكمه ومتشابهه، ويحلل حلاله ويحرم حرامه، ويقيم حدوده كما يقيم حروفه.

      يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)

      شرح الكلمات
      {إسرائيل}: لقب يعقوب بن اسحق بن إبراهيم عليهم السلام.
      {وبنو إسرائيل}: هم اليهود.
      {لا تجزي}: لا تقضي ولا تغني.
      {العدل}: الفداء.
      {شفاعة}: وساطة أحد.

      معنى الآيات
      يعظ الرحمن عز وجل اليهود فيناديهم بأشرف ألقابهم ويأمرهم بذكر نعمه تعالى عليهم وهي كثيرة، ويأمرهم أن يذكروا تفضيله تعالى لهم على عالمي زمانهم والمراد من ذكر النعم شكرها فهو تعالى في الحقيقة يأمرهم بشكر نعمه وذلك بالإِيمان به وبرسوله والدخول في دينه الحق (الإِسلام)، كما يأمرهم باتقاء عذاب يوم القيامة حيث لا تغني نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها فداء ولا تنفعها شفاعة وهذه هي نفس الكافر والمشرك حيث لا شفاعة تنال الكافر أو المشرك، ولا يجد لهم ناصر ينصرهم فيدفع العذاب إذ اتقاء عذاب يوم القيامة يكون بالإِيمان بالله ورسوله والعمل الصالح، بعد التخلي عن الكفر والمعاصي.

      هداية الآيات
      1. وجوب ذكر نعم الله على العبد ليجد بذلك دافعاً نفسياً لشكرها، إذ غاية الذكر هي الشكر.
      2. وجوب اتقاء عذاب يوم القيامة بالإِيمان وصالح الأعمال بعد التخلي عن الشرك والعصيان.
      3. استحالة الفداء يوم القيامة، وتعذر وجود شافع يشفع لمن مات على الشرك لا بإخراجه من النار، ولا بتخفيف العذاب عنه.[/B]

    • [B]وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)


      شرح الكلمات
      {بكلمات}: متضمنة أوامر ونواهي.
      {مقام ابراهيم}: الحجر الذي كان قد قام عليه ابراهيم أيام كان يبيني البيت وذلك أنه لما ارتفع البناء احتاج إبراهيم إلى حجر عال يرقى عليه ليواصل بناء الجدران فجيء بهذا الحجر فقام عليه فسمي مقام إبراهيم.
      {عهدنا}: وصينا وأمرنا.
      {اضطره}: ألجئه مكرها إلى العذاب.



      معنى الآيات
      بعد ذلك الحجاج الطويل الذي عاشه رسول الله مع طائفتي أهل الكتاب من اليهود والنصارى وكذلك المشركين في الآيات السابقة لهذه الآية أمر تعالى رسوله أن يذكر ابتلاءه تعالى لنبيه وخليله إبراهيم عليه السلام بما كّلفه به من أوامر ونواهي فقام بها خير قيام فأنعم عليه بأكبر إنعام وهو أنه جعله إماماً للناس، ومن أبرز تلك التكاليف وقوفه في وجه الوثنيين، وتحطيم أوثانهم، والهجرة من ديارهم والهم بذبح ولده إسماعيل قرباناً لله، وبناء البيت، وحجة والدعوة إليه مما استحق به الإمامة للناس كافة وفي هذا تبيين للفرق الثلاثة العرب المشركين واليهود والنصارى إذ كلهم يدعي انتماءه لإِبراهيم والعيش على ملته فها هو ذا إبراهيم موحد وهم مشركون، عادل وهم ظالمون، مُتّبَعٌ للوحي الإِلهي وهم به كافرون ولصاحبه مكذبون وفي الآية بيان رغبة إبراهيم في أن تكون الإِمامة فى ذريته وهي رغبة صالحة فجعلها الله تعالى في الذرية الصالحة واستثنى تعالى الظالمين. ما زال السياق في تذكير المشركين وأهل الكتاب معاً بأبي الأنبياء وإمام الموحدين إبراهيم عليه السلام، ومآثره الطيبة الحميدة، ومواقفه الإِيمانية العظيمة ليتجلى بذلك بطلان دعوى كل من أهل الكتاب والمشركين في انتسابهم إلى إبراهيم كذباً فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: اذكر لهم كيف جعلنا البيت مثابة للناس يثوبون إليه في كل زمان حجاجاً وعماراً، وأمناً دائماً من يدخله أمن على نفسه وماله وعرضه. وقلنا لمن حجوا البيت أو أعتمروا اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وتطهير البيت من كل رجس معنوياً كالأصنام وعبادة غير الله تعالى أو حسياً كالأقذار والأوساخ من دم أو بول حتى يتمكن الطائفون والعاكفون والمصلون من أداء هذه العبادات بلا أي أذىً يلحقهم أو يضايقهم.هذا ما تضمنته الآية (125) أما الثانية (126) فقد تضمنت أمر الله تعالى لرسوله أن يذكر دعوة إبراهيم ربَّه بأن يجعل مكة بلداً آمناً من دخله يأمن فيه على نفسه وماله وعرضه، وأن يرزق أهله وسكانه المؤمنين من الثمرات وأن الله قد استجاب لإبراهيم دعوته إلا أن الكافرين لا يحرمون الرزق في الدنيا ولكن يحرمون الجنة في الدار الآخرة حيث يلجئهم تعالى مضطراً لهم عذاب النار الغليظ وبئس المصير

      هداية الآيات
      1. الإِمامة لا تنال إلا بصحة اليقين والصبر على سلوك سبيل المهتدين والقيام بالتكاليف الشرعية قولاً وعملاً يؤهل لأن يكون صاحبه قدوة صالحة للناس.
      2. مشروعية ولاية العهد، بشرط أن لا يعهد إلا إلى من كان على غاية من الإِيمان والعلم والعمل والعدل والصبر.
      3. منة الله تعالى بجعل البيت مثابة للناس وأمناً توجب حمد الله على كل مؤمن.
      4. سنة صلاة ركعتين خلف المقام لمن طاف بالبيت ووجوب حماية البيت والمسجد الحرام من أي ضرر يلحق به
      6. بركة دعوة إبراهيم لأهل مكة، واستجابة الله تعالى له دعوته لله الحمد والمنة.
      7. الكافر لا يحرم الرزق لكفرة بل له الحق في الحياة إلا أن يحارب فيقتل أو يسلم.
      8. مصير من مات كافراً إلى النار، لا محالة، والموت في الحرم لا يغني عن الكافر شيئاً.


      وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)


      معنى الآيات
      ما زال السياق الكريم في ذكر مآثر إبراهيم عليه السلام المنبئة عن مكانته السامية في كمال الإِيمان والطاعة، وعظيم الرغبة في الخير والرحمة فقد تضمنت الآيات الثلاث ذكر إبراهيم وإسماعيل وهما يبنيان البيت برفع قواعده وهما يدعوان الله تعالى بأن يتقبل منهما عملهما متوسلين إليه بأسمائه وصفاته { إنك أنت السميع العليم }. كما يسألانه عز وجل أن يجعلهما مسلمين له وأن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة له مؤمنة به موحدة له ومنقادة لأمره ونهيه مطيعة، وأن يعلمهما مناسك حج بيته العتيق ليحجاه على علم ويتوب عليهما، كما سألاه عز وجل أن يبعث في ذريتهما رسولاً منهم يتلو عليهم آيات الله ويعلم الكتاب والحكمة ويزكيهم بالإِيمان وصالح الأعمال، وجميل الخلاب وطيب الخصال. وقد استجاب الله تعالى دعاءهما فبعث في ذريتهما من أولاد إسماعيل إمام المسلمين وقائد الغر الميامين نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله: " أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى... عليهم جميعاً السلام ".

      هداية الآيات
      1. فضل الإسهام بالنفس في بناء المساجد.
      2. المؤمن البصير في دينه يفعل الخير وهو خائف أن لا يقبل منه فيسأل الله تعالى ويتوسل إليه بأسمائه وصفاته أن يتقبله منه.
      3. مشروعية سؤال الله للنفس والذرية الثبات على الإِسلام حتى الموت عليه و وجوب طلب تزكية النفس بالإِيمان والعمل الصالح، وتهذيب الأخلاق بالعلم والحكمة.
      4. وجوب تعلم مناسك الحج والعمرة على من أراد أن يحج أو يعتمر.
      6. مشورعية التوسل إلى الله تعالى في قبول الدعاء وذلك بأسمائه تعالى وصفاته لا بحق فلان وجاه فلان كما هو شأن المبتدعة والضلال.[/B]



    • [B]وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)


      شرح الكلمات
      {ومن يرغب عن ملة ابراهيم}: الرغبة عن الشيء عدم حبه وترك طلبه وملة إبراهيم هي عبادة الله وحده بما شرع لعباده.
      {اصطفيناه}: اخترناه لرسالتنا والبلاغ عنا، ومن ثم رفعنا شأنه وأعلينا مقامه.
      {يعقوب}: هو اسرائيل بن اسحاق بن إبراهيم وبنوه هم يوسف وإخوته.
      {أمة خلت}: جماعة أمرها واحد. خلت: مضت إلى الدار الآخرة.


      معنى الآيات

      لما ذكر تعالى في الآيات السابقة مواقف إبراهيم السليمة الصحيحة عقيدة وإخلاصاً وعملاً صالحاً وصدقاً ووفاءً فوضح بذلك ما كان عليه إبراهيم من الدين الصحيح قال تعالى: { ومن يرغب عن ملة إبراهيم } تلك الملة الحنيفة الواضحة السهلة. اللهم لا أحد يرغب عنها إلا عبد جهل قدر نفسه، ولم يعرف لها حقها في الطهارة والصفاء والإِكمال والإِسعاد وضمن هذا الخبر ذكر تعالى إنعامه على إبراهيم وما تفضل به عليه من الإِصطفاء في الدنيا والإِسعاد في الآخرة في جملة الصالحين. وفي الآية الثانية (131)يذكر تعالى أن ذاك إلا اصطفاء تم لإِبراهيم عند استجابته لأمر ربه بالإِسلام حيث أسلم ولم يتردد. وفي الآية الثالثة (132) يذكر تعالى إقامة الحجة على المشركين وأهل الكتاب معاً إذ ملة الإِسلام القائمة على التوحيد وصى بها إبراهيم بنيه، كما وصى بها يعقوب بنيه وقال لهم: لا تموتن إلا على الإِسلام فأين الوثنية العربية واليهودية والنصرانية من ملة إبراهيم، ألا فليثبت العقلاء إلى رشدهم. وفي الآية الرابعة (133) يوبخ تعالى اليهود القائلين كذباً وزوراً للنبي صلى الله عليه وسلم: ألست تعلم أن يعقوب وصى بَنيه باليهودية فقال تعالى: {أم كنتم شهداء} أي أكنتم حاضرين لما حضر يعقوب الموت فقال لبنيه مستفهماً إياهم: ما تعبدون من بعدي؟ فأجابوه بلسان واحد: {نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلهاً واحداً ونحن له مسلمونَ} فإن قالوا كنا حاضرين فقد كذبوا وبهتوا ولعنوا وإن قالوا لم نحضر بطلت دعواهم أن يعقوب وصى بنيه باليهودية، وثبت أنه وصاهم بالإِسلام لا باليهودية.
      وفي الآية الأخيرة (134) ينهي تعالى جدل اليهود الفارغ فيقول لهم: { تلك أمة قد خلت } -يعني إبراهيم وأولاده- لها ما كسبت من الإِيمان وصالح الأعمال، ولكم أنتم معشر يهود ما اكتسبتم من الكفر والمعاصي وسوف لا تسألون يوم القيامة عن أعمال غيركم وإنما تسألون عن أعمالكم وتجزون بها، فاتركوا الجدل وأقبلوا على ما ينفعكم في آخرتكم وهو الإِيمان الصحيح والعمل الصالح، ولا يتم لكم هذا إلا بالإِسلام فأسلموا.


