"أحيوا سنته"

    • أقسام التوكل

      ينقسم التوكل إلى أربعة أقسام ، فانتبه لها جيداً حتى لا تزل قدمك .


      القسم الأول : فهو التوكل على الله تعالى في جميع الأمور، من جلب المنافع ،
      ودفع الضار ، و هذا القسم هو شرط من شروط الإيمان و صحته .

      القسم الثاني : فهو التوكل
      على المخلوقين في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى ، كإنزال المطر ، أو
      شفاء المرضى ، أو تحقيق النصر ، أو غير ذلك مما هو من خصائص الربوبية، فهذا شرك
      أكبر ، يستوجب الخلود في النار أبد الآباد و العياذ بالله .

      القسم الثالث : التوكل على
      المخلوقين ؛ كالأمراء و السلاطين و الوجهاء و المسؤولين فيما أقدرهم الله عليه من
      دفع الأذى و نحوه ، و هذا شرك أصغر ، ينافي كمال التوحيد ، و ينقص درجته ؛ لأنه
      اعتماد على الأشخاص و المخلوقين ، إذ أن التوكل الخاص يجب أن يكون على الله وحده لا
      شريك له .

      القسم الرابع : فهو توكيل إنسان للقيام ببعض المعاملات نيابة عنك ، من بيع و
      شراء و نحو ذلك ، فهذا أمر جائز ، ولكن الأولى أن لا تقول : توكلت على فلان ، و
      إنما وكلت فلاناً في قضاء حاجتي كذا وكذا؛ لأن المسلم يظل في جميع الأمور ،
      معتمداً على الله وحده ، متوكلاً عليه سبحانه.
    • الحاجة إلى التوكل على الله تعالى

      إننا بحاجة جدا ماسة ، إلى العناية بهذا
      الأصل العظيم ، و هذه العبادة المهملة المضيعة - التوكل على الله تعالى -
      فالتوكل عليه سبحانه ، كفيل بتصحيح أوضاعنا ، وانتشالنا من تخلفنا و جمودنا، و
      تحقيق النصر على أعدائنا و خصومنا فالله تعالى يقول (( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى
      اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه)) (الطلاق: 3) .

      و التوكل على الله جل جلاله و
      تقدست أسماؤه ، تحتاجه الأمة كلها على كافة المستويات ، من القمة إلى القاع .


      ـ فالحاكم المسلم : محتاج إلى صدق التوكل على الله تعالى ، و هو يواجه التحديات
      المحيطة من كل جانب ، و الأخطار المحدقة من كل اتجاه ، و هو محتاج إلى صدق التوكل
      على الله ، و هو يواجه الكفرة و الأعداء بكل مكرهم و خبثهم و كيدهم ، و بكل تخويفهم
      و تهديدهم ، و محتاج إلى صدق التوكل على الله و هو يواجه المرجفين في الأرض ، و
      المنافقين المندسين في الصفوف ، يزينون الباطل و يلمعونه ، و يمكرون المكر الخبيث ،
      و يحتاج إلى التوكل على الله تعالى في محاربة أعداء الإسلام ، و جحافل الكفر و
      البغي ، فإن النصر إنما ينزل من السماء بصدق التوكل، و حرارة الدعاء ؛ لا بكثرة عدد
      و لا عدة (( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ
      عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ
      مُدْبِرِينَ)) (التوبة: من الآية25) .

      ـ
      والتوكل على الله يحتاجه العالم الرباني :
      حين
      يُحتاج إلى كلمته العادلة الفاصلة في مجريات الأمور و الأحداث ، و عند حلول الفتن و
      النكبات ، و يحتاج إلى التوكل على الله حين تشرئب أعناق الأمة منتظرة فتاويه في
      دقائق الأمور و عظمائها ، فيقول كلمة الحق لا يخشى في الله لومة لائم .


      ـ و الداعية المسلم : محتاج إلى التوكل على الله تعالى ، أياً كان موقعه ، مدرساً
      كان أو موظفاً ، خطيباً أو مسؤولاً ، فالدعوة طريق شاق طويل ، تحتاج إلى صدق اللجوء
      إلى الله ، و حسن التوكل عليه سبحانه، فالمتربصون بالدعوة كثر لا كثرهم الله ، و
      الواقفون في طريقها متوافرون في كل مكان و زمان .

      ـ و التوكل على الله تعالى يحتاجه رجل الحسبة ، و هو يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر ، و يقطع دابر الفساد
      غير هياب و لا وجل ، معتمداً على الله وحده ، طالباً العون و التوفيق منه سبحانه ،
      متبراً من حوله و قوة نفسه .

      و بالجملة فالتوكل يحتاجه كل من رضي بالله
      رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد نبياً .

      والله أعلم وصلى الله وسلم على
      نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
    • صلاة التراويح

      من السنن التي سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة في شهر رمضان، صلاة التراويح، التي اتفق أهل العلم على أنها سنة مؤكدة في هذا الشهر الكريم، وشعيرة عظيمة من شعائر الإسلام؛ وقد ثبت في أحاديث كثيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغِّب في قيام رمضان، من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه.

