"أحيوا سنته"


    • 2- الأدلة من السنة :


      أما لفظ الشكر في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم
      فروى البخاري(ج 1 ص 75)
      عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا رأى
      كلبا يأكل الثرى من العطش فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه فشكر الله له
      فأدخله الجنة

      وعن أبي هريرة كذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
      بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له ثم قال
      الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله وقال لو
      يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا عليه ولو
      يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو
      حبوا
      وروى مسلم في صحيحه (ج 4 ص 1761) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
      عليه وسلم قال: بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم
      خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل
      الذي كان بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب فشكر
      الله له فغفر له. قالوا يا رسول الله وإن لنا في هذه البهائم لأجرا ؟ فقال: في كل
      كبد رطبة أجر.
      وعنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما رجل يمشي
      بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له وقال الشهداء خمسة
      المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله عز وجل.

      وعن أبي
      هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل يمشي بطريق وجد
      غصن شوك فأخذه فشكر الله له فغفر له ) رواه البخاري)

      وعن النعمان بن بشير ‏
      ‏قال :‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏على هذه الأعواد ‏ ‏أو على هذا
      المنبر ‏ ‏من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله عز وجل
      والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر والجماعة رحمة والفرقة عذاب ‏
      ‏قال ‏ ‏فقال ‏
      ‏أبو أمامة الباهلي ‏ ‏عليكم بالسواد الأعظم قال فقال رجل ما السواد الأعظم فنادى ‏
      ‏أبو أمامة ‏ ‏هذه الآية التي في سورة ‏ ‏النور ‏ { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا
      عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ } [ النور: من
      الآية54]


    • أنواع الشكر:

      ذكر الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أنواع الشكر فقال :

      1- الشكر بالقلب:

      والشكر لله سبحانه على نعمة التوحيد وغيرها من النعم من
      أعظم الواجبات وأفضل القربات ، وهو يكون بقلبك محبة لله وتعظيما له ومحبة فيه
      وموالاة فيه . . . شوقا إلى لقائه وجناته ، فهو سبحانه العالي فوق خلقه والمستوي
      على عرشه استواءً يليق بجلاله وعظمته .
      ومن الشكر بالقلب لله أيضا محبة المؤمنين والمرسلين وتصديقهم
      فيما جاءوا به ولا سيما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنهم بلغوا الرسالة وأدوا
      الأمانة ، كما قال سبحانه : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ
      اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ }ومن الشكر بالقلب أيضا أن تعتقد
      جازما أن العبادة حق لله وحده ولا يستحقها أحد سواه .
      ومن الشكر لله بالقلب
      الخوف من الله ورجاؤه ومحبته حبا يحملك على أداء حقه وترك معصيته وأن تدعو إلى
      سبيله وتستقيم على ذلك .
      ومن ذلك الإخلاص له والإكثار من التسبيح والتحميد
      والتكبير .
      ومن الشكر بالقلب الإخلاص لله ومحبته والخوف منه ورجاؤه كما تقدم
      والشكر لله سبب للمزيد من النعم كما قال سبحانه : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ
      لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ومعنى تأذن : يعني أعلم عباده بذلك وأخبرهم
      أنهم إن شكروا زادهم وإن كفروا فعذابه شديد ، ومن عذابه أن يسلبهم النعمة ،
      ويعاجلهم بالعقوبة فيجعل بعد الصحة المرض وبعد الخصب الجدب وبعد الأمن الخوف وبعد
      الإسلام الكفر بالله عز وجل وبعد الطاعة المعصية .

      2- ومن الشكر أيضا الثناء


      باللسان وتكرار النطق بنعم الله والتحدث بها والثناء على الله والأمر بالمعروف
      والنهي عن المنكر فإن الشكر يكون باللسان والقلب والعمل. وهكذا شكر ما شرع الله من
      الأقوال يكون باللسان .

      3- وهناك نوع ثالث وهو الشكر بالعمل . . . بعمل الجوارح

      والقلب؛ ومن عمل الجوارح أداء الفرائض والمحافظة عليها كالصلاة والصيام والزكاة وحج
      بيت الله الحرام والجهاد في سبيل الله بالنفس والمال كما قال تعالى: { انْفِرُوا
      خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } الآية .
      فمن
      شكر الله عز وجل أن تستقيم على أمره وتحافظ على شكره حتى يزيدك من نعمه ، فإذا أبيت
      إلا كفران نعمه ومعصية أمره فإنك تتعرض بذلك لعذابه وغضبه ، وعذابه أنواع؛ بعضه في
      الدنيا وبعضه في الآخرة . اهـ كلام الشيخ رحمه الله

    • عقاب من ترك شكره تعالى :

      قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
      ومن عذابه في
      الدنيا : سلب النعم كما قال تعالى { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
      } وتسليط الأعداء وعذاب الآخرة أشد وأعظم كما قال سبحانه : {فَاذْكُرُونِي
      أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } وقال تعالى : {اعْمَلُوا آلَ
      دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } فأخبر سبحانه أن الشاكرين
      قليلون وأكثر الناس لا يشكرون .

      من أحوال الناس في الشكر :
      قال الشيخ
      ابن باز رحمه الله
      فأكثر الناس يتمتع بنعم الله ويتقلب فيها ولكنهم لا يشكرونها
      بل هم ساهون لاهون غافلون كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ
      وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ } فلا يتم
      الشكرإلا باللسان واليد والقلب جميعا. وبهذا المعنى يقول الشاعر :
      أفادتكم
      النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبا
      والمؤمن من شأنه أن يكون صبورا
      شكورا كما قال تعالى { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }
      فالمؤمن صبور على المصائب شكور على النعم ، صبور مع أخذه بالأسباب وتعاطيه الأسباب
      ، فإن الصبر لا يمنع الأسباب ، فلا يجزع من المرض ولكن لا مانع من الدواء .
      فلا
      يجزع من قلة المزرعة أو ما يصيبها ولكن يعالج المزرعة بما يزيل من أمراضها ، فالصبر
      لازم وواجب ، ولكن لا يمنع العلاج والأخذ بالأسباب .
      فالمؤمن يصبر على ما أصابه
      ويعلم أنه بقدر الله وله فيه الحكمة البالغة ويعلم أن الذنوب شرها عظيم وعواقبها
      وخيمة فيبادر بالتوبة من الذنوب والمعاصي .

    • قواعد الشكر:

      قال ابن القيم في مدارج السالكين الجزء 2، ص244:
      و الشكر
      مبني على خمس قواعد :
      خضوع الشاكر للمشكور
      وحبه له
      واعترافه
      بنعمته
      وثناؤه عليه بها
      وأن لا يستعملها فيما يكره.
      فهذه الخمس : هي أساس
      الشكر وبناؤه عليها

      حكمها :

      قال ابن القيم رحمه الله بعد ذكره
      للقواعد الخمس
      فمتى عدم منها واحدة : اختل من قواعد الشكر قاعدة.

    • أهمية تلك القواعد :

      قال ابن القيم رحمه الله
      وكل من تكلم في الشكر وحده
      فكلامه إليها يرجع وعليها يدور.

