"أحيوا سنته"

    • كما كان صلى الله عليه وسلم يأمر بالمبادرة إلى العمل قبل
      حلول العوائق فيقول: (( بادروا بالأعمال سبعاً، هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو
      غنىً مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر
      غائب ينتظر، أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر )).(8)

      فهو صلى
      الله عليه وسلم يحث أمته على المبادرة بأداء الأعمال وعدم تأجيلها، ذلك أن
      حال الإنسان لا يخلو من وقوع المعوّقات من مرض أو هرم أو موت أو نحو ذلك مما يقف
      حائلاً دون أداء الأعمال أو إتمامها، فالمعوّقات كثيرة، والحاذق من بادر بأداء
      العمل قبل أن تحاصره العوائق.

    • أمّا قوله صلى الله عليه وسلم: (( من خاف أدلج ومن أدلج
      بلغ المنزل )).(9) فإنّ الطيبي(10) يقول فيه: "هذا مَثَلٌ ضربه النبي (ص) لسالك
      الآخرة فإن الشيطان على طريقه والنفس وأمانيه الكاذبة أعوانه، فإن تيقظ في مسيره
      وأخلص النية في عمله أمِن من الشيطان وكيده".(11)

      وهذا المثل يصح أيضاً في
      حق من حدد لنفسه أهدافاً، وخاف أن تدركه المعوّقات قبل بلوغها، فتجده يحث الخطا حتى
      يحقق أهدافه.

    • وقد كان صلى الله عليه وسلم يأمر
      بالتبكير في أداء الأعمال، فعن صخر الغامدي رضي الله عنه عن النبي (ص) أنه قال: ((
      اللهم بارك لأمتي في بكورها، وكان إذا بعث سرية أو جيشاً بعثهم من أول النهار ))،
      وكان صخر رجلاً تاجراً، وكان يبعث تجارته من أوّل النهار، فأثرى وكثر ماله.
      (12)

      وفي هذا المعنى أيضاً تروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي
      صلى الله عليه وسلم قال: (( باكروا طلب الرزق والحوائج فإن
      الغدو بركة ونجاح )).(13)

    • وعن فاطمة رضي الله عنها وأرضاها قالت: مرّ بي رسول الله صلى الله
      عليه وسلم وأنا مضطجعة متصبّحة فحرّكني برجله ثمّ قال: (( يا بنية قومي
      اشهدي رزق ربك ولا تكوني من الغافلين، فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر
      إلى طلوع الشمس )).(14
    • افضل ماورد في السنه النبويه من الادعيه التي تزيل الهم والحزن وتجلب المغفره والرحمه وتريح قلب كل مؤمن ومؤمنه هي :ــــــــ

      اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت وأبوئ لك بنعمتك علي وأبوئ بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت

      * أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه وأسأله التوبة والمغفرة .

      * أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه توبة عبد ظالم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.

      * اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي ، ورحمتك أرجي عندي من عملي. سبحانك لا إله غيرك أغفر لي ذنبي وأصلح لي عملي إنك تغفر الذنوب لمن تشاء. وأنت الغفور الرحيم يا غفار أغفر لي يا تواب تب علي يا رحمن أرحمني يا عفو أعفو عني يا رؤوف أرأف بي.

      * اللهم أغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي.

      * اللهم إني أستغفرك من كل ذنب أذنبته وتعمدته أو جهلته. وأستغفرك من كل الذنوب التي لا يعلمها غيرك، ولا يسعها إلا حلمك.

      * اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يعقب الحسرة. ويورث الندامة ويحبس الرزق ويرد الدعاء.

      * اللهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت منه ثم عدت إليه. وأيسعها إلا حلمك وكرمك ولا ينجيني منها إلا عفوك.

      * اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك من كل ذنب أذنبته ولكل معصية ارتكبتها. فأغفر لي يا أرحم الراحمين.

      * اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يدعو إلى غضبك أو يدني إلى سخطك أو يمل بي إلى ما نهيتني عنه أو يبعدني عما دعوتني إليه.

      * اللهم إني أستغفرك من كل ذنب يصرف عني رحمتك أو يحل بي نقمتك أو يحرمني كرامتك أو يزيل عني نعمتك.

      * اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يزيل النعم ويحل النقم ويهتك الحُرَم ويورث الندم ويطيل السقم ويعجل الألم.

      * اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يمحق الحسنات ويضاعف السيئات ويحل النقمات ويغضبك يا رب الأرض والسماوات.

      * اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يكون في اجترائه قَطْعُ الرجاء ورد الدعاء وتوارد البلاء وترادف الهموم وتضاعف الغموم.

      * اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يرُدُّ عنك دعائي ويقطع منك رجائي ويطيل في سخطك عنائي ويقصر بي عنك أملي.

      * اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يميت القلب ويشعل الكرب ويشغل الفكر ويرضي الشيطان ويسخط الرحمن.

      * اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يعقب اليأس من رحمتك والقنوط من مغفرتك والحرمان من سعة ما عندك.

      * اللهم إني أستغفرك من كل ذنب يدعو إلى الكفر ويورث الفقر ويجلب العسر ويصد عن الخير ويهتك الستر ويمنع الستر.
      * اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يدني الآجال ويقطع الآمال ويشين الأعمال.

      * اللهم إني أستغفرك يا عالم الغيب والشهادة من كل ذنب آتيته في ضياء النهار وسواد الليل وفي ملأٍ وخلاءٍ وسرٍ وعلانية يا حليم.

      * اللهم أغفر لي ذنبي مغفرة أنسى بها كل شئ سواك ، وهب لي تقواك واجعلني ممن يحبك ويخشاك.

      * اللهم إني مستغيث أستمطر رحمتك الواسعة من خزائن جودك ، فأغثني يا رحمن. لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ظلمت نفسي فارحمني إنك أرحم الراحمين.

      * يا من إذا عظٌمت على عبده الذنوب وكثرة العيوب ، فقطرة من سحائب كرمك لا تبقي له ذنبا ، ونظرةُُ من رضاك لا تترك له عيباً ، أسألك يا مولاي أن تتوب علي وتغفر لي.

      اللهم لا عظيم إلا أنت ولا رحيم إلا أنت ولا كريم إلا أنت ولا معطي إلا أنت ولا اله إلا أنت

      يارؤف ياودود ياسميع يامجيب الدعوات اللهم إني أسألك المغفرة اللهم إني أسألك المغفرة اللهم إني أسألك المغفرة اللهم إني أسألك بأسمك الأعظم اللهم إني أسألك بأسمك الكريم اللهم إني أسألك بأسمك الرحيم اللهم إني أسألك بأسمك الغفور أن تغفر لي ذنبي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات

      اللهم ياعالم مافي الصدور اللهم ياعالم مافي الصدور اللهم ياعالم مافي الصدور ان تنصرني على خوفي وكبر همي ومافي صدري اللهم أسألك بأسمك المنان بأن تمن علي بكرمك وفرج همي وضيقي وتغفر لي ذنبي يارحمن يارؤف ياعظيم

      اللهم إني رضيت بك ربنا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ..
      أمين
    • صلاة الضحى



      بسـم اللــه الـرحمــن
      الرحيــم





      كم هو جميل ورائع أن يسرع المسلم إلى بيت من بيوت الله في الأرض لتأدية
      فريضة


      الصلاة بمجرد ارتفاع صوت المؤذن منادياً للصلاة ،


      ولكن الأجمل من ذلك أن تستمر صلة العبد بربه جل وعلا حتى في غير وقت الفريضة


      حينما يجتزئ الإنسان من وقته المزدحم بشؤون الحياة ومشاغلها ولو جزءاً
      يسيراً


      يقف فيه بين يدي مولاه العظيم وخالقه الكريم ، طاهراً متطهراً ليؤدي صلاة الضحى

      مبتغياً بذلك الأجر والثواب من الكريم الوهاب










      ولأن لصلاة الضحى زمناً محددا يكون الناس مشغولين خلاله بأعمالهم فالموظف في
      وظيفته ،


      والطالب في فصله ، والعامل في عمله ، والتاجر في محله ، والطبيب في عيادته ،
      والجندي في ثكنته ،


      والمرأة في بيتها ؛ إلا أن هناك من يوفقه الله سبحانه
      وييسر له اغتنام بعض الشيء من وقته


      لتأدية صلاة الضحى تقرباً إلى الله جل
      وعلا
      ، وطمعاً
      في ثوابه ، وليكون بذلك واحداً من الموفقين الذين يحرصون على إحياء شعيرة من شعائر
      الدين ،


      ويواظب على سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم


      فعن أبي الدرداء وأبي ذرِّ ( رضي الله عنهما ) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
      :


      " عن الله تبارك وتعالى أنه قال : ابن آدم ، اركع لي أربع
      ركعاتٍ من أول النهار أكفك آخره
      " ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 475 ، ص 126
      )
      .






