~¤¦¦§¦¦¤~ في رحـــاب القــرآن الكريـــم ~¤¦¦§¦¦¤~

    • [B]وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)


      شرح الكلمات
      {فلا إثم}: أي لا ذنب في التعجيل ولا في التأخر.
      {لمن اتقى}: للذي اتقى ربّه بعدم ترك واجب أوجبه أو فعل حرام حرمه.
      {تحشرون}: تجمعون للحساب والجزاء يوم القيامة.


      معنى الآيات
      يأمر تعالى عبادة الحجاج المؤمنين بذكره تعالى في أيام التشريق عند رمي الجمار وبعد الصلوات الخمس قائلين الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ثلاث مرات إلى عصر اليوم الثالث في أيام التشريق ثم أخبرهم الله تعالى بأنه لا حرج على من تعجل السفر إلى أهله بعد رمي اليوم الثاني، كما لا حرج على من تأخر فرمى اليوم الثالث فقال تعالى: { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه } فالأمر على التخيير وقيد نفي الإثم بتقواه عز وجل فمن ترك واجباً أو فعل محرماً فإن عليه إثم معصيته ولا يطهره منها إلا التوبة فنفي الإِثم مقيد بالتعجل وعدمه فقط. فكان قوله تعالى لمن اتقى قيداً جميلاً، ولذا فليستعدوا لذلك بذكره وشكره والحرص على طاعته.



      هداية الآيات
      الأمر بتقوى الله وذكر الحشر والحساب والجزاء إذ هذا الذكر يساعد على تقوى الله عز وجل.



      [/B]


      [B]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)


      شرح الكلمات
      {ألد الخصام}: قوي الخصومة شديدها لذلاقة لسانه.
      {تولى}: رجع وانصرف، أو كانت له ولاية.
      {الحرث والنسل}: الحرث: الزرع، والنسل: الحيوان.
      {أخذته العزة بالاثم}: أخذته الحميّة والأنف بذنوبه فهو لا يتقي الله.
      {يشري نفسه}: يبيع نفسه لله تعالى بالجهاد في سبيله بنفسه وماله.

      معنى الآيات
      يخبر تعالى رسوله والمؤمنين عن حال المنافقين، والمؤمنين الصادقين فقال تعالى مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم: ومن الناس رجل منافق يحسن القول وإذا قال يعجبك قوله لما عليه من طلاء ورونق وذلك إذا تكلم في أمور الحياة الدنيا بخلاف أمور الآخرة فإنه يجهلها وليس له دافع ليقول فيها لأنه كافر، وعندما يحدث يشهد الله أنه يعتقد ما يقول فيقول للرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الله أني مؤمن وأني احبك، ويشهد الله أني كذ... وإذا قام من مجلسك وانصرف عنك { سعى في الأرض } أي مشى فيها بالفسد ليهلك الحرث والنسل بارتكاب عظائم الجرائم فيمنع المطر وَتيبس المحاصيل الزراعية وتمحل الأرض وتموت البهائم وينقطع لانسل وعمله هذا مبغوض لله تعالى فلا يحبه ولا يحب فاعله. كما أخبر تعالى أن هذا المنافق إذا أمر بمعروف أو نهي عن منكر فقيل له اتق الله لا تفعل كذا او اترك كذا تأخذه الأنفة والحمية بسبب ذنوبه التي هو متلبس بها فلا يتقي الله ولا يتوب إليه فيكفيه جزاء على نفاقه وشره وفساده جهنم يمتهدها فراشا ولا يبرح منها أبداً ولبئس المهاد جهنم.
      كما يخبر تعالى عن المؤمن الصادق نفيقول من الناس رجل مؤمن صادق الإِيمان باع نفسه وماله لله تعالىطلبا لمرضاته والحياة في جواره في الجنة دار السلام فقال تعالى { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة لاله والله رؤوف بالعباد } رحيم بهم.
      قيل أن الرجل المنافق الذي تضمنت الحديث عنه الآيات الثلاثة الأولى هو الأخنس بن شريق، وأن الرجلالمؤمن الذي تضمنت الحديث عنه الآية الرابعة (207) هو صهيب بن سنان الرومي أوبو حييى إذالمشركون لما علموا به أنه سيهاجر إلى المدينة ليلحق بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه قالوا لنتذهب بنفسك ومالك لمحمد فلن نسمح لك بالهجرة إلا إذا أعطيتنا مالك كله فاعطاهم كل ما يملكوهاجر فلما وصل المدينة ورآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " ربح البيع أبا يحيى ربح البيع ". والآيات وإن نزلت في شأن الأخنس وصهيب فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فالأخنس مثلسوء لكل من يتصف بصفاته، وصهيب مثل الخير والكمال لكل من يتصف بصفاته.



      هداية الآيات
      1- التحذير من الاغترار بفصاحة وبيان الرجل إذا لم يكن من أهل الإِيمان والإخلاص.
      2- شر الناس من يفسد في الأرض بارتكاب الجرائم مما يسبب فساداً وهلاكا للناس والمواشي.
      3- قول الرجل يعلم الله، ويشهد الله يعتبر يميناً فليحذر المؤمن أن يقول ذلك وهو يعلم من نفسه أنه كاذب.
      4- إذا قيل للمؤمن اتقي الله يجب عليه أن لا يغضب أو يكره من أمره بالتقوى بل عليه أن يعترف بذنبه ويستغفر الله تعالى يقلع عن المعصية فورا.
      5- الترغيب في الجهاد بالنفس والمال وجواز أن يخرج المسلم من كل ماله في سبيل الله تعالى ولا يعد ذلك اسرافاً ولا تبذيراً إذ الإِسراف والتبذير في الإِنفاق في المعاصي والذنوب.

      [/B]
    • [B]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210) سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)


      شرح الكلمات
      {سل}: إسأل: سقطت منه الهمزتان للتخفيف.
      {بني إسرائيل}: ذريّة يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم واسرائيل لقب يعقوب.
      {آية}: خارقة للعادة كعصا موصى تدل على أن من أعطاه الله تلك الآيات هو رسول الله حقاً. وآيات بني إسرائيل التي آتاهم الله تعالى منها فلق البحر لهم، وإنزال المن والسلوى في التيه عليهم.
      {نعمة الله}: ما يهبه لعبده من خير يجلب له المسر وَيدفع عنه المضرة ونعم الله كثيرة.
      {يسخرون}: يحتقرون ويستهزئون.

      معنى الآيات
      يأمر الله تعالى رسوله أن يسأل بني إسرائيل عن الآيات الكثيرة التي آتاهم الله، وكيف كفروا بها فلم تنفعهم شيئاً، والمراد تسليته صلى الله عليه وسلم من الألم الذى يحصل له من عدم إيمان أهل الكتاب والمشركين به وبما جاء به من الهدى وضمن ذلك تقريع اليهود وتأنيبهم على كفرهم بآيات الله وإصرارهم على عدم الدخول في الإِسلام. ثم أخبر تعالى أن من يبدل نعمة الله التي هي الإِسلام بالكفر به وبنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم فإن عقوبة الله تعالى تنزل به لا محالة في الدنيا أو في الآخرة لأن الله شديد العقاب.

      هذا ما تضمنته الآية الأولى (211) وأما الآية الثانية (212) فقد أخبر تعالى أن الشيطان زين للذين كفروا بالله وشرائعه الحياة الدنيا فرغبوا فيها وعملوا لها وأصبحوا لم يروا غيرها ولذلك سخروا من المؤمنين الزاهدين فيها لعلمهم بزوالها وقلة نفعها فلم يكرسوا كل جهدهم لجمعها والحصول عليها بل أقبلوا على طاعة ربهم وأنفقوا ما في أيديهم في سبيل الله طلباً لرضاه. كما أخبر أن المؤمنين المتقين سيجازيهم يوم القيامة خير الجزاء وأوفره فيسكنهم دار السلام في عليين، ويُخزي أعداءهم الساخرين منهم ويهينهم فيسكنهم الدرك الأسفل من النار.وهو تعالى المتفضل ذو الإِحسان إذا رزق يرزق بغير حساب وذلك لواسع فضله وعظيم ما عنده.





      هداية الآيات
      1- التحذير من كفر النعم لما يترتب على ذلك من أليم العذاب وشديد العقاب ومن أَجَلِّ النعم نعمة الإِسلام فمن كفر به وأعرض عنه فقد تعرض لأشد العقوبات وأقساها وما حلَّ ببني إسرائيل من ألوان الهون والدون دهراً طويلاً شاهد قوي وما حل بالمسلمين يوم أعرضوا عن الإِسلام واستبدلوا به الخرافات ثم القوانين الوضعية شاهد أكبر أيضاً.
      2- التحذير من زينة الحياة الدنيا والرغبة فيها والجمع لها ونسيان الدار الآخرة وترك العمل لها. فإن أبناء الدنيا اليوم يسخرون من أبناء الآخرة، ولكن أبناء الآخرة أهل الإِيمان والتقوى سيكونون يوم القيامة فوقهم درجات إذ هم في أعالي الجنان والآخرون في أسافل النيران.
      [/B]

      [B]
      [/B]

    • [B]كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)


      شرح الكلمات
      {الكتاب}: اسم جنس يدخل فيه كل الكتب الإِلهية. { أوتوه }: أعطوه.
      {البينات}: الحجج والبراهين تحملها الرسل إليهم وتورثها فيهم شرائع وأحكاماً وهدايات عامة.
      {أم حسبتم}: أظننتم - أم هي المنقطعة فتفسر ببل والهمزة، والاستفهام انكاري ينكر عليهم ظنهم هذا لأنه غير واقع موقعه.
      {البأساء والضراء}: البأساء: الشدة، من الحاجة وغيرها والضراء: المرض والجراحات والقتل.
      {من خير}: من مال إذ المال يطلق عله لفظ الخير.
      {الأقربين}: كالأخوة والأخوات وأولادهم، والأعمام والعمات وأولادهم والأخوال والخالات وأولادهم.
      {القتال}: قتال الكافرين بجهادهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية.
      {كُرْهُ}: مكروه في نفوسكم طبعاً.
      {عسى}: هذا الفعل معناه الترجي والتوقع أعني أن ما دخلت عليه مرجو الحصول متوقع لا على سبيل الجزم، إلاّ أنها إن كانت من الله تعالى تفيد اليقين.


      معنى الآيات
      يخبر تعالى أن الناس كانوا ما بين آدم ونوح عليهما السلام في فترة طويلة أمةً واحدة على دين الإِسلام لم يعبد بينهم إلا الله تعالى حتى زيّن الشيطان لبعضهم عبادة غير الله تعالى فكان الشرك والضلال فبعث الله تعالى لهدايتهم نوحاً عليه السلام فاختلفوا إلى مؤمن وكافر وموحد ومشرك، وتوالت الرسل تحمل كتب الله تعالى المتضمنة الحكم الفصل في كل ما يختلفون فيه. ثم أخبر تعالى عن سنته في الناس وهي أن الذين يختلفون في الكتاب أي فيما يحويه من الشرائع والأحكام هم الذين سبق أن أوتوه وجاءتهم البينات فؤلاء يحملهم الحسد وحب الرئاسة، والإِبقاء على مصالحهم على عدم قبول ما جاء به الكتاب، واليهود هم المثل لهذه السنة فإنهم أتوا التوراة فيها حكم الله تعالى وجاءتهم البينات على أيدي العابدين من أنبيائهم ورسلهم واختلفوا في كثير من الشرائع والأحكام وكان الحامل له معلى ذلك البغي والحسد والعياذ بالله. وهدى الله تعالى أمة محمد صلى الله عليه سولم لما اختلف فيه أهل الكتابين اليهود والنصارى فقال تعالى { فهدى الله الذين آمنوا } لما اختلف فيه أولئك المختلفون من الحق هداهم بإذنه ولطفه وتوفيقه فله الحمد وله المنة. ومن ذلك الحق الذي اختلف فيه أهل الكتاب من قبلنا وهدانا الله تعالى إليه:
      1- الإِيمان بعيسى عبد الله ورسوله حيث كفر به اليهود وكذبوه واتهموه بالسحر وحاولوا قتله؟ وألَّهَةُ النصارى، وجعلوه إلهاً مع الله، وقالوا فيه إنه ابن الله. تعالى الله عن الصاحبة والولد.
      2- يوم الجمعة وهو أفضل الأيام أخذ اليهود السبت والنصارى الأحد وهدى الله تعالى إليه أمة الإِسلام.
      3- القبلة قبلة أبي الأنبياء ابراهيم استقبل اليهود بيت المقدس واستقبل النصارى مطلع الشمس وهدى الله أمة الإٍلام إلى استقبال البيت العتيق قبلة ابراهيم عليه السلام. والله يهدي من شاء إلى صراط مستقيم.
      ينكر تعالى على المؤمنين وهم في أيام شدة ولأواء ظنهم أنهم يدخلون الجنة بدون امتحان وابتلاء في النفس والمال بل وأن يصيبهم ما أصاب غيرهم من البأساء والضراء والزلزال وهو الاضطراب والقلق من الأهوال حتى يقول الرسول والمؤمنون معه - استبطاء للنصر الذي وُعدوا به: متى نصر الله؟ فيجيبهم ربهم تعالى بقوله: { ألا إن نصر الله قريبٌ }.
      و في الآية الثانية سأل عمر بن الجموح وكان ذا مال سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ينفق فنزلت الآية جوابا لسؤاله فبينت أن ما ينفق هو المال وسائر الخيرات وأن الأحق بالإِنفاق عليهم هم
      الوالدان والأقربون، واليتامى والمساكين وأبناء السبيل. وأعلمهم تعالى أن ما يفعله العبد من خير يعلمه الله تعالىويجزي به فرغب بذلك في فعل الخير مطلقا.
      يخبر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بأنه فرض عليهم قتال المشركين والكافرين وهو يعلم أنه مكروه لهم بطبعهم لما فه من الآلام والأتعاب وإضاعة المال والنفس، وأخبرهم أن ما يكرهونه قد يكون خيراً، وأن ما يحبونه قديكون شرّاً، ومن ذلك الجهاد فإنه مكروه لهم وهو خير لهم لما فه من عزتهم ونصرتهم ونصره دينهم مع حسن الثواب وعظم الجزاء في الدار الآخرة كما أن ترك الجهاد محبوب لهم وهو شرّ لهم لأنهم يشجع عدوهم على قتالهم واستباحة بيضتهم، ونتهاك حرمات دينهم مع سوء الجزاء في الدار الآخرة. وهذا الذي أخبرهم تعالى بهمن حبهم لأشياء وهي شَر لهم وكراهيتهم لأشياء وهي خير لهم هو كما أخبر لعلم الله به قبل خلقه، والله يعلم وهم لا يعلمون فيجب التسليم لله تعالى في أمره وشرعه مع حب ما أمر به وما شرعه واعتقاد أنه خير لا شر فيه.


      هداية الآيات
      1- الأصل هو التوحيد والشرك طارىء على البشرية.
      2- الأصل في مهمة الرسل البشارة لمن آمن واتقى؟ والنذارة لمن كفر وفجر، وقد يشرع لهم قتال من يقاتلهم فيقاتلونه كما شرع ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
      3- من علامات خذلان الأمة وتعرضها للخسار والدمار أن تختلف في كنابها ودينها فيحرفون كلام الله ويبدلون شرائعه طلبا للرئاسة وجريا وراء الأهواء والعصبيّات، وهذا الذي تعانى منه أمة الإِسلام اليوم وقبل اليوم، وكان سبب دمار بني إسرائيل.
      4- أمة الإِسلام التي تعيش على الكتاب والسنة عقيدة وعبادة وقضاء هي المعنية بقوله تعالى: { فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه }.
      5- الهداية بيد الله فليطلب العب دائماً الهداية من الله تعالى بسؤاله المتكرر أن يهديه دائماً إلى الحق.
      6- الابتلاء بالتكاليف الشرعية، ومنه الجهاد بالنفس والمال ضروريٌ لدخول الجنة.
      7- الترغيب في الإِتساء بالصالحين والاقتداء بهم في العمل والصبر.
      8- جواز الأعراض البشرية على الرسل كالقلق والاستبطاء للوعد الإِلهي انتظاراً له
      9- بيان ما أصاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من شدة وبلاء أيام الجهاد وحصار المشركين4 لهم.
      10- سؤال من لا يعلم حتى يعلم وهذا طريق العلم، ولذا قالوا: (السؤال نصف العلم).
      11- أفضلية الإِنفاق على المذكورين في الآية إن كان المنفق غنيّاً وهم فقراء محتاجون
      12- الترغيب في فعل الخير والوعد من الله تعالى بالجزاء الأوفى عليه.
      13- وجوب الجهاد على أمة الإِسلام ما بقيت فتنة في الأرض وشرك فيها.
      14- جهل الإِنسان بالعواقب يجعله يحب المكروه، ويكره المحبوب.
      15- أوامر الله كلها خير، ونواهيه كلها شرّ: فلذا يجب فعل أوامره واجتناب نواهيه.
      [/B]

    • [B]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)

      شرح الكلمات
      {الحرام قتال فيه}: أي المحرم. قتال بدل اشتمال من الحرام، إذ السؤال عن القتال في الشهر الحرام (رجب).
      {أهله}: النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرون.
      {الفتنة}: الشرك واضطهاد المؤمنين ليكفروا.
      {حبطت أعمالهم}: بطل أجرها فلا يثابون عليها لردتهم.


      معنى الآيات
      لما أخبر تعالى أنه كتب على المؤمنين القتال ارسل النبي صلى الله عليه وسلم سرية بقيادة عبد الله بن جحش إلى بطن نخلة يتعرف على أحوال الكفار. فشاء الله تعالى أن يلقى عبد الله ورجاله عيراً لقريش فقاتلوهم فقتلوا منهم رجلا يدعى عمرو بن الحضرمي وأسروا اثنين واخذوا العير وقفلوا راجعين وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الثانية وهي أو ليلة من رجب. فثارت ثائرة قريش وقالت: محمد يحل الشهر الحرام بالقتال فيه، ورَدَّد صوتهَا اليهود والمنافقون بالمدينة حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف العير والأسرين ولم يقض فيهما بشىء، وتعرض عبد الله بن جحش ورفاقه لنقد ولوم عظيمين من أكثر الناس، وما زال الأمر كذلك حتى أنزل الله تعالى هاتين الآيتين { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه } أي عن القتال فيه، أجبهم يا رسولنا وقل لهم القتال فيه وزر كبير بيد أن الصد عن دين الله والكفر به تعالى وكذا الصد عن المسجد الحرام،
      وإخراج الرسول منه والمؤمنين وهم أهله وولاته بحق أعظم وزراً في حكم الله تعالى، كما أن شرك المشركينفي الحرام. مضافاً إلى كل هذا عزمهم على قتال المؤمنين إلى أن يردوهم عن دينهم إن اتطاعوا. ثم أخبر تعالى الحرم وفتنة المؤمنين فيه لإِرجاعهم عن دينهم الحق إلى الكفر بشتى أنواع التعذيب أعظم من القتل في الشهرالحرام. مضافاً إلى كل هذا عزمهم على قتال المؤمنين إلى أن يردوهم عن دينهم إن اتطاعوا. ثم أخبر تعالى المؤمنين محذراً إياهم من الارتداد مهما كان العذاب أن من يرتد عن دينه ولم يتب بأن مات كافراً فإن أعماله(218) إن الذين آمنوا والذين هاجروا فقد نزلت في عبد الله بن جحش وأصحابه طمأنهم الله تعالى أنهم غيرآثمين وأنه تعالى غفور لذنوبهم رحيم بهم، وذلك لإِيمانهم وهجرتهم وجهادهم في سبيل الله، وقال تعالى فيهم: { إنالذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم }.



      هداية الآيات
      1- حرمة الشهر الحرام والبلد الحرام.
      2- نسخ القتال في الشهر الحرام بدليل قتال الرسول صلى الله عليه وسلم هوازن وثقيف في شوال وأول القعدة وهما في الأشهر الحرم.
      3- الكشف عن نفسيّة الكافرين وهي عزنهم الدائم على قتال المسلمين إلى أن يردوهم عن الإِسلام ويخرجوهم منه.
      4- الردة محبطة للعمل فإن تاب المرتد يستأنف العمل من جديد، وإن مات قبل التوبة فهو من أهل النار الخالدين فيها أبداً.
      5- بيان فضل الإِيمان والهجرة والجهاد في سبيل الله.
      [/B]


      [B]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)



      شرح الكلمات
      {الميسر}: القمار وسمي ميسراً لأن صاحبه ينال المال بيسر وسهولة.
      {تخالطونهم}: تخلطون ما لهم وينجيكم من عذابها.
      {لأعنتكم}: العنت المشقة الشديدة يقال أعنته إذا كلّفه مشقة شديدة.