      فصل : وتكلم الناس في الفرق بين الحمد و
      الشكر أيهما أعلى وأفضل

      الفرق بينهما : أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه
      وأخص من جهة متعلقاته و الحمد أعم من جهة المتعلقات وأخص من جهة الأسباب
      ومعنى
      هذا : أن الشكر يكون : بالقلب خضوعا واستكانة وباللسان ثناء واعترافا وبالجوارح
      طاعة وانقيادا ومتعلقه : النعم دون الأوصاف الذاتية فلا يقال : شكرنا الله على
      حياته وسمعه وبصره وعلمه وهو المحمود عليها كما هو محمود على إحسانه وعدله والشكر
      يكون على الإحسان والنعم فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد من غير عكس وكل ما
      يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس فإن الشكر يقع بالجوارح والحمد يقع بالقلب
      واللسان
      كتاب مدارج السالكين، الجزء 2، صفحة 246.

      مقام الشكر :


      ومقام الشكر جامع لجميع مقامات الإيمان ولذلك كان أرفعها وأعلاها وهو فوق
      الرضا وهو يتضمن الصبر من غير عكس ويتضمن التوكل والإنابة والحب والإخبات والخشوع
      والرجاء فجميع المقامات مندرجة فيه لا يستحق صاحبه اسمه على الإطلاق إلا باستجماع
      المقامات له ولهذا كان الإيمان نصفين نصف صبر ونصف شكر والصبر داخل في الشكر فرجع
      الإيمان كله شكرا والشاكرون هم أقل العباد كما قال تعالى وقليل من عبادي
      الشكور
      كتاب مدارج السالكين، الجزء 1، صفحة 137.

      فصل: قال صاحب المنازل :
      الشكر : اسم لمعرفة النعمة لأنها السبيل إلى

      معرفة المنعم ولهذا سمى الله
      تعالى الإسلام والإيمان في القرآن : شكرا
      فمعرفة النعمة : ركن من أركان الشكر
      لا أنها جملة الشكر كما تقدم : أنه الاعتراف بها والثناء عليه بها والخضوع له
      ومحبته والعمل بما يرضيه فيها لكن لما كان معرفتها ركن الشكر الأعظم الذي يستحيل
      وجود الشكر بدونه : جعل أحدهما اسما للآخر قوله : لأنه السبيل إلى معرفة المنعم
      يعني أنه إذا عرف النعمة توصل بمعرفتها إلى معرفة المنعم بها وهذا من جهة معرفة
      كونها نعمة لا من أي جهة عرفها بها ومتى عرف المنعم أحبه وجد في طلبه فإن من عرف
      الله أحبه لا محالة ومن عرف الدنيا أبغضها لا محالة
      وعلى هذا : يكون قوله :
      الشكر اسم لمعرفة النعمة مستلزما لمعرفة المنعم ومعرفته تستلزم محبته ومحبته تستلزم
      شكره فيكون قد ذكر بعض أقسام الشكر باللفظ ونبه على سائرها باللزوم وهذا من أحسن
      اختصاره وكمال معرفته وتصوره رحمه الله إذ قال : ومعاني الشكر ثلاثة أشياء : معرفة
      النعمة ثم قبول النعمة ثم الثناء بها وهو أيضا من سبل العامة أما معرفتها : فهو
      إحضارها في الذهن ومشاهدتها وتمييزها فمعرفتها : تحصيلها ذهنا كما حصلت له خارجا إذ
      كثير من الناس تحسن إليه وهو لا يدري فلا يصح من هذا الشكر قوله : ثم قبول النعمة

      كتاب مدارج السالكين، الجزء 2، صفحة 247.

    • درجات الشكر :

      فصل قال : وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى : الشكر على
      المحاب

      وهذا شكر تشاركت فيه المسلمون واليهود والنصارى والمجوس ومن سعة
      رحمة الباري سبحانه : أن عده شكرا ووعد عليه الزيادة وأوجب فيه المثوبة إذا علمت
      حقيقة الشكر وأن جزء حقيقته : الاستعانة بنعم المنعم على طاعته ومرضاته : علمت
      اختصاص أهل الإسلام بهذه الدرجة وأن حقيقة الشكر على المحاب ليست لغيرهم
      نعم
      لغيرهم منها بعض أركانها وأجزائها كالاعتراف بالنعمة والثناء على المنعم بها فإن
      جميع الخلق في نعم الله وكل من أقر بالله ربا وتفرده بالخلق والإحسان فإنه يضيف
      نعمته إليه لكن الشأن في تمام حقيقة الشكر وهو الاستعانة بها على مرضاته وقد كتبت
      عائشة رضي الله عنها إلى معاوية رضي الله عنه إن أقل ما يجب للمنعم على من أنعم
      عليه : أن لا يجعل ما أنعم عليه سبيلا إلى معصيته .
      وقد عرف مراد الشيخ وهو أن
      هذا الشكر مشترك وهو الاعتراف بنعمه سبحانه والثناء عليه بها والإحسان إلى خلقه
      منها وهذا بلا شك يوجب حفظها عليهم والمزيد منها فهذا الجزء من الشكر مشترك وقد
      تكون ثمرته في الدنيا بعاجل الثواب وفي الآخرة : بتخفيف العقاب فإن النار دركات في
      العقوبة مختلفة
      كتاب مدارج السالكين، الجزء 2، صفحة 253.

      فصل قال :
      الدرجة الثانية : الشكر في المكاره وهذا ممن تستوى عنده

      الحالات : إظهارا
      للرضى وممن يميز بين الأحوال : لكظم الغيظ وستر الشكوى ورعاية الأدب وسلوك مسلك
      العلم وهذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة
      يعني أن الشكر على المكاره : أشد
      وأصعب من الشكر على المحاب ولهذا كان فوقه في الدرجة ولا يكون إلا من أحد رجلين :
      إما رجل لا يميز بين الحالات بل يستوي عنده المكروه والمحبوب فشكر هذا : إظهار منه
      للرضى بما نزل به وهذا مقام الرضى
      الرجل الثانى : من يميز بين الأحوال فهو لا
      يحب المكروه ولا يرضى بنزوله به فإذا نزل به مكروه شكر الله تعالى عليه فكان شكره
      كظما للغيظ الذي أصابه وسترا للشكوى ورعاية منه للأدب وسلوكا لمسلك العلم فإن العلم
      والأدب يأمران بشكر الله على السراء والضراء فهو يسلك بهذا الشكر مسلك العلم لأنه
      شاكر لله شكر من رضي بقضائه كحال الذي قبله فالذي قبله أرفع منه
      وإنما كان هذا
      الشاكر أول من يدعى إلى الجنة : لأنه قابل المكاره التي يقابلها أكثر الناس بالجزع
      والسخط وأوساطهم بالصبر وخاصتهم بالرضى فقابلها هو بأعلى من ذلك كله وهو الشكر فكان
      أسبقهم دخولا إلى الجنة وأول من يدعى منهم إليها
      وقسم أهل هذه الدرجة إلى قسمين
      : سابقين ومقربين بحسب انقسامهم إلى من يستوي عنده الحالات من المكروه والمحبوب فلا
      يؤثر أحدهما على الآخر بل قد فني بإيثاره ما يرضى له به ربه عما يرضاه هو لنفسه
      وإلى من يؤثر المحبوب ولكن إذا نزل به المكروه قابله بالشكر
      ( كتاب مدارج
      السالكين، الجزء 2، صفحة 254)

      فصل قال : الدرجة الثالثة : أن لا يشهد العبد
      إلا المنعم فإذا شهد
      المنعم عبودية : استعظم منه النعمة وإذا شهده حبا : استحلى
      منه الشدة وإذا شهده تفريدا لم يشهد منه نعمة ولا شدة
      هذه الدرجة يستغرق صاحبها
      بشهود المنعم عن النعمة فلا يتسع شهوده للمنعم ولغيره
      ( كتاب مدارج السالكين،
      الجزء 2، صفحة 255 ).
    • يكفيك حب الله عز
      وجل