      ::












      فهنيئاً لمن حافظ على صلاة الضحى ،

      وهنيئاً لمن لم يشغله عنها شاغل ،

      وهنيئاً لمن عمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ورد في شأنها


      عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : "
      أوصاني خليلي
      بثلاثٍ : صيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهر ، وركعتي الضحى ، وأن أوتر قبل أن
      أنام
      "


      ( رواه البخاري ، الحديث رقم 1981 ، ص 319 )
      .











    • عدد ركعاتها

      أقل صلاة الضحى:
      ركعتــان.


      أفضلها: أربع ركعـات، مثـنى مثـنى.

      أكثرها: ثمان ركعات، وقيل اثنتا عشرة ركعة، وقيل لا حدَّ
      لأكثرها.


      خرج البخاري في صحيحه بسنده قال:سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى
      يقول:


      "ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي
      الضحى غير أم هانئ


      ، فإنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة
      فاغتسل وصلى ثماني ركعات
      " .


      وعن عائشة عند مسلم: "كان يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما
      شاء
      "


      وعن نعيم بن همار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
      يقول:


      "يقول الله تعالى: ابن آدم، لا تعجزني من أربع ركعات
      من أول نهارك أكفك آخره
      ".


      وعن جابر عند الطبراني في الأوسط كما قال الحافظ في
      الفتح:

      "
      أنه صلى الله
      عليه وسلم صلى الضحى ست ركعات
      "، وعن أنس مرفوعاً: "من صلى الضحى ثنتي عشرة بنى الله له
      بيتاً في الجنة
      ".






    • الأدلة على سنية صلاة الضحى كثيرة، نذكر منها ما
      يأتي:


      1. حديث أم هانئ السابق :" أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل
      بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات
      " .


      2. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى
      أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر
      ".


      3. وعن عائشة رضي الله عنهـا قالت:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
      يصلي الضحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله
      ".


      4. وعن عبد الله بن شقيق قال:قلت لعائشة رضي الله عنها:
      "
      أكان رسول
      الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا، إلا أن يجيء من
      مغيبه
      ".


      5. وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه: "رأى قوماً يصلون الضحى، فقال: لقد
      علموا أن الصلاة في غير هذه الساعـة أفضل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
      صلاة
      الأوابين
      حين ترمض الفصال
      ".





      6. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه
      وسلم يسبح سبحة الضحى وإني لأسبحها
      ".


      7. وفي رواية عنها: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه
      وسلم يسبح سبحة الضحى، وإني لأسبحها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع
      العمل وهو يحب أن يعمل خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم
      ".


      8. وقد وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر وأبا
      الدرداء
      ،
      كما وصى أبا
      هريرة رضي الله عنهم.


      9. وحديث أبي هريرة السابق: "يصبح على كل
      سلامى..
      "


      قال الحافظ ابن حجر:(وقد جمع الحاكم الأحاديث الواردة في
      صلاة الضحى في جزء مفرد، وذكر لغالب هذه الأقوال مستنداً، وبلغ عدد رواة الحديث في
      إثباتهـا نحو
      العشرين نفساً من الصحابة).




    • وقتهــا

      يبتدىء وقتها
      بارتفاع الشمس قدر رمح وينتهي حين الزوال ولكن المستحب أن تؤخر إلى أن ترتفع الشمس
      ويشتد الحر لما ثبت فى الحديث عن زيد بن أرقم قال خرج النبى صلى الله عليه وسلم
      على أهل قباء وهم يصلون الضحى فقال [ صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى ]
      رواه أحمد ومسلم (8). وعن عاصم بن ضمرة قال سألنا علياً عن تطوع النبى صلى الله
      عليه وسلم بالنهار فقال كان إذا صلى الفجر أمهل حتى إذا كانت الشمس من هاهنا يعنى
      من المشرق مقدارها من صلاة العصر من هاهنا قبل المغرب قام فصلى ركعتين ثم يمهل حتى
      إذا كانت الشمس من هاهنا يعنى من قبل المشرق مدارها من صلاة الظهر من هاهنا يعنى من
      قبل المغرب قام فصلى أربعا وأربعا قبل الظهر إذا زالت الشمس وركعتين بعدها وأربعا
      قبل العصر يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم
      من المسلمين والمؤمنين ] رواة الخمسة إلا أبا داود.
      وفيه دليل على استحباب أربع
      ركعات إذا زالت الشمس قال العراقى وهى غير الأربع التى هى سنة الظهر قبلها وسماها
      بعض العلماء بالضحوة الكبرى والأولى التى هى ركعتين عند ارتفاع الشمس قدر رمح
      بالضحوة الصغرى.

    • [TABLE='width: 100%']
      [TR]
      [TD='class: titlebcls, width: 80%'] آداب الطريق
      [/TD]
      [TD='class: titlet, width: 20%'][/TD]
      [/TR]
      [TR]
      [TD='class: textbcls, colspan: 2']
      عن الرسول الأكرم صلى الله
      عليه وآله وسلم: "دخل عبد الجنة بغصن من شوك كان على طريق المسلمين فأماطه
      عنه
      "


      إن للطرقات التي يسير عليها الإنسان آداباً كثيرة اهتم الإسلام ببيانها وحثّ على
      الإلتزام بها في العديد من النصوص الشرعية، لاعتبارات عديدة..

      فالذي يراعي
      آداب الطريق هو في الحقيقة يبتعد عن الأنانية وحب الذات ليعيش في رحاب حب المجتمع
      كله وإرادة الخير لكل عابر يعبر الطريق، وهو في نفس الوقت يقدم صورة جميلة عن
      المجتمع الذي يعيش فيه..

      فالذي يدخل في مجتمع ما، فإن أول ما يراه هو الشارع
      بنظافته وترتيبه وسلوك العابرين فيه، فإن ذلك كله سيكشف له عن طبيعة هذا المجتمع
      وحضارة أهله، من هنا نفهم تأكيد الإسلام على كل هذه المفردات التفصيلية، فإن الطرق
      هي النافذة التي ينظر المراقبون منها إلى مظاهر حياة المسلمين العامة ويأخذون من
      خلالها انطباعا عن طريقة عيشهم، ويستكشفون منها ثقافتهم إذ التصرفات التي تصدر من
      الشخص إنما تنم عن ثقافته التي يحملها...


      [/TD]
      [/TR]
      [/TABLE]
    • فما هي تلك الآداب التي أكد الإسلام على رعايتها؟

      هناك العديد من الآداب التي وردت، نذكر جملة منها

      1- المحافظة على نظافة
      الطريق‏


      لقد اهتم الإسلام بالنظافة اهتماماً بالغا وجعل من الآداب
      الإسلامية الحفاظ على النظافة في سائر ما يرتبط بالحياة التي يعيشها الإنسان
      المؤمن، سواء بما يتعلق بنفسه، أو فيما يتعلق بلباسه، أو بيته وطريقه.