      معنى الآيات
      كان العرب في الجاهلية يشربون الخمر ويقامرون وجاء الإِسلام فبدأ دعوتهم إلى التوحيد والإِيمان بالعبث الآخر إذ هما الباعث القوي عل الاستقامة في الحياة، ولما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم والعديد من أصحابه وأصبحت المدينة تمثل مجتمعاً إسلامياً وأخذت الأحكام تنزل شيئاً فشيئاً فحدث يوماً أن صلى أحد الصحابة بجماعة وهو ثملان فخلط في القراءة فنزلت آية النساء{ يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى }. فكانوا لا يشربونها إلا في أوقات معينة وهنا كثرت التساؤلات حول شرب الخمر فنزلت هذه الآية { يسألونك عن الخمر والميسر } فأجابهم الله تعالى بقوله { قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } فترك الكثير كلاً من شرب الخمر ولعب القمار لهذه الآية. وبقي آخرون فكان عمر يتطلع إلى منعهما منعاً باتاً ويقول: (اللهم بينّ لنا في الخبر بياناً شافياً) فاستجاب الله تعالى له ونزلت آي المائدة:{ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر } إلى قوله{ فهل انتم منتهون } فقال عمر: (انتهينا ربنا) وبذلك حرمت الخمر وحرم الميسر تحريماً قطعياً كاملاً ووضع الرسول صلى الله عليه وسلم حدّ الخمر وهو الجلد. وحذر من شربها وسماها أم الخبائث وقال: " مدمن الخمر لا يكلمه الله يوم القيامة ولا يزكيه في ثلاثة نفر وهم العاقّ لوالديه، ومسبل إزاره، ومدمن شرب الخمر ". وقوله تعالى: { فيهما إثم كبير ومنافع للناس } فهو كما قال تعالى فقد بينّ في سورة المائدة منشأ الإِثم وهو أنهما يسببان العداوة والبغضاء بين المسلمين ويصدان عن ذكر الله وعن الصلاة وأي إثم أكبر في زرع العداوة البغضاء بين أفراد المسلمين، والإِعراض عن ذكر الله وتضييع الصلاة حقاً إن فيهما لإِثماً كبيراً، وأما المنافع فهي إلى جانب هذا الإِثم قليلة ومنها الربح في تجارة الخمر وصنعها، وما تكسب شاربها من النشوة والفرح والسخاء والشجاعة، وأما المسير فمن منافعه الحصور على المال بلا كد ولا تعب وانتفاع بعض الفقراء، به إذا كانوا يقامرون على الجزور من الإِبل ثم يذبح ويعطى للفقراء والمساكين.
      أما قوله تعالى في الآية { يسألونك ماذا ينفقون } فهو سؤال نشأ عن استجابتهم لقول الله تعالى: { وأنفقوا في سبيل الله } فأرادوا أن يعرفوا الجزء الذي ينفقونه من أموالهم في سبيل الله فأجابهم الله تابر كوتعالى بقوله: { قل العفو } أي ما زاد على حاجتكم وفضل عن نفقتكم على أنفسكم. ومن هنا قال الرسول صلى الله عليه وسلم " خيرالصدقة ما كان عن ظهر غنى " وراه البخاري، وقوله { وكذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة } أي مثل هذا البيان يبين الله لكم الشرائع الأحكام والحلال والحرام ليعدكم بذلك إلى التفكير الواعي البصير في أمر الدنيا والآرخة فتعملون لدنياكم على حسب حاجتكم إليها وتعملون لآخرتكم التي مردكم إليها وبقاؤكم فيها على حسب ذلك.وهذا ما تضمنته الآية الأولى (219) أما الآية الثانية (220) { يسألونك عن اليتامى } الآية فإنه لما نزل قوله تعالى من سورة النساء { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً } خاف المؤمنون والمؤمنات من هذا الوعيد الشديد وفصل من ان في بيته يتيم يكفله فصل طعامه عن طعامه وشرابه عن شرابه وحصل بذلك عنت ومشقة كبيرة وتساءلوا عن المخرج فنزلت هذه الآية وبينت لهم أن المقصود هو إصلاح مال التيامى وليس هو فصله أو خلطه فقال تعالى: { قل إصلاح لهم.... } مع الخلط خير من الفصل مع عدم الإِصلاح ودفع الحرج في الخلط فقال: { وإن تخالطوهم فإخوانكم، والأخر يخالط أخاه في ماله، وأعلمهم أنه تعالى يعلم المفسد لمال اليتيم من المصلح له ليكونوا دائماً على حذر، وكل هذا حماية لمال اليتيم الذي فقد والده. ثم زاد الله في منته عليهم يرفع الحرج في المخالطة فقال تعالى { ولو شاء الله لأعنتكم } أي أبقاكم في المشقة المترتبة على فصل أموالكم عن أموال يتاماكم وقوله إن الل عزيز أي غالب على ما يريده حكيم فيما يفعله ويقضي به.


      هداية الآيات
      1- حرم الخمر والميسر حيث نسخت هذه الآية بآية المائدة لقوله تعالى فيها فاجتنبوه وقوله فهل أنتم منتهون.
      2- بيان أفضل صدقة التطوع وهي ما كانت عن ظهر غنىّ وهو العفو في هذه الآية.
      3- استحباب التفكر في أمر الدنيا والآخرة لإِعطاء الأولى بقدر فنائها والآخرة بحسب بقائها.
      4- جواز خلط مال اليتيم بمال كافله إذا كان أربح له وأوفر وهو معنى الإِصلاح في الآية.
      5- حرمة مال اليتيم، والتحذير من المساس به وخلطه إذا كان يسبب نقصاً فيه أو إفساداً.

      [/B]
    • [B]وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)


      شرح الكلمات
      {المحيض}: مكان الحيض وزمنه والحيض دم يخرج من رحم المرأة إذا خلا من الجنين.


      معنى الآيات
      يخبر تعالى رسوله بأن بعض المؤمنين سألوه عن المحيض هل تساكن المرأة معه وتؤاكل وتشارب أو تهجر بالكلية حتى تطهر إذ كان هذا من عادة أهل الجاهلية، وأمره أن يقول لهم الحيض أذى يضر بالرجل المواقع فيه، وعليه فليعتزلوا النساء الحيض في الجماع فقط لا في المعاشرة والمآكلة والمشاربة، وإنما في الجماع فقط أيام سيلان الدم بل لا بأس بمباشرة الحائض في غير ما بين السرة والركبة للحديث الصحيح في هذا كما أكد هذا المنع بقوله لهم: ولا تقربوهن أن لا تجامعوهن حتى يطهرن بإنقطاع دمهن والاغتسال بعده لقوله فإذا تطهرن أي اغتسلن فأتوهن من حيث أمركم الله باتيانهن وهو القبل لا الدبر فإنه محرم وأعلمهم تعالى أنه يحب التوابين من الذنوب المتطهرين من النجاسات والأقذار فليتوبوا وليتطهروا ليفوزا بحب مولاهم عز وجل هذا معنى الآية الأولى: (222) أما الآية الثانية (223) وهي قوله تعالى: { نساؤكم حرث لكم } فهي تضمنت جواب سؤال وهو هل يجوز جماع المرأة مدبرة بأن يأتيها الرجل من ورائها إذ حصل هذا السؤال من بعضهم فعلاً
      فأخبر تعالى أنه لا مانع من ذلك إذا كان في القبل وكانت المرأة طاهرة من دمي الحيض والنفاس، ومسىّ المرأة حرثاً لأن رحمها ينبت فيه الولد كما ينبت الزرع في الأرض الطيبة وما دام الأمر كذلك فليأت الرجل امرأته كما شاء مقبلة أو مدبرة إذ المقصود حاصل وهو الإِحصان وطلب الولد.فقوله تعالى أنّى شئتم يريد على أي حال من إقبال أو إدبار شئتم شرط أن يكون ذلك في القبل لا الدبر. ثم وعظ تعالى عباده بقوله: وقدّموا لأنفسكم من الخير ما ينفعكم في آخرتكم واعلموا أنكم ملاقوا لله تعالى فلا تغفلوا عن ذكره وطاعته إذ هذا هو الزاد الذي ينفعكم يوم تقفون بين يدي ربكم.وأخيراً أمر رسوله أن يبشر المؤمنين بخير الدنيا والآخرة وسعادتهما من كان إِيمانه صحيحاً مثمراً التقوى والعمل الصالح.



      هداية الآيات
      1- حرمة الجماع أثناء الحيض النفاس لما فيه من الضرر، ولقوله تعالى { فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن }.
      2- حرم وطء المرأة إذا انقطع دم حيضها أو نفاسها ولم تغتسل، لقوله تعالى: { فإذا تطهرن فأتوهن }.
      3- حرمة نكاح المرأة في دبرها لقوله تعالى: { فأتوهن من حيث أمركم الله } وهو القبل.
      4- وجوب التطهير من الذنوب بالتوبة، والتطهير من الأقذار والنجاسات بالماء.
      5- وجوب تقديم ما أمكن من العمل الصالح ليكون زاد المسلم إلى الدار الآخرة لقوله تعالى: { وقدموا لأنفسكم }.
      6- وجوب تقوى الله تعالى بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه وزجر.
      7- بشرى الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لكل مؤمن ومؤمنة.

      [/B]


      [B]وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)



      شرح الكلمات
      {العرضة}: ما يوضع مانعاً من شىء، واليمين يحلفها المؤمن أن لا يفعل خيراً.
      {الإيمان}: جمع يمين نحو والله لا أفعل كذا أو واله لأفعلنّ كذا.

      معنى الآيات
      يهنى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يجعلوا الحلف به مانعاً من فعل الخير وذلك كأن يحلف العبد أن لا يتصدق على فلان أو أن لا يكلم فلاناً أو أن لا يصلح بين اثنين فقال تعالى ولا تجعلوا الله يريد الحلف به عرضة لأيمانكم أي مانعاً لكم من فعل خير أو ترك إثم أو اصلاح بين الناس. وأخبرهم أنه سميع لأقوالهم عليم بنياتهم وأفعالهم فليتقوه عز وجل. ثم أخبرهم أنه تعالى لا يؤاخذهم باللغو في أيمانهم وهو أن يحلف الرجل على الشيء يظنه كذا فيظهر عل خلاف ما ظن، أو أن يجري على لسانه ما لا يقصده من الحلف كقوله لا، والله، بلى والله فهذا مما عفا الله عنه لعباده فلا إثم فيه ولا كفارة تجب فيه. لكن يؤاخذهم بما كسبت قلوبهم من الإِثم وذلك كأن يحلف المرء كاذباً ليأخذ حق أخيه المسلم بيمينه الكاذبة فهذه هذ اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار وهذه لا تنفع فيها الكفارة الموضوعة لمن حلف على أن لا يفعل أو يفعل ثم حنث، وإنما على صاحب اليمين الغموس التوبة بالتكذيب نفسه والاعتراف بذنبه ورد الحق الذي أخذه بيمينه الفاجرة إلى صاحبه وبذلك يغفر الله تعالى له ويرحمه، والله غفور رحيم.

      هداية الآيات
      1- كراهية منع الخير بسبب اليمين وعليه فمن حلف أن لا يفعل خيراً فليكفر عن يمينه وليفعل الخير لحديث الصحيح " من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير ".
      2- لغو اليمين معفو عنها ولها صورتان الأولى أن يجري على لسانه لفظ اليمين وهو لا يريد أن يحلف نحو لا والله، وبلى والله، الثنية أن يحلف على شىء يظنه كذا فيتبين خلافه، مثل أن يقول والله ما في جيبي درهم ولا دينار وهو ظان أو جازم أنه ليس في جيبه شىء من ذلك، ثم يجده فهذه صورة لغو اليمين.
      3- اليمين المؤاخذ عليها العبد هي أن يحلف متعمداً الكذب قاصداً له من أجل الحصول على منفعة دنيوية وهي المقصودة بقوله تعالى: { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } وتسمى باليمين الغموس، واليمين الفاجرة.
      4- اليمين التي تجب فيها الكفارة هي التي يحلف فيها العبد أن يفعل كذا ويعجز فلا يفعل أو يحلف أن لا يفعل كذا ثم يضطر ويفعل، ولميقل أثناء حلفه إن شاء الله، والكفارة مبيّنة في آية المائدة وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم يجد صام ثلاثة أيام.

      [/B]
    • [B]لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)

      شرح الكلمات
      {يؤلون}: الإِيلاء: الحلف على عدم وطء الزوجة.
      {فاءوا}: رجعوا إلى وطء نسائهم بعد الامتناع عنه باليمين.
      {الطلاق}: فك رابطة الزوجية وحلها بوقله هي طالق أو مطلقة أو طلقتك.
      {المطلقات}: جمع مطلقة وهي المرأة تسوء عشرتها فيطلقها زوجها أو القاضي.
      {قروء}: القرء إما مدة الطهر، و مدة الحيض.
      {ما خلق الله في أرحامهن}: من الأجنّة فلا يحل للمطلقة أن تكتم ذلك.
      {وبعولتهن}: أزواجهن واحد البعولة: بَعْلٌ كفحل ونخل.


      معنى الآيات
      وبمناسبة ذكر اليمين ذكر تعالى حكم من يولي من امرأته أي يحلف أن لا يطأها فأخبر تعالى أن على المولي تربص أربعة أشهر فإن فاء إلى امرأته أي رجع إلى وطئها فبها ونعمت، وعليه أن يكفر عن يمينه، وإن لم يفىء إلى وطئها وأصرّ على ذلك فإن على القاضي أن يوقفه أمامه ويطالبه بالفىء فإن أبى طلقها عليه.
      قال الله تعالى: { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم } يغفر لهم ما ارتكبوه من الذنب في حق نسائهم ويرحمهم لتوبتهم.

      وإن عزموا الطلاق بأن أبوا أن يفيئوا طلقوا، والله سميع لأقوالهم عليهم بما في قلوبهم.

      فليحذروه بعدم فعل ما يكره، وترك فعل ما يحب.
      بمناسبة طلاق المؤلى إن أصر على عدم الفيئة ذكر تعالى في هذه الآية { والمطلقات } الخ أن على المطلقة التي تحيض أن تنتظر فلا تتعرض للزواج مدة ثلاثة أقراء فإن انتهت المدة ولم يراجعها زوجها فلها أن تتزوج وهذا الانتظار يسمى عدة وهي واجبة مفروضة عليها لحق زوجها، إذ له الحق أن يراجعها فيها وهذا معنى قوله تعالى في الآية: { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أراداو إصلاحاً }.
      كما أن على المطلقة أن لا تكتم الحيض بأن تقول: ما حضت إلا حيضة أو حيضتين وهي حاضت ثلاثة تريد بذلك الرجعة لزوجها، ولا تقول حضت ثلاثة وهي لم تحض من أجل أن لا ترجع إلى زوجها، ولا تكتم الحمل كذلك حتى إذا تزوجت من آخر تنسب إليه الولد وهو ليس بولده وهذا من كبائر الذنوب. ولذا قال تعالى ولا يكتمن ما خلق الله في أرحامهن، يريد من حيض وحمل إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وقوله تعالى: { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } يريد والزوجُ أحقُّ بزوجته المطلقة ما دامت في عدَّتها وعلى شرط أن لا يريد بإرجاعها المضارة بها بل لا بد وان يريد برجعتها الإِصلاح وطيب العشرة بينهم وهذا ظاهر قوله تعالى: { إن أرادوا إصلاحاً } ، وعلى المطلقة أن تنوي برجوعها إلى زوجها الإِصلاح أيضاً.

      ثم أخبر تعالى أن للزوجة من الحقوق على زوجها، مثل ما للزوج عليها من حقوق فقال تعالى: { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } وأخبر أن للرجل على المرأة درجة لم ترقها المرأة ولم تكن لها وهي القيوميّة المفهومة من قوله تعالى من سورة النساء: { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } وختمت الآية بجملة { والله عزيز حكيم } إشعاراً بوجوب تنفيذ هذه التعاليم لعزة الله تعالى وحكمته فإن الغالب يجب أن يطاع والحكيم يجب أن يسلم له في شرعه لأنه صالح نافع غير ضار.



      هداية الآيات
      1. بيان حكم الإِيلاء وهو أن يحلف الرجل لأن لا يطأ امرأته مدة فإن كانت أقل من أربعة أشهر فله أن لا يحنث نفسه ويستمر ممنعا عن الوطء، إلى أن تنتهي مدة الحلف إلا أن الألفض أن يطأ ويكفر عن يمينه، وإن كانت أثر من أربعة أشهر فإن عليه أن يفىء إلى زوجته أو تطلق عليه وإن كان ساخطا غير راض.
      2. حرمة الطلاق الثلاث بلفظ واحدن لأن الله تعالى قال الطلاق مرتان.
      3. المطلقة ثلاث طلقات لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره ويطلقها أو يموت عنها.
      4. مشروعية الخلع وهو أن تكره المرأة البقاء مع زوجها فتخلع نفسها منه بمال تعطيه إياه عوضا عما أنفق عليها في الزواج بها.
      5. وجوب الوقوف عند حدود الله وحرمة تعديها.
      6. تحريم الظلم وهو ثلاثة أنواع ظلم الشرك وهذا لا يغفر للعبد إلا بالتوبة منه وظلم العبد لأخيه الإِنسان وهذا لا بد من التحلل منه، وظلم العبد لنفسه بتعدّي حد من حدود الله وهذا أمره إلى الله إن شاء غفره وإن شاء واخذ به

      [/B]


      [B]الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)


      شرح الكلمات
      {الحكمة}: السنة النبوية.
      {يعظكم به}: بالذي أنزله من أحكام الحلال والحرام؛ لتشكروه تعالى بطاعته.

      معنى الآيات
      يقول تعالى مبيناً حكم من طلق امرأته الطلقة الثلاثة: فإن طلقها فلا تحلُّ له حتى تنكح زوجاً غيره، ويكون النكاح صحيحاً ويبني بها الزوج لحديث " حتى تذوقي تسيلته ويذوق عسيلتك " فإن طلقها الثاني بعد البناء والخلوة والوطء أو مات عنها جاز لها أن تعود إلى الأول إن رغب هو في ذلك وعلما من أنفسهما أنهما يقيمان حدود الله فيهما بإعطاء كل واحد حقوق صاحبه مع حسن العشرة وإلا فلا مراجعة تحل لهما. ولذا قال تعالى إن ظنا أن يقيما حدود الله ثم نوّه الله تعالى بشأن تلك الحدود فقال: { وتلك حدود الله } وهي شرائعه، يبينها سبحانه وتعالى لقوم يعلمون، إذ العالمون بها هم الذين يقفون عندها ولا يتعدونها فيسلمون من وصمة الظلم وعقوبة الظالمين.
      ما زال السياق في بيان أحكام الطلاق والخلع والرجفة في هذه الآية يأمر تعالى عباده المؤمنين إذا طلق أحدهم امرأته وقاربت نهاية عدتها أن يراجعها فيمسكها بمعروف، والمعروف هو حسن عشرتها أو يتركها حتى تنقضي عدتها ويسرحها بمعروف فيعطيها كامل حقوقها ولا يذكرها إلا بخير ويتركها تذهب حيث شاءت. وحرم على أحدهم أن يراجع امرأته من أجل أن يضرّ بها فلا هو يحسن إليها ولا يطلقها فتستريح منه، فقال تعالى: { ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا } يريد عليهن حتى تضطر المرأة المظلومة إلى المخالعة فتفدي نفسها منه بمال وأخبر تعالى: أن من يفعل هذا الإضرار فقد عرض نفسه للعذاب الأخروي.كما نهى تعالى المؤمنين عن التلاعب بالأحكام الشرعية، وذلك بإهمالها وعدم تنفيذها فقال تعالى: { ولا تتخذوا آيا الله هزواً } وأمرهم أن يذكروا نعمة الله عليهم حيث منَّ عليهم بالإِسلام دين الرحمة والعدالة والإِحسان وذلك ليشكروه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

      كما عليهم أن يذكروا نعمة الله عليهم زيادة على الإِسلام وهي نعمة انزال الكتاب.

      والحكمة ليعظهم بذلك فيأمرهم بما فيه سعادتهم وكمالهم، وينهاهم عما فيه شقاؤهم وخسرانهم: ثم أمرهم بتقواه عز وجل, فقال { واتقوا الله } وأعلمهم أنه أحق أن يُتقى لأنه بكل شيء عليم لا يخفى عليه من أمرهم شيء فيلحذروا أن يراهم على معصيته مجانبين لطاعته.

      أوامره واجتناب نواهيه.كما عليهم أن يذكروا نعمة الله عليهم زيادة على الإِسلام وهي نعمة انزال الكتاب.
      والحكمة ليعظهم بذلك فيأمرهم بما فيه سعادتهم وكمالهم، وينهاهم عما فيه شقاؤهم وخسرانهم: ثم أمرهم بتقواه عز وجل, فقال { واتقوا الله } وأعلمهم أنه أحق أن يُتقى لأنه بكل شيء عليم لا يخفى عليه من أمرهم شيء فيلحذروا أن يراهم على معصيته مجانبين لطاعته.