      إن مما يتمناه كل مؤمن في هذه الدنيا التيقن من حب الله عز وجل ، فتجده في كل مواقف
      حياته يتلمس هذا الحب ويبحث عنه ، فإذا وقع في أمرٍ ما تدبّره وحاول الوقوف على
      خفاياه باحثاً دون ملل عن أثر حب الله له ، فإذا أصابته مصيبة صبر لله تعالى
      واستشعر لطف الله عز وجل فيها حيث كان يمكن أن يأتي وقعها أشد مما أتت عليه ، وإذا
      أصابته منحة خير وعطاء شكر الله سبحانه وتعالى خائفاً من أن يكون هذا العطاء
      استدراجاً منه عز وجل ، فقديماً قيل : " كل منحة وافقت هواك فهي محنة وكل محنة
      خالفت هواك فهي منحة ".
      لهذا فإن المؤمن في حال من الترقب والمحاسبة لا تكاد
      تفارقه في نهاره وليله، ففيما يظن الكافر أن عطاء الله إنما هو دليل محبة وتكريم ،
      يؤمن المسلم أن لا علاقة للمنع والعطاء بالحب والبغض لقول رسول الله صلى الله عليه
      وسلم : " إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لايحب ولا يعطي الدين إلا من يحب " رواه
      الترمذي .
    • بل إن حب الله لا يُستجلب إلا بمتابعة منهجه الذي ورد ذكره في القرآن الكريم والسنة
      النبوية الشريفة ، فإن اتباع هذا المنهج هو الذي يوصل إلى محبته تعالى : "لأن حقيقة
      المحبة لا تتم إلا بموالاة المحبوب ، وهي موافقته في ما يُحب ويُبغض ما يبغض ،
      والله يحب الإيمان والتقوى ويبغض الكفر والفسوق والعصيان " طب القلوب، ابن تيمية ،
      ص183.
      والوصول إلى محبة الله عز وجل يستوجب أيضاً أن يترافق حب العبد لله مع حبه
      لرسوله عليه الصلاة والسلام ، قال تعالى : " قل إن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم
      الله " آل عمران ، 31.
    • مراتب حب الله عز وجل


      إن حب الله لعباده هو على مراتب ودرجات متصلة بحب العبد لله ، فكلما زاد
      حب العبد لله ورسوله زاد حب الله عز وجل لهذا العبد ، وأول من يستحق هذا الحب هم
      أنبياء الله سبحانه وتعالى الذين جعلهم الله سبحانه وتعالى أخلاّءه فقال عز وجل :
      "واتخذ الله إبراهيم خليلاً " النساء ، 125.
      وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام
      : " إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً " أخرجه الحاكم .
      والخُلّة "
      اخصُّ من مطلق المحبة بحيث هي من كمالها ، وتخلّلها الحب حتى يكون المحبوب بها
      محبوباً لذاته لا شيء آخر " . طب القلوب ، ص229.
      ويأتي بعد ذلك حب المؤمنين وهم
      اولياء الله المتقين .
      ويتفاوت المؤمنون في هذا الحب بتفاوت أعمالهم التي تقربهم
      إلى الله عز وجل، قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي : " من تقرب إليّ شبراً تقربت
      إليه ذراعاً ، ومن تقرّب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً ، ومن أتاني يمشي أتيته
      هرولة " رواه البخاري .
    • وهذا التقرب يدرك العبد كيفيته بالإطلاع على أوامر الله ونواهيه ، فينفذ الأمر
      ويتجنب النهي ، ويترك المكروه ، كما يفعل المحبوب ، جاء في الحديث القدسي "وما تقرب
      إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه " .
      وقال عز وجل في تتمة هذا الحديث
      القدسي " ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي
      يسمع به وبصره الذي يبصر به " رواه البخاري .
      وقد عدّد القرآن الكريم الخصال
      التي تقرب المؤمنين إلى الله وتجعلهم يفوزون بحبه ، فورد في كتابه الكريم أنه
      سبحانه وتعالى يحب التوّابين ويحب المتطهّرين ، ويحب المتقين ، ويحب الصابرين ويحب
      المتوكلين ، ويحب المقسطين ، ويحب المحسنين...
      فعلى العبد أن ينمّي علاقته بربه
      وان يحاول جاهداً أن يتصف بالصفات التي تقربه منه عز وجل وتقوّي في نفسه محبته ،
      فإذا قوى هذه المحبة أصبح ممن يستحقون حب الله ورضوانه .
    • التماس حب الله عز وجل


      يستطيع المؤمن الذي اتخذ من القرآن والسنة منهجاً لحياته أن يتلمس أثر
      حب الله ورضاه في نفسه ، وذلك بطرق مختلفة اهمها رضاه عن الله عز وجل ، فمن كان
      راضياً عن الله عز وجل كان ذلك من أبلغ الدلائل على رضا الله عنه .
      وقد أكّد ابن
      قيم الجوزية ان العبد يستطيع أن يتلمس أثر حب الله في قلبه في مواطن عديدة منها
      :
      "
      الموطن الأول : عند أخذ المضجع حيث لا ينام إلا على ذكر من يحبه وشغل قلبه به
      .
      الموطن الثاني : عند انتباهه من النوم ، فأول شيء يسبق إلى قلبه ذكر
      محبوبه.
      الموطن الثالث : عند دخوله في الصلاة ، فإنها محكُ الأحوال وميزان الإيمان
      ... فلا شيء أهم عند المؤمن من الصلاة ، كأنه في سجن وغمّ حتى تحضر الصلاة ، فتجد
      قلبه قد انفسح وانشرح واستراح ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال : "يا بلال
      أرحنا بالصلاة ".
      الموطن الرابع
      :
      عند الشدائد والأهوال ، فإن القلب في هذا
      الموطن لا يذكر إلا أحب الأشياء إليه ولا يهرب إلا إلى محبوبه الأعظم عنده "
      .
      وتزداد الحاجة إلى الثبات في هذا الموطن الأخير لكون المؤمن أشد عرضة للبلاء
      من غيره من البشر ، خاصة إذا أراد أن يصل إلى الحب المتبادل بينه وبين الله عز وجل
      .
    • فوائد حب الله عز وجل


      إن أول فائدة تعود على المؤمن الذي يحبه الله عز وجل هي أن يجعله من
      عباده المخلصين ، فيصرف بذلك عنه السوء والفحشاء ، قال تعالى : " كذلك لنصرف عنه
      السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين " يوسف : 24.
      وهذا الإخلاص يحصل للمقربين
      الذين جاهدوا في الله حق جهاده ، أما المؤمن فينال من هذا الإخلاص على قدر قربه من
      الله ، إلا أن علامات حب الله عز وجل ان يجعل الله له المحبة في أهل الأرض ، جاء في
      صحيح مسلم تعليقاً على قوله تعالى : " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم
      الرحمن ودّاً " مريم ، 96. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية : "
      إذا أحب الله عبداً نادى جبريل : إني احببت فلاناً فأحبه فينادي في السماء ثم ينزل
      له المحبة في أهل الأرض "