      ففي
      الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "بئس العبد
      القاذورة
      "1.

      وفي الحديث عن النبي الأكرم صلى الله عليه
      وآله وسلم: "هلك المتقذرون"2.

      والهلاك كما يكون
      على المستوى المادي حيث يجلب الأمراض والحياة الرديئة، فإنه كذلك يؤثر على الجانب
      المعنوي للإنسان.

      روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إن
      الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة
      "3.

      فالنظافة لا
      تنحصر آثارها بالجانب المادي بل تتعدى ذلك وتصبح سبباً من اسباب الحب
      الإلهي.

      وقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام: "من أخلاق الأنبياء
      التنظف
      "4.

      وهذه الرواية تدل على أمرين: فهي تشير إلى أن
      النظافة كانت على الدوام منهجاً ينتهجه الأنبياء عليهم السلام وسيرة عرفهم الناس
      بها، وتشير كذلك إلى أن النظافة هي مفردة من المفردات الأخلاقية، فالنظافة تعدت
      الظاهر لتصل إلى الباطن في آثارها.

      فأيها المؤمن العزيز، إن كنت تسير على
      نهج الأنبياء وترغب بمكارم الأخلاق فاعلم بأن النظافة والحفاظ عليها هي نهج
      الأنبياء ومفردة من مفردات الأخلاق فالتزم بها.


    • 2- إفساح الطريق‏


      إن الطريق في الأساس وضعت للاستفادة منها
      في المرور، وهي حق عام للمارّة جميعاً لا تخص شخصاً دون الآخر، وتضييق الطريق عليهم
      هو سلب لحقهم هذا، لذلك ينبغي إفساح الطريق أمامهم فلا يقف في الطريق بشكل
      يضيقها.

      وعن أمير المؤمنين في وصيته للإمام الحسن عليهما السلام:
      "إياك والجلوس في الطرقات"5.

      ومع ازدحام
      السيارات أصبحنا كثيراً ما نبتلى بمسائل الطريق وتضييقها على الناس، خصوصاً في
      المدن المزدحمة فعليك أن تحذر وتتجنب وضع سيارتك في مكان مزدحم فيضيق الطريق على
      الناس! ولا تحترم حقهم بالمرور بحرية، وحاول أن لا تفتح حديثاً عبر نافذة سيارتك مع
      شخص آخر وقد توقفت في منتصف الشارع، وحاول كذلك أن لا تنزل بضاعة تخصك على الرصيف
      الذي أعد لسلوك المارة... وغيرها من العوائق الكثيرة التي تضيق الطريق وتزاحم
      المارّة، وقد أمرنا بإزالتها.

      وكذلك لا تضع ما يعيق حركة المرور، بل من
      اللازم رفع أي شي‏ء يؤدي إلى أذية المارة وتعثرهم، وقد أعد الله (عز وجل) لمن يتحلى
      بهذا الأدب ويسهل عبور المارة أجرا عظيما كما جاء في الأحاديث الشريفة.

      فعن
      الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "دخل عبد الجنة بغصن من شوك كان
      على طريق المسلمين فأماطه
      6
      عنه
      "7.

      وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم:
      "إن على كل مسلم في كل يوم صدقه".

      قيل من يطيق ذلك؟ قال
      عليه السلام:"إماطتك الأذى عن الطريق
      صدقة
      "8.

      بل أمرنا أن نصلح الطريق، وإصلاحها جزاؤه رفع
      العذاب كما جاء في بعض الأحاديث الشريفة.

      روي عن رسول الله صلى الله عليه
      وآله وسلم:"مرَّ عيسى بن مريم عليه السلام بقبرٍ يعذب صاحبه ثم مر به من قابل فإذا
      هو ليس يعذب فقال يا رب مررت بهذا القبر عام أول وهو يعذب ومررت به العام وليس
      يعذب؟ فأوحى الله جل جلاله إليه: يا روح الله قد أدرك له ولد صالح فأصلح طريقا وآوى
      يتيما فغفرت له بما عمل ابنه"9.

      فلاحظ قيمة هذا العمل الذي تعدت
      بركته الابن لتصل إلى الأب المتوفي وكانت سبباً في رفع الذاب عنه!

      ومن خلال
      ما تقدم نعرف أن المؤمن يحمل هم الناس حتى الحجر من طريقهم والزجاج من طريق
      صغارهم...

    • 3- اجتناب ما ينافي المروءة



      هناك أمور لا تتناسب مع الشخصية
      المتزنة عرفا، والله تعالى يريد للمؤمن أن يكون متزنا في سلوكه واجتماعياته، ومن
      هنا أكد الشرع المقدس على جملة أمور ينبغي على المؤمن وضعها في محلها واجتنابها في
      الأماكن العامة سيما في الطرقات، حيث يعتبر فعلها في الطرقات منافياً
      للاتزان.

      من هذه الأمور
      تناول الطعام: حيث ورد كراهيته في
      الشارع.

      فعن الإمام الكاظم لما سئل عن السفلة، قال عليه السلام:
      "الذي يأكل في الأسواق".

      مضغ اللبان (العلك): لما فيه من
      استخفاف.

      ففي الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام: ".. والخذف
      بالحصى ومضغ الكندر في المجالس وعلى ظهر الطريق من عمل قوم
      لوط
      "10.


      القهقهة والضحك بصوت عالٍ:
      وقد وصفها أهل البيت عليهم السلام أنها
      من عمل الشيطان.

      ففي الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام: "القهقهة
      من الشيطان
      "11.

      وإنما ينبغي تركها حفظا لماء الوجه
      وبهاء المؤمن.

      ففي الحديث الآخر عنه عليه السلام: "كثرة الضحك تذهب
      بماء الوجه
      "12.


    • 4- خدمة المسافرين‏


      لقد أكد الإسلام على خدمة الناس وقضاء
      حوائج المؤمنين، والإنسان في السفر تكثر حاجاته المادية والمعنوية، نتيجة الإرهاق
      الجسدي الذي يعانيه في السفر والإرهاق المعنوي الذي قد يتعرض له خصوصاً مع وجود
      صحبة غير ملائمة في السفر، لذا يعتبر السفر من الحالات الاستثنائية التي يحتاج فيها
      الإنسان ليد تأخذ بيده وتمسح عناء الطريق عن جبينه، من هنا نجد الروايات تلفت
      أنظارنا نحو هؤلاء الناس وتحثنا على إعانتهم بما يمكن قربة لله تعالى سيما في
      الأسفار الطويلة وقد رتب الله سبحانه وتعالى على هذا العمل أجرا عظيما فوق ما
      يتصوره الإنسان.

      فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من بنى على
      ظهر طريق مأوى عابر سبيل بعثه الله يوم القيامة على نجيب من در وجوهر ووجهه يضي‏ء
      لأهل الجمع نورا حتى يزاحم إبراهيم الخليل في قبته، فيقول أهل الجمع: هذا ملك من
      الملائكة لم نر مثله قط، ودخل في شفاعته من أهل الجنة أربعون ألف ألف رجل، ومن حفر
      بئرا للماء حتى استنبط ماءها فبذلها للمسلمين كان له كأجر من توضأ منها وصلى وكان
      له بعدد كل شعرة لمن شرب منها من إنسان أو بهيمة أو سبع أو طير عتق ألف رقبة وورد
      حوض القدس يوم القيامة ودخل في شفاعته عدد النجوم
      ".

      فقيل يا رسول
      الله صلى الله عليه وآله وسلم وما حوض القدس؟

      قال صلى الله عليه وآله
      وسلم:"حوضي حوضي ثلاثاً"13.