      هداية الآيات

      1. لا يرغب عن الإِسلام بتركه أو طلب غيره من الأديان إلا سفيه لا يعرف قدر نفسه.
      2. الإِسلام دين البشرية جمعاء، وما عداه فهي أديان مبتدعة باطلة.
      3. استحباب الوصية للمريض يوصي فيها بنيه وسائر أفراد أسرته بالإِسلام حتى الموت عليه.
      4. كذب اليهود وبهتانهم وصدق من قال: اليهود قوم بهت.
      5. يحسن بالمرء ترك الإِعتزاز بشرف وصلاح الماضيين، والإِقبال على نفسه بتزكيتها وتطهيرها.
      6. سنة الله في الخلق أن المرء يجزى بعمله، ولا يسأل عن عمل غيره.
      7. يطلق لفظ الأب على العم تغليبا وتعظيماً.[/B]

    • وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)


      شرح الكلمات
      {تهتدوا}: تصيبوا طريق الحق.
      {ملة إبراهيم}: دين إبراهيم الذي كان عليه.
      {حنفياً}: مستقيماً على دين الله موحداً فيه لا يشرك بالله شيئاً.
      {ما أوتي موسى}: التوراة.
      {وما أوتي عيسى}: الإِنجيل.
      {في شقاق}: خلاف وفراق وعداء لك وحرب عليك.
      {صبغة الله}: دينه الذي طهرنا به ظاهراً وباطناً فظهرت آثاره علينا كما يظهر أثر الصبغ على الثوب المصبوغ.

      معنى الآيات

      ما زال السياق في حجاج أهل الكتاب ودعوتهم إلى الإِسلام فقد قال اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه. كونوا يهوداً تهتدوا إلى الحق، وقالت النصارى من وفد نجران كذلك كونوا نصارى تهتدوا فحكى الله تعالى قولهم، وعلم رسوله أن يقول لهم لا نتبع يهوية ولا نصرانية بل نتبع دين إبراهيم الحنيف المفضي بصاحبه إلى السعادة والكمال.
      وفي الآية الثانية (136) أمر الله تعالى رسوله والمؤمنين أن يعلنوا في وضوح عن عقيدتهم الحقة وهي الإِيمان بالله وما أنزل من القرآن، وما أنزل على الأنبياء كافة، وما أوتي موسى وعيسى من التوراة والإِنجيل خاصة، مع عدم التفرقة بين رسول ورسول والإسلام الظاهر والباطن لله رب العالمين.
      وفي الآية الثالثة (137) يقول تعالى لرسوله والمؤمنين إن آمن اليهود والنصارى إيماناً صحيحاً كإيمانكم فقد اهتدوا، وإن أبوا فتولوا وأعرضوا فأمرهم لا يعدو شقاقاً وحرباً لله ورسوله، والله تعالى سيكفيكهم بما يشاء وهو السميع لأقوالهم الباطلة العليم بأعمالهم الفاسدة، وقد أنجز تعالى وعده لرسوله فأخرج اليهود من المدينة بل ومن الحجاز مع ما جللهم به من الخزي والعار.
      وفي الآية الرابعة (138) يقول تعالى لرسوله والمؤمنين رداً على اليهود والنصارى قولوا لهم: نتبع صبغة الله التي صبغنا بها وفطرته التي فطرنا عليها وهي الإِسلام. ونحن له تعالى عابدون.


      هداية الآيات

      1. لا هداية إلا في الإِسلام ولا سعادة ولا كمل إلا بالإِسلام.
      2. الكفر برسول، كفر بكل الرسل فقد كفر اليهود بعيسى، وكفر النصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم فأصبحوا بذلك كافرين، وآمن المسلمون بكل الرسل فأصحبوا بذلك مؤمنين.
      3. لا يزال اليهود والنصارى في عداء للإِسلام وحرب على المسلمين، والمسلمون يكفيهم الله تعالى شرهم إذا هم استقاموا على الإِسلام عقيدة وعبادة وخلقاً وأدباً وحكماً.
      4. الواجب على من دخل في الإِسْلام أن يغتسل غسلاً كغسل الجنابة إذ هذا من صبغة الله تعالى، لا المعمودية النصرانية التي هي غمس المولود يوم السابع من ولادته في ماء يقال له المعمودي وإدعاء انه طهر بذلك ولا يحتاج إلى الختان.

    • [B]قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)


      شرح الكلمات
      {أتحاجوننا في الله}: أتجادلوننا في دينه والإِيمان به وبرسوله، والإِستفهام للإِنكار.
      {له مخلصون}: مخلصون العبادة له، لا نشرك غيره فيها، وأنتم مشركون.
      {شهادة عنده من الله}: المراد بهذه الشهادة ما أخذ عليهم في كتابهم من الإِيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم عند ظهوره.
      {الغافل}: من لا يتفطن للأمور لعدم مبالاته بها.


      معنى الآيات

      يأمر تعالى رسوله أن ينكر على أهل الكتاب جدالهم في الله تعالى إذ ادعوا أنهم أولى بالله من الرسول والمؤمنين وقالوا نحن أبناء الله وأحباؤه، فعلّم الله رسوله كيف ير عليهم منكراً عليهم دعواهم الباطلة. كما أفحمهم وقطع حجتهم في دعواهم أن إبراهيم والأنبياء بعده كانوا هوداً أو نصارى، إذ قال له قل لهم: { أأنتم أعلم أم الله؟ } فإن قالوا نحن أعلم، كفروا وإن قالوا الله أعلم انقطعوا لأن الله تعالى أخبر أنهم ما كانوا أبداً يهوداً ولا نصارى، ولكن كانوا مسلمين، ثم هددهم تعالى بجريمتهم الكبرى وهي كتمانهم الحق وجحودهم نعوت الرسول والأمر بالأيمان به عند ظهوره فقال ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله، وما الله بغافل عما تعملون.
      ثم أعاد لهم ما أدبهم به في الآيات السابقة مبالغة في تأديبهم وإصلاحهم لو كانوا أهلاً لذلك فأعلمهم أن التمسح بأعتاب الماضين والتشبث بالنصب الفارغة إلى الأولين غير مجد لهم لوا نافع فليقبلوا على إنقاذ أنفسهم من الجهل والكفر بالإِيمان والإِسلام والإِحسان، أما من مضوا فهم أمة قد أفضوا إلى ما كسبوا وسيجزون به، وأنتم لكم ما كسبتم وستجزون به، ولا تجزون بعمل غيركم ولا تسألون عنه.

      هداية الآيات

      1. فضيلة الإِخلاص وهو عدم الإِلتفات إلى غير الله تعالى عند القيام بالعبادات.
      2. كل امرىء يجزىء بعمله، وغير مسئول عن عمل غيره، إلا إذا كان سبباً فيه.
      3. اليهودية والنصرانية بدعة ابتدعها اليهود والنصارى.
      4. تفاوت الظلم بحسب الآثار المترتبه عليه.
      5. حرمة كتمان الشهادة لا سيما شهادة من الله تعالى.
      6. عدم الاتكال على حَسَبِ الآباء والأجداد، ووجوب الإِقبال على النفس لتزكيتها وتطهيرها بالإِيمان الصحيح والعمل الصالح.




      سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)


      شرح الكلمات
      {ماولاَّهم}: ما صرفهم عن استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة بمكة.
      {أمةً وسطاً}: وسط كل شيء خياره، والمراد منه أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأمم وأعدلها.
      {ينقلب على عقبيه}: يرجع إلى الكفر بعد الإِيمان.
      {لكبيرةً}: شاقة على النفس صعبة لا تطاق إلا بجهد كبير وهي التحويلة من قبلة مألوفة إلى قبلة حديثة.
      {إيمانكم}: صلاتكم التي صليتموها إلى بيت المقدس قبل التحول إلى الكعبة.
      {رؤوف رحيم}: يدفع الضرر عنكم ويفيض الإِحسان عليكم.

      معنى الآيات
      يخبر الله تعالى بأمر يعلمه قبل وقوعه، وحكمة الإِخبار به قبل وقوعه تخفيف أثره على نفوس المؤمنين إذ يفقد نقدهُم المرير عنصر المفاجأة فيه فلا تضطرب له نفوس المؤمن. فقاله تعالى: { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهَّم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ } وحصل هذا لم حوّل الله تعالى رسول والمؤمنين من استقبال بيت المقدس في الصلاة إلى الكعبة تحقيقاً لرغبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ولعلة الاختبار التي تضمنتها الآية التالية فأخبر تعالى بما سيقوله السفهاء من اليهود والمنافقين والمشركين وعلَّم المؤمنين كيف يردون على السفهاء، فقال: قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فلا اعتراض عليه يوجه عباده حيث يشاء، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
      وفي الآية الثانية (143) يقول تعالى: { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } خياراً عدولاً أي كما هديناكم إلى أفضل قبلة وهي الكعبة قبلة إبراهيم عليه السلام جعلناكم خيراً أمة وأعدلها فأهلناكم بذلك للشهادة على الأمم يوم القيامة إذا أنكروا أن رسلهم قد بلغتم رسالات ربهم، وأنتم لذلك لا تشهد عليكم الأمم ولكن يشهد عليكم رسولكم وفي هذا من التكريم والإِنعام ما الله به عليم، ثم ذكر تعالى العلة في تحويل القبلة فقال: { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول } فثبت على إيمانه وطاعته وانقياده لله ولرسوله ممن يؤثر فيه نقد السفهاء فتضطرب نفسه ويجاري السفهاء فيهلك بالردة معهم. ثم أخبر تعالى أن هذه التحويلة من بيت المقدس إلى الكعبة شاقة عل النفس إلا على الذين هداهم الله إلى معرفته ومعرفة محابه ومكارهه فهم لذلك لا يجدون أي صعوبة في الانتقال من طاعة إلى طاعة ومن قبلة إلى قبلة، مادام ربهم قد أحب ذلك وأمر به.
      وأخيراً طمأنهم تعالى على أجور صلاتهم التي صلوها إلى بيت المقدس وهي صلاة قرابة سبعة عشر شهراً بأنه لا يُضيعها لهم بل يجزيهم بها كاملة سواء من مات منهم وهو يصلي إلى بيت المقدس أو من حَييَ حَتَّى صلى إلى الكعبة وهذا مظهر من مظاهر رأفته تعالى بعباده ورحمته.


      هداية الآيات
      1- جواز النسخ في الإِسلام فهذا نسخ إلى بدل من الصلاة إلى بيت المقدس إلى الصلاة إلى الكعبة في مكة المكرمة.
      2- الأراجيف وافتعال الأزمات وتهويل الأمور شأن الكفار إزاء المسلمين طوال الحياة فعلى المؤمنين أن يثبتوا ولا يتزعزعوا حتى يَظْهَر الباطلُ وَيَنْكَشِفَ الزيفُ وتنتهَي الفتنة.
      3- أفضلية أمة الإِسلام على سائر الأمم لكونها أمة الوسط والوسيط شعارها.
      4- جَوَازُ امْتِحَانِ المؤمن وجريانه عليه.
      5- صحة صلاة من صلى إلى غير القبلة وهو لا يعلم ذلك وله أجرها وليس عليه اعادتها ولو صلى شهوراً إلى غير القبلة ما دام قد اجتهد في معرفة القبلة ثم صلى إلى حيث أدّاه اجتهاده.[/B]

      [B]
      [/B]

    • [B]قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)


      شرح الكلمات
      {تقلب وجهك في السماء}: تردده بالنظر إليها مرة بعد أخرى انتظاراً لنزول الوحي.
      {فلنولينك قبلة ترضاها}: فنحولنك إلى القبلة التي تحبها وهي الكعبة.
      {فول وجهك شطر المسجد}: حوّل وجهك جهة المسجد الحرام بمكة.
      {الحرام}: بمعنى المحرم لا يسفك فيه دم ولا يقتل فيه أحد.
      {أنه الحق من ربهم}: أي تحول القِبلة جاء منصوصاً عليه في الكتب السابقة.
      {يعرفونه}: الضمير عائد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يعلمون أنه نبي الله ورسوله لما في كتبهم من صفاته الواضحة القطعية.
      {من الممترين}: الشاكين والامتراء: الشك وعدم التصديق.