      هداية الآيات
      1. المطلقة ثلاثا لا تحل لمطلقها إلا بشرطين الأول أو تنكح زوجا غيره نكاحاً صحيحاً ويبني بها ويطأها والثاني أن يغلب على ظن كل منهما أن العشرة بينهما تطيب وأن لا يتكرر ذلك الاعتداء الذي أدى إلى الطلاق ثلاث مرات.
      2.موت الزوج الثاني كطلاقه تصح معه الرجعة إلى الزوج الأول بشرطه.
      3. إن تزوجت الملطقة ثلاثة بنيّة التمرد على الزوج حتى يطلقها لتعود إلى الأول فلا يحلّها هذا النكاح لأجل التحليل، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أبطله وقال: " لعن الله المحلل والمحلل له " ويسمّى بالتيس المستعار، ذاك الذي يتزوج المطلقة ثلاثا بقصد أن يحلها للأول.
      4. لا حيل للمطلق أن يراجع امرأته من أجل أن يضرّ بها ويظلمها حتى تخالعه بمال.
      5. حرمة التلاعب الأحكام الشرعية بعدم مراعتها، وتنفيذها.
      6. وجوب ذكر نعمة الله على البعد وذلك بذكرها باللسان، والاعتراف بها في الجنان.
      7. وجوب تقوى الله تعالى في السر والعلن.
      8. مراقبة الله تعالى في سائر شؤون الحياة لأنه بكل شىء عليم.

      [/B]
    • [B]وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232) وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)


      شرح الكلمات
      {لتعتدوا}: لتتجاوزوا حد الإِحسان إلى الإِساءة.
      {هزواً}: لعباً بها بعدم التزامكم بتطبيق أحكامها.
      {نعمة الله}: هنا هي الإِسلام.
      {الحكمة}: السنة النبوية.
      {فلا تعضلوهن}: أي لا تمنعوهن من التزوج مرة أخرى بالعودة إلى الرجل الذي طلقها ولم يراجعها حتى انقضت عدتها.
      {إذا تراضوا بينهم بالمعروف}: إذا رضى الزوج المطلق أن يردها إليه ورضيت هي بذلك.
      { ذلكم أزكى لكم }: أي ترك العضل خير لكم من العضل وأطهر لقلوبكم؛ إذ العضل قد يسبب ارتكاب الفاحشة.
      {حولين}: عامين.



      معنى الآيات
      ما زال السياق في بيان أحكام الطلاق والخلع والرجفة في هذه الآية يأمر تعالى عباده المؤمنين إذا طلق أحدهم امرأته وقاربت نهاية عدتها أن يراجعها فيمسكها بمعروف، والمعروف هو حسن عشرتها أو يتركها حتى تنقضي عدتها ويسرحها بمعروف فيعطيها كامل حقوقها ولا يذكرها إلا بخير ويتركها تذهب حيث شاءت. وحرم على أحدهم أن يراجع امرأته من أجل أن يضرّ بها فلا هو يحسن إليها ولا يطلقها فتستريح منه، فقال تعالى:{ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا} يريد عليهن حتى تضطر المرأة المظلومة إلى المخالعة فتفدي نفسها منه بمال وأخبر تعالى: أن من يفعل هذا الإضرار فقد عرض نفسه للعذاب الأخروي.كما نهى تعالى المؤمنين عن التلاعب بالأحكام الشرعية، وذلك بإهمالها وعدم تنفيذها فقال تعالى: {ولا تتخذوا آيات الله هزواً} وأمرهم أن يذكروا نعمة الله عليهم حيث منَّ عليهم بالإِسلام دين الرحمة والعدالة والإِحسان وذلك ليشكروه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.كما عليهم أن يذكروا نعمة الله عليهم زيادة على الإِسلام وهي نعمة انزال الكتاب.والحكمة ليعظهم بذلك فيأمرهم بما فيه سعادتهم وكمالهم، وينهاهم عما فيه شقاؤهم وخسرانهم: ثم أمرهم بتقواه عز وجل, فقال { واتقوا الله } وأعلمهم أنه أحق أن يُتقى لأنه بكل شيء عليم لا يخفى عليه من أمرهم شيء فيلحذروا أن يراهم على معصيته مجانبين لطاعته. ينهى الله تعالى أولياء أمور النساء أن يمنعوا المطلقة طلقة أو طلقتين فقط من أن تعود إلى زوجها الذي طلقها وبانت منه بانقضاء عدتها، إذا رضيت هي بالزواج منه مرة أخرى ورضي هو به وعزما على المعاشر الحسنة بالمعروف وكانت هذه الآية استجابة لأخت معقل بن يسار رضي الله عنه حيث أرادت أن ترجع إلى زوجها الذي طلقها وبانت منه بانقضاء العدة فمنعها أخوها معقل.وقوله تعالى: { ذلكم يوعظ به } أي هذا النهي عن العضل يوجه إلى أهل الإِيمان بالله واليوم الآخر فهم الأحياء الذين يستجيبون لله ورسوله إذا أمروا أو نهوا. وأخيراً أخبرهم تعالى أن عدم منع المطلقة من العودة إلى زوجها خير لهمن حالا ومآلاً وأطهر لقلوبهم ومجتمعهم. وأعلمهم أنه يعلم عواقب الأمور وهم لا يعلمون فيجيب التسليم بقبول شرعه، والانصياع لأمره ونهيه. فقال تعالى: { والله يعلم وأنتم لا تعلمون }
      بمناسبة بيان أحكام الطلاق وقد تطلق المرأة أحياناً وهي حامل ذكر تعالى أحكام الرضاع وقال تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} أي على الأم المطلقة أن ترضع ولدها حولين كاملين إن أرادت هي وأب الرضيع إتمام الرضاعة، وأن على المولود له وهو الأب ان كان موجوداً نفقة المرضعة طعاماً وشرابا وكسوة بالمعروف بحسب حال الوالد من الغنى والفقر، إذ لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها من قدرة. ثم نبّه تعالى على أنه لا يجوز أن تؤذى الوالدة بسبب ولدها بأن تمنع من إرضاع ولدها أو تكره على ارضاعه وهي لا تريد ذلك، أو تحرم النفقة مقابل الإِرضاع أو يضيق عليها فيها كما لا يجوز أن يضار أي يؤذى المولود له وهو الأب: بأن مقابل الإِرضاع ولده من أمه وقد طلقها ولا أن يطالب بنفقة باهظة لا يقر عليها. وعلى الوارث وهو الرضيع نفسه إن كان له مال. فإن لم يكن له مال فعلى عصبته وجب على الأم أن ترضعه مجاناً لأنها أقرب الناس إليه ثم ذكر تعالى رخصتين في الارضاع الأولى إن أراد الأبوان فطام الولد قبل عامين فإن لهما ذلك بعد التشاور في ذلك وتقدير مصلحة الولد من هذا الفطام المبكر. فقال تعالى: " وإن اراد فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما } أي لا تضييق ولا حرج. والثانية إن أراد المولود له أن يسترضع لولده من مرضعا غير أمه فله ذلك إن طابت به نفس الأم قال تعالى: { وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم } بشرط أن يسلم الأجرة المتفق عليها بالمعروف بلا إجحاف ولا مماطلة، وأخيراً وعظ الله كلاً من المُرْضِع والمَرْضَع له بتقواه في هذه الحدود التي وضعها لهما، وأعلمهم أنه بما يعملون بصير فليحذروا مخالفة أمره، وارتكاب نهيه. فسبحانه من إلهٍ عظيمٍ برٍ رحيم.



      هداية الآيات
      1- لا حيل للمطلق أن يراجع امرأته من أجل أن يضرّ بها ويظلمها حتى تخالعه بمال.
      2- حرمة التلاعب الأحكام الشرعية بعدم مراعتها، وتنفيذها.
      3- وجوب ذكر نعمة الله على البعد وذلك بذكرها باللسان، والاعتراف بها في الجنان.
      4- وجوب تقوى الله تعالى في السر والعلن.
      5- مراقبة الله تعالى في سائر شؤون الحياة لأنه بكل شىء عليم.
      6- حرمة العضل أي منع المطلقة أن ترجع إلى من طلقها.
      7- وجوب الولاية على المرأة، لأأن الخطاب في الآي كان للأولياء " ولا تعضلوهن ".
      8- المواعظ تنفع أهل الإِيمان لحياة قلوبهم.
      9- في امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه الخير كله، والطهر جميعه.
      10- وجوب إرضاع الأم ولدها الرضعة الأولى " اللَّبا " إن كانت مطلقة وسائر الرضاع إن كانت غير مطلقة.
      11- بيان الحد الأعلى للرضاع وهو عامان تامان. ولذا فالزيادة عليهما غير معتبرة شرعاً.
      12- جواز أخذ الأجرة على الإِرضاع.
      13- وجوب نفقة الأقارب على بعضهم في حال الفقر.
      14- جواز ارضاع الوالد ولده من مرضع غير والدته.
      [/B]

    • [B]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)


      معنى الآيات
      ما زال السياق في بيان أحكام الطلاق والعدد والنفقات ففي هذه الآية (234) أن على من مات عليها زوجها أن تنتظر أربعة أشهر وعشر ليال إن كانت حرة أو نصف المدة إن كانت أمة فلا تتجمل ولا تمس طيباً ولا تتعرض للخطاب بحال تنقضي عدتها المذكورة في الآية إلا أن تكون حاملا فإن عدتها تنقضي بوضع حملها لقوله تعالى من سورة الطلاق:{ وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن }فإذا بلغت أجلها أي انتهت المدة التي هي محدة فيها فلا جناح على ذوي زوجها المتوفى ولا على ذويها هي فيما تفعل بنفسها من ترك الإِحداد والتعرض للخطاب للتزوج هذا معنى قوله تعالى: {والذين يتوفون منك ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف} أي بما هو مباح لهن ووعظهم في ختام الآية بقوله { والله بما تعلمون خبير } فاحذروه فلا تعملون إلا ما أذن فيه لكم.
      أما الآية الثانية (235) فقد تضمنت تحريم خطبة المرأة المعتدة من طلاق أو وفاة فلا يحل خطبتها لما في ذلك من الضرر. إذ قد تحمل هذه الخطبة من رجل مرغوب فيه لماله أو دينه أو نسبه أن تدعى المرأة انقضاء عدتها وهي لم تنقض، وقد تفوت على زوجها المطلق لها فرصة المراجعة بالخطبة دون اللفظ الصريح المرحم فقال تعالى: {ولا جناح عليكم} أيها المسلمون فيما عرضتم من خطبة النساء المعتدات نحو قوله: إني راغب في الزواج: أو إذا انقضت عدتك تاورنيني إن أردت الزواج. كما تضمنت الكشف عن نفسية الرجل إذا قال
      تعالى: {علم الله أنكم ستذكرونهن} مبدين رغبتكم في الزواج منهم فرخص لكم في التعريض دون التصريحن ولكن لا تواعدوهن سراً هذا اللفظ هو الدال على تحريم خطبة المعتدة من وفاة أو من طلاق بائن، أما الطلاق الرجعي فلا يصح الخطبة فيه تعريضاً ولا تصريحاً لأنها في حكم الزوجة، وقوله إلا أن تقولوا قولا معروفاً هو الإِذن بالتعريض.كما تضمنت هذه آية حرمة عقد النكاح على المعتدة حتى تنتهي عدتها إذ قال تعالى: {ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} ، والمراد من الكتاب المدة التي كتب الله على المعدة أن تتربص فيها.وختمت الآية بوعظ الله تعالى المؤمنين حيث أمرهم أن يعلموا أن الله يعلم ما في أنفسهم ولا يخفى عليه شيء من أعمالهم وتصرافاتهم ليحذروه غاية الحذر فلا يخالفوه في أمره ولا في نهيه. كما أعلمهم أنه تعالى غفور لمن تاب منهم بعد الذنب حليم عليهم لا يعاجلهم بالعقوبة ليتمكنوا من التوبة.



      هداية الآيات
      1- بيان عدة الوفاة وهي أربعة أشهر وعشر ليال، وبينت السنّة أن عدة الأمة على النصف.
      2- وجوب الإِحداد على المتوفى عنها زوجها وهو عدم التزيّن ومس الطيب وعدم التعرض للخطاب وملازمة المنزل الذي توفى عنها زوجها وهي فيه فلا تخرج منه إلا لضرورة قصوى.
      3- حرمة خطبة المعتدة، وجواز التعرض لها بلفظ غير صريح.
      4- حرمة عقدة النكاح على معتدة قبل انقضاء عدتها وهذا من باب أولى مادام الخطبة محرمة ومن عقد على امرأة قبل انقضاء عدتها يفرق بينهما ولا تحل له بعد عقوبة لهما.
      5- وجوب مراقبة الله تعالى في السر والعلن واتقاء الأسباب المفضية بالعبد إلى فعل محرم.


      [/B]


      [B]لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)



      شرح الكلمات
      {الجناح}: الإِثم المترتب على المعصيّة.
      {ما لم تمسوهن}: ما لم تجامعوهنّ.
      {أو تفرضوا}: تُقدّر لهن مهرا.
      {الموسع قدره}: ذو الوسع في المال، وقَدَرُه: ما يقدر عليه ويستطيعه.
      {المقتر}: الضيّق العيش.
      {الذي بيده عقدة النكاح}: هو الزوج
      {ولاتنسوا الفضل بينكم}: أى المودة والإِحسان

      معنى الآيات
      ما زال السياق الكريم في بيان أحكام الطلاق وما يتعلق به ففي هذه الآية (236): يخبر تعالى عباده المؤمنين أنه لا إثم ولا حرج عليهم إن هم طلقوا أزواجهم قبل البناء بهن، وقبل أن يسَموا لهن مهوراً أيضاً وفي هذين الحالين يجب عليهم أن يمتعوهن بأن يعطوا المطلقة قبل البناء ولم تكن قد أعطيت مهراً ولا سمى لها فيعرف مقداره في هذه الحال وقد تكون نادرة يجب على الزوج المطلق جَبراً لخاطرها أن يعطيها مالاً على قدر غناه وفقره تتمتع به أياما عوضا عما فاتها من التمتع بالزواج، فقال تعالى: { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة، ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين }.
      وأما الآية الثانية (237) فإنه تعالى يُخبر أن من طلق امرأته قبل البناء بها وقد سمى لها صداقا قل أو كثر فإنَّ عليه أن يعطيها وجوباً نصفه إلا أن تعفوا عنه المطلقة فلا تأخذه تكرماً، أو يعفو المطلِّق تكرما فلا يأخذ منه شيئا فيعطيها إياه كاملاً فقال عز وجل: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} - أي فالواجب نصف ما فرضتم- إلا أن يعفون -المطلقات- أو يفعو الذي بيده عقدة النكاح وهو الزوج. ثم بعد تقرير هذا الحكم العادل الرحيم دعا تعالى الطرفين إلى العفو، وأن من عفا منهما كان أقرب إلى التقوى فقال عز وجل: { ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير }.


      هداية الآيات
      1- بيان حكم المطلقة قبل البناء وقبل تسمية المهر، وأن لها المتعة فقط بحسب حال المطلق من غنى وفقر.
      2- بيان حكم المطلقة قبل البناء وقد مسى لها صداق فإن لها نصفه وجوباً إلا أن تتنازل عنه برضاها فلها ذلك كما أن الزوج المطلق إذا تنازل عن النصف وأعطاها المسمّى كاملا فله ذلك.
      3- الدعوة إلى إبقاء المودة والفضل والإِحسان بين الأسرتين أسرة المرأة المطلقة وأسرة الزوج المطلق، حتى لا يكون الطلاق سبباً في العداوات والتقاطع.

      [/B]
    • [B]حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)


      شرح الكلمات
      {حافظوا على الصلوات}: بأدائها في أوقاتها في جماعة مع استيفاء شروطها واركانها وسننها.
      {الصلاة الوسطى}: صلاة العصر، أو الصبح فتجب المحافظة على كل الصلوات وخاصة العصر والصبح لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " من صلى البردين -العصر والصبح- دخل الجنة ".
      قانتين: خاشعين ساكنين.
      {فرجالا}: مشاة على أرجلكم أو ركبانا على الدواب وغيرها مما يركب.
      {الحول}: العام.
      {فإن خرجن}: من بيت الزوج المتوفي قبل نهاية السنة.
      {متاع بالمعروف}: أي متعة لا مبالغة فيها، ولا تقصير.
      {حقاً}: متعيناً على المطلقين الأتقياء.



      معنى الآيات
      في الآية (238) فإنه تعالى يرشد عباده المؤمنين إلى ما يساعدهم على الالتزام بهذه الواجبات الشرعية والآدب الإِسلامية الرفيعة وهو المحافظة على إقامة الصلوات الخمس عامة والصلاة الوسطى خاصة فقال تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}، وكانوا قبلها يتكلمون في الصلاة فمنعهم من ذلك بقوله: {وقوما لله قانتين} أى ساكنين خاشعين. وإن حصل خوف لا يتمكنون معه من أداء الصلاة على الوجه المطلوب من السكون والخشوع فليؤدوها وهم مشاة على أرجلهم أو راكبون على خيولهم، حتى إذا زال الخوف وحصل الأمن فليصلوا على الهيئة التي كانا يصلون عليها من سكون وسكوت خشوع فقال تعالى{فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون} يريد الله تعالى بالذكر هنا إقام الصلاة أولا، ثم الذكر العام مذكراً إياهم بنعمة العلم مطالباً إياهم بشكرها وهو أن يؤدوا الصلاة على أكمل وجوهها وأتمها لأنها المساعد على سائر لاطاعات وحسبها أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.
      هذا ما تضمنته الآية (239).
      ما زال السياق في بيان حقوق النساء المطلقات والمتوفى عنهن ففي هذه الآية (240) يخبر تعالى أن الذين يتوفون من المؤمنين ويتركون أزواجاً فإن لهن من الله تعالى وصيّة على ورثة الزوج المتوفى أن ينفذوها وهي أن يسمحوا لزوجة المتوفى عنها أن تبقى معهم في البيت تأكل وتشرب إلى نهاية السنة بما فيها مدة العدة وهي أربعة أشهر وعشر ليال إلا إذا رغبت في الخروج بعد انقضاء العدة فلها ذلك، هذا معنى قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزوجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم } وقوله فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن تقدم معناه، وهو أن للمعتدة إذا انقضت عدتها أن تتزين وتمس الطيب وتتعرض للخطاب للتزوج. وما ختمت به الآية والله عزيز حكيم إشارة إلى أن هذه الوصية قد شرعّها عزيز حكيم فهي متعيّنة التحقيق والتنفيذ.
      وأما الآية (241) {وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين} ففيها حكم آخر وهو أن المطلقة المبني بها على مطلقها أن يمتعها بشىء من المال كثياب أو داب أو خادمة، وعليه فالمطلقة قبل البناء وقيل تسمية المهر لها المتعة واجبة لها إذ ليس لها سواها والمطلقة قبل البناء وقد سمى لها المهر فإنلها نصف المهر لا غير، والمطلقة بعد البناء وهي هذه المقصودة في هذه الآية لها متعة بالمعروف سواء قيل بالوجوب أو الاستحباب لأنها لها المهر كَاملاً.
      َقوله تعالى في الآية (242) { كذلك والعدد والمتع يبين تعالى لنا آياته المتضمنة أحكام شرعه لنعقلها ونعمل بها فنكمل عليها ونسعد في الحياتين الدنيا والآخرة.


      هداية الآيات
      1. وجوب المحافظة على الصلوات الخمس وبخاصه صلاة العصر وصلاة الصبح " الصلاة الوسطى ".
      2. منع الكلام في الصلاة لغير إصلاحها.
      3. وجوب الخشوع في الصلاة.
      4. بيان صلاة الخائف من عدو وغيره وأنه يجوز له أن يصلي وهو ماش أو راكب.
      5. الأمر بملازمة ذكر الله، والشكر على نعمه وبخاصة نعمة العلم بالإِسلام.
      6. الإِبقاء على المعتدة عدة وفاة في بيت الهالك سنة إن طابت نفسها بذلك وذلك بعد انقضاء العدة الواجبة فالزائد وهو سبعة أشهر وعشرون يوماً جاء في هذه الوصية إلا أن جمهور أهل العلم يقولون بنسخ هذه الوصيّة،وعدم القول بالنسخ أولى، لأختلافهم في الناسخ لها.
      7. حق المطلقة المدخول بها في المتعة بالمعروف.
      8. منه الله على هذه الأمة ببيان الأحكام لها لتسعد بها وتكمل عليها، فلله الحمد والشكر.[/B]

    • [B]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)


      شرح الكلمات
      {ألم تر}: ألم يَنته إلى علمك... فالرؤية قلبية والإِستفهام للتعجيب.
      {في سبيل الله}:الطريق الموصف إلى مرضاته وهو طاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه ومن ذلك جهاد الكفار والظالمين حتى لا تكون فتنة.
      {يقرض الله}: يقتطع شيئا من ماله وينفقه في الجهاد لشراء السلاح وتسيير المجاهدين.
      {يقبض ويبسط}: يضيق ويبسط يوسع، يقبض ابتلاءً، ويبسُط امتحاناً.