      وفي الحديث عنه صلى
      الله عليه وآله وسلم:"من حفر بئرا أو حوضا في صحراء صلّت عليه ملائكة
      السماء، وكان له بكل من شرب منه من إنسان أو طير أو بهيمة ألف ألف حسنة متقبلة وألف
      رقبة من ولد إسماعيل وألف بدنة وكان حقا على الله أن يسكنه حظيرة
      القدس
      "14.
    • قال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].



      إن دين الإسلام، وهو الدين الكامل في أحكامه، الشامل في تشريعاته، قد هدى إلى أرقى الأخلاق، وأرشد إلى أكمل الآداب، ونهى عن مساوئ الأفعال ومستقبح الأقوال، وإن مما وجه إليه الإسلام من الفضائل والآداب العناية بأدب الحديث، وحسن المنطق، وحفظ اللسان عن اللغو وفضول الكلام، فلقد أكرم الله تعالى بني آدم، وميزهم عن سائر الحيوان بنعمة العقل والبيان، وامتن سبحانه وتعالى بهذه النعمة على خلقه بقوله: (أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَـانُ أَنَّا خَلَقْنَـاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مٌّبِينٌ) [يس:77].

      فحق هذه النعمة أن تُشكر ولا تكفَر، وأن يُراعى فيها ما يجب لله تعالى من حفظٍ عن الحرام، وصيانة عن الآثام، فإن اللسان من أعظم الجوارح أثرًا، وأشدها خطرًا، فإن استُعمل فيما يُرضي الحق، وينفع الخلق كان من أكبر أسباب السعادة والتوفيق لصاحبه في الدنيا والآخرة، وإن استعمل فيما يسخط الجبار، ويضر بالعباد ألحق بصحابه أكبر الأوزار، وأعظم الأضرار.
    • ولذا عُني الإسلام بأمر اللسان أيما عناية، فحث ربنا جل وعلا في محكم التنزيل وعلى لسان سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه على حفظ اللسان وصيانة المنطق، ومجانبة الفحش والبذاء، فقال جل وعلا: (وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَـانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَـانَ كَانَ لِلإِنْسَـانِ عَدُوّا مُّبِينًا) الإسراء: 53، ووصف الله عز وجل ذوي الإيمان وأرباب التقى بالإعراض عن اللغو، ومجانبة الباطل من القول، فقال عز شأنه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـاشِعُونَ وَلَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ) [المؤمنون: 1 ـ 3]، وقال سبحانه: (وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَا أَعْمَـالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـالُكُمْ سَلَـامٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى الْجَـاهِلِينَ) [القصص: 55].
    • فحفظ اللسان عن المآثم والحرام عنوانٌ على استقامة الدين وكمال الإيمان، كما في الحديث عند الإمام أحمد وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه))، بل إن جوارح الإنسان كلها مرتبطة باللسان في الاستقامة والاعوجاج، فقد روى الترمذي في سننه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفِّر اللسان، تقول : اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا))، قال الإمام النووي رحمه الله: "معنى ((تكفر اللسان)) أي: تذل له وتخضع".

      وإن حفظ المرء للسانه، وقلة كلامه عنوان أدبه، وزكاء نفسه، ورجحان عقله، كما قيل في مأثور الحكم: "إذا تم العقل نقص الكلام"، وقال بعض الحكماء: "كلام المرء بيان فضله، وترجمان عقله، فاقصره على الجميل، واقتصر منه على القليل".
    • وإن المسلم الواعي ليحمله عقله ويدفعه إيمانه إلى الاعتناء بحسن اللفظ وجميل المنطق حين يرى المقام يدعو إلى الكلام، وإلا آثر الصمت ولزم الكف طلبًا للسلامة من الإثم، عملا بتوجيه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في قوله: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)) أخرجاه في الصحيحين.

      فحسن التعبير عما يجول في النفس أدب رفيع، وخلق كريم، وجه الله تعالى إليه أهل الديانات السابقة، وأخذ عليهم به العهد والميثاق، فقال عز وجل: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـاقَ بَنِى إِسْرءيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْولِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَـامَى وَالْمَسَـاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة:83].

      وإن الطيِّب من القول ليجمل مع كل أحد من الناس، سواءٌ في ذلك الأصدقاء أو الأعداء، فهو مع الأصدقاء سببٌ لاستدامة الألفة والمودة، وأما حسن الكلام مع الأعداء فإنه مما يُذهب وحر الصدور، ويسلّ السخائم والضغائن، ويطفئ الخصومات كما قال سبحانه: (ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ) [فصلت: 34، 35].
    • إن للِّسان آفاتٍ عظيمةً، وإن للثرثرة وفضول الكلام مساوئ كثيرة، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التحذير من ذلك: (من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلَّ حياؤه، ومن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه، ومن قلَّ ورعه مات قلبه)، وقال بعض السلف: "أطول الناس شقاءً وأعظمهم بلاءً من ابتُلي بلسان منطلق وفؤاد منطبق".

      فمن الحزم والرشاد اجتناب فضول الكلام، وحفظ اللسان عن كل ما لا ينفع ولا يفيد في أمر دينٍ أو دنيا؛ إذ بهذا وصى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم أمته، وحثها عليه، فقد روى الترمذي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: ((كف عليك هذا)) وأشار صلى الله عليه وسلم إلى لسانه، فقال معاذ: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال صلى الله عليه وسلم: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكُبّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم؟!))، وروى الترمذي وغيره عن سفيان الثقفي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه، ثم قال: ((هذا)).

      ولأجل ذا كان سلف هذه الأمة وخيارُها يخشون خطر اللسان، ويحاذرونه غاية الحذر، فكان أبو بكر رضي الله عنه يخرج لسانه ويقول: (هذا الذي أوردني شر الموارد)، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (والله الذي لا إله غيره، ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان)، وقال عطاء بن أبي رباح رحمه الله: "أما يستحي أحدكم إذا نشرت صحيفته التي أملاها صدْرَ نهاره أن يكون أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه".
    • فاللسان حبل مرخي في يد الشيطان، يصرف صاحبه كيف يشاء إن لم يُلجمه بلجام التقوى، أما حين يطلق للسانه العنان، لينطق بكل ما يخطر له ببال، فإنه يورده موارد العطب والهلاك، ويوقعه في كبائر الإثم وعظيم الموبقات، من غيبة ونميمة، وكذب وافتراء، وفحش وبذاء، وتطاول على عباد الله، بل وربما أفضى بالبعض إلى أن يجرِّد لسانَه مِقراضًا للأعراض بكلمات تنضح بالسوء والفحشاء، وألفاظ تنهش نهشًا، فيسرف في التجني على عباد الله بالسخرية والاستهزاء، والتنقص والازدراء، وتعداد المعايب، والكشف عن المثالب، وتلفيق التهم والأكاذيب، وإشاعة الأباطيل، لا يحجزه عن ذلك دينٌ ولا يزعه عنه مروءة ولا حياء، كأنه لم يسمع قوله عز شأنه: (سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ) [آل عمران: 181]، وقوله عز وجل: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18] ، وأين هو من قوله عليه الصلاة والسلام: ((ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش ولا البذيء)) رواه الترمذي وحسنه، وروى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم)).
    • وإن البلاء ليعظم حين يُرى من عليه سِيما العلم والصلاح وهيئات الوقار والاحتشام ويُسْفر عن فُحش وبذاء، حتى لا يدع لصاحب فضل فضلاً، ولا لذي قدر قدرًا، يحمل عليهم الحملات الشعواء أحياءً وأمواتًا لزلة لسان، أو سَبق قلم، أو لموقف خاص معهم، وقد لا يكون شيء من ذلك، وإنما هو الحسد والبغي، أفلا حَجَزه عن ذلك عقلٌ وخلق، إن لم يمنعه دين وتقى؟! أولا يمنعه من ذلك ما يعلمه من عيوب نفسه وكثرة مثالبه؟! وقد قال بعض السلف لمن سمعه يقع في أعراض الناس: "قد استدللنا على كثرة عيوبك بما تُكثر من عيوب الناس".