      معنى الآيات

      يعلم الله تعالى رسوله أنه كان يراه وهو يقلَّب وجهه في السماء انتظاراً لوحي يؤمر فيه باستقبال الكعبة بدل بيت المقدس لرغبته في مخالفة اليهود ولحبه لقبلة أبيه إبراهيم إذ هي أول قبلة وأفضلها فبناء على ذلك { فولِ وجهك شطر المسجد الحرام } ، وبهذا الأمر الإِلهي تحولت القبلة وروي أنه كان يصلي الظهر في مسجد بني سلمة المعروف الآن بمسجد القبلتين فصلى الرسول والمؤمنون وراءه ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة، وكيلا تكونَ القبلةُ خاصة بمن كان بالمدينة قال تعالى: { وحيث ما كنتم } أي في نواحي البلاد وأقطار الأرض { فولوا وجوهكم شطره } أي شطر المسجد الحرام كما أخبر تعالى وما أحدثوه من التشويش والتشويه إزاء تحول القبلة فقد علمه وسيجزيهم به إذ لم يكن تعالى بغافل عما يعملونه.وفي الآية الثانية (145) يخبر تعالى بحقيقة ثابتة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أتى اليهود والنصارى إلى قبلته كما أن النصارى لم يكونوا ليصلوا إلى بيت المقدس قبلة اليهود، ولا اليهود ليصلوا إلى مطلع الشمس قبلة النصارى، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لم يكونوا أبداً ليتابعوا أهل الكتاب على قبلتهم بعد أن هداهم الله إلى أفضل قبلة وأحبها إليهم. وأخيراً يحذر الله رسوله أن يبتع أهواء اليهود فيوافقهم على بدعهم وضلالاتهم بعد الذي أعطاه من العلم وهداه إليه من الحق، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يفعل ولو فعل لكان من الظالمين.وفي الآية الثالثة (146) يخبر تعالى أن علماء أهل الكتاب يعرفون أن الرسول حق وأن ما جاء به هو الحق معرفةً تامةً كمعرفتهم لأبنائهم، ولكن فريقاً كبيراً منهم يكتمون الحق وهم يعلمون أنه الحق، وفي الآية الرابعة (147) يخبر تعالى رسوله بأن ما هو عليه من الدين الحق هو الحق الوارد إليه من ربه فلا ينبغي أن يكون من الشاكين بحال من الأحوال.


      هداية الآيات
      1. وجوب استقبال القبلة في الصلاة وفي أي مكان كان المصلي عليه أن يتجه إلى جهة مكة.
      2. كفر كثير من أهل الكتاب كان على علم ايثاراً للدنيا على الآخرة.
      3. حرمة موافقة المسلمين أهل الكتاب على بدعة من بدعهم الدينية مهما كانت.
      4. علماء أهل الكتاب المعاصِرُونَ للنبي صلى الله عليه وسلم أنه النبي المبشر به وأنه النبي الخاتم واعرضوا عن الايمان به وعن متابعته إيثاراً للدنيا على الآخرة.[/B]

    • وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)



      [B]شرح الكلمات



      {نعمتي}: نعم الله كثيرة وأعظمها نعمة الاسلام وإتمامها بمواصلة التشريع والعمل به إلى نهاية الكمال، وكان ذلك في حجة الوداع بعرفات حيث نزلت آية:
      { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً }
      {رسولاً}: هو محمد صلى الله عليه وسلم والتنكير في للتعظيم.
      {يزكيكم}: يطهركم من الذنوب والأخلاق السيئة والملكات الرديئة.
      {الحكمة}: السنة وهي كل قول صالح لا ينتهي صلاحه ونفعه بمرور الزمن.
      {الشكر}: إظهار النعمة بصرفها فيما من أجله وهبها الله تعالى لعباده.
      {والكفر}: جحد النعم وإخفاؤها وصرفها في غير ما يحب الله تعالى.

      معنى الآيات

      بعد تقرير تلك الحقيقة التي تضمنتها آية
      { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب }
      إلخ... وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أتى أهل الكتاب بكل آية تدل على صدقه في أمر القبلة ما تبعوا قبلته، النصارى يستقبلون بيت المقدس. أخبر تعالى أن لكل أمة قبلة مولية وجهها الشمس ولا صلاتها، فاتركوا أيها المسلمون أهل تلك الملل الضالة وسابقوا في الخيرات ونافسوا في الصالحات شكراً لربكم على نعمة هدايته لكم لقبلة أبيك إبراهيم فإنه تعالى جمعكم ليوم القيامة وسائلكم ومجازيكم بأعمالكم إنه على كل شيء قدير، هذا ثم أمر الله رسوله أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام حيثما كان في الحضر كان أو في السفر وأعلمه أن تحوله إلى الكعبة حقٌ ثابت من ربه تعالى فلا يتردد فيه.


      هذا ما تضمنته الآيتان (148) و (149) وأما الآية (150) فإنه تعالى أمر رسوله والمؤمنين بأن يولوا وجوههم شطر المسجد الحرام حيثما كانوا وأينما وجدوا ويثبتوا على ذلك حتى لا يكون لأعدائهم من اليهود والمشركين حجة، إذ يقول اليهود: ينكرون ديننا ويستقبلون قبلتنا، ويقول المشركون: يدعون أنهم على ملة ابراهيم ويخالفون قبلته. هذا بالنسبة للمعتدلين منهم أما الظالمون والمكابرون فإنهم لا سبيل إلى اقناعهم إذ قالوا بالفعل: ما تحول إلى الكعبة إلا ميلاً إلى دين آبائه ويوشك أن يرجع إليه، فمثل هؤلاء لا يبالي بهم ولا يلتفت إليهم كما قال تعالى: { إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني }. فاثبتوا على قبلتكم الحق لأتم نعمتي عليكم بهدايتكم إلى أحسن الشرائع وأقومها، ولأهيئكم لكل خير وكمال مثل ما أنعمت عليكم بإرسال رسولي، يزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة، ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمونه من أمور الدين والدنيا معاً وفي الآية الأخيرة (152) أمر تعالى المؤمنين بذكره وشكره، ونهاهم عن نسيانه كفره، فقال تعالى: { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } لما في ذكره بأسمائه وصفاته ووعده ووعيده من موجبات محبته ورضاه ولما في شكره بإقامة الصلاة وأداء سائر العبادات من مقتضيات رحمته وفضله ولم في نسيانه وكفرانه من التعرض لغضبه وشديد عقابه وأليم عذابه.

      هداية الآيات

      1- الاعراض عن جدل المعاندين، والاقبال على الطاعات تنافساً فيها وتسابقاً إليها إذ هو أنفع وأجدى من الجدل والخصومات مع من لا يرجى رجوعه إلى الحق.
      2- وجوب استقبال القبلة في الصلاة وسواء كان في السفر أو في الحضر إلا أن المسافر يجوز أن يصلي النافلة حيث توجهت دابته أو طيارته أو سيارته إلى القبلة وإلى غيرها.
      3- حرمة خشية الناس ووجوب خشية الله تعالى.
      4- وجوب شكر الله تعالى على نعمه الظاهرة والباطنة.
      5- وجوب تعلم العلم الضروري ليتمكن العبد من عبادة الله عبادة تزكي نفسه.
      6- وجوب ذكر الله بالتهليل والتكبير والتسبيح ووجوب شكره بطاعته.
      7- حرمة نسيان ذكر الله، وكفران نعمه بترك شكرها.



      [/B]
    • [B]{ يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } * { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ } * { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }

      شرح الكلمات:

      { الاستعانة }: طلب المعونة والقدرة على القول أو العمل.

      { الصبر }: حمل النفس على المكروه وتوطينها على احتمال المكاره.

      { الشعور }: الاحساس بالشيء المفضي إلى العلم به.

      { الابتلاء }: الاختبار والامتحان لإِظهار ما عليه الممتحن من قوة أو ضعف.

      { الأموال }: جمع مال وقد يكون ناطقاً وهو المواشي ويكون صامتاً وهو النقدان وغيرهما

      { المصيبة }: ما يصيب العبد من ضرر في نفسه أو أهله أو ماله.

      { الصلوات }: جمع صلاة وهي من الله تعالى هنا المغفرة لعطف الرحمة عليها.

      { ورحمة }: الرحمة الإِنعام وهو جلب ما يسر ودفع ما يضر، وأعظم ذلك دخول الجنة بعد النجاة من النار.

      { المهتدون }: إلى طريق السعادة والكمال بإيمانهم وابتلاء الله تعالى لهم وصبرهم على ذلك.

      معنى الآيات:

      نادى الرب عباده المؤمنين وهم أهل ملة الإِسلام المسلمون ليرشدهم إلى ما يكون عوناً لهم على الثبات على قبلتهم التي اختارها لهم، وعلى ذكر ربهم وشكره وعدم نسيانه وكفره فقال: { يا أيها الذين آمنوا استعينوا } أي على ما طلب منكم من الثبات والذكر ولشكر، وترك النسيان ولكفر بالصبر الذي هو توطين النفس وحملها على أمر الله تعالى به وبإقام الصلاة، وأعلمهم أنه مع الصابرين يمدهم بالعون والقوة، فإذا صبروا نالهم عون الله تعالى وتقويته وهذا ما تضمنته الآية الأولى (153) أما الآية الثانية (154) فقد تضمنت نهيه تعالى لهم أن يقولوا معتقدين إن من قتل في سبيل الله ميت إذ هو ي في البرزخ وليس بميت بل هو حي يرزق في الجنة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش ".(رواه مسلم). فلذا لا يقال لمن قتل في سبيل الله مات ولكن استشهد وهو شهيد وحيّ عند ربه حياة لا نحسها ولا نشعر بها لمفارقتها للحياة في هذه الدار. وأما الآية الثالثة (155) فإنه يقسم تعالى لعباده المؤمنين على أنه يبتليهم بشيء من الخوف بواسطة اعدائه واعدائهم وهم الكفار عندما يشنون الحروب عليهم وبالجوع لحصار العدو ولغيره من الأسباب، وبنقص الأموال كموت الماشية للحرب والقحط، وبالأنفس كموت الرجال، وبفساد الثمار بالجوائح، كل ذلك لإِظهار من يصبر على إيمانه وطاعة ربه بامتثال أمره واجتناب نهيه ومن لا يصبر فيحرم ولاية الله وأجره، ثم أمر رسوله بأن يبشر الصابرين، وبين في الآية الرابعة (156) حال الصابرين وهي أنهم إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله، فله أن يصيبنا بما شاء لأنَّا ملكه وعبيده، وإنا إليه راجعون بالموت فلا جزع إذاً ولكن تسليم لحكمه ورضاً بقضائه وقدره، وفي الآية الخامسة (157) أخبر تعالى مبشراً أولئك الصابرين بمغفرة ذنوبهم وبرحمة من ربهم، وإنهم المهتدون إلى سعادتهم وكمالهم.
      فقال: { أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك المهتدون }.

      هداية الآيات:
      من هداية الآيات:

      1- فضيلة الصبر والأمر به الاستعانة بالصبر والصلاة على المصائب والتكاليف وفي الحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.

      2- فضل الشهداء على غيرهم بحياتهم عند ربهم حياة أكمل من حياة غيرهم في الجنة.

      3- قد يبتلى المؤمن بالمصائب في النفس والأهل والمال ليصبر فترتفع درجته ويعلو مقامه عند ربه.

      4- فضيلة الاسترجاع عند المصيبة وهو قول: إن الله وإنا إليه راجعون، وفي الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم، " ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها ". (رواه مسلم)
      [/B]



    • [B]إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)


      شرح الكلمات

      {الصفا والمروة}: جبل مقابل البيت في الجهة الشرقية الجنوبية، والمروة جبل آخر مقابل الصفا من الجهة الشمالية والمسافة بينهما قرابة (760) ذراعاً.
      {شعائر الله}: أعلام دينه جمع شعيرة وهي العلامة على عبادة الله تعالى فالسعي بين الصفا والمروة شعيرة لأنه دال على طاعة الله تعالى.
      {الحج}: زيارة بيت الله تعالى لأداء عبادات معينة تسمى نسكاً.
      {العمرة}: زيارة بيت الله تعالى للطواف به والسعي بين الصفا والمروة والتحلل بحلق شعر الرأس أو تقصيره.
      {الجناح}: الاثم وما يترتب على المخالفة بترك الواجب أو بفعل المنهى عنه.
      {يطوَّف}: يسعى بينهما ذاهباً جائياً.
      {خيراً}: الخير اسم لكل ما يجلب المسرة، ويدفع المضرة والمراد به هنا العمل الصالح.