      ومن فوائد حب الله عز وجل التي يجنبها المؤمن في
      الآخرة غفران الذنوب ، لقوله تعالى : " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله
      ويغفر لكم ذنوبكم " آل عمران ، 31.
    • ومنها الفوز والنجاة من عذاب يوم القيامة ، يروى انه سئل يعض العلماء أين تجد في
      القرآن ان الحبيب لا يعذب حبيبه ؟ فقال في قوله تعالى : " وَقَالَتْ الْيَهُودُ
      وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ
      بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ
      وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ " المائدة ، 18.
      لهذا أدرك علماء الإسلام اهمية حب
      الله عز وجل فكانوا يسألونه تعالى هذا الحب في دعائهم ، ومن أدعيتهم في هذا المجال
      : " اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك ، اللهم ما رزقتني مما
      احب فأجعله قوة لي فيما تحب ، وما زويت عني مما أحب فأجعله فراغاً لي فيما تحب ،
      اللهم اجعل حبك أحبّ إليّ من أهلي ومالي ومن الماء البارد على الظمأ ، اللهم حببني
      إلى ملائكتك وانبيائك ورسلك وعبادك الصالحين ، اللهم اجعلني أحبك بقلبي كله وأرضيك
      بجهدي كله ، اللهم اجعل حبي كله لك ، وسعيي كله من مرضاتك ".
      فليس بعد هذا
      الدعاء إلا التأكيد على أن من لم يكفه حب الله فلا شيء يكفيه ، ومن لم يستغن بالله
      فلا شيء يغنيه .
    • إسـبال الثياب

      فإن الله -تبارك وتعالى- قد أنعم على خلقه بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} سورة إبراهيم(34)؛ ومن هذه النعم التي أنعم الله بها على خلقه نعمة اللباس؛ يقول الله ممتناً على عباده: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} سورة الأعراف(26)، وقال تعالى في منافع ما خلق من الحيوانات وغيرها: {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ*وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ}سورة النحل(80-81). وقد جاءت النصوص الصحيحة الصريحة بإباحة جميع الألبسة إلا ما ورد الدليل بتحريمه لذاته، أو لأنه لبس على هيئة تخالف الصفة الشرعية؛ ومن ذلك إسبال الثياب، وقد جاءت نصوص السنة الصحيحة بتحريم إسبال الرجال للثياب، فمن ذلك ما جاء في الحديث:
      عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة). فقال أبو بكر: إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنك لن تصنع ذلك خُيلاء). وعند الإمام أحمد: عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من جر إزاره من الخيلاء لم ينظر الله عز وجل إليه يوم القيامة)
    • معاني المفردات :
      جر ثوبه: أطال ثوبه حتى جرَّه على الأرض. (خيلاء) أي كبرا وتبخترا.
      (يسترخي) يميل على الأرض، وسبب استرخائه نحافة جسم أبي بكر.
      (أتعاهد) من التعاهد، وهو بمعنى الحفظ الرعاية، أي أنه ينتبه لثوبه ويرفعه.
      شرح الحديث:
      للباس آداب إذا حافظ المسلم عليها فقد حافظ على جانب عظيم من الأخلاق؛ ومن تلكم الآداب: رفع الثياب عن الأرض، والاقتصاد في طولها وعرضها ولينها وثمنها.
      وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلبس من الثياب ما تيسر، إزار وقميص وجبة وعمامة ورداء، ويحب الأبيض من الثياب لنظافته، وخفة مؤنته، ولا يحرم غيره، ولا يبالي بلبس أسود ولا أحمر إلا الثياب المزعفرة والمعصفرة فيبغضها وينهى الصحابة عن لبسها، ولا يحرم من القماش إلا الحرير على الرجال فقط، وقد رخص فيه للحاجة، وأذن في القليل منه، وأباحه للنساء مطلقاً، وقال لأصحابه: "كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالط إسراف ولا مخيلة". وعد إسبال الثياب من الكبر، وحرم ما جاوز الكعبين.
      ودخل غلام على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعد ما طُعن، فهنأه بالشهادة وسابقته في الإسلام، ثم خرج من عنده وطرف إزاره يمس الأرض، فدعاه عمر وقال له: وهو يعالج سكرات الموت: يا غلام ارفع إزارك فإنه أتقى لربك، وأنقى لثوبك"
    • فهم خاطئ:

      لقد فهم بعض الناس نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإسراف، والغلو في اللباس؛ أن التجمل كله حرام، وصاحبه متكبر، وهذا ليس فهماً صحيحاً للأحاديث التي تنهى عن التكبر والتبختر في اللباس، بل المقصود هو ما بينه النبي -صلى الله عليه - حينما قال له أحد أصحابه: يا رسول الله إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسناً، فأقر ذلك، وأخبره أنه ليس من الكبر، وبين له ما هو الكبر، فقال: (الكبر بطر الحق، وغمط الناس).
      وقال الشاعر:
      والكبر غمط الناس والبطر الذي *** يودي بصاحبه فيهلك جائعاً
      ومن التجارب أن داء الكبر لو *** بلي الشديد به لأصبح مائعاً

    • لباس المرأة المسلمة

      ليس في الإسلام ما يدل على الاختصاص بلبس خاص، ولا حرج على أحد في أن يلبس ما شاء وكيفما شاء، إلا أنه يحرم تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال، ومن تشبه بقوم فهو منهم، وكان الصحابة يجتمعون وفيهم العاري والكاسي في حدود اللباس الشرعي والمعمم والأقرع والمنتعل والحافي، والمدهن والأشعث، ولا يعاب أحد على شيء من ذلك إلا النساء، فيجب عليهن ستر أبدانهن، وإخفاء زينتهن إلا ما ظهر منها، غير متبرجات بزينة، ولا متعرضات لفتنة.

      ودخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصح أن يرى منها إلا هذا) وأشار إلى وجهه وكفيه.
      وأمر أسامة بن زيد أن تجعل زوجته تحت ثوبها الرقيق غلالة تمنع من رؤية البشرة وحكاية حجم الأعضاء، ومن الشر والبلاء ما حصل اليوم من خروج المرأة عن الفضيلة، وتشبه المسلمة بغير المسلمة في السفور، وتبرج الجاهلية بالملابس الفاضحة القصيرة الشفافة المشار إليها بقول الشاعر:

      لبست من الأثواب ثوباً فاضحاً *** فغدت تميس بثوبها الشفاف
      يحكي عجيزتها ويحكي صدرها *** ويبين منها كل شيء خافي

      وقد أشار إلى ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا).

      فعلام تكونين أيتها المسلمة من أهل النار، وتخرجين عن آداب دينك، وتقاليد قومك بهذه الأزياء الخبيثة، والملابس الملعونة، وأنت العفيفة الطاهرة الظاهرة الصالحة القانتة الحافظة للغيب بما حفظ الله!

      وأنت أيضاً ترين النساء الهنديات، والصينيات واليابانيات وغيرهن متحفظات بعاداتهن، وكرامة قومهن وبلادهن، وإنما يجرف السيل ما خبث وخف، وليس إلا الشعوب الضعيفة المغلوبة على أمرها تسير وراء مدنية الغرب، وتقليد الأقوياء في

      النقائص والرذائل، ويجرفها السيل إلى البحر، وتدفعها الهمجية إلى الهاوية: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ} . سورة الرعد(17).