      فاتقوا الله عباد الله، ولتحفظوا ألسنتكم، وسائر جوارحكم عما حرم الله تعالى عليكم، ولتتذكروا على الدوام قول الحق جل وعلا: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70، 71].

      نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب
      فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    • لباس النبي


      وكان غالب ما يلبس هو وأصحابه ما نسج من القطن وربما لبسوا ما نسج من الصوف والكتان وذكر الشيخ أبو إسحاق الأصبهاني بإسناد صحيح عن جابر بن أيوب قال دخل الصلت بن راشد على محمد بن سيرين وعليه جبة صوف وإزار صوف وعمامة صوف فاشمأز منه محمد وقال أظن أن أقواما يلبسون الصوف ويقولون قد لبسه عيسى ابن مريم وقد حدثني من لا أتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لبس الكتان والصوف والقطن وسنة نبينا أحق أن تتبع .

      ومقصود ابن سيرين بهذا أن أقواما يرون أن لبس الصوف دائما أفضل من غيره فيتحرونه ويمنعون أنفسهم من غيره وكذلك يتحرون زيا واحدا من الملابس ويتحرون رسوما وأوضاعا وهيئات يرون الخروج عنها منكرا وليس المنكر إلا التقيد بها والمحافظة عليها وترك الخروج عنها .

      [ السنة لبس ما تيسر ]


      والصواب أن أفضل الطرق طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم التي سنها وأمر بها ورغب فيها وداوم عليها وهي أن هديه في اللباس أن يلبس ما تيسر من اللباس من الصوف تارة والقطن تارة والكتان تارة .


    • [ولبس البرود اليمانية والبرد الأخضر ولبس الجبة والقباء والقميص والسراويل والإزار والرداء والخف والنعل وأرخى الذؤابة من خلفه تارة وتركها تارة . وكان يتلحى بالعمامة تحت الحنك . وكان إذا استجد ثوبا سماه باسمه وقال اللهم أنت كسوتني هذا القميص أو الرداء أو العمامة أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له وكان إذا لبس قميصه بدأ بميامنه . ولبس الشعر الأسود كما روى مسلم في صحيحه عن عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه مرط مرحل من شعر أسود

      وفي الصحيحين عن قتادة قلنا لأنس أي اللباس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال الحبرة . والحبرة برد من برود اليمن . فإن غالب لباسهم كان من نسج اليمن لأنها قريبة منهم وربما لبسوا ما يجلب من الشام ومصر كالقباطي المنسوجة من الكتان التي كانت تنسجها القبط .

      وفي سنن النسائي عن عائشة أنها جعلت للنبي صلى الله عليه وسلم بردة من صوف فلبسها فلما عرق فوجد ريح الصوف طرحها وكان يحب الريح الطيب .

      وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عباس قال لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل وفي سنن النسائي عن أبي رمثة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وعليه بردان أخضران . والبرد الأخضر هو الذي فيه خطوط خضر وهو كالحلة الحمراء سواء فمن فهم من الحلة الحمراء الأحمر البحت فينبغي أن يقول إن البرد الأخضر كان أخضر بحتا وهذا لا يقوله أحد .
    • وكانت مخدته صلى الله عليه وسلم من أدم حشوها ليف فالذين يمتنعون عما أباح الله من الملابس والمطاعم والمناكح تزهدا وتعبدا بإزائهم طائفة قابلوهم فلا يلبسون إلا أشرف الثياب ولا يأكلون إلا ألين الطعام فلا يرون لبس الخشن ولا أكله تكبرا وتجبرا وكلا الطائفتين هديه مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال بعض السلف كانوا يكرهون الشهرتين من الثياب العالي والمنخفض وفي السنن عن ابن عمر يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة ثم تلهب فيه النار وهذا لأنه قصد به الاختيال والفخر فعاقبه الله بنقيض ذلك فأذله كما عاقب من أطال ثيابه خيلاء بأن خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .

      وفي الصحيحين عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة وفي السنن عنه أيضا صلى الله عليه وسلم قال الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر شيئا منها خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة وفي السنن عن ابن عمر أيضا قال ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص وكذلك لبس الدنيء من الثياب يذم في موضع ويحمد في موضع فيذم إذا كان شهرة وخيلاء ويمدح إذا كان تواضعا واستكانة كما أن لبس الرفيع من الثياب يذم إذا كان تكبرا وفخرا وخيلاء ويمدح إذا كان تجملا وإظهارا لنعمة الله ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فقال رجل يا رسول الله إني أحب أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنة أفمن الكبر ذاك ؟ فقال لا إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس

      اللهم صلي وسلم عليه
    • [TD='width: 100%'] وفي السنة الحادية عشرة من البعثة النبوية الشريفة جاء
      جمع من أهل يثرب والذين سموا فيما بعد بـ(الأنصار) إلى مكة المكرمة لأداء مراسم
      الحج، فالتقوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ـ عقبة منى ـ فهداهم الله إلى
      الإسلام والتوحيد، فبايعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من صميم قلوبهم وعاهدوه
      أن يكونوا تبعاً له ولا يخالفون له أمراً..


      فأرسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم (مصعب بن
      عمير) ليقرأ لهم القرآن ويعلمهم مبادئ الإسلام..


      فأخبر مصعب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من
      المدينة: بأن أرض يثرب مناسبة للعيش فيها ولنشر الدعوة الإسلامية منها، وكل يوم
      يزداد عدد الذين يدخلون في الإسلام طوعا، من دون ضغوط أو تعذيب يواجهونه من
      المخالفين.


      فاستبشر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سيما وأن
      اليثربيين قد واعدوه: لو أن الله تعالى وحدهم بسببه فسيكون عزيز الجانب.

      [TD='width: 100%'] معاهدة العقبة الثانية
      [TD='width: 100%'] وفي السنة التي بعدها، أي السنة الثانية عشرة من
      البعثة المباركة، وهي سنة (622م) زاد عدد الزوار اليثربيين، وكان من بينهم (75) من
      المسلمين: (73) من الرجال و(2) من النساء، ودعوا رسول الله ان يهاجر اليهم.


      فوجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة أرضاً
      صالحة لإبلاغ دعوته السماوية، فعقد معاهدة مع اليثربيين على أن يكون المسلمون في
      أمان دون أن يلحقهم أذى المشركين واضطهادهم إن لجئوا إليهم.


      فأخذ (البرآء بن معرور) يد النبي (صلى الله عليه وآله
      وسلم) وقال: والذي بعثك بالحق لندافعن عنك كما ندافع عن أنفسنا وأهلنا، يا رسول
      الله! فنحن رجال حرب مجربون، وهذا سلاحنا الذي بأيدينا قد ورثناه من آبائنا جيلاً
      بعد جيل.


      ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): انتخبوا منكم اثني
      عشر رجلا لينظروا في مشاكلكم، ورأيهم يكون حجة لكم.


      فحضر ممثلو الأنصار وكان تسعة منهم من خزرج وثلاثة من
      الأوس عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأسماؤهم مسجلة في التاريخ.. فكانت
      بيعة العقبة الثانية.

      [TD='width: 100%'] إحكام الدولة الإسلامية وسياستها الداخلية
      [TD='width: 100%'] فانه بعد أن ساعدت أرضية العمل، تمكن رسول الله (صلى
      الله عليه وآله وسلم) بأسرع وقت، أن يجعل من المدينة قاعدة اجتماعية نظامية ومذهبية
      محكمة، وكان المقصود من ذلك استمرار نظام سياسي قوي قائم على أساس الإسلام في شبه
      الجزيرة، ثم إلى العالم.


      ومن هذا المنطلق كانت المدينة المنورة قوة معنوية
      وسياسية لجزيرة العرب سطع منها نفوذ الإسلام ليشع نوره إلى العالم الخارجي.