      معنى الآيات

      يخبر تعالى مقرراً فرضية السعي بين الصفا والمروة، ودافعاً ما توهمه بعض المؤمنين من وجود إثم في السعي بينهما نظراً إلى أنه كان في الجاهلية على الصفا صنم يقال له إسافٌ، وآخر على المروة يقال له نائلة يتمسحبهما من يسعى بين الصفا والمروة فقال تعالى: إن الصفا والمروة يعني السعي بينهما من شعائر الله أي عبادة منعباداته إذ تعبد بالسعي بينهما نبيه إبراهيم وولده إسماعيل والمسلمون من ذريتهما.
      فمن حج البيت لأداء فريضة الحج أو اعتمر لأداه واجب العمرة فليسع بينهما إداءً لركن الحج والعمرة ولا إثم عليه في كون المشركين كانوا يسعون بينهما لأجل الصنمين: اساف ونائلة.
      ثم أخبر تعالى واعداً عباده المؤمنين أن من يتطوع منهم بفعل خير من الخيرات يجزه به وثبه عليه، لأنه تعالى يشكر بعباده المؤمنين أعمالهم الصالحة وثيبهم عليها لعلمه بتلك الأعمال ونيات أصحابها، هذا معنى قوله تعالى: { فمن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم }.

      هداية الآيات

      1. وجوب السعي بين الصفا والمروة لكل من طاف بالبيت حاجاً أو معتمراً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي ". (رواه الدارقطني ولم يعل) وسعى صلى الله عليه وسلم في عمراته كلها وفي حجه كذلك.
      2. لا حرج في الصلاة في كنيسيةٍ حولت مسجداً، ولا يضر كونها كانت معبداً للكفار.
      3. الترغيب في فعل الخيرات من غير الواجبات، وذلك من سائر النوافل كالطواف والصلاة والصيام والصدقات والرباط والجهاد.


      إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)


      شرح الكلمات

      {يكتمون}: يخفون ويغطون حتى لا يظهر الشىء المكتوم ولا يعرف فيؤخذ به.
      {البينات}: جمع بينة وهي ما يثبت به شيء المراد إثباته، والمراد به هنا ما يثبت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من نعوت وصفات جاءت في كتاب أهل الكتاب.
      {الهدى}: ما يدل على المطلب الصحيح ويساعد على الوصول إليه والمراد به هنا ما جاء به رسول الله من الدين الصحيح المفضي بالآخذ به إلى الكمال والسعاة في الدنيا والآخرة.
      {فى الكتاب}: التوراة والانجيل.
      {اللعنة}: الطرد والبعد من كل خير ورحمة.
      {اللاعنون}: من يصدر عنهم اللعن كالملائكة والمؤمنين.
      {أصلحوا}: ما أفسدوه من عقائد الناس وأمور دينهم بإظهار ما كتموه والايمان بما كذبوا به وأنكروه.
      { ولا هم ينظرون }: أي بأن يمهلوا ليعتذروا، كقوله تعالى: ولا يؤذن لهم فيعتذرون

      معنى الآيات

      عاد السياق بعد الاجابة عن تحرج بعض المسلمين من السعي بين الصفا والمروة عاد إلى التنديد بجرائم علماء أهل الكتاب، ودعوتهم إلى التوبة بإظهار الحق والايمان به فأخبر تعالى أن الذين يكتمون ما أنزله من البينات والهدى في التوراة والانجيل من صفات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والأمر بالايمان به وبما جاء به من الدين، هؤلاء البعداء يلعنهم الله تعالى وتلعنهم الملائكة والمؤمنون. هذا ما تضمنته الآية الأولى (159) وفي الآية التي بعدها (160) استثنى تعالى من المبعدين من رحمته من تاب من أولئك الكاتمين للحق بعدما عرفوه فبينوا وأصلحوا فهؤلاء يتوب عليهم ويرحمهم وهو التواب الرحيم.
      وفي الآية الثالثة (161) والرابعة (162) أخبر تعالى أن الذين كفروا من أهل الكتاب وغيرهم بنبيه وينه ولم يتوبوا فماتوا على كفرهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولذا فهم مطرودون مبعدون من الرحمة الإِلهية وهي الجنة خالدون في جهنم لا يخفف عنهم عذابها، ولا يمهلون فيعتذرون.

      هداية الآيات
      1. حرمة كتمان العلم وفي الحديث الصحيح " من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار ".
      وقال أبو هريرة رضي الله عنه في ظروف معينة: (لولا آية من كتاب الله ما حدثتكم حديثاً) وتلا { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات } إلخ...
      2. يشترط لتوبة من أفسد في ظلمه وجهله اصلاح ما أفسد ببيان ما حرف أو بدل وغير، وإظهار ما كتم، وأداء ما أخذه بغير الحق.
      3. من كفر ومات على كفره من سائر الناس يلقى في جهنم بعد موته خالداً في العذاب مخلداً لا يخفف عنه ولا ينظر فيعتذر، ولا يفتر عنه العذاب فيستريح.
      4. جواز لعن المجاهرين بالمعاصي كشراب الخمر والمرابين، والمتشبهين من الرجال بالنساء ومن النساء بالرجال.

      [/B]

    • [B]وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)


      شرح الكلمات

      {الإِله}: المعبود بحق أو بباطل، والله سبحانه وتعالى هو الإِله الحق المعبود بحق.
      {وإلهكم إله واحد}: في ذاته وصفاته، وفي ربوبيته فلا خالق ولا رازق ولا مدبر للكون والحياة إلا هو وفي ألوهيته أي في عبادته فلا معبود بحق سواه.
      {اختلاف الليل والنهار}: بوجود أحدهما وغياب الثاني لمنافع العباد بحيث لا يكون النهار دائماً ولا الليل دائماً.
      {وبث فيها من كل دابة}: وفرق في الأرض ونشر فيها من سائر أنواع الدواب.
      {تصريف الرياح}: باختلاف مهابها مرة صبا ومرة دبور ومرة شمالية ومرة غربية أو مرة ملقحة ومرة عقيم.



      معنى الآيات

      لما أوجب الله على العلماء بيان العلم والهدى وحرم كتمانهما أخبر أنه الإِله الواحد الرحمن الرحيم وأن هذا أول ما على العلماء أن يبينوه للناس وهو توحيده تعالى في ربوبيته وعبادته وأسمائه وصفاته، ولما سمع بعض المشركين تقرير هذه الحقيقة: وإلهكم إله واحد قالوا: هل من دليل -يريدون على أنه لا إله إلا الله- فأنزل الله تعالى هذه الآية: { إن في خلق السموات والأرض } إلى قوله { يعقلون } مشتملة على ستّ آيات كونية كل آية برهان ساطع ودليل قاطع على وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته وهي كلها موجره لعبادته وحده دون من سواه.


      الأولى: خلق السموات والأرض وهو خلق عظيم للقادر الذي لا يعجزه شىء.
      الثانية: اختلاف الليل والنهار بتعاقبهما وطول هذا وقصر ذاك.
      الثالثة: جريان الفلك -السفن- في البحر على ضخامتها وكبرها وهي تحمل مئات الأطنان من الأرزاق وما ينتفع به الناس في حياتهم.
      الرابعة: إنزاله تعالى المطر من السماء لحياة الأرض بالنباتات والزروع بعد جدبها وموتها.
      الخامسة: تصريف الرياح حارة وباردة ملقحة وغير ملقحة، شرقية وغربية وشمالية وجنوبية بحسب حاجة الناس وما تطلبه حياتهم.
      السادسة: السحاب المسخر بين السماء والأرض تكوينه وسوقه من بلد إلى آخر ليمطر هنا ولا يمطر هناك حسب إرادة العزيز الحكيم.
      ففي هذه الآيات الست أكبر برهان وأقوى دليل على وجود الله تعالى وعلمه وقدرته وحكمته ورحمته وهو لذلك رب العالمين وإله الأولين والآخرين ولا رب غيره ولا إله سواه.

      إلا أن اللبيب يجد هذه الأدلة ويراها ماثلة في الآيات المذكورة هو العاقل أما من لا عقل له لأنه عطل عقله فلم يستعمله في التفكير والفهم والإِدراك، واستعمل بدل العقل الهوى فإنه أعمى لا يبصر شيئاً وأصم لا يسمع شيئاً، وأحمق لا يعقل شيئاً، والعياذ بالله تعالى.


      هداية الآيات
      1. لا إله إلا الله فلا تصح العبادة لغير الله تعالى،لأنه لا إله حق إلا هو.
      2. الآيات الكونية في السموات والأرض تثبت وجود الله تعالى رباً وإلهاً موصوفاً بكل كمال منزهاً عن كل نقصان.
      3. الانتفاع بالآيات مطلقاً -آيات الكتاب أو آيات الكون- خاص بمن يستعملون عقولهم دون أهوائهم.



      وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)


      شرح الكلمات

      {أنداداً}: جمع ند وهو المثل والنظير والمراد بالأنداد هنا الشركاء يعبدونها بحبها والتقرب إليها بأنواع العبادات كالدعاء والنذر لها والحلف بها.
      {التبرؤ}: التنصل من الشيء والتباعد عنه لكرهه.
      {الذين اتُّبعوا}: المعبودون والرؤساء المضلون.
      {الذين اتَّبعوا}: المشركون والملقدون لرؤسائهم في الضلال.
      {كرَّة}: رجعة وعودة إلى الحياة الدنيا.
      {الحسرات}: جمع حسرة وهي الندم الشديد الذي يكاد يحسر صاحبه فيقعد به عن الحركة والعمل.


      معنى الآيات

      لما تقرر في الآيتين السابقتين بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة أن إله الناس أي ربهم ومعبودهم واحد وهو الله جل جلاله وعظم سلطانه أخبر تعالى أنه مع هذا البيان والوضوح يوجد ناس يتخذون من دون الله آلهة أصناماً ورؤساء يحبونهم كحبهم لله تعالى أي يسوون بين حبهم وحب الله تعالى، والمؤمنون أشد منهم حباً لله تعالى، كما أخبر تعالى أنه لو يرى لمشركون عند معاينتهم العذاب يوم القيامة لرأوا أمراً فظيعاً يعجز الوصف عنه، ولعلموا أن القوة لله وأن الله شديد العذاب إذ تبرأ المتبعون وهم الرؤساء الظلمة دعاة الشرك والضلالة من متبوعيهم الجهلة المقلّدين وعاينوا العذاب أمامهم وتقطعت تلك الروابط التي كانت تربط بينهم، وتمنى التابعون العودة إلى الحياة الدنيا لينتقموا من رؤسائهم في الضلالة فيتبرءوا منهم في الدنيا كما تبرءوا هم منهم في الآخرة، وكما أراهم الله تعالى العذاب فعاينوه، يريهم أعمالهم القبيحة من الشرك والمعاصي فتعظم حسرتهم ويشتد كربهم ويدخلون بها النار فلا يخرجون منها أبداً.

      هداية الآيات

      1. وجوب حب الله وحبّ كل ما يُحبّ عز وجل بحبه تعالى.
      2. من الشرك الحب مع الله تعالى، ومن التوحيد الحب بحب الله عز وجل.
      3. يوم القيامة تنحل جميع الروابط من صداقة ونسب ولم تبق إلا رابطة الإِيمان والأخوة فيه.
      4. تبرؤ رؤساء الشرك والضلال ودعاة الشر والفساد ممن أطاعوهم في الدنيا واتبعوهم على الظلم والشر والفساد وليس بنافعهم ذلك شيئاً.
      [/B]

    • [B]يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)


      شرح الكلمات

      {الحلال}: ما انحلت عقدة الحظر عنه وهو ما أذن الله تعالى فيه.
      {الطيب}: ما كان طاهراً غير نجس، ولا مستقذر تعافه النفوس.
      {خطوات الشيطان}: الخطوات جمع خطوة وهي المسافة بين قدمي الماشي والمراد بها هنا مسالك الشيطان وطرقة المفضية بالعبد إلى تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم.
      {عدو مبين}: عداوته بينة وكيف وهو الذي أخرج أبوينا آدم وحواء من الجنة وأكثر الشرور والمفاسد في الدنيا إنما هي بوسواسه وإغوائه.
      {السوء}: كل ما يسوء النفس ويصيبها بالحزن الغم ويدخل فيها سائر الذنوب.
      {الفحشاء}: كل خصلة قبيحة كالزنا واللواط والبخل وسائر المعاصي ذات القبح الشديد.
      { ألفينا }: وجدنا.