    • الإسبال في الثياب كبيرة من كبائر الذنوب

      إن الإسبال في الثياب تكبراً وفخراً وخيلاء أمر محرم شرعاً ومكروه طبعاً، بل إنه من كبائر الذنوب المتوعد صاحبها بالنار إن لم يتب منها في الحياة الدنيا، فإن مات مصراً على ذلك فهو تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، وقد عدها العلماء في الكبائر، وقد صرحت الأحاديث بالوعيد الشديد على ذلك؛ قال ابن حجر-رحمه الله-: "وفي هذه الأحاديث -وذلك بعد أن ذكر الأحاديث في ذلك- أن إسبال الإزار للخيلاء كبيرة، وأما الإسبال لغير الخيلاء فظاهر الأحاديث تحريمه أيضاً"
      وقد استند العلماء في عدهم لذلك من الكبائر إلى نصوص السنة الصحيحة؛ فعن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إِليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم). قال: فقرأها رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرار، قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول اللَّه؟ قال: (المسبل، والمنان، وَالمنفِّق سلعته بالحَلف الكاذب)
      وفي رواية: (المسبل إزاره). والمسبل: هو الذي يطول ثوبه ويرسله إلى الأرض كأنه يفعل ذلك تجبرا واختيالاً.

      وأما من لم يقصد الخيلاء فإنه قد ورد في حقه من العقوبة أنه يعذب بقدر ما نزل من الكعبين في النار؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار)
      ولم يقيد ذلك بالفخر والخيلاء بل أطلق..

      وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بحجزة سفيان بن أبي سهل، فقال: (يا سفيان لا تسبل إزارك فإن الله لا يحب المسبلين)
    • الرد على من جوز الإسبال من غير قصد الخيلاء

      أما من احتج بحديث أبي بكر السابق وما جاء في استرخاء ثوبه عليه؛ فيجاب عن ذلك بأنه ليس في هذه القصة حجة من وجهين:
      الأول: أن أبا بكر -رضي الله عنه- قال: "إِنَّ أحد شقي ثوبي يسترخي إِلاَّ أن أتعاهد ذلك منه" فهو لم يرخِ ثوبه اختيالاً منه، بل كان ذلك يسترخي ومع ذلك فهو يتعاهده، والذين يسبلون ويزعمون أنهم لم يقصدوا الخيلاء يرخون ثيابهم عن قصد فنقول لهم: إن قصدتم إنزال ثيابكم إلى أسفل من الكعبين بدون قصد الخيلاء عذبتم على ما نزل فقط بالنار،

      وإن جررتم ثيابَكم خيلاء عذبتم بما هو أعظم من ذلك لا يكلمكم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليكم، ولا يزكيكم، ولكم عذابٌ أليم..
      الوجه الثاني: أن أبا بكر -رضي الله عنه- زكَّاه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وشهد له أَنَّه ليس ممن يصنع ذلك خيلاء، فهل نال أحدٌ من هؤلاء تلك التزكية والشهادة؟ ولكن الشيطان يفتح لبعض النَّاس اتباع المتشابه من نصوص الكتاب والسنة، ليبرر لهم ما كانوا يعملون

      هل الإسبال يكون في الثوب فقط؟

      الإسبال ليس مقتصراً على الثوب فقط، بل يكون في الثوب وفي الإزار والقميص والعمامة؛ وما في معنى ذلك من الملابس؛ فعن ابن عمر-رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الإسبال في الإزار والقميص والعمامة؛ من جرّ شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة),وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ما قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في الإزار فهو في القميص.
    • حالات طول الثوب والإزار وقصره

      طول الثوب والإزار للرجل وقصره له أربع حالات:



      الحالة الأولى: أن يكون سنّة، وهو إلى نصف الساق.
      الحالة الثانية: أن يكون مباحاً، وهو ما تحت نصف الساق إلى الكعبين، وما تحت الركبتين إلى نصف الساق.
      الحالة الثالثة: أن يكون حراماً، وهو ما أسفل من الكعبين؛ لأنه منهي عنه بالنص، أو فوق الركبتين؛ لأنه يكشف العورة، وكشفها محرم.
      الحالة الرابعة: أن يكون أشد حرمة، وهو أن يجرّه خيلاء وكبرا وبطراً؛ ويدل على هذه الحالات ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: (إزْرَة المؤمن إلى نصف الساق، ولا حرج فيما بينه وبين الكعبين، ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، من جرّ إزاره بطراً لم ينظر الله إليه).

      بعض الفوائد المستفادة من الحديث:

      1.تحريم جر الثوب خيلاء، وجره إطالته تحت الكعبين، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار).
      2. أن الإسبال محرم مطلقاً سواء قصد به الخيلاء أو لم يقصدها به؛ لعموم الأدلة.
      3. أنه لابد على الإنسان من أن يتمسك بشرع الله، فلا يلبس إلا كما شرع الله، وإلا ما أحله الله..
      4.فضيلة ومنقبة لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- حيث شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بما ينافي ما يكره.. وغير ذلك من الفوائد.


      نسأل الله أن يوفقنا لطاعته، ويجنبنا معصيته، ويرزقنا التمسك بسنة نبيه، ويحبب إلينا الطاعة والسنة، ويكره إلينا المعصية والبدعة،

      صلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم

    • الرياضة البدنية في السنة النبوية

      كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب قوام جميل متين البنية قوي التركيب، وكان بنيانه الجسمي مثار إعجاب من حوله من الصحابة، ولا عجب فهو الأسوة الحسنة، الذي أرسله العلي القدير هادياً لنا في كل أمر من أمور الدنيا والآخرة.
      فكتب القاضي عياض في كتابه (الشفاء) يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان عظيم القدر، عظيم المنكبين، ضخم العظام، عبل العضدين والذراعين والأسافل، رحب الكفين والقدمين، ريعه القد، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير المتردد.
      ووصفه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: لم يكن بالطويل الممغط (البائن الطول)، ولا بالقصير المتردد، وكان ربعة من القوام (معتدل القامة)، ولم يكن بالجق القطط، ولا بالسبط، كان جعداً رجلاً ولم يكن بالمظهم (الفاحش السمنة)، ولا بالمكلثم (كثير اللحم)، وإذا مشى ينكفي تكفياً كأنما يحط من صبب (يميل في المشي إلى الأمام).
    • ذكر أبو هريرة رضي الله عنه وفي وصف مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
      «ما رأيت أحداً أسرع من رسول صلى الله عليه وسلم، كأنما الأرض تطوى له، إنا نجهد أنفسنا وهو غير مكترث».
      كما قال علي كرم الله وجهه كذلك في مشي النبي صلى الله عليه وسلم، إذا مشى تقلع (التقلع هو الارتفاع عن الأرض) كحال المنحط من الصبب وهي مشية أولي العزم والهمة والشجاعة، وهي أعدل المشيات وأروحها للأعضاء، وأبعدها من مشية الهوج لأن بها وقاراً من غير تكبر ولا تماوت لأنه صلى الله عليه وسلم كان كأنما ينحط من صبب وكأنما الأرض تطوى له.