      قيادة النبي
      بيعة العقبة


    • [TD='width: 100%']
      رجل
      السياسة والحرب
      [TD='width: 100%']
      لم يكن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) نبياً
      ومصلحاً اجتماعياً وداعياً الناس إلى الاعتقاد برسالته فحسب، بل كان في نفس الوقت
      رجلاً سياسياً وعسكرياً أيضاً، وبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)القمة في
      التفكير السياسي والاجتماعي والإداري..


      ودعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كسائر دعوات
      التوحيد والمصلحين الاجتماعيين نفذت إلى القلوب، بل كانت اقوى من جميعها، ولم يكن
      (صلى الله عليه وآله وسلم) قد استقل قدرته وجرد سيفه ليستفيد به، بل كان همه الوحيد
      تحرير عقل الإنسان وكسر الأصنام والأوثان التي يتقرب إليها ويعتقد بها كإله، كما
      وصفه القرآن الحكيم: ) ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم)(1).


      ولم يكن المسلمون في ابتداء الدعوة الإسلامية قد
      حاربوا وجردوا سيوفهم حتى في الدفاع عن الإسلام، بل كانوا يتحملون مختلف أساليب
      التعذيب والاعتداءات عليهم، وليس لهم إلا الصبر على ذلك، فمنهم: من هاجر إلى
      الحبشة، ومنهم: من كان يتحمل عذاب قريش، ولما تجاوز المشركون حدودهم، أمر الله
      سبحانه المسلمين أن يجاهدوهم ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) (2)، مع العلم أن حروب المسلمين كلها كانت
      دفاعية.


      وكل الحروب الدفاعية سواء كانت مع قريش أو اليهود أو
      الروم كانت لأجل رد الاعتداء حتى أن في غزوة تبوك بعد أن تيقن النبي (صلى الله عليه
      وآله وسلم) من رجوع الروم، أمر جنود المسلمين بالرجوع إلى المدينة على الرغم من
      تحمل الأذى والمصارف الكثيرة.


      وخاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زعماء
      القبائل والملوك والأمراء وأصحاب النفوذ، وأرسل مبعوثيه إليهم يدعوهم إلى الدخول في
      الإسلام وقبول دعوته، فلم يستجب أحد منهم لندائه إلا ما كان من النجاشي، وقد ثبت
      بالتجربة ان الذين امتنعوا من قبول الدعوة الإسلامية هم المستبدين من أصحاب النفوذ
      والقدرة والسلطة، وليس أصحاب الفكر، فحرب القوة بالقوة هي غير حرب الفكر بالقوة،
      وهذان ليس بينهما ارتباط.


      فالدولة التي قام مخالفوها ضدها بحمل السلاح أو ما
      أشبه كان عليها الدفاع، وهذا القانون هو حكم العقل و صرح به القرآن الشريف: (
      وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على
      الظالمين) (3) وهذا القانون هو نفس
      دستور القرآن في مكان آخر: ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن
      بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا
      بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) (4).


      وفي كلتا الحالتين، يكون حمل السلاح للدفاع طريقاً لا
      مفر منه إذا تعذرت المحاولات، وفشلت السبل، في إنهاء الظلم والتعدي.


      فالاسلام دين سياسي أيضاً ويدعو كافة الامم الى ندائه
      الرباني، بخلاف اليهودية أو الدين الإسرائيلي كما يظهر من اسمه فانه ينحصر في
      التعصب القومي لبني إسرائيل لإقامة الدولة، وتغلب على بني إسرائيل التنفر الشديد من
      دخول أبناء الأمم الأخرى غير الإسرائيليين في المجتمع اليهودي.


      وكذلك بالنسبة للمسيحية فهي دين أخلاقي فقط كما هو
      ثابت عند المسيحيين وأنها لا تتدخل في المسائل الاجتماعية والسياسية والمعاملات،
      فالمسيحية ظهرت على أرض فلسطين، وبرزت إلى الوجود في وقت كان فيه الاستعمار
      الروماني مقتدراً، ولم تكن للمسيحية من القوة لمقاومة الدولة الظالمة بالطرق
      العادية، ولذا قيل إن المسيح (عليه السلام) كان لا يتدخل في شؤون الحكومة الدنيوية،
      بل كان يؤكد على أن ملكوت الله في السماء، واللازم على المسيحية أن يطلبوها فقط،
      كما قالوا: (ما لله لله وما للقيصر لقيصر) هكذا يقول المسيحيون.


      أما الإسلام فقد ظهر وبرز إلى الوجود في أرض استاء منه
      وغضب عليه حتى الدول المجاورة واعتبروه تصرفاً في حقهم، مع أن ظهور الإسلام وبعثة
      النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت لإصلاح الحياة وإقامة الروابط الاقتصادية
      العادلة واستقرار الأمن والنظام، ولو لم يكن ذلك لما استطاع أن ينفذ إليهم ويحكم
      فيهم، خصوصاً مع وجود النظام الجاهلي للعرب، ومجاورة دولتين عظيمتين لشبه الجزيرة:
      كإيران والروم.


      فلم تكن سلطة الإسلام في كل الدول سلطة جائرة
      (طاغوتية)، ولم يكن مانع لانتشاره بل كان دينا يطابق الفطرة.. ومثله كالنور في
      الظلام، فقد أضاء القلوب.


      هكذا كانت سياسة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في
      صدر الإسلام، وكذلك في انتشاره في العالم، فكان نفوذ الإسلام في جنوب شرقي آسيا
      ودولة الهند بشكل طبيعي ـ باعتراف جميع المؤرخين من مسلمين وغير مسلمين ـ فلم ينفذ
      إلى تلك البقعة الواسعة بحد السيوف أو بسلاح آخر.


      وقد كتب نهرو في كتاب "نظرة في تاريخ العالم" يقول:


      كان للعرب المسلمين في الهند ذهاب وإياب، فقد بنوا
      المساجد، وأحياناً يبلّغون لمذهبهم عن طريق الوعظ، وحتى في بعض الأوقات يدخل غيرهم
      في معتقدهم ومذهبهم، كما لا يخفى، ولم تحصل أي مخالفة لهذا الدين الجديد قطعاً، ولم
      يكن ثمة تصادم ونزاع بين دين الهند والإسلام في ذلك الزمان، وهذه النقطة جديرة
      بالاهتمام والذكر، وبعدها حصل التنازع وعدم الارتياح بين المذهبين.


      وقد ذكرنا في كتاب (كيف انتشر الإسلام): إن الإسلام
      دخل غالب البلاد بالتبليغ لا بالسيف.


      فكان نفوذ الإسلام في شرق آسيا سلمياً، وكان عن طريق
      التبليغ من قبل تجار المسلمين ومن أشبه، حيث أوجدوا المساجد، والمراكز التعليمية،
      والمدارس وما أشبه.


      وقد جاء في تاريخ إندونيسيا:


      أنه قدم تجار المسلمين إلى إندونيسيا في القرن الثالث
      عشر الميلادي من كجرات وفارس، وعقدوا روابط تجارية بين الهند وفارس وإندونيسيا، ومن
      طريق الروابط التجارية بدأ مذهب الإسلام ينفذ وينتشر بين المجتمع الإندونيسي خصوصاً
      في سواحل جاوة، مثل: دماك.


      وفي المراحل التي بعدها توسع نفوذ المسلمين حتى رغب
      ملوك الهند وإندونيسيا وغيرها في قبول دين الإسلام، وأول من اعتنق الإسلام سلطان
      دماك، فدعا إلى الإسلام في شرق وغرب إندونيسيا وجزائر جاوة، ونفذ الإسلام في شرق
      إندونيسيا حتى الساحل الشمالي لجاوة، بل شمل حدود كري سيك، وتقدم الإسلام في غرب
      منطقة تامركز كايربن وبنتن، وبعدها اجتاح سائر الجزائر الإندونيسية حتى أصبحت
      إندونيسيا اليوم كبرى الدول الإسلامية في تعداد نفوسها(5).