      معنى الآيات

      بعد ذلك العرض لأحوال أهل الشرك والمعاصي والنهاية المرة التي انتهوا إليها وهي الخلود في عذاب النار نادى الرب ذو الرحمة الواسعة البشرية جمعاء { يا أيها الناس كلوا مما في الأرض } ، وهو عطاؤه وإفضاله، حلالاً طيباً حيث أذن لهم فيه، وأما ما لم يأذن لهم فيه فإنه لا خير لهم في أكله لما فيه من الأذى لأبدانهم وأرواحهم معاً، ثم نهاهم عن اتباع آثار عدوه وعدوهم فإنهم إن اتبعوا خطواته قادهم إلى حيث شقاؤهم وهلاكهم، وأعلمهم وهو ربهم أن الشيطان لا يأمرهم إلا بما يضر أبدانهم وأرواحهم السوء وهو كل ما يسوء

      النفس والفحشاء وهي أقبح الأفعال وأردى الأخلاق وأفظع من ذلك أن يأمرهم بأن يكذبوا على الله فيقولوا عليه مالا يعلمون فيحرمون ويحللون ويشرعون باسم الله، والله في ذلك برىء وهذه قاصمة الظهر والعياذ بالله تعالى، حتى إذا أعرضوا عن إرشاد ربهم واتبعوا خطوات الشيطان عدوهم ففعلوا السوء وارتكبوا الفواحش وحللوا وحرموا وشرعوا ما لم يأذن به الله ربهم، وقال لهم رسول الله اتبعوا ما أنزل الله قالوا لا، بل نتبع ما وجنا عليه آباءنا، يا سبحان الله يتبعون ما وجدوا عليه آباءهم ولو كان باطلاً، وضلالاً، أيقلدون أباءهم ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً من أمور الرع والدين، ولا يهتدون إلى ما فيه الصلاح والخير.


      هداية الآيات
      1. وجوب طلب الحلال والاقتصار على العيش منه ولو كان ضيقاً قليلاً.
      2. الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله تعالى فلا يستقل العقل بشىء من ذلك.
      3. حرمة اتباع مسالك الشيطان وهي كل معتقد أو قول أو عمل نهى الله تعالى عنه.
      4. وجوب الابتعاد عن كل سوء وفحش لأنهما مما يأمر بهما الشيطان.
      5. حرمة تقليد من لا علم له ولا بصيرة في الدين.
      6. جواز اتباع أهل العلم والأخذ بأقوالهم وآرائهم المستقاة من الوحي الإِلهي الكتاب والسنة.

      [/B]


      [B]وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)



      شرح الكلمات

      {مثل}: المثل الصفة والحال.
      {ينعق}: يصيح ولاسم النعيق وهو الصياح ورفع الصوت.
      {الدعاء}: طلب القريب كدعاء المؤمن ربه يا رب. يا رب.
      {النداء}: طلب البعيد كأذان الصلاة.
      {الصم}: جمع أصم فاقد حاسة السمع فهو لا يسمع.
      {البكم}: جمع أبكم فاقد حاسة النطق فهو لا ينطق.
      {لا يعقلون}: لا يدركون معنى الكلام ولا يميزون بين الأشياء لتعطل آلة الإِدراك عندهم وهي العقل.

      معنى الآيات

      لما نددت الآية قبل هذه (170) بالتقليد والمقلدين الذي يعطلون حواسهم ومداركهم ويفعلون ما يقول لهم رؤساؤهم ويطبقون ما يأمرونهم به مسلمين به لا يعرفون لم فعلوا ولم تركوا جاءت هذه الآية بصورة عجيبة ومثل غريب للذين يعطلون قواهم العقلية ويكتفون بالتبعية في كل شيء حتى أصبحوا كالشياه من الغنم يسوقها راعيها حيث شاء فإذا نعق بها دعياً لها أجابته ولو كان دعاؤه إياها لِذبحها، وكذا إذا ناداها بأن كانت بعيدة أجابته وهي لا تدري لم نوديت إذ هي لا تسمع ولا تفهم إلا مجرد الصوت الذي ألفته بالتقليد الطويل والاتباع بدون دليل.

      فقال تعالى: { ومثل الذين كفروا } في جمودهم وتقليد ابائهم في الشرك والضلال كمثل غَنَم ينعق بها راعيها الأمين عليها فهو إذا صاح فيها دعياً لها أو منادياً لها سمعت الصوت وأجابت ولكن لا تدري لماذا دعيت ولا لماذا نوديت لفقدها العقل. وهذا لمثل صالح لكل من يدعو أهل الكفر والضلال إلى الإِيمان الهداية فهو مع من يدعوهم من الكفرة والمقلدين والضلال الجامدين كمثل الذي ينعق إلخ......

      هداية الآيات
      1. تسلية الدعاة إلى الله تعالى عندما يواجهون المقلدة من أهل الشرك والضلال.
      2. حرمة التقليد لأهل الأهواء والبدع.
      3. وجوب طلب العلم والمعرفة حتى لا يفعل المؤمن ولا يترك إلا على علم بما فعل وبما ترك.
      4. لا يتابع إلا أهل العلم والبصيرة في الدين، لأن اتباع الجهال يعتبر تقليداً.

      [/B]
    • [B]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)[/B]



      [B]شرح الكلمات


      {الطيبات}: جمع طيب وهو الحلال.
      {واشكروا لله}: اعترفوا بنعم الله عليكم واحمدوه عليها واصرفوها في مرضاته.
      {الميتة}: ما مات من الحيوان حتف أنفه بدون تذكية.
      {الدم}: المسفوح السائل، لا المختلط باللحم.
      {الخنزير}: حيوان خبيث معروف بأكل العذرة ولا يغار على أنثاه.
      {وما أهل به لغير الله}: الإِهلال: رفع الصوت باسم من تذبح له من الآلهة.
      {اضطر}: ألجىء وأكره بحكم الضرر الذي لحقه من الجوع أو الضرب.
      { غير باغ ولا عاد }: الباغي الظالم الطالب لما لا يحل له والعادي والمعتدي المجاوز لما له إلى ما ليس له.
      { الإِثم }: أثر المعصية على النفس بالظلمة والتدسية.



      معنى الآيات

      بعد أن بينت الآية السابعة (171) حال الكفرة المقلدة لآبائهم في الشرك وتحريم ما أحل الله من الأنعام حيث سيبوا للآلهة السوائب، وحموا لها الحامات، وبحروا لها البحائر، نادى الجبار عز ول عباده المؤمنين: يا أيها الذين آمنوا بالله رباً وإلهاً وبالإِسلام ديناً وبمحمد رسولاً كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله ربكم ما أنعم به عليكم من حلال اللحوم، ولا تحرموها كما حرمها مقلدة المشركين، فإنه تعالى لم يحرم عليكم إلا أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغيره تعالى.

      ومع هذا من ألجأته الضرورة فخاف على نفسه الهلاك فأكل فلا إثم عليه على شرط أن لا يكون في سفره باغياً على المسلمين ولا عاديا بقطع الطريق عليهم وذلك لأن الله غفور لأوليائه التائبين إليه رحيم بهم لا يتركهم في ضيق ولا حرج.


      هداية الآيات
      1. الندب إلى أكل الطيبات من رزق الله تعالى في غير إسراف.
      2. وجوب شكر الله تعالى بالاعتراف بالنعمة له وحمده عليها وعدم صرفها في معاصيه.
      3. حرمة أكل الميتة، والدم المسفوح، ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله تعالى.
      4. جوازأكل من المذكورات عند الضرورة وهي خوف الهلاك مع مراعاة الاستثناء في الآية وهو { غير باغٍ ولا عاد }.
      5. أَذِنَ النبي صلى الله عليه وسلم في أكل السمك والجراد وهُمَا من الميتة، وحرّم أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور.



      إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)



      شرح الكلمات

      {ما أنزل الله من الكتاب}: الكتاب التوراة وما أنزل الله فيه صفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والأمر بالإِيمان به.
      {ولا يزكيهم }: لا يطهرهم من ذنوبهم لعدم رضاه عنهم.
      {الضلالة}: العماية المانعة من الهداية إلى المطلوب.
      {الشقاق}: التنازع والعداء حتى يكون صاحبه في شق ومنازعه في آخر
      {بعيد}: يصعب انهاؤه والوفاق بعده.



      معنى الآيات

      هذه الآيات الثلاثة نزلت قطعاً في أحبار أهل الكتاب تندد بصنيعهم وتريهم جزاء كتمانهم الحق وبيعهم العلم الذي أخذ عليهم أن يبينوه بعض خسيس من الدنيا يجحدون أمر النبي صلى الله عليه وسلم ودينه إرضاء للعوام حتى لا يقطع هداياهم ومساعدتهم المالية، وحتى يبقى لهم السلطان الروحي عليهم فهذا معنى قوله تعالى: { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً } وأخبر تعالى أن ما يأكلونه من رشوة في بطونهم إنما هو النار إذ هو مسببها ومع النار غضب الجبار فلا يكلمهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.كما أخبر تعالى عنهم في الآية (175) أنهم وهم البعداء اشتروا الضلالة بالهدى أي الكفر بالايمان، والعذاب بالمغفرة أي النار بالجنة، فما أجرأ هؤلاء على معاصي الله، وعلى التقحم في النار فلذا قال تعالى فما أصبرهم على النار. وكل هذا الذي تم مما توعد الله به هؤلاء الكفرة، لأن الله نزّل الكتاب بالحق مبيناً فيه سبيل الهداية وما يحقق لسالكيه من النعيم المقيم ومبيناً سبيل الغواية وما يفضي بسالكيه إلى غضب الله وأليم عذابه. وفي الآية الآخيرة (176) أخبر تعالى أن الذين اختلفوا في الكتاب التوراة والانجيل وهم اليهود والنصارى لفي عداء واختلاف بينهم بعيد، وصدق الله فما زال اليهود والنصارى مختلفين متعادين إلى اليوم، ثمرة اختلافهم في الحق الذي أنزله الله وأمرهم بالأخذ به فتركوه وأخذوا بالباطل فأثمر لهم الشقاق البعيد.

      هداية الآيات
      1. حرمة كتمان الحق، لا سيما إذا كان للحصول على منافع دنيوية مالاً أو رياسة.
      2. تحذير علماء الإِسلام من سلوك مسلك علماء أهل الكتاب بكتمانهم الحق وافتاء الناس بالباطل للحصول على منافع مادية معينة.
      3. التحذير من الاختلاف في القرآن الكريم لما يفضي إليه من العداء والشقاق البعيد بين المسلمين.[/B]
    • [B]لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)

      شرح الكلمات
      {وأتى المال على حبه}: أعطى المال حيث تعين اعطاؤه مع شدة حبه له فآثر ما يحب الله تعالى على ما يحب.
      {ذوي القربى}: أصحاب القرابات، الأقرب فالأقرب.
      {اليتامى}: جمع يتيم وهو من مات والده وهو لم يبلغ الحنث.
      {ابن السبيل}: المسافر البعيد الدار المنقطع عن أهله وماله.
      {السائلين}: جمع سائل: الفقير المحتاج الذي أذن له في السؤال لدفع عائلة الحاجة عن نفسه.
      {في الرقاب}: الرقاب جمع رقبه والإِنفاق منها معناه في عتقها.
      {وحين البأس}: عند القتال واشتداده في سبيل الله تعالى.