      معنى الآيات
      يخاطب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم فيقول ألم ينته إلى علمك قصة الذين خرجوا من ديارهم فراراً من الموت وهم ألوف وهم أهل مدينة من مدن بني إسرائيل أصابها الله تعالى بمرض الطاعون ففروا هاربين بين الموت فأماتهم الله عن آخرهم ثم أحياهم بدعوة نبيهم حِزقيل عليه السلام، فهل أنجاهم فرارهم من الموت، فكذلك من يفر من القتال هل ينجيه فراره من الموت؟ والجواب لا، وإذاً فلم الفرار من الجهاد إذا تعينّ؟ وفي تأديب تلك الجماعة بإماتتها ثم بإحيائها فضل من الله عليها عظيم، ولكن أكثر الناس لا يشكرون. وإذاً فقاتلوا أيها المسلمون في سبيل الله ولا تتأخروا متى دعيتم إلى الجهاد بالنفس والمال، واعلموا أن الله سميع لأقوالكم عليم بنياتكم وأعمالكم فاحذروه، ثم فتح تعالى باب الاكتتاب المالي للجهاد فقال {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} لا شائبة شرك فيه لأحد والنفس طيبة به فإن الله تعالى يضاعفه له أضعافا كثيرة الدرهم بسبعمائة درهم فأنفقوا أيها المؤمنون في سبيل إعلاء كلمة الله، ولا تخافوا الفقر فإن ربكم يقبض ويبسط: يضيق على العبد ابتلاء ويوسع امتحانا، فمنعكم الإِنفاق في سبيل الله لا يغير من تدبير الله شيئا.




      هداية الآيات
      1- إذا نزل الوباء ببلد لا يجوز الخروج فراراً منه، بهذا ثبتت السنة.
      2- وجوب ذكرالنعم وشكرها.
      3- وجوب القتال في سبيل الله إذا تعين.
      4- فضل الإِنفاق في سبيل الله.
      5- بيان الحكمة في تضييق الله على العبد رزقه، وتوسيعه، وهو الابتلاء لأجل الصبر والامتحان لأجل الشكر، فيالخيبة من لم يصبر، عند التضييق عليه، ولم يشكر عند التوسعة له.


      [/B]


      [B]أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)



      شرح الكلمات
      {الملأ}: أشراف الناس من أهل الحل والعقد بينهم إذا نظر المرء إليهم ملأوا عينه رواءً وقلبه هيبة.
      {كتب}: فرض ولزم.
      {ملكا}: يسوسهم في السلم والحرب.
      {اصطفاه}: فضله عليكم واختاره لكم.
      {بسطة في الجسم}: أى طولا زائداً يعلوا به من عداه.

      معنى الآيات
      لقد فرض الله تعالى على المؤمنين القتال، ودارت رحى المعارك بداية من معركة بدر وكان لا بد من المال والرجال الأبطال الشجعان، فاقتضى هذا الموقف شحذ الهمم وإلهاب المشاعر لتقوى الجماعة المسلمة بالمدينة على مواجهة حرب العرب والعجم معاً، ومن هنا لمطاردة الجبن والبخل وهما من شر الصفات في الرجال ذكر تعالى حادثة الفارين من الموت التاركين ديارهم لغيرهم كيف أماتهم الله ولم ينجيهم فرارهم، ثم أحياهم ليكون ذلك عبرة لهم ولغيرهم فالفرار من الموت لا يجدي وإنما يجدي الصبر والصمود حتى النصر، ثم أمر تعالى المؤمنين بعد أن أخذ ذلك المنظر من نفوسهم مأخذه فقال:{وقاتلوا في سبيل الله}ولما كان المال المقدم في القتال فتح الله لهم اكتتابا ماليّاً وضاعف لهم الربح في القرض بشرط خلوصه وطيب النفس به، ثم قدم لهم هذا العرض التفصيلي لحادثة أخرى تحمل في ثناياها العظات والعبر لمن هو في موقف المسلمين الذين يحاربهم الأبيض والأحمر وبلا هوادة وعلى طول الزمن فقال تعالى: وهويخاطبهم في شخص نبيهم صلى الله عليه وسلم: {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله} يريد ألم ينته إلى علمك بإخبارنا إيّاك قول أشراف بني إسرائيل -بعد وفاة موسى- لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله فنطرد أعداءنا من بلادنا ونسترد سيادتنا ونحكم شريعة ربّنا. ونظراً إلى ضعفهم الروحي والبدني والمالي تخوف النبي أن لا يكونوا صادقين فيما طالبوه به فقال: {هل عسيتم إن كتب عليكم القتال} بتعيين الملك القائد أن لا تقاتلوا؟ فدفعتهم الحميّة فقالوا: وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله والحال أنّا قد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا، وذلك أن العدوّ وهم البابليون لما غزوا فلسطين بعد أن فسق بنوا إسرائيل فتبرجت نساؤهم واستباحوا الزنى والربا وعطلوا الكتاب وأعرضوا عن هدى أنبيائهم فسلط الله عليهم هذا العدو الجبار فشردهم فأصبحوا لاجئين.

      وما كان من نبي الله شمويل إلا أن بعث من تلك الجماعات الميتة موتا معنوياً رجلا منهم هو طالوت وقادهم فلما دنوا من المعركة جبنوا وتولى اكرثهم منهزمين قبل القتال، وصدق نبيهم في فراسته إذ قال لهم {فهل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا}.
      هذا ماتمنته الآية (246) من هذا القصص أمَّا الآية (247) فقد تضمنت اعتراض ملإِ بني اسرائيل على تعيين طالوت ملكاً عليهم بحجة أنه فقير من أسرة غير شريفة، وأنهم أحق بهذا المنصب منه، ورد عليهم نبيّهم حجتهم الباطلة بقوله: { إن الله عليم }.كان هذا رد شمويل على قول الملأ: {أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منهولم يؤت سعة من المال}. وكأنهم لما دمغتهم الحجة وهي أن الله تعالى قد اختار طالوت وفضله عليهم بهذا الاختيار وأهله للولاءة بما أعطاه وزاده من العلم وقوة الجسم، والقيادات القتالية تعتمد على غزارة العلم وقوة البدن بسلامة الحواس وشجاعة العقل القلب أقول كأنهم لما بطل اعتراضهم ورضوا بطالوت طالبوا على عادة بني إسرائيل في التعنت طالبوا بآية تدل على أن الله حقاً اختاره لقيادتهم فقال لهم الخ وهي الآية (248) الآية.

      [/B]
    • [B]وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)


      شرح الكلمات
      {نبيّهم}: شمويل.
      {آية ملكه}: علامة أن الله تعالى ملكه عليكم.
      {التابوت}: صندوق خشبي فيه بقية من آثار آل موسى وآل هارون.
      {إن في ذلك لآية لكم}: أي في إتيان التابوت الذي أخذه العدو بالقوة منكم في رده إليكم علامة قوية على اختيار الله تعالى لطالوت ملكاً عليكم.
      {فصل طالوت}: انفصل من الديار وخرج يريد العدو.
      {بالجنود}: العسكر وتعداده - كما قيل: سبعون ألف مقاتل.
      {مبتليكم بنهر}: مختبركم بنهر جار لعله هو نهر الأردن الآن.



      معنى الآيات
      قد أصبح بشرح الكلمات معنى الآية واضحاً وخلاصته أن شمويل النبي أعلمهم أن آية تمليك الله تعالى لطالوت عليهم أن يأتيهم التابوت المغصوب منهم وهو رَمز تجمعهم واتحادهم ومصدر استمداد قوة معنوياتهم لما حواه من آثار آل موسى وآل هارون كرضاض الألواح وعصا موسى ونعله وعمامة هارون وشيء من المن الذي كان ينزل عليهم في التيه. فكان هذا التابوت بمثابة الراية يقاتلون تحتها فإنهم إذا خرجوا لقتال داخل المعركة ولا يزالون يقاتلون ما بقي التابوت بأيدهم لم يغلبهم عليه عدوهم، ومن هنا وهم يتحفزون للقتال جعل الله تعالى لهم إتيان التابوت آية على تمليك طالوت عليهم وفي نفس الوقت يحملونه معهم فيقتالهم فتسكن به قلوبهم وتهدأ نفوسهم فيقاتلون وينتصرون بإذن الله تعالى، (أما كيفية حمل الملائكة للتابوت فإن الأخبار تقول إن العمالقة تشائموا بالتابوت عندهم إذا ابتلوا بمرض البواسير وبآفات زراعية وغيرها ففكروا في أن يردوا هذا التابوت لبني إسرائيل وساق الله أقداراً لأقدار، فجعلوه في عربة يجرها بقرتان أو فرسان ووجهوها إلى جهة منازل بني اسرائيل فمش العربة فساقتها الملائكة حتى وصلت بها إلى منازل بني إسرائيل) فكانت آية وأعظم آية وقبل بنو إسرائيل بقيادة طالوت، وبسم الله تعالى قادهم وفي الآية التالية (249) بيان السير إلى ساحات القتال.إنه لما خرج طالوت بالجيش أخبرهم أن الله تعالى مختبرهم في سيرهم هذا إلى قتال عدوهم بنهر ينتهون إليه وهم في حرّ شديد وعطش شديد، ولم يأذن لهم في الشرب منه إلا ما كان من غرفة واحدة فمن أطاع ولم يشرب فهو المؤمنون ومن عَصَى وشرب غير المأذون به فهو الكافر. ولما وصلوا إلى النهر شربوا منه يكرعون كالبهائم إلا قليلاً منهم. وواصل طالوت السير فجاوز النهر هو ومن معه، ولما كانوا على مقربة من جيش العدو وكان قرباة مائة ألف قال الكافرون والمنافقون: { لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده } فأعلنوا انهزامهم، وانصرفوا فارين، وقال المؤمنون الصادقون وهم الذين قال الله فيهم { وقال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإِذن الله والله مع الصابرين } كانت هذه الآية في بيان سير طالوت إلى العدو.


      [/B]


      [B]وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)



      شرح الكلمات
      {برزوا لجالوت}: ظهروا في ميدان المعركة وجالوت قائد قوات العمالقة.
      {أفرغ علينا صبرا}: أصبب الصبر في قلوبنا صبّا حتى تمتلىء فلم يبق للخوف والجزع موضع.
      {وثبت أقدامنا}: في أرض المعركة كتى لا ننهزم وذلك بتقوية قلوبنا والشد من عزئمنا.
      {دواد}: هو نبي الله ورسوله داود، وكان يومئذ غير نبي ولا رسول في جيس طالوت.
      {وآتاه الله الملك والحكمة}: كان ذلك بعد موت شمويل النبي وموت طالوت الملك.
      {وعلَّمه مما يشاء}: فعلمه صنعه الدروع، وفهم منطق الطير وهو وولده سليمان عليهما السلام.
      {لفسدت الأرض}: وذلك بغلبة أهل الشرك على أهل التوحيد، وأهل الكفر على أهل الإِيمان.




      معنى الآيات
      لما التقى الجيشان جيش الإِيمان وجيش الكفر طالب جالوت بالمبارزة فخرج له داود من جيش طالوت فقتله والتحم الجيشان فنصر الله جيش طالوت على عدد أفراده ثلثمائة وأربعة عشر مقاتلا لا غير لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل بدر، " إنكم على عدة أصحاب طالوت " وكانوا ثلثمائة وأربعة عشر رجلا فهزم الله جيش الباطل على كثرته ونصر جيش الحق على قلته. وهنا ظهر وكب داود في الأفق بقتله رأس الشر جالوت فمن الله عليه بالنبوة والملك بعد موت كل من النببي شمويل والملك طالوت قال تعالى: { وقتل داود جالوت وآتاه الملك والحكمة وعلمه مما يشاء }. وختم الله القصة ذات العبر والعظام العظيمة بقوله: { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض } بالجهاد والقتال، لاستولى أهل الكفر وأفسدوا الأرض بالظلم والشرك والمعاصي، ولكن الله تعالى بتدبيره الحكيم يسلط بعضاً على بعض، ويدفع بعضا ببعض منّة منه وفضلا. كما قال عز وجل { ولكن الله ذو فضل على العالمين }. ثم التفت إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وقال له: تقريراً لنبوته وعلو مكانته تلك آيات الله التي تقدمت في هذا السياق نتلوها عليك بالحق، وإنك لمن المرسلين صلى الله عليه وسلم.



      هداية الآيات
      1- الجهاد الشرعي يشترط له الإِمام المبايع بيعة شرعية.
      2- يشترط للولاية الكفاءة وأهم خصائصها العلم، وسلامة العقل والبدن.
      3- جواز التبرك بآثار الأنبياء كعمامة النبي أو ثوبه أو نعله مثلا.
      4- جواز اختبار أفراد الجيش لمعرفة مدى استعدادهم للقتال والصبر عليه.
      5- فضيلة الإِيمان بلقاء الله، وفضيلة الصبر على طاعة الله خاصة في معارك الجهاد في سبيل الله.
      6- بيان الحكمة في مشروعية الجهاد، وهي دفع أهل الكفر والظلم بأهل الإِيمان والعدل، لتنظيم الحياة ويعمر الكون.

      [/B]
    • [B]تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)

      شرح الكلمات
      {البينات}: المعجزات الدالة على صدق عيسى في نبوته ورسالته.
      {روح القدس}: جبريل عليه السلام كان يقف دائماً إلى جانب عيسى يسدده ويقويه إلى أن رفعه الله تعالى إليه.
      {لا بيع فيه}: لا يشتري أحد نفسه بمال يدفعه فداءً لنفسه من العذاب.
      {ولا خُلة}: أي صداقة تنفع صاحبها.
      { ولا شَفاعة }: تقبل إلا أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى.



      معنى الآيات
      بعد أن قص الله تبارك وتعالى على رسوله قصة ملأ بين إسرائيل في طلبهم نبيهم شمويل بأن عين لهم ملكاً يقودهم إلى الجهاد، وكانت القصة تحمل في ثناياها أحداثا من غير الممكن أن يعلمها أميّ مثل محمد صلى الله عليه وسلم بدون ما يتلقَّاها وحياً يوحيه الله تعالى إليه وختم القصة بتقرير نبوته ورسالته بقوله:{وإنك لمن المرسلين} خبر تعالى أن أولئك الرسل فضل بعضهم على بعض، منهم من فضله بتكليمه كموسى عليه السلام ومنهم من فضله بالخلّة كإبراهيم عليه السلام ومنهم من رفعه إليه وأدناه وناجاه وهو محمد صلى الله عليهوسلم ومنهم من آتاه الملك والحكمة وعلمه صنعة الدروع كداود عليه السلام، ومنهم من أتاه الملك والحكمةوسخر له الجن وعلمه منطق الطير كسليمان عليه السلام، ومنهم من آتاه البيناتوأيده بروحالقدس وهو عيسى عليه السلام. فقال تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض. منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات} كنبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذ فضله بعموم رسالته وبختم النبوات بنبوته، وبتفضيل أمته، وبإدخاله الجنة في حياته قبل مماته وبتكليمه مناجاته مع ما خصه من الشفاعة يوم القيامة. ثم أخبر تعالى أنه لو يشاء هداية الناس لهداهم فلم يختلفوا بعد رسلهم ولم يقتتلوا من بعد ما جاءتهم البينات وذلك لعظيم قدرته، وحرّية إرادته فهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. هذا بعض ما أفادته الآية الأولى (253) أما الآية الثانية (254) فقد نادى الله تعالى عباده المؤمنين وأمرهم بالانفاق في سبيل الله تقربّاً إليه وتزوداً للقائه قبل يوم القيامة حيث لا فداء ببيع وشراء، ولا صداقة تجدي ولا شفاعة تنفع، والكافرون بنعم الله وشرائعه هم الظالمون المستوجبون للعذاب والحرمان والخسران.



      هداية الآيات
      1- تفاضل الرسل فيما بينهم بحسب جهادهم وصبرهم وما أهلهم الله تعالى له من الكمال.
      2- صفة الكلام لله تعالى حيث كلّم موسى في الطور، وكلم محمداً في الملكوت الأعلى.
      3- الكفر والإِيمان والهداية والضلال، والحرب والسلم كل ذلك تبع لمشيئته تعالى وحكمته.
      4- ذم الاختلاف في الدين وأنه مصدر شقاء وعذاب.
      5- وجوب الانفاق في سبيل الله مما رزق الله تعالى عبده.
      6- التحذير من الغفلة والأخذ بأسباب النجاة يوم القيامة حيث لا فداء ولا خلّة تنفع ولا شفاعة ومن أقوى الأسباب الإِيمان والعمل الصالح وإنفاق المال تقرباً إلى الله تعالى في الجهاد وغيره.

      [/B]


      [B]اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)


      شرح الكلمات
      {الله}: عَلَمُ على ذات الرب تبارك وتعالى.
      {لا إله إلا هو}: الإِله، المعبود، ولا معبود بحق إلا الله، إذ هو الخالق الرازق المدبر بيده كل شيء وإليه مصير كل شيء، وما عداه من الآلهة فعبادتها بدون حق فهي باطلة.
      {كرسيّة}: الكرسي: موضع القدمين، ولا يعلم كنهه إلا الله تعالى.



      معنى الآيات
      لما أخبر تعالى عن يوم القيامة وأنه يوم لا بيع فيه ولا شفاعة وأن الكافرين هم الظالمون، أخبر عن جلاله وكماله وعظيم سلطانه وأنه هو المعبود بحق وأن عبادته هي التي تنجي من أهوال يوم القيامة فقال: { الله لا إله إلا هو }: أي أنه الله المعبود بحق ولا معبود بحق سواه. { الحي القيوم } الدائم الحياة التي تسبق بموت ولم يطرأ عليها موت. القيوم: العظيم القيّوميّة على كل شيء. لولا قيّوميّته على الخلائق ما استقام من أمر العوالم شيء: { لا تأخذه سنة ولا نوم }: إذ النعاس والنوم من صفات النقص وهو تعالى ذو الكمال المطلق. وهذه الجملة برهان على الجملة قبلها، إذ من ينعس وينام لا يتأتى له القيومية على الخلائق ولا يسعها حفظاً ورزقاً وتدبيراً. { له ما في السموات وما في الأرض }: خلقاً وملكاً وتصرفاً، { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه }: ينفي تعالى وهو الذي له ما في السموات وما في الأرض ينفي أن يشفع عنده في الدنيا أو في الآخرة أحد كائن من كان بدون أن يأذن له في الشفاعة. { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم }: لكمال عجزهم. { وسع كرسيه السموات والأرض }: لكمال ذاته. { ولا يؤوده حفظهما }: ولا يثقله أو يشق عليه حفظ السموات والأرض وما فيهما وما بينهما. { وهو العلي العظيم }: العلي الذي ليس فوقه شيء والقاهر الذي لا يغلبه شيء، العظيم الذي كل شيء أمام عظمته صغير حقير.


      هداية الآيات
      1- أنها أعظم آية في كتاب الله تعالى اشتملت على ثمانية عشرا إسماً لله تعالى ما بين ظاهر ومضمر، وكلماتها خمسون كلمة وجملها عشر جمل كلها ناطقة بربوبيته تعالى وألوهيته وأسمائه وصفاته الدالة على كمال ذاته وعلمه وقدرته وعظيم سلطانه.
      2- تستحب قراءتها بعد الصلاة المكتوبة، وعند النوم، وفي البيوت لطرد الشيطان.



      لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)


      شرح الكلمات
      {الرشد}: الهدى الموصل إلى الإِسعاد والإِكمال.
      {الغي}: الضلال المفضي بالعبد إلى الشقاء والخسران.
      {الطاغوت}: كل ما صرف عن عبادة الله تعالى من إنسان أو شيطان أو غيرهما.
      {العروة الوثقى}: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
      {لا انفصام لها}: لا تنفك ولا تنحل بحال من الأحوال.
      {الله وليّ الذين آمنوا}: مُتوليهم بحفظه ونصره وتوفيقه.
      {الظلمات}: ظلمات الجهل والكفر.
      {النور}: نور الإِيمان والعلم.