    • [TD='width: 100%']كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في إدارة الحرب
      يكره الاستبداد في الرأي، وكان يقوم باستشارة أصحابه، فالاستشارة والمشورة إحدى
      علامات القائد المناسب والمدير اللائق الذي يتبادل وجهات النظر مع أصحابه أهل الفكر
      والخبرة في شأن من شؤون مصالح الأمة مما يعود بالنفع عليها.


      وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الشجاعة الذاتية،
      فمثل هذا القائد اللائق يستطيع أن يجعل ـ وفي كل زمان ـ من الطاقات الفكرية
      والجسمية والعاطفية حشوداً عسكرية..


      مع ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان معصوماً
      ومربوطاً بالسماء وغير محتاج إلى المشورة لكنه كان يستشير ليعلّم المسلمين طريق
      النجاح في مختلف شؤونهم، ولكي يرسم أسلوب الحكومة الصحيحة الاسلامية.


      ففي معركة الخندق عندما تحالفت قريش مع يهود بني
      قريظة، أمر (صلى الله عليه وآله سلم) بحفر خندق حول المدينة المنورة وذلك
      بإشارة من سلمان الفارسي (رضوان الله عليه) فانتصر المسلمون على الكفار والمشركين
      بعدما قتل الإمام علي (عليه السلام) عمرو بن عبد ود العامري حيث قال (صلى الله عليه
      وآله وسلم): (ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين)(6).


      ثم حاصروا اليهود الذين نقضوا عهدهم مع رسول الله (صلى
      الله عليه وآله وسلم) ‎وغدروا به وبالمسلمين، وبعد ثلاثة أيام من محاصرة اليهود،
      اجتمعوا في بيت بإشارة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وبعد ذلك
      وبحكم سعد بن معاذ ممثل الأنصار، وانتخاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حكماً
      بشأن بني قريظة، قد تم العفو عن أكثرهم، وقيل: إنهم رضوا بحكم سعد بن معاذ فحكم
      بقتل بعضهم وكانوا قليلين جدا(7).


      الإدارة العسكرية والتكتيك
      الحربي لنبي الإسلام (ص)


    • [TABLE='width: 90%']
      [TR]
      [TD]رسول الله (ص) والقوة الإيمانية
      والمعنوية للجند
      [/TD]
      [/TR]
      [TR]
      [TD]كان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) يعتمد اعتماداً كاملاً على القوة الإيمانية في إدارته الحكيمة لجند الإسلام، وغالباً كانت نسبة القوة المعنوية للجند أكثر بكثير من القوة المادية والعسكرية، كما قال سبحانه: ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) (8).
      والمسلمون كانوا يربحون المعركة مع قلة عددهم وما كان ذلك إلا لدافع الإيمان المتأصل في القلوب، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة، بقوله تعالى: ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) (9).
      وفي معركة أحد، ولأجل وقف زحف العدو من الوراء، تطوع خمسون مسلماً بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمراقبة الطريق، فقال لهم (صلى الله عليه وآله وسلم): احموا ظهورنا، لأننا نخشى ان فاجئنا العدو من الخلف، ولا تتركوا مكانكم، حتى لو قتلونا.. لا نريد أن تدافعوا عنا، وكل ما نرجوه منكم هو ضرب خيول العدو بالسهام، لأن الخيل لو ضربت بالسهام لم تقم على أقدامها(10)، ولكن بعصيان بعض المسلمين هذا الأمر العسكري، هاجمهم العدو من الخلف وقتلوا كثيراً من المسلمين كما قُتل حمزة سيد الشهداء عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وان تدارك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمر حتى انتهت الحرب بانتصار المسلمين وهزيمة الكفار..
      وفي بعض الأحيان كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يصدر أمراً للحرب بشكل سري، وكنموذج على ذلك إرسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عبد الله ابن جحش مع خطاب ليرصد القوافل التجارية لقريش، وأمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بقراءة الخطاب بعد يومين من التحرك، وكان مكتوباً في الرسالة:
      (سر حتى تأتي بطن نخلة على اسم الله وبركته، ولا تكرهن أحداً من أصحابك على المسير معك، وامض فيمن تبعك حتى تأتي بطن نخلة فترصد بها قريش وتعلم لنا من أخبارهم).
      ولا يخفى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه السرية قابل بالمثل فحيث ضرب قريش الحصار الاقتصادي حول المدينة أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حرب الحصار الاقتصادي على المشركين لصدهم عن أمثال ذلك.
      [/TD]
      [/TR]
      [/TABLE]
    • [TD='width: 100%']
      من خطط
      الرسول(ص) العسكرية
      [TD='width: 100%']
      يوجد من بين الأهداف العسكرية في الحرب شيئان مهمان،
      لابد من الإشارة إليهما.


      1: امتناع العدو والناس
      بإحقاق حقهم وإثباته، وهذا المطلب قد أكد عليه القرآن الكريم والسنة الشريفة في
      حقانية الحروب الإسلامية.


      2: إضعاف العدو عن طريق
      الحرب النفسية، وإيجاد الاختلاف بينه.


      وقد أقدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على إعمال
      هذا الطريق، بإضعاف العدو بواسطة أحد المسلمين، فقد ورد في التاريخ: أن نعيم بن
      مسعود الغطفاني جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: يا رسول الله إني قد
      أسلمت، ولم يكن أحد من قومي مطلعاً بذلك، وأنا مستعد للقيام بأي عمل تأمرني
      به.


      فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أنت رجل
      واحد، فلو قدرت أن تأتي العدو، وتقع بينهم، وتفرق شملهم، فإن الحرب خدعة.


      فجاء نعيم إلى بني قريظة، وكان نديماً لهم أيام
      الجاهلية، ويستأنس بهم، فقال لهم: يا بني قريظة! تعرفون جيدا إني احبكم، وكيف إن
      الصداقة تتحكم بيننا.


      فقال بنو قريظة: صحيح ما تقوله، نعرفك جيدا بصداقتك
      لنا وحسن نيتك.


      فقال نعيم: إن قريش وغطفان ـ الذين تحالفا مع بني
      قريظة في غزوة الأحزاب ـ لم يكونا مثلكم، المدينة مدينتكم، وجميع أموالكم وأولادكم
      ونسائكم موجودون في المدينة وتحت سيطرة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)،ولم
      تستطيعوا أن تنتقلوا إلى مكان غيره، وهذه قريش وغطفان جاءتا لحرب محمد (صلى الله
      عليه وآله وسلم)، وانتم تصاحبونهم في هذه الحرب، ولكن أموالهم ونسائهم في مكان آخر
      ـ أي في مكة ـ ، فهدف هؤلاء غير ما تصبون إليه، فلو انتصروا في هذه الحرب على محمد
      (صلى الله عليه وآله وسلم) بلغوا ما يصبون إليه وتتطلع إليه آمالهم، وأما لو
      انهزموا واندحروا فيعودون إلى وطنهم، فعندها تبقون انتم ومحمد (صلى الله عليه وآله
      وسلم)، ولم تتمكنوا من قتاله وهو لم يترك قتالكم، فيلزم أن يكون تحت اختياركم بعض
      الأشخاص من قريش والمتحالفين معكم بصفة رهائن حتى لا يفروا في قتال محمد (صلى الله
      عليه وآله وسلم) حتى يلحقوا الهزيمة به.


      فأجابه بنو قريظة: نِعم ما أشرت به علينا، وهو الأصلح
      لنا، فوقع اقتراح نعيم في بني قريظة موقع الرضا والتأثير.


      ثم جاء نعيم إلى قريش وقال لأبي سفيان ورؤساء قريش:
      أنتم تعلمون جيدا بأنني أحبكم وقد افترقت عن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أنا
      على علم واطلاع بخبر وأرى أن أعرضه عليكم لما يقتضيه واجب الصداقة بيننا، وأريد
      منكم أن تحتفظوا بهذا السر وألا تكشفونه لأحد.