      معنى الآيات

      وفي هذه الآية رد الله تعالى على أهل الكتاب أيضاً تبجحهم بالقبلة وادّعاءهم الايمان والكمال فيه لمجرد أنهم يصلون إلى قبلتهم بيت المقدس بالمغرب أو طلوع الشمس بالمشرق إذ الأولى قبلة اليهود والثانية قبلة النصارى فقال تعالى: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، وفي هذا تنبيه عظيم للمسلم الذي يقصر إسلامه على الصلاة ولا يبالي بعدها ما ترك من واجبات وما ارتكب من منهيات، بين تعالى لهم البار الحق في دعوى الايمان والإِسلام والاحسان فقال: { ولكن البر } أي ذا البر أو البار بحق هو { من آمن بالله } وذكر أركان الإِيمان إلا السادس منها (القضاء والقدر)، { وأقام الصلاة وآتى الزكاة } وهما من أعظم

      أركان الاسلام وأنفق المال في سبيل الله مع حبه له وضنِّه به ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فهو ينفق ماله على من لا يرجو منه جزاءً ولا مدحاً ولا ثناء كالمساكين وأبناء السبيل والسائلين من ذوي الخصاصة المسبغة، وفي تحرير الأرقاء وفكاك الأسرى وأقام الصلاة أدامها على الوجه الأكمل في أدائها وأتى الزكاة المستحقين لها، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة من أعظم قواعد السلام، وذكر من صفاتهم الوفاء بالعهود والصبر في أصعب الظروف وأشد الأحوال، فقال تعالى: { والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس } وهذا هو مبدأ الإِحسان وهو مراقبة الله تعالى والنظر إليه وهو يزاول عبادته، ومن هنا قرر تعالى أن هؤلاء هم الصادقون في دعوى الايمان والاسلام وهم المتقون بحق غضب الله وأليم عذابه، جعلنا الله منهم، فقال تعالى مشيراً لهم بالم لبعد وكاف لخطاب لبُعْدِ مَكَانتهم وارتفاع درجاتهم { أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون }.

      هداية الآيات
      1. الاكتفاء ببعض أمور الدين دون القيام ببعض لا يعتبر صاحبه مؤمناً ولا ناجياً.
      2. أركان الايمان هي المذكورة في هذه الآية، والمراد بالكتاب في الآية الكتب.
      3. بيان وجوه الانفاق المرجو ثوابه يوم القيامة وهو ذوي القرى إلخ...
      4. بيان عظم شأن الصلاة والزكاة.
      5. وجوب الوفاة بالعهود.
      6. وجوب الصبر وخاصة عند القتال.
      7. التقوى هي ملاك الأمر، والغاية التي ما بعدها للعاملين غاية.


      [/B]


      [B]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)



      شرح الكلمات
      {كتب عليكم القصاص}: كتب فرض والقصاص: إذا لم يرض ولي الدم بالدية ولم يعف.
      {فاتباع بمعروف}: فالواجب أن تكون مطالبة الدية بالمعروف بالرفق واللين.
      {وأداء إليه بإحسان}: وأن يكون أداء الدية بإحسان خالياً من المماطلة والنقص.
      {القصاص}: المساواة في القتل والجراحات وفي آلة القتل أيضاً.
      { أولى الألباب }: أصحاب العقول الراجحة، واحد الألباب: لبٌّ وهو في الانسان العقل.

      معنى الآيات

      هذه الآية نزلت في حيين من العرب كان أحد الحيين يرى أنه أشرف من الآخر فلذا يقتل الحر بالعبد، والرجل بالمرأة تطاولا وكبرياء فحدث بين الحيين قتل وهم في الاسلام فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية تبطل ذحْل الجاهلية وتقرر مبدأ العدل والمساواة في الاسلام فقال تعالى: { يا أيها الذين آمنتوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } ، فلا يقتل بالرجل رجلان، ولا بالمرأة رجل ولا امرأتان ولا بالعبد حر ولا عبدان.فمن تنازل له أخوه وهو ولي الدم عن القصاص إلى الدية أو العفو مطلقاً فليتبع ذلك ولا يقل لا أقبل إلا القصاص بل عليه أن يقبل ما عفا عنه أخوه له من قصاص أو دية أو عفو، وليطلب وليالدم الدية بالرفق والأدب، وليؤد القاتل الدية بإحسان بحيث لا يماطل ولا ينقص منها شياً.ثم ذكر تعالى منّته على المسلمين حيث وسع عليهم في هذه المسألة فجعل ولي الدم مخيراً بين ثلاثة العفو أو الدية أو القود (القصاص) في حين أن اليهود كان مفروضا عليهم القصاص فقط، والنصارى الدية فقط وأخبر تعالى بحكم أخير في هذه القضية وهو أن من أخذ الدية وعفا عن القتل ثم تراجع وقتل فقال: { فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم }. واختلف في هذا العذاب الأليم هل هو عذاب الدنيا بالقتل، أو هوعذاب الآخرة، ومن هنا قال مالك والشافعي حكم هذا المعتدي كحكم القتاتل ابتداء إن عفي عنه قبل، وإن طولب بالقود أو الدية أعطى، وقال آخرون ترد منه الدية ويترك الأمر لله، وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله يرد أمره إلى الإِمام يحكم فيه بما يحقق المصلحة العامة ثم أخبر تعالى: أن في القاص الذي شرع لنا وكتبه علينا مع التخفيف حياةٌ عظيمةً لما فيه من الكف عن إزهاق الأرواح وسفك الدماء فقال تعالى: { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون }.


      هداية الآيات
      1. حكم القصاص في الإِسلام وهو المساواة والمماثلة فيقتل الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة والمرأة بالرجل والرجل بالمرأة ويقتل القاتل بما قَتَل به مماثلة لحديث: " المرء مقتول بما قتل به ".
      ولما كان العبد مقوماً بالمال فإنه لا يقتل به الحر بل يدفع إلى سيده مال. وبهذا حكم الصحابة والتابعون وعليه الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد وخالف أبو حنيفة فرأى القود فيقتل الحر بالعبد أخذاً بظاهر هذه الآية.
      2. محاسن الشرع الإِسلامي وما فيه من اليسر والرحمة حيث أجاز العفو والدية بدل القصاص.
      3. بلاغة القرآن الكريم، إذ كان حكماء العرب في الجاهلية يقولون: القتل أنفى للقتل، فقال: القرآن: { ولكم في القصاص حياة }. فلم يذكر لفظ القتل بالمرة فنفاه لفظاً وواقعاً.

      [/B]
    • [B]وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)


      شرح الكلمات
      {الوصية}: الوصية ما يوصى به من مال وغيره.
      {المعروف}: ما تعارف عليه الناس كثيرا أو قليلاً بحيث لا يزيد عل الثلث.
      {التبديل}: التغيير للشيء بآخر.
      {جنفاً أو إثماً}: الجنف: الميل عن الحق خطأً، والإِثم تعمد الخروج عن الحق والعدل.


      معنى الآيات

      بمناسبة ذكر آية القصاص وفيها أن القاتل عرضة للقتل والمفروض فيه أن يوصي في ماله قبل قتله، ذكر تعالى آية الوصية فقال تعالى: كتب عليكم أيها المسلمون إذا حضر أحدكم الموت إن ترك مالاً الوصية أي الإِيصاء للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين ثم نسخ الله تعالى هذا الحكم بآية المواريث، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلا وصية لوارث " ونسخ الوجوب وبقي الاستحباب ولكن لغير الوالدين والأقربين الوارثين إلا أن يجيز ذلك الورثة وأن تكون الوصية ثلثاً فأقل فإن زادت وأجازها الورثة جازت لحديث ابن عباس عند الدار قطني لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة، ودليل استحباب الوصية حديث سعد في الصحيح حيث أذن له الرسول في الوصية بالثلث، وقد تكون الوصية واجبة على المسلم وذلك إن ترك ديوناً لازمة، وحقوقا واجبة في ذمته فيجب أن يوصي بقضائها واقتضائها بعد موته لحديث ابن عمر في الصحيح "
      ما حق امرىء مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده " ، هذا ما تضمنته الآية الأولى(180) وأما الآية الثانية (181) فيقول تعالى لعباده المؤمنين فمن بدل إيصاء مؤمن أوصى به بأن زاد فيه هذا الحكم غيره أو بدل نوعاً بآخر فلا إثم علىالموصى ولكن الإِثم على من بدل وغيّر، وختم هذا الحكم بقوله أن الله سميع عليم تهديداً ووعيداً لمن يقدم على تغيير الوصايا لغرض فاسد وهوى سيء وفي الآية الأخيرة (182) أخبر تعالى أن من خاف من موصٍ جنفاً أو ميلاً عن الحق والعدل بأن جار في وصيته بدون تعمد الجوز ولكن خطأ أو خاف إثماً على الموصى حيث جار وتعدى على علم في وصيته فأصلح بينهم أي بين الموصي والموصى لهم فلا إثم عليه في إصلاح الخطأ وتصويب الخطأ والغلط، وختم هذا الحكم بقوله: { إن الله غفور رحيم } وعداً بالمغفرة والرحمة لمن أخطأ غير عامد.



      هداية الآيات
      1. نسخ الوصية للوارثين مطلقاً إلا بإجازة الورثة.
      2. استحباب الوصية بالمال لمن ترك مالاً كثيراً يوصي به فيوجوه البر والخير.
      3. تأكد الوصيّة حضرالموت أو لم يحضر لمن له أو عليه حقوق خشية أن يموت فتضيع الحقوق فيأثم بإضاعتها.
      4. حرمة تبديل الوصية وتغييرا إلى غير الصالح.


      [/B]


      [B]فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)



      شرح الكلمات
      {أياماً معدودات}: تسعة وعشرون أو ثلاثون يوماً بحسب شهر رمضان.
      {فعدة من أيام أخر}: فعلى من أفطر لعذر المرض أو السفر فعليه صيام أيام أخر بعدد الأيام التي أفطر فيها.
      {يطيقونه}: أي يتحملونه بمشقة لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه.
      {فدية طعام مسكين}: فالواجب على من أفطر لعذر مما ذكر أن يطعم على كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليه.
      {فمن تطوع خيراً}: أي زاد على المدين أو أطعم أكثر من مسكين فهو خير له.
      {وأن تصوموا خير لكم}: الصيام على من يطيقه ولو بمشقة خير من الافطار مع الطعام.

      معنى الآيات

      لما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأصبحت دار إسلام أخذ التشريع ينزل ويتوالى ففي الآيات السابقة كان حكم القصاص والوصية ومراقبة الله في ذلك، وكان من أعظم ما يكون في المؤمن من ملكة التقوى الصيام فأنزل الله تعلى فرض الصيام في السنة الثانية للهجرة فناداهم بعنوان الايمان يا آيها الذين آمنوا وأعلمهم أنه كتب عليهم الصيام كما كتبه على الذين من قبلهم من الأمم السابقة فقال: { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم... } وعلل ذلك بقوله: لعلكم تتقون أي ليعدكم به للتقوى التي هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي، لما في الصيام من مراقبة الله تعالى، وقوله: { أياماً معدودات } ذكره ليهوّن به عليهم كلفة الصوم ومشقته، إذ لم يجعله شهوراً ولا أعواماً. وزاد في التخفيف أن أذن للمريض والمسافر أن يفطر ويقتضي بعد الصحة أو العودة من السفر فقال لهم: { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } كما أن غير المريض والمسافر إذا كان يطيق الصيام بمشقة وكلفة شديدة له أن يفطر ويطعم على كل يومٍ مسكيناً وأعلمهم أن الصيام في هذه الحال خير. ثم نسخ هذا الحكم الأخير بقوله في الآية الآتية: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وقوله: { إن كنتم تعلمون } يريد: تعلمون فوائد الصوم الدنيوية والأخروية وهي كثيرة أجلها مغفرة الذنوب وذهاب الأمراض.