      معنى الآيات
      يخبر الله تعالى بعد ذكر صفات جلاله وكماله في آية الكرسي أنه لا إكراه في دينه، وذلك حين أراد بعض الأنصار إكراه من تهوّد أو تنصّر من أولادهم على الدخول في دين الإِسلام، ولذا فإن أهل الكتابين ومن شابهما تؤخذ منهم الجزية ويقرون على دينهم فلا يخرجون منه إلا باختيارهم وإرادتهم الحرة، أما الوثنيّون والذين لا دين لهم سوى الشرك والكفر فيقاتلون حتى يدخلوا في الإِسلام انقاذاً لهم من الجهل والكفر وما لا زمهم من الضلال والشقاء.ثم أخبر تعالى أنه بإنزال كتابه وبعثه رسوله ونصر أوليائه قد تبين الهدى من الضلال والحق من الباطل، وعليه فمن يكفر بالطاغوت وهو الشيطان الذين زين عبادة الأصنام ويؤمن بالله فيشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقد استمسك من الدين بأمتن عروة وأوثقها، ومن يضرّ على الكفر بالله والإِيمان بالطاغوت فقد تمسك بأوهى من خيط العنكبوت، والله سميع لأقوال عباده عليم بنياتهم وخفيات أعمالهم وسيجزي كلاً بكسبه. ثم أخبر تعالى أنه ولي عباده المؤمنين فهو يخرجهم من ظلمات الكفر والجهل إلى نور العلم والإِيمان فَيكْمَلُون ويسْعَدُون، وأن الكافرين أولياؤهم الطاغوت من شياطين الجن والإِنس الذين حسنوا لهمالباطل والشرور،وزيّنوا لهم الكفر والفسوق والعصيان، فأخرجوهم بذلك من النور إلى الظلمات فأهَّلوهملدخول النار فكانوا أصحابها الخالدين فيها.


      هداية الآيات
      1- لا يُكره أهل الكتابين ومن في حُكمهم كالمجوس والصابئة على الدخول في الإِسلام إلا باختيارهم وتقبل منهم الجزية فَيُقُّروْن على دينهم.
      2- الإِسلام كلّه رشدن وما عداه ضلال وباطل.
      3- التخلي عن الرذائل مقدَّم على التحلي بالفضائل.
      4- معنى لا إله إلا الله، وهي الإِيمان بالله والكفر بالطاغوت.
      5- ولاية الله تعالى تُنَال بالإِيمان والتقوى.
      6- نَصْرة الله تعالى ورعايته لأوليائه دون أعدائه.

      [/B]
    • [B]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)


      شرح الكلمات
      {ألم تر}: ألم ينته إلى علمك يا رسولنا، والاستفاهم يفيد التعجب من الطاغية. المحاج لإِبراهيم.
      {حاج}: جادل ومارى وخاصم.
      {في ربّه}: في شأن ربه من وجوده تعالى وربوبيته وألوهيته للخلق كلهم.
      {آتاه الله الملك}: أعطاه الحكم والسيادة على أهل بلاده وديار قومه.
      {إبراهيم}: هو أبو الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام. وكان هذا الحِجاج قبل هجرة إبراهيم إلى أرض الشام.
      {فبّهِتَ الذي كفر}: انقطع عن الحجَّة متحِّيراً مدهوشاً ذاك الطاغية الكافر وهو النمرود البابلي.




      معنى الآيات
      لما ذكر الله تعالى ولايته لأوليائه وأنه مؤيدهم وناصرهم ومخرجهم من الظلمات إلى النور ذكر مثالاً لذلك وهو محاجة النمرود لإِبراهيم عليه السلام فقال تعالى مخاطباً رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أي ألم ينته إلى علمك حجاج ذاك الطاغية الذي بطرته نعمة الملك الذي آتينناه امتحاناً له فكفر وادعى الربوبية وحاج خليلنا فبينا إنه لأمر عجب. إذ قال له إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت، وأنت لا تحيي ولا تميت فقال أنا أحيي وأميت، فرد عليه إبراهيم حجته قائلاً: ربي يأتي بالشمس من المشرق فأت بها أنت من المغرب فاندهش وتحير وانقطع وأيد الله وليه إبراهيم فانتصر، فهذا مثال إِخراج الله تعالى أوليائه منظلمة الجهل إلى نور العلم.


      هداية الآيات
      1- النعم تبطر صاحبها إذا حرم ولاية الله تعالى.
      2- نصرة الله لأوليائه وإلهامهم الحجة لخصم أعدائهم.
      3- إذا ظلم العبد ووالى الظلم حتى أصبح وصفاً له يحرم هداية الله تعالى فلا يهتدي أبداً.
      4- جواز المجادلة والمناظرة في إثبات العقيدة الصحيحة السليمة.

      [/B]


      [B]أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)



      شرح الكلمات
      {قرية}: مدينة لم يذكر الله تعالى اسمها فلا يبحث عنها لعدم جدوى معرفتها.
      {خاوية}: فارغة من سكانها ساقطة عروشها على مبانيها وجدرانها.
      {أنّى يحيي}: كيف يحيي.
      {بعد موتها}: بعد خوائها وسقوطها على عروشها.
      {لبثت}: مكثت وأقمت.
      {لم يتسنه}: لم يتغير بمر السنين عليه.
      {آية}: علامة على قدرة الله على بعث الناس أحياء يوم القيامة.
      {ننشزها}: في قراءة ورش ننشرها بمعنى نحييها بعد موتها. وننشزها نرفعها ونجمعها لتكون حماراً كما كانت.



      معنى الآيات
      هذا مثل آخر معطوف على الأول الذي تجلت فيه على حقيقتها ولاية الله لإِبراهيم حيث أيده بالحجة القاطعة ونصره على عدون النمرود قال تعالى: { أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية } فارغة من سكانها ساقطة سقوفها على مبانيها فقال المارّ بها مُستبعداً حياتها مرة ثانية: كيف يحيي الله هذه القرية بعد خرابها؟ فأماته الله
      مائة عام ثم أحياه، وسأله: كم لبثت؟ قال: حسب عادة من نام في يوم واستيقظ فيه فإنه يرى أنه نام يوماً أو بعض يوم. فأجابه مُصَوِّباً فهمه: بل لبثت مائة عام، ولكي تقتنع بما أخبرت به فانظر إلى طعامك وكان سلة من تين،وشرابك وكان عصيراً من عنب فإنه لم يتغير طعمه ولا لونه وقد مر عليه قرن من الزمن، وانظر إلى حمارك فإنه هلك بمرور الزمنولميبق منه إلا عظامه تلوح بيضاء فهذا دليل قاطع على موته وفنائه، لمرور مائة سنة عليه، وانظر إلى العظام كيف نجمعها ونكسوها لحماً فإذا هي حمارك الذي كنت تركبه من مائة سنة ونمت وتركته إلى جانبك يرتع، وتجلت قدرة الله في عدم تغير الذي جرت العادة أنه يتغير فيظرف يوم واحد وهو سلة التين وشراب العصير. وفي تغير الذي جرت العادة أنه لا يتغير إلا في عشرات الأعوام، وهو الحمار. كما هي ظاهرة في موت صاحبهما وحياته بعد لبثه على وجه الأرض ميتاً لم يعثر عليه أحد طيلة مائة عام. وقال له الرب تبارك وتعالى بعد أن وقفه على مظاهر قدرته فعلنا هذا بك لنريك قدرتنا على إحياء القرية متى أردنا إحياءها ولنجعلك في قصتك هذه آية للناس، تهديهم إلى الإِيمان وتوحيدنا في عبادتنا وقدرتنا على العبث الآخر الذي لا ريب فيه لتجزى كل نفس بما كسبت. وأخيراً لما لاحت أنوار ولاية الله في قلب هذا العبد المؤمن الذي أثار تعجبه خراب القرية فاستبعد حياتها قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير، فهذا مصداق قوله تعالى:{ الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور }



      هداية الآيات
      1- جواز طروء استبعاد ما يؤمن به العبد أنه حق وكائن، كما استبعد هذا المؤمن المار بالقرية حياة القرية مرة أخرى بعد ما شاهد من خرابها وخوائها.
      2- عظيم قدرة الله تعالى بحيث لا يعجزه تعالى شيء وهو على كل شيء قدير.
      3- ثبوت البعث الآخر وتقريره.
      4- ولاية الله تعالى للعبد المؤمن التقي تجلت في إذهاب الظلمةالتي ظهرت على قلب المؤمن باستبعاده قدره الله على إحياء القرية، فأراه الله تعالى مظاهر قدرته ما صرح به في قوله: {أعلم أن الله على كل شيء قدير}.



      وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)


      شرح الكلمات
      {إبراهيم}: هو خليل الرحمن أبو الأنبياء عليه السلام.
      {يطمئن قلبي}: يسكن ويهدأ من التطلع والتشوق إلى الكيفيّة.
      {فصرهنّ إليك}: أملهن واضممهن إليك وقطعهن أجزاء.
      {سعيا}: مشياً سريعاً وطيرانا.
      {عزيز}: غالب لا يمتنع عنه ولا منه شيء أراده بحال من الأحوال.
      {حكيم}: لا يخلُق عبثا ولا يوجد لغير حكمه، ولا يضع شيئا في غير موضعه اللائق به.



      معنى الآيات
      هذا مثل ثالث يوجه الى الرسول والمؤمنين حيث تتجلّى لهم ولايته تعالى لبعاده المؤمنين بإخراجهم من الظلمات إلى النور حتى مجرّد ظلمة باستبعاد شيء عن قدرة الله تعالى،أو تطلع الى كيفيّة إيجاد شيء ومعرفة صورته. فقال تعالى: اذكروا { إذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى }. سأل إبراهيم ربّه أن يريه طريقة الإِحياء كيف تتم هل هي جارية على نواميس معيّنة أم هي مجرد قدرة يقول صاحبها للشيء كون فيكون، فسأله ربه وهو عليم به أتقول الذي تقول ولم تؤمن؟ قال إبراهيم: بلى أنا مؤمن بأنك على كل شيء قدير، ولكن أريد أن أرى صورة لذلك يطمئن لها قلبي ويسكن من التطلع والتشوق إلى معرفة المجهور لدي. فأمره تعال إجابة له لأنه وليّه فلم يشأ أن يتركه يتطلع إلى كيفيّة إحياء ربه الموتى، أمره بأخذ أربعة طيور وذبحها وتقطيعها أجزاء وخلطها مع بعضها بعضا ثم وضعها على أربعة جبال على كل جبل ربع الأجزاء المخلوطة، ففعل، ثم أخذ برأس كل شير على حِدَةٍ ودعاه فاجتمعت اجزاؤه المفرقة المختلطة بأجزاء غيره وجاءه يسعى فقدم له رأسه فالتصق به وطار في السماء وإبراهيم ينظر ويشاهد مظاهر قدرة ربّه العزيز الحكيم. سبحانه لاإله غيره ولا رب سواه.




      هداية الآيات
      1- غريزة الإِنسان في حب معرفة المجهول والتطلع إليه.
      2- ولاية الله تعالى لإِبراهيم حيث أراه من آياته ما اطمأن به قلبه وسكنت له نفسه.
      3- ثبوت عقيدة الحياة الثانية ببعث الخلائق أحياء للحساب والجزاء.
      4- زيادة الإِيمان واليقين كلما نظر العبد إلى آيات الله الكونية، أو قرأ وتدبر آيات الله القرآنية.



      [/B]
    • [B]مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)

      شرح الكلمات
      {مثل الذين ينفقون}: صفتهم المستحسنة العجيبة.
      {سبيل الله}: كل ما يوصل إلى مرضاة الله تعالى من الإِيمان وصالح الأعمال.
      {يضاعف}: يزيد ويكثر حتى يكون الشيء أضعاف ما كان.
      {منّاً ولا أذى}: المنّ: ذكر الصدقة وتعدادها على من تُصُدّق بها عليه على وجه التفضل عليه. الأذى: التطاول على المتصدق عليه وإذلاله بالكلمة النابيه أو التي تمس كرامته وتحط من شرفه.
      {قول معروف}: كلام طيب يقال للسائل المحتاج نحو: الله يرزقنا وإياكم، الله كريم. الله يفتح علينا وعليك.
      {ومغفرة}: ستر على الفقير بعدم إظهار فقره، والعفو عن سوء خلقه إن كان كذلك.
      {غني}: غنىً ذاتي لا يفتقر معه إلى شيء أبداً.
      {حليم}: لا يعاجل بالعقوبة بل يعفو ويصفح.



      معنى الآيات
      يخبر تعالى مرغبا في الجهاد بالمال لتقدمه على الجهاد بالنفس لأن العدة أولا والرجال ثانياً، أن مثل ما ينفقه المؤمن في سبيل الله وهو هنا الجهاد، في نمائه وبركته وتضاعفه، كمثل حبة برّ بذرت في أرض طيية فأنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبه فأثمرت الحبة الواحدة سبعمائة حبة، وهكذا الدرهم الواحد ينفقه المؤمن في سبيل الله يضاعف إلى سبعمائة ضعف، وقد يضاعف إلى أكثر لقوله تعالى: {والله يضاف لمن يشاء والله واسع عليم} هذا ما تضمنته الآية الأولى (261) وأما الآية الثانية (262) فهي تحمل بشرى الله
      تعالى للمنفقين في سبيله الذي لا يتبعون ما أنفقوه منّاً به ولا أذى لمن أنفقوه عليه بأن لا خوف عليهم فيما يستقبلونه من حياتهم ولا هم يحزنون على ما يتركون وراءهم ويخلفون. وهذه هي السعادة حيث خلت حياتهم من الخوف والحزن وحل محلها الأمن والسرور. والآية الثالثة (263) وهي { قول معروف... } فإن الله تعالى يخبر أن الكلمة الطيبة تقال للفقير ينشرح لها صدره وتطيب لا نفسه خير من مال يعطاه صدقة عليه يهان به ويذل فيشعر بمرارة الفقر أكثر، وألم الحاجة أشد، ومغفرة وستر لحالته وعدم فضيحته أو عفو عن سوء خلقه كإلحاحه في المسألة، خير أيضاً من صدقة يفضح به ويعاتب ويشنع عليه بها. وقوله في آخر الآية: {والله غني حليم} أي مستغن عن الخلق حليم لا يعاجل بالعقوبة من يخالف أمره.




      هداية الآيات
      1- فضل النفقة في الجهاد وأنها أفضل النفقات.
      2- فضل الصدقات وعواقبها الحميدة.
      3- حرمة المن بالصدقة وفي الحديث: " ثلاثة لا يدخلون الجنة... " وذكر من بينهم المنان.
      4- الرد الجميل على الفقير إذا لم يوجد ما يعطاه، وكذا العفو عن سوء القول منه ومن غيره خير من الصدقة يتبعها أذى وفي الحديث: " لكلمة الطيبة صدقة ".


      يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)

      شرح الكلمات
      {إبطال الصدقة}: الحرمان من ثوابها.
      {المن والأذى}: تقدم معناهما.
      {رئاء الناس}: مراءاة لهم ليكسب محمدتهم، أو يدفع مذمتهم.
      {صفوان}: حجر أملس.
      {وابل}: مطر شديد.
      {صلداً}: أملس ليس عليه شيء من التراب.
      {لا يقدرون}: يعجزون عن الانتفاع بشيء من صدقاتهم الباطلة.

      معنى الآيات
      بعد أن رغّب تعالى في الصدقات ونبّه إلى ما يبطل أجرها وهو المنّ والأذى نادى عباده المؤمنين فقال: { يا أيها الذين آمنوا... } ناهياً عن إفساد صدقاتهم وإبطال ثوابها فقال: { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } مشبهاً ال إبطال الصدقات بحال صدقات المرائي الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر في بطلانها فقال: { كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر } وضرب مثلاً لبطلان صدقات من يبع صدقاته منّا أو أذى أو يرائي بها الناس أو هو كافر لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر فقال: { مثله كمثل صفوان عليه تراب } أي حجر أملس عيه تراب، { فأصابه وابل فتركه صلدا } أي نزل عليه مطر شديد فأزال التراب عنه فتركه أملس عارياً ليس عليه شيء، فكذلك تذهب الصدقات الباطلة ولم يبق منها لصابها شيء ينتفع به يوم القيامة، فقال تعالى: { لا يقدرون على شيء مما كسبوا } أي مما تصدقوا به، { والله لا يهدي القوم الكافرين } إلى ما يسعدهم ويكملهم لأجل كفرانهم تعالى.


      هداية الآيات
      1- حرمة المن والأذى في الصدقات وفسادها بها.
      2- بطلان صدقة المان والمؤذي والمرائي بهما.
      3- حرمة الرياء وهي من الشرك لحديث: " إياكم والرياء فإنه الشرك الأصغر ".[/B]

    • [B]لُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)


      شرح الكلمات
      {المثل}: الصفة المستملحة المستغربة.
      {ابتغاء مرضاة الله}: طلبا لرضا الله تعالى.
      {تثبيتاً}: تحقيقاً وتَيَقناً بمثوبة الله تعالى لهم على إنفاقهم في سبيله.
      {جنّة بربوة}: بسنات كثير الأشجار بمكان مرتفع.
      {ضعفين}: مضاعفاً مرتين، أو ضعفي ما يثمر غيرها.
      {الوابل}: المطر الغزير الشديد.
      {الظلُّ}: المطر الخفيف.
      {إعصار}: ريح عاصف فيها سموم.




      معنى الآيات
      لما ذكر الله تعالى خيبة المنفقين أموالهم رياء الناس محذراً المؤمنين من ذلك ذكر تعالى مرغباً في النفقة التي يريد بها العبد رضا الله وما عنده من الثواب الأخروي فقال ضاربا لذلك مثلاً: { ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله } أي طلباً لمرضاته { وتثبيتاً من أنفسهم } أي تحققا ويقناً منهم بأن الله سيثيبهم عليها مثلهم في الحصول على ما أمّلوا من رضا الله وعظيم الأجر كمثل جنّة بمكان مرتفع عالٍ أصابها مطر غزير فأعطت ثمرها ضعفي ما يعطيه غيرها من البساتين ولما كانت هذه الجنة بمكان عال مرتفع فإنها إن لم يصبها
      المطر الغزير فإن الندى والمطر اللين الخفيف كافٍ في سقيها وريها حتى تؤتي ثمارها مضاعفاً مرتين، وختم تعالى هذا الكلام الشريف بقوله: {والله بما تعملون بصير} فواعد به المنفقين ابتغاء مرضاته وتثبيتاً من أنفسهم بعضم الأجر وحسن المثوبة، وأوعد به المنفقين الذين يتبعو ما أنفقوا بالمن والأذى والمنفقين رياء الناس بالخيبة والخسران.كان هذا معنى الآية الأولى (265) وأما الآية الثانية (266) فإنه تعالى يسائل عباده تربية لهم وتهذيباً لأخلاقهم وسموّاً بهم إلى مدارج الكمال الروحي فيقول: {أيود أحدكم} أي أيحب أحدكم أيها المنفقون في غير مرضاة الله تعالى أن يكون له جنّة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار وله فيها من كل الثمرات والحال أنه قد تقدمت به السن وأصبح شيخاً كبيراً،ومع هذا العجز فإن له ذريّة صغاراً لا يقدرون على الكسب وجلب عيشهم بأنفهسم، وأصاب ذلك البستان الذي هو مصدر عيش الوالد وأولاده أصابه ريح عاتية تحمل حرارة السموم فأتت على ذلك البستان فأحرقته، كيف يكون حال الرجل الكبير وأولاده؟ هكذا الذي ينفق أمواله رئاء الناس يخسرها كلها في وقت هو أحوج إليها من الرجل العجوز وأطفاله الصغار، وذلك يوم القيامة وأخيراً يمتن تعالى على عباده بما يبين لهم من الآيات في العقائد والعبادات والمعاملات والآداب ليتفكروا فيها فيهتدوا على ضوئها الى كمالهم وسعادتهم فقال تعالى: { كذلك } أي كذلك التبيين { يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون }.




      هداية الآيات
      1- استحسان ضرب الأمثال تقريباً للمعاني الى الأذهان لينتفع بها.
      2- مضاعفة أجر الصدقة الخالية من المن والأذى ومراءاة الناس.
      3- بطلان صدقات المان والمؤذي والمرائي وعدم الانتفاع بشيء منها.
      4- وجوب التكفر في آيات الله لا سيما تلك التي تحمل بيان العقائد والأحكام والآداب والأخلاق.

      [/B]


      [B]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)



      شرح الكلمات
      {من طيبات ما كسبتم}: من جيّد أموالكم وأصلحها.
      {ومما أخرجما لكم من الأرض}: من الحبوب وأنواع الثمار.
      {ولا تيمموا الخبيث}: لا تقصدوا الردىء تنفقون منه.
      {إلا أن تُغْمِضُوا فيه}: إلا أن تغضوا أبصاركم عن النظر في رداءته فتأخذونه بتساهل منكم وتسامح.
      {حميد}: محمود في الأرض والسماء في الأولى والأخرى لما أفاض ويفيض من النعم على خلقه.
      {يعدكم الفقر}: يخوفكم من الفقر ليمنعكم من الإِنفاق في سبيل الله.
      {ويأمركم بالفحشاء}: يدعوكم إلى ارتكاب الفواحش ومنها البخل والشح.
      {الحكمة}: فهم أسرار الشرع، وحفظ الكتاب والسنّة.
      {أولوا الألباب}: أصحاب العقول الراجحة المفكرة فيما ينفع أصحابها.