      فقالت قريش: سنفعل.

      فقال نعيم: ألم تعلموا أن اليهود قد أصابهم الندم في
      تصميمهم لحرب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فبعثوا إليه أحدا يبدون له ندمهم
      وليطلعه بذلك، وأوعدوه بأن يأخذوا بعضا من زعماء قريش ويسلمونهم لمحمد (صلى الله
      عليه وآله وسلم) ليقتلهم، ثم يتحالفون معه ضد قريش، وقد وافق محمد (صلى الله عليه
      وآله وسلم) على هذا الاقتراح، فلو جاءكم اليهود وطلبوا رهائن فلا تسلمونهم ولا شخصا
      واحدا.


      ثم جاء نعيم إلى غطفان وقال لهم: يا بني غطفان أنتم
      أصلي وعشيرتي وقومي وأقربائي وأحب الناس إليّ، وأنا مطمئن من عدم اتهامي وتقدرون
      صداقتي.


      فقال له بنو غطفان: صحيح ما تقوله وأنت رجل صادق.


      فقال نعيم: اكتموا هذا الأمر.


      فقال بنو غطفان: ماذا نفعل؟ ما الذي عندك؟


      فقال نعيم الكلام الذي قاله لقريش بأن يحذروا من تسليم
      الرهائن لليهود، وأكده على بني غطفان وحذرهم من التحويل.


      وفي ليلة السبت الخامس من شوال أرسل أبو سفيان ورؤساء
      غطفان عكرمة بن أبي جهل مع عدة من أصحابهم إلى اليهود وقالوا لهم: إلى متى نصبر؟
      وجميع الحيوانات هلكت، وغداً يصادف السبت فتهيؤوا حتى نجابه محمداً (صلى الله عليه
      وآله وسلم) ونصفي حسابنا معه، ونحل مشكلاتكم ومشكلاتنا.


      فأرسلت بنو قريظة هيئةً إلى أرسلت بنو قريظة هيئ


      قريش وقالت لها: إن غداً يصادف السبت وهو يوم عطلة
      اليهود، ونحن في يوم السبت لا نعمل أي عمل كان، ولنا شرط معكم وهو أننا لن نحارب
      محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى تضعوا عدة من رجالكم تحت تصرفنا بصفة رهائن،
      فنحن نخشى أنه لو أضرت بكم الحرب ان ترجعوا إلى دياركم وتتركونا لوحدنا مع محمد
      (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحن لا نتمكن من مقاومته.


      فلما وصل خطاب بني قريظة إلى قريش وغطفان،
      قالوا:والله، لقد صدق نعيم بن مسعود بما قاله لنا..


      ثم بعد ذلك أرسلوا خطاباً إلى بني قريظة جاء فيه: نحن
      غير مستعدين بأن ندفع لكم رجلاً واحداً كرهينة، وإذا صح ما تقولونه فاستعدوا غداً
      للحرب.


      فلما وصل خطاب قريش إلى بني قريظة قالوا: إن كلام نعيم
      بن مسعود كان صحيحاً، وتريد قريش انتهاز الفرصة، وتتركنا لوحدنا، وتفر من الحرب
      وتعود إلى ديارها، وتتركنا مع محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لوحدنا ونحن لا نقدر
      على مقاومة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).


      وبهذه الخدعة الحربية تفككت جهة أعداء المسلمين ووقع
      الخلاف بينهم، فكان سبباً في انتصار المسلمين وعاملاً لعدم إراقة كثير من
      الدماء.


      ومن جهة أخرى سلط الله الرياح والمطر في ليلة قارصة
      على قريش ـ وهذا كان من الإمداد الغيبي ـ حتى تقطعت حبال الخيم، وسقطت القدور من
      على النار، حتى صممت قريش على الفرار والعودة إلى مكة بأسرع وقت.


      وبهذه الطريقة استطاع رسول الله (صلى الله عليه وآله
      وسلم) أن يفرق قوة العدو، ليعود إلى المدينة بأقل الخسائر في الأرواح.


      والأهم من هذا كله أن رسول الله (صلى الله عليه وآله
      وسلم) كان قائداً محنكا، وكان يشرف إشرافاً مباشراً على كل الخطط الحربية وقادة
      الحرس والأشخاص، بالاضافة الى استشارته في الأمور، ففي معركة (مؤتة) وعلى إثر قتل
      السفير الإسلامي الحارث الغساني القائد العام للشامات، أراد النبي (صلى الله عليه
      وآله وسلم) أن تتقوى الدعوة الإسلامية في أرض الشام، فقام ابتداء بتعيين جعفر بن
      أبي طالب (عليه السلام) قائداً للحرس وفي حالة استشهاده يتولى الأمر زيد بن حارثة،
      وعند استشهاده يتولى القيادة عبد الله بن رواحة، وبعده أيّ أحد كان قد دخل الإسلام
      ورضي به الجيش، وقد أوصى جنود الإسلام بهذه الوصية:


      (بسم الله.. جاهدوا عدو الله وعدوكم الموجودين في أرض
      الشام، راعوا الآداب مع المسيحية الرهــبان الــــذين يعيشـــون بمنأى عن الناس،
      ولا تتدخلوا في أمورهم، لا تقتلوا النساء والأطفال والشيوخ، لا تقطعوا النخل
      والأشجار،ولا تدخلوا البيوت)(11).


      ثم تحرك الجنود وشرعوا في السفر إلى الشام للمقاومة
      والعمل بما جاء في الوصية وهكذا عملوا وأدخلوا الرعب في قلوب الروم.


    • [TD='width: 100%']
      أمره(ص)
      بتطهير المدينة

      من قوى
      التحالف اليهودي
      [TD='width: 100%']
      لقد علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أهل
      مكة بعد غزوة بدر لا تصبر على قتلاها، بل لابد من الانتقام ثأراً للدماء، فلهذا
      السبب لابد من مواجهة الخطر المترقب بتقوية البنية الدفاعية والسياسية.


      ومن جانب آخر: اليهود في العداوة والتزوير والختل
      والمراوغة لم يشهد التاريخ مثله، فقد حشدت عناصرها في المدينة وتوابعها‎.


      كما أن الخطة الخماسية لقريش لا تخفى عن الأنظار لابد
      من الإيفاء والقيام بالهجوم، وضرب الإسلام بخنجر في الظهر، فلابد من إيجاد حل مناسب
      لهذه المشكلة.


      هذا وقد نقض يهود بني قينقاع عهودهم، والذي جرأهم على
      ذلك هو سكوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على مثل هذا الوضع، فظنوا أن هذا
      اعتراف رسمي بالهزيمة والفشل، فأصدر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمراً
      بمحاصرتهم، فبقوا خمسة عشر يوماً محبوسين في بيوتهم، مما أدى إلى توسط المنافق
      المعروف ـ عبد الله بن أبيّ ـ فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعفو عنهم
      على أن يتركوا المدينة جميعهم، وكان هذا أخف من الانتقام والذي كان متعارفاً إلى
      ذلك الحين.


      فقتل إنسانين إهانة صريحة بالمسلمين لم تغسلها إلا
      الدماء في نظر العرب المسلمين الذين اقتضت فطرتهم الصحراوية أن يكون الناموس شرفاً
      ومكانة لا تدانى، فالأعراض مصونة وهي أعز عندهم من النفس، وربما تحصل المشاجرات
      والحروب ولسنوات طويلة بين قبيلتين لهذا السبب، وهذا الموضوع لا يخفى على كل من
      طالع تاريخ العرب، ولكن في هذا المجال قد صرف النظر.


      والملاحظة الأخرى التي تدخل في صلب هذا الموضوع هو أن
      اليهود أهانوا إهانة قبيحة امرأة مسلمة، وكان لها الأثر السيء في نفوس العرب
      المسلمين(12).