      وقد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة ثم ترك الاجتماع عليها؛ مخافة أن تفرض على أمته، كما ذكرت ذلك عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

      ثم استمر المسلمون، بعد ذلك يصلون صلاة التراويح كما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يصلونها كيفما اتفق لهم، فهذا يصلي بجمع، وذاك يصلي بمفرده، حتى جمعهم عمر رضي الله عنه على إمام واحد يصلي بهم التراويح، وكان ذلك أول اجتماع الناس على قارئ واحد في رمضان.

      روى البخاري في "صحيحه" عن عبد الرحمن بن عبد القاري، قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع -أي جماعات متفرقة- يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط -الجماعة من الرجال- فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحدٍ لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أُبيِّ بن كعب. ثم خرجتُ معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نِعْم البدعة هذه، والتي ينامون عنها، أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله.

      وروى سعيد بن منصور في "سننه": أن عمر رضي الله عنه جمع الناس على أُبيِّ بن كعب، فكان يُصلي بالرجال، وكان تميم الداري يُصلي بالنساء.
    • أما عن عدد ركعاتها، فلم يثبت في تحديدها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام أنه صلاها إحدى عشرة ركعة كما بينت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سُئلت عن كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فقالت: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً" متفق عليه، ولكن هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم لا يدل على وجوب هذا العدد، فتجوز الزيادة عليه، وإن كان المحافظة على العدد الذي جاءت به السنة مع التأني والتطويل الذي لا يشق على الناس أفضل وأكمل.

      وثبت عن بعض السلف أنهم كانوا يزيدون على هذا العدد، مما يدل على أن الأمر في ذلك واسع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "له أن يصلي عشرين ركعة، كما هو مشهور من مذهب أحمد والشافعي, وله أن يصلي ستا وثلاثين، كما هو مذهب مالك, وله أن يصلي إحدى عشرة ركعة، وثلاث عشرة ركعة...والصواب أن ذلك جميعه حسن كما قد نص على ذلك الإمام أحمد رضى الله عنه، وأنه لا يتوقت في قيام رمضان عدد فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت فيها عدداً، وحينئذ فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره".

      وأما وقتها فيمتد من بعد صلاة العشاء إلى قبيل الفجر والوتر منها، وله أن يوتر في أول الليل وفي آخره، والأفضل أن يجعله آخر صلاته لقوله عليه الصلاة والسلام: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا) متفق عليه، فإن أوتر في أوله ثم تيسر له القيام آخر الليل، فلا يعيد الوتر مرة أخرى، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وتران في ليلة) رواه الترمذي وغيره.

      ويجوز للنساء حضور التراويح، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) رواه البخاري ومسلم، ولكن بشرط عدم الفتنة، فتأتي متسترة متحجبة من غير طيب ولا زينة ولا خضوع بالقول، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة) رواه مسلم.



      فحرصاً اخوتي في الله على المحافظة على هذه السُّنَّة المباركة، وأدائها مع الجماعة، ولا تنصرفوا منها حتى يسلم الإمام ليكتب لكم أجر قيام ليلة ، وفقنا الله وإياكم لكل خير.
    • وأخيرا أذكر نفسي واياكم
      * اتقوا الله في صيامكم وقيامكم ودعائكم .. ولا تكونوا كالتي
      نقضت غزلها ، تصومون النهار وتقومون الليل وتبكون مع الإمام ثم تذهبون بعد ذلك
      وتضيعون أجوركم ، فالعين التي كانت تدمع تنظرون بها إلى الحرام من أفلام متبرجة
      ومختلطة ، والأذن التي تأثرت بما سمعت تسمعون فيها الغناء واللغو ، واللسان الذي
      كان يُوَّمِّن على الدعاء تطلقونه في الغيبة والنميمة والكذب والسخرية والقيل
      والقال والسباب والشتائم ، وغير ذلك من آفات اللسان ، والقلب الذي خشع وسكن في
      القراءة هو نفسه يحمل الحقد والغل والكراهية للمسلمين ، فلا يصح هذا منا أبداً ،
      وتذكروا أنه ؛ (( رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش )) [رواه أحمد وهو صحيح] ،
      وقوله عليه الصلاة والسلام : (( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن
      يدع طعامه وشرابه )) [رواه البخاري ].
      ولا
      تكن ممن إذا خلى بمحارم الله انتهكها ، فهذا أمر عقوبته وخيمة .
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لأعلمن أقواماً من
      أمتي يأتون بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء ، فيجعلها الله هباءً منثوراً أما إنهم
      إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله
      انتهكوها )) [صحيح الجامع 5028]


      إذا خلوت بريبة في ظلمة *** والنفس داعية إلى العصيان
      فاستحي من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني

      وأُذكّر نفسي وإياكم
      أولاً وأخيراً بإخلاص النية لله وإتباع السنة في القيام وغيره ، وقال صلى
      الله عليه وسلم : (( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ))
      [رواه البخاري ومسلم]
      أسأل الله جل وعلا أن ينفعنا بهذه الوقفات ، وأن يرزقنا
      الإخلاص والسداد واالقبول .

      وكل عام وأنتم الى الله أقرب