      هداية الآيات
      1. فرضية الصيام وهو شهر رمضان.
      2. الصيام يربي ملكة التقوى في المؤمن.
      3. الصيام يكفِّرُ الذنوب لحديث: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ".
      4. رخصة الإفطار للمريض والمسافر.
      5. المرأة الحامل أو المرضع دل قوله وعلى الذين يطيقونه أنه يجوز لهما الإِفطار مع القضاء وكذا الشيخ الكبير فإنه يفطر ولا يقضي والمريض مرضاً لا يرجى برؤه كذلك. إلا أن عليهما أن يطعما عن كل يوم مسكيناً بإعطائه حفنتي طعام كما أن المرأة الحامل والمرضع إذا خافت على حملها أو طفلها أو على نفسها أن عليها أن تطعم مع كل صوم تصومه قضاء مسكيناً.
      6. في الصيام فوائد دينية واجتماعية عظيمة أُشير إليها بلفظ إن كنتم تعلمون.
      من هذه الفوائد:
      1. يعود الصائم الخشية من الله تعالى في السر والعلانية.
      2. كسر حدة الشهوة ولذا أرشد العازب إلى الصوم.
      3. يربي الشفقة والرحمة في النفوس.
      4. فيه المساواة بين الإغنياء والفقراء والأَشراف والأوضاع.
      5. تعويد الأمة النظام والوحدة والوئام.
      6. يذهب المواد المترسبة في البدن وبذلك تتحسن صحة الصائم.


      [/B]
    • [B]شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)

      شرح الكلمات
      {شهر رمضان}: هو الشهر التاسع من شهور السنة القمرية، ولفظ الشهر مأخوذ من الشهرة، ورمضان مأخوذ من رمض الصائم إذا حرّ جوفه من العطش.
      {الذي أنزل فيه القرآن}: هذه آية فضله على غيره من سائر الشهور حيث أنزل فيه القرآن وذك في ليلة القدر منه لآية { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } وآية { إنا أنزلناه في ليلة القدر } أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا ثم نزل نجماً بعد نجم، وابتدىء نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان أيضاً.
      {ولتكبروا على ما هداكم}: وذلك عند إتمام صيام رمضان من رؤية الهلال إلى العودة من صلاة العيد والتكبير مشروع وفيه أجر كبير، وصفته المشهورة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.



      معنى الآيات

      لما ذكر تعالى أنه كتب على أمة الإِسلام الصيام في الآية السابقة وأنه أيام معدودات بينّ في هذه الآية أن المراد من الأيام المعدودات أيام شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن هادياً وموضحاً طرق الهداية، وفارقاً بين الحق والباطل، فقال تعالى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر } يريد شهر رمضان ومعنى شهد كان حاضراً غير مسافر لما أعلن عن رؤية هلال رمضان،
      فليصمه على سبيل الوجوب إن كان مكلفاً. ثم ذكر عذر المرض والسفر، وأن على من أفطر بهما قضاء ما أفطر بعدده واخبر تعالى أنه يريد بالإِذن في الإِفطار للمريض والمسافر اليسر بالأمة ولا يريد بها العسر فله الحمد وله المنة فقال تعالى: { فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر }. ثم علل تعالى للقضاء بقوله ولتكملوا العدة أي عدة أيام رمضان هذا أولاً وثانياً لتكبروا الله على ما هداكم عندما تكملون الصيام برؤية هلال شوال وأخيراً ليعدكم بالصيام والذكر للشكر وقال عز وجل { ولعلكم تشكرون }.

      [/B]


      [B]وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ



      (186)


      معنى الآيات
      ورد أن جماعة من الصحابة سألوا النبي قائلين: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فأنزل الله تعالى قوله: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع } الآية، ومعنى المناجاة المكالمة بخفض الصوت، والمناداة برفع الصوت، وإجابة الله دعوة عبده قبول طلبه وإعطاؤه مطلوبه. وما على العباد إلا أن يستجيبوا لربهم بالايمان به وبطاعته في أمره ونهيه وبذلك يتم رشدهم ويتأهلون للكمال والإِسعاد في الدارين الدنيا والآخرة.



      أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)

      معنى الآيات
      كان في بداية فرض الصيام أن من نام بالليل لم يأكل ولم يشرب ولم يقرب امرأته حتى الليلة الآتية. كأن الصيام يبتدىء من النوم لا من طلوع الفجر، ثم إن ناساً أتوا نساءهم وأخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة تبيح لهم الأكل والشرب والجماع طوال الليل إلى طلوع الفجر، فقال تعالى: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } أي الاختلاط بهن إذ لا غنى للرجل عن امرأته ولا للمرأة عن زوجها { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن }. يسترها وتستره كالثوب يستر الجسم، وأعلمهم أنه تعالى علم منهم ما فعلوه من إتيان نسائهم ليلاً بعد النوم قبل أن ينزل حكم الله فيه بالإِباحة أو المنح فكان ذلك منهم خيانة لأنفسهم فقال تعالى: { علم الله أنكم كنتم تختانون أنسفكم فتاب عليكم وعفا عنكم }. وأعلن لهم عن الإِباحة بقوله: { فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب الله لكم }. يريد من الولد، لأن الجماع لا يكون لمجرد قضاء الشهوة بل للإِنجاب والولد.وحدد لهم الظرف الذي يصومون فيه وهو النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فقال تعال: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. ثم أتموا الصيام إلى الليل } وحرم على المعتكفين في المساجد مباشرة نسائهم فلا يحل للرجل وهو معتكف أن يخرج من المسجد ويغشى امرأته وإن فعل أثم وفسد اعتكافه ووجب عليه قضاؤه قال تعال: { ولا تباشورهن وأنتم عاكفون في المساجد } وأخبرهم أن ما بينّه لهم من الواجبات والمحرمات هي حدوده تعالى فلا يحل القرب منها ولا تعديها فقال عز وجل: { تلك حدود الله فلا تقربوها } ثم قال: { كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون } فامتنّ تعالى على المسلمين بهذه النعمة وهي بيان الشرائع والأحكام والحدو بما يوحيه إلى رسوله من الكتاب والسنة ليعد بذلك المؤمنين للتقوى، إذ لا يمكن أن تكون تقوى ما لم تكن شرائع تتبع وحدود تحترم.


      وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ


      (188)


      شرح الكلمات
      {تدلوا}: الإِدلاء بالشىء إلقاؤه، والمراد هنا إعطاء القضاة والحكام الرشوة ليحكموا لهم بالباطل حتى يتوصلوا
      {بالإِثم}: المارد به هنا بالرشوة وشهادة الزور، واليمين الفاجرة أي الحلف بالكذب ليقضي القاضي لكم بالباطل في صورة حق.

      معنى الآيات
      لما أخبر تعالى في الآية السابقة أنه يبيّن للناس أحكام دينه ليتقوه بفعل المأمور وترك المنهي بينّ في هذه الآية حكم أكل موال المسلمين بالباطل، وأنه حرام فلا يحل لمسلم أن يأكل مال أخيه بغير طيب نفسه منه. وذكر نوعاً هو شر أنواع أكل المال بالباطل، وهو دفع الرشوة إلى القضاة والحاكمين ليحكموا لهم بغير الحق فيورطوا القضاة في الحكم بغير الحق ويأكلوا أموال إخوانهم بشهادة الزور واليمين الغموس الفاجرة وهي التي يحلف فيها المرء كاذباً. وقال تعالى: { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإِثم وانتم تعلمون } أي وأنتم تعلمون حرمة ذلك.

      [/B]
    • [B]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)

      شرح الكلمات
      { الأهلة }: جمع هلال وهو القمر في بداية ظهروه في الثلاثة الأيام الأولى من الشهر لأن النسا إذا رأوه رفعوا أصواتهم الهلال الهلال.
      {المواقيت}: جمع ميقات: الوقت المحدد المعلوم للناس.
      {ولكن البرّ من اتقى}: البر الموصل إلى رضوان الله الله برّ عبد اتقى الله تعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه فليس البر دخول البيوت من ظهورها.
      {الفلاح}: الفوز وهو النجاة من النار ودخول الجنة.


      معنى الآيات

      روي أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلين: ما بال الهلال يبدو رقيقاً، ثم يزيد حتى يعظم ويصبح بدراً، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما كان أول بدئه؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية: { يسألونك عن الأهلة } وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: هي مواقيت للناس وعلّة بدءها صغيرة ثم تتكامل ثم تنقص حتى المحاق هي أن يعرف الناس بها مواقيتهم التي يؤقتونها لأعمالهم فبوجود القمر على هذه الأحوال تعرف عدة النساء وتعرف الشهور فنعرف رمضان ونعرف شهر الحج ووقته، كما نعرف آجال العقود في البيع والإِيجار، وسداد الديون وما إلى ذلك. وكان الأنصار في الجاهلية إذا أحرم أحدهم بحج أو عمرة وخرج من بيته وأراد أن يدخل لغرض خاص لا يدخل من الباب حتى لا يظله نجف الباب فيتسور الجدار ويدخل من ظهر البيت لا من بابه وكانوا يرون هذا طاعة فأبطل الله تعالى هذا التعبد الجاهلي بقوله عز وجل: { وليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر }. بر أهل التقوى والصلاح.
      وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها فقال: { وأتوا البيوت من أبوابها } ، وأمرهم بتقواه عز وجل ليفلحوا في الدنيا والآخرة. فقال { واتقوا الله لعلكم تفلحون }.




      هداية الآيات
      1- أن يسأل المرء عما ينفعه ويترك السؤال عما لا يعنيه.
      2- فائدة الشهور القمرية عظيمة إذ بها تعرف كثير من العبادات.
      3- حرمة الابتداع في الدين ولو كان برغبة في طاعة الله تعالى وحصول الأجر.
      4- الأمر بالتقوى المفضية إلى فلاح العبد ونجاته في الدارين.


      [/B]


      [B]وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)



      شرح الكلمات
      {سبيل الله}: الطريق الموصل إلى رضوانه وهو الإِسلام والمراد إعلاء كلمة الله
      {الذين يقاتلونكم}: المشركون الذين يبدؤونكم بالقتال.
      {ولا تعتدوا}: لا تجاوزوا الحد فتقتلوا النساء والأطفال ومن اعتزال القتال.
      {ثقفتموهم}: تمكنتم من قتالهم.
      {الفتنة}: الشرك.

      معنى الآيات

      هذه الآيات الثلاث: { وقاتلوا في سبيل الله } من أوائل ما نزل في شأن قتال المشركين وهي متضمنة الأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بقتال من يقاتلهم والكف عمن يكف عنهم، وقال تعالى، وقاتلوا في سبيل الله أي في سبيل إعلاء كلمة الله ليعبد وحده. الذين يقاتلونكم، واقتلوهم حيث تمكنتم منهم، وأخرجوهم من ديارهم كما أخرجوكم أيها المهاجرون من دياركم، ولا تتحرجوا من القتل، فإن فتنتهم للمؤمنين لحملهم على الكفر بالاضطهاد والتعذيب أشد من القتل. { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه } فلا تكونوا البادئين فإن قاتلوكم فاقتلوهم. كذلك القتل والإِخراج الواقع منكم لهم يكون جزاء كل كافر يعتدي ويظلم. فإن انتهوا عن الشرك والكفر وأسلموا فإن الله يغفر لهم ويرحمهم لأن الله تعالى غفور رحيم.

      أما الآية الرابعة (193) وهي قوله تعالى: { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } فهي مقررة لحكم سابقاتها إذ فيها بقتال المشركين الذين قاتلوهم قتالاً يستمر حتى لا يبقى في مكة من يضطهد في دينه ويفتن فيه ويكون الدين كله لله فلا يعبد غيره، وقوله فإن انتهوا من الشرك بأن أسلموا ووحدوا فكفوا عنهم ولا تقاتلوهم، إذ لا عدوان إلا على الظالمين وهم بعد إسلامهم ما أصبحوا ظالمين.



      هداية الآيات
      1- وجوب قتال من يقاتل المسلمين، والكف عمن يكف عن قتالهم وهذا قبل نسخ هذه الآية.
      2- حرمة الاعتداء في القتال بقتل الأطفال والشيوخ والنساء إلا أن يقاتلن.
      3- حرمة القتال عند المسجد الحرام أي مكة والحرم إلا أن يبدأ العدو بالقتال فيه فيقاتل.
      4- الإِسلام يجب ما قبله لقوله تعالى: { فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم }.
      5- وجوب الجهاد وهو فرض كفاية ما وجد مؤمن يضطهد لإِسلامه أو يفتن في دنيه.