      معنى الآيات
      بعدما رغب تعالى عباده المؤمنين في الانفاق في سبيله في الآية السَّابقة ناداهم هنا بعنوان الإِيمان وأمرهم بإخراج زكاة أمزاهلم من جيد منا يكسبون فقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم، ومما أخرجنا لكم من الأرض } يريد الحبوب والثمار كما أن ما يسكبونه يشمل النقدين والماشية من إبل وبقر وغنم، ونهاهم عن التصدق بالردّيء من أموالهم فقال: { ولا تيمَّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا إن تغمضوا فيه } يريد لا ينبغي لكم أن تنفقوا الرديء وأنتم لو اعطيتموه في حق لكم ما كنتم لتقبلوه لولا أنكم تغمضوا وتتساهلون في قبوله، وهذا منه نعالى تأديب لهم وتربية. وأعلمهم أخيراً أنه تعالى غنيٌّ عن خلقه ونفقاتهم فلم يأمرهم بالزكاة والصدقات لحاجة به، وإنما أمرهم بذلك لإكمالهم وإسعادهم، وأنه تعالى حميد محمود بماله من إنعام على سائر خلقه كان هذا معنى الآية (267) أما الآية (268) فإنه تعالى يحذر عباده من الشيطان ووساوسه فأخبرهم أن الشيطان يعدهم الفقر أي بخوفهم منه حتى لا يزكوا ولا يتصدقوا ويأمرهم بالفحشاء فينفقون أموالهم في الشر والفساد ويبخلون بها في الخير، والصالح العام أما هو تعالى فإنه بأمره أياهم بالإنفاق يعدهم مغفرة ذنوبهم لأن الصدقة تكفر الخطيئة، وفضلا منه وهو الرزق الواسع الحسن. وهو الواسع الفضل العليم بالخلق. فاستجيبوا أيها المؤمنين لنداء الله تعالى، وأعرضوا عن نداء الشيطان فإنه عدوكم لا يعدكم إلا بالشر، ولا يأمركم إلا بالسوء والباطل، أما الآية (269) فإنالله تعالى يرغِّب في تعلُّم العلم النافع، العلم الذي يحمل على العمل الصالح، ولا يكون ذلك إلا علم الكتاب والسنة حفظاً وفهماً وفقهاً فيهما فقال تعالى: { يؤتى } أي هو تعالى { الحكمة من يشاء } ممن طلبها وتعرض لها راغباً فيها سائلا الله تعالى أن يعلمه، وأخبر أخيراً أن من يؤت الحكمة قد أوتي خيراً كثيراً فليطلب العاقل الحكمة قبل طلب الدنيا هذه تذكرة { وما يذّكّر إلا أولوا الألباب }.

      هداية الآيات
      1- وجوب الزكاة في المال الصامت من ذهب وفضة وما يَقومُ مقامهما من العمل وفي الناطق من الإِبل والبقر والغنم إذ الكل داخل في قوله: { ما كَسبتم } وهذا بشرط الحول وبلوغ النصاب.
      2- وجوب الزكاة في الحرث: الحبوب والثمار وذلك فيما بلغ نصابا، وكذا في المعادن إذ يشملها لفظ الخارج من الأرض.
      3- قبح الإِنفاق من الرديء وترك الجيد.
      4- التحذير من الشيطان ووجوب مجاهدته بالإِعراض عن وساوسه ومخالفة أوامره.
      5- إجابة نداء الله والعمل بإرشاده.
      6- فضل العلم على المال

      [/B]
    • [B]وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)

      شرح الكلمات
      {من نفقة}: يريد قليلة أو كثيرة من الجيد أو الرديء.
      {من نذر}: النذر التزام المؤمن بما لم يلزمه به الشارع، كأن يقول: لله علىَّ أن أتصدق بألف؛ أو أصوم شهراً أو أصلي كذا ركعة أو يقول: إن حصل لي كذا من الخير أفعل كذا من الطاعات.
      {إن تبدو الصدقات}: أي تظهروها.
      {فنعما هي}: فنعم تلك الصدقة التي أظهرتموها ليُقْتَدى بكم فيها.
      { يكفر عنكم من سيئاتكم}: يكفر بمعنى يسترها ولا يطالب بها، ومن للتبعيض إذ حقوق العباد لا تكفرها الصدقة.



      معنى الآيات
      بعدما دعا تعالى عابده إلى الإِنفاق في الآية السابقة أخبر تعالى أنه يعلم ما ينفقه عباده فإن كان المُنْفَق جيداً صالحاً يعلمه ويجزي به وإن كان خبيثاً رديئاً يعلمه ويجزي به وقال تعالى مخاطبا عباده المؤمنين: { وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه } فما كان مبتغىً به وجه الله ومن جيد المال فسوف يكفر به السيئات ويرفع به الدرجات، وما كان رديئاً ونذيراً لغير الله تعالى فإن أهله ظالمون وسَيُغْرمون أجر نفقاتهم ونذورهم لغير الله ولا يجدون من يثيبهم على شيء منها لأنهم ظالمون فيها حيث وضعوها في غير موضعها، {وما للظالمين من أنصار }.هذا ما تضمنته الآية الأولى (270).


      أما الآية الثانية (271) فقد أعلم تعالى عباده المؤمنين أن ما ينفقونه لوجهه ومن طيب أموالهم علناً وجهرة هو مال رابح، ونفقة مقبولة، يثاب عليها صاحبها، إلا أنّ ما يكون من تلك النفقات سراً ويوضع في أيدي الفقراء يكون خيراً لصاحبه لبعده من شائبة الرياء، ولإكرام الفقراء، وعدم تعريضهم لمذلة التصدق عليهم وأنه تعالى يكفِّر عن المنفقين سيئاتهم بصدقاتهمن وأخبر أنه عليم بأعمالهم فكان هذا تطميناً لهم على الحصول على أجور صدقاتهم، وسائر أعمالهم الصالحة.





      هداية الآيات
      1- الترغيب في الصدقات ولو قلّت والتحذير من الرياء فيها وإخراجها من رديء الأموال.
      2- جواز إظهار الصدقة عند سلامتها من الرياء.
      3- فضل صدقة السرّ وعظم أجرها، وفي الحديث الصحيح: " ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ". ذكر من السبعة الذي يظلهم الله بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

      [/B]


      [B]لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)



      شرح الكلمات
      {هداهم}: هدايتهم إلى الإِيمان وصالح الأعمال.
      {من خير}: من مال.
      {فأنفسكم}: صوابه العاجل بالبركة وحسن الذكر والآجل يوم القيامة عائد على أنفسكم.
      {يوف إليكم}: يرد أجره كاملا لا ينقص منه شيء.
      {احصروا}: حبسوا ومنعوا من التصرف لأنهم هاجروا من بلادهم.
      {ضربا في الأرض}: أي سيراً فيها لطلب الرزق بالتجارة وغيرها لحصار العدو لهم.
      {بسيماهم}: علامات حاجتهم من رثاثة الثياب وصفرة الوجه.
      {من التعفف}: ترك سؤال الناس، والكف عنه.
      {إلحافا}: إلحاحا وهو ملازمة السائل من يسأله حتى يعطيه.



      معنى الآيات
      لما أمر تعالى بالصدقات ورغب فيها وسألها غير المؤمنين من الكفار واليهود فتحرج الرسول والمؤمنون من التصدق على الكافرين فأذهب الله تعالى عنهم هذا الحرج وأذن لهم بالتصدق على غير المؤمنين والمراد من الصدقة التطوع لا الواجبة وهي الزكاة فقال تعالى مخاطبا رسوله وأمته تابعة له: { ليس عليك هداهم } لم يوكل إليك أمر هدايتهم لعجزك عن ذلك وإنما الموكل إليك بيان الطريق لا غير وقد فعلت فلا عليك أن لا يهتدوا، ولو شاء الله هدايتهم لهداهم، وما تنفقوا من مال تثابوا عليه، سواء كان على مؤمن أو كافر إذا أردتم به وجه الله وابتغاء مرضاته، وأكّد تعالى هذا الوعد الكريم بقوله: { وما تنفقوا من خير يوف إليكم } والحالأنكم لا تظلمون بنقص ما أنفقتم ولو كان النقص قليلا. كان هذا معنى الآية (272) أما الآية الثانية وهي: { للفقراء الذين احصروا في سبيل الله... } فقد بين تعالى من ديارهم وأموالهم وأحصروا في المال المدينة بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستطيعون ضرباً في الأرض للتجارة ولا للعمل، ووصفه تعالى بصفات يعرفهم بها رسوله والمؤمنون ولولا تلك الصفات لحسبهم لعفتهم وشرف نفوسهم الجاهلُ بهمأغنياء غَيْرَ محتاجين فقال تعالى: { يَحْسَبُهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم } لا يسألون الناس مجرد سؤال فضلا عن أن يُلِحُّوا ويُلْحِفُوا. ثم في نهاية الآية أعاد تعالى وعده الكريم بالمجازاة على ما يُنْفَقْ في
      سبيله فقال: { وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم } ولازمة أن يثيبكم عليه أحسن ثواب فأبشروا واطمئنوا.
      وأما الآية (274) فهي آخر آيات الدعوة إلى الانفاق جاءت تحمل أعظم بشر للمنفقين في كل أحوالهم بالليل والنهار سرّاً وعلانية بأن أجر نفقاتهم مدخر لهم عند ربهم يتسلمونه يوم يلقونه، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الدنيا والبرزخ والآخرة.



      هداية الآيات
      1- جواز التصدق على الكافر المحتاج بصدقة لا الزكاة فإنا حق المؤمنين.
      2- نثواب الصدقة عائد على المتصدق لا على المتصدق عليه فلذا لا يضر إن كان كافراً.
      3- وجوب الإِخلاص في الصدقة أي يجب أن يراد بها وجه الله تعالى لا غير.
      4- تفاضل أجر الصدقة بحسب فضل وحاجة المتصدق عليه.
      5- فضيلة التعفف وهوترك السؤالمع الاحتياج، وذم الإِلحاح في الطلب من غير الله تعالى أما الله عز وجل فإنه يحب الملحين في دعائه.
      6- جواز التصدق بالليل والنهار وفي السر والعلن إذا الكل يثيب الله تعالى عليه ما دام قد أريد به وجهه لا وجه سواه.
      7- بشرى الله تعالى للمؤمنين المنفقين بادخار أجرهم عنده تعالى ونفي الخوف والحزن عنهم مطلقا.



      [/B]
    • [B]الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)


      شرح الكلمات
      {يأكلون الربا}: يأخذونه ويتصرفون فيه بالأكل في بطونهم، وبغير الأكل والربا هنا ربا النسيئة وحقيقته أن يكون لك على المرء دين فإذا حل أجله ولم يقدر على تسديده تقول له: أخر وزد فتؤخره أجلا وتزيد في رأس المال قدراً معيناً، هذا هو ربا الجاهلية والعمل به اليوم في البنوك الربوبة فيسلفون المرء مبلغاً الى أجل ويزيدون قدراً آخر نحو العشر أو أكثر أو أقل والربا حرام بالكتاب والسنة والإِجماع وسواء كان ربا فضل أو ربا نسيئة.
      {لا يقومون}: من قبورهم يوم القيامة.
      {يتخبطه الشيطان}: يضربه الشيطان ضرباً غير منتظم.
      {من المس}: المس الجنون، يقال: بفلان مسّ من جنون.
      {موعظة}: أمر أو نهي بترك الربا.
      {فله ما سلف}: ليس عليه أن يراد الأموال التي سبقت توبته.
      {يمحق الله الربا}: أي يذهبه شيئاً فشيئاً حتى لا يبقى منه شيء كمحاق القمر آخر الشهر.
      { ويربي الصدقات }: يبارك في المالك ألذي أخرجت منه، ويزيد فيه، ويضاعف أجرها أضعافاً كثيرة.
      {كفار أثيم}: الكفار: شديد الكفر، يكفر بكل حق وعدل وخير، أثيم: منغمس في الذنوب لا يترك كبيرةولا صغيرة إلا ارتكابها.



      معنى الآيات
      لما حث الله على الصدقات وواعد عليها بعيظم الأجر ومضاعفة الثواب ذكر المرابين الذين يضاعفون مكاسبنهم المالية ابالربا وهم بذلك يسدُّون طرق البر، ويضدون عن سبيل المعروف فبدل أن ينموا أموالهم بالصدقات نموها بالربويات، فذكر تعالى حالهم عند القيام من قبورهم وهم يقومون، ويقعدون، ويغفون ويُصرعون، حالهم حال من يصرع في الدنيا بمس الجنون، علامة يعرفون بها يوم القيامة كما يعرفون بانتفاخ بطونهم وكأنها خيمة مضروبة بين أيديهم قال تعالى: { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } ، وذكر تعالى سبب هذه النقمة عليهم فقال { ذلك } أي أصابهم ذلك الخزي والعذاب بأنهم ردّوا علينا حكمنا بتحريم الربا وقالوا انما البيع مثل الربا، إذ الربا الزايادة في نهاية الأجل، والبيع في أوله، ورد تعالى عليهم فقال: { واحل الله البيع وحرم الربا } فما دام قد حرم الربا فلا معنى للاعتراض، ونسوا أن الزيادة في البيع هي في قيمة سلعة تغلوا وترخص، وهي جارية على قانون الإِذن في التجارة، وأما الزيادة في آخر البيع فهي زيادة في الوقت فقط. ثم قال تعالى مبيّناً لعباده سبيل النجاة محذراً من طريق الهلاك: { فمن جاءه موعظة من ربّه } وهي تحريمه تعالى للربا ونهيه عنه فانتهى عنه فله ما سلف قبل معرفته للتحريم، أو قبل توبته منه، وأمرُه بعد ذلك إلى الله إن شاء ثبته على التوبة فنجاه، وإن شاء خذله لسوء عمله، وفساد نيّته فأهلكه وأرداه وهذا معنى قوله تعالى: { ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }.

      أخبر تعالى أنه بعدله يمحق الربا، وبفضله يربي الصدقات، وأنه لا يحب كل كفار لشرع الله وحدوده، أثيم بغشيانه الذنوب وارتكابه المعاصي. كان هذا معنى الآية الأولى (275) أما الآية الثانية (276) فهي وعد رباني صادق وبشى الهية سارة لكل من آمن وعمل صالحاً وأقام الصلاة على الوجه الذي تقام به وآتى الزكاة بأنْ له أجره وافٍ عند ربّه يتسلمه يوم الحاجة إليه في عرصات القيامة وأنه لا يخاف مما يستقبله فى الحياة الدنيا والآخرة ولا يحزن أيضاً في الدنيا ولا في الآخرة.



      هداية الآيات
      1- بيان عقوبة آكل الربا يوم القيامة لاستباحتهم الربا وأكلهم له وعدم التوبة منه.
      2- تحريم الربا وكل مال حرام لما جاء في الآية من الوعيد الشديد.
      3- صفة الحب لله تعالى وأنه تعالى حب أولياءه وهم أهل الإِيمان به وطاعته ويكره أعداءه وهم أهل الكفر به ومعاصيه من أكل الربا وغيره من كبائر الذنوب.
      4- حلية البيع إن تم على شورطه المبيّنة في كتب الفقه.
      5- من تاب من الرب تقبل توبته، ويحل له ما أفاده منه قبل التوبة بشرط سيأتي في الآيات بعد هذه.
      6- وعيد الله تعالى بمحق الربا ووعده بإرباء الصدقة.
      7- بشرى الله تعالى أهل الإِيمان والعمل الصالح مع إقامتهم للصلاة وإيتائهم الزكاة.[/B]

      [B]
      [/B]

    • [B]إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)


      شرح الكلمات
      {اتقوا الله}: خافوا عقابه بطاعته بأن تجعلوا طاعته وقاية تقيكم غضبه وعقابه.
      {وذروا ما بقي من الربا}: اتركوا ما بقي عندكم من المعاملات الربويّة.
      {فأذنوا بحرب}: اعلموا بحرب من الله ورسوله واحملوا سلاحكم ولا ينفعكم سلاح فإنكم المهزومون الهالكون.
      {فلكم رؤوس أموالكم}: بعد التوبة مالكم إلا رأس المال الذي عند المدين لكم فخذوه واتركوا زيادة الربا.
      {العسرة}: الشدة والضائقة المالية.
      {فنظرة إلى ميسرة}: أي انتظار للمدين إلى أن ييسر الله عليكم فيعطيكم رأس مالكم الذي أخذه منكم.
      {وأن تصدقوا}: وأن تتصدقوا على المعسر بترك ما لكم عليه فذلك خير لكم.



      معنى الآيات
      بمناسبة ذكر عقوبة آكلي الربا في الآيات السابقة نادى الله تعالى عباده المؤمنين آمراً إياهم بتقواه تعالى، وذلك بطاعته وترك معصيته، وبالتخلي عما بقي عند بعضهم من المعاملات الربويّة مذكراً إياهم بايمانهم إذ من شأن المؤمن الاستجابة لنداء ربه وفعل ما يأمره به وترك ما ينهاه عنه فقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } ، ثم هدد المتباطئين بقوله: فإن لم تفعلوا فاعلموةا بحرب قاسية ضروس من الله ورسوله، ثم بيّن لهم طريق التوبة وسبيل الخلاص من محنة الربا وفتنته بقوله: وإن تبتم بترك الربا فلك رؤوس أموالكم لا غير لا تظلمون بأخذ زيادة، ولا تظلمون بنقص من رأس مالكم. وإن وجد مدين لكم في حالة إعسار فالواجب انتظاره إلى ميسرته، وشيء آخر وهو خير لكم أن تتصدقوا بالتنازل عن ديونكم كلّها تطيهراً لأموالكم التي لامسها الربا وتزكية لأنفسكم من آثاره السيئة. ثم ذكر تعالى سائر عباده بيوم القيامة وما فيه من أهول ومواقف صعبة حيث يتم الحسبا الدقيق وتجزي فيه كل نفس مؤمنة أو كافرة بارة أو فاجرة ما كسبته من خير وشر وهم لا يظلمون بنقص حسنانتهم أو زيادة سيئاتهم فقال تعالى: { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } وهذا التوجيه الذي حملته هذه الآية ذات الرقم (280) آخر توجيه تلقته البشرية من ربها تعالى إذ هذه آخر ما نزل من السماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم.



      هداية الآيات
      1- وجوب التوبة من الربا ومن كل المعاصي.
      2- المصر على المعاملات الربوية يجب على الحاكم أن يحاربه بالضرب على يديه حتى يترك الربا.
      3- من تاب من الربا لا يظلم بالأخذ من رأسه ماله بل يعطاه وافيا كاملاً إلا أن يتصدق بالتنازل عن ديونه الربوية فذل خير له حالاً ومآلا.
      4- وجوب ذكر الدار الآخرة والاستعداد لها بالإِيمان والعمل الصالح وترك الربا والمعاصي.[/B]

    • [B]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)

      شرح الكلمات
      {تداينتم}: داين بعضكم بعضا في شراء أو بيع أو سَلّم أو قرض.
      {إلى أجل مسمى}: وقت محدد بالأيام أو الشهور أو الأعوام.
      {بالعدل}: بلا زيادة ولا نقصان ولا غش أو احتيال بل بالحق والإِنصاف.
      {ولا يأب}: لا يمتنع الذي يحسن الكتابة أن يكتب.
      {وليملل الذي عليه الحق}: لأن إملاءه اعتراف منه وإقرار بالذي عليه من الحق.
      {ولا يبخس منه شيئا}: لا ينقص من الدين الذي عليه شيء ولو قل كفلس وليذكره كله.
      {سفيهاً أو ضعيفاً}: السفيه: الذي لا يحسن التصرفات المالية، والضعيف: العاجز عن الإِملاء كلأخرس، أو الشيخ الهرم.
      {وليّه}: من يلي أمره ويتولى شؤونه لعجزه وقصوره.
      {من رجالكم}: أي المسلمين الأحرار دون العبيد والكفار.
      {أن تضل إحداهما}: تنسى أو تخطىء لقصر إدراكها.
      {ولا تسأموا}: لا تضجروا أو تملّوا من الكتابة ولو كان الدين صغيراً مبلغه.
      {أقسط عند الله}: أعدل في حكم الله وشرعه.
      {وأقوم للشهادة}: أثبت لها وأكثر تقريراً لأن الكتابة لا تنسى والشهادة تنسى أو يموت الشاهد أو يغيب.
      {وأدنى أن لا ترتابوا}: أقرب أن لا تشكوّوا بخلاف الشهادة بدون كتابة.
      {تديرونها بينكم}: أي تتعاطونها، البائع يعطي الضاعة والمشتري يعطي النقود فلا حاجة إلى كتابتها ولا حرج أو إثم يترتب عليها.
      {وأشهدوا إذا تبايعتم}: إذا باع أحدُ داراً أو بستاناً أو حيواناً يشهد على ذلك البيع.
      {ولا يضار كاتب ولا شهيد}: بأن يكلف ما لا يقدر عليه بأن يُدْعى ليشهد في مكان بعيد يشق عليه أو يطلب إليه أن يكتب زوراً أو يشهد به.
      {فسوق بكم}: أي خروج عن طاعة ربكم لاحق بكم إثمه وعليكم تبعته يوم القيامة.
      {اتقوا الله}: في أوامره فافعلوها، وفي نواهيه فاتركوها، وكما علمكم هذا يعلمكم كل ما تحتاجون فاحمدوه بألسنتكم واشكروه بأعمالكم، وسيجزيكم بها وهو بكل شيء عليم.