    • وحين أعتمر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد صلح (الحديبية) بعام، كان قد رآهم كفار قريش يطوفون بالكعبة، فقالوا (مستهزئين) بالمسلمين: سيطوفون اليوم بالكعبة قوم نهكتهم حمى يثرب (المدينة)، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:
      « رحم الله امرئ أراهم من نفسه قوة، واضطبع بردائه (أي أدخل الرداء من تحت إبطه الأيمن، بحيث يبدي منكبه وعضده الأيمن)وكشف الرسول عن عضده الأيمن وقد فعل مثله شباب المسلمين في طوافهم حول الكعبة، ليرهبوا الكفار والمشركين بأجسامهم القوية وعضلاتهم المفتولة، والمعروف أن العضد الأيمن هو الأقوى في غالب الأحوال لدى الإنسان لأنه أكثر استخداماً من العضد الأيسر، ولعل هذا يفسر كشف العضد الأيمن، كما أن التيمن كان من شيم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
      ولقد أورد الشيخ محمد الغزالي ثلاث وقائع تدل على قوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
      *ذهب من مكة إلى الطائف ماشياً على قدميه، ولم يكن الطرق ممهداً كما هو الآن، بل وعراً، ومعروف عنه أنه يقع في منطقة كلها جبال وهضاب ومعنى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قد تسلق هذه الجبال في مسيرته تلك.
    • *مشى الرسول صلى الله عليه وسلم هو أصحابه (علي بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة) رضي الله عنهم أجمعين، ولم تكن هناك أي وسيلة نقل، فكانوا يتبادلون السير والركوب نظراً لوجود راحلة واحدة فقط، فكان اثنان يمشيان والآخر يركب، وفد خجلا الاثنان فكيف يركبان ويدعان النبي صلى الله عليه وسلم يمشي، فرفض النبي صلى الله عليه وسلم رفضاً باتاً بأن يستمر في الركوب، وقال إنكما لستم بأقدر مني على المشي ولا أنا بأغنى منكما على الأجر ... ومشى المسافة المقررة.

      *وفي غزوة الخندق كان يحفر الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، وعندما اعترضتهم صخرة ضخمة إذا عجزوا عن ضربها وتفتيتها، لجأوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاء إليها وضربها بمعوله ففتتها.


      حفلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة الشريفة بالمواقف والوقائع والأحداث والأقوال التي تشهد بمكانة الرياضة والنشاط البدني في الإسلام. فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قوياً يحب القوة ولا عجب، فالإسلام دين قوة وغلبة فضلاً عن كونه شريعة ودستور حياة.
      يقول الشيخ إبراهيم البرك أن هذا الدين العظيم بقرآنه الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لم يترك أمراً من أمور الدين والدنيا إلا ونبهنا إلى أوجه الخير فيه لنتبعها، كما نبهنا إلى أوجه الضر فيه لنتجنبها، ومن ضمن ذلك الرياضة.
    • ويذكر الشيخ ناصر الشتري أن كتب السنة والحديث قد امتلأت بالحث على الفروسية، والتوصية بها. وأنه صلى الله عليه وسلم كان يحضر المنافسات وكان يكافئ المتفوقين فيها، وكان يسمح للآخرين بمكافأة المتبارين بصورة خاصة تشجيعاً واستحباباً.
      ولقد أجمع الفقهاء العلماء من السلف الصالح على أن ما صح من أقوال، وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم مما نقله الثقاة عبر القرون إنما هو من السنة الشرعية الشريفة. يقول الله في كتابه العزيز:
      )وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين([المائدة ـ 92].
      ولقد حفلت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بالأقوال والأحاديث التي دعا فيها إلى ممارسة الرياضة، وفي أحيان كثيرة ثبت أنه كان يمارسها بنفسه، بل كان يحض المسلمين على ممارستها والتمسك بها، وكان صلى الله عليه وسلم يلاعب الأطفال ويتباسط معهم ويلاطفهم، ولأهمية السنة المطهرة في توضيح مكانة الرياضة في الإسلام، يمكن أن تصنف السنة العطرة في ضوء علاقتها بالرياضة على النحو التالي:
      ـ أحاديث الرسول وتوجيهاته بشأن الرياضة.
      ـ ربط الرسول بين ممارسة الرياضة والجهاد وثوابهما.
      ـ وقائع ممارسة الرسول للرياضة بنفسه.
      ـ اهتمام الرسول بملاعبة وتربية الأطفال.
    • أولاً: أحاديث الرسول وتوجيهاته بشأن الرياضة:

      اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم أشد الاهتمام بحث المسلمين على ممارسة الرياضة وبخاصة تلك الأنشطة ذات القيمة العالية في إكساب جسم الإنسان اللياقة البدنية والمهارة والصحة والترويح المباح.
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ».
      وفي صحيح مسلم عن عقبة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي، وكررها ثلاث مرات »، وهكذا فسر لنا الرسول المقصود بالقوة سواء في حديثه (المؤمن القوي) أو في الآية الكريمة )وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ... (.
      وذكر ابن القيم أن شيل الأثقال عمل مباح كالصراع (المصارعة)، ومسابقة الأقدام (الجري)، فقد مر الرسول صلى الله عليه وسلم بقوم يربعون حجراً ليعرفوا الأشد منهم فلم ينكر عليهم ذلك.
      وهكذا أقر الرسول هذا التباري الشريف في (الربع) وهي رياضة قديمة ولم ينكرها فهي تنمي القوة وبعض صفات اللياقة البدنية، كما سابق الرسول بين الخيل ففي الصحيحين عن حديث ابن عمر، قال:"سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل فأرسلت التي ضمرت منها وأمدها الحيفاء إلى ثنية الوداع، والتي لم تضمر أمدها من ثنية الوداع حوالي ستة أو سبعة أميال، والمسافة بين ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ميل واحد" .
      وفي مجمع الزوائد عن عبد الله بن عمر:
      " أن النبي صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل وراهن" رواة الحديث ثقات.

      ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سابق بين الخيل وهذا دليل على الترغيب برياضة الفروسية
      وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن موقفه من السباق مجرد السماح به، وإنما الحض عليه، بل وتكريمه للفائز.
      وذكر أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « لا سبق إلا في خف، أو حافر، أو نصل » ورد في الجامع الصغير للسيوطي.
      وقد فسره ابن القيم على معنين، الأول أنه لا تعطي تعني الجعل (المكافأة) إلا عن هذه المسابقات الثلاث، أو أنه لا يجوز المسابقة على غيرها بعوض (برهان) ويميل ابن القيم إلى المعنى الثاني.
      وفي سنن أبي داود عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل وفضل القرح في الغاية".
      وفسر ابن القيم القرح على أنها جمع قارح، وهو الجواد الذي دخل عامة الخامس.
      وجاء في البخاري عن أنس بن مالك أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى الغضباء وكانت لا تسبق، فسبقها أعرابي، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « حق على الله أن لا يرتفع شئ من الدنيا إلا وضعه ».
      وقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرمي بالقوس والسهم وأكد على تعلمها أشد التأكيد، وقد قال ابن القيم عنها أنها أجل هذه الأنواع على الإطلاق وأفضلها، يقصد أفضل أنواع الرياضة.
      وفي صحيح مسلم من حديث عقبة بن عامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا » أو « فقد عصاني ».
      وفي لفظ آخر عن الطبراني قال رسولالله صلى الله عليه وسلم: «من تعلم الرمي فنسيه كان نعمة أنعمها الله عليه فتركه».
      ولقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرماية بالقوس وحث المسلمين على التمسك بهذه الرياضة النبيلة، وفضلها عن ما سواها من سائر ألوان الرياضة بما في ذلك ركوب الخيل

      لقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرمي بالقوس والسهم وأكد على تعلمها أشد التأكيد
      وعن جابر أنه قال: شكا ناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من التعب، فدعا لهم، وقال: «عليكم بالنسلان » أي الإسراع في المشي، فانتسلنا(2)فوجدناه أخف علينا.
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو إلا أربع خصال: مشى الرجل بين الغرضين، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعلمه السباحة » والمشي بين الغرضين يقصد به التحرك ما بين هدفي الرمي بالقوس وتأديب الفرس بمعنى تدريبه وتعليمه.
      وفي هذا الحديث يشير الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اللهو (الترويح) الحلال الذي يؤجر عليه المسلم.
      وقد فسر ابن القيم هذا الحديث بأنه لو لم يكن في النضال إلا أنه يزيل الهم، ويدفع الغم عن القلب لكان ذلك كافياً في فضه، وقد جرب ذلك أهله.
      وفي ذلك إشارة واضحة للقيم الترويحية للرياضة، والتي يتصور البعض أنها، أي الرياضة، إنما جعلت للمنافسة فقط.
      وفي رواية للطبراني عن صالح بن كيسان عن عقبة بن عامر: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « الأرض ستفتح عليكم وتكفون المؤنة فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه».
      هذا الحديث يؤكد نفس المعنى في الحديث السابق في أهمية مزاولة الرياضة على سبيل الترويح، فممارس الرمي في عهد الرسول، وما تلاه من عصور كمن رمى عصفورين أو أكثر بحجر واحد فهو ترويح، ولياقة ومهارة، وفي نفس الوقت تدريبعلى أعمال الجهاد، وهو أحد الأهداف الكبرى للدولة الإسلامية، وهكذا جمع الرسول بين أكثر من قيمة في نشاط واحد له بعد ترويحي (مباشر) وله بعد جهادي غير مباشر أو بعيد المدى وهذه المعالجة تفيد في صياغة الأهداف التربوية للأطفال والشباب بحيث يجب أن تنال منا وقفه، باعتبارها أسلوباً تربوياً ذكياً في صياغة المرامي وصبغها باللعب والترويح.
      وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
      « علموا أبنائكم السباحة والرماية، ونعم لهو المؤمنة في بيتها المغزل، وإذا دعاك أبواك فأجب أمك».
      ولا يوجد أي شك الآن في أن أجمل وأبهج ألوان الرياضة الترويحية هي الرياضيات المائية، فهي أعلى الأنشطة الترويحية قيمة وفائدة فضلاً عما يصاحبها من مشاعر ممتعة وما يعقبها من إزالة التوتر والهموم.
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما تشهد الملائكة من لهوكم إلا الرهان والنضال»الجامع الصغير للسيوطي.
      والرهان هو المسابقة بين الخيل، والنصال هو الرمي بالقوس والسهم. ولقد كان سباق الخيل ومشاهدته الممتعة من الأمور التي تثير المشاعر البهجة وتضفي السرور.
      أبو لبيد لمازة بن زبار قال أرسلت الخيل زمن الحجاج فقلنا لو أتينا الرهان قال فأتيناه ثم قلنا لو أتينا إلى أنس بن مالك فسألناه هل كنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأتيناه فسألناه فقال " نعم لقد راهن على فرس له يقال له سبحة فسبق الناس فهش لذلك وأعجبه" ورد في مسند أحمد وفي مجمع الزوائد برواية أخرى.
      وورد في الصحيحين :عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان، تغنيان بغناء بعاث: فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهزني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال: (دعهما). فلما غفل غمزتهما فخرجتا. وكان يوم عيد، يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم، وإما قال: (تشتهين تنظرين). فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: (دونكم يا بني أرفدة). حتى إذا مللت، قال: (حسبك). قلت: نعم، قال: (فاذهبي).
    • ثانياً: ربط الرسول بين ممارسة الرياضة والجهاد وثوابهما:

      ربط الرسول صلى الله عليه وسلم بين بعض المناشط الرياضية وبين الجهاد لإدراكه أهمية الإعداد البدني والمهاري في المعارك الإسلامية التي تخاض بقصد الجهاد في سبيل الله، فقد أكد أشد التأكيد على تلك الرياضات التي تخدم أهداف الجهاد ومقوماته كالرمي بالقوس والنبل، وركوب الخيل، وأوضح ثواب ذلك للمسلم، بل أوضح كذلك عقاب من يترك هذه الرياضات وما تئول إليه أحواله إن فعل ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى.
      وبذلك ربط الرسول صلى الله عليه وسلم بين الرياضة وأهداف الدولة، ولم نعرف في تاريخ المجتمعات البشرية عبر العصور المختلفة أن التربية البدنية والرياضية قد نجحت وازدهرت بمعزل عن أهداف مجتمعها، وهكذا نجحت الرياضة في عصر الرسول ونالت هذه المكانة المرموقة بين سائر النظم الاجتماعية وأنماط الثقافة في الدول الإسلامية الأولى.
      وجاء في السنن عن عقبة بن عامر، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة أنفار الجنة، صانعه المحتسب في عمله الخير، والرامي به، والممدد به »، وفي لفظ آخر: « ومنيله، فأرموا واركبوا، وأن ترموا أحب من أن تركبوا، كل لهو باطل، ليس من اللهو محمود إلا ثلاثة: تأديب الرجل لفرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله، إنهن من الحق ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة فإنها نعمة تركها، (أو قال: كفرها)».
      ولقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر ».ولقد بلغ من تكريم الرسول صلى الله عليه وسلم للرمي وتفضيله على سائر الرياضات أن أسقط الكفارة في أيمان الرماة (الحلف والقسم).
      وجاء في سنن ابن ماجة عن علي بن أبي طالب، قال: كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس عربية فرأى رجلاً بيده قوس فارسية فقال: ما هذه؟ ألقها وعليكم بهذه وأشباهها ورماح القنا، فإنهما يزيد الله بهما في الدين، ويمكن لكم في البلاد.
      ولقد سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل ودعا إلى ركوبها والتمرس عليها وطالب بتعهدهاورعايتها، فهي سلاح المسلم في الجهاد ومركبته التي يكر ويفر ويناور ويحاور بها. وذكر أبو داود في الجهاد، والنسائي في الخيل، من حديث أبي وهب الجشمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
      « الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها. فامسحوا بنواصيها، وادعوا لها بالبركة، وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار». وجاء في البخاري، وأحمد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« من احتبس فرساً في سبيل الله، إيمانا بالله، وتصديقا بوعده، فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة».
    • ثالثاُ: وقائع ممارسة الرسول صلى الله عليه وسلم للرياضة بنفسه:

      قال تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )لم يكن موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرياضة مجرد الحث والترغيب في دفع المسلمين على ممارستها، ولم يكتف بتوضيح أدوارها في الجهاد في سبيل الله وثواب ذلك عند الله عز وجل، وإنما أعطانا القدوة والمثل في ذلك فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مارس الرياضة بنفسه في وقائع عديدة ثابتة في سنته المطهرة.
      وقد جاء في صحيح البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون بالسوق، فقال: « ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً، ارموا وأنا مع بني فلان ». قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما لكم لا ترمون؟ » قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟، فقال: « ارموا وأنا معكم كلكم ».
      وذكر السيوطي في رسالته (المسارعة إلى المصارعة) ما أخرجه البيهقي في (الدلائل) ما ذكره ركانة بن عبد يزيد ـ وكان أشد الناس، قال: كنت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم في غنيمة لأبي طالب نرعاها في أول ما رأى إذ قال لي ذات يوم، « هل لك أن تصارعني؟ »، قلت له أنت؟، قال: « أنا »، فقلت على ماذا؟ قال: « على شاة من الغنم » فصارعته فصرعني، فأخذ مني شاة، ثم « هل لك في الثانية »، قلت: نعم، فصارعته فصرعني، وأخذ مني شاة، فجعلت أتلفت هل يراني إنسان، فقال مالك، قلت لا يراني بعض الرعاة فيجترئون علي، وأنا في قوى من أشهدهم، قال: هل لك في الصراع الثالثة ولك شاة "، قلت: نعم، فصارعته فصرعني، فأخذ شاة، فقعدت كئيباً حزيناً، فقال: " مالك " ؟ قلت: إني راجع إلى عبد يزيد وقد أعطيت ثلاثاً من نعاجه، والثاني أني كنت أظن أني أشد قريش، فقال: " هل لك في الرابعة "، فقلت لا بعد ثلاث، فقال أما قولك في الغنم فإني أردها عليك "، فردها علي، فلم يلبث أن ظهر أمره، فأتيته فأسلمت، فكان مما هداني الله أني علمت أنه لم يصرعني يومئذ بقوته، ولم يصرعني يومئذ إلا بقوة غيره ".
      ويتضح لنا جلياً في سياق الحديث الشريف، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد التزم بأخلاق المسلم عند انتصاره فرد إليه غنمه في سماحة وعن طيب خاطر وهو ما يطلقون عليه في الرياضة المعاصرة (الروح الرياضية)، أو اللعب النظيف.
      وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود ، من حديث عائشة قالت: سابقني النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبقني قال: « هذه بتلك ». وفي رواية أخرى، أنهم كانوا في سفر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه تقدموا فتقدموا، ثم قال لعائشة. سابقيني فسابقها فسبقته، ثم سافرت معه أخرى فقال لأصحابه: « تقدموا » ثم قال سابقيني فسبقته ـ ثم سابقني وسبقني ـ فقال: " هذه بتلك ".
      ومن المهم أن نعمد إلى هذا الحديث الشريف فندرسه دراسة وافية في ضوء عدة اعتبارات إسلامية هامة تتمثل في:
      ـ مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بأن « يتقدموا » قبل أن يساق عائشة في المرتين، فمن الواضح أن هناك حكمة في ذلك، فلا يشاهدها الرجال وهي تجري، إذا فهناك آداب شرعية يجب أن تراعي في رياضة المرأة المسلمة، فكلنا نعلم ما يكون عليه جسم المرأة من حال أثناء الجري.
      ـ إن الرسول لم يحرم المرأة من حقها في الرياضة والترويح ما دامت في أطار الشرع الحنيف.
      ـ أن ما يعمد إليه بعض المتزمتين من منع تام لرياضة المرأة حتى ولو كانت في الإطار الشرعي، لا يمكن تفسيره إلا أنها مخالفة للسنة النبوية الشريفة، فضلاً عن إضعاف صحة ولياقة (أمهات المسلمين) وإصابتهن بأمراض قلة الحركة والسمنة وإرهاق القلب، الأمر الذي يثمر لنا خلقاً ضعيفاً وأجيالاً وهنة غير صحيحة.
      قال ابن إسحاق في المغازي: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى بقوسه يوم أحد حتى أندقت سيتها فأخذها قتادة بن النعمان فكانت عنده.
      وذكر ابن القيم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أبصر ترقوة أبي بن خلف من فرجة في سابغة الدرع والبيضة فطعنه بحبته فوقع أبي عن فرسه وكشر له ضلع وكان ذلك يوم أحد.
      ذكر السيوطي في رسالة [الباحة في فضل السباحة] إلى تعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم السباحة، وذلك عندما بلغ ست سنين خرجت به أمة إلى أخواله بني عدي ابن النجار، حيث نزلت به في دار النابغة، فأقامت به عندهم شهر فكان رسول الله يذكر أموراً في مقامه ذلك فكان يقول: " ههنا نزلت بي أمي، وفي هذا الدار قبر أبي عبد الله بن عبد المطلب وأحسنت العوم في بئر بني عدي بن النجار ".
    • رابعاً: اهتمامه صلى الله عليه وسلم بتربية الأطفال ولعبهم:

      وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على أن نعامل الأطفال باللطف واللين ونربيهم من خلال اللعب والنشاط وأن نتباسط فنعاملهم على قدر عقولهم ومن أقواله: « من كان له صبي فليتصابى له». فقد كان صلى الله عليه وسلم رقيق المعاملة للأطفال، وكثيراً ما كان يدعوهم للعب بين يديه.
      وأخرج أبو يعلى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: رأيت الحسن والحسين على عاتقي النبي صلى الله عليه وسلم ، قلت: نعم الفرس تحتكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ونعم الفارسان هما ».
      وفي رواية الطبراني عن جابر قال: " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمشي على أربعة (أي على يديه ورجليه) وعلى ظهره الحسن والحسين، وهو يقول: نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما ".
      ومن الطريف أن كثيراً من الآباء المسلمين المحدثين يمارسون نفس هذه اللعبة مع أبنائهم بتلقائية شديدة دون أن يعرفوا أنها سنة عن سيد الخلق أجمعين.
      وربما جاء الحسن إلى المسجد فالتزم ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فيطيل سجوده من أجله ثم يقول لأصحابه بعد الصلاة: « إن ابني ارتحلني، وإني خشيت أن أعجله». كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفرح بين رجليه حتى يمر الحسن أو الحسين من بينهما وهو قائم يصلي.
      وعن أبي داود والنسائي عن أنس قال:
      قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ فقالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « إن الله أبدلكم بهما خيراً منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر ».
      وذكر ابن سعد في (الطبقات): لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد وعرض أصحابه فرد من استصغر، رد سمرة بن جندب، وأجاز رافع بن خديج، فقال سمرة لربيعة مرى بن سنان: " يا أبت، أجاز الرسول صلى الله عليه وسلم رافع خديج وردني، وأنا أصرع رافع بن خديج، فقال مرى بن سنان:" يا رسول الله: رددت ابني وأجزت رافع بن خديج وابني يصرعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرافع وسمرة: " تصارعا "، فصرع سمرة رافعاً، فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد فشهدها مع المسلمين.
    • التعدد

      كثير من الناس مسلمين و غير مسلمين شغلهم هذا الأمر , و ما يزالون شغوفين لمعرفة حكمة التعدد بالنسبة للنبى من مصادرها العربية و أيضاً الشباب المسلم فى أيامنا هذة مازال مشتاقاً لمعرفة الحقيقة الصحيحة و الحكمة المقصودة فى تعدد زوجات النبى , نبدأ بسم الله فى عرض الحقيقة لشبابنا المسلم : 1- عاش النبى حتى سن الخامسة و العشرين عزباً طاهراً نقياً حتى لقبوة بالصادق الأمين , و عاش خمساً و عشرين سنة أخرى مكتفياً بزوجة واحدة هى السيدة خديجة رضى الله عنها التى تكبره بخمس عشرة سنة , مع أن النبى كان شاباً نشيطاً قوياً جذاباً جميلاً , بينما كان لكل رجل من العرب من عشرة إلى عشرين زوجة على الأقل . 2- عاش النبى مع السيدة خديجة لمدة خمس و عشرين سنة و بعد وفاتها ( ثلاث سنوات قبل الهجرة ) تزوج من السيدة سودة بنت زمعة و انفردت به ثلاث سنوات و كان عمرها خمسين سنة و هو ايضاً فى سن الخمسين تقريباً , فلو كان النبى شهوانياً ما قضى سني شبابة مع عجوزين و لم يجمع عليهما.