      [/B]
    • [B]الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)


      شرح الكلمات
      {الشهر الحرام}: الشهر المحرم القتال فيه والأشهر الحرم أربعة ثلاثة سرد وواحد فرد فالثلاثة هي القعدة والحجة ومحرم والرابع الفرد رجب.
      {الحرمات}: جمع حرمة كالشهر الحرام، والبلد الحرام، والإِحرام.


      معنى الآيات

      الآية الأولى (194) في سياق ما قبلها تشجع المؤمنين المعتدى عليها على قتال أعدائهم وتعلمهم أن من قاتلهم في الشهر الحرام فليقاتلوه في الشهر الحرام، ومن قاتلهم في الحرم فليقاتلوه في الحرم، ومن قاتلهم وهم محرمون فليقاتلوه وهو محرم، وهكذا الحرمات قصاص بينهم ومساواة. ومن اعتدى عليهم فليعتدوا عليه بمثل اعتدائه عليهم، وأمرهم بتقواه عز وجل وأعلمهم أنه معهم ما اتقوه بالتسديد والعون والنصر.


      وأما الآية (195) فقد أمرهم بإنفاق المال للجهاد لإِعداد العدة وتسيير السرايا والمقاتلين ونهاهم أن يتركوا الإِنفاق في سبيل الله الذي هو الجهاد فإنهم متى تركوا الإِنفاق والجهاد كانوا كمن ألقى بيده في الهلاك، وذلك أن العدو المتربص بهم إذا رآهم قعدوا عن الجهاد غزاهم وقاتلهم وانتصر عليهم فهلكوا. كما أمرهم بالإِحسان في أعمالهم كافة وإحسان الأعمال إتقانها وتجويدها. وتنقيتها من الخلل والفساد، وواعدهم إن هم أحسنوا أعمالهم بتأييدهم ونصرهم فقال تعالى: { وأحسنوا إن الله يحب المحسنين } ومن أحبه الله أكرمه ونصره وما أهانه ولا خذله.



      هداية الآيات
      1- احترام الشهر الحرام وسائر الحرمات.
      2- جواز المقاصة والمجازاة لمن اعتدى بحيث يعامل بما عامل به سواء بسواء.
      3- رد الإِعتداء والنيل من المعتدي الظالم البادي بالظلم والإِعتداء.
      4- معيّة الله تعالى لأهل الإِيمان والتقوى والإِحسان.
      5- فضيلة الإِحسان لحب الله تعالى للمحسنين.
      [/B]


      [B]وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)



      معنى الآيات

      يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يتموا الحج والعمرة له سبحانه وتعالى فيأتوا بها على الوجه المطلوب وأن يريدوا بهما الله تعالى، ويخبرهم أنهم إذا أحصروا فلم يتمكنوا من إتمامها فالواجب عليهم أن يذبحوا أن ينحروا ما تيسر لهم فإذا ذبحوا أو نحروا حلوا من إحرامهم، وذلك بحلق شعر رؤوسهم أو تقصيره، كما أعلمهم أن من كان منهم مريضاً أو به أذى من رأسه واضطر إلى حلق شعر رأسه أو لبس ثوب أو تغطية رأس فالواجب بعد أن يفعل ذلك فدية وهي واحد من ثلاثة على التخيير: صيام ثلاثة أيام إو إطعام ستة مساكين لكل مسكين حفنتان من طعام، أو ذبح شاة. كما أعلمهم أن من تمتع بالعمرة إلى الحج ولم يكن من سكان الحرم أن عليه ما استيسر من الهدي شاة أو بقرة أو بعير فإن لم يجد ذلك صام ثلاثة أيام في الحج من أول شهر الحجة إلى يوم التاسع منه وسبعة أيام إذا رجع إلى بلاده. وأمرهم بتقواه عز وجل وهي امتثال أوامره والأخذ بتشريعة وحذرهم من إهمال أمره والإِستخفاف بشرعه فقال: و { اتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب }.



      هداية الآيات
      1- وجوب إتمام الحج والعمرة لمن شرع فيهما بالإحرام من الميقات، وإن كان الحج تطوعاً والعمرة غير واجبة.
      2- بيان حكم الإِحصار وهو ذبح شاة من مكان الإِحصار ثم التحلل بالحلق أو التقصير، ثم القضاء من قابل إن تيسر ذلك للعبد، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى هو وأصحابه العمرة التي صدوا فيها عن المسجد الحرام عام الحديبية.
      3- بيان فدية الأذى وهي أن من ارتكب محظوراً من محظورات الإِحرام بأن حلق أولبس مخيطاً أو غطى رأسه لعذر وجب عليه فدية وهي صيام أو إطعام أو ذبح شاة.
      4- بيان حكم التمتع مفصلا وهو أن من كان من غير سكان مكة والحرم حولها إذا أحرم بعمرة في أشهر الحج وتحلل منها وبقى في مكرة وحجّ من عامه أن عليه ذبح شاة فإن عجز صام ثلاثة أيام في مكة وسبعة في بلاده.
      5- الأمر بالتقوى وهى طاعة الله تعالى بامتثال أمره واجتناب نهيه، وتحذير من (تركها لما يترتب عليه من العقاب الشديد).

      [/B]
    • [B]الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)

      شرح الكلمات
      {فلا رفث}: الرفث الجماع ومقدماته.
      {ولا فسوق}: الفسق والفسوق الخروج من طاعة الله بترك واجب أو فعل حرام.
      {الجدال}: المخاصمة والمنازعة.
      {الجناح}: الإِثم.
      {تبتغوا فضلاً}: تطلبوا ربحاً في التجارة من الحج.
      {أفضتم من عرافات}: الإِفاضة من عرفات تكون بعد الوقوف بعرفة يوم الحج وذلك بعد غروب الشمس من يوم التاسع من شهر الحجة.
      {المشعر الحرام}: مزدلفة وذكْرُ الله تعالى عندها هو صلاة المغرب والعشاء جمعاً بها وصلاة الصبح.

      معنى الآيات

      ما زال السياق في بيان أحكام الحج والعمرة فأخبر تعالى أن الحج له أشهر معلومة وهي شوال والعقدة وعشر ليال من الحجة فلا يحرم بالحج إلا فيها. وأن من أحرم بالحج يجب عليه أن يتجنب الرفث والفسق والجدال حتى لا يفسد حجه أو ينقص أجره، وانتدب الحاج إلى فعل الخير من صدقة وغيرها فقال: {وما تفعلوا من خير يعلمه الله} ولازمة أنه يثيب عليه ويجزي به. وأمر الحجاج أن يتزودوا لسفرهم في الحج بطعام وشراب يكفون به وجوههم عن السؤال فقال: وتزودّوا، وأرشدإلى خير الزاد وهو التقوى، وأن التقوى عدم سؤال الناس أموالهم والعبد غير محتاج وأمرهم بتقواه عز وجل، أي بالخوف منه حتى لا يعصوه في أمره ونهيه فقال: {واتقون يا أولى الألباب} ، والله أحق أن يتقى لأنه الواحد القهار، ثم أباح لهم التجار أثناء وجودهم في مكة ومنى فقال: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} يريد رزقاً حلالاً بطريق التجارة المباحة، ثم أمرهم بذكر الله تعالى في مزدلفة بصلاة المغرب والعشاء والصبح فيها وذلك بعد إفاضتهم من عرفة بعد

      غروب الشمس فقال عز من قائل: {فإّا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام} ثم ذكرهم بنعمة هدايته لهم بعد الضلال الذي كانوا فيه وانتدبهم إلى شكره وذلك بالإِكثار من ذكره فقال تعالى: {واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الظالمين}. ثم أمرهم بالمساواة في الوقوف بعرفة والإِفاضة منها فليقفوا كلهم بعرفات. وليفيضوا جميعاً منها فقال عز وجل {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} ، وذلك أن الحمس كانوا يفيضون أدنى عرفات حتى ينجوا من الزحمة ويسلوا من الحطمة. وأخيراً أمرهم باستغفار الله أي طلب المغفرة منه ووعدهم بالمغفرة بقوله: {واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}.


      هداية الآيات
      1- حرمة الرفث والفسوق والجدال في الاحرام.
      2- استحباب فعل الخيرات للحاج أثناء حجه ليعظم أجره ويبر حجه.
      3- إباحة الاتجار والعمل للحاج طلبا للرزق على أن لا يحج لأجل ذلك.
      4- وجب المبيت بمزدلفة الذكر الله تعالى.
      5- وجوب شكر الله تعالى بذكره وطاعته على هدايته وإنعامه.
      6- وجوب المساواة في أداء مناسك الحج بين سائر الحجاج فلا يتميز بعضهم عن بعض في أي شعيرة من شعائر الحج.
      7- الترغيب في الاستغفار والاكثار منه.


      [/B]


      [B]فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)





      معنى الآيات

      بهذه لآيات الأربع انتهى الكلام على أحكام الحج ففي الآية الأولى: (200) يرشد تعالى المؤمنين إذا فرغوا من مناسكهم بأن رموا جمرة العقبة ونحروا وطافوا طواف الافاضة واستقروا بمنى للراحة والاستجمام أن يكثروا من ذكر الله تعالى عند رمى الجمرات، وعند الخروج من الصلوات ذكراً مبالغاً في الكثرة منه على النحو الذي كانوا في الجاهلية يذكرون فيه مفاخر آبائهم وأحساب أجدادهم. وبين تعالى حالهم وهي أن منهم من همه الدنيا فهو لا يسأل الله تعالى إلا ما يهمه منها، وهذا كان عليه أكثر الحجاج في الجاهلية، وأن منهم من يسأل الله تعالى خير الدنيا والآخرة وهم المؤمنون الموحدون فيقولون: { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } ، وهذا متضمن تعليم المؤمنين وإرشادهم إلى هذا الدعاء الجامع والقصد الصالح النافع فلله الحمد والمنة وفي الآية (202) يخبر تعالى أن لأهل الدعاء الصالح وهم المؤمنون الموحدون نصيباً من الأجر على أعمالهم التي كسبوها في الدنيا، وهو تعالى سريع الحساب فيعجل لهم تقديم الثواب وهو الجنة وفي الآية (203) يأمر تعالى عبادة الحجاج المؤمنين بذكره تعالى في أيام التشريق عند رمي الجمار وبعد الصلوات الخمس قائلين الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ثلاث مرات إلى عصر اليوم الثالث في أيام التشريق ثم أخبرهم الله تعالى بأنه لا حرج على من تعجل السفر إلى أهله بعد رمي اليوم الثاني، كما لا حرج على من تأخر فرمى اليوم الثالث فقال تعالى: { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه } فالأمر على التخيير وقيد نفي الإثم بتقواه عز وجل فمن ترك واجباً أو فعل محرماً فإن عليه إثم معصيته ولا يطهره منها إلا التوبة فنفي الإِثم مقيد بالتعجل وعدمه فقط. فكان قوله تعالى لمن اتقى قيداً جميلاً، ولذا فليستعدوا لذلك بذكره وشكره والحرص على طاعته.



      هداية الآيات
      1- وجوب الذكر بمنى عند رمي الجمرات إذ يكبر مع كل حصاة قائلاً الله أكبر.
      2- فضيلة الذكر والرغبة في لأنه من محاب الله تعالى.
      3- فضيلة سؤال الله تعالى الخيرين وعدم الاقتصار على أحدهمأ، وشره الاقتصار على طلب الدنيا وحطامها.
      4- فضيلة دعاء { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار }. فهي جامعة للخيرين معاً، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا طاف بالبيت يختم بها كل شوط.
      5- وجوب المبيت ثلاث ليالي بمعنى ووجوب رمي الجمرات إذ بها يتأتى ذكر الله في الأيام المعدودات وهي أيام التشريق.
      6- الرخصة في التعجل لمن رمى اليوم الثاني.
      7- الأمر بتقوى الله وذكر الحشر والحساب والجزاء إذ هذا الذكر يساعد على تقوى الله عز وجل.

      [/B]