      معنى الآيات
      لما حث تعالى على الصدقات، وحرم الربا، ودعا إلى العفو على المعسر، والتصدّق عليه بإسقاط الدين الأمر الذي قد يتبادر الى الذهن أنّ المال لا شأن له ولا قيمة في الحياة فجاءت هذه الآية، آية الدين الكريمة لتعطي للمال حقَّه، وترفع من شأنه فإنه قوام الحاية فقررت واجب الحفاظ عليه، وذلك بكتاب الديون، والإِشهاد عليها بمن ترضى عدالتهم، وكون الشهود رجلين مسلمين حرّين، فإن انعدم رجل من الاثنين قامت إمرأتان مقامه، واستحث الله تعالى من حيسن الكتابة أن يكتب إذا كان في سعة من أمره، وحرم على اشهود إذا ما
      دُعوا لأداء الشهادة أن يتخَّلْوا عنها، وحرم على المتداينين أن لا يكتبوا ديونهم ولو كانت صغيرة قليلة فقال تعالى: {ولا ستأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله} ورخص تعالى رحمةً منه في عدم كتابة التجارة الحاضرة التي يدفع فيها السلعة في المجلس، ويقبض الثمن فيه فقال: {إلا أن تكون تجارةً حاضرةً تُدِيُرونها بينكم فليس عليكم جُنَاح ألاَّ تكتبوها} وأمر بالإِشهاد عل البيع فقال: {وأشهدوا إذا تبايعتم.. } ونهى عن الإِضرار باكاتب، أو الشهيد، بأن يلزم الكاتب أن يكتب إذا كان في شغله، أو الشاهد بأن يطلب منه أن يشهد وهو كذلك في شغله، أو أن يُدْعى الى مسافات بعيدة تشُقْ عليه إذ أمره تطوع، وفعل خير لا غير فليطلب كاتب وشاهد غيرهما إذا تعذر ذلك منهما لانشغالهما. وحذَّره من كتمان الشهادة أو الحيف والجَوْر في الكتابة، والإِضرار بالكاتب والشهيد فقال: {وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم} وأكَّد ذلك بأمره بتقواه فقال: {واتقوا الله} بامتثال أمره، ونهيه لتَكْمْلُوا وتسعدوا وكما علمكم هذا لعلم النافع ما زال يعلمكم وهو بكل شيء عليم. هذا معنى الآية الكريمة: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى إجل مسمى فاكتبوه..}



      هداية الآيات
      1- وجوب كتابة الديون سواءٌ كانت بيعاً، أو شراء، أو سلفاً، أو قرضاً هذا ما قرره ابن جرير، ورد القول بالإرشاد والندب.
      2- رعاية النعمة بشكرها لقوله تعالى للكاتب: كما علمه الله فليكتب إذ علمه الكتاب وحرم غيره منها.
      3- جواز النيابة في الإِملاء لعجز عنه، وعدم قدرته عليه.
      4- وجوب العدل والإِنصاف في كل شيء لا سيما في كتاب الديو المستحقة المؤجلة.
      5-وجوب الإِشهاد على الكتابة لتأكّدها به، وعدم نسيان قدْر الدّين وأجله.
      6- شهو دالمال لا يَقِلُّون عن رجلين عدلين من الأحرار المسلمين لا غير، والمرأتان المسلمتان اللتان فرض شهادتهما تقومان مقام الرجل الواحد.
      7- الحرص على كتابة الديون والعزم على ذلك ولو كان الدين صغيراً تافهاً.
      8- الرخصة في عدم تابة التجارة الحاضرة السلعة والثمن المدارة بين البائع والمشتري.
      9- ووب الإِشهاد على بيع العقارات والمزارع والمصانع مما هو ذو بال.
      10- حرمة الإِضرار بالكاتب والشهيد.
      11- تقوى الله تعالى تسبب العلم، وتُكْسِب المعرفة بإذن الله تعالى.
      [/B]

    • [B]وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)

      شرح الكلمات
      {ولم تجدوا كاتبا}: من يكتب لكم، أو لم تجدوا أدوات الكتابة من دواة وقلم.
      {فرهان مقبوضة}: فاعتاضوا عن الكتابة الرهن فليضع المدين رهناً لدى الدائن.
      {فإن أمن بعضكم بعضا}: فلا حاجة الى الرهن.
      {فلؤد المؤتمن أمانته}: أي فليعط الدين الذي أوتمن عليه حيث تعذَّرت الكتابة ولم يأخذ دائنه منه رهناً على دينه.
      {آثم قلبه}: لأن الكتمان من عمل القلب فنسب الإِثم الى القلب.
      {وإن تبدوا}: تظهروا.



      معنى الآيات
      لما أمر تعالى بالاشهاد والكتابة في البيوع والسَّلَم والقروض في الآيات السَّابقة أمر هنا - عند تعذّر الكتابة لعدم وجود كاتب أو أدوات الكتابة وذلك في السفر- أمر بالاستعاضة عن الكتابة بالرهن وذلك بأن يضع المدين رهناً لدى دائنه عوضا عن الكتابة يستوثق به دينه هذا في حال عدم ائتمانه، والخوف منه، وأمّا إن آمن بعضهم بعضا فلا بأس بعد الارتهان فقال تعالى: { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة.. } والرهان جمع رهن. وقال { فإن أمن بعضكم بعضا } { فلم تأخذوا رهاناً } { فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه } في ذلك. ثم نهى تعالى نهياً جازماً الشهودّ عن كِتْمان شهادتهم فقال: { ولا تكتموا الشهادة.. } وبينّ تعالى عِظَم هذا الذنب فقال: { ومن يكتمها فإنه آثم قلبه... } وأَعلم أنه عليم بيا يعملونه فيجازيهم بعلمه، وهو تهديد وعيد منه سبحانه وتعالى لكاتمي الشهادة والقائلين بالزور فيها. هذا معنى الآية الأولى (283) أما الآية الثانية (284) فإنه تعالى قد أخبر بأن له جميع ما في السموات وجميع ما في الأرض خلَقْا ومِلْكا وتصرفاً، وبناءً على ذلك فإن من يبدي ما في نفسه من خير أو شر أو يخفه يحاسب به، ثم هو تعالى بعد الحساب يغفر لمن يشاء من أهل الإِيمان والتقوى، ويعذب من يشاء من أهل الشرك والمعاصي، له كامل التصرف، لأنّ الجميع خلقه وملكه وعبيده.





      هداية الآيات
      1- جواز أخذ الرهن في السفر والحضر توثيقا من الدائن لدينه.
      2- جواز ترك أخذ الرهن إن حل الأمن من سداد الدين وعدم الخوف منه.
      3- حرمة كتمان الشهادة والقول بالزور فيها وأن ذلك من أكبر الكبائر كما في الصحيح.
      4- محاسبة العبد بما يخفي في نفسه من الشك والشرك والنفاق وغير ذلك من بغض أولياء الله وحب لأعدائه، ومؤاخذته بذلك، والعفو عن الهمّ بالخطيئة والذنب دون الشك والشرك والحب والبغض من المؤمن الصادق الإِيمان للحديث الصحيح الذي أخرجه الستة: " إن الله تجاوز لي عن أمتى ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل ".


      [/B]


      [B]آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)



      شرح الكلمات
      {آمن}: صدق جازما بصحة الخبر ولم يتردد أو يشك فيه قط.
      {الرسول}: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
      {كلّ}: كل من الرسول والمؤمنين.
      {لا نفرق بين أحد من رسله}: نؤمن بهم جميعاً ولا نكون كاليهود والنصارى نؤمن ببعض، ونكفر ببعض.
      {سمعنا}: سَماعَ فهمٍ واستجابة وطاعة.
      {المصير}: المرجع أي رجوعنا إليك يا ربنا فاغفر لنا.
      {لا يكلف الله نفسا}: التكليف الإِلزام مما فيه كلفة ومشقة تحتمل.
      {إلا وسعها}: إلا ما تتسع لها طاقتها ويكون في قدرتها.
      {لها ما كسبت}: من الخير.
      {وعليها ما اكتسبت}: من الشر.
      {لا تؤاخذنا}: لا تعاقبنا.
      {إن نسينا}: فتركنا ما أمرتنا به أو فعلنا ما نهيتنا عنه نسياناً منا غير عمد.
      {أو أخطأنا}: فعلنا غير ما أمرتنا خطأ منا بدون إرادة فعل منا له ولا عزيمة.
      {إصراً}: تكليفا شاقا يثقل علينا ويأسرنا فيحبسنا عن العمل.
      {مولانا}: مالكنا وسيدنا ومتولي أمرنا لا مولى لنا سواك.

      معنى الآيات
      { لله ما في السموات.. }وفيها{ ... وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله.. }
      اضطربت لها نفوس المؤمنين، وقالوا من ينجوا منا إذا كنا نؤاخذ بما يُخفى في أنفسنا من الهم والوسواس وحديث النفس فأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالرضا بحكم الله تعالى والتسليم به فقال لهم: قولوا سمعنا وأطعنا ولا تكونوا كاليهود:{ قالوا سمعنا وعصينا... }
      فلما قالوها صادقين أنزل الله تعالى هاتين الآيتين: { آمن الرسول... } فأخبر عن ايمانهم مقروناً بإيمان نبيهم
      تكريما لهم وتطمينا فقال: { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله والملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله.. } وأخبر عنهم بقولهم الذي كان سبب استجابة الله تعالى لهم فقالعنهم: {... وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } وأخبرهم تعالى أنه لرحمته بهم وحكمته في تصرفه في خلقه لا يكلف نفساً إلا ما تتسع له طاقتُها وتقدر على فعله، وإن لها ما كسبت من الخير فتجزى به خيراً وعليها ما اكتسبت من الشر فتجزى به شرّاً إلا أن يعفوا عنها ويغفر لها فقال: { لا يكلف اله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت.. } وعلمهم كيف يدعونه ليقول لهم قد فعلت، كما سح به الخبر فقال قولوا: { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولنا فانصرنا على القوم الكافرين } وفعلا قد عفا عنهم في النسيان والخطأ وخفف عنهم في التشريع فما جعل عليهم في الدين من حرج، وعفا عنهم وغفر هلم ورحمهم ونصرهم على الكافرين بالحجة والبيان وفي المعارك بالسيف والسنان فله الحمد والمنة وهو الكبير المتعال.


      هداية الآيات
      1- تقرير أركان الإيمان وهي الإِيمان بالله وملائكة وكتبه ورسله.
      2- وجوب الإِيمان بكافة الرل وحرمة الإِيمان ببعض وترك البعض وهو كفر والعياذ بالله تعالى.
      3- وجوب طاعة الله ورسوله والتسليم والرضا بما شرع الله ورسوله وحمرة رد شيء من ذلك.
      4- رفع الحرج عن هذه الأمة رحمه بها.
      5- عدم المؤاخذه بالنسيان أو الخطأ فمن نسي وأكل أو شرب وهو صائم فلا إثم عليه أو أخطأ فقتل فلا إثم عليه.
      6- العفو عن حديث النفس لنزول الآية فيه ما لم يتكلم المؤمن أو يعمل.
      7- تعليم هذا الدعاء واستحباب الدعاء به إئتساءً بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقد ورد من قرأ هاتين اللآيتين عند النوم كفتاه { آمن الرسول... } السورة.

      [/B]
    • [B]بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ[/B]

      [B]الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)


      شرح الكلمات
      {الحيّ}:ذو الحياة المستلزمة للارادة والعلم والسمع والبصر والقدرة.
      {الكتاب}:القرآن.
      {بالحق}:متلبِّساً به إذا كل ما فيه حق وصدق لا باطل فيه بأي وجه من الوجوه.
      {مصدقاً لما بين يديه}:من الكتب السابقة لا يخالفها ولا يبطلها لأن مصدر الجميع واحد وهو الله.
      {التوراة}:كتاب موسى عليه السلام ومعناه بالعبرية الشريعة.
      {الإنجيل}: كتاب عيسى عليه السلام ومعناه باليونانية: التعليم الجديد.
      {الفرقان}:ما فرق الله بين الحق والباطل من الحجج القرآنية والمعجزات الإِليهة والعقول النيّرة البشرية التي لم يغلب عليها التقليد والجمود والهوى.
      {يصوركم في الأرحام}: إيجاد الصورة للشيء لم تكن له من قبل، والأرحام جمع رحم: مستودع الجنين.



      معنى الآيات
      أخرج ابن جرير الطبري بأسانيد صحيحة أن وفد نجران والمكون من ستين راكبا فيهم أشرافهم وأهل الحلِّ والعَقْد منهم، وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاجّون في أمر المسيح عليه السلام ويريدون أن يثبتوا الهيّته بالادعاء الباطل فأنزل الله تعالى نيِّفاً وثمانين آية من فاتحة السورة آلم إلى ما يقرب الثمانين. وذلك رداً لباطلهم، وإقامة للحجة عليهم، وسيلاحظ هذا المتدبر للآيات ويراه واضحاً جليّاً في السياق القرآنى في هذه الآيات،فقد قال تعالى آلم، الله لا إله إلا هو فأخبر أنه تعالى لا معبود بحق إلا هو، فأبطل عبادة المسيح عليه السلام وعبادة كل معبود سوى الله تعالى من سائر المعبودات، وقال الحيّ القيوم فذكر بها استحقاقه للعبادة دون غيره وهو كونه تعالى حيّاً أزلاً وأبداً وكل حيّ غيره مسبوق بالعدم ويلحقه الفناء، فلذا لا يستحق الألوهية إلا هو عز وجل والمسيح عليه السلام مسبوق بالعدم ويلحقه الفناء فكيف يكون إلهاً؟ وقال تعالى القيوم أى القائم على كل الخلق بالتربية والرعاية والحفظ والتدبير والرزق، وما عداه فليس له ذلك بل هو مربوب مرزوق فكيف يكون إلهاً مع الله؟ ودليل ذلك أنه نزل عليك الكتاب: القرآن بالحق مصحوباً به ليس فيه من الباطل شيء فآياته كلها مثبتة للألوهية لله نافية لها عما سواه، فكيف يكون المسيح إلهاً مع الله أو يكون هو الله، أو ابن الله كما يزعم نصارى نجران وغيرهم من نصارى اليونان والرومان وغيرهم نزله مصدقا لما بين يديه من الكتب التى سبقته لا يخالفها ولا يتناقض معها فدل ذلك أنه وحى الله، وأنزل من قبله التوراة والإِنجيل هدىً للناس وأنزل الفرقان ففرق به بين الحق والباطل ى كل ما يلبس أمره على الناس فتبين أن الرب الخالق الرازق المدبر للحياة المحييى المميت الحى الذى لا يموت هو الإِله الحق وما عداه مربوب مخلوق لا حق له في الألوهية والعبادة وإن شفى مريضاً أو أنطق أبكم أو أحيا ميتاً بإّن الله تعالى فإن ذلك لا يؤهله لأن يكون إلهاً مع الله كعيسى بن مريم عليه السلام فإن ما فعله من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء بعض الموتى كان بقدرة الله وإذنه بذلك لعيسى وإلا لما قدر على شيء من ذلك شأنه شأن كل عباد الله تعالى، ولما رد الوفد ما حاجهم به الرسول وأقام به الحجة عليهم تأكذ بذلك كفرهم فتوعدهم الرب تعالى بقوله: {إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد، والله عزيز ذو انتقام} وهذا وعيد شديد لكل من كذب بآيات الله وجحد بالحق الذى تحمَّله من توحيد الله تعالى ووجوب طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى: {إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء} فلو كان هناك من يستحق الألوهية معه لعلمه وأخبر عنه، كما قرر بهذه الجملة أن عزته تعالى لا ترام وأنه على الانتقام من أهل الكفر به لقدير.

      وذكر دليلاً آخر على بطلان ألوهية المسيح فقال: { هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء } وعيسى عليه السلام قد صُوِّر في رحم مريم فهو قطعاً ممن صور الله تعالى فكيف يكون إذاً إلهاً مع الله أو إبناً لله كما يزعم النصارى؟ وهنا قرر الحقيقة فقال: { لا إله لا هو العزيز الحكيم } العزّة التى لا ترام والحكمة التى لا تخطىء هما مقتضيات أولهيته الحقة التى لا يجادل فيها إلا مكابر ولا يجاحد فيها إلا معاند كوفد نصارى نجران ومَنْ على شاكلتهم من أهل الكفر والعناد.


      وذكر دليلاً آخر على بطلان ألوهية المسيح فقال: { هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء } وعيسى عليه السلام قد صُوِّر في رحم مريم فهو قطعاً ممن صور الله تعالى فكيف يكون إذاً إلهاً مع الله أو إبناً لله كما يزعم النصارى؟ وهنا قرر الحقيقة فقال: { لا إله لا هو العزيز الحكيم } العزّة التى لا ترام والحكمة التى لا تخطىء هما مقتضيات أولهيته الحقة التى لا يجادل فيها إلا مكابر ولا يجاحد فيها إلا معاند كوفد نصارى نجران ومَنْ على شاكلتهم من أهل الكفر والعناد.



      هداية الآيات
      1- تقرير ألوهية الله تعالى بالبراهين ونفي الألوهية عن غيره من سائر خلقه.
      2- ثبوت رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بإنزال الله تعالى الكتاب عليه.
      3- إقامة الله تعالى الحجة على عباده بإنزال كتبه والفرقان فيها ببيان الحق والباطل في كل شؤون الحياة.
      4- بطلان ألوهية المسيح لأنه مخلوق مصور في الأرحام كغيره صوره الله تعالى ما شاء فكيف يكون بعد ذلك إلها مع الله أو ابناً له تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.[/B]

      [B]
      [/B]


    • هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)
      شرح الكلمات
      {محكمات}: الظاهر الدلالة البيّنة المعنى التي لا تحتمل إلا معنى واحداً، وذلك كآيات الأحكام من حلال وحرام وحدود، وعبادات، وعبر وعظات.
      {متشابهات}: غير ظاهرة الدلالة محتملة لمعان يصعب على غير الراسخين في العلم القول فيها وهي كفواتح السور، وكأمور الغيب. ومثل قول الله تعالى في عيسى عليه السلام:
      { .... وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.. }
      وكقوله تعالى:
      { ..إن الحكم إلا الله،.. }
      {في قلوبهم زيغ}: الزيغ: الميل عن الحق بسبب شبهة أو شهوة أو فتنة.
      {ابتغاء الفتنة}: أي طلباً لفتنة المؤمنين في دينهم ومعتقداتهم.
      {ابتغاء تأويله}: طالباً لتأويله ليوافق معتقداتهم الفاسدة.
      {وما يعلم تأوليه إلا الله}: وما يعلم ما يؤول إليه أمر المتشابه إلا الله منزله.

      {الراسخون في العلم}: هم أهل العلم اليقيني في نفوسهم الذين رسخت أقدامهم في معرفة الحق فلا يزلّون ولا يَشْتَطّون في شبهة أو باطل.
      {كلٌّ من عند ربنا}: أي المحكم والمتشابه فنؤمن به جميعاً.
      {أولو الألباب}: أصحاب العقول الراجحة والمفهوم السليمة.
      {ربنا لا تزغ قلوبنا}: أي لا تُمل قلوبنا عن الحق بعدما هديتنا إليه وعرّفتنا به فعرفناه.
      {هب لنا من لدنك}: أعطنا من عندك رحمة.





      معنى الآيات
      ما زال تعالى يقرر ربوبيته وإلوهيته ونبوّة رسوله ويبطل دعوى نصارى نجران في إلوهية المسيح عليه السلام فيقول: هو أي الله الحي القيوم الذي أنزل عليك الكتاب، أي القرآن، منه آيات محكمات، لا نسخ فيها ولا خفاء في معناها ولا غموض في دلالتها على ما نزلت فيه وهذه معظم آي الكتاب وهي أمّه وأصله، ومنه آيات أخر متشابهات وهي قليلة والحكمة من إنزالها كذلك الامتحان والاختبار كالامتحان بالحلال والحرام، وبأمور الغيب ليثبت على الهداية والإِيمان من شاء الله هدايته، ويزيغ في إيمانه ويضل عن سبيله من شاء الله تعالى ضلاله وعدم هدايته. فقال تعالى: {فأمَّا الذين في قلوبهم زَيْغ..} أي ميل عن الحق {فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} للخروج به عن طريق الحق وهداية الخلق كما فعل النصارى حيث ادعوا أن الله ثالث ثلاثة لأنه يقول نخلق ونحيي، ونميت وهذا كلام جماعة فأكثر، وكما قالوا في قوله تعالى في شأن عيسى: {.. وروح منه..} أنه جزء منه متحد به وكما قال الخوارج في قوله تعالى { .. إن الحكم إلا الله.. }فلا يجوز لأحد أن يحكم في شيء وكفروا عليّا وخرجوا عنه لتحكيمه أبا موسى الأشعري في حقيقة الخلاف بين على ومعاوية وهكذا يقع الزيغ في الضلال حيث يتعبون المتشابه ولا يردونه إلى المحكم فيظهر لهم معناه ويفهمون مراد الله تعالى منه. وأخبر تعالى أنه لا يعلم تأويله إلا هو سبحانه وتعالى. وأن الراسخين في العلم يُفَوِّضُون أمره إلى الله منزله فيقولون: {.. آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب } ، ويسألون ربهم الثبات على الحق فيقولون: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة.. } ترحمنا بها في دنيانا وأخرانا إنك أنت وحدك الوهاب، لا إله غيرك ولا ربّ سواك، ويقررون مبدأ المعاد والدار الآخرة فيقولون سائلين ضارعين { ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه } لمحاسبتهم ومجازاتهم على أعمالهم فاغفر لنا وارحمنا يؤمئذ حيث آمنا بك وبرسولك وبكتابك محكم آية متشابهه، إنك لا تخلف الميعاد.





      هداية الآيات
      1- في كتاب الله المحكم والمتشابه، فالمحكم يجب الإِيمان به والعمل بمقتضاه، والمتشابه يجب الإيمان ويفوض أمر تأويله إلى الله منزله ويقال: {.. آمنا به كلّ من عن ربّنا.. }.
      2- أهل الزيغ الذين يتبعون ما تشابه يجب هجرانهم والإِعراض عنهم لأنهم مبتدعة وأهل أهواء.
      3- استحباب الدعاء بطلب النجاة عن ظهور الزَّيغ ورؤية الفتن والضلال.
      4- تقرير مبدأ المعاد والدار الآخرة.

    • [B]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)


      شرح الكلمات
      [B]{إن الذين كفروا}: هم وفد نجران ويهود المدينة والمشركون والمنافقون.
      {لن تغني عنهم}: لن تجزي عنهم ولن تقيهم عذاب الله إذا حلّ بهم.
      {وقود النار}: الوقود ما توقد به النار من حطب أو فحم حجري أو غاز.
      {كدأب آل فرعون}: كعادتهم وسنتهم في كفرهم وتكذيبهم وما حل بهم من عذاب في الدنيا والآخرة.
      {قل للذين كفروا}: هم يهود المدينة بنو قَيْنُقَاع.
      {آية في فئتين}: علامة واضحة والفئتان: المسلمون وقريش إلتقتا في بدر.
      {يؤيد بنصره}: يُقوِّى.
      {عبرة لأولي الأبصار}: العبرة العظة وما يَعْبُر به ذو البصيرة مواضع الخطر فينجو.

      [/B]


      معنى الآيات
      [B]لما أصرَّ وفد نجران على الكفر والتكذيب واتباع المتشابه من آي الكتاب ابتغاء الفتنة وابتغاء التأويل من الحق والخروج عنه. توعّد الرب تعالى جنس الكافرين من نصارى اليهود وعرب وعجم فقال { إن الذين كفروا... } بالحق لما جاءهم وعرفوه معرفة لا لبس فيها ولا غموض ولكن منعهم من قبوله الحفاظ على المناصب والمنافع هؤلاء جميعهم سيعذبهم الله تعالى في نار جهنم ولن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئا، واعلم أنهم وقود النار، التي مهدوا لها بكفرهم وبئس المهاد مهدوه لأنفسهم. ثم اخبر تعالى أنهم في كفرهم وعنادهم حتى يأتيهم العذاب كدأب وعادة آل فرعون والذين من قبلهم من الأمم التي كذبت رسلها كقوم نوح وقوم هود وقوم صالح حتى أخذهم الله بالعذاب في الدنيا بالهلاك والدمار، وفي الآخر بعذاب النار وبئس المهاد، وكان ذلك بذنوبهم لا بظلم الله تعالى ثم أمر الله تعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول ليهود المدينة الذين قالوا للرسول لا يغرنك أنك قاتلت من لا يحسن الحرب فانتصرت عليهم يريدون قريشاً في موقعة بدر، إنك إن قابلتنا ستعلم أنا نحن الناس، لما قالوا قولتهم هذه يهددون بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أمره أن يقول لهم { ستغلبون } يريدون في المعركة وتنهزمون وتموتون، وبعد موتكم تحشرون إلى جهنم وبئس المهاد جهنم مهدتموها لأنفسكم بكفركم وعنادكم وجحودكم للحق بعد معرفته. وفَتَح أعينهم على حقيقة لو تأملوها لما تورطاو في حرب الرسول حت هزمهم وقتل من قتل منهم وأجلى من أجلاهم. وهي أن المسلمين الذي قاتلوا المشركين في دبر وانتصروا عليهم كانوا أقلّ عدد وأنقص عدة، ومع ذلك انتصروا لأنهم يقاتلون في سبيل الله والكافرون يقاتلون في سبيل الطاغوت والشرك والظلم والطغيان ونصر الله الفئة القليلة المسلمة وهزم الفئة الكافرة الكثيرة فلو اعتبر اليهود بهذه الحقيقة لما تورطوا في حرب مع الرسول صلى الله عليه وسلم أبداً. ولكنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وهي البصائر. فقال تعالى لهم: { قد كان لكم آية في فئتين التقتا } -في بدر- فئة- جماعة- تقاتل في سبيل الله -إعلاء لكلمته- وأخرى فئة كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت { يرونهم مثيلهم رَأْيَ العين } لقربهم منهم.[/B]
      [B]ومع هذا نصر الله الأقلية المسلمة وهزم الأكثرية المسلمة وهزم الأكثرية الكافرة، وذلك لأن الله تعالى يؤيد بنصره من يشاء، فأيد اولياءه وهزم أعداءه، وإن في هذه الحادثة لعبرة وعظة متفكر ولكن لمن كان ذا بصيرة، أما من لا بصيرة له فإنه لا يرى شيئاً حتى يقع في الهاوية قال تعالى: { إن في ذلك } المذكور لهم: {.. لعبرة لأولى الأبصار }.


      [/B]


      هداية الآيات
      [B]1- الكفر مورِّث لعذاب يوم القيامة والكافر معذَّب قطعاً.
      2- الأموال والأولاد والرجال والعتاد مهما كثروا لن يغنوا من بأس الله شيئاً إذا أراده بالكافرين في الدنيا والآخرة.
      3- الذنوب بريد العذاب العاجل والآجل.
      4- ذم الفخر والتعالي وسوء عاقبتهما.
      5- العاقل من اعتبر بغيره، ولا عبرة لغير أولى الأبصار أى البصائر.
      6- صدق خبر القرآن فى ما أخبر به اليهود من هزيمتهم، فكان هذا دليل صدق على أن القرآن وحى الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الاسلام دين الله الحق.
      [/B]
      [/B]

    • [B]زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14)


      شرح الكلمات
      {زيّن للناس حب الشهوات}: جعل حبها مستحسناً فى نفوسهم لا يرون فيه قبحا ولا دمامة.
      {الشهوات}: جمع شهوة بمعنى المشتهى طبعاً وغريزة كالطعام والشراب اللذيذين.
      {القناطير المقنطرة}: القنطار الف ومائة أوقية فضة والمقنطرة الكثيرة بعضها فوق بعض.
      {الخيل المسومة}: ذات السمات الحسان والمعدة للركوب عليها للغزو والجهاد.
      {الانعام}: الابل والبقرة والغنم وهى الماشية.
      {الحرث}: أي ذلك المذكور من النساء والبنين الخ متاع الحياة الدنيا يريد يستمتع به فيها ويموت صاحبها ويتركها.

      معنى الآيات
      لما ذكر تعالى من كفر من النصارى، واليهود، والمشركين، وجحودهم، وكفرهم، ذكر علة الكفر وبيّن سببه ألا وهو ما زينه تعالى لبنى البشر عامة ليفتنهم فيه ويمتحنهم به وهو حب الشهوات أى المشتهيات بالطبع البشرى من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث وهو كلما يحرث من سائر الحبوب والنباتات الغذائية والعطرية وغيرها. هذا الذى جعل تلك الجماعات ترفض الحق وتدفعه لأنه يحول بينهم وبين هذه المشتهيات غالباً فلا يحصلون عليها، ولم يعلموا انها مجرد متاع زائل فلا يبيعوا بها الجنةدار الخلد والسلام ولذا قال تعالى ذلك اى ما ذكر من أصناف المحبوبات متاع الحياة الدنيا لا غير اما الآخرةفلا ينفع فيها شيء من ذلك بل لا ينفع فيها الا الزهد فيه والإِعراض عنه إلا ما لا بد منه لِلْبُلْغَةِ بهِ إلى عمل الدار الآخرة وهو الإِيمان وصالح الأعمال، والتخلى عن الكفر والشرك وسائر الذنوب والمعاصى. وختم تعالى الآية بقوله مرغبا في العمل للدار الآخرة داعيا عباده الى الزهد فى المتاع الفانى لتتعلق قلوبهم بالنعيم الباقى فقال: { والله عنده حسن المآب } ،أي المرجع الحسن، والنزل الكريم والجوار الطيب السعيد.

      هداية الآيات
      1- يزين الله تعالى بمعنى يجعل الشىء زَيْناً محبوباً للناس للابتلاء والاختبار قال تعالى:
      { انا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً }
      ويزين الشيطان للاضلال والاغواء، فالله يزين الزين ويقبح القبيح، والشيطان يزين القبيح، ويقبح الزين. فانظر الفرق وتأمل.
      2- المزنات فى هذه الآية من تزيين الله تعالى للابتلاء، وكلها زينة فى الواقع وليس فيها قبيح إلا إذا طلبت من غير حلِّها وأخذت بِشَرة ونهم فأفسدت أخلاق آخذها أو طغت عليه محبتها فأنسته لقاء الله وما عنده فهلك بها كاليهود والنصارى والمشركين.
      3- كل ما في الدنيا مجرد متاع والمتاع دائما قليل وزائل فعلى العاقل ان ينظر اليه كما هو فلا يطلبه بما يَحْرِمُه حسن المآب عند الله. اللهم لا تحرمنا حسن مآبك يا الله يا رحمن يا رحيم.

      [/B]

      [B][/B]



      [B]ق
      ُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)

      شرح الكلمات
      {أؤنبئكُم}: أخبركم بنبأ عظيم لأن النبأ لا يكون إلا بالأمر العظيم.
      {بخير من ذلكم}: أى المذكور فى الآية السابقة من النساء والبنين الخ.
      {اتقوا}: خافوا ربهم فتركوا الشرك به ومعصيته ومعصية رسوله.
      {من تحتها الأنهار}: من خلال قصورها وأشجارها أنهار الماء، وأنهار اللبن وأنهار العسل وأنهار الخمر.
      {خالدين فيها أبدا}: مقيمين فيها اقامة لا يرحلون بعدها أبدا.
      {أزواج مطهرة}: زوجات هى الحور العين نقيات من دم الحيض والبول وكلِّ أذى وقدر.
      {الصابرين}: على الطاعات لا يفارقونها وعلى المكروه لا يتسخطون، وعن المعاصى لا يقارقونها.
      {الصادقين}: في إيمانهم وأقوالهم وأعمالهم.
      {القانتين}: العابدين المحسنين الداعين الضارعين.
      {والمنفقين}: المؤدين الزكاة والمتصدقين بفضول أموالهم.
      {المستغفرين بالأسحار}: السائلين ربهم المغفرة فى آخر الليل وقت السحور.


      معنى الآيات
      لما بيّن تعالى ما زينه للناس من حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة إلى آخر ما ذكر تعالى، وبين أن حسن المآب عنده سبحانه وتعالى فلْيُطْلَبْ منه بالايمان والصالحات أمر رسوله أن يقول للناس كافة اؤنبئكم بخير من ذلكم المذكور لكم. وبينه بقوله: { للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطرة ورضوان من الله... } وهو رضاه عز وجل عنهم وهو أكبر من النعيم المذكور قبله قال تعالى فى آية أخرى: { ورضوان من الله أكبر.. }.
      ثم أخبر تعالى أنه بصير بعباده يعلم المؤمن الصادق والمنافق الكاذب، والعامل المحسن والعامل المسيىء وسيجزى كلا بعدله وفضله، ثم ذكر صفات المتقين التي ورثوا بها ما وصف من النعيم فقال: { الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار }فذكر صفة الايمان والخشية والضراعة والدعاء لهم ذم ذكرباقى الصفات الكمالية فقال: { الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار } ، يهجدون آخر الليل وقبيل طلوع الفجر يكثرون من الاستغفار وهو طلب المغفرة.
      هداية الآيات
      1- نعيم الآخرة خير من نعيم الدنيا مهما كان.
      2- نعيم الآخرة خاصّ بالمتقين الأبرار، ونعيم الدنيا غالباً ما يكون للفجَّار.
      3- التقوى وهى ترك الشرك والمعاصى هي العالم الوراثي لدار السلام.
      4- استحباب الضراعة والدعاء والاستغفار فى آخر الليل.
      5- الصفات المذكورة لأهل التقوى هنا كلها واجبة فى الجملة لا يحِلُّ ان لا يتصف بها مؤمن ولا مؤمنة فى الحياة.

      [/B]
    • [B]شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)

      شرح الكلمات
      {أولو العلم}: أصحاب العلم الصحيح المطابق للواقع وهم الأنبياء والعلماء.
      {القسط}: العدل في الحكم والقول والعمل.
      {العزيز الحكيم}: الغالب ذو العزة التي لا تغلب، الحكيم في خلقه وفعله وسائر تصرفاته.
      {الدين}: ما يدان لله تعالى به أي يطاع فيه ويخضع له به من الشرائع والعبادات.
      {بغياً}: ظلما وحسداً.
      {أسلمت وجهي لله}: أخلصت كل أعمالي القلبية والبدنية لله وحده لا شريك له.
      {ومن اتبعن}: كذلك اخلصوا لله كل أعمالهم له وحده لا شريك له.
      {أوتوا الكتاب}: اليهود والنصارى.
      {الأميين}: العرب المشركين سُمُّوا بالأميين لِقِلة مَنْ يقرأ ويكتب فيهم.
      {أأسلمتم}: الهمزة الأولى للإستفهام والمراد به الأمر أي أسلموا خيراً لكم لظهور الحق وانبلاج نوره بينكم بواسطة كتب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

      {فإن أسلموا}: فإن أجابوك وأسلموا فقد اهتدوا إلى سبيل النجاة.
      {وإن تولوا}: أدبروا عن الحق بعد رؤيته وأعرضوا عنه بعد معرفته فلا يضرك أمرهم إذ ما عليك الا البلاغ وقد بلّغت.


      معنى الآيات
      يخبر الجبار عز وجل أنه شهد أنه لا إله إلا هو وأن الملائكة وأولى العلم يشهدون كذلك شهادة علم وحق قامت على مبدأ الحضور الذاتى والفعلى وأنه تعالى قائم في الملكوت كله، علويّه وسفليّه، بالعدل، فلا رب غيره ولا إله سواه، العزيز في ملكه وخلقه الحكيم في تدبيره وتصريفه فلا يضع شيئاً في غير موضعه اللائق به. فرد بهذه الشهادة على باطل نصارى نجران، ومكر اليهود، وشرك العرب، وأبطل كلّ باطلهم سبحانه وتعالى، ثم أخبر أيضاً أن الدين الحق الذي لا يقبل تعالى ديناً سواه، هو الاسلام، القائم على مبدأ الانقياد الكامل لله تعالى بالطاعة، والخلوص التامّ من سائر أنواع الشرك فقال: {إن الدين عند الله} في حكمه وقضائه الإسلام، وما عداه فلا يقبله ولا يرضاه. ثم أخبر تعالى عن حال نصارى نجران، المجادلين لرسوله، في شأن تأليه عيسى بالباطل فقال {وما اختلف الذين أوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم} يريد أن خلاف أهل الكتاب لم يكن عن جهل منهم بالحق ومعرفته ولكن كان عن علم حقيقى وإنما حملهم على الخلاف المسبب للفتن. والحروب وضياع الدين البغير والحسد إذ كل فرقة تريد الرئاسة والسلطة الدينية الدنيوية لها دون غيرها، وبذلك يفسد أمر الدين الدنيا، وهذه سنة بشرية تورط فيها المسلمون بعد القرون المفضلة أيضاً، والتاريخ شاهد. ثم قال تعال {ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب} يتوعد تعالى ويهدد كل من يكفر بآياته الحاملة لشرائعه فيجحدها ويعرض عنها فإنه تعالى يحصي عليه ذنوب كفره وسيآت عصيانه ويحاسبه ويجزيه وإنه لسريع الحساب لأنه لا يشغله شيء عن آخر ولا يعييه إحصاء ولا عدد ثم يلتفت بالخطاب إلى رسوله قائلا له فإن حاجوك يريد وفد نجران النصراني فاختصر الحجاج معهم بإظهار موقفك المؤيس لهم داعياً إياهم إلى الإِسلام الذي عرفوه وأنكروه حفاظاً على الرئاسة والمنافع بينهم فقل لهم: {أسلمت وجهي لله ومن اتبعن} أيضاً أسلم وجهه لله فليس فينا شيء لغير الله وقلوبنا وأعمالنا وحياتنا كلها لله فلا يضرك إعراضهم، إذ ما كلفت إلا البلاغ وقد بلغت، أما الحساب والجزاء فهو إلى الله تعالى البصير بأعمال عباده العليم بنياتهم وسوف يجزيهم بعلمه ويقضى بينهم بحكمه وهو العزيز الحكيم.

      هداية الآيات
      1- اعتبار الشهادة والأخذ بها إن كانت قائمة على العلم وكان الشاهد أهلاً لذلك بأن كان مسلماً عدلاً.
      2- شهادة الله أعظم شهادة تثبت بها الشرائع والأحكام وتليها شهادة الملائكة وأولي العلم.
      3- بطلان كل دين بعد الإِسلام وكل ملة غير ملته لشهادة الله تعالى بذلك وقوله:
      { ... ومن يبتغ غير الإِسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين }
      الآية (85) من هذه السورة والآتي تفسيرها إن شاء الله تعالى.
      4- الخلاف بين أهل العلم والدين يتم ندما يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة فيتورطون في المطاعم والمشارب، ويتشوقون إلى الكراسى والمناصب، ويرغبون فى الشرف يومئذ يختلفون بغياً بينهم وحسداً لبعضهم بعضاً.
      5- من أسلم قلبه لله وجوارحه وأصبح وقفاً في حياته على الله فقد اهتدى إلى سبيل النجاة والسلام.
      6- من علق قلبه بالحياة الدنيا وأعرض عما يصرفه عنها من العبادات ضل في حياته وسعيه وحسابه على الله وسيلقى جزاءه.
      [/B]


      [B]إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22)



      شرح الكلمات
      {يكفرون}: يجحدون يوكذِّّبون.
      {النبيين}: جمع نبي وهو ذكر من بني آدم أوحيى إليه الله تعالى.
      {القسط}: العدل والحق والخير والمعروف.
      {بشرهم بعذاب أليم}: أخبرهم إخباراً يظهر أثره على بشرة وجوههم ألماً وحسرة.
      {حبِطت أعمالهم}: بَطَلت وذهبت لم يجنوا منها شيئاً ينفعهم، ويهلكون بذلك ويعدمون الناصر لهم لأن الله خذلهم وأراد إهلاكم وعذابه في جهنم.



      معنى الآيات
      ما زال السياق هَتْك أستار الكفرة من أهل الكتابين اليهود والنصارى فذكر تعالى هنا ان الذين يكفرون بآيات الله وهي حججه وأعلام دينه، وما بعث بها رسله، ويقتلون مع ذلك النبيين بغير حق ولا موجب للقتل، ويقتلون الذين يأمرونهم بالعدل من أتباع الأنبياء المؤمنين الصالحين، هذه جرائم بعض أهل الكتاب فبشرهم بعذاب أليم، ثم أخبر أن أولئك البعداء في مهاوي الشر والفساد والظلم والعناد حبطت أعمالهم في الدنيا فلا يجنون منها عاقبة حسنة ولا مدحاً ولا ثناءً بل سُجلت لهم بها عليهم لعنات في الحياة والممات، والآخرة كذلك وليس لم فيها من ناصرين ينصرونهم فيخلصونهم من عذاب الله وهيهات هيهات أن يوجد من دون الله ولي أو نصير.


      هداية الآيات
      1- الكفر والظلم من موجبات هلاك الدنيا ولزوم عذاب الآخرة.
      2- قتل الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر كقتل الأنبياء في عِظَم الجُرْم.
      3- الشرك محبط للأعمال مفسد لها في الدنيا والآخرة.
      4- من خذله الله تعالى لا ينصره أحد، ومن ينصره الله لا يغلبه أحد.

      